الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ وَطِئَ وَعَزَلَ .. حَرُمَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنَ الزِّنَا .. حَرُمَ النَّفْيُ، وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيح.
فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]
اللِّعَانُ: قَوْلُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: (أَشْهَدُ باللهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بهِ هَذِهِ مِنَ الزِّنَا)،
===
ولدت لدون ستة أشهر من زناه ولأكثر من ستة أشهر من الاستبراء .. فالولد ليس من ذلك الزنا يقينًا، قال: وهذا واضح (1)، فكان ينبغي: أن يزيد ذلك في هذا (2)؛ ليسلم من التناقض.
(ولو وطئ وعزل .. حرم) النفي (على الصحيح) لأن الماء قد يسبق من غير أن يحس به، ومقابله: احتمال للغزالي أقامه المصنف وجهًا (3).
(ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا .. حرم النفي) لقيام الاحتمال، والولد للفراش.
(وكذا القذف واللعان على الصحيح) لأن نسبتها إلى الزنا وإثباته عليها يعير به الولد، وربما تطلق فيه الألسنة فيتضرر به، والثاني: يجوز انتقامًا منها؛ كما إذا لم يكن ولد، وهذا ما ذكر الإمام أنه القياس، فأثبته الشيخان وجهًا (4).
* * *
(فصل: اللعان: قوله أربعَ مرات: "أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به) زوجتي (هذه من الزنا") إذا كانت حاضرة؛ أما اعتبار العدد .. فلقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، ولأن يمينه أقيمت مقام أربعة شهود من غيره؛ ليقام عليها الحد، ولذلك سميت شهادات، وهي في الحقيقة أيمان، وأما اعتبار تسمية ما رماها به .. فلأنه المحلوف عليه.
(1) الشرح الكبير (9/ 359)، روضة الطالبين (8/ 329).
(2)
في (و): (أن يزيد ذلك في الكتاب).
(3)
الوجيز (ص 415)، روضة الطالبين (8/ 329).
(4)
نهاية المطلب (15/ 13)، الشرح الكبير (9/ 361)، روضة الطالبين (8/ 331).
فَإِنْ غَابَتْ .. سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيزُهَا، وَالْخَامِسَةَ:(أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا). وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ .. ذَكَرَهُ فِي الْكَلِمَاتِ فَقَالَ: (وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ، أَوْ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي)
===
ومحل قوله: (من الزنا): إذا قذفها بالزنا، فإن لاعن لنفي ولد أو حملٍ بلا قذف .. قال:(إني لمن الصادقين فيما رميت به هذه من إصابة غيري لها على فراشي، وإن هذا الولد منه من تلك الإصابة لا منّي).
(فإن غابت) عن البلد أو مجلس اللعان لمرض أو حيض ونحوهما ( .. سماها ورفع نسبها بما يميزها) عن غيرها، دفعًا للاشتباه.
قال ابن الملقن: (ولا يبعد أن يقوم وصفها بما هي مشهورة به مقام الرفع في نسبها. انتهى (1).
وفي "تعليق الشيخ أبي حامد": ذكر ما يميزها عن سائر زوجاته إن كان في نكاحه غيرها، قال الرافعي: وهذا يشعر بالاستغناء بقوله: (زوجتي) عن الاسم والنسب إذا لم يكن تحته غيرها (2).
(والخامسةَ: "أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا") للآية، ويعرفها في الغيبة والحضور، كما سلف.
(وإن كان ولد ينفيه .. ذكره في الكلمات) الخمس (فقال) في كل واحدة منها: ("وإن الولد الذي ولدته) إن كان غائبًا، (أو هذا الولد) إن كان حاضرًا (من زنًا ليس مني") لأن كل مرة بمنزلة شاهد، ولو أغفل ذكر الولد في بعض الكلمات .. احتاج إلى إعادة اللعان لنفيه.
وقضية كلامه: أنه لو اقتصر على ذكر (الزنا) ولم يقل: (ليس مني) .. أنه لا يكفي، وبه أجاب كثيرون، كما قاله الرافعي في "الشرح الكبير"، وحكاه في "الكفاية" عن الأكثرين، لكن صحح في "أصل الروضة" و"الشرح الصغير": الاكتفاءَ به، ونقل تصحيحه في "الكبير": عن البغوي فقط، قال الأَذْرَعي:
(1) عجالة المحتاج (3/ 1423).
(2)
الشرح الكبير (9/ 394 - 395).
وَتقولُ هِيَ: (أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا)، وَالْخَامِسَةَ:(أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيهِ). وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بحَلِفٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ غَضبٍ بِلَعْنٍ، وَعَكْسِهِ أَوْ ذُكِرَا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ .. لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ
===
والمذهب: أنه لا يكفي، ولم أر من رجح الاكتفاء به غير البغوي وأتباعه (1).
ولو اقتصر على قوله: (ليس مني) .. لم يكف على الصحيح؛ لاحتمال إرادته عدمَ الشبه في الخَلْق والخُلُق.
(وتقول هي: "أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا") إن كان رماها به، أما لو لاعن لنفي ولد من غير قذف .. لم تقل ذلك، بل ما يقتضيه الحال.
وكان ينبغي أن يقول: (ثم تقول) لأن تأخير لعانها شرط؛ كما سيأتي.
(والخامسةَ: "أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيه") أي: فيما رماني به من الزنا؛ للآية، والقول في تعريفه حاضرًا وغائبًا كما سبق في جانبها. ولا يحتاج إلى ذكر الولد على الصحيح؛ لأنه لا يتعلق بذكره في لعانها حكم، فلم يحتج إليه، ولو تعرضت له .. لم يضر.
(ولو بدل لفظ شهادة بحلف ونحوه) كقوله: (أقسم بالله) أو (أحلف بالله) .. قال المنكت: عبارة مقلوبة، وصوابه:(حلفٍ بشهادة)، لأن (الباء) تدخل على المتروك (2)، (أو غضب بلعن، وعكسه) بأن ذكر الرجل الغضب والمرأة اللعن، وقوله:(وعكسه): من زيادته على "المحرر"؛ كما قاله في "الدقائق"، ولا يفهم العكس من قول "المحرر":(ولا يجوز إبدال الغضب باللعن) لتفاوت المعنى (3)، (أو ذكرا) أي: الغضب واللعن (قبل تمام الشهادات .. لم يصح في الأصح)، الخلاف في هذه المسائل مبني: على أن المراعى في اللعان: اللفظ ونظم التنزيل، أو المعنى، وفيه وجهان، فلا يصح على الأول، ويصح على الثاني.
(1) الشرح الكبير (9/ 395)، كفاية النبيه (14/ 344)، روضة الطالبين (8/ 351).
(2)
السراج (7/ 39).
(3)
دقائق المنهاج (ص 71)، المحرر (ص 357).
ويُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرُ الْقَاضِي، ويُلَقَنُ كَلِمَاتِهِ، وَأَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ. وَيُلَاعِنُ أَخْرَسٌ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ. وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيّةَ وَجْهٌ
===
(ويشترط فيه) أي: في اللعان (أمر القاضي) أو نائبه؛ كاليمين في سائر الخصومات؛ لأن المغلب على اللعان حكم اليمين على الأصحِّ، وإن غلب فيه معنى الشهادة .. فهي لا تؤدى إلا عنده.
(ويلقن كلماته)، فيقول له القاضي أو من في معناه في كل مرة:(قل: كذا)، وكذلك للمرأة، فلو ابتدأ الملاعن بها .. لم يعتد بها دون إحلاف القاضي.
وعطفُه التلقينَ على الأمر يقتضي: أنهما متغايران، وليس كذلك، بل الأمر هو التلقين، ولهذا اقتصر في "الروضة" على الأمر (1)، ويحتمل أن يراد بالأمر: قوله: (قل)، و (أشهد)
…
إلى آخره تلقينٌ.
(وأن يتأخر لعانها عن لعانه) لأن لعانها لإسقاط الحد، وإنما يجب الحد عليها بلعانه، فلا حاجة إلى لعانها قبله.
(ويلاعن أخرس بإشارة مفهمة أو كتابة) كالبيع والنكاح وغيرهما، بل أولى؛ لأن اللعان مما تدعو الضرورة إليه، وهذا بناء على أن المغلب في اللعان: شائبة اليمين؛ إذ لو غلبت الشهادة .. لما صح؛ فإن شهادة الأخرس لا تقبل.
وأفهم: أن من لا تفهم إشارته ولا كتابته لا يصح لعانه، وهو كذلك؛ كغيره من العقود.
(ويصح بالعجمية) وإن عرف العربية؛ لأنه إما يمين أو شهادة، وكلاهما باللغتين سواء.
(وفيمن عرف العربية وجه): أنه لا يصح لعانه بغيرها؛ لأنها التي ورد الشرع بها، وقال في "المطلب": إنه الأشبه، وقال الأَذْرَعي: إنه الذي أورده جمهور العراقيين وغيرهم، وهو ظاهر النص، والرافعي تابع البغوي، في ترجيح الأول (2).
(1) روضة الطالبين (8/ 352).
(2)
الشرح الكبير (9/ 399)، التهذيب (6/ 212).
وَيُغَلَّظُ بِزَمَانٍ؛ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ، وَمَكَانٍ؛ وَهوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ، فَبمَكَّةَ: بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَالْمَدِينَةِ: عِنْدَ الْمِنْبَرِ، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ: عِنْدَ الصخْرَةِ،
===
ثم إن جهل القاضي تلك اللغة .. فلا بدّ من مترجم، ويكفي اثنان، وقيل: يشترط من جانب الرجل أربعة.
(ويغلظ بزمان، وهو بعد) صلاة (عصر جمعة) لأن يوم الجمعة أشرف أيام الأسبوع، وإنما كان بعد صلاة العصر، لأن الإثم فيه أشد، فإن ساعة الإجابة فيه؛ كما رواه أبو داوود والنسائي، وصححه الحاكم (1)، وهذا إذا لم يكن طلب حاث، فإن كان .. فبعد العصر أيَّ يوم كان.
(ومكانٍ، وهو أشرف بلده) أي: اللعان (فبمكة: بين الركن) الذي فيه الحجر الأسود (والمقام)، وهو المُسمَّى بالحطيم، قال الزركشي: وما صرحوا به من كونه أشرفَ بقاع مكة .. مردود؛ فإنه لا شيء فيها أشرف من البيت، فالوجه: ما قاله القفال: إنه يكون في الحِجْر؛ لأنه من البيت.
(والمدينةِ: عند المنبر) مما يلي القبر الشريف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ"(2).
وظاهر كلامه: أنه لا يصعد المنبر، وهو وجه، والأصح في "أصل الروضة": أنه يصعد، ونصّ عليه في "الأم" و"المختصر"(3)، لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا يَمِينًا آثِمَةً .. تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"، صححه ابن حبان والحاكم (4).
(وبيتِ المقدس: عند الصخرة) لأنها أشرف مكان فيه، إذ هي قبلة الأنبياء
(1) سنن أبي داوود (1048)، سنن النسائي الكبرى (1709)، المستدرك (1/ 279) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه البخاري (1195)، ومسلم (1390) عن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما.
(3)
روضة الطالبين (8/ 356)، الأم (6/ 726)، مختصر المزني (ص 209).
(4)
صحيح ابن حبان (4368)، المستدرك (4/ 296 - 297)، وأخرجه أبو داوود (3246) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
وَغَيْرِهَا: عِنْدَ مِنْبَرِ الْجَامِعِ، وَحَائِضٌ: بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَذِمِّيٌّ: فِي بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ،
===
صلوات الله عليهم أجمعين، وفي "ابن ماجه": أنها من الجنة (1).
(وغيرِها) -أي: غير هذه الأماكن الثلاث- (عند منبر الجامع) لأنه المعظم منه، قالا: وطرد المتولي في صعوده الخلاف المار (2)، وقضيته: ترجيح صعوده، وصححه صاحب "الكافي"، وقيل: لا يختص بالمنبر؛ إذ لا مزية لبعض الجامع على بعض، ويخالف المدينة؛ لخصوصية منبر النبي صلى الله عليه وسلم بما مرّ.
(وحائضٌ) ونحوها: (بباب المسجد) لتحريم مكثها فيه، والباب أقرب إلى الموضع الشريف، قال المتولي: وهذا إذا رأى الإمام تعجيل اللعان، فلو رأى تأخيره إلى انقطاع الدم وغسلها .. جاز، نقله في "الكفاية"، قال: وهو في الجنب أولى (3).
والمراد بالحائض: المسلمة، أما الذمية .. ففي المسجد على الأصحِّ، وكذا الذمي الجنب؛ كذا في "أصل الروضة" هنا، وقال الرافعي: إنه سبق في الصلاة كذلك، والذي سبق هناك: الجزم بمنع الحائض، وتصحيح الجواز في الجنب فقط (4).
(وذميٌّ في بيعة) للنصارى (وكنيسة) لليهود؛ لأن ذلك عندهم كالمساجد عندنا.
ويقول اليهودي: (أشهد بالله الذي أنزل التوراة على موسى)، والنصراني:(أشهد بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى).
قال الماوردي: ولا يحلف اليهودي بموسى صلى الله عليه وسلم، كما لا يحلف المسلم بمحمد صلى الله عليه وسلم، بل ذلك محظور (5).
(1) سنن ابن ماجه (3456)، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"(3/ 588) عن رافع بن عمرو المزني رضي الله عنهما.
(2)
الشرح الكبير (9/ 405)، روضة الطالبين (8/ 356).
(3)
كفاية النبيه (14/ 359).
(4)
روضة الطالبين (8/ 355)، الشرح الكبير (9/ 403، 2/ 61).
(5)
الحاوي الكبير (14/ 55).
وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ فِي الأَصَحِّ، لَا بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ، وَجَمْعٍ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ. وَالتَّغْلِيظَاتُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَيُسَنُّ لِلقَاضِي وَعْظُهُمَا، ويُبَالِغُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، وَأَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ
===
(وكذا بيت نار مجوسي في الأصح) لأنهم يعظمونه، والمقصود الزجر عن الكذب، والثاني: لا، بل يكون في المسجد أو مجلس الحكم؛ لأنه لم يعظم في شريعة قط، بخلاف البِيَع والكنائس.
(لا بيتُ أصنام وثني)، بل في مجلس الحكم؛ لأن دخوله معصية؛ كما حكاه الماوردي عن الأصحاب (1).
وصورة المسألة: أن يدخل دارنا بهدنة أو أمان.
وسكت عمن لا ينتحل ملة؛ كالدهري والزنديق؛ فلا يغلظ في حقه في الأصحِّ؛ لأنه لا يعظم شيئًا، قالا: ويحسن أن يحلف بالله الذي خلقه ورزقه (2).
(وجمع) من الأعيان والصلحاء؛ لأن فيه ردعًا عن الكذب، (أقلُّه أربعة) لأن اللعان سبب للحد، ولا يثبت الحد إلا بأربعة، فاستحب حضور ذلك العدد، قال ابن الرفعة في "حاشية الكفاية":(ومن هذا يظهر: اعتبار كونهم من أهل الشهادة؛ كما قاله الماوردي ((3).
(والتغليظات سنة لا فرض على المذهب) كسائر الأيمان، وقيل: تجب؛ للاتباع، ولأنه لو لم تجب .. لما جاز؛ لما فيه من الاشتهار.
(ويسن للقاضي وعظهما) بالتخويف من عذاب الله تعالى؛ للاتباع، (ويبالغ عند الخامسة) لعله يرجع؛ لأنها موجبة، (وأن يتلاعنا قائمَين)، فيقوم الرجل عند لعانه والمرأةُ جالسة، ثم تقوم عند لعانها ويقعد الرجل؛ لثبوت ذلك في قصة هلال بن أمية (4)، ولأن قيامه أبلغ في الردع.
(1) الحاوي الكبير (21/ 127).
(2)
الشرح الكبير (9/ 403)، روضة الطالبين (8/ 355).
(3)
كفاية النبيه (14/ 355)، والكلام فيه بين المعقوفين.
(4)
أخرجها البخاري (4747) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وَشَرْطُهُ: زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَلَوِ ارْتَدَّ بَعْدَ وَطْءٍ فَقَذَفَ وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ .. لَاعَنَ، وَلَوْ لَاعَنَ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا .. صَحَّ، أَوْ أَصَرَّ .. صَادَفَ بَيْنُونَةً. وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ: فُرْقَةٌ، وَحُرْمَةٌ ومُؤَبَّدَةٌ وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ،
===
(وشرطه: زوج)، فغير الزوج لا يصح لعانه؛ لأجل القذف، لظاهر الآية، والفرق بين الزوج وغيره: احتياج الزوج للقذف، لإفسادها فراشَه، بخلاف الأجنبي.
والمراد بالزوج: من له علقة النكاح؛ لئلا يرد لعان البائن لنفي الولد (1) ولإسقاط الحد بالقذف في النكاح، والموطوءة بِنكاح فاسد أو شبهة.
(يصح طلاقه) فلا يصح من صبي ومجنون ومكره، بخلاف السكران والذمي والرقيق والمحدود في القذف؛ لأن اللعان يمين، فاشترط فيه ما شرط في الحالف دون الشاهد، والمراد: من يصح طلاقه في الجملة؛ لئلا ترد (المسألة السُرَيجية) إذا فرعنا على إنسداد باب الطلاق؛ فإنه زوج لا يصح طلاقه، ومع ذلك يصح لعانه.
(ولو ارتد بعد وطء فقذف وأسلم في العدة .. لاعن) لدوام النكاح، (ولو لاعن) في الردة (ثم أسلم فيها) أي: في العدة ( .. صح) لتبين وقوعه في صلب النكاح، وكفره لا يمنع صحته؛ كالذمي، (أو أصر) على الردة إلى انقضاء العدة ( .. صادف بينونة) لتبين انقطاع الزوجية بالردة، فإن كان هناك ولد ونفاه باللعان .. نفذ، وإلا .. تبين فساده، ولا يندفع بذلك حد القذف في الأصحِّ.
(ويتعلق بلعانه) أي: الزوجِ ولو كاذبًا (فرقة، وحرمة مؤبدة) لحديث: "الْمُتَلَاعِنَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا"، رواه أبو داوود (2)، (وإن أكذب نفسه)، فلا يفيده ذلك عود النكاح ولارفع تأبد الحرمة؛ لأنهما حق له وقد بطلا، فلا يتمكن من عودهما، بخلاف الحد ولحوق النسب، فإنهما يعودان؛ لأنهما حق عليه.
(1) قوله: (والمراد بالزوج: من له علقة النكاح؛ لئلا يرد لعان البائن لنفي الولد) .. ينافيه قول المصنف: (يصح طلاقه). اهـ هامش (هـ).
(2)
سنن أبي داوود (2250) عن سهل بن سعد رضي الله عنه، وأخرجه الدارقطني (3/ 276)، والبيهقي (7/ 409) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وَسُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ، وَوُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا، وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ. وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ مُمْكِنٍ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ؛ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتة أَشْهُرٍ مِنَ الْعَقْدِ، أَوْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ، أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالْمَشْرِقِ وَهِيَ بِالْمَغْرِبِ .. لَمْ يَلْحَقْهُ. وَلَهُ نَفْيُهُ مَيتًا
===
(وسقوطُ الحد عنه) بسبب قذفها وقذف من زنا بها إن سماه في اللعان؛ للآية، فإن لم يسمه .. لم يسقط عنه حده في الأصحِّ.
وكان ينبغي التعبير: بـ (العقوبة) بدل (الحد) ليشمل حد القذف وتعزيره.
(ووجوبُ حد زناها) إن لم تلتعن؛ لقوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8]، فدل على وجوبه عليها بلعانه، هذا إذا قذفها بزنًا أضافه إلى حال الزوجية وكانت مسلمة، أما لو قذفها بزنًا أضافه إلى ما قبل الزوجية .. فسيأتي.
وإن كانت كتابية .. فالنص: أنها لا تجبر على اللعان، ولا تحد إذا امتنعت حتى ترضى بحكمنا، فإذا رضيت .. حكمنا في حقها بما نحكم به في حق المسلمة (1).
(وانتفاءُ نسب نفاه بلعانه) للسنة الثابتة فيه (2).
وقد يفهم: حصر أحكام لعانه في هذه الخمسة، وليس كذلك، بل يتعلق بلعانه أيضًا: سقوطُ حصانتها في حق الزوج إن لم تلاعن، وتشطّرُ الصداق قبل الدخول، واستباحةُ نكاح أختها وأربع سواها في عدتها؛ كما قاله في "زيادة الروضة"(3).
(وإنما يحتاج إلى نفي ممكن منه، فإن تعذّر؛ بأن ولدته) تامًّا (لستة أشهر من العقد، أو طلق في مجلسه) -أي: مجلس العقد- (أو نكح وهو بالمشرق وهي بالمغرب)، ولم يمض زمن يمكن فيه اجتماع ووطء وحمل أقل مدة الحمل، أو كان الزوج صغيرًا لا يمكن العلوق منه أو ممسوحًا ( .. لم يلحقه) لاستحالة كونه منه.
(وله نفيه ميتًا) لأن نسبه لا ينقطع بالموت، بل يقال:(مات ابن فلان)، و (هذا قبر ولد فلان)، وفائدته: إسقاط مؤنة التجهيز.
(1) الأم (6/ 723).
(2)
أخرجه البخاري (5315)، ومسلم (1494) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
روضة الطالبين (8/ 332).
وَالنَّفْيُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الْجَدِيدِ وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ. وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ. وَمَنْ أَخَّرَ وَقَالَ: (جَهِلْتُ الْوِلَادَةَ) .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إِنْ كَانَ غَائِبًا، وَكَذَا الْحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ فِيهَا
===
ولو استلحق الولد المنفي بعد موته .. لحقه واستحق إرثه، ولو استلحقه ثم نفاه .. لم ينتف عنه جزمًا.
(والنفي على الفور في الجديد) لأنه شُرِع لدفع ضرر تحقق، فكان على الفور؛ كالرد بالعيب وخيار الشفعة، والقديم: المنع؛ لأن أمر النسب خطير، وربما احتاج إلى نظر وتأمل، وعلى هذا؛ قيل: يمتد ثلاثة أيام؛ لأن الشرع اعتبرها في مواضع؛ للتروي، وقيل: على التراخي أبدًا، ولا يسقط إلا بالإسقاط.
ومحل الخلاف: في نفي الولد، أما اللعان .. فله تأخيره.
(ويعذر) في تأخير النفي (لعذر) من مرض وكل عذر مسقط للجمعة؛ لأنه لا يعد مقصرًا، لكن إن أمكنه الإشهاد .. فعليه أن يشهد، وإلا .. بطل حقه.
(وله نفيُ حمل) لقصة هلال بن أمية؛ فإنه لاعن عن الحمل قبل وضعه، متفق عليه (1)، (وانتظارُ وضعه) ليلاعن على يقين؛ فان المتوهم حملًا قد يكون ريحًا فينفش.
نعم؛ لو قال: (علمت أن الحمل ولد، وأخرت طمعًا في موته أو موتها فأُكْفَى اللعانَ) .. لحقه في الأصحِّ المنصوص؛ لتفريطه مع علمه.
(ومن أخر وقال: "جهلت الولادة" .. صدق بيمينه إن كان غائبًا) لموافقته الظاهرَ.
نعم؛ إن استفاض واشتهر .. لم يصدق؛ كما حكياه عن "الشامل" وأقراه (2).
(وكذا الحاضر في مدة يمكن جهله فيها) كأن كانا في محلتين وأمكن الخفاء عليه؛ لاحتمال صدقه، فإن لم يمكن؛ بأن كانا في دار واحدة ومضت مدة يبعد
(1) صحيح البخاري (4747) عن ابن عباس رضي الله عنهما، صحيح مسلم (1496) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
الشرح الكبير (9/ 416)، روضة الطالبين (8/ 361).