الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصورة التطبيقية للولاء والبراء
في الماضي والحاضر
الفصل الأول
كيف طبق السلف الولاء والبراء
تحدثت فيما سبق عن أمثلة من الأمم الماضية التي سبقت الأمة المحمدية ومر معنا بعض الأمثلة والنماذج في عهد النبوة. ولكن ذلك الجيل مليء بالصور المشرقة. لذلك رأيت أن أزيد هذا الأمر وضوحاً وتحليلاً بذكر نماذج أخرى لما لها من أهمية كبرى.
وكل قول لا يدعمه التطبيق العملي يعد زعماً باطلاً لا يمت للحقيقة بصلة ولا للواقع ببرهان.
لذلك فإن التطبيق الواقعي للولاء والبراء هو المقتضى الصحيح والوجه المشرق لمبدأ كلمة التوحيد "لا إله إلا الله محمد رسول الله ".
وإن من المعلوم بالضرورة أن سلف الأمة رضوان الله عليهم هم خير من طبق هذه العقيدة بكل مقتضياتها وتكاليفها.
والحديث عن السلف ممتع وجميل، بل هو من الحوافز العملية التي سجلها
تاريخ الأمة المسلمة ليكون ذلك معلماً من معالم الهداية والرشاد لمن جاء بعدهم، ليستن بسنتهم وينهج نهجهم.
وقد كانوا رضوان الله عليهم يقدرون النعمة التي أنعم الله بها عليهم وهي نعمة الإيمان.
ويقدرون أيضاً فضل نور الله وشريعته الغراء التي بعث بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا {
[سورة الأنعام: 122] .
وقدروا رحمهم الله تربية المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهمية سنته الشريفة قولاً وفعلاً وأدركوا أنهم (لم يكونوا خدمة جنس، ورسل شعب أو وطن، يسعون لرفاهيته ومصلحته وحده، ويؤمنون بفضله وشرفه على جميع الشعوب والأوطان، ولم يخرجوا ليؤسسوا إمبراطورية عربية ينعمون ويرتعون في ظلها، ويشمخون ويتكبرون تحت حمايتها ويخرجون الناس من حكم الروم والفرس إلى حكم العرب وإلى حكمهم أنفسهم. إنما قاموا ليخرجوا الناس من عبادة العباد جميعاً إلى عبادة الله وحده كما قال ربعي بن عامر رسول المسلمين في مجلس يزدجرد "الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ".. " فالأمم عندهم سواء والناس عندهم سواء. الناس كلهم من آدم وآدم من تراب.. لم يبخلوا بما عندهم من دين وعلم وتهذيب على أحد، ولم يراعوا في الحكم والإمارة والفضل نسباً ولوناً ووطناً، بل كانوا سحابة خير انتظمت البلاد وعمت العباد، وغوادي مزنة أثنى عليها السهل والوعر، وانتفعت بها البلاد والعباد على قدر قبولها وصلاحها)(1) .
(1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين (ص 126 - 127) بتصرف بسيط.
ويصعب علي هنا أن أذكر معظم الوقائع والمواقف التي برز فيها تطبيق الولاء والبراء عند سلف الأمة رحمهم الله. ولكنني أقتصر على القليل من ذلك لإعطاء فكرة صادقة وصورة حية، وأمثلة مشرقة لتلك النماذج الإيمانية التي أراد الله أن يحقق بها مثالية هذا الدين، ليعلم الناس أن هذا الدين مثالي واقعي (1) في آن واحد إذا وجد الأكفاء الجديرون بحمله وتبليغه للناس بصدق، وأمانة، وطهر ونقاء، وإخلاص وتجرد وابتغاء ما عند الله.
ومن هذه الأمثلة: موقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كعب بن مالك رضي الله عنه ومن معه من المخلفين الثلاثة، حيث قاطعوهم وهجروهم لتخلفهم عن غزوة تبوك.
وانظر إلى هذه المقاطعة لثلاثة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون خلف رسول الله في مسجد أسس على التقوى: لقد هجروهم ولم يكلموهم حتى في التحية الإسلامية!!
فمن يا ترى من المسلمين اليوم يتبرأ من الذين يحادون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً؟!
أما الموقف العظيم الذي يبرز فيه ولاء المسلم لدينه وإخوانه المؤمنين، حتى وهذا المؤمن مهجور من إخوانه وأحبابه، مقاطع عنهم حتى في رد السلام. مبتلى بإغراء مادي عظيم، ومحسن له المنصب ورفعة المكان في الدنيا: فهو موقف الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه، فإنه - كما جاء في حديثه الطويل - لما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته بهجره ومن معه، حتى زوجته ذهبت إلى أهلها فاجأه أمر عجيب وخطير في آن واحد.
يقول كعب رضي الله عنه (.. فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن
(1) للوقوف على فكرة صحيحة فيما يتعلق بمثالية الإسلام وواقعيته حبذا مراجعة كتاب خصائص التصور الإسلامي للأستاذ سيد قطب فصل الواقعية. وكتاب منهج التربية الإسلامية للأستاذ محمد قطب ج 1 الفصل الأخير وكتاب الإنسان بين المادية والإسلام فصل نظرة الإسلام.