الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
صور الموالاة ومظاهرها
إن جمع صور الموالاة ومظاهرها في فصل مستقل أمر له أهميته في مثل هذا البحث، وذلك حتى يكون القارئ على بينة من الأمور والقضايا التي تمسها قضية الولاء والبراء.
وأحب أن أنبه في هذا المقام على أنني لم ألزم نفسي بتتبع الحكم الشرعي في كل صورة من هذه الصور، وذلك لصعوبة القطع بالحكم في كل قضية، لأنه - كما يقول أهل العلم - قد يكون القول أو الفعل كفراً ولكن هناك ما يصرفه عن ظاهره فيما بين العبد وبين ربه، ولكن على العموم فهذه الصور تتفاوت من كون فاعلها خارجاً من الملة كمن يحب الكفار لأجل كفرهم إلى الكبيرة من الكبائر كتعظيمهم والثناء عليهم (1) . وذلك أن (مسمى الموالاة يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردة كذهاب الإسلام بالكلية، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات)(2) . وقد حرص الدين الإسلامي على إخلاص العبادة (وهي الطاعة والانقياد) لله وحده والبراءة من كل متبوع أو مرغوب، أو مرهوب، وتعلق القلب بربه في الخشية والخوف والرجاء والعون والنصرة، لأن (كل من علق قلبه بالمخلوقين أن ينصروه أو يرزقوه أو يهدوه: خضع قلبه لهم، وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك.. ومعلوم أن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن فإن من استعبد بدنه واسترق وأسر لا
(1) الدرر السنية (7/201) والهدية الثمينة للشيخ عبد الله السليمان بن حميد (ص17) .
(2)
الرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص43) .
يبالي إذا كان قلبه مستريحاً من ذلك مطمئناً، بل يمكنه الاحتيال في الخلاص. أما إذا كان القلب متيماً لغير الله فهذا هو الذل والأسر المحض) (1) .
وخطورة موالاة الكفار تبرز في أن ضررها على المسلمين كافة أعظم من خطر من يكفر في نفسه فقط. ذلك أن (الإضرار بالمسلمين يزيد على تغيير الاعتقاد، ويفعله من يظن سلامة الاعتقاد، وهو كاذب عند الله ورسوله والمؤمنين في هذه الدعوى والظن، ومعلوم أن المفسدة في هذا أعظم من المفسدة في مجرد تغيير الاعتقاد)(2) وإليك تفاصيل موالاة الكفار (3) .
(1)
الرضى بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة (4) .
ويتضح هذا الأمر في كونه ولاء للكفار: إنه يسرهم ويسعدهم أن يروا من يوافقهم على كفرهم ويجاريهم على مذاهبهم الإلحادية.
وقد سبق في التمهيد القول بأن من معتقد أهل السنة والجماعة: إن حب القلب وبغضه يجب أن يكون كاملاً. فالذي يحب الكافر لأجل كفره فهو كافر بإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
(أما حب القلب وبغضه، وإرادته وكراهيته فينبغي أن تكون كاملة جازمة لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان. أما فعل البدن فهو بحسب قدرته. ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطي ثواب الفاعل الكامل، ذلك أن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها، لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله، وهذا من نوع الهوى، فإن اتبعه الإنسان فقد
(1) رسالة العبودية لابن تيمية (95 - 96) .
(2)
الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية: 371.
(3)
من أحسن من كتب في ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأبناؤه، لذلك فمعظم هذه الصور منقولة من كتبه.
(4)
انظر نواقض الإسلام في مجموعة التوحيد (ص129) مطبعة الحكومة بمكة.
اتبع هواه
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ { [سورة القصص: 50](1)
إذن: فالمحبة والرضى أمران جازمان لا يخرجان عن كونهما كفراً إذا كانا للكفار أو إيماناً إذا كانا للمؤمنين.
(2)
التولي العام واتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء أو الدخول في دينهم وقد نهى الله عن ذلك فقال:
{لَاّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ { [سورة آل عمران: 28] .
قال ابن جرير في تفسيرها:
(من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرون على المسلمين فليس من الله في شيء. أي قد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر. (إلا أن تتقوا منهم تقاة) أي إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل) (2)
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
(1) شذرات البلاتين (1/354)(رسالة الأمر بالمعروف)
(2)
تفسير الطبري (3/228) .
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { [سورة المائدة: 51] .
قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها:
(من تولى اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم. أي من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه)(1) .
وقال ابن حزم: صح أن قول الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ {إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين (2) .
وقال ابن تيمية:
أخبر الله في هذه الآية: أن متوليهم هو منهم وقال سبحانه: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء { [سورة المائدة: 81] .
فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً (3) .
وقال ابن القيم:
(إن الله قد حكم ولا أحسن من حكمه أنه من تولى اليهود والنصارى، فهو منهم " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم. وهذا عام، خص منهم من يتولاهم ودخل في دينهم بعد التزام الإسلام فإنه لا يقر ولا تقبل منه الجزية. بل إما الإسلام أو السيف
(1) المصدر السابق (6/277) .
(2)
المحلى: (13/35) تحقيق حسن زيدان سنة 1392 هـ الناشر مكتبة الجمهورية العربية بمصر.
(3)
انظر الإيمان لابن تيمية (ص14) طبع المكتب الإسلامي.
لأنه مرتد بالنص والإجماع، ولا يصح إلحاق من دخل في دينهم من الكفار قبل التزام الإسلام بمن دخل فيه من المسلمين لأن من دان بدينهم من الكفار بعد نزول القرآن فقد انتقل من دين إلى دين خير منه - وإن كانا جميعاً باطلين - وأما المسلم فإنه قد انتقل من دين الحق إلى الدين الباطل بعد إقراره بصحة ما كان عليه وبطلان ما انتقل إليه فلا يقر على ذلك) (1) .
ويستبعد الأستاذ سيد قطب أن يكون بين المسلمين، من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين. وإنما المراد ولاء التحالف والتناصر. يقول رحمه الله:
(إن الولاية المنهي عنها ولاية التناصر والتحالف معهم، ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم، فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين. إنما هو ولاء التحالف والتناصر الذي كان يلتبس على المسلمين أمره، فيحسبون أنه جائز لهم بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله. يوضح ذلك قوله تعالى بشأن المسلمين الذين لم يهاجروا
{مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ { [سورة الأنفال: 72] .
أي ولاية التناصر والتعاون وليس ولاية الدين.
(نقول هذا: لأن البعض يخلط بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة. ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة، وأن هذا شأن ثابت لهم، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم.
(1) أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/67، 69) .
وسذاجة أية سذاجة، وغفلة أية غفلة: أن تظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين!! أمام الكفار والملحدين. فهم مع الكفار والملحدين إذا كانت المعركة ضد المسلمين.
فلندع من يغفل عن هذا ولنكن واعين للتوجيه القرآني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء {الآية (1) .
(3)
الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله كما قال تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً { [سورة النساء: 51] .
ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض أهل الكتاب:
{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {101} وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ { [سورة البقرة: 101-102] .
(1) في ظلال القرآن: بتصرف (2/909 - 910) وسيرد مزيد من التفصيل إن شاء الله عند الحديث عن زمالة الأديان!
فأخبر سبحانه أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب الله كما يفعله كثير من اليهود وبعض المنتسبين إلى الإسلام. فمن كان من هذه الأمة موالياً للكفار: من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة كإتيانه أهل الباطل واتباعهم في شيء من فعالهم ومقالهم الباطل: كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك (1) . وإن هذه الصورة من صور الموالاة قد وقع فيها معظم المنتسبين إلى الإسلام اليوم، فالإيمان ببعض ما هم عليه أمر واقع في (العالم الإسلامي) لا ينكره إلا مكابر جاهل، فها هي الببغوات من أبناء أمتنا وممن ينطقون بألسنتنا قد آمنت بالشيوعية مذهباً تارة وبالاشتراكية تارة أخرى، وبالديمقراطية نظاماً أو العلمانية دستوراً، فأخذت هذه المبادئ الكافرة وطبقتها في بلاد المسلمين ملزمة الناس بعبادتها (في الطاعة والانقياد والتنفيذ) ونصبت العداء لكل مسلم موحد ينادي في الأمة أن تعود إلى كتاب الله وسنة رسوله.
وهذه الردة الجديدة سيأتي تفصيل الحديث عنها إن شاء الله - في الباب الأخير.
وإن من الإيمان ببعض ما هم عليه: مسألة فصل الدين عن الدولة وإنه لا علاقة للإسلام بالسياسة فهذه أيضاً فرع للقضية السابقة لم توجد إلا في أوروبا أيام الاضطهاد الكنسي لرجال العلم. ولكن أين الإسلام دين العدل ودين السياسة ودين القوة من (هرطقة) رجال الكنيسة حتى يأتي بعض الأقزام فيستورد تلك السموم من أوروبا ليلبس الإسلام قناعاً مزيفاً فيقول: الإسلام علاقة بين العبد وربه والسياسة لها رجالها ولها قضاياها التي لا تمت إلى الدين بصلة (2) .
(4)
مودتهم ومحبتهم. وقد نهى الله عنها بقوله:
{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ
(1) انظر فتاوي ابن تيمية (28/199 - 201) .
(2)
هناك كتاب أجلاء أفاضوا الحديث في هذه القضية منهم الأساتذة: د. محمد البهي والأستاذ سيد قطب والأستاذ محمد قطب والأستاذ المودودي وغيرهم. ومن أراد التفصيل الدقيق فعليه بمراجعة كتاب العلمانية وآثارها في العالم الإسلامي للأخ الأستاذ سفر بن عبد الرحمن الحوالي.
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ { [سورة المجادلة:22] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر، فإذا وجد الإيمان انتفى ضده موالاة أعداء الله. فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب)(1) .
وقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ { [سورة الممتحنة: 1] .
(5)
الركون إليهم: قال تعالى:
{وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [سورة هود: 113] .
قال القرطبي: الركون حقيقته: الاستناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء والرضا به (2) . وقال قتادة معنى الآية: لا تودوهم ولا تطيعوهم. قال ابن جريج: لا تميلوا إليهم.
(1) الإيمان: (ص13) .
(2)
: تفسير القرطبي: (9/108) وانظر البغوي والخازن (3/256) أما البيت فهو لطرفة بن العبد.
(219)
المصدر السابق.
وهذه الآية دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم فإن صحبتهم كفر أو معصية. إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة كما قيل
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
…
فكل قرين بالمقارن يقتدى (1) .
وقال تعالى {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً {74} إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا { [سورة الإسراء: 74 - 75] .
وإذا كان هذا الخطاب لأشرف مخلوق صلاة الله وسلامه عليه فكيف بغيره؟ (2) .
(6)
مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين قال تعالى:
{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ { [سورة القلم: 9] .
والمداهنة والمجاملة والمداراة على حساب الدين أمر وقع فيه كثير من (المسلمين) اليوم وهذه نتيجة طبيعية للانهزام الداخلي في نفوسهم. حيث رأوا أن أعداء الله تفوقوا في القوة المادية فانبهروا بهم، ولأمر ما رسخ وترسب في أذهان المخدوعين أن هؤلاء الأعداء هم رمز القوة ورمز القدوة - فأخذوا ينسلخون من تعاليم دينهم مجاملة للكفار ولئلا يصمهم أولئك الكفرة بأنهم (متعصبون) ! وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ يقول في مثل هؤلاء (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم) .
قلنا. يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: (فمن) ؟ (3) .
(1) مجموعة التوحيد (ص 117) دار الفكر.
(2)
(3)
صحيح البخاري (13/300ح 7320) كتاب الاعتصام وصحيح مسلم (4/2054 ح 2669) كتاب العلم واللفظ للبخاري.
إن المداهنة والمجادلة قد تبدأ بأمر صغير ثم تكبر وتنمو حتى تؤدي - والعياذ بالله - إلى الخروج من الملة. وهذه إحدى مزالق الشيطان فليحذر المسلم منها على نفسه، وليعلم أنه هو الأعز وهو الأقوى إذا امتثل منهج الله وتقيد بشرعه ومقتضيات عقيدته.
ومن الأمور الواضحة في تاريخ المسلمين: أن من أكبر العوامل في انتصارهم - بعد الإيمان بالله ورسوله - الاعتزاز بالإسلام. يصدق ذلك ويؤيده قول الفاروق رضي الله عنه: (إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)(1) .
(7)
اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ { [سورة آل عمران: 118] .
نزلت هذه الآية في أناس من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين، ويواصلون رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والجوار فأنزل الله هذه الآية تنهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم (2) .
وبطانة الرجل: خاصته تشبيهاً ببطانة الثوب التي تلي بطنه لأنهم يستبطنون أمره ويطلعون منه على ما لا يطلع عليه غيرهم. وقد بين الله العلة في النهي عن مباطنتهم فقال (لا يألونكم خبالاً) أي لا يقصرون ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد، ثم إنهم يودون ما يشق عليكم من الضر والهلاك.
(1) أخرجه الحاكم في مستدركه (1/62) كتاب الإيمان. وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
(2)
أسباب النزول للواحدي (ص 68) .
والعداوة التي ظهرت منهم: شتم المسلمين والوقيعة فيهم، وقيل: باطلاع المشركين على أسرار المسلمين (1) . وفي سنن أبي داود قوله صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)(2) .
(8)
طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون به (3) . قال تعالى ناهياً عن ذلك:
{وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا { [سورة الكهف: 28] .
وقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ { [سورة آل عمران: 149] .
وقال: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ { [سورة الأنعام: 121] .
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره فهذا هو
(1) انظر تفسير البغوي (1/409) وابن كثير (2/89) .
(2)
كتاب الأدب (5/168 ح 4833) وفي المسند (16/178 ح 8398) طبعة: شاكر والترمذي في الزهد (7/111 ح 2379) وقال هذا حديث حسن غريب.
(3)
مجموعة التوحيد (ص 117) .
الشرك، كما قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ { [سورة التوبة: 31](1) .
(9)
مجالستهم، والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله. وقال تعالى في النهي عن مجالستهم:
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ { [سورة النساء: 140] .
قال ابن جرير:
(قوله (إنكم إذاً مثلهم) أي إنكم إذا جالستم من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها وأنتم تسمعون فأنتم مثلهم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها.
(وفي الآية دلالة واضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من الكفرة والمبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم (2) .
وفي الحديث (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم)(3) .
(1) تفسير ابن كثير (3/322) .
(2)
تفسير الطبري (5/330) .
(3)
رواه أحمد (في المسند)(ح 8/80 ح 5705) بتحقيق أحمد شاكر وصحيح البخاري (8/125 ح 4419) كتاب المغازي وصحيح مسلم (4/2185 ح 2980) كتاب الزهد.
(10)
توليتهم أمراً من أمور المسلمين:
كالإمارة والكتابة وغيرها والتولية شقيقة الولاية لذلك فتوليتهم نوعاً من توليهم. وقد حكم الله أن من تولاهم فإنه منهم. ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم. والولاية تنافي البراءة فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً.
(والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبداً. والولاية صلة فلا تجامع معاداة الكافر أبداً. ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكتاب - مثلاً - ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام، وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان: لثناهم ذلك عن تقريبهم وتقليدهم الأعمال فهذا الملك (الصالح) كان في دولته نصراني يسمى: محاضر الدولة أبا الفضل بن دخان ولم يكن في المباشرين أمكن منه. كان قذى في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين. بلغ من أمره أنه وقع لرجل نصراني أسلم برده إلى دين النصرانية وخروجه من الملة الإسلامية، ولم يزل يكاتب الفرنج بأخبار المسلمين، وأعمالهم، وأمر الدولة وتفاصيل أحوالها.
وكان مجلسه معموراً برسل الفرنج والنصارى وهم مكرمون لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحمل لهم الإدرار والضيافات، وأكابر المسلمين محجوبون عن الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم ينصفوا في التحية ولا في الكلام. وحدث أن اجتمع في مجلس (الصالح) أكابر الناس من الكتاب والقضاة والعلماء فسأل السلطان بعض الجماعة عن أمر أفضى به إلى ذكر مخازي النصارى فبسط لسانه في ذلك وذكر بعض ما هم عليه من الأفعال والأخلاق. وقال من جملة كلامه: إن النصارى لا يعرفون الحساب، ولا يدرونه على الحقيقة لأنهم يجعلون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً. والله تعالى يقول:
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ { [سورة المائدة: 73] .
وأول أمانتهم وعقد دينهم: (بسم الأب والابن وروح القدس إله واحد)
فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء وقال في قصيدة له:
كيف يدري الحساب من جعل الوا
…
حد رب الورى تعالى ثلاثة
ثم قال: كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما فعل في أصل اعتقاده ويكون مع هذا أكثر النصارى أمانة؟ وكلما استخرج ثلاثة دنانير دفع إلى السلطان ديناراً وأخذ لنفسه اثنين ولا سيما وهو يعتقد ذلك قربة وديانة؟
وانصرف القوم واتفق أن كبت النصراني بطنته، وظهرت خيانته فأريق دمه وسلط على وجوده عدمه (1) .
(11)
استئمانهم وقد خونهم الله: قال تعالى:
(12)
الرضى بأعمالهم والتشبيه بهم، والتزيي بزيهم (2) .
(13)
البشاشة لهم والطلاقة وانشراح الصدر لهم وإكرامهم وتقريبهم (3)
(14)
معاونتهم على ظلمهم ونصرتهم ويضرب القرآن لذلك مثالين هما: امرأة لوط التي كانت ردءاً لقومها، حيث كانت على طريقتهم، راضية بأفعالهم القبيحة، تدل قومها على ضيوف لوط. وكذلك فعل امرأة نوح (4) .
(1) أحكام أهل الذمة لابن القيم (1/242 - 244) بتصرف بسيط.
(2)
مجموعة التوحيد (ص 117) .
(3)
مجموعة التوحيد (ص 117) .
(4)
تفسير ابن كثير: (6/210) وقد سبق الحديث عنهما.
(15)
مناصحتهم والثناء عليهم ونشر فضائلهم (1) وهذه الصورة ظهرت واضحة في العصور الأخيرة فقد رأينا (أفراخ المستشرقين) - مثلاً - ينشرون فضائلهم وأنهم أصحاب المنهج العلمي السديد و.. و.. الخ. كذلك جاء من ينشر (فضائل) الغرب أو الشرق مضيفاً عليها ألقاب التقدم والحضارة والرقي، واصماً الإسلام والمنتسبين إليه بالرجعية والجمود والتأخر عن مسايرة الركب الحضاري والأمم المتقدمة!!
(16)
تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم مثل: السادة والحكماء ومبادأتهم بالسلام
(ومما يجب النهي عنه ما يفعله كثير من الجهال في زماننا إذا لقي أحدهم عدواً لله سلم عليه ووضع يده على صدره إشارة إلى أنه يحبه محبة ثابتة في قلبه. أو يشير بيده إلى رأسه إشارة إلى أن منزلته عنده على الرأس وهذا الفعل المحرم يخشى على فاعله أن يكون مرتداً عن الإسلام لأن هذا من أبلغ الموالاة والموادة والتعظيم لأعداء الله)(2) .
والتعظيم واللقب الرفيع رمز للعزة والتقدير وهما مقصورتان على المؤمن. أما الكافر فله الإهانة والذلة وقد ورد في الحديث الصحيح النهي عن مبادأتهم بالسلام فقال صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)(3) وسيأتي تفصيل هذه القضية في الباب الثاني.
(17)
السكنى معهم في ديارهم وتكثير سوادهم (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله)(5) . وقال (لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا)(6) .
(1) مجموعة التوحيد (ص117) ورسائل سعد بن عتيق (ص 101) .
(2)
تحفة الإخوان للشيخ حمود التويجري (ص 19) الطبعة الأولى / مؤسسة النور بالرياض.
(3)
صحيح مسلم: (4/1707 ح 2167) كتاب السلام وأبو داود في الأدب (5/384 ح 5205) .
(4)
الرسائل المفيدة للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ (ص 64) .
(5)
أبو داود (3/224 ح 2787) كتاب الجهاد قال الألباني: حديث حسن، وانظر صحيح الجامع الصغير (6/279 ح 6062) .
(6)
الحاكم في المستدرك (2/141) وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
وسوف يأتي بمشيئة الله - في الباب الثاني تفصيل لهذه المسألة إذا كانت هناك ضرورة لهذه المساكنة.
(18)
التآمر معهم، وتنفيذ مخططاتهم والدخول في أحلافهم وتنظيماتهم والتجسس من أجلهم، ونقل عورات المسلمين وأسرارهم إليهم والقتال في صفهم (1) ، وهذه الصورة من أخطر ما ابتليت به أمتنا في هذا العصر.
ذلك أن وجود ما يسمى في المصطلح الحديث (الطابور الخامس) قد أفسد أجيال الأمة في كل مجال سواء في التربية والتعليم أم في السياسة وشؤون الحكم أم في الأدب والأخلاق أم في الدين والدنيا معاً. وصدق الشاعر محمود أبو الوفا فيما نقله عنه أستاذنا الفاضل الشيخ محمد قطب أنه قال حين خرج الاستعمار الإنجليزي من مصر: (خرج الإنجليز الحمر وبقي الإنجليز السمر!!) - نعم إن داءنا هم الإنجليز السمر.
ترى من هو الساهر على تنفيذ خطة (دنلوب) في التربية والتعليم؟ ومن هو القائم بتنفيذ مخططات اليهود الثلاثة: فرويد وماركس ودور كايم في أفكارهم الخبيثة؟ (2) . إنهم المستغربون من أبناء هذه الأمة الذين حققوا لأعداء الله ما لا يحلمون به. ولكن هيهات لهم فإن الله يقول:
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ {172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ { [سورة الصافات:171 - 173] .
(19)
من هرب من دار الإسلام إلى دار الحرب بغضاً للمسلمين وحباً للكافرين (3)
(1) الإيمان. حقيقته. أركانه. نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين (ص 147) .
(2)
يراجع كتاب الأستاذ محمد قطب: التطور والثبات في حياة البشرية فصل: اليهود الثلاثة (ص35) وكتاب هل نحن مسلمون (ص133) وكتاب مذاهب فكرية معاصرة.
(3)
الردة بين الأمس واليوم (ص33) .