الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإكراه لا ينفع أحداً فيما يتعلق بالرضى القلبي، والميل الباطني إلى الكفار لأنه غير مأذون فيه على أية حال لقوله تعالى (وقلبه مطمئن بالإيمان) ولأن الإكراه لا سلطان له على القلوب. فإنه لا يعلم ما في القلب إلا الله.
فمن والى الكفار بقلبه ومال إليهم فهو كافر على كل حال. فإن أظهر موالاته بلسانه أو بفعله عومل في الدنيا بكفره وفي الآخرة يخلد في النار، وإن لم يظهرها بفعل ولا قول وعمل بالإسلام ظاهراً عصم ماله ودمه وهو منافق في الدرك الأسفل من النار (1) .
موقف المسلم تجاه هذه الصور:
الولاء والبراء هو الصورة الفعلية للتطبيق الواقعي لهذه العقيدة وهو مفهوم ضخم في حس المسلم بمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة. والله سبحانه وتعالى يقول:
{قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { [سورة البقرة: 256] .
والله جل جلاله أراد للمسلم - بل للإنسان - الكرامة في هذه الأرض
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ { [سورة الإسراء: 70] .
فحين يكون ولاء المسلم لله ولدينه وحزبه المؤمنين فهو بهذا يقدر هذا التكريم
(1) انظر الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين (ص 147 - 148) .
حق قدره، ويعبد الله حق عبادته، لأنه تخلى بل وعادى كل عبودية تريد إخضاعه لسلطانها من دون الله.
أما حين ينتكس فيعبد غير الله – سواء بالشعائر أم بالشرائع أم بالطاعة والانقياد – فإنه بهذا يهبط من تلك المكانة والكرامة إلى عبودية أهواء شتى، وآراء ومذاهب تمزق عليه حياته وتضيع عليه آخرته، فيعيش شقياً – وإن زعم أنه سعيداً – ذلك أن مقياس السعادة والشقاوة، في التصور الإسلامي نابع من عبادة الله وحده وتحكيم شرعه والخلوص له، أو عكس ذلك: عبادة الطاغوت والهوى والشهوة وتلك هي دركات الشقاء التي يعيش فيها كل من أعرض عن هدى الله ودينه.
وموالاة غير المؤمنين – فضلاً عن أنها ردة وعصيان لله سبحانه – هي مصدر التذبذب والفصام النكد في حياة فاعلها، لأنه لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وفي هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم، واضطربت فيه الآراء، وخلط الحق بالباطل بل أقصي الحق ورفعت شارة الباطل: أين يقف المسلم؟ أين يكون ولاؤه ولمن يكون وهو يرى الكفر الصريح معلناً ومنفذاً في حياة الناس ثم يوضع لذلك (لافتة بسيطة) إن هذا لا يتعارض مع الإسلام؟ ومثال ذلك من يدين بالاشتراكية أو الديمقراطية أو العلمانية أو القومية أو الشيوعية ثم يقال: هذا لا يعارض الإسلام لأنه علاقة بين العبد وربه. لمن يكون ولاء المسلم وهو يرى شرع الله مبعداً من الأرض ومحارباً، ثم يستورد القانون البشري ليكون هو دستور الناس في حياتهم ومنهج مسيرتهم ويقال، إن هذا لا يعارض الإسلام لأن التشريع الإسلامي – سواء قيلت بلسان الحال أو المقال، - لم يعد مسايراً لركب الحضارة والتطور؟!
لمن يكون ولاء المسلم وهو يرى المنافقين يتمسحون باسم الإسلام وهم في الحقيقة أخطر على الدين من أعدائه الصرحاء؟
هذه أسئلة وأسئلة غيرها كثيرة.. والإجابة عليها تكمن في الحقيقة التالية: إنه لا يمكن للمسلم أن يكون ولاؤه لله ولدينه وللمؤمنين خالصاً إلا إذا كان مدركاً
لحقيقة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) متمثلاً لها، مدركاً مدلولها ومعناها عارفاً بمقتضياتها ولوازمها.
ثم علمه بالجاهلية والشرك والكفر والردة والنفاق حتى لا يكون مصيدة للوقوع في هذا الشر. لأنه لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية.
ثم علمه بحقيقة الولاء والبراء في المفهوم الإسلامي الصحيح وهو: أن الولاء والحب والنصرة للمؤمنين من أي جنس كانوا وبأي لغة نطقوا وفي أي مكان حلوا، لأنه لا يؤمن بما تؤمن به الجاهليات من لوثة الدم ونتن العرق وخسة التراب.
فهو مع إخوانه المؤمنين بقلبه ولسانه وماله ودمه، يألم لألمهم ويفرح لفرحهم وبغضه وبراءه لجميع أعداء الله سواء كانوا كفاراً أصليين أم مرتدين أم منافقين وموقفه منهم: الجهاد بالنفس والمال والقلم واللسان وكل ما أوتي من طاقة وعلى حسب جهده وطاقته.
إن هذه الحقيقة هي التي – إذا أدركها المسلم وعمل بها يستطيع بها أن يحدد موقعه من كل صورة من الصور السابقة وغيرها، فيعرف من يوالي ومن يعادي، وماذا يريد الإسلام منه وماذا يريد للإسلام من أعدائه.
وهو بهذا يكون مسلماً واعيًاً بعزة الله غير واهن ولا حزين لأن الله معه وهو القائل:
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (1)[سورة آل عمران: 139] .
ومن كان الله معه فلن تضيره أن تجتمع البشرية بكاملها لأن تضره فهي بمجموعها لا تستطيع ذلك إلا إذا كان الله يريد له ذلك وإلا فهي أعجز من أن تنال منه شيئاً بسيطاً بغير قدر الله وإرادته.
(1) حبذا مراجعة كتاب (هل نحن مسلمون)(ص47) .