الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
تعامل المسلمين مع غير المسلمين
وفيه ثلاثة مباحث
-
المبحث الأول: الفرق بين الموالاة وحسن المعاملة:
(كلمة حول ما يسمى بزمالة الأديان)
أجدني مضطراً لذكر هذه المسألة لتوضيح وبيان وجه الحق والصواب حول هذا المفهوم الخاطئ، الذي خلط فيه الحق بالباطل. وطالب العلم المبتدئ - مثلي - يعجب لمشايخ كبار من أهل العلم "وقعوا في هذا الفخ الذي تولى كبر الدعوة له أعداء هذا الدين من صليبيين ويهود"!
ويراد من وراء هذا التقريب والزمالة المزعومة إضاعة تميز المسلم وانصهار شخصيته في تيار هذه الدعوة المشبوهة.
ونحب أن نقرر - ابتداء - أن الرسالات السماوية التي أنزل الله بها رسله عليهم السلام كلها تدعو إلى عبادة الله وحده قال تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ { [سورة النحل: 26] .
مع اختلاف في الشرائع اقتضتها حكمة ربانية لا نعلمها.
ولكن الرسالات التي سبقت الرسالة المحمدية الخاتمة: اعتورها التحريف والتبديل الذي صنعته أيد بشرية.
{يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ { [سورة البقرة: 79] .
لذلك اقتضت مشيئة الله وحكمته أن تكون رسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات وناسخة لما قبلها من الشرائع.
ولا بد: أن نورد طرفاً من أقوال دعاة التقارب بين الأديان كما يسمون أنفسهم الذين يزعمون أنهم بصنيعهم هذا يخدمون الإسلام والبشرية كلها.
يقول الشيخ مصطفى المراغي في رسالة بعث بها إلى مؤتمر الأديان العالمي:
(اقتلع الإسلام من قلوب المسلمين جذور الحقد الديني بالنسبة لأتباع الديانات السماوية الأخرى وأقر بوجود زمالة عالمية بين أفراد النوع البشري. ولم يمانع أن تتعايش الأديان جنباً إلى جنب)(1) ؟
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة: (إذا اختلفت الأديان فإن أهل كل دين لهم أن يدعوا إلى دينهم بالحكمة والموعظة (!!) من غير تعصب يصم عن الحقائق ولا إكراه ولا إغراء بغير الحجة والبرهان) (2) .
(1) نقلاً عن آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزجيلي (ص63) الطبعة الثانية / سنة 1385 هـ وهذا الرجل دعا إلى أكثر من ذلك في تفسيره لبعض آيات القرآن. وتكلم بكلام لا يقره العامي الموحد فضلاً عن طالب العلم والعلماء!!
(2)
العلاقات الدولية في الإسلام (ص42) الناشر الدار القومية للطباعة سنة 1384 هـ.
أما الدكتور وهبة الزجيلي فيقول: (ليس من أهداف الإسلام أن يفرض نفسه على الناس فرضاً حتى يكون هو الديانة العالمية الوحيدة، إذ أن كل ذلك محاولة فاشلة، ومقاومة لسنة الوجود، ومعاندة للإرادة الإلهية)(1) وغير هؤلاء الثلاثة خلق كثير. والذي يظهر لي أن هؤلاء وأمثالهم اعتمدوا ما ذكره شيخهم الأول جمال الدين الأفغاني الذي كان متأثراً بأفكار الماسونية الخبيثة وهو أول من حمل راية الدعوة إلى زمالة الأديان فهو يقول في خاطراته بعنوان "نظرية الوحدة" ما نصه: "وجدت بعد كل بحث وتنقيب وإمعان أن أديان التوحيد الثلاثة على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية وإذا نقص في واحد منها شيء من أوامر الخير المطلق استكمله الثاني (!) .
وعلى هذا لاح لي بارق أمل كبير أن تتحد أهل الأديان الثلاثة مثلما اتحدت الأديان في جوهرها وأصلها وغايتها وأنه بهذا الاتحاد يكون البشر قد خطا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة وأخذت أضع لنظريتي هذه خططاً وأخط أسطراً وأحبر رسائل للدعوة كل ذلك وأنا لم أخالط أهل الأديان كلهم عن قرب وكثب ولا تعمقت في أسباب اختلاف أهل الدين الواحد وتفرقهم فرقاً وشيعاً وطوائف
…
(2) .
وهذه الأقوال فيها من المغالطات ما هو ظاهر لكل ذي عينين، فمن قال: أن الدين الإسلامي يسمح للنصراني: أن يدعو إلى نصرانيته، ولليهودي أن يدعو إلى يهوديته والبوذي أن يدعو إلى بوذيته، وغير ذلك من أديان البشر الوضعية أو الأديان المحرفة؟
هل هؤلاء الدعاة يجهلون ما ذكره القرآن عن بني إسرائيل وقتلهم الأنبياء ثم تحريف التوراة والإنجيل، ثم اللعب بالكتب المنزلة حسبما تمليه عليهم أهواؤهم؟
(1) آثار الحرب (ص65) .
(2)
خاطرت جمال الدين الأفغاني / اختبار عبد العزيز سيد الأهل (ص14) وانظر (ص 158) الناشر دار حراء بالقاهرة.
هل هؤلاء يجهلون قوله تعالى:
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ { [سورة المائدة: 73] .
وقول تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ { [سورة التوبة: 30] .
وقوله تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء { [سورة النساء: 89] .
وقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً { [سورة البقرة: 109] .
وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي تبين عداوة أهل الكتاب للمسلمين ، ورحم الله الأستاذ الجليل، العالم الرباني سيد قطب حين قال: إن سماحة الإسلام مع أهل الكتاب شيء؛ واتخاذهم أولياء شيء آخر، ولكنهما يختلطان على بعض المسلمين الذين لم تتضح في نفوسهم الرؤية الكاملة لحقيقة هذا الدين ووظيفته، الذي يهدف إلى إنشاء، واقع في الأرض وفق التصور الإسلامي الذي
يختلف في طبيعته عن سائر التصورات التي تعرفها البشرية.
إن هؤلاء الذين تختلط عليهم تلك الحقيقة لأنه ينقصهم الحس النقي بحقيقة العقيدة كما ينقصهم الوعي الذكي لطبيعة المعركة وطبيعة أهل الكتاب فيها: ويغفلون عن التوجيهات القرآنية الواضحة الصريحة فيها، فهم يخلطون بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ولرسوله وللجماعة المسلمة، ناسين ما يقرره القرآن من أن أهل الكتاب بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة، وأن هذا شأن ثابت لهم، وأنهم ينقمون من المسلم إسلامه، ولن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم.
وسذاجة أية سذاجة، وغفلة أية غفلة أن تظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين! أمام الكفار والملحدين! فهم مع الكفار والملحدين إذا كانت المعركة ضد المسلمين!
يقول السذج: إننا نستطيع أن نضع أيدينا في أيدي أهل الكتاب للوقوف في وجه المادية والإلحاد - بوصفنا جميعاً أهل دين! ناسين تعليم القرآن كله. وناسين تعليم التاريخ كله.
فأهل الكتاب هؤلاء هم الذين كانوا يقولون للذين كفروا من المشركين
{هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً { [سورة النساء:51] .
وهم الذين ألبوا المشركين على المسلمين في المدينة وكانوا لهم درعاً وردءاً.
وأهل الكتاب هم الذين شنوا الحروب الصليبية خلال مائتي عام. وهم الذين ارتكبوا فظائع الأندلس، وهم الذين شردوا المسلمين في فلسطين وأحلوا اليهود محلهم، متعاونين في هذا مع الإلحاد والمادية!
وأهل الكتاب هم الذين يشردون المسلمين في كل مكان في الحبشة
والصومال وأرتيريا وغيرها حيث يتعاونون في هذا التشريد مع الإلحاد والمادية والوثنية في يوغسلافيا والصين والتركستان والهند وفي كل مكان!
إن هؤلاء الذين يظنون - وهم واهمون - أنه يمكن أن يقوم بيننا وبين أهل الكتاب هؤلاء ولاء وتناصر ندفع به المادية الإلحادية عن الدين: لا يقرأون القرآن، وإذا قرأوه اختلطت عليهم دعوة السماحة التي هي طابع الإسلام فظنوها دعوة الولاء الذي يحذر منه القرآن. ومن هنا يحاولون تمييع المفاصلة الحاسمة بين المسلمين وأهل الكتاب، باسم التسامح والتقريب بين أهل الأديان السماوية. فكما أنهم مخطئون في فهم الأديان هم أيضاً مخطئون في فهم معنى التسامح.
إن الدين الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الدين عند الله. والتسامح يكون في المعاملات الشخصية، لا في التصور الاعتقادي ولا في النظام الاجتماعي. أما هؤلاء، فيحاولون تمييع اليقين الجازم في نفس المسلم الذي يقرر أن الله لا يقبل ديناً إلا الإسلام، وأن على المسلم أن يحقق منهج الله الممثل في الإسلام ولا يقبل دونه بديلاً، ولا يقبل فيه تعديلاً - ولو طفيفاً - قال تعالى:
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ { [سورة آل عمران: 19] .
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ { [سورة آل عمران: 85] .
والإسلام قد جاء ليصحح اعتقادات أهل الكتاب كما جاء ليصحح اعتقادات المشركين والوثنيين سواء، ودعاهم إلى الإسلام جميعاً لأن هو "الدين" الذي لا يقبل الله غيره من الناس جميعاً..والمسلم مكلف أن يدعو أهل الكتاب إلى الإسلام، كما يدعو الملحدين والوثنيين سواء، وهو غير مأذون في أن يكره أحد من هؤلاء ولا هؤلاء على الإسلام، لأن العقائد لا تنشأ في الضمائر بالإكراه، فالإكراه في الدين فوق أنه منهي عنه، هو كذلك لا ثمرة له (1) .
(1) بتصرف: انظر في ظلال القرآن (ج 2/909 - 915) .