الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .. فَمُولٍ.
فَصْلٌ [في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وما يتفرع عليها]
يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنَ الإِيلَاءِ بِلَا قَاضٍ، وَفِي رَجْعِيَّةٍ مِنَ الرَّجْعَةِ. وَلَوِ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ فِي الْمُدَّةِ .. انْقَطَعَتْ، فَإِذَا أَسْلَمَ .. اسْتُؤْنِفَتْ
===
لاستثنائه الوطء مرة.
(فإن وطئ وبقي منها أكثر من أربعة أشهر .. فمول) من يومئذ؛ لحصول الحنث ولزوم الكفارة لو وطئ، وإن بقي أربعة أشهر فما دونها .. فليس بمول، بل حالف فقط، والقول الثاني: أنه مولٍ في الحال؛ لأن الوطأة الأولى وإن لم يتعلق بها حنث .. فهي مقربة منه، وذلك ضرر عليه، والمولي: هو من منع نفسه من الوطء؛ لخوف ضرر، وعلى هذا: فيطالب بعد مضي المدة، فإن وطئ .. فلا شيء عليه؛ لأن الوطأة الواحدة مستثناة، وتضرب المدة ثانيًا إن بقي من السنة مدة الإيلاء، ويجري الخلاف إذا استثنى وطآت؛ لحصول التقريب بكل وطأة.
* * *
(فصل: يمهل) المولي (أربعة أشهر) لقوله تعالى: {تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (من الإيلاء) لا من وقت المرافعة؛ لأنه مول من وقت الحلف (بلا قاضٍ) لأنها مدة ثابتة بالنص والإجماع، بخلاف مدة العنين؛ لأنها مجتهد فيها، (وفي رجعية من الرجعة) لا من اليمين؛ لأنها شرعت للمهلة في وقت يحل له الوطء، وفي العدة لا يحل له الوطء.
(ولو ارتد أحدهما بعد دخول في المدة .. انقطعت) فلا يحسب زمن الردة منها؛ لأن المرأة تحرم بها، فلا وقع لامتناعه من الحرام، وفي ردته وجه: أنها لا تمنع الاحتساب؛ كمرضه.
واحترز بقوله: (بعد دخول) عما قبله؛ فإن النكاح ينقطع لا محالة.
(فإذا أسلم) المرتد منهما ( .. استؤنفت) المدة بناءً على وجوب الموالاة في المدة؛ لأن طلبها منوط بتوالي الضرر أربعة أشهر ولم يوجد، هذا إذا كانت اليمين
وَمَا مَنَعَ الْوَطْءَ وَلَمْ يُخِلَّ بِنِكَاحٍ؛ إِنْ وُجِدَ فِيهِ .. لَمْ يَمْنِعِ الْمُدَّةَ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ، أَوْ فِيهَا وَهُوَ: حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ .. مَنعَ، وَإِنْ حَدَثَ فِي الْمُدَّةِ .. قَطَعَهَا، فَإِذَا زَالَ .. اسْتُؤْنِفَتْ، وَقِيلَ: تُبْنَى. أَوْ شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ .. فَلَا، وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الأَصَحِّ
===
على الامتناع من الوطء مطلقًا، أو كان قد بقي من مدة اليمين ما يزيد على أربعة أشهر، فإن كان أقل من ذلك .. فلا معنى للاستئناف.
(وما منع الوطء، ولم يخل بنكاح؛ إن وجد فيه) أي: في الزوج ( .. لم يمنع المدة؛ كصوم وإحرام ومرض وجنون) وحبس ونحوه؛ لأنها ممكنة، والمانع منه، ولهذا استحقت النفقة، وهو المقصر بالإيلاء، وقصده المضارَّة، (أو فيها) أي: في الزوجة (وهو: حسي؛ كصغر ومرض) مانعان من إيلاج الحشفة ( .. منع) المدة (وإن حدث في المدة .. قطعها) إذ لم يمتنع الوطء باليمين، بل بتعذره.
(فإذا زال) المانع في المدة ( .. استؤنفت) المدة؛ إذ المطالبة مشروطة بالإضرار أربعة أشهر متوالية، ولم يوجد، (وقيل: تبنى) لأنه لم ينقطع النكاح، فلا يوجب الاستئناف، بخلاف الطلاق والردة.
(أو شرعي؛ كحيض وصوم نفل .. فلا) يمنع المدة ولا يقطعها لو حدث فيها؛ لأن الحيض لا يخلو عنه الشهر غالبًا، فلو منع لامتنع ضرب المدة غالبًا، وأما صوم النفل .. فلأنه متمكن من وطئها وتحليلها منه، بل في عده مانعًا نظر؛ لأنه يباح له الوطء معه، فلا يحسن جعله مانعًا، والنفاس كالحيض على الأصحِّ في "أصل الروضة" و"الشرح الصغير" و"تصحيح التنبيه"، ونقل تصحيحه في "الكبير" عن البغوي فقط (1)، وجزم جمع منهم الشيخ في "التنبيه" بأن النفاس يمنع، ورجحه جمع، وظاهر كلام "الكفاية": أنه المشهور (2)، وقال البُلْقيني: إنه الأصحُّ، واختاره الأَذْرَعي وغيره.
(ويمنع فرض في الأصح) لعدم تمكنه من الوطء، والثاني: لا؛ لتمكنه ليلًا،
(1) روضة الطالبين (8/ 253)، تصحيح التنبيه (3/ 329)، الشرح الكبير (9/ 237).
(2)
التنبيه (ص 118)، كفاية النبيه (14/ 244).
فَإِنْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلَّا .. فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ. وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا .. فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدَهُ. وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِقُبُلٍ. وَلَا مُطَالَبَةَ إِنْ كَانَ بِهَا مَانِعُ وَطْءٍ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَانِعٌ طَبْعِيٌّ كَمَرَضٍ .. طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ: (إِذَا
===
والاعتكاف كالصوم فرضًا ونفلًا.
(فإن وطئ في المدة) انحلت، وفات الإيلاء (وإلا) أي: وإن لم يطأها ( .. فلها مطالبته بأن يفيء أو يطلق) إن لم يف؛ لظاهر الآية.
وسمي الوطء فيئة: من فاء: إذا رجع؛ لأنه امتنع ثم رجع.
وكلامه يفهم: أنه ليس لها المطالبة بأحدهما، وبه صرح الإمام في (الفيئة)، فقال: ليس لها توجيه الطلب بالفيئة، فإن نفسه قد لا تطاوعه، وقال المتولي: تطالبه بالاستمتاع الذي هو حقها، فإن امتنع .. أمره الحاكم بطلاقها، وقد تناقض كلام الشيخين في هذا (1).
(ولو تركت حقها .. فلها المطالبة بعده) لتجدد الضرر كالرضا بإعساره بالنفقة، بخلاف الرضا بالعنة أو العيب، فإن ضررهما في حكم خصلة واحدة كالرضا بالإعسار بالمهر.
(وتحصل الفيئة بتغييب حشفة) أو قدرها من مقطوعها (بقبل) لأن سائر أحكام الوطء تتعلق بذلك، وسواء الوطء المباح والمحرم.
وقضيته: الاكتفاء بتغييب الحشفة وإن لم تزل البكارة، لكن في "الكفاية" عن النص: أنه لا بد من افتضاض البكر (2)، وبه صرح القاضي الحسين وغيره.
واحترز بالقبل: عن التغييب في الدبر؛ فلا تحصل به الفيئة.
(ولا مطالبة إن كان بها مانع وطء؛ كحيض) وصوم وإحرام (ومرض) لا يمكن معه الوطء؛ لأن المطالبة تكون بالمستحق، وهي لا تستحق الوطء حينئذ.
(وإن كان فيه مانع طبعي؛ كمرض) يضر معه الوطء ( .. طولب بأن يقول: "إذا
(1) نهاية المطلب (14/ 452)، الشرح الكبير (9/ 241)، روضة الطالبين (8/ 255).
(2)
كفاية النبيه (14/ 251).
قَدَرْتُ .. فِئْتُ)، أَوْ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ، فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ .. سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ. وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ .. فَالأَظْهَرُ: أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً، وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةً،
===
قدرتُ .. فئت") لأن به يندفع الأذى الذي حصل باللسان، قالا:(وزاد الشيخ أبو حامد عليه: ندمت على ما فعلت)(1).
(أو شرعي؛ كإحرام .. فالمذهب: أنه يطالب بطلاق) عينًا، ولا يطالب بالفيئة أو الطلاق؛ إذ كيف يطلب منه ما يحرم عليه، وهذا بناء على أنه إذا أراد وطأها، والحالة هذه .. يحرم عليها التمكين، وهو الأصحُّ. وقيل: يقنع منه بفيئة اللسان، والطريق الثاني: أن يقال له: (ورطت نفسك بالإيلاء؛ فإن فئت .. عصيت وأفسدت عبادتك، وإن طلقت .. ذهبت زوجتك، وإن لم تطلق .. طلقنا عليك)؛ كمن غصب دجاجة ولؤلؤة، فابتلعتْها، فيقال له:(إن ذبحتها .. غرمتها، وإلا .. غرمت اللؤلؤة).
(فإن عصى بوطء) في القبل ( .. سقطت المطالبة) وانحلت اليمين.
(وإن أبى الفيئة والطلاق .. فالأظهر: أن القاضي يطلق عليه طلقة) نيابة عنه؛ كما يزوج عن العاضل، ويستوفي الحق من المماطل، والثاني: لا يطلق عليه بل يحبسه أو يعزره؛ ليفيء أو يطلق؛ لحديث: "الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ"(2).
(وأنه لا يمهل ثلاثة) إذا لم يكن عذر يمنع؛ لأنه زيادة على ما أمهله الله، والحق إذا حل .. لا يؤجل ثانيًا.
نعم؛ يمهل بقدر ما يتهيأ لذلك الشغل، فإن كان صائمًا .. أمهل حتى يفطر، أو جائعًا .. فحتى يشبع، أو ثقيلًا من الشبع .. فحتى يخف، قالا: والاستعداد في مثل هذه الأحوال بقدر يوم فما دونه (3).
(1) روضة الطالبين (8/ 254).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2581)، والدارقطني (4/ 37)، والبيهقي (7/ 370) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
روضة الطالبين (8/ 255 - 256)، الشرح الكبير (9/ 242).
وَأَنَّهُ إِذَا وَطِئَ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ .. لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
===
والثاني: يمهل؛ لأنها مدة قريبة، وقد ينتظر نشاطًا، ولا يمهل زيادة عليها قطعًا.
هذا كله في الفيئة بالفعل، أما الفيئة باللسان .. فلا يمهل قطعًا؛ لقدرته عليها في الحال.
(وأنه إذا وطيء بعد مطالبة .. لزمه كفارة يمين) إن كان حلفه بالله؛ لحنثه، والثاني: لا تلزمه؛ لظاهر قوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولم يذكر تكفيرًا.
وأجاب الأول: بأن المغفرة والرحمة إنما ينصرفان إلى ما يعصى به، والفيئة الموجبة للكفارة مندوب إليها.
* * *