الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
هجر أصحاب البدع والأهواء
من تكاليف الولاء والبراء: هجر أصحاب البدع والأهواء والبراءة من معتقداتهم الفاسدة ونحلهم الباطلة. وقد تكلمت في الفصل الثالث من الباب الأول عن طرف من موقف السلف من هؤلاء المبتدعة، وذكرت هناك تعريف البدعة وتقسيمها إلى كفرية وغير كفرية.
أما الحديث هنا فيأتي لبيان أن هجرتهم وعدم مخالطتهم والإنكار عليهم واجب من واجبات الولاء والبراء، ومقتضى من مقتضياته، لأن المنطلق في هذه القضية هو حب الله وحب ما يحبه وبغض من يبغضه أو يرتكب ما يبغضه. وفساد الدين إنما يأتي من إحدى طريقتين أو هما معاً: فإما أن يقع بالاعتقاد الباطل والتكلم به وهو الخوض، أو يقع في العمل بخلاف الحق والصواب وهو الاستمتاع بالخلاق.
فالأول: البدع، والثاني: اتباع الهوى، وهذان هما أصل كل شر وفتنة وبلاء. وبهما كذبت الرسل، وعصي الرب، ودخلت النار، وحلت العقوبات. لأن الفساد في الاعتقاد يأتي من جهة الشبهات والفساد في العمل يأتي من جهة الشهوات ولهذا كان السلف يقولون: احذروا من الناس صنفين: صاحب هوى فتنه هواه وصاحب دنيا أعجبته دنياه (1) .
(1) إعلام الموقعين لابن القيم (1/136) وانظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (ص25) .
ويقولون أيضاً: احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فان فتنتهما فتنة لكل مفتون، لأن الأول يشبه المغضوب عليهم الذين يعملون الحق ولا يتبعونه، والثاني يشبه الضالين الذين يعملون بغير علم (1) .
وخطورة البدعة تكمن في أنها تناقض (الاستسلام لله وحده) كما قال بعض السلف: (قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم)(2) وهي - كما قال الإمام سفيان الثوري - أحب إلى إبليس من المعصية، لأن البدعة لا يتاب منها، أما المعصية فيتاب منها. وذلك أن المبتدع الذي يتخذ ديناً لم يشرعه الله ورسوله قد زين له سوء عمله فرآه حسناً، فهو لا يتوب ما دام يراه حسناً، لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه. فما دام يرى فعله حسناً - وهو سيئ في نفس الأمر - فإنه لا يتوب.
ولكن التوبة ممكنة وواقعة بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق، كما هدى الله من هدى من الكفار والمنافقين وطوائف أهل البدع والضلال، وذلك بأن يتبع من الحق ما علمه لأن الله يقول:
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ { (3)[سورة محمد: 17] .
وإذا انتشرت الجهالة بدين الرسل بين الناس، ونما زرع الجاهلية في نفوسهم: سارعت الطباع إلى الانحلال من ربقة الاتباع لأن النفس فيها نوع من الكبر فهي تحب أن تخرج من العبودية بحسب الإمكان كما قال أحد السلف: ما ترك أحد سنة إلا تكبر في نفسه (4) وكما قلنا في الفصل الثاني من الباب الأول: أن العداوة بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان أمر محتم وواقع فإن العداوة هنا بين المتبع والمبتدع تأخذ نفس المرتبة والشأن ولذلك قال الشوكاني: العداوة
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص25) .
(2)
شرح السنة للبغوي (1/171) .
(3)
انظر التحفة العراقية لابن تيمية (ص 38) .
(4)
ملحق مؤلفات الإمام محمد بن عبد الوهاب (ص87) طبعة جامعة الإمام.