الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ النِّكاح
===
(كتاب النكاح)
النكاح: يطلق في اللغة: على الوطء؛ لما فيه من معنى الضم، يقال: تناكحت الأشجار: إذا انضم بعضها إلى بعض، وسمي به العقد؛ لأنه سببه. قاله الأزهري (1).
وله أسماء جمعها أبو القاسم علي بن جعفر اللغوي، فبلغت ألف اسم وأربعين اسمًا.
وهل هو حقيقة في العقد مجاز في الوطء أو بالعكس أو مشترك؛ أوجه: أصحها: الأول، وقال أبو حنيفة بالثاني، وهو أقرب إلى اللغة، والأول: أقرب إلى الشرع.
قال الزمخشري -وهو من الحنفية-: لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد؛ لأن كونه بمعنى الوطء من باب التصريح (2).
ومن آدابه: الكناية عنه بلفظ الملامسة والمماسة، ولا يرد {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} لأن المراد العقد، والوطء مستفاد من الحديث.
وفائدة الخلاف بيننا وبين الحنفية تظهر فيمن زنا بامرأة. . فإنها تحرم على والده وولده عنده لا عندنا.
والنكاح شرع من عهد آدم صلى الله عليه وسلم، واستمرت مشروعيته بل هو مستمر في الجنة، ولا نظير له فيما يتعبد به من العقود بعد الإيمان، والأحاديث الواردة في الترغيب فيه والحث عليه. . كثيرة شهيرة.
وهل النكاح ملك أو إباحة؟ وجهان، وفائدة الخلاف تظهر فيما لو حلف لا ملك له وهو متزوج، قاله المتولي، قال في "زيادة الروضة": والمختار: أنه لا حنث إذا لم تكن نيّة؛ لأنه لا يفهم منه الزوجة (3).
(1) تهذيب اللغة (7/ 195).
(2)
الكشاف (3/ 557).
(3)
روضة الطالبين (11/ 53).
وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمُحْتَاجٍ إِلَيْهِ يَجِدُ أُهْبَتَهُ، فَإِنْ فَقَدَهَا. . اسْتُحِبَّ تَرْكُهُ، وَيَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ. فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ. . كُرِهَ إِنْ فَقَدَ الأُهْبَةَ،
===
(وهو مستحب لمحتاج إليه)(1) أي: تائق (يجد أهبته) وهي مُؤَنُه؛ لحديث: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ؛ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ. . فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ. . فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" متفق عليه (2).
و(الباءة) بالمد: هي القدرة على المؤن.
ويستثنى: ما إذا كان المسلم في دار الحرب. . فإنه لا يستحب له النكاح وإن اجتمعت فيه هذه الشروط، نص عليه في "الأم"، وعلَّله بالخوف على ولده من التكفير والاسترقاق.
ويستحب: أن ينوي بالنكاح المقاصد الشرعية.
قال صاحب "الخصال": ولو كان له صبر على النكاح -ولو كان له لم يعجز عنه-. . ندب له أن يتفرغ للعبادة (3)، والمرأة في ذلك كالرجل، لكنها لا تحتاج إلى أهبة (4).
(فإن فقدها. . استحب تركه) لما في النكاح من التزام ما لا يقدر عليه.
(ويكسر شهوته بالصوم) للحديث المارِّ؛ فإن لم تنكسر به. . لم يكسرها بكافور ونحوه -بل يتزوج-؛ لأنه نوع من الخصاء.
(فإن لم يحتج) لانتفاء التوقان، أو لعجزه لمرض ونحوه (. . كره إن فقد الأهبة) لما فيه من التزام ما لا يمكنه القيام به من غير حاجة، وعبارة الشافعي: الأحب: تركه (5)، ولا يلزم منها الكراهة.
(1) في غير (أ): (هو مستحب).
(2)
صحيح البخاري (5066)، صحيح مسلم (1400) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(3)
هكذا العبارة في جميع النسخ، و"عجالة المحتاج"(3/ 1161).
(4)
قال الشيخ عماد الدين إبراهيم بن عبد الوهاب الزنجاني في "شرح الوجيز" المسمى بـ (الموجز): لم يتعرض الأصحاب للنساء، قال: والذي يغلب على الظن أن النكاح في حقهن أولى مطلقًا؛ لأنهن يحتجن إلى القيام بأمورهن والتستر عن الرجال، ولم يتحقق فيهن الضرر الناشئ عن النفقة. "مهمات". اهـ هامش (هـ).
(5)
الأم (6/ 376).
وَإِلَّا. . فَلَا، لكِنِ الْعِبَادَةُ أَفْضَلُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ. . فَالنكاحُ أَفْضَلُ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ الأُهْبَةَ وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ. . كُرِهَ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَتُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ بِكْرٌ
===
(وإلا) أي: وإن وجد الأهبة مع عدم الحاجة (. . فلا) يكره له؛ لقدرته عليه (لكن العبادة أفضل) أي: التخلي لها اهتمامًا بها وعدم حاجته إليه.
(قلت: فإن لم يتعبد. . فالنكاح أفضل في الأصح) كيلا تفضي به البطالة والفراغ إلى الفواحش، والثاني: تركه أفضل؛ لما فيه من الخطر بالقيام بواجبه وفي الصحيح: "اِتّقوا الله، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ مِنَ النِّسَاءِ"(1).
(فإن وجد الأهبة وبه علة؛ كهرم أو مرض دائم أو تعنين) دائم (. . كره، والله أعلم) لعدم الحاجة مع منع المرأة من التحصين، كذا جزما به، لكن في "الأحياء" استحبابه للعنين والممسوح؛ تشبهًا بالصالحين؛ كما يؤمر الأصلع بإمرار الموسى على رأسه (2).
وجمع السبكي بينهما: بأن كلام المصنف وغيره محله: إذا لم تتق نفسه إليه أصلًا، وكلام "الإحياء"، إذا تاقت، وفيه نظر، وتعليل الغزالي يردّه.
(وتستحب ديِّنة) لحديث: "فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"(3).
(بكر) إن لم يكن عذر (4)؛ لحديث: "هَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ"(5).
(1) أخرجه مسلم (2742) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2)
الشرح الكبير (7/ 465)، روضة الطالبين (7/ 18)، إحياء علوم الدين (2/ 26).
(3)
أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
وأن تكون ولودًا؛ أي: أن تكون بالغة عاقلة، والعقل المذكور هنا يتجه أن يكون المراد به: العقل العرفي، وهو: زيادة على مناط التكليف، ويستحب أيضًا: أن تكون خفيفة المهر، ويستحب: العقد في المسجد، وأن يحضره جمع من أهل الخير والصلاح. ملتقط "المهمات"(7/ 19 - 20). اهـ هامش (هـ).
(5)
أخرجه البخاري (2097)، ومسلم (715/ 54) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
نَسِيبَةٌ لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً.
===
(نَسيبة) أي: طيبة أصل، وتكره بنت الزنا وابنة الفاسق (1)؛ لما رواه ابن ماجه:"تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَلَا تَضَعُوهَا فِي غَيْرِ الأَكْفَاءِ" وصححه الحاكم، لكن قال أبو حاتم الرازي: ليس له أصل (2).
(ليست قرابة قريبة)(3) لحديث: "لَا تنكِحُوا الْقَرَابَةَ الْقَرِيبَةَ؛ فَإِنَّ الْوَلَدَ يُخْلَقُ ضَاوِيًا"(4) أي: نحيفًا، وذلك لضعف الشهوة، لكن قال ابن الصلاح: لا يعرف له أصل معتمد، وقد زوّج النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا بفاطمة رضي الله عنها، وهي قرابة قريبة.
وقد يفهم: أن القرابة البعيدة أولى من الأجنبية، وبه صرح في "زيادة الروضة"، وعبارة "الكفاية": أن تكون غريبة، وهي تقتضي نفي القرابة مطلقًا (5).
وأنشد بعضهم: [من الخفيف]
إِنْ أَرَدْتَ الإِنْجَابَ فَانْكِحْ غَرِيبًا
…
وَإِلَى الأَقْرَبِينَ لَا تَتَوَصَّلْ
(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إيَاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ"، قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: "الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي الْمَنْبتِ السُّوءِ"، وخضراء الدمن: هي الشجرة الخضراء النابتة في مطارح البحر، وهي الدِّمَن بكسر (الَدال) وفتح (الميم): جمع دمنة، شبه بها المرأة الحسناء ذات النسب الفاسد؛ مثل: أن تكون بنت الزنا. ملتقط "المهمات"(7/ 18). اهـ هامش (هـ)، والحديث أخرجه القضاعي في "المسند"(957) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وانظر "التلخيص الحبير"(5/ 2239)، و"المقاصد الحسنة"(271).
(2)
المستدرك (2/ 163)، وسنن ابن ماجه (1968)، العلل (3/ 721)، وأخرجه البيهقي (7/ 133) عن عائشة رضي الله عنها، وانظر "تخريج الأحاديث والآثار"(1/ 273 - 275) للزيلعي.
(3)
واعلم: أن عبارة الرافعي لا يؤخذ منها الأولى في الأجنبية مع القرابه غير القريبة، وقد صرح في "الروضة" من "زوائده" (7/ 19): بأن القريبة أولى، وهو مقتضى كلام جماعة، لكن ذكر صاحب "البحر"، و"البيان" (9/ 117): أن الشافعي نص على أنه يستحب ألا يتزوج من عشيرته؛ فإن الولد يجيء أحمق، قال: وقد رأينا جماعة تزوجوا من عشائرهم؛ فجاءت أولادهم حمقى. "مهمات"(7/ 19). اهـ هامش (هـ).
(4)
انظر "التلخيص الحبير"(5/ 2241).
(5)
روضة الطالبين (7/ 19)، كفاية النبيه (13/ 12).
وَإِذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا. . سُنَّ نَظَرُهُ إِلَيْهَا قَبْلَ الْخِطْبَةِ وَإِنْ لَمْ تأْذَنْ، وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ،
===
فأَشَفُّ الثِّمَارِ حُسْنًا وَطِيبًا
…
ثَمَرٌ غُصْنُهُ غَرِيبٌ مُوَصَّلْ
ويستحب أيضًا: أن تكون ولودًا، وافرة العقل، حسناء غير شقراء، لا ولد لها من غيره، ولا مطلّق ترغب فيه أو يرغب فيها ويخشى الفتنة بسببه.
وأورد القاضي الماوردي حديثًا: أنه صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة: "لَا تَتَزَوَّجْ خَمْسًا: شَهْبَرَةً وَلَا لَهْبَرَةً وَلَا نَهْبَرَةً وَلَا هَنْدَرَةً وَلَا لَفُوتًا"(1)؛ فالأولى: الزرقاء البذية، والثانية: الطويلة المهزولة، والثالثة: العجوز المدبرة، والرابعة: القصيرة الذميمة، والخامسة: ذات الولد من غيرك.
(وإذا قصد نكاحها. . سُنّ نظره إليها) لأمره صلى الله عليه وسلم للمغيرة بن شعبة به، رواه الترمذي (2)، ورأى عليه السلام عائشة في نومه، وفعله في المنام كاليقظة، وبه استدل البخاري وغيره (3).
(قبل الخطبة) وبعد عزمه على النكاح؛ لأنه قبل العزم لا حاجة إليه، وبعد الخطبة قد يفضي الحال إلى الترك، فيشق عليها (4)(وإن لم تأذن) هي، أو وليها إن كانت لاغية الإذن، ويكفي إذن الشارع في ذلك ولئلا تُزيِّن نفسَها فيفوت مقصود النظر.
[(وله تكرير نظره) إذا احتاج إليه؛ ليتبيّن هيئتها فلا يندمَ بعد النكاح؛ إذ لا يحصل الغرض غالبًا بأول نظرة، وسواء خاف الفتنة أم لا، قاله الإمام
(1) الحاوي الكبير (11/ 148)، والحديث أخرجه الديلمي (8561) عن زيد بن حارثة رضي الله عنه، وفي (و):(هيذرة) بدل (هندرة).
(2)
سنن الترمذي (1087)، وأخرجه الحاكم (2/ 165)، والنسائي (6/ 69)، وابن ماجه (1866).
(3)
صحيح البخاري (3895).
(4)
واعلم: أن ما رجحه الرافعي معارض بالحديث والمعنى: أما الحديث. . فروى البيهقي [7/ 84] عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ عَلَى أنْ يَرَى مِنْهَا مَا يُعْجبُهُ وَيَدْعُوهُ إِلَيْهَا. . فَلْيَفْعَلْ"، فدل على أن النظر بعد الخطبة، وأما المعنى. . فلأنه لو رآها قبل ذلك. . فقد تعجبه ولا تجيبه هي، أو لا يجيبه أهلها؛ فيشق عليه ويتضرر. المهمات. اهـ هامش (هـ).
وَلَا يَنْظُرُ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إِلَى عَوْرَةِ حُرَّة كَبِيرَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ،
===
والروياني (1)] (2).
(ولا ينظر غير الوجه والكفين) ظهرًا وبطنًا؛ لأنها مواضع ما يظهر من الزينة المشار إليها في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} والمعنى فيه: أن في الوجه ما يستدل به على الجمال، وفي اليدين ما يستدل به على خصب البدن، هذا إذا كانت المخطوبة حرة؛ لأن ذلك ليس بعورة منها، فإن كانت أمة. . جاز أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها، كذا نقله في "المطلب" عن مفهوم كلامهم، لكن نقل البيهقي في "المبسوط": أن إطلاق الشافعي في "الإملاء" يقتضي التسوية.
وإن لم يتيسر له النظر. . بعث امرأة تتأملها وتصفها له، ووصف المرأةِ المرأةَ للرجل حرامٌ إلَّا في هذا الموضع.
(ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية) لأنه إذا حرم نظر المرأة إلى عورة المرأة كما جاء به الخبر في الصحيح. . فهو أولى (3).
والعورة: ما عدا الوجه والكفين.
وشمل إطلاقه (الفحل) المخنث وهو: المتشبه بالنساء، والعنين، والشيخ الهِمّ، وهو كذلك، وخرج: الممسوح، وسيذكره.
ولكن يرد عليه: المجبوب وهو: مقطوع الذكر فقط، والخصي وهو: من بقي ذكره دون أنثييه، والخنثى المشكل؛ فإنهم كالفحل على الصحيح.
وخرج بالبالغ: الصبي، وليس على إطلاقه؛ فإن المراهق كالبالغ؛ كما سيأتي، وغيره إن لم يصل إلى حد يحكي ما يراه. . فحضوره كعدمه، ويجوز التكشف له من كل وجه، وإن وصل. . فهو كالمحرم.
(1) نهاية المطلب (12/ 37).
(2)
ما بين المعقوفين زيادة من (ز) و (و)، وفي (و) فوق جملة (وله تكرير نظره) حرف (الحاء) مشيرًا إلى الحذف، أو حرف (الخاء) مريدًا النسخة، وعلى كلِّ حال أثبتها؛ مراعاة لسياق "منهاج الطالبين"(ص 372) فإن الجملة موجودة فيه، وكذلك شروح "المنهاج" المطبوعة، حتى أصل هذا الكتاب، وهو:"عجالة المحتاج"(3/ 1166)، والله تعالى أعلم.
(3)
أخرجه مسلم (338) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وَكَذَا وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ، وَكَذَا عِنْدَ الأَمْنِ عَلَى الصَّحِيحِ،
===
وكان ينبغي أن يزيد: (عاقل مختار) ليخرج المجنون والمكره.
وخرج بالحرة: الأمة، وسيأتي ما فيها، والمبعّضة كالحرة، وبالكبيرة: الصغيرة، وسيأتي.
والمراد بالكبيرة: من وصلت إلى حد تشتهى فيه وإن لم تبلغ.
(وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة)(1) وهو ما يدعو إلى الجماع ومقدماته بالإجماع.
(وكذا عند الأمن على الصحيح) للاتفاق على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه؛ كما نقله الإمام وأقراه، ولو حل النظر. . لكُنّ كالمرد (2)، والثاني: لا يحرم، وصوبه في "المهمات"؛ لنقل الرافعي له عن الأكثرين لا سيما المتقدمون؛ لقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} وهو مفسر بالوجه والكفين (3).
وما نقله الإمام من الاتفاق معارض بنقل القاضي عياض المالكي عن العلماء مطلقًا: أنه لا يجب على المرأة ستر وجهها في طريقها، وإنما ذلك سنة، وعلى الرجال غض البصر عنهن، وأقرّه المصنف عليه في "شرح مسلم" في (باب نظر الفجأة)(4).
وشمل إطلاق المصنف: العجوز التي لا تشتهى، وهو الأرجح في "الشرح الصغير"؛ لأن لكل ساقطة لاقطة، وقال الروياني: إذا بلغت مبلغًا يؤمن معه الافتتان بالنظر إليها. . جاز النظر إلى وجهها وكفيها؛ لقوله تعالى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ} (5)،
(1) في (هـ) و (و): (وكذا وجهُها وكفُّها).
(2)
نهاية المطلب (12/ 31)، الشرح الكبير (7/ 472)، روضة الطالبين (7/ 21).
(3)
المهمات (7/ 21).
(4)
إكمال المعلم (7/ 37)، شرح صحيح مسلم (14/ 139).
(5)
صوت المرأة ليس بعورة على الأصحِّ، لكن يحرم الإصغاء إليه عند خوف الفتنة، وقال القاضي الحسين في "تعليقه": فأما إذا كان لها نغمة حسنة. . فلا خلاف أنه عورة، ومحرم على الرجل استماعها، وهذا يوافق ما نقله صاحب "عوارف المعارف" عن أصحابنا من اتفاقهم على تحريم استماع الغناء من الأجنبية مطلقًا. اهـ هامش (أ).
وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمٍ مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، وَيَحِلُّ مَا سِوَاهُ، وَقِيلَ: مَا يَبْدُو فِي الْمَهْنَةِ فَقَطْ. وَالأَصَحُّ: حِلُّ النَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ إِلَى الأَمَةِ إِلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، وَإِلَى صَغِيرَةٍ.
===
وقاله القاضي الحسين، واختاره الأَذْرَعي، قال: والقياس: جوازه إلى ما وراء ذلك من الساعدين وصفحة العنق والقدمين، والإجماع الفعلي عليه من غير نكير.
وفرض المصنف وغيره الخلاف عند الأمن، وفرضه الإمام فيما إذا لم يظهر خوف فتنة (1)، قال السبكي: وهو حسن؛ فالأمن عزيز إلا من عصمه الله.
(ولا ينظر من محرم)(2) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (ما بين سرة وركبة) إن بلغت حدًّا تشتهى؛ لأنه عورة.
(ويحل ما سواه) لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الآية، (وقيل: ما يبدو في المهنه فقط) وهو الوجه والرأس والعنق، واليد إلى المرفق والرجل إلى الركبة، وفي الثدي حال الرضاع وجهان؛ إذ لا ضرورة إلى غيره.
ويعلم من هذا: أن نظره إلى ما يبدو في حال المهنة جائز قطعًا، وإلى ما بين السرة والركبة حرام قطعًا، والخلاف فيما بين ذلك.
و(المهنة) بفتح الميم وكسرها: الخدمة.
(والأصح: حلُّ النظر بلا شهوة إلى الأمة) ولو كانت أم ولد (إلا ما بين سره وركبة) لأن ذلك عورتها في الصلاة، فأشبهت الرجل، ولأن رأسها ليس بعورة إجماعًا؛ كما حكاه بعضهم؛ فلا يكون ما عدا ما بين السرة والركبة عورة؛ كالرجل. نعم؛ يكره.
والثاني: يحرم ما لا يبدو في المهنة؛ إذ لا حاجة إليه، والثالث: أنها كالحرة، وسيأتي تصحيح المصنف له.
(وإلى صغيرة) لا تشتهى؛ إذ ليست في مظنة الشهوة، والثاني: المنع مطلقًا؛ لأنها من جنس الإناث، وهو واه، لا كما اقتضاه إيراد المصنف من كونه قويًّا، وكيف يتصور أن يقال به وما زال الناس في جميع الأعصار ينظرون إلى الصغائر، والنبي
(1) نهاية المطلب (12/ 31).
(2)
في (ز): (ولا ينظر من محرمه).
إِلَّا الْفَرْجَ، وَأَنَّ نَظَرَ الْعَبْدِ إِلَى سَيدَتِهِ وَنَظَرَ مَمْسُوحٍ كَالنَّظَرِ إِلَى مَحْرَمٍ،
===
صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة في الصلاة بين الناس، وهم ينظرون إليها؟ ! (1).
ولم يحك هذا الوجه غير الغزالي فمن بعده، قال ابن الصلاح: وحكاية الخلاف في وجه الصغيرة التي لا تشتهى يكاد أن يكون خرقًا للإجماع، وما علل به هذا الوجه منقوض بذوات المحارم؛ فإنه لا خلاف في جواز النظر إلى وجههن، وهذه أولى بذلك؛ لخروجها عن مظنة الشهوة في حق جميع الناس، وذوات المحارم إنما خرجت عن الشهوة في حق محارمهن (2).
(إلا الفرج) بالاتفاق؛ كما ادعاه الفوراني، وصاحبا "العدة" و"التهذيب" تبعًا للقفال، وجزم به الرافعي في كتبه، لكن في "زيادة الروضة" عن القاضي الحسين: القطع بجواز النظر إلى فرج الصغيرة التي لا تشتهى، والصغير؛ قال: وقطع به في الصغير إبراهيم المروذي، وصححه المتولي؛ لتسامح الناس بذلك قديمًا وحديثًا، وإن إباحة ذلك تبقى إلى بلوغه سن التمييز، ومصيره بحيث يمكنه ستر عورته عن الناس (3).
(وأن نظر العبد) الفحل (إلى سيّدته ونظرَ ممسوح) سواء أكان حرًّا أم عبدًا لغيرها (كالنظر إلى مَحْرم) أما الأولى. . فلقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها، وقد أتاها ومعه عبد وقد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها. . لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها. . لم يبلغ رأسها، فلما رأى صلى الله عليه وسلم ما تلْقى قال:"إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ" رواه أبو داوود (4).
وهذا ما عزاه الرافعي للأكثرين، وقال في "الروضة": إنه المنصوص، وظاهر الكتاب والسنة وإن كان فيه نظر من حيث المعنى (5).
(1) أخرجه البخاري (516)، ومسلم (543) عن أبي قتادة رضي الله عنه.
(2)
الوسيط (5/ 36).
(3)
التهذيب (5/ 241)، الشرح الكبير (7/ 474)، روضة الطالبين (7/ 24).
(4)
سنن أبي داوود (4106) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(5)
الشرح الكبير (7/ 476)، روضة الطالبين (7/ 23).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقيل: إنه كالأجنبي؛ لأنه لو ثبتت المحرمية. . لاستمرت؛ كالرضاع، وصححه جمع، وصوّبه في مسودة "شرح المهذب" وبسط ذلك، وبالغ في التشنيع على القائل بكونه كالمحرم.
وعلى الأول: فالجواز مقيد بما إذا كانا عتيقين؛ كما ذكره الواحدي في "بسيطه"، والمهدوي في "تفسيره"، وقيّده البغوي والكواشي: بما إذا كان العبد عفيفًا (1)، وهم أئمة شافعيون، قال الأَذْرَعي: فيجب تقييد الجواز به، وبه يندفع ما شنع به في "شرح المهذب".
وشمل إطلاقه: المكاتب، وهو ما جزم به ابن القشيري في "تفسيره"، وحكاه البُلْقيني عن النص، لكن في "زيادة الروضة" عن القاضي الحسين: أنه إن كاتبته. . فليس بمحرم، وأقرّه، وسبقه إليه ابن الصلاح، فنقله عنه في "مشكله"(2)، قال ابن الرفعة: ولم أره في تعليق القاضي، وقال البُلْقيني: لم يطلق القاضي ذلك بل قال: إن كان معه وفاء. . فلتحتجب منه، وإلا. . فلا.
وتعبير المصنف بـ (العبد): قد يخرج المبعّض، وبه صرّح الماوردي في (باب الصلاة) فقال: لا يختلف أصحابنا أنه كالأجنبي (3).
وأما الثانية، وهو الممسوح الذي ذهب ذكره وأنثياه وليس بعبد للمرأة. . فلقوله تعالى:{أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} ، ولانتفاء الشهوة في حقه.
والثاني: أن نظره كالفحل [لأنه يحل نكاحه كالفحل](4)، ورجحه ابن الصلاح، واختاره السبكي (5)، واختار في "زيادة الروضة" في تفسير:{غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} أنه المغفل في عقله الذي لا يشتهي النساء، وهو قول ابن عباس وغيره (6).
(1) تفسير البغوي (3/ 339).
(2)
روضة الطالبين (7/ 23)، الوسيط (5/ 34).
(3)
الحاوي الكبير (2/ 223).
(4)
ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).
(5)
الوسيط (5/ 34).
(6)
الوسيط (5/ 33)، روضة الطالبين (7/ 23).
وَأَنَّ الْمُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ. وَإِلَى رَجُلٍ إِلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ. وَيَحْرُمُ نَظَرُ أَمْرَدَ بِشَهْوَةٍ
===
(وأن المراهق) وهو من قارب الاحتلام (كالبالغ) لظهوره على العورات، والثاني: له النظر؛ لأن الحل ثبت، فلا يرتفع إلا بسبب ظاهر وهو البلوغ، وعلى هذا: هو كالمحرم.
ومعنى جعله كالبالغ: أنه يلزم المنظور إليها الاحتجاب منه كالمجنون، أو أن يمنعه الولي من النظر كما يمنعه من سائر المحرمات، أما الصبي. . فلا تكليف عليه، وخصّ الإمام والغزالي بمن لم يظهر منه التشوق، فإن ظهر. . فهو كالبالغ قطعًا (1).
ويجب على المرأة الاحتجاب من المجنون قطعًا؛ لأنه بالغ ذو شهوة، وقد يكون الخوف منه أكثر.
(وإلى رجل)(2) عند أمن الفتنة وعدم الشهوة بالاتفاق (إلا ما بين سرة وركبة) لأنه عورة، ولا فرق عندنا بين الحمام وغيره، ونقل القاضي الحسين عن علي رضي الله عنه: أن الفخذ في الحمام ليس بعورة (3).
(ويحرم نظر أمردَ بشهوة) بالإجماع، وكذا عند خوف الفتنة وإن لم يكن بشهوة على الأصحِّ، وذكر المصنف هذا توطئة لما بعده، وإلا. . فالنظر إلى الرجل والمحرم شرطه عدم الشهوة.
وضابط الشهوة -كما قاله في "الإحياء"-: أن كل من تأثر بصورة الأمرد بحيث يظهر من نفسه الفرق بينه وبين الملتحي. . فهذا لا يحل له النظر (4).
وقال السبكي: المراد من الشهوة: أن يكون النظر لقصد قضاء وطر؛ بمعنى: أن الشخص يحب النظر إلى الوجه الجميل ويلتذ به، قال: فإذا نظر ليلتذ بذلك الجمال. . فهو النظر بشهوة، وهو حرام، قال: وليس المراد: أن يشتهي زيادة على
(1) نهاية المطلب (12/ 35)، الوسيط (5/ 34).
(2)
عبارة غير (أ): (ويحل نظر رجل إلى رجل)، وقد شطب على هذه الزيادة في (أ).
(3)
أورده الطبراني في "الكبير"(2/ 273) عن الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى، وقال الإمام الذهبي في "السير" (7/ 117):(ومن غرائب ما انفرد به الأوزاعي: أن الفخذ ليست في الحمام عورة، وأنها في المسجد عورة).
(4)
إحياء علوم الدين (3/ 102).
قُلْتُ: وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ،
===
ذلك من الوقاع ومقدماته؛ فإن ذلك ليس بشرط بل زيادة في الفسق، قال: وكثير من الناس لا يقدمون على فاحشة، ويقتصرون على مجرد النظر والمحبة، ويعتقدون أنهم سالمون من الإثم، وليسوا سالمين.
قال ابن الصلاح: وليس المعنى بخوف الفتنة: غلبة الظنّ بوقوعها، بل يكفي ألّا يكون ذلك نادرًا.
(قلت: وكذا بغيرها في الأصح المنصوص) لأنه مظنة الفتنة، فهو كالمرأة بل أعظم، وقد نفر منهم السلف وسموهم الأنْتَان؛ لأنهم مستقذرون شرعًا.
وذكر عن أبي عبد الله الجلاء، قال: كنت أمشي يومًا مع أستاذي فرأيت حدثًا جميلًا، فقلت لأستاذي: ترى يعذب الله هذه الصورة؟ فقال: ونظرت؟ ! سترى غبَّه، قال: فنسيت القرآن بعد ذلك بعشرين سنة.
وهذا ما نقله في "زيادة الروضة" عن إطلاق صاحب "المهذب" وغيره، قال: ونقله الداركي عن نص الشافعي، وصرح بتصحيحه في مواضع من "شرح المهذب"، ونازع في "المهمات" في العزو للنص، وقال: الصادر من الشافعي على ما بينّه في "الروضة" إنما هو إطلاق يصح حمله على حالة الشهوة. انتهى (1).
وقال الشيخ أبو حامد: لا أعرف هذا النص للشافعي؛ كما نبه عليه ابن الرفعة، قال: ولم يذكره البيهقي في "معرفته" ولا "سننه" ولا "مبسوطه" أيضًا.
والثاني: لا يحرم، إذ لو حرم [. . لأمروا بالاحتجاب؛ كالنسوة، وأجاب عنه ابن الصلاح: بأنهم إنما لم يؤمروا](2) بالاحتجاب، لما فيه من المشقة من تركهم الأسباب، ووجب الغض على من يخاف الافتتان بهم؛ رعاية للجانبين (3).
قال السبكي: وهو ظاهر، إنما الصعب إيجاب الغض مطلقًا؛ كما يقوله المصنف.
(1) روضة الطالبين (7/ 25)، المجموع (4/ 515)، (8/ 51)، المهمات (7/ 23).
(2)
ما بين المعقوفين زيادة من غير (أ).
(3)
الوسيط (5/ 30).
وَالأَصَحُّ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ: أَنَ الأَمَةَ كَالْحُرَّةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَالْمَرْأَةُ مَعَ امَرْأَةٍ كَرَجُلٍ وَرَجُلٍ، وَالأَصَحُّ: تَحْرِيمُ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ إِلَى مُسْلِمَةٍ،
===
ويرده: أحوال الناس ومخالطتهم الصبيان من عصر الصحابة إلى الآن، مع العلم بأنهم لم يؤمروا بغض البصر عنهم في كل حال؛ كالنساء بل عند توقع الفتنة.
وأطلق المصنف (الأمرد)، وقيّده القاضي الحسين والمتولي والفوراني وابن أبي عصرون والمصنف في تبويب "رياض الصالحين" بكونه: حسن الوجه، نقي البدن، يخشى منه الافتتان (1)، وهو حسن، ولم يقيدوا به النساء؛ فلكل ساقطة لاقطة.
(والأصح عند المحققين: أن الأمة كالحرة، والله أعلم) لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة؛ ففي الإماء التركيات ونحوهن من خوف الفتنة أشد من كثير من الحرائر.
(والمرأة مع امرأة كرجل ورجل)(2) وقد مرّ.
(والأصح: تحريم نظر ذمية إلى مسلمة) لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} فلو جاز النظر. . لم يبق لتخصيص نسائهن فائدة، وصحّ عن عمر رضي الله عنه: أنه منع الكتابيات دخول الحمام مع المسلمات (3).
ويستثنى: مملوكة المرأة؛ فلا يحرم نظرها إليها؛ كما قاله المصنف في "فتاويه"(4).
وكلام المصنف قد يوهم: أنها معها كالرجل الأجنبي، وبه صرح الإمام، والذي في "الشرح" و"الروضة": أن الأشبه: أن الذي يحرم نظر الذمية إليه من المسلمة. . هو ما لا يبدو في حال المهنة، ولها النظر إلى ما يبدو في المهنة (5).
والثاني: يحل كالمسلمة؛ لاتحاد الجنس كالرجال؛ فإنهم لم يفرقوا فيهم بين نظر
(1) رياض الصالحين (ص 520).
(2)
في (ز): (والمرأة مع المرأة).
(3)
أخرجه البيهقي (7/ 95).
(4)
فتاوى الإمام النووي (ص 180).
(5)
نهاية المطلب (12/ 30)، الشرح الكبير (7/ 477)، روضة الطالبين (7/ 25).
وَجَوَازُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى بَدَنِ أَجْنَبِيٍّ سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتهِ وَرُكْبَتِهِ إِنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً. قُلْتُ: الأَصَحُّ: التَّحْرِيمُ كَهُوَ إِلَيْهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
المسلم إلى الذمي، ونظر الذمي إليه.
وظاهر إيراد المصنف: أن التحريم على الذمية، وهو صحيح إذا قلنا: الكفار مخاطبون بالفروع، وإذا كان حرامًا على الذمية. . حرم على المسلمة التمكين منه.
قال السبكي: ويحتمل إرادة التحريم على المسلمة، وهو ظاهر كتاب عمر إلى أبي عبيدة رضي الله عنهما يأمره أن يمنع المسلمات من أن يدخلن الحمام مع المشركات (1).
ولو عبر المصنف بـ (الكافرة). . لكان أشمل، بل قال ابن عبد السلام: أن الفاسقة كالكافرة في ذلك، ولعله أراد من تميل إلى النساء، وقد صرح بذلك المتولي، وصاحب "الترغيب" من متأخري المراوزة، وعبارته: ويحرم على المساحقة النظر.
وذكر القاضي الحسين في أحد تعليقيه (2): أنه يكره للمرأة إذا كانت تميل إلى النساء النظرُ إلى وجه النساء وأبدانهن، وأن تضاجعهن بلا حائل؛ كما في الرجال.
(وجواز نظر المرأة إلى بدن أجنبي سوى ما بين سرّته وركبته إن لم تخف فتنة) ولا نظرت بشهوة؛ لنظر عائشة رضي الله عنها إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد (3)، وليس كنظر الرجل إليها؛ لأن بدنها عورة في نفسه، ولذلك يجب ستره في الصلاة.
(قلت: الأصح: التحريم كهو إليها، والله أعلم) لقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} ، وقوله عليه السلام:"أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا، أَلَسْتُمَا تبصِرَانِهِ؟ " صححه الترمذي (4).
(1) سبق تخريجه قبل قليل.
(2)
في (ز): (وفي إحدى تعليقتي القاضي حسين).
(3)
أخرجه البخاري (3530)، ومسلم (892).
(4)
سنن الترمذي (2778)، وأخرجه أبو داوود (4112)، والنسائي في "الكبرى"(9197) عن أم سلمة رضي الله عنها.
وَنَظَرُهَا إِلَى مَحْرَمِهَا كَعَكْسِهِ. وَمَتَى حَرُمَ النَّظَرُ .. حَرُمَ الْمَسُّ،
===
قال ابن دقيق العيد في (كتاب الطلاق) من "شرح العمدة": وفي دلالة الآية المذكورة نظر؛ لأن (من) للتبعيض، فيحمل على من خاف الفتنة، فلا دلالة حينئذ على وجوب الغض مطلقًا؛ كما اختاره بعض المتأخرين، ولعله عنى به المصنف؛ فإنه استدل بها في "الروضة"، قال: والجمع بين الدليلين أولى من إلغاء أحدهما (1). انتهى.
وأجاب في "شرح مسلم" عن نظر عائشة: بأنه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم، وإنما نظرت لعبهم وحرابتهم، ولا يلزم منه تعمد النظر، وإن وقع بلا قصد .. صرفته في الحال، وأجاب عنه غيره: بأن ذلك لعله كان قبل نزول الحجاب، أو كانت عائشة لم تبلغ مبلغ النساء إذ ذاك (2).
(ونظرها إلى محرمها كعكسه) كنظر الرجل إلى محرمه؛ فتنظر منه ما عدا ما بين السرة والركبة على الأصحِّ.
(ومتى حرم النظر .. حرم المس) لأنه أبلغ في إثارة الشهوة؛ بدليل: أنه لو لمس فأنزل .. أفطر، ولو نظر فأنزل .. لم يفطر، فيحرم على الرجل دلْكُ فخِذ الرجل بلا حائل، وكذلك لمحرمه، وقد يحرم النظر على وجه ويجوز اللمس قطعًا، وهو نظر الرجل إلى فرج امرأته وأمته؛ كما سيأتي.
وأفهم: أنه حيث جاز النظر .. جاز المسّ، ويستثنى: مسّ وجه الأجنبية .. فلا يجوز للرجل مسه وإن جوزنا نظره، وكذا لا يجوز مسُّ كل ما يجوز نظره من المحرم؛ فلا يجوز مس بطن أمه وظهرها، وتقبيلها، وغمز ساقيها ورجلها، ولا أن يأمر بنته أو أخته بغمز رجله، وعبارة "الروضة" لا تقتضي: أنه يحرم مس يد الأم؛ فإنه قال: فيحرم مس وجه الأجنبية وإن جوزنا النظر إليه، ومسُّ كل ما جاز النظر إليه من المحارم والإماء، قال في "المهمات": وهو خلاف إجماع الأمة (3).
(1) إحكام الأحكام (ص 798)، روضة الطالبين (7/ 25).
(2)
شرح مسلم (6/ 184).
(3)
روضة الطالبين (7/ 28)، المهمات (7/ 25).
وَيُبَاحَانِ لِفَصدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ.
===
وفصل السبكي في ذلك؛ فجوّز ما كان لحاجة أو شفقة، وحرّم ما كان بشهوة قال: وبينهما مراتب متفاوتة، فما قرب إلى الأول .. ظهر جوازه، أو إلى الثاني .. ظهر تحريمه.
وعبارة "المحرر" و"الشرح" و"الروضة": وحيث حرم النظر .. حرم المس (1)، قال السبكي: وهو أحسن من عبارة الكتاب؛ لأن (حيث) اسم مكان، والمقصود هنا: أن المكان الذي يحرم نظره يحرم مسه، و (متى) اسم زمان، وهو ليس مقصودًا هنا، قال المنكت: وقد يقال: إن الزمان أيضًا مقصود؛ فإن الأجنبية يحرم نظرها، فإذا عقد عليها .. جاز، فإذا طلقها .. حرم، وكذلك الطفلة على العكس؛ ولذلك استثني زمان المداواة والمعاملة ونحوها (2).
(ويباحان) أي: النظر والمس (لفصد وحجامة وعلاج) للحاجة الملجئة إلى ذلك، قالا: وليكن ذلك بحضور محرم أو زوج (3).
قال البُلْقيني: والمراد: أن يكون هناك من يمنع حصول الخلوة؛ كما هو مذكور في (العدد).
ويشترط: عدم امرأة يمكنها تعاطي ذلك من امرأة وعكسه؛ كما جزم به في "الشرح الصغير"، وصححه في "الروضة"(4).
وألّا يكون ذميًّا مع وجود مسلم؛ كما في "زوائد الروضة" عن القاضي الحسين والمتولي (5).
ولا يكشف إلا قدر الحاجة؛ كما قاله القفال في "فتاويه".
وفي معنى الفصد والحجامة: نظر الخاتن إلى فرج الصبي الذي يختنه، ونظر القابلة إلى فرج التي تولدها، وأصل الحاجة كافٍ في نظر الوجه والكفين، ويعتبر في
(1) المحرر (ص 289)، الشرح الكبير (7/ 480)، روضة الطالبين (7/ 27).
(2)
السراج (5/ 309).
(3)
الشرح الكبير (7/ 482)، روضة الطالبين (7/ 29).
(4)
روضة الطالبين (7/ 30).
(5)
روضة الطالبين (7/ 30).
قُلْتُ: وَيُبَاحُ النَّظَرُ لِمُعَامَلَةٍ وَشَهَادَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
===
غير ذلك تأكدها، وهو مبيح التيمم؛ كما نقلاه عن الإمام (1)، وفي الفرج مزيد تأكد وهو: ما يعد التكشف له هتكًا للمروءة؛ كما نقلاه عن الغزالي وأقرّاه (2).
(قلت: ويباح النظر لمعاملة) كبيع وشراء وإجارة؛ لأنه يحتاج إلى معرفتها، فيقتصر على الوجه فقط، (وشهادة) عند التحمل والأداء؛ للحاجة إلى ذلك، حتى يجوز النظر إلى الفرج للشهادة على الولادة والزنا، والثدي للرضاع على الصحيح في الكل.
وإذا نظر إليها وتحمل الشهادة عليها .. كلفت كشف وجهها عند الأداء، فإن امتنعت .. أمرت امرأة تكشفه.
(وتعليم) هذه المسألة من زياداته على "الروضة"، بل على غالب كتب المذهب، قال السبكي: وإنما يظهر فيما يجب تعلمه وتعليمه كـ (الفاتحة) وما يتعين تعلمه من الصنائع المحتاج إليها بشرط ألّا يمكن التعلم من وراء حجاب، أما غير ذلك .. فكلامهم يقتضي المنع فيه، ومنهم المصنف حيث قال في (الصداق): ولو أصدقها تعليم قرآن فطلق قبله .. فالأصحُّ: تعذر تعليمه، وعلله الرافعي: بأنها صارت محرمة ولا يؤمن الوقوع في التهمة والخلوة المحرمة لو جوزنا التعليم. والوجه الثاني: أنه يعلمها من وراء حجاب، والوجهان متفقان على تحريم النظر (3). انتهى.
(ونحوها) كجارية يريد شراءها؛ فينظر ما عدا ما بين السرة والركبة، (بقدر الحاجة، والله أعلم) لأن ما جاز للضرورة يقدّر بقدرها.
وقضيته: أنه إذا عرفها بالنظر إلى بعض الوجه
…
لم يكن له أن يتجاوز إلى غيره، وهو ما قاله الماوردي (4)، والذي في "البحر" عن جمهور الفقهاء: أنه يستوعب جملة الوجه؛ لأن جميعه ليس بعورة.
(1) الشرح الكبير (7/ 482)، روضة الطالبين (7/ 30).
(2)
الشرح الكبير (7/ 482)، روضة الطالبين (7/ 30).
(3)
روضة الطالبين (7/ 305)، الشرح الكبير (8/ 311).
(4)
الحاوي الكبير (21/ 49).
وَلِلزَّوْجِ النَّظَرُ إِلَى كلِّ بَدَنِهَا
===
قال الماوردي: ولا يزيد على النظرة الواحدة إلا أن يحتاج إلى ثانية للتحقق فيجوز (1)، وكلام المصنف يقتضيه.
وكل ما جوزنا للرجل نظره من المرأة للحاجة .. يجوز لها منه أيضًا إذا تحققت حاجتها؛ كما إذا باعت أو اشترت منه أو استأجرت أو أجرته؛ لأنها تحتاج إلى معرفته لتطالبه بالثمن وغير ذلك.
(وللزوج النظر إلى كل بدنها) حتى الفرج ظاهرًا وباطنًا على الأصحِّ؛ لأنه محل استمتاعه، لكن يكره إلى الفرج، وباطنه أشد كراهة، وقيل: يحرم، وصححه الفارقي والجرجاني في "الشافي"؛ لحديث:"إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ زَوْجَتهُ أَوْ جَارِيَتَهُ .. فَلَا يَنْظُرْ إِلَى فَرْجِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْعَمَى" رواه البيهقي، وحسن ابن الصلاح إسناده، لكن أكثر المحدثين على تضعيفه، بل ذكره ابن الجوزي في "الموضوعات"(2).
وخص الفارقي الخلاف بغير حالة الجماع، ويجوز عند الجماع قطعًا؛ كما نقله عنه الزركشي والدميري (3)، وقال القمولي: إن بعضهم حكاه عن النص، ونقله صاحب "المعين" عن الشيباني -والشيباني غير معروف- وفيه نظر، والحديث المذكور مصرّح بحالة الجماع.
واختلفوا في قوله: "يُورِثُ الْعَمَى"؛ فقيل: في الناظر، وقيل: في الولد، ويتخرج عليهما الممسوح ومن لا يولد له، وقيل: في القلب.
ويستثنى من إطلاقه: حلقة الدبر؛ فلا يجوز النظر إليها قطعًا، لأنها ليست محل استمتاعه، قاله الدارمي، ويخالفه قول الإمام في "النهاية" في باب (إتيان النساء في أدبارهن): والتلذذ بالدبر من غير إيلاج جائز؛ فإن جملة أجزاء المرأة محل استمتاع
(1) الحاوي الكبير (21/ 49).
(2)
سنن البيهقي (7/ 94) عن ابن عباس رضي الله عنهما، الموضوعات (2/ 175).
(3)
النجم الوهاج (7/ 36).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الرجل إلا ما حرم الله من الإيلاج، وإطلاق الشيخين وغيرهما جواز التلذذ بما بين الأليتين يخالفه أيضًا (1).
وكذا يستثنى: زوجته المعتدة عن وطء الغير بشبهة؛ فإنه يحرم عليه نظر ما بين السرة والركبة، ويحل ما سواه على الصحيح.
ونظر الزوجة إلى زوجها كنظره إليها على الأصحِّ، وقيل: يجوز نظرها إلى فرجه قطعًا؛ لأن الخبر ورد في الفرج، وهو الشق، قال السبكي: والخلاف الذي في النظر إلى الفرج لا يجري في مسه؛ لانتفاء العلة، هذا هو الظاهر وإن لم يصرحوا به.
وقد سأل أبو يوسف أبا حنيفة عن مس فرج زوجته وعكسه، فقال: لا بأس، وأرجو أن يعظم أجرهما.
ونظر السيد إلى أمته التي يحل له الاستمتاع بها ونظرها إليه كذلك.
واعلم: أن ما لا يجوز النظر إليه متصلًا كالذكر وساعد الحرة، وشعر رأسها وشعر عانة الرجل وما أشبهها .. يحرم النظر إليه بعد الانفصال على الأصحِّ، وقيل: لا، وقال الإمام احتمالًا لنفسه: إن لم يتميز المبان من المرأة بصورته وشكله عما للرجل؛ كالقلامة والشعر والجلدة .. لم يحرم، وإن تميز .. حرم، وضعفه في "زيادة الروضة" إذ لا أثر للتمييز مع العلم بأنه جزء من يحرم نظره، قال: وعلى الأصحِّ: يحرم النظر إلى قلامة رجلها دون قلامة يدها، ويده ورجله. انتهى (2).
وهذا التفصيل نقلته بنت أبي علي الشبوي للخضري لمّا سئل عن ذلك، ففرح به وقال: لو لم أستفد من اتصالي بأهل العلم إلا هذه المسألة .. لكانت كافية (3).
* * *
(1) نهاية المطلب (12/ 393)، الشرح الكبير (8/ 175)، روضة الطالبين (7/ 204).
(2)
نهاية المطلب (12/ 33)، روضة الطالبين (7/ 26).
(3)
قال في "العجالة"[3/ 1183]: وتصحيح المصنف في "الروضة" لهذا التفصيل يخالف تصحيحه، فيما مر؛ من كون الوجه والكفين عورة. انتهى. ولم يصحح المصنف كون الوجه والكفين عورة فيما مضى، بل لم ينقله أحد فيما أعلم، فليتأمل. اهـ هامش (أ).