الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها]
تَجبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٍ إِلَا نَاشِزَةً، وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الأَظْهَرِ، وَفَسْخٍ عَلَى المَذْهَبِ
===
(فصل: تجب سكنى لمعتدة طلاق ولو بائن) لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ} ، وسواء أكانت حائلًا أم بائنًا (1)، ولا يسقط هذا الحق بالتراضي؛ لأن فيه حقًّا لله تعالى، (إلا ناشزة) لأنها لا تستحق النفقة والسكنى في صلب النكاح، فبعد البينونة أولى.
(ولمعتدة وفاة في الأظهر) لأمره صلى الله عليه وسلم فُرَيعةَ -بـ (الفاء) المضمومة- بنتَ مالك لما قتل زوجها: أن تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرًا، صححه الترمذي وغيره (2)، والثاني: لا سكنى لها كما لا نفقة لها.
وفرق القاضي حسين: بأن السكنى لصيانة مائه، وهي موجودة بعد الوفاة كالحياة، والنفقةَ لسلطته عليها، وقد انقطعت.
وفرق ابن الصباغ: بأن النفقة حقها فسقطت إلى الميراث، والسكنى حق الله تعالى فلم تسقط.
ويستثنى أيضًا: الناشزة؛ كما صرح به القاضي والمتولي، فكان ينبغي تأخيره استثناءها إلى هنا.
(وفسخٍ على المذهب) لأنها معتدة عن نكاح صحيح بفرقة في الحياة، فأشبهت المطلقة؛ تحصينًا للماء، والطريق الثاني: على قولين؛ كالمعتدة عن الوفاة.
وتصحيحه هنا الوجوبَ: هو قضيةُ كلام "الروضة" و"أصلها"، لكن خالفاه في "الشرح" و"الروضة" في (باب الخيار في النكاح)، فقالا: إن المفسوخ نكاحهما
(1) وفي (ز): (حاملًا أو حائلًا)، وبهامش (هـ) كتب عند كلمة (بائنًا):(لعله: حاملًا).
(2)
سنن الترمذي (1204)، وأخرجه ابن حبان (4292)، والحاكم (2/ 208)، وأبو داوود (2300)، والنسائي (5692)، وابن ماجه (2031).
وَتَسْكُنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إِخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ. قُلْتُ: وَلَهَا الْخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَكَذَا بَائِنٌ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ،
===
بعد الدخول لا نفقة لها ولا سكنى إن كانت حائلًا قطعًا، وكذا إن كانت حاملًا على الأصحِّ (1).
(وتسكن في مسكن كانت فيه عند الفرقة) إذا كان يليق بها حال الفرقة وأمكن بقاؤها فيه؛ لكونه ملكًا للزوج أو مستأجرًا معه أو مستعارًا لم يرجع معيره فيه؛ للآية، ولحديث فُرَيعة المار (2).
ويستثنى: ما لو انتقلت في صلب النكاح من مسكن إلى آخر بغير إذن الزوج، ثم طلقها أو مات .. لزمها العود إلى الأول؛ كما سيأتي.
(وليس للزوج وغيره إخراجها، ولا لها خروج) وإن رضي الزوج؛ لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} ، فلو اتفقا على الخروج .. منعها الحاكم؛ لما فيه من حق الله تعالى.
وقضية إطلاقه: أنه لا فرق بين البائن والرجعية، وصرح به في "النهاية"(3)، قال في "المطلب": ونص عليه في "الأم" في موضعين، قال: لكن في "الحاوي" و"المهذب" وغيرهما من كتب العراقيين: أن للزوج أن يسكن الرجعية حيث شاء؛ لأنها في حكم الزوجات. انتهى.
وجزم المصنف في تعليقه على "التنبيه" بما قاله الماوردي وغيره، واعتمده في "المهمات"، فاعترض به على الشيخين (4)، قال الأَذْرَعي: وهو شاذ.
(قلت: ولها الخروج في عدة وفاة، وكذا بائن في النهار لشراء طعام وغزل ونحوه) دفعًا لحاجتها، وحكمُ المعتدة عن شبهة أو نكاح فاسد حكمُ المتوفى عنها
(1) روضة الطالبين (8/ 409، 7/ 183)، الشرح الكبير (9/ 498 - 499، 8/ 143).
(2)
في (ص 367).
(3)
نهاية المطلب (15/ 217).
(4)
المهمات (8/ 29).
وَكَذَا لَيْلًا إِلَى دَارِ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْجعَ وَتبَيتَ فِي بَيْتِهَا، وَتَنتَقِلُ مِنَ الْمَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ تَأَذَّت بِالجِيرَانِ، أَوْ هُمْ بِهَا أَذَىً شَدِيدًا، وَاللهُ أَعْلَمُ
===
زوجها، وحكمُ المفسوخ نكاحها حكمُ المبتوتة، وأما الرجعية .. فزوجة لا تخرج إلا بإذنه، وعليه القيام بمصالحها كالزوجة، واستثنى المتولي: الحامل البائن إذا قلنا: تعجل نفقتها يوما بيوم -وهو الأصحُّ- .. فهي مكفية، فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة؛ كالرجعية، وأقراه (1).
(وكذا ليلًا إلى دار جارة لغزل وحديث ونحوهما بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها) أما المتوفى عنها .. فلحديث مرسل معتضد بقول ابن عمر به (2)، وألحقت البائن بها؛ قياسًا.
(وتنتقل من المسكن لخوف من هدم أو غرق، أو على نفسها) تلفًا أو فاحشة؛ للضرورة الداعية إلى ذلك.
وقضية تقييده بالنفس: أنها لو خافت على مالها .. لا تنتقل، وليس كذلك، وعبارة "الروضة": إذا خافت على نفسها أو مالها (3).
(أو تأذت بالجيران، أو هم بها أذىً شديدًا، والله أعلم) إزالة للضرورة، وفسر ابن عباس وغيره قوله تعالى:{إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} : بالبذاءة على الأحماء أو غيرهم (4)، وفي رواية لمسلم: أن فاطمة بنت قيس كانت تبذو على أحمائها، فنقلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم مكتوم (5).
ومحل النقلة عند البذاءة: إذا كان المسكن واسعًا لجميعهم، فإن كان
(1) الشرح الكبير (9/ 511)، روضة الطالبين (8/ 416).
(2)
أما الحديث .. فأخرجه الشافعي في "الأم"(6/ 596)، والبيهقي (7/ 436)، وأما قول ابن عمر .. فأخرجه الشافعي في "المسند"(ص 399)، والبيهقي (7/ 436).
(3)
روضة الطالبين (8/ 415).
(4)
أخرجه الشافعي في "المسند"(ص 356)، والبيهقي (7/ 431)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(19548).
(5)
صحيح مسلم (1480) عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.
وَلَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ وُصُولِهَا إِلَيْهِ .. اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ .. فَفِي الأَوَّل، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ ثُمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الْخُرُوجِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي انْتِقَال إِلَى بَلَدٍ .. فَكَمَسْكَنٍ، أَوْ سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيقِ .. فَلَهَا
===
لا يسعهم .. نقلوا عنها، وكذا لو كان المسكن لها أو كان لأبويها؛ لأنها أحق بدار الأبوين.
واحترز بـ (الجيران): عما لو طلقت في بيت أبويها فبذت على الأبوين أو بذا الأبوان عليها .. فإنه لا ينقل واحد منهم؛ لأن الوحشة لا تطول بينهم.
وأطلق الانتقال عند هذه الضرورات، وهو يفهم: أنها تسكن حيث شاءت، وليس كذلك، بل الذي نقله الرافعي عن إيراد الجمهور: انتقالها إلى أقرب المواضع إلى ذلك المسكن (1).
(ولو انتقلت إلى مسكن) في البلد (بإذن الزوج فوجبت العدة قبل وصولها إليه) بأن مات أو طلق ( .. اعتدت فيه على النص) في "الأم"(2)؛ لأنها مأمورة بالمقام فيه ممنوعة من الأول، وقيل: تعتد في الأول؛ استصحابًا له، وقيل: تتخير؛ لتعلقها بكل منهما ولم تكن مستقرة في واحد منهما، وقيل: يعتبر أقرب المنزلين إليها فتعتد فيه، فلو وصلت إليه .. اعتدت فيه قطعًا.
(أو بغير إذن .. ففي الأول) وإن وصلت إلى الثاني؛ لعصيانها بذلك ووجوب عودها إلى الأول.
[نعم؛ إن أذن لها بعد الوصول إليه بالمقام فيه .. كان كالنقلة بإذنه](3).
(وكذا لو أذن ثم وجبت) العدة (قبل الخروج) وإن بعثت أمتعتها إلى الثاني؛ لأنه المنزل الذي وجبت فيه العدة.
(ولو أذن في انتقال إلى بلد .. فكمسكن) فيما سبق، (أو سفر حج أو تجارة ثم وجبت في الطريق) بعد أن فارقت ما يشترط مفارقته في حق المسافر ( .. فلها
(1) الشرح الكبير (9/ 510).
(2)
الأم (6/ 577).
(3)
ما بين المعقوفين زيادة من (ز).
رُجُوع، فَإِنْ مَضَتْ .. أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا، ....................................
===
رجوع) (1) لأن في قطعها عن السفر مشقةً، لا سيما إذا بعدت عن البلد وخافت الانقطاع عن الرفقة، وفي وجه: إن كان سفر حج .. لم يلزمها العود، وإلا .. لزمها، وقيده في "الذخائر" بحج الفرض، قال في "المطلب": وهذا الوجه هو الذي اقتصر عليه الشافعي في "الأم".
وتقييد المصنف السفرَ بالحج والتجارة: مخرج لسفر النزهة والزيارة، وقد قالا: حيث أوجبنا الانصراف في سفر الحاجة .. فهذا أولى، وإلا .. فوجهان، وقطع صاحب "الشامل": بأنه كسفر الحاجة، وهو قضية كلام العراقيين (2)، وعلى هذا: فالتقييد لا مفهوم له.
(فإن مضت .. أقامت لقضاء حاجتها) من غير زيادة، عملًا بحسب الحاجة.
وأفهم: أن الحاجة إذا انقضت قبل ثلاثة أيام .. لم يجز استكمالها، وقال في "زيادة الروضة": إنه الأصحّ، وقطع به في "المحرر"(3)، لكن ظاهر كلام "الشرحين" و"الروضة": أن لها أن تقيم بعدها إلى تمام مدة المسافر، وقال البُلْقيني: إنه ظاهر نص "الأم"(4).
هذا إذا لم يقدر لها مدة الإقامة، فلو أذن لها في إقامة مدة معينة؛ كشهر مثلًا .. فهل لها استيفاؤها أم لا تزيد على مدة المسافرين؟ قولان: أظهرهما: الأول؛ كما لو أذن لها في النقلة، وصور الشيخان وغيرهما المسألة: في سفر النزهة، ثم قال في "أصل الروضة": ويجريان فيما لو قدر سفر الحاجة بمدة تزيد على قدر الحاجة؛ لأن الزائد كالنزهة (5).
واحترز بقوله: (ثم وجبت في الطريق): عما إذا وجبت قبل أن تخرج من
(1) في (و) و (ز): (فلها الرجوع والمضي).
(2)
الشرح الكبير (9/ 504)، روضة الطالبين (8/ 412).
(3)
روضة الطالبين (8/ 411)، المحرر (ص 366).
(4)
الشرح الكبير (9/ 502 - 503)، روضة الطالبين (8/ 411).
(5)
الشرح الكبير (9/ 503)، روضة الطالبين (8/ 411).
ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَسْكَنِ. وَلَوْ خَرَجَتْ إِلَى غَيْرِ الدَّارِ الْمَأْلُوفَةِ فَطَلَّقَ وَقَالَ: (مَا أَذِنْتُ فِي الْخُرُوجِ) .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَتْ:(نَقَلْتَنِي) فَقَالَ: (بَلْ أَذِنْتُ لِحَاجَةٍ) .. صُدِّقَ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعْرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ. وَإِذَا كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا .. تَعَيَّنَ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إِلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ،
===
المسكن .. فإنها لا تخرج قطعًا، أو قبل مفارقة العمران .. فالأصحُّ: وجوب العود إليه؛ لأنها لم تشرع في السفر.
(ثم يجب الرجوع لتعتد البقية في المسكن) لأنه الأصل في ذلك، فإذا وجب ما يمنعه .. وجب العود إليه.
(ولو خرجت إلى غير الدار المألوفة فطلق وقال: "ما أذنت في الخروج")، وقالت: بل أذنت ( .. صدق بيمينه) لأن الأصل عدم الإذن.
(ولو قالت: "نقلتني"، فقال: "بل أذنت لحاجة" .. صدق) بيمينه (على المذهب) لأنه أعلم بقصده وإرادته، وقيل: إن القول قولها؛ لأن الظاهر معها.
فإن وقع هذا النزاع بينها وبين الوارث .. صدقت بيمينها؛ لأن كونها في المنزل الثاني يشهد بصدقها، ويُرجَّح جانبها على جانب الورثة، ولا يرجح على جانب الزوج؛ لتعلق الحق بهما، والوارث أجنبي عنهما.
والطريق الثاني: حكاية قولين فيهما.
(ومنزل بدوية وبيتها من شعر كمنزل حضرية) في لزوم ملازمته في العدة، فلو ارتحل كل الحي .. ارتحلت معهم للضرورة، وإن ارتحل بعضهم .. نظر؛ إن كان أهلها ممن لم يرتحل وفي المقيمين قوة وعدد .. لم يكن لها الارتحال، وإن ارتحل أهلها وفي الباقين قوة وعدد .. فالأصحُّ: أنها تتخير بين أن تقيم وبين أن ترحل؛ لأن مفارقة الأهل عسرة موحشة.
(وإذا كان المسكن له ويليق بها .. تعين) استدامتها فيه، وليس لأحد إخراجها منه بغير عذر من الأعذار السابقة، (ولا يصح بيعه، إلا في عدة ذات أشهر .. فكمستأجر)، فيخرج بيعه على القولين في بيع الدار المستأجرة، والأصحُّ: صحته،
وَقِيلَ: بَاطِلٌ. أَوْ مُسْتَعَارًا .. لَزِمَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْمُعِيرُ وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ .. نُقِلَتْ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ. أَوْ لَهَا .. اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتِ الأُجْرَةَ. فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا .. فَلَهُ النَّقْلُ إِلَى لَائِقٍ بِهَا، أَوْ خَسِيسًا .. فَلَهَا الِامْتِنَاعُ. وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا وَمُدَاخَلَتُهَا،
===
وخالف عدة الأقراء والحمل؛ لعدم انضباط المدة، (وقيل: باطل) قطعًا، ولا يخرج على القولين في بيع المستأجر؛ لأنها قد تموت في العدة فترجع المنفعة للبائع، وذلك غرر، بخلاف المستأجر يموت؛ فإن منفعته لورثته.
(أو مستعارًا .. لزمتها فيه) لأن السكنى ثابتة في المستعار ثبوتَها في المملوك، فشملتها الآية، وليس للزوج نقلها؛ لتعلق حق اللَّه تعالى بذلك، (فإن رجع المعير ولم يرض بأجرة (أي: أجرة المثل ( .. نقلت) وجوبًا؛ للضرورة، (وكذا مستأجر انقضت مدته)، فتنقل منه إن لم يجدد المالك إجارة.
(أو) كان المسكن (لها .. استمرت وطلبت الأجرة)، فإن لم تطلبها ومضت مدة .. فالأصحُّ: القطع بسقوطها، وكذا لو سكنت في منزلها مع الزوج في العصمة على النص (1).
(فإن كان مسكن النكاح نفيسًا .. فله النقل إلى لائق بها (لأن النفيس غير واجب عليه، والمراد: نقلها إلى أقرب موضع من مسكن النكاح؛ حتى لا يطول بروزها في الخروج، نصّ عليه، وصرح به القاضي وغيره.
وهل مراعاة الأقرب واجبة أو مستحبة؟ فيه تردد، وظاهر كلام الأصحاب: الوجوب.
(أو خسيسًا .. فلها الامتناع) لأنه ليس هو حقها.
(وليس له مساكنتها ومداخلتها) أي: يحرم عليه؛ لأنه يودي إلى الخلوة بها، ولأن في مساكنتها إضرارًا بها، وقد قال تعالى:{وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} ؛ أي: في المسكن.
(1) الأم (6/ 577).
فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ، أَوْ لَهُ أُنْثَى، أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى أَوْ أَمَةٌ .. جَازَ. وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا وَالآخَرُ الأُخْرَى، فَإِنِ اتَّحَدَتِ الْمَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ .. اشْتُرِطَ مَحْرَمٌ، وَإِلَّا .. فَلَا
===
(فإن كان في الدار محرم لها مميز ذكر، أو له أنثى، أو زوجة أخرى أو أمة .. جاز) لانتفاء المحذور.
هذا إذا كان في الدار سعة زيادة على سكنى مثلها، وإلا .. وجب تخليته لها، ولا عبرة بالمجنون والصغير الذي لا يميز.
وقضية تعبيره بالمميز: أنه لا يشترط البلوغ، وهو خلاف ما في "الشرح" و"الروضة" نقلًا عن النص، لأن الصبي يخدع كثيرًا ولا تكليف عليه، فلا يلزمه الإنكار، قالا: وعن الشيخ أبي حامد: الاكتفاء بالمراهق (1).
وينبغي: حمل المميز في كلام المصنف على المراهق، وألا يكون مخالفًا للنص ولوجه الشيخ أبي حامد.
وأفهم قوله: (ذكر): أنه لا يكفي أختها ولا عمتها ولا خالتها، وليس كذلك إذا كانت ثقة؛ فقد صحح في "الروضة": أنه يكفي حضور المرأة الأجنبية الثقة، فالمحرم أولى، وحكى الرافعي عن الأصحاب: أنه يجوز أن يخلو رجل بامرأتين ثقتين فأكثر، لا بواحدة وإن كان معه رجل آخر، لأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل، لكن صرح في "شرح المهذب": بتحريم خلوة الرجل بالنسوة (2).
(ولو كان في الدار حجرة فسكنها أحدهما والآخر الأخرى، فإن اتحدت المرافق، كمطبخ ومستراح .. اشترط محرم، وإلا .. فلا) لأن التوارد على المرافق يفضي إلى الخلوة، بخلاف ما إذا تعددت، فإنها تصير كالدارين المتجاورتين، قال في "الكفاية": وصرح القاضي والروياني في اتحاد المرافق: بأنه لا يجوز وإن كان
(1) الشرح الكبير (9/ 513)، روضة الطالبين (8/ 418).
(2)
روضة الطالبين (8/ 418)، الشرح الكبير (9/ 514)، المجموع (4/ 241).
وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، وَأَلَّا يَكُونَ مَمَرُّ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى. وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ.
===
محرم، قال الأَذْرَعي: وهو الحق الذي نعتقده (1).
(وينبغي: أن يغلق ما بينهما من باب، وألا يكون ممر إحداهما على الأخرى) حذرًا من الوقوع في الخلوة.
و(ينبغي) في كلامه: محمولة على الوجوب؛ لأنهما جزما في "الشرح" و"الروضة": باشتراط الغلق (2).
(وسفل وعلو كدار وحجرة)، فيأتي فيه ما تقدم، قال المَحاملي في "التجريد": والأولى: أن يسكنها العلو حتى لا يمكنه الاطلاع عليها.
* * *
(1) كفاية النبيه (15/ 74 - 75).
(2)
الشرح الكبير (9/ 514)، روضة الطالبين (8/ 419).