الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنها تنقض عرى الإسلام عروة عروة. وهذا الهدف تتفق عليه كل المذاهب الكافرة باتجاهاتها المختلفة وانتماءاتها المتنوعة ولكنني - وأنا أكتب عن عقيدة الولاء والبراء - سأقتصر على تلك المذاهب التي تبدو فيها صورة منافاتها لهذه العقيدة واضحة جلية، وتناقضها معها أمراً ظاهراً.
ومن ذلك
القومية والوطنية
، اللتان تحصران الولاء في دائرة الجنس أو التراب فيلتقي فيها مثلاً اليهودي العربي والنصراني العربي والمشرك العربي، والبعثي العربي مع المسلم العربي لأن رابطة القومية العربية تجمعهم!! وهذا أمر يرفضه الدين الحنيف لأن الرابطة فيه هي رابطة العقيدة، فضلاً عن أن الوطنية والقومية ضيقتا دائرة الولاء.
إن العالم الإسلامي كان أمة واحدة تظلله راية "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ورغم خط الانحراف الذي يرتفع ويهبط في تاريخ المسلمين إلا أنهم إلى ما يقرب من ثلاثة قرون كانوا يشعرون أنهم أمة واحدة لأنهم يدينون بدين واحد ويؤمنون بكتاب واحد وسنة واحدة ويتحاكمون إلى شريعة واحدة.
ولقد كان المسلم يخرج من طنجة حتى ينتهي به المقام في بغداد لا يحمل معه جنسية قومية أو هوية وطنية وإنما يحمل شعاراً إسلاميا هو كلمة التوحيد، فكلما حل أرضاً وجد فيها له إخوة في الإيمان وإن كانت الألسنة مختلفة والألوان متباينة لأن الإسلام أذاب كل تلك الفوارق واعتبرها من شعارات الجاهلية.
ولكنه نتيجة لضعف المسلمين وتمكينهم عدوهم من أنفسهم سهل استعمارهم من قبل أرذل خلق الله. وهم اليهود والنصارى ومن جاء بعدهم كالملاحدة الشيوعيين.
وبعد أن تمكن العدو من السيطرة على أرض الإسلام أخذ يبث سمومه ويغرس في نفوس الضعاف والسذج والعملاء حبه ونصرته وموالاته، واستحسان ما هو عليه من باطل وكفر، وهنا نزع الولاء الإسلامي ليحل محله الولاء الجاهلي الكافر.
ومصداق هذا الكلام قول أحد المستشرقين في كتاب "الشرق الأدنى مجتمعه
وثقافته" وهو يتحدث عن أسلوب نزع ولاء المسلمين فيقول (إننا في كل بلد إسلامي دخلناه نبشنا الأرض لنحصل على تراث الحضارات القديمة قبل الإسلام، ولسنا نعتقد بهذا أن المسلم سيترك دينه ولكنه يكفينا منه تذبذب ولائه بين الإسلام وتلك الحضارات)(1) .
وهذا الكلام صادق في ذاته، لأن نشوء فكرة إحياء الحضارات والنعرات الجاهلية أمر خطير على قضية الولاء، حيث ينشأ من ذلك فصام نكد، ويبتدئ الميل والحب - بفعل شياطين الجن والإنس - يكبر تجاه هذه الحضارات ويقل ثم يضمحل الولاء الإسلامي الخالص لله رب العالمين.
وبعد أن كان البراء أمراً ملازماً للولاء تجاه هذه النعرات الجاهلية أصبح أمراً لا وجود له - إلا عند من رحم الله - لأن هذه الأفكار كفيلة بغسل فكرة البراء من النفس عند ضعاف الإيمان، أو المغالطة عند البعض بأن هذه الأفكار والمذاهب لا تتعارض مع الإسلام! ويقال: ما الذي يمنع المسلم أن يكون مسلماً وقومياً أو مسلماً علمانياً أو مسلماً اشتراكياً.. الخ.
ولما أدرك أعداء الإسلام مدى جدوى وفاعلية هذه الفكرة التي تمسخ المسلم حتى يصبح مخلوقاً لا صلة له بالله - كما قالوا - بدأوا ببث فكرة القومية والوطنية مبتدئين بتركيا مقر آخر خلافة إسلامية، حيث نشأت هناك: القومية الطورانية وتزعم هذه الدعوة حزب "الاتحاد والترقي" فبدأ بالمطالبة "بتتريك" تركيا، وعودة القومية الطورانية متخذين لذلك شعار: الذئب الأغبر الذي هو معبود الأتراك قبل أن يعرفوا الإسلام.
وبهذا (التتريك) أخذت الدولة العثمانية تضغط على العرب، حيث تعطي الأتراك امتيازات خاصة بهم لأنهم ترك! وهذا الفعل فضلاً عن كونه يعارض مبدأ العدل الإسلامي هو أيضاً مؤشر للعرب أن يتحدوا في قومية عربية جديدة! وهذا هو الذي حصل فعلاً.
فلقد قام الجاسوس لورنس - الذي سماه المغفلون - "لورنس العرب"
(1) نقلاً عن مذكرة المذاهب الفكرية
بالتخطيط لقيام ما يسمى بالثورة العربية الكبرى ضد الخلافة العثمانية وانضم العرب إلى جيوش الحلفاء الذين لا يرقبون في مؤمن إلا وذمة ولا يراعون في مسلم عهداً ولا حرمة (1) . ومن المضحك المخزي أن محرك هذه الجيوش العربية هو لورنس العرب!!
فانظر أيها القارئ إلى جيوش عربية تزعم أنها مسلمة وولاؤها لجاسوس غربي كافر اسمه لورنس!!
وبعد انتهاء مهمة هذه الجيوش قال أحد القادة الإنجليز - "اللينبي" - قولته المشهورة "الآن انتهت الحروب الصليبية"!! يقصد بذلك أن الحقد الصليبي ظل كامناً في نفوس الصليبيين إلى أن استردوا بيت المقدس" (2) .
وانفصل العرب عن إخوانهم المسلمين في أنحاء المعمورة واعتنقوا القومية العلمانية من أجل تقليد الغرب الذي آمن بها بالأمس وكفر بها اليوم. وأصبح "كل تجمع أو حتى تضامن أو تقارب على أساس العقيدة والدين مظهراً من مظاهر التخلف والرجعية يجب أن تبرأ منه الجماهير لتكون عصرية تقدمية"(3) .
ولما انتكست العرب وعادت إلى نعرة الجاهلية، فقدت روح التضحية والجهاد، وولت وجهها تجاه اليمين واليسار، حيث اليمين له ألوان وضروب من واشنطن إلى باريس إلى لندن واليسار له ألوان أحمر وأصفر وبينهما بعد ما بين موسكو وبكين (4) .
ولما وقعت هذه النعرة الجاهلية، وقع معها كل باطل وكل شر فأما شريعة الله وحكمه وقيامها بما يحتاج إليه البشر لأنها من عند الله وهو العليم سبحانه بما يصلح أحوال البشر: فقد أقصيت وحل محلها قانون البعث العربي الاشتراكي الذي أخذ هذا الشعار.
(1) العرب والإسلام للندوي (ص9) .
(2)
انظر المحاضرة القيمة: المخططات الصهيونية للأستاذ محمد قطب الطبعة الأولى سنة 1398 هـ المختار الإسلامي بالقاهرة.
(3)
درس النكبة الثانية للأستاذ يوسف القرضاوي (ص 45) الطبعة الأولى.
(4)
درس النكبة الثانية (ص36) .
لا تسل عن ملتي أو مذهبي
…
أنا بعثي اشتراكي عربي
ومن المضحك أن صاحب هذا الشعار حين تلقى صفعة موجعة من اليهود بالرغم من ولائه لهم - مسح ذلك الشعار وكتب مكانه "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"!!! (1) .
أما ثمار هذا (الفتح الجديد) بعد الرضى بالقومية فشيء يصعب حصره، حيث انطلقت الغرائز البهيمية وطغت الشهوات، وانتشر المجون والفسق، وتحللت الأخلاق وغربت الفضائل، فأصبح العفاف والاحتشام والحياء: رجعية متزمته لم تر نور القرن العشرين، وأصبح اللهو والخلاعة والصور العارية والقصص الخليعة والأدب الرخيص، والأزياء المثيرة والغناء والرقص والاختلاط سمات الحضارة وعنوان التقدم وشارة التحرر من ربقة التقاليد البالية!! (2) .
وأعجب من ذلك كله أن اليهود الذين هم وراء هذه الردة الجديدة يعلنون وبصراحة وجدية واضحة أنهم لم ولن يتخلوا عن دينهم فهذا موشي ديان حين سئل هل كنتم تشعرون أن الله معكم في معركة 5 حزيران؟
قال: كنا نشعر أننا في جانب الله " (3) .
ويقول زعيم الصهيونية الأول "هرتزل": إن العودة إلى صهيون يجب أن تسبقها عودة إلى اليهودية (4) .
ونشطت الدعوات الهدامة، فهذه النعرة الفرعونية تطل برأسها وتسفر عن وجهها بعد أن كانت لا تظهر إلا مقتنعة أو من خلف ستار.
نشط دعاتها في الصحف والندوات ورسموا رأس "أبي الهول" على طوابع
(1) نظرية التربية الإسلامية للشيخ محمد للغزالي. وهو بحث قدم لندوة أسس التربية الإسلامية بمكة في 11/6/1400هـ.
(2)
انظر درس النكلبة الثانية (ص39) .
(3)
المصدر السابق (ص82) .
(4)
نفس المصدر (ص82) .
البريد وعلى أوراق النقد، اجتاحت مصر موجة من الفرعونية، تحاول غزو سائر النواحي الثقافية، وتدعو إلى إقامة الفنون على أسس فرعونية، وتزعمت صحيفة "السياسة الأسبوعية" هذا الاتجاه الجديد، فأفسحت صدرها لهؤلاء الدعاة ولم يخل عدد من أعدادها من حديث عن حضارة الفراعنة وثقافتهم ومجدهم (1) .
وكثر التغني بهذه الأمجاد من أجل ذبذبة ولاء المسلم، فهذا حافظ إبراهيم يقول:
أنا مصري بناني من بنى
…
هرم الدهر الذي أعيى الفنى
ورجعت العراق لعنصرية الآشوريين، وكل بقعة أخذت تنادي بهذه الردة الجديدة.
أما الشعار الوطني الجديد: فهو ما أعلنه سعد زغلول بقوله: الدين لله والوطن للجميع! أي الوطن ليس لله، ثم قال: لا تنادوا بشعارات إسلامية خشية أن يغضب إخواننا الأقباط (2) .
ونادى دعاة القومية الناس بأسلوب ماكر فقالوا: ما المانع أن يكون المسلم العربي - عربياً مسلماً، ثم قالوا: يكون عربياً فقط. أليس الإسلام عربياً؟ إذن ما هو عيب القومية العربية؟ إن العرب إذا ذلوا ذل الإسلام فلنناد بالقومية العربية!!
وهذا كلام غير صحيح لأنه يوم ذل العرب جاء صلاح الدين الكردي، وجاء قطز المملوكي فأنقذوا المسلمين من ذلك الهوان، وانتصر القائدان بقولهما وإسلاماه.
ولم يكن في حسهم ولا في عقيدتهم هذه التفرقة ولا هذه النعرة الجاهلية (3) .
إن الإسلام يكذب ذلك الزعم الذي يزعمه القوميون لأنه جاء لانتزاع هذه النعرات فجمع في دعوته بل في أول دعوته: أبا بكر العربي القرشي وبلال
(1) انظر: أزمة العصر للدكتور محمد محمد حسين (43 - 53) .
(2)
مذكرة المذاهب الفكرية.
(3)
مذكرة المذاهب الفكرية.
الحبشي وصهيباً الرومي وسلمان الفارسي. وكما قال عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإذا التمسنا العزة بغيرة أذلنا الله.
إن تقليد الغرب في استيراد مبدأ القومية أو العلمانية أو أي مذهب أو فكر: يعيد للأذهان تلك القصة الرمزية القديمة التي تتحدث عن حمارين كان أحدهما يحمل ملحاً وكان الآخر يحمل إسفنجاً. فرأى حامل الاسفنج صاحبه ينزل إلى الماء فيذيب بعض الملح ويخرج منه أخف حملاً، فخطر له أن يحصل على المزية نفسها بالأسلوب نفسه، فكانت النتيجة على عكس ما توقعه، وخرج من تجربته أثق حملاً (1) .
وخلاصة القول في القومية: إنها شرك بالله لأنها بإيجابها العمل لها وحدها والتضحية والجهاد في سبيلها، وصرف الكره والبراء وما يتبعهما ضد كل خارج عن القومية، وصرف الحب والولاء وما يتبعها للقوميين ومن والاهم: هي بهذا تكون نداً يعبد من دون الله لأن ذلك يقوم مقام النفي والبراء والإثبات والولاء وهما ركنا الألوهية، أو العبادة في قوله "لا إله إلا الله" فلا "إله" نفي وبراء، و"إلا الله" إثبات وولاء لله لا شريك له. والدليل على ذلك قوله تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ { (2)[سورة البقرة: 165] .
(1) الإسلام والحضارة الغربية (ص237) .
(2)
انظر فكرة القومية العربية على ضوء الإسلام ص 254 للشيخ صالح العبود الطبعة الأولى سنة 1401 الناشر دار طيبة بالرياض وهي أوسع كتاب فيما أعلم في قضية القومية العربية.
ويراجع أيضاً كتاب الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية للندوي (ص124 - 162) الطبعة الثالثة، وكتاب الاتجاهات الوطنية (1/67، 105، 2/292) وكتاب الشعوبية الجديد لمحمد مصطفى رمضان.
وليس بعد الحق إلا الضلال. فليحذر كل مسلم على نفسه من الوقوع في هذا الشرك المقنع.
وأما العالمية: أو "الإنسانية" فهي تتفق أيضاً مع القومية والوطنية في مناقضة عقيدة الولاء والبراء، ولكن هذا التناقض يتخذ شكلاً آخر: هو توسيع دائرة الولاء بحيث يدخل فيها كل الأقوام والأديان والأوطان. وهذا في حقيقة الأمر ضياع للولاء ومسخ للبراء حتى لا يعود المسلم يشعر بالفارق بينه وبين أي كافر في بقاع الأرض.
ويقوم هذا المبدأ على ألفاظ خادعة وموهمة مثل: الحرية والأخوة والعدل والمساواة.
وفي ذلك يقول "كالفرلي": (وحينما يصبح في مقدور الجميع الوقوف على كل المعلومات المجردة عن الهوى، وحينما يصبح الجميع أحراراً في تفكيرهم، لهم من الشجاعة ما يجعلهم يتقبلون ما هو خير وعدل وجميل، وعندئذ يكون من المحتمل أن يسود العالم دين واحد. وإني سأكون سعيداً باتباع دين عالمي موحد، تنبع مصادره من حقائق التاريخ، وتشمل مبادئه العدالة الاجتماعية، وتقوم بفضله مظاهر الحب والإخاء على أنقاض الكراهية والخصومة (1) .
وهذا الكلام هدم صريح للإسلام، ومعمول هدم لطمس الجهاد الإسلامي الذي يقوم على تحرير الناس من عبودية بعضهم لبعض، ومن انقسامهم إلى "ملأ" وهم السادة الأقوياء و"عبيد" وهم التابعون الأذلاء: إلى جعلهم كلهم عباداً لله.
وكما نعلم جميعاً أن الجهاد يرهب أعداء الله، ويخافونه كثيراً، ولذلك ما فتؤوا يبحثون عن وسائل متنوعة لإبطاله ومحوه من أفكار المسلمين، إنهم تارة يقولون: الإسلام انتشر بالسيف، وتارة يقولون، إنه دين وحشي لا يرحم الناس وقد لا تكون هذه مجدية لما يريدون، فقالوا: العالمية والإنسانية هي المذهب الجديد الذي يعيش فيه الناس بأمن وسلام وعدالة وإخوة، بصرف النظر
(1) الإسلام والحضارة الغربية (ص132) .
عن الأديان والأوطان!
ويزيد هذا الأمر إيضاحاً ما قاله معروف الدواليبي (.. إننا نشاهد منذ المنتصف الثاني لعصرنا الحاضر من القرن العشرين تطلعاً كبيراً نحو إقامة الحياة البشرية على مفاهيم وقواعد إنسانية، ورغبة أكيدة من قبل رجال الفكر والعلم وقادة السياسة للانتقال بالمجتمع الإنساني المتمايز المتناحر إلى مجتمع إنساني واحد متعاون وذلك في إطار "وحدة الأسرة البشرية" من غير تفاضل بين الأقوام إلا بالتقوى، وفي إطار "حق الجميع في الحياة الكريمة " من غير تمايز في الأعراق أو في الأجناس أو في الأديان وفي إطار " وحدة المصالح الاقتصادية للجميع" من غير استئثار من قبل الكبار والأقوياء على حساب الصغار والضعفاء. وفي إطار "العدالة المطلقة بين الجميع حماية لسلام الإنسان"، ثم ذكر أن هيئة الأمم المتحدة أخذت تدعو لهذه المفاهيم العالمية الجديدة التي (تدعو إلى محو التمايز فيما بين الأسرة البشرية وأجناسها، قومياً وعرقياً واقتصادياً وفقاً لمبادئ حقوق الإنسان)(1) .
(1) مجلة رابطة العالم الإسلامي الشهرية العدد الخامس، السنة التاسعة عشرة، جمادي الأولى سنة 1401هـ هذا ومن الجدير بالذكر أنه قد ورد في مجلة العربي الكويتية في العدد 267 ربيع الأول سنة 1401هـ مقالان حول هذه الدعوة.
الأول منها: (ص 18) للدكتور محمد فتحي عثمان تحدث فيه عن "المسلمون والآخرون" وطالب المسلمين المعاصرين في إعادة النظر حول قضية دار الحرب ودار الإسلام، وأن هذا تقسيم غير صحيح، ولا يدل عليه الكتاب ولا السنة، بل هو من صنيع الفقهاء مبيناً أن الخلافة الإسلامية كانت صورة تاريخية وهي لم تعش طويلاً فعلى المسلمين ألا يفكروا فيها مرة أخرى، وعليهم إعادة النظر في قضية العلاقات الدولية مع العالم المعاصر، لكي يتقنوا فن التعاون الدولي مستفيدين من إعادة نظر الولايات المتحدة العملاقة في سياستها إزاء الكساد الاقتصادي في الثلاثينات من القرن العشرين. وكذلك ما حدث في الكتلة الشرقية حين عدل خروشوف عن سياسة سلفه ستالين.. الخ.
والكاتب يرى التعديل في المفاهيم الإسلامية مثلماً يرى أرباب القانون الوضعي تعديل قوانينهم القاصرة وكأنه يجهل أو يتجاهل أنه لا مقارنة بين الدين الرباني الذي نزل من الحكيم الخبير وبين أفكار البشر القاصرة الهزيلة، وهذه الدعوة فيها خدمة لمبدأ العالمية ودعوة غير مباشرة لإبطال شرعية الجهاد في الإسلام.
= أما المقال الثاني: وهو أخبث من سابقه فهو لفهمي هويدى بعنوان "المسلمون والآخرون أشواك وعقد على الطريق"(ص49) وهذا المقال يدعو لما دعا إليه الكاتب السابق مع زيادة هي: تجهيل علماء المسلمين ووصمهم بعدم معرفة دلالات النصوص وملابساتها، قائلاً: إن تلك المرحلة - يريد مرحلة التاريخ الإسلامي الطويلة المشرقة - كانت لها حساباتها وموازينها الخاصة التي لا يمكن تعميمها على بقية مسيرة التاريخ البشري ومؤكداً "أنه ليس صحيحاً أن المسلمين صنف متميز ومتفوق لمجرد كونهم مسلمين، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية لهم، ويخص غيرهم بالدونية لأنهم كفار ويكفي أن هذا الكلام فضلاً عن كونه دعوة لمبدأ الإنسانية الماسوني هو أيضاً صورة واضحة من صور الولاء للكفار لأن هذا الكلام الذي ساقه هويدى أمنية للكفار أن يتحدث به أبناء المسلمين لكسر التميز الذي ينبني على الولاء والبراء والحب والبغض حسب المقياس الإسلامي الصحيح فعلى المسلمين أن يتبينوا مواقع الزلل والانحرافات في مثل هذه الدعوات الإلحادية.
ونتساءل بعد هذا الكلام. أي قانون بشري يريد دعاة العالمية أن يعيش الناس تحت لوائه؟
هل هو ميثاق هيئة الأمم المتحدة؟ فهي. منظمة السيطرة فيها لليهود والنصارى والشيوعيين وأكبر دليل على ذلك ما يسمى بـ"حق الفيتو" الذي يرفض كل ما يتعارض مع مبدأ أولئك المسيطرين أم أنها الغفلة والانخداع بما خطط له دعاة هذا المذهب الفاسد؟
أم أنه الخبث والدهاء في تحذير الأمة الإسلامية بأن الجهاد أمر لم يعد يصلح لمسايرة العصر الحديث لأن العالمية لا تقره ولا ترضاه؟
وأقرب الإجابات إلى نفسي هو جواب السؤال الأخير ذلك الجواب الذي يعرفه كل مخلص لدينه وربه وكل مؤمن يعرف كيد الجاهلية المعاصرة فيربأ بنفسه أن ينخدع بأي دعوة لا تنبثق من مشكاة النبوة المحمدية والرسالة الربانية الخالدة.
ونحن إذ نقرر هذا الجواب المؤكد، فليس ذلك تجنباً أو مجرد ثورة عاطفة ضد هذا المذهب الإلحادي الكافر، بل هو عين ما يهدف إليه دعاة الماسونية العالمية التي تولت كبر الدعوة إلى هذه النحلة الجديدة بجميع أهدافها وشعاراتها.
ولذلك يقول أحد الماسون " إن ما تبغيه الماسونية هو، وصول الإنسانية شيئاً فشيئاً إلى النظام الأمثل الذي تتحقق فيه الحرية بأكمل معانيها وتزول منه الفوارق
بين الأفراد والشعوب ويسود فيه العلم والجمال والفضيلة" (1) .
وختاماً نقول: إن كل المذاهب البشرية القائمة اليوم في الأرض التي لا تستمد وجودها من الكتاب والسنة محادة لله ولدينه وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأي تقبل لها أو عمل بمبادئها فإن ذلك موالاة صريحة للكفار، وبراءة صريحة من الإسلام والله قد بين لنا في كتابه العزيز أن من تولى الكفار فهو منهم:
{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ { [سورة المائدة: 51] .
والإسلام هو الدين الذي يجمع ولا يفرق، وهو الذي يجعل الناس في ميزانه الإيماني سواسية كأسنان المشط، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى.
وهو الذي تتحقق فيه العدالة في أسمى صورها، ويتحقق فيه الأمن لأنه لا خوف إلا من الله وهو الذي يكسر شوكة كل طاغوت يريد إذلال الناس له من دون الله.
وهو الذي فيه الطمأنينة والسعادة:
{أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { [سورة الرعد: 28] .
وهو الذي تتحقق فيه الحياة الكريمة
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
(1) الإسلام والحضارة الغربية (ص197) .
{أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ { [سورة النحل: 97] .
وهو الذي يحصل به التمكين الرباني
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { [سورة النور: 55] .