الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ القسْمِ والنُّشُوز
يَخْتَصُّ الْقَسْمُ بِزَوْجَاتٍ. وَمَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ .. لَزِمَهُ عِنْدَ مَنْ بَقِيَ. وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ أَوْ عَنِ الْوَاحِدَةِ .. لَمْ يَأْثَمْ. وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يُعَطِّلَهُنَّ. وَتَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ،
===
(كتاب القسم والنشوز)
القسم - بفتح القاف -: مصْدرُ قَسمتُ الشيء، وأما بالكسر .. فالنصيب.
والنشوز: الارتفاع عن أداء الحق من النشز، وهو المكان المرتفع من الأرض.
(يختص القسم بزوجات) غير معتدات وجوبًا؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} ؛ أي: في القسم الواجب {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فأشعر بأنه لا يجب في ملك اليمين، فالإماء لا قسم لهن وإن كن مستولدات؛ لأنهن لا حقَّ لهن في الاستمتاع.
وكان ينبغي أن يقول: (ويختص الزوجات بالقسم) لأن (الباء) تدخل على المقصور (1).
(ومن بات عند بعض نسوته .. لزمه عند من بقي) لحديث: "إِذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا .. جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أَوْ سَاقِطٌ" صححه ابن حبان والحاكم (2).
(ولو أعرض عنهن أو عن الواحدة .. لم يأثم) لأن المبيت حقه، فجاز تركه؛ كسكنى الدار المستأجرة.
(ويستحب ألا يعطلهن) للإضرار بهن، وقد يؤدي إلى الفجور.
(وتستحق القسم مريضة ورتقاء وحائض ونفساء) وكذا مجنونة لا يخاف منها، ومحرمة ومن آلى منها أو ظاهر، قال الغزالي: وكذا كلُّ من بها عذر شرعيٌّ
(1) كذا في النسخ، ولعل الصواب ما أثبت. انظر "نهاية المحتاج"(6/ 379).
(2)
صحيح ابن حبان (4207)، المستدرك (2/ 186)، وأخرجه أبو داوود (2133)، والترمذي (1141)، والنسائي (7/ 63)، وابن ماجه (1969) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
لَا نَاشِزَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِمَسْكَنٍ .. دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ، وَإِنِ انْفَرَدَ .. فَالأَفْضَلُ الْمُضِيُّ إلَيْهِنَّ، وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ، وَالأَصَحُّ: تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إِلَى بَعْضٍ وَدُعَاءِ بَعْضٍ، إِلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضى إِلَيْهَا أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا. وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ وَيَدْعُوَهُنَّ إِلَيْهِ،
===
أو طبعيٌّ (1)؛ لأن المقصود الأنس لا الوطء.
ويستثنى من إطلاق الغزالي: المعتدة عن وطء شبهة، فإنه لا قسم لها؛ لحرمة الخلوة بها، قاله المتولي، وأقراه (2).
(لا ناشزة) كما لا نفقة لها؛ إذ لا أنس مع نشوز.
(فإن لم ينفرد بمسكن .. دار عليهن في بيوتهن) توفيةً لحق القسم، (وإن انفرد .. فالأفضل: المضي إليهن) للاتباع، وصيانةً لهُنَّ عن الخروج.
(وله دعاؤهن) إلى مسكنه، وعليهنَّ الإجابة؛ لأن ذلك حقٌّ له، ومن امتنعت .. فهي ناشزة، واستثنى الماوردي: ما إذا كانت ذات قدر وخفر، ولم تعتد البروز .. فلا يلزمها إجابته، وعليه أن يقسم لها في بيتها (3)، قال شيخنا: وفي "النهاية" ما يشير إليه، واستغربه الروياني.
(والأصح: تحريم ذهابه إلى بعض ودعاء بعض) لما فيه من الوحشة، والثاني: لا؛ كما له المسافرة ببعض دون بعض.
وفرق الأول: بأن المسافرة تكون بالقرعة، وهي تدفع الوحشة، فإن أقرع هنا .. قال الرافعي: وجب أن يجوز (4).
(إلا لغرض؛ كقرب مسكن من مضى إليها أو خوف عليها) ونحوهما؛ كما لو كان تحته عجوز وشابة .. فحضر بيت الشابة، ودعا العجوز؛ لأن ذلك قرينة تصرف الميل عنه والأذى عنها.
(ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة ويدعوهن إليه) لأن إتيان بيت الضرة شاقٌّ على
(1) الوسيط (5/ 288).
(2)
الشرح الكبير (8/ 361)، روضة الطالبين (7/ 345).
(3)
الحاوي الكبير (12/ 220).
(4)
الشرح الكبير (8/ 362).
وَأَنْ يَجْمَعَ ضَرَّتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ إِلَّا بِرِضَاهُمَا. وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا، وَالأَصْلُ اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ تَبَعٌ، فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ .. فَعَكْسُهُ
===
النفس، ولا يلزمهن الإجابة، فإن أجبن .. فلصاحبة البيت المنع وإن كان المبيت ملك الزوج؛ لأن حق السكنى فيه لها، قاله ابن داوود، فلو رضين كلهن بذلك .. جاز.
(وأن يجمع بين ضرتين في مسكن) ولو ليلة؛ لما بينهما من التباغض (إلا برضاهما) لأن الحقَّ لهما، والمراد بالمسكن: البيت الواحد، فلو كان في الدار حجرة منفردة بالمرافق، وهي لائقة بالحال .. جاز.
وكلامه يقتضي: جواز الجمع بين الحرة والسرية؛ لأن الجوهري فسر الضرة بالزوجة (1)، لكن قال الماوردي والروياني: إنهما كالحرتين، قالا: وله الجمع بين إمائه في مسكن واحد (2).
(وله أن يرتب القسم على ليلة ويوم قبلها أو بعدها) لحصول المقصود بكل منهما.
نعم؛ تقديم الليل أولى؛ كما صرح به العراقيون، بل في "المهذب" تعينه (3)؛ لأن الذي عليه التواريخ الشرعية أن أول الأشهر الليالي، وكلام المصنف قد يقتضي دخوله إلى صاحبة النوبة من الغروب، ويخرج من طلوع الفجر؛ لأنه الليل الشرعي، قال ابن الرفعة: والوجه: الرجوع فيه إلى العرف الغالب.
(والأصل الليل) لأن الله جعله سكنًا (والنهار تبع) لأنه وقت التردد والانتشار.
(فإن عمل ليلًا وسكن نهارًا كحارس) وأَتُّونِيّ (فعكسه) أي: فيكون النهار في حقه أصلًا، والليل تابع؛ لأن نهاره كليل غيره، هذا في الحاضر، أما المسافر .. فعماده وقت نزوله من ليل أو نهار قلَّ أو كثر، وفي المجنون المتقطع جنونه العبرة بوقت الإفاقة، ويجعل أيام الجنون كالغيبة، نصَّ عليه.
(1) الصحاح (2/ 619).
(2)
الحاوي الكبير (12/ 225)، بحر المذهب (9/ 555).
(3)
المهذب (2/ 86).
وَلَيْسَ لِلأَوَّلِ دُخُولٌ فِي نَوْبَةٍ عَلَى أُخْرَى لَيْلًا إِلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ، وَحِينَئِذٍ: إِنْ طَالَ مُكْثُهُ .. قَضَى، وَإِلَّا .. فَلَا، وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ، وَيَنْبَغِي أَلَّا يَطُولَ مُكْثُهُ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَقْضِي إِذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ،
===
(وليس للأول) أي: من ليله أصل (دخول في نوبة على أخرى ليلًا) وإن كان لحاجة على المذهب؛ لما فيه من إبطال حق صاحبة النوبة، (إلا لضرورةٍ؛ كمرضها المخوف) وشدة الطلق، والحريق؛ لأنه عذر ظاهر، وقد يخرج ما لو احتمل ذلك، وأراد الدخول ليتبين حال المرض، والأصحُّ: الجواز.
(وحينئذ: إن طال مكثه .. قضى) من نوبتها مثله؛ لأن حق الآدمي لا يسقط بالعذر، (وإلا) أي: وإن لم يطل مكثه ( .. فلا) يقضي لقلته، وهذا إذا لم يجامع؛ فإن جامع .. قضى مثل مدة المكث، إن طال لا إن قصر، ولا يكلف الجماع على الأصحِّ في "الروضة"(1).
(وله الدخول نهارًا لوضع متاع ونحوه) كتسليم نفقةٍ، وتعرُّفِ خبرٍ، لحديث عائشة رضي الله عنه:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومُها فيبيت عندها) رواه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح الإسناد (2).
(وينبغي ألا يطول مكثه) على قدر الحاجة، وكذلك لا يعتاد الدخول على واحدة في نوبة الأُخْرَيات، ولا في نوبة واحدة الدخول على غيرها، كذا قالاه (3).
وقضيته: جواز ذلك إلا أنه خلاف الأولى، لكن صرح الشيخ أبو حامد بالتحريم، وجرى عليه جمهور العراقيين.
(والصحيح: أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة) للحديث المار، ولأن النهار تابعٌ، والثاني: أن النهار كالليل.
وقضيته: أنه يقضي إذا طال، وقضية إطلاق الشيخين: أن الصحيح: أنه لا يقضي
(1) روضة الطالبين (7/ 349).
(2)
سنن أبي داوود (2135)، المستدرك (2/ 186).
(3)
الشرح الكبير (8/ 366)، روضة الطالبين (7/ 350).
وَأَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنِ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَنَّهُ يَقْضِي إِنْ دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ، وَلَا تَجِبُ تسْوِيَةٌ فِي الإِقَامَةِ نَهَارًا. وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ لَيْلَةٌ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ ثَلَاثًا، وَلَا زِيَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ
===
وإن طال، وجزم به الماوردي، لكن في "الشامل" و"المهذب" و"البيان": وجوب القضاء، ونقله ابن الرفعة عن نصِّ "الأم"(1).
(وأن له ما سوى وطء من استمتاع) للحديث المار، والمسيس محمولٌ على الجماع، والثاني: المنع؛ لإفضائه إلى الوطء، أما الوطء .. فيحرم، وفيه وجه شاذ، قال الإمام: واللائق بالتحقيق: القطع بإباحة الوطء، وصرف التحريم إلى إيقاع المعصية لا إلى ما وقعت المعصية به (2)، وقرنه بعضهم بأن تحريم الوطء ليس لعينه بل لأمر خارج، ومن عماد القسم في حقه النهار، فنهاره كليل غيره في جميع ما تقدم؛ كما دلَّ عليه قوله:(وليس للأول).
(وأنه يقضي إن دخل بلا سبب) أي: يقضي زمن الإقامة؛ لتعديه لا أنه يقضي الاستمتاع كما يوهمه كلامه، والثاني: لا يقضي؛ لأن النهار تابع.
(ولا تجب تسوية في الإقامة نهارًا) لأنه وقت الانتشار والتردد، وقد يكثر في يوم ويقل في آخر، والضبط فيه عَسِرٌ، بخلاف الليل.
(وأقل نوب القسم ليلة) ولا يجوز تبعيضها؛ لما فيه من تنغيصِ العيش وعُسْرِ الضبط، قال في "المطلب": وفي "الأم" ما يقتضي جوازه (وهو أفضل) من الزيادة عليها؛ للاتباع.
(ويجوز ثلاثًا) وليلتين وإن لم يرضين؛ لأنها مدة قريبة (ولا زيادة على المذهب) لئلا يؤدي إلى المهاجرة والإيحاش للباقيات بطول المقام عند الضرة، اللهم؛ إلا أن يرضين بذلك، والطريق الثاني: حكاية قولين أو وجهين، وإذا جوزنا .. فقيل: يجوز إلى سبع فقط؛ لأنها تستحق في القسم لتجديد النكاح، وقيل: إلى أربعة أشهر مدة تربص المولي.
(1) الحاوي الكبير (12/ 217)، المهذب (2/ 87)، البيان (9/ 518)، كفاية النبيه (13/ 342).
(2)
نهاية المطلب (13/ 247).
وَالصَّحِيحُ: وُجُوبُ قُرْعَةٍ لِلِابْتِدَاءِ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ. وَلَا يُفَضِّلُ فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ، لكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ،
===
(والصحيح: وجوب قرعةٍ للابتداء) أي: لابتداء القسم؛ تحرزًا عن الترجيح، فيبدأ بمن خرجت قرعتها، فإذا مضت نوبتها .. أقرع بين الباقيات ثم بين الأخريين، فإذا تمت النوبة .. راعى الترتيب، ولا حاجة إلى إعادة القرعة.
نعم؛ لو ظلم فبدأ بلا قرعة .. أقرع بين الباقيات، فإذا تمت النوبة .. أقرع للابتداء، وعبارة المصنف تشمله؛ لأنه الآن ابتدأ القَسْم.
(وقيل: يتخير) فيبدأ بمن شاء بلا قرعة؛ لأن له الإعراض عنهن، وما لم يبت عند واحدة .. لا يلزمه القسم، وقال في "التتمة": إنه مكروه.
(ولا يفضل في قدر نوبة) أي: لا يجوز أن يفضل امرأة على امرأة في ذلك وإن اختصت بصفات شريفة، حتى يساوي بين المسلمة والكافرة؛ لأن القسم شُرعَ للعدل واجتناب التفضيل المفضي للوحشة، (لكن لحرة مثلا أمة) لحديث فيه مرسل (1)، وعضده الماوردي بأنه روي عن علي رضي الله عنه؛ كما رواه الدارقطني (2)، ولا يعرف له مخالف فكان إجماعًا (3).
وخالف حق الزفاف؛ إذ الغرض فيه زوال الحشمة، وهما فيه سواء، وسواء المدبرة والمكاتبة والمبعضة وأم الولد؛ كما قاله الماوردي وغيره (4)، ويتصور اجتماع الحرة والأمة في نكاح العبد، وفي الحر بأن ينكح أمة بشرطه، ثم ينكح عليها حرة أو تكون تحته حرة لا تصلح للاستمتاع وجوزنا له نكاح الأمة كما سبق.
وهذا إذا استحقت الأمة النفقة بأن سلَّمها السيد ليلًا ونهارًا، أو ليلًا وقلنا: باستحقاقها النفقة، أما إذا قلنا: بعدم استحقاقها، وهو الأصحُّ .. فلا قسم لها.
(1) أخرجه البيهقي (7/ 175) عن الحسن البصري رضي الله عنه.
(2)
سنن الدارقطني (3/ 285)، وأخرجه البيهقي (7/ 175).
(3)
الحاوي الكبير (12/ 214).
(4)
الحاوي الكبير (12/ 215).
وَتُخَصُّ بِكْرٌ جَدِيدَةٌ عِنْدَ زَفَافٍ بِسَبْعٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَثَيِّبٌ بِثَلَاثٍ، وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَسَبْعٍ بِقَضَاءٍ
===
وهذا إذا لم يطرأ العتق، فإن عتقت قبل تمام نوبتها .. التحقت بالحرة، فلو لم تعلم بالعتق حتى مرت عليها أدوار، وهو يَقسِمُ لها قَسْمَ الإماء، قال الماوردي: يستقبل التسوية من حين العلم، ولا يقضي لها ما مضى (1)، قال في "المطلب": والقياس: أن يقضي لها، وكلامه يوهم جواز ليلتين لها إذا كان للحرة أربعة، وليس كذلك بل الشرط ليلة لها وليلتان للحرة، ولا تجوز الزيادة على ذلك؛ لئلا يزاد القسم على ثلاث أو ينقص عن ليلة، وهما ممتنعان كما تقدم.
(وتخص) وجوبًا (بكر جديدة) ولو أمة على الأصحِّ (عند زفاف بسبع) ولاءً (بلا قضاء، وثيب) بنكاح أو زنًا أو وطء شبهة لا بمرض ووَثْبَة على الأصح (بثلاث) ولاءً بلا قضاء؛ لحديث: "سَبْعٌ لِلْبِكْرِ، وَثَلَاثٌ لِلثَّيِّبِ" صححه ابن حبان (2).
وهو مؤيد برواية البخاري عن أنس: (من السنة إذا تزوج البكر على الثيب .. أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر .. أقام عندها ثلاثًا ثم قسم)(3).
وقول الصحابي: (من السنة) في حكم المرفوع، والمقصود منه: أن ترتفع الحشمة، ويحصل الأنس، وخصت البكر بزيادة؛ لأن حياءها أكثر، والثلاث مدة مغتفرة في الشرع، والسبع؛ لأنها أيام الدنيا، وما زاد عليها يتكرر.
(ويسن تخييرها) أي: الثيب (بين ثلاث بلا قضاء، وسبع بقضاء) لقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حين تزوج بها: "إِنْ شِئْتِ .. سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، وَإِنْ شِئْتِ .. ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ" قالت: ثلِّث (4).
فإن اختارت السبع، وأجابها .. قضى السبع للباقيات، وإن أقام السبع بغير اختيارها .. لم يقض إلا الأربع الزائدة على المذهب.
(1) الحاوي الكبير (12/ 215).
(2)
صحيح ابن حبان (4208)، وأخرجه ابن ماجه (1916)، والبيهقي (7/ 302)، والدارقطني (3/ 283) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3)
صحيح البخاري (5213)، وهو عند مسلم برقم (1461/ 44).
(4)
أخرجه مسلم (1460/ 40).
وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ .. نَاشِزَةٌ، وَبِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ .. يَقْضِي لَهَا، وَلِغَرَضِهَا .. لَا فِي الْجَدِيدِ. وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ .. حَرُمَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضهُنَّ. وَفِي سَائِرِ الأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ -وَكَذَا الْقَصِيرَةُ فِي الأَصَحِّ- يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ،
===
(ومن سافرت وحدها بغير إذنه .. ناشزة) فلا قسم لها سواء أكان في حاجته أم في حاجتها.
نعم؛ لو كانت أمة وسافر بها السيد بعد أن بات عند الحرة ليلتين .. لم يسقط حقها من القسم، وعلى الزوج قضاء ما فات عند التمكن؛ لأن الفوات حصل بغير اختيارها، قاله المتولي، وأقراه (1).
(وبإذنه لغرضه) كما إذا أرسلها في شغله (يقضي لها) للإذن وغرضه، فهي كمن عنده وفي قبضته، (ولغرضها) كحج وعمرة وتجارة (لا في الجديد) أي: لا يقضي لها؛ لأنها ليست في قبضته، وفائدة الإذن: دفع الإثم، والقديم: نعم؛ لأنها سافرت بإذنه فصار كما لو سافرت بإذنه؛ لحاجته أو معه.
(ومن سافر لنُقلة .. حرم أن يستصحب بعضهن) دون بعض بقرعة ودونها؛ كما لا يجوز حضرًا، فإن فعل .. قضى للمتخلفات، وقيل: لا يقضي مدة السفر إن أقرع، ولو نقل بعضهن بنفسه وبعضهن بوكيله .. قضى لمن مع الوكيل في الأصحِّ إن أقرع، وإلا .. وجب قطعًا.
وكلامه قد يفهم: أنَّ له ترك الكل، وبه صرح المتولي، لكن صرح الغزالي بعدم الجواز، ونقله في "البسيط" عن الأصحاب؛ لما في ذلك من قطع أطماعهن من الوقاع، فأشبه الإيلاء بخلاف ما لو تمنع عن الدخول عليهن، وهو حاضر؛ لأنه لا ينقطع رجاؤهن.
(وفي سائر الأسفار الطويلة -وكذا القصيرة في الأصح- يستصحب بعضهن بقرعه) لأنه صلى الله عليه وسلم (كان إذا أراد سفرًا .. أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها .. خرج بها معه) متفق عليه (2).
(1) الشرح الكبير (8/ 371)، روضة الطالبين (7/ 354).
(2)
صحيح البخاري (2594)، صحيح مسلم (2770) عن عائشة رضي الله عنها.
وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ سَفَرِهِ، فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ وَصَارَ مُقِيمًا .. قَضَى مُدَّةَ الإِقَامَةِ، لَا الرُّجُوعِ فِي الأَصَحِّ. وَمَنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا .. لَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَ الرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ .. بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا،
===
والثاني: يمتنع في القصير؛ لأنه في حكم الإقامة، وليس للمقيم أن يخصص بعضهن بالقرعة، وقضية إطلاقه السفر: أنه لا يشترط كونه مباحًا لكن نقلا عن الغزالي اشتراط كونه مُرَخَّصًا، وتوقفا فيه (1)، قال الزركشي: ولا وجه للتوقف، فقد صرح به القفال في "محاسن الشريعة".
(ولا يقضي) للمقيمات (مدة سفره) لأنه لم ينقل، والمعنى فيه: أن المستصحبة وإن فازت بصحبته .. فقد لحقها من تعب السفر ومشقته ما يقابل ذلك، والمقيمة وإن فاتها حظها من الزوج .. فقد ترفهت بالدَّعة والإقامة؛ فتقابل الأمران فاستويا.
(فإن وصل المقصد) بكسر الصاد (وصار مقيمًا .. قضى مدة الإقامة) لخروجه عن حكم السفر، هذا إذا كان يساكنها؛ فإن اعتزلها مدة الإقامة .. لم يقض، جزم به في "الحاوي"(2)(لا الرجوع في الأصح) لأنه خرج بقرعة فصار كمدة الذهاب، والثاني: يقضي؛ لأن السفر قد انقطع بالإقامة، والرجوع في معنى سفر جديد بلا قرعة.
(ومن وهبت حقها .. لم يلزم الزوج الرضا) لأنها لا تملك إسقاط حقه من الاستمتاع.
(فإن رضي ووهبت لمعينة .. بات عندها ليلتيهما) لأن سودة وهبت نوبتها لعائشة رضي الله عنهما، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويومَ سودة، متفق عليه (3).
وقضيته: أنه لا يشترط رضا الموهوب لها، وهو الصحيح، وليس لنا هبةٌ يقبل فيها غير الموهوب له مع تأهله للقبول إلا هذه.
(1) الشرح الكبير (8/ 383)، روضة الطالبين (7/ 364).
(2)
الحاوي الكبير (12/ 236).
(3)
صحيح البخاري (5212)، صحيح مسلم (1463) عن عائشة رضي الله عنها.