المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌آثار الإقرار بلا إله إلا الله في حياة الإنسان - الولاء والبراء في الإسلام

[محمد بن سعيد القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ العلامةعبد الرزاق عفيفي

- ‌التمهيد

- ‌شروط لا إله إلا الله

- ‌الولاء والبراء من لوازم لا إله الله

- ‌الرد على من زعم أن كلمة التوحيد لفظ فقطمع بيان المذهب الصحيح في الأحاديث الواردة بخصوصها

- ‌آثار الإقرار بلا إله إلا الله في حياة الإنسان

- ‌تعليق لا بد منه

- ‌الفصل الأولتعريفه وأهميته في الكتاب والسنة

- ‌الولاء في اللغة:

- ‌ البراء في اللغة:

- ‌أهمية هذا الموضوع في الكتاب والسنةونصيبه من الدراسة والتأليف

- ‌ طريقة القرآن والسنة في غرس عقيدة (الولاء والبراء

- ‌من لوازم محبة الله اتباع رسول الله

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولياء الرحمن وأولياء الشيطانوطبيعة العداوة بينهما

- ‌طبيعة العداوة بين الفريقين

- ‌الفصل الثالث

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء

- ‌الولاء والبراء القلبي:

- ‌موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب البدع والأهواء:

- ‌أسوة حسنة في الولاء والبراء من الأمم الماضية

- ‌أ- إبراهيم الخليل عليه السلام:

- ‌(ب) أمثلة أخرى على طريق الحق والهدى:

- ‌الفصل الخامس

- ‌الولاء والبراء في العهد المكي

- ‌الملتقى الأولوأولى خطوات الطريق

- ‌سمات العلاقة بينالمسلمين وأعدائهم في العهد المكي

- ‌بر الأقارب المشركين

- ‌كيف كانت صورة البراء في العهد المكي

- ‌لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

- ‌فرج من الله قريب

- ‌صيغة البيعة

- ‌الفصل السادس

- ‌الولاء والبراء في العهد المدني

- ‌نبذة تاريخية

- ‌وقفة عند المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌سمات الولاء والبراء في العهد المدني

- ‌ثانياً: النفاق والمنافقون:

- ‌أ- صور البراءة من المشركين:

- ‌ب- البراء من أهل الكتاب:

- ‌ج- البراء من المنافقين:

- ‌د- قطع الموالاة مع الأقارب إذا كانوا محادين لله ورسوله:

- ‌الفصل السابع

- ‌صور الموالاة ومظاهرها

- ‌ما يقبل من الأعذاروما لا يقبل في هذه الصور

- ‌موقف المسلم تجاه هذه الصور:

- ‌الفصل الثامن

- ‌الرد على الخوارج والرافضةفي عقيدة الولاء والبراء

- ‌الفصل الأول

- ‌حق المسلم على المسلم

- ‌الفصل الثاني

- ‌الهجرة

- ‌أ- الإقامة في دار الكفر

- ‌ المراد بإظهار الدين:

- ‌ب- الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام

- ‌ الهجرة هجرتان

- ‌الفصل الثالث

- ‌الجهاد في سبيل الله

- ‌ أهداف الجهاد

- ‌حكم التجسس على المسلمين

- ‌الفصل الرابع

- ‌هجر أصحاب البدع والأهواء

- ‌كيفية مخالطة الناس

- ‌موقف المسلم من أصحاب البدع

- ‌الفصل الخامس

- ‌انقطاع التوارث والنكاح بين المسلم والكافر

- ‌الفصل السادس

- ‌النهي عن التشبه بالكفار والحرصعلى حماية المجتمع الإسلامي

- ‌أصل المشابهة:

- ‌متى تكون الموافقة ومتى تكون المخالفة

- ‌ما بين التشبه والولاء من علاقة

- ‌مثال واحد من مشابهة اليهود والنصارى(العيد)

- ‌صورة مشرقة من صورالتميز في المجتمع الإسلامي الأول

- ‌الأمكنة التي يمنع أعداء اللهمن دخولها والإقامة فيها

- ‌اعتراض وجوابه

- ‌الفصل السابع

- ‌تعامل المسلمين مع غير المسلمين

- ‌ المبحث الأول: الفرق بين الموالاة وحسن المعاملة:

- ‌(كلمة حول ما يسمى بزمالة الأديان)

- ‌الفرق بين الموالاة والمعاملة بالحسنى

- ‌ المبحث الثاني التعامل مع الكفار:

- ‌1- البيع والشراء:

- ‌2- الوقف عليهم أو وقفهم على المسلمين:

- ‌3- عيادتهم وتهنئتهم:

- ‌4- حكم السلام عليهم:

- ‌ المبحث الثالث: الانتفاع بالكفار وبما عندهم:

- ‌التقية والإكراه

- ‌متى تكون التقية

- ‌الإكراه:

- ‌شروط الإكراه

- ‌أنواع الإكراه:

- ‌الفصل الأولكيف طبق السلف الولاء والبراء

- ‌ موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي

- ‌الفصل الثانيصورة الولاء والبراء في عصرنا الحاضر

- ‌ محمد عبده

- ‌ عباس محمود العقاد

- ‌ طه حسين

- ‌1- التربية والتعليم:

- ‌ الابتعاث

- ‌ رفاعة الطهطاوي

- ‌صورة من صورالولاء الفكري المعاصر

- ‌2- وسائل الإعلام:

- ‌3- نشر كتب المستشرقين:

- ‌4- المذاهب اللادينية:

- ‌ القومية والوطنية

- ‌الخاتمة

- ‌الإسلام طريق الخلاص وسبيل النجاة

الفصل: ‌آثار الإقرار بلا إله إلا الله في حياة الإنسان

‌آثار الإقرار بلا إله إلا الله في حياة الإنسان

ذكر الأستاذ المودودي رحمه الله في كتابه القيم (مبادئ الإسلام)(1) تسعة آثار لكلمة التوحيد أذكر ملخصها فيما يلي: -

(1)

إن المؤمن بهذه الكلمة لا يكون ضيق النظر، بخلاف من يقول بآلهة متعددة. أو من يجحدها.

(2)

إن الإيمان بهذه الكلمة ينشئ في النفس من الأنفة وعزة النفس ما لا يقوم دونه شيء، لأنه لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله، وهو المحيي المميت. وهو صاحب الحكم والسلطة والسيادة. ومن ثم ينزع من القلب كل خوف إلا منه سبحانه، فلا يطأطئ الرأس أمام أحد من الخلق، ولا يتضرع إليه، ولا يتكفف له، ولا يرتعب من كبريائه وعظمته. لأن الله هو العظيم القادر. وهذا بخلاف المشرك والكافر والملحد.

(3)

ينشأ من الإيمان بهذه الكلمة مع أنفة النفس وعزتها: تواضع من غير ذل وترفع من غير كبر فلا يكاد ينفخ أوداجه شيطان الغرور ويزهيه بقوته وكفاءته لأنه يعلم ويستيقن أن الله الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء. أما الملحد فإنه يتكبر ويبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة.

(4)

المؤمن بهذه الكلمة: يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح أما المشركون والكفار فإنهم يقضون حياتهم على أماني كاذبة. فمنهم من يقول: إن ابن الله قد أصبح كفارة عن ذنوبنا، عند أبيه، ومنهم من يقول: نحن أبناء الله وأحباؤه فلن يعذبنا بذنوبنا. ومنهم

(1) مبادئ الإسلام لأبي الأعلى المودودي (ص80 - 87) الناشر مؤسسة الرسالة سنة 1397 هـ.

ص: 51

من يقول: إنا سنشفع عند الله بكبرائنا وأتقيائنا، ومنهم من يقدم النذور والقرابين إلى آلهته زاعماً أنه نال بذلك رخصة في العمل بما يشاء. أما الملحد الذي لا يؤمن بالله فيعتقد أنه حر في هذه الدنيا غير مقيد بشرع الله وإنما إلهه هواه وشهوته وهو عبدهما.

(5)

قائل هذه الكلمة لا يتسرب إليه اليأس ولا يقعد به القنوط، لأنه يؤمن أن الله له خزائن السموات والأرض. ومن ثم فهو على طمأنينة وسكينة وأمل، حتى ولو طرد وأهين وضاقت عليه سبل العيش.

إن عين الله لا تغفل عنه ولا تسلمه إلى نفسه، وهو يبذل جهده متوكلاً على الله، بخلاف الكفار الذين يعتمدون على قواهم المحدودة، وسرعان ما يدب لهم اليأس، ويساورهم القنوط عند الشدائد مما يفضي بهم أحياناً إلى الانتحار.

(6)

الإيمان بهذه الكلمة يربي الإنسان على قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل حينما يضطلع بمعالي الأمور ابتغاء مرضاه الله. إنه يشعر أن وراءه قوة مالك السماء والأرض. فيكون ثباته ورسوخه وصلابته التي يستمدها من هذا التصور، كالجبال الراسية، وأنى للكفر والشرك بمثل هذه القوة والثبات؟

(7)

هذه الكلمة تشجع الإنسان وتملأ قلبه جرأة. لأن الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئان: حبه للنفس والمال والأهل، أو اعتقاده أن هناك أحداً غير الله يميت الإنسان، فإيمان المرء بلا إله إلا الله ينزع عن قلبه كلا من هذين السببين، فيجعله موقناً أن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده. وينزع الثاني بأن يلقي في روعه أنه لا يقدر على سلب الحياة منه إنسان ولا حيوان ولا قنبلة ولا مدفع، ولا سيف ولا حجر وإنما يقدر على ذلك الله وحده.

من أجل ذلك لا يكون في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى، فلا يكاد يخيفه أو يثبت في وجهه زحف الجيوش، ولا السيوف المسلولة، ولا مطر

ص: 52

الرصاصات والقنابل، فإنه عندما يتقدم في سبيل الله للجهاد، يهزم قوة تزيد على قوته بعشر مرات وأنى بمثل هذا للمشركين والكفار والملحدين؟

(8)

الإيمان بلا إله إلا الله يرفع قدر الإنسان وينشئ فيه الترفع والقناعة والاستغناء، ويطهر قلبه من أوساخ الطمع والشره والحسد والدناءة واللؤم. وغيرها من الصفات القبيحة.

(9)

وأهم شيء وأجدره في هذا الصدد: أن الإيمان بـ (لا إله إلا الله) يجعل الإنسان متقيداً بشرع الله ومحافظاً عليه، فإن المؤمن يعتقد بيقين أن الله خبير بكل شيء، وهو أقرب إليه من حبل الوريد وأنه كان يستطيع أن يفلت من بطش أي كان، فإنه لا يستطيع أن يفلت من الله عز وجل.

وعلى قدر ما يكون هذا الإيمان راسخاً في ذهن الإنسان يكون متبعاً لأحكام الله، قائماً عند حدوده لا يجرؤ على اقتراف ما حرم الله، ويسارع إلى الخيرات والعمل بما أمر الله.

ومن أجل ذلك جعل الإيمان بلا إله إلا الله أول ركن وأهمه ليكون الإنسان مسلماً. والمسلم هو: العبد المطيع المنقاد لله تعالى ولا يكون كذلك إلا إذا كان مؤمناً من قلبه بأن لا إله إلا الله. وهذا هو أصل الإسلام، ومصدر قوته، وكل ما عداه من معتقدات الإسلام وأحكامه إنما هي مبنية عليه، ولا تستمد قوتها إلا منه، والإسلام لا يبقى منه شيء لو زال هذا الأساس (1) .

ومن فضائلها ما ذكره ابن رجب، حيث أورد قول سفيان بن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل (2) .

ولو أردت أن أذكر ما أورده العلماء، رحمهم الله تعالى حول فضلها وما في ذلك من الأحاديث النبوية وآثار السلف لطال المقام.

(1) مبادئ الإسلام ص 87.

(2)

كلمة الإخلاص ص 53.

ص: 53

نواقض (لا إله إلا الله)

(حرص الإسلام على بيان حقيقته وحقيقة ما يناقضه)

سبق الكلام على مفهوم (لا إله إلا الله) وشروطها، وحقيقتها، وآثارها. وهنا أذكر نواقضها، من أجل أن تتضح معالم الصورة الكاملة لحقيقة (لا إله إلا الله) ذلك أن معرفة الضد يميز الشيء المراد إيضاحه. كما قيل (وبضدها تتميز الأشياء) . ومعلوم أن الكفر والشرك والنفاق والردة هي نواقض الإسلام، بشتى صورها، وقبل إيراد ذلك، لابد من أن نورد – قاعدة جليلة لأهل السنة والجماعة، بها تنضبط المسائل أصولاً وفروعاً. وسيتضح من خلال هذه القاعدة الرد على فرقة المرجئة، والذين ميعوا مفهوم هذه العقيدة. والرد أيضاً على الخوارج الذين غلوا وحادوا عن الصراط. ودين الإسلام وسط بين الإفراط والتفريط.

وقد كثر كلام الناس حول هذا في القديم والحديث ولكل وجهة هو موليها بيد أني وجدت للعلامة ابن القيم كلاماً قيماً في هذا الموضوع – وهو القاعدة التي أشرت إليها آنفاً – سأورده كاملاً على الرغم من طوله: قال رحمه الله في كتاب الصلاة: (الكفر والإيمان متقابلان، إذا زال أحدهما خلفه الآخر. ولما كان الإيمان أصلاً له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى إيماناً: فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصيام، والأعمال الباطنة كالحياء، والتوكل، والخشية من الله، والإنابة إليه، حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان.

وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادتين. ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق. وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً. منها

ص: 54

ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب. وكذلك الكفر ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر. والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر. والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكفر، والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان.

(وشعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية، وكذلك شعب الكفر نوعان: قولية وفعلية. ومن شعب الإيمان القولية شعب يوجب زوالها زوال الإيمان، فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان، وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية. فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختياراً - وهي شعبة من شعب الكفر - فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، فهذا أصل)

(وها هنا أصل آخر: وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب: هو الاعتقاد. وقول اللسان: وهو التكلم بكلمة الإسلام.

والعمل قسمان: عمل، وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله. وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق: فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة فأهل السنة: مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً ويقولون: ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به.

(وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده، والذي

ص: 55

هو ملزم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان. فإن الإيمان ليس مجرد التصديق - كما تقدم - وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبيينه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقاً - فليس هو التصديق المستلزم للإيمان. فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته.

(وهاهنا أصل آخر: وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد. فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً، من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده.

فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان.

وأما الحكم بغير ما أنزل (1) الله، وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه. فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد. ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً (2) ، ولا يطلق عليهما اسم الكفر.

وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه. وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.

(وكذلك قوله (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)(3)

(1) سيأتي بعد تمام هذا النص إن شاء الله مزيد من التفصيل في هذه الفقرة وبيان متى يكون ذلك مخرج من الملة ومتى لا يكون.

(2)

انظر صحيح مسلم (ج1/88)(ح82) كتاب الإيمان.

(3)

صحيح مسلم (ج1/81)(ح65) كتاب الإيمان.

ص: 56

فهذا كفر عمل. وكذلك قوله (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأته في دبرها فقد برئ مما أنزل على محمد)(1) وقوله (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)(2) .

(وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه، وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به وكافراً بما ترك العمل به فقال تعالى:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ {84} ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ { [سورة البقرة:84-85] .

فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، ثم أخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقاً وأخرجوهم من ديارهم. فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب. ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك

(1) أبو داود في الطب (ج4/225)(ح3904)، وانظر مشكاة المصابيح (2/1294) (ح4599) وقال: الألباني إسناده صحيح.

(2)

صحيح مسلم (ج1/79)(ح60) كتاب الإيمان.

ص: 57

الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه.

(فالإيمان العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي. وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في الحديث الصحيح (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)(1) ففرق بين قتاله وسبابه. وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به، والآخر كفراً. ومعلوم إنما أراد الكفر العملي الاعتقادي (2) ، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان.

(وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمها فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار (3) ، وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان (4) فهؤلاء غلوا، وهؤلاء جفوا. وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل. فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم. وقال سفيان بن عيينة: عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى:

{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون { [سورة المائدة: 44] .

(1) صحيح مسلم (ج1/81)(ح64) كتاب الإيمان.

(2)

لعل ابن القيم يقصد قتال المسلمين مع بعضهم البعض كما حصل بين الصحابة رضي الله عنهم، أما من يريد قتل المؤمنين ويشن الحرب على الإسلام والمسلمين فهذا لا شك في كفره المخرج من الملة. كما هو حال أعداء الإسلام الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة بل هدفهم (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) [النساء: 89] .

(3)

يريد فرقة الخوارج.

(4)

يقصد المرجئة.

ص: 58

(قال: هو بهم كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقال في رواية أخرى عنه: كفر لا ينقل عن الملة. وقال طاووس: ليس بكفر ينقل عن الملة (1) . وقال وكيع بن سفيان عن ابن جريج عن عطاء: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق (2) وهذا الذي قال عطاء بين في القرآن لمن فهمه، فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزله كافراً، وسمى جاحد ما أنزله على رسوله كافراً. وليس الكافران على حد سواء.

وسمى الكافر ظالماً كما في قوله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ { [سورة البقرة:254] .

(وسمى متعدي حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالماً فقال:

{وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ { [سورة الطلاق:1] .

وقال نبيه يونس {لَاّ إِلَهَ إِلَاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ { [سورة الأنبياء:87] .

وقال صفيه آدم {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا { [سورة الأعراف: 23] .

(1) تفسير ابن كثير (ج3/111) .

(2)

المصدر السابق (3/111) .

ص: 59

وقال كليمه موسى {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي { [سورة القصص:16] .

وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم.

(ويسمى الكافر فاسقاً: كما في قوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَاّ الْفَاسِقِينَ {26} الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ { [سورة البقرة:26 - 27] .

وقال: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَاّ الْفَاسِقُونَ { [سورة البقرة: 99] .

(وهذا كثير في القرآن. ويسمى المؤمن فاسقاً كما في قوله تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ { [سورة الحجرات: 6] .

(نزلت في الحكم بن أبي العاص. وليس الفاسق كالفاسق. وقال تعالى:

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ { [سورة النور: 4] .

ص: 60

وقال عن إبليس: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ { [سورة الكهف: 50] . وقال: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق { [سورة البقرة:197] .

وليس الفسوق كالفسوق.

والكفر كفران، والظلم ظلمان، والفسق فسقان، وكذا الجهل جهلان: جهل كفر كما في قوله تعالى:

{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ { [سورة الأعراف: 199] .

وجهل غير كفر كقوله تعالى:

{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ { [سورة النساء: 17] .

(وكذلك الشرك شركان: شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر، وهو شرك العمل كالرياء.

قال تعالى في الشرك الأكبر:

{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ { [سورة المائدة: 72] .

ص: 61

وقال: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ { [سورة الحج: 13] .

"وفى شرك الرياء:

{فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا { [سورة الكهف: 110] .

ومن هذا الشرك الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه أبو داود وغيره (1)

ومعلوم أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة، ولا يوجب له حكم الكفار. ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل "(2) .

(فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة، وإلى ما لا ينقل عنها. وكذا النفاق نفاقان: نفاق اعتقاد، ونفاق عمل، فنفاق الاعتقاد: هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار.

(ونفاق عمل كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)(3) . وفي الصحيح أيضاً (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من

(1) أبو داود (ج3/570)(ح3251) كتاب الإيمان والنذور وأخرجه الترمذي (5/253)(ح1535) في النذور والإيمان واللفظ عنده: فقد كفر أو أشرك وقال: حديث حسن وقال الشوكاني صححه الحاكم.

انظر نيل الأوطار (ج8/257) .

(2)

المسند (ج4/403) . قال الألباني: صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير (3/233)(ح3624) .

(3)

صحيح البخاري (ج 1/89)(ح33، 34) كتاب الإيمان وصحيح مسلم (ج 1/78)(ح 58 ، 59) كتاب الإيمان.

ص: 62

النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان) فهذا نفاق عمل، قد يجتمع مع أصل الإيمان، ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فإن الإيمان ينهي المؤمن عن هذه الخلال، فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لا يكون إلا منافقاً خالصاً.

(وكلام الإمام أحمد يدل على هذا، فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي (1) قال: سألت أحمد بن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده، إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم، هل يكون مصراً من كانت هذه حاله؟ قال: هو مصر مثل قوله (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)(2) ، يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام، ونحو قوله (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن) (3) . ونحو قول ابن عباس في قوله:

{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ { [سورة المائدة: 44] .

(قال إسماعيل: فقلت له ما هذا الكفر؟ قال: لا ينقل عن الملة، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.

(وهاهنا أصل آخر: وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان. وهذا من أعظم أصول أهل السنة،

(1) هو إسماعيل بن سعيد الشالنجي أبو إسحاق ذكره أبو بكر الخلال فقال: عنده مسائل كثيرة، ما أحسب أحداً من أصحاب أبي عبد الله - أحمد بن حنبل - روى عنه أحسن مما روى هذا، ولا أشبع ولا أكثر مسائل منه. وكان عالماً بالرأي كبير القدر عندهم معروفاً، له كتاب ترجمه بـ[البيان على ترتيب الفقهاء] . انظر طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (ج 1/104) .

(2)

، (90) ، صحيح مسلم (ج1/76)(ح57) كتاب الإيمان.

(3)

ص: 63

وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة (1) ، والقدرية (2) .

(ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة. قال تعالى:

{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ { [سورة يوسف: 106] .

فأثبت لهم إيماناً به سبحانه مع الشرك، وقال تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { [سورة الحجرات:14] .

فأثبت لهم إسلاماً وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه:

{الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ { [سورة الحجرات:15] .

(1) المعتزلة: هم الذين قالوا بخلق القرآن وجحدوا الرؤية. ويكذبون بعذاب القبر والشفاعة، والحوض، ولا يرون الصلاة خلف أحد من أهل القبلة، ولا الجمعة إلا وراء من كان على أهوائهم. انظر في ذلك كتاب السنة للإمام أحمد ص 81 وتلبيس إبليس لابن الجوزي (ص30) .

(2)

القدرية: هو الذين يزعمون أن إليهم الاستطاعة والمشيئة وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر والضر والنفع، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال، وأن العباد يعملون بدءاً من غير أن يكون سبق لهم ذلك من الله عز وجل أو في علمه وقولهم يضارع قول المجوسية. انظر السنة للإمام أحمد (ص81) .

ص: 64

وهؤلاء ليسوا منافقين في أصح القولين، بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله، وليسوا مؤمنين. وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفار.

(قال الإمام أحمد: من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن - يريد الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب - فهو مسلم ولا أسميه مؤمناً، ومن أتى دون ذلك - يريد دون الكبائر - سميته مؤمناً ناقص الإيمان، فقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم (فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق) . فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام.

كذلك الرياء شرك، فإذا رآى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام.

(وإذا حكم بغير ما أنزل الله، أو فعل ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كفراً، وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام.

وقد بينا أن المعاصي كلها شعب من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان، فالعبد تقوم به شعبة أو أكثر من شعب الإيمان، وقد يسمى بتلك الشعبة مؤمناً، وقد لا يسمى. كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافراً، وقد لا يطلق عليه هذا الإسلام. فها هنا أمران: أمر اسمي لفظي، وأمر معنوي حكمي.

فالمعنوي: هل هذه الخصلة كفر أم لا؟

واللفظي: هل يسمى من قامت به كافراً أم لا؟

فالأمر الأول: شرعي محض، والثاني لغوي وشرعي.

(وها هنا أصل آخر: وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمي مؤمناً وإن كان ما قام به إيماناً، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافراً، ،إن كان ما قام به كفراً. كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يسمى عالماً: ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن

ص: 65

يسمى فقيهاً ولا طبيباً، ولا يمنع ذلك أن تسمى شعبة الإيمان إيماناً، وشعبة النفاق نفاقاً، وشعبة الكفر كفراً.

وقد يطلق عليه الفعل كقوله (فمن تركها فقد كفر) و (من حلف بغير الله فقد كفر) وقوله (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر ومن حلف بغير الله فقد كفر) . رواه الحاكم في صحيحه بهذا اللفظ. فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم كافر على الإطلاق، وكذا يقال لمن ارتكب محرماً أنه فعل فسوقاً وأنه فسق بذلك المحرم، ولا يلزمه اسم فاسق إلا لغلبة ذلك عليه) (1) ا. هـ.

ولي على هذا النص تعليق:

(1) كتاب الصلاة: للعلامة محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية ص 25 – 31، الطبعة الثانية سنة 1391 هـ المكتبة السلفية بمصر.

ص: 66