المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في موانع الولاية للنكاح] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ النِّكاح

- ‌فصلٌ [في الخطبة]

- ‌فصلٌ [في أركان النكاح وغيرها]

- ‌فصلٌ [فيمن يعقد النكاح وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في موانع الولاية للنكاح]

- ‌فصلٌ [في الكفاءة]

- ‌فصلٌ [في تزويج المحجور عليه]

- ‌بابُ ما يحرُم من النِّكاح

- ‌فصلٌ [في نكاح من فيها رق وتوابعه]

- ‌فصلٌ [في حل نكاح الكافرة وتوابعه]

- ‌بابُ نكاح المشرك

- ‌فصلٌ [في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم على أكثر من مباحة]

- ‌فصلٌ [في مؤنة المسلمة أو المرتدة]

- ‌باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

- ‌فَصْلٌ [في الإعفاف]

- ‌فَصْلٌ [في نكاح الرقيق]

- ‌كتابُ الصَّدَاق

- ‌فَصْلٌ [في بيان أحكام الصداق المسمى الصحيح والفاسد]

- ‌فَصْلٌ [في التفويض]

- ‌فَصْلٌ [في بيان مهر المثل]

- ‌فَصْلٌ [في تشطير المهر وسقوطه]

- ‌فَصْلٌ [في المتعة]

- ‌فَصْلٌ [في الاختلاف في المهر والتحالف فيما سمي منه]

- ‌فَصْلٌ [في وليمة العرس]

- ‌كتابُ القسْمِ والنُّشُوز

- ‌فصلٌ [في بعض أحكام النشوز وسوابقه ولواحقه]

- ‌كتابُ الخُلْع

- ‌فصلٌ [في الصيغة وما يتعلق بها]

- ‌فصلٌ [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الخلع أو في عوضه]

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌فَصْلٌ [في تفويض الطلاق إليها]

- ‌فَصْلٌ [في بعض شروط الصيغة والمطلق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان محل الطلاق والولاية عليه]

- ‌فَصْلٌ [في تعدد الطلاق بنية العدد فيه أو ذكره وما يتعلق بذلك]

- ‌فَصْلٌ [في الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الشك في الطلاق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان الطلاق السني والبدعي]

- ‌فَصْلٌ [في تعليق الطلاق بالأزمنة ونحوها]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في الإشارة إلى العدد وأنواع من التعليق]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع أخرى من التعليق]

- ‌كتابُ الرَّجْعَة

- ‌كتابُ الإِيلاء

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وما يتفرع عليها]

- ‌كتابُ الظِّهار

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الظهار من وجوب كفارة وغير ذلك]

- ‌كتابُ الكفّارة

- ‌كتابُ اللّعان

- ‌فصلٌ [في قذف الزوج خاصة]

- ‌فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

- ‌فصلٌ [في المقصود الأصلي من اللعان]

- ‌كتاب العِددَ

- ‌فصلٌ [في العدة بوضع الحمل]

- ‌فصلٌ [في تداخل العدتين]

- ‌فصلٌ [في حكم معاشرة المفارق للمعتدة]

- ‌فصلٌ [في الضرب الثاني من ضربي عدة النكاح]

- ‌فصلٌ [في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها]

- ‌بابُ الاسْتِبْرَاء

- ‌كتابُ الرَّضاع

- ‌فَصْلٌ [في حكم الرضاع الطارئ على النكاح تحريمًا وغرمًا]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار والشهادة بالرضاع والاختلاف فيه]

- ‌كتابُ النَّفقات

- ‌فَصْلٌ [في موجب المؤن ومسقطاتها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الإعسار بمؤن الزوجة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤن الأقارب]

- ‌فَصْلٌ [في الحضانة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤنة المماليك وتوابعها]

الفصل: ‌فصل [في موانع الولاية للنكاح]

وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ إِذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إِلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ. وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفْئًا وَأَرَادَ الأَبُ غَيْرَهُ .. فَلَهُ ذَلِكَ فِي الأَصَحِّ.

‌فصلٌ [في موانع الولاية للنكاح]

لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ

===

(وإنما يحصل العضل إذا دعت بالغة عاقلة إلى كفءٍ وامتنع) لأنه إنما يجب عليه تزويجها من كفء، فإن دعت إلى غير كفء .. فله الامتناع ولا يكون عاضلًا.

نعم؛ لو دعته إلى عنين أو مجبوب .. لزمه إجابتها وإن كان غير كفء، وإذا حصلت الكفاءة .. فليس له الامتناع لنقصان المهر، لأنه محض حقها.

ولا بد من ثبوت العضل عند الحاكم، قال البغوي: بأن تحضر هي والخاطب والولي، ويأمره بالتزويج فيمتنع أو يسكت، قال الرافعي: وكأنه إذا تيسر ذلك، فإن تعذر حضوره بتعزز أو توار .. فيجب أن يجوز الإثبات بالبينة؛ كسائر الحقوق، وفي "تعليق أبي حامد" ما يدل عليه. انتهى، وقد صرح بذلك البغوي نفسه، وحكاه الرافعي في آخر (الإيلاء)(1).

(ولو عينت) مجبرة (كفئًا وأراد الأب) كفئًا (غيره .. فله ذلك في الأصح) لأنه أكمل نظرًا منها، والثاني: يلزمه إجابتها، إعفافًا لها، وقال في "المطلب": إنه ظاهر نصه في "الأم"، واختاره السبكي.

والمعتبر في غير المجبرة: من عينته قطعًا، كما اقتضاه كلام الشيخين؛ لأن أصل تزويجها يتوقف على إذنها (2).

* * *

(فصل: لا ولاية لرقيق) ولو مبعضًا ومكاتبًا؛ لاشتغاله بخدمة سيده عن البحث.

= فسق، وهو وجه، والأصحّ: خلافه، نبه عليه الأَذْرَعي، وهل المراد بالمرات الثلاث الأنكحة أو بالنسبة إلى عرض الحاكم ولو في نكاح واحد؟ ! قال في "المهمات". فيه نظر. اهـ هامش (أ).

(1)

التهذيب (5/ 284)، الشرح الكبير (9/ 250).

(2)

الشرح الكبير (7/ 539)، روضة الطالبين (7/ 55).

ص: 48

وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَمَتَى كَانَ الأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ .. فَالْوِلَايَةُ لِلأَبْعَدِ

===

وأفهم نفيه الولاية: جواز كونه وكيلًا، وهو الصحيح في القبول دون الإيجاب؛ كما سبق في الوكالة.

(وصبيّ ومجنون) لأنهما لا يليان أمرهما، فغيرهما أولى.

وشمل إطلاقه: الجنون المتقطّع، وهو الأصحُّ في "أصل الروضة"(1)، لكن رجح في "الشرح الصغير" و"التذنيب": أنه لا يزيل الولاية؛ كالإغماء، وحكاه في "المطلب" عن نص "الأم"، فعلى هذا: ينتظر الإفاقة على الصحيح؛ كالإغماء.

(ومختل النظر بهرم أو خبل) أصلي أو عارض أو بأسقام، وآلام شاغلة؛ لعجزه عن اختبار الأكْفَاء.

(وكذا محجور عليه بسفه على المذهب) لأنه لا يلي أمر نفسه فغيره أولى، والطريق الثاني: وجهان، أحدهما: هذا، والثاني: يلي؛ لأنه كامل النظر في أمر النكاح، وإنما الحجر عليه لحفظ ماله.

واقتضى كلامه: بقاء ولاية سفيه لم يحجر عليه، وذكره الرافعي بحثًا (2)، وهو وجه، قال السبكي: إنه ظاهر نصه في "الأم".

وصحح صاحب "الذخائر" وابن الرفعة: أنه لا يلي، وهو ظاهر نص "المختصر"(3)، واختاره السبكي.

وتوكيل المحجور عليه لسفه في طرفي النكاح كتوكيل الرقيق؛ فيصح في القبول دون الإيجاب.

واحترز بحجر السفه: عن المحجور بالفلس؛ فإن ولايته باقية؛ كما قطع به في "الشرح الصغير".

(ومتى كان الأقرب ببعض هذه الصفات .. فالولاية للأبعد) لخروج الأقرب عن

(1) روضة الطالبين (7/ 62).

(2)

الشرح الكبير (7/ 551).

(3)

مختصر المزني (ص 165).

ص: 49

وَالإِغْمَاءُ إِنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا .. انْتُظِرَ إِفَاقَته، وَإِنْ كَانَ يَدُومُ أَيَّامًا .. انْتُظِرَ، وَقِيلَ: الْوِلَايَةُ لِلأَبْعَدِ. وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الأَصَحِّ. وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ عَلَى الْمَذْهَبِ،

===

أن يكون وليًّا، فإذا زالت .. عادت؛ كما أفهمه لفظ:(متى).

(والإغماء إن كان لا يدوم غالبًا .. انتظر إفاقته) كالنائم (وإن كان يدوم أيامًا .. انتظر) لأنه قريب الزوال، (وقيل) تنتقل (الولاية للأبعد) كجنون، وقال الإمام: إن كانت مدته بحيث يعتبر فيها إذن الولي الغائب ذهابًا وإيابًا .. انتظرت، وإلا .. زوّج الحاكم (1)، قال البُلْقيني: وهو المعتمد، ويرجع في مدة معرفته إلى أهل الخبرة.

وتعبيره بالأيام يقتضي: أنه لو كان يدوم يومًا أو يومين .. انتظر قطعًا، وليس كذلك، وعبارة "الروضة" و"أصلها": فإن كان يدوم يومًا أو يومين فأكثر .. فوجهان، وفي معنى الإغماء: السّكر الحاصل بلا تعد، فينتظر إفاقته على المذهب، وقيل يزوج إذا بقي له تمييز ونظر، أما الطافح .. فكلامه لغوٌ.

(ولا يقدح العمى في الأصح) لحصول المقصود بالبحث والسماع، والثاني: يقدح؛ لأنه نقص يؤثر في الشهادة، فأشبه الصغر.

وفرق الأول: بأن المنع من الشهادة لتعذر التحمل، ألا ترى أنها تقبل فيما تحمل قبل العمى؟ وعلى الثاني: تنتقل الولاية للأبعد.

وخص الفارقي الخلاف بما إذا لم تر المرأة الزوج؛ فإن رأته ورضيت به .. ولي قطعًا؛ لقصة موسى مع شعيب صلى الله عليهما وسلم، ويجري خلاف الأعمى في الأخرس إن كانت له إشارة مفهمة؛ فإن لم تكن مفهمة .. فلا ولاية له.

(ولا ولاية لفاسق على المذهب) لأنه قادح في قبول الشهادة، فيمنع الولاية، كالرق، وفي المسألة طرق جمعها بعضهم ثلاثة عشر طريقًا: أشهرها: أنها على قولين: أصحهما عند الأكثرين: ما ذكره المصنف، ولم يصرح الرافعي في "الشرح" بتصحيحه، وقال في "المحرر": إنه الظاهر من أصل المذهب، وتبعه في "الكتاب"، ونقله في "زيادة الروضة" عن ترجيح "المحرر"(2)، وعلى هذا:

(1) نهاية المطلب (12/ 106).

(2)

الشرح الكبير (7/ 553)، المحرر (ص 292)، روضة الطالبين (7/ 64).

ص: 50

وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ

===

تنتقل الولاية إلى الأبعد، وقيل: يزوج السلطان.

والثاني: يلي، وبه أفتى أكثر المتأخرين لا سيما الخراسانيون؛ كما قاله الشيخان (1) واستدلوا له بكثرة عقود الأنكحة، وكثرة الظلمة والفسقة، ويزوجون بناتهم ولم يعترض أحد عليهم في الأعصار القديمة، قال السبكي: وهذا الاستدلال ليس بقوي؛ لأن ذلك مختلف فيه، فلا ينكر وقد يتعذر الإنكار، وصحح الشيخ عز الدين: أنه يلي، وعلله بأن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي، وفي "زيادة الروضة" عن الغزالي: أنه إن كان بحيث لو سلبناه الولاية .. لانتقلت إلى حاكم يرتكب ما نفسقه به .. وُلِّيَ، وإلا .. فلا، قال المصنف: وهذا الذي قاله حسن، وينبغي العمل به، واختاره ابن الصلاح في "فتاويه"(2)، وقواه السبكي تفريعًا على انعزال القاضي بالفسق، قال: وأما إن لم نعزله به .. فهو أولى من الفاسق القريب.

ويستثنى من منع ولاية الفاسق: الإمام الأعظم؛ فالأصحُّ تفريعًا على عدم انعزاله بالفسق -وهو الأصحّ-: أنه يزوج بناته وبنات غيره بالولاية العامة؛ تفخيمًا لشأنه.

(ويلي الكافر) الأصلي (الكافرة) لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ولأنه قريب ناظر، وعن الحليمي: أنه لا يلي تزويجها من مسلم؛ كما لا ينعقد بشهادته.

وفرق الأول: بأن الشهادة محض ولاية على الغير، فلا يؤهل لها الكافر، والولي في التزويج كما يرعى حظ المولية يرعى حظ نفسه بتحصينها، ودفع العار عن النسب.

وعلى مقابلة الحليمي: إذا أراد المسلم تزويج ذمية .. زوّجه بها القاضي.

ومحل ما ذكره المصنف: إذا لم يرتكب محظورًا في دينه، وإلا .. فكتزويج الفاسق بنته.

واقتضى كلام المصنف: أن الكافر لا يلي المسلمة، وهو إجماع، وأن المسلم لا يلي الكافرة، وهو كذلك.

(1) الشرح الكبير (7/ 554)، روضة الطالبين (7/ 64).

(2)

روضة الطالبين (7/ 64)، فتاوى ابن الصلاح (2/ 424).

ص: 51

وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوِ الزَّوْجَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكاحِ، وَلَا تنتَقِلُ الْوِلَايَةُ فِي الأَصَحِّ، فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إِحْرَامِ الْوَليِّ، لَا الأَبْعَدُ

===

نعم؛ يستثنى: السلطان؛ فإنه يزوج من لا ولي لها بعموم الولاية، وكذا من عضلها وليها؛ كما صرح به في "البيان" في (كتاب الصداق)(1)، هذا إذا قلنا: إنه يزوج بالولاية، فإن قلنا بالنيابة .. فلا يستثنى.

واستثنى بعضهم أيضًا: تزويج أمته، وأمة موليته، وأمة ولده الصغير، ولا حاجة إلى استثنائه؛ لأنه تزويج بالملك لا بالولاية.

واقتضى كلامه أيضًا: تزويج اليهودي موليته النصرانية وعكسه. وقال الرافعي: يمكن أن يلحق بالإرث، ويمكن أن يمنع؛ لأن اختلاف الملل وإن كانت باطلةً منشأُ العداوة وسقوط النظر، وقال في "الكفاية" قطع أصحابنا بأنه لا يؤثر؛ كالإرث، وقال في "المهمات": يحسن المنع في المجبَرة دون غيرها؛ بناءً على أن المجبر يشترط ألّا يكون عدوًّا للمجبرة (2).

(وإحرام أحد العاقدين أو الزوجة) بحج أو عمرة ولو فاسدًا ( .. يمنع صحة النكاح) لحديث: "الْمُحْرِمُ لَا يَنْكِحُ وَلَا يُنكِحُ" رواه مسلم (3).

وشمل إطلاقه: الإمام والقاضي، وفيهما وجه: أنه يصح؛ لقوة الولاية، ويجوز أن يُزفّ إلى زوجته التي عقد عليها قبل إحرامه، وأن تُزفّ المحرمة إلى زوجها الحلال والمحرم.

(ولا تنتقل الولاية في الأصح؛ فيزوج السلطان عند إحرام الولي، لا الأبعد) لأن تأثير الإحرام يمنع الانعقاد مع بقاء الولاية؛ لبقاء الرشد والنظر، والثاني: تنتقل إلى الأبعد؛ كالمجنون، ورجحه في "المطلب".

وقوله: (لا الأبعد): لا حاجة إليه؛ فهو جزم بالأصح المتقدم.

(1) البيان (9/ 379).

(2)

الشرح الكبير (7/ 557)، المهمات (7/ 57).

(3)

صحيح مسلم (1409) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ص: 52

قُلْتُ: وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَليُّ أَوِ الزَّوْجُ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الْحَلَالُ .. لَمْ يَصِحَّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ غَابَ الأَقْرَبُ إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ .. زَوَّجَ السُّلْطَانُ، وَدُونَهُمَا .. لَا يُزَوِّجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فِي الأَصَحِّ. وَلِلْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا،

===

(قلت: ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال .. لم يصح، والله أعلم) لأن الموكل لا يملكه، ففرعه أولى.

نعم؛ له التزويج بعد التحلل بالوكالة السابقة، ولا ينعزل على الأصحِّ، ولو أحرم الإمام .. زوّج القضاة على أحد وجهين، حكاهما الماوردي (1)، ورجحه البُلْقيني، وكذا نوّاب القاضي إذا أحرم القاضي؛ كما اقتضاه كلام الخفاف في "الخصال"؛ فإنه قال: كل نكاح عقده وكيل المحرم .. فهو باطل إلا الحاكم إذا عقد خلفاؤه النكاح وهو محرم. انتهى، وقضية كلام المَحاملي في "المجموع": أنه يمتنع عليهم عقده.

(ولو غاب الأقرب إلى مرحلتين) فما فوقها ولم يوكل في تزويج موليته ( .. زوّج السلطان) لا الأبعد على الأصحِّ؛ لأن الغائب ولي، والتزويج حق عليه، فإذا تعذر استيفاؤه منه .. ناب الحاكم عنه، ويزوج بالنيابة لا الولاية على الأصحِّ.

ولو طالت غيبته وآل الأمر إلى غاية يحكم فيها بموته وقسمة ماله بين ورثته .. انتقلت الولاية إلى الأبعد، وتصدق المرأة في غيبة الولي، وخلو المانع، ولا يشترط شهادة خبيرين بالباطن على الأصحِّ في "الروضة"(2).

(ودونهما .. لا يزوج إلا بإذنه في الأصح) المنصوص في "الإملاء"؛ لأن المسافة القصيرة كالإقامة، والثاني: يزوج؛ لئلا تتضرر بفوات الكفء الراغب؛ كالمسافة الطويلة، وحكي عن ظاهر نص "المختصر"، ورجحه جمع من العراقيين، والثالث: إن كان فوق مسافة العدوى .. لم يُراجَع، وإلا .. روجع.

(وللمُجبِر التوكيل في التزويج بغير إذنها) كما يزوجها بغير إذنها، وقيل: لا يجوز إلا بإذنها، فعلى هذا: إن كانت صغيرة .. امتنع التوكيل، وعلى الأول: يندب للوكيل استئذانها، ويكفي السكوت.

(1) الحاوي الكبير (11/ 461).

(2)

روضة الطالبين (7/ 69).

ص: 53

وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الأَظْهَرِ، وَيَحْتَاطُ الْوَكِيلُ فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ. وَغَيْرُ الْمُجْبِرِ إِنْ قَالَتْ لَهُ:(وَكِّلْ) .. وَكَّلَ،

===

(ولا يشترط) في صحة التوكيل (تعيين الزوج في الأظهر) لأنه يملك التعيين في التوكيل، فيملك الإطلاق به، كالبيع وسائر التصرفات، وشفقته تدعوه إلى أنه لا يوكل إلا من يثق بنظره واختياره، والثاني: يشترط ذلك، لاختلاف الأغراض باختلاف الأزواج، وليس للوكيل شفقة تدعوه إلى حسن الاختيار.

ويجري القولان في إذنها للولي أن يزوجها ولم تعين له الزوج، وقيل: لا يشترط هنا قطعًا؛ لشدة اعتناء الولي بدفع العار، بخلاف الوكيل.

وظاهر كلامهم: طرد القولين وإن رضيت المرأة بترك الكفاءة، قال الإمام: والقياس: تخصيصهما بمن لم ترض، فأما من أسقطت الكفاءة .. فلا معنى لاشتراط التعيين فيها، وأقرّاه (1).

(ويحتاط الوكيل) عند الإطلاق وجوبًا (فلا يزوج غير كفء) لأن الإطلاق مقيد بالكفء، فلو زوج بغيره .. لم يصح في الأصحِّ، وكذا لا يصح أن يزوج بكفء، وهناك أكفأ منه، وإذا جوزنا الإذن المطلق، فقالت:(زوجني من شئت) .. فهل له تزويجها من غير كفء؟ قال في "أصل الروضة": فيه وجهان: أصحهما عند الإمام والسرخسي وغيرهما: نعم؛ كما لو قالت: (زوجني من شئت كفئًا كان أو غيره)(2).

ولو قال الولي للوكيل: (زوّجها من شاءت بكم شاءت)، فزوجها برضاها بغير كفء بدون مهر المثل .. صح، ذكره الرافعي في (الصداق)(3).

(وغير المجبر إن قالت له: "وكِّل" .. وكَّل) سواء قالت له: (زوّج ووكل) أم قالت: (وكل) وسكتت عن التزويج، فلو قالت:(وكِّل ولا تزوج) .. نقل الإمام عن الأصحاب بطلان الإذن؛ لأنها منعت الولي، وجعلت التفويض للأجنبي، فأشبه

(1) نهاية المطلب (12/ 113)، الشرح الكبير (7/ 566)، روضة الطالبين (7/ 72 - 73).

(2)

روضة الطالبين (7/ 73).

(3)

الشرح الكبير (8/ 272).

ص: 54

وَإِنْ نَهَتْهُ .. فَلَا، وَإِنْ قَالَتْ:(زَوِّجْنِي) .. فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ وَكَّلَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النكاحِ .. لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَليِّ:(زَوَّجْتُكَ بِنْتَ فُلَانٍ)، وَلْيَقُلِ الْوَليُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ:(زَوَّجْتُ بِنْتِي فُلَانًا)، فَيَقُولُ

===

الإذن للأجنبي ابتداءً، وأقرّاه (1).

(وإن نهته) عن التوكيل ( .. فلا) يوكل عملًا بإذنها؛ كما يراعى إذنها في أصل التزويج.

(وإن قالت: "زوِّجني") وأطلقت؛ فلم تأمره بالتوكيل ولا نهته ( .. فله التوكيل في الأصح) لأنه متصرف بالولاية، فأشبه الوصي والقيم يتمكنان من التوكيل بغير إذن، بل أولى منهما؛ لأنهما نائبان، وهو ولايته أصلية بالشرع، وإذنها في التزويج شرط في صحة تصرفه وقد حصل، والثاني: لا؛ لأنه متصرف بالإذن؛ فلا يوكل إلا بإذن؛ كالوكيل.

(ولو وكل قبل استئذانها في النكاح .. لم يصح على الصحيح)؛ لأنه لا يملك ما وكّل فيه حينئذ، والثاني: يصح؛ لأنه يلي تزويجها بشرط الإذن، فله تفويض ما له لغيره، ويبقى موقوفًا على ذلك الشرط، فعلى هذا: يستأذنها الولي، فإذا أذنت له .. صح تزويج وكيله بعد ذلك، وكذا لو استأذنها الوكيل للولي، أما لو استأذنها الوكيل لنفسه .. فلا يجوز؛ لأنه حينئذ يكون وكيلًا عنها والمرأة ليست لها ولاية التوكيل في النكاح، كذا جزما به تبعًا للبغوي (2)، وقضية كلام القاضيين الحسين والماوردي، والمتولي: الجواز، وقال ابن الرفعة: إنه الأشبه (3).

(وليقل وكيل الولي) للزوج ("زوجتك بنت فلان") ولا يحتاج أن يصرح بالوكالة إذا كان الزوج يعلم الوكالة، وإلا .. اشترط؛ كما قاله في "التتمة".

(وليقل الولي لوكيل الزوج: "زوّجت بنتي فلانًا") يعني: موكله (فيقول

(1) نهاية المطلب (12/ 115)، الشرح الكبير (7/ 567)، روضة الطالبين (7/ 74).

(2)

الشرح الكبير (7/ 567)، روضة الطالبين (7/ 73)، التهذيب (5/ 286).

(3)

الحاوي الكبير (11/ 159).

ص: 55

وَكِيلُهُ: (قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لَهُ). وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ،

===

وكيله: "قبلت نكاحها له") وهذا بخلاف البيع؛ فإنه لا يصح بهذه الصيغة؛ لأن البيع يرد على المال، وهو قابل للنقل من شخص إلى شخص، والنكاح يرد على البضع، وهو لا يقبل؛ ولهذا لو قبل النكاح لزيد بوكالة، فأنكرها زيد .. لم يصح العقد، ولو اشترى لزيد، فأنكرها .. صحّ الشراء للوكيل، فإن لم يقل:(له) .. فعلى الخلاف السالف فيما إذا قال الزوج: (قبلت) ولم يقل: (نكاحها).

ولو اقتصر على (قبلت) أو (قبلت له) .. فقد رتبه الإمام والروياني على اقتصار الزوج على ذلك؛ إن قلنا: لا يصح .. فالوكيل أولى، وإن قلنا: يصح .. ففي الوكيل وجهان (1).

والفرق: أن الوكيل ليس مخاطبًا حتى ينعطف قوله: (قبلت) على الخطاب ويكون جوابًا، بخلاف الزوج.

وقول المصنف: (فيقول): قد يوهم أنه لا يجوز تقدم القبول على الإيجاب، والذي جزم به في "الروضة": الجواز، ونقله الرافعي عن البغوي وأقره (2)، واستغربه ابن الرفعة؛ لأن القبول فرع الإيجاب، والفرع لا يسبق أصله؛ ولذلك قال الإمام في (البيع): لا يصح الابتداء بالقبول، وما يقوم مقامه يصح الابتداء به؛ كقوله:(اشتريت).

(ويلزم المُجبِر تزويج مجنونة بالغة) ولو ثيبًا؛ لاكتسابها المهر والنفقة، وربما كان جنونها لشدة الشبق، (ومجنون) مطبق (ظهرت حاجته) بظهور أمارة التوقان بحومه حول النساء، وتعلقه بهن.

ولا عبرة بقوله، أو بتوقع الشِّفاء بقول عدلين من الأطباء؛ لظهور المصلحة المترتبة على ذلك.

(1) نهاية المطلب (12/ 117).

(2)

روضة الطالبين (7/ 75)، الشرح الكبير (7/ 569).

ص: 56

لَا صَغِيرَةٍ وَصَغِيرٍ. وَيَلْزَمُ الْمُجْبِرَ وَغَيْرَهُ إِنْ تَعَيَّنَ إِجَابَةُ مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَإِخْوَةٍ فَسَأَلتْ بَعْضَهُمْ .. لَزِمَهُ الإِجَابَةُ فِي الأَصَحِّ. وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ .. اسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ بِرِضَاهُمْ، فَإِنْ تشَاحُّوا .. أُقْرعَ، ..

===

ولو قال: (ظهرت حاجتهما) .. لكان أحسن؛ فإنه لا فرق بينهما في ذلك؛ كما قاله السبكي وغيره.

واعتذر عن المصنف: بأن البلوغ مظنة الاحتياج إلى النكاح؛ ولهذا لم يقيد المجنون بالبلوغ؛ لدلالة الحاجة عليه.

(لا صغيرة وصغير) سواء أكانا عاقلين أم مجنونين، لعدم الحاجة في الحال.

نعم؛ لو ظهرت الغبطة .. ففي الوجوب احتمال للإمام مال إليه؛ كما إذا طلب ماله بزيادة .. يجب البيع، وجزم في "البسيط" بعدم الوجوب في الصغير؛ للزومه المؤن.

(ويلزم المجبر وغيره إن تعين) كأخ واحد (إجابه مُلتمِسة التزويج) إذا كانت بالغة ودعت إلى كفء، وفي "السنن": "ثَلَاثٌ لَا تُؤَخِّرْ

" وذكر منها: الأَيِّمُ إِذَا وَجَدْتَ لَهَا كُفْئًا"(1).

(فإن لم يتعين؛ كإخوة فسألت بعضهم .. لزمه الإجابة في الأصح) لئلا يتواكلوا فيتعطل الحق، والثاني: المنع؛ لإمكانه بغيره.

(وإذا اجتمع أولياء في درجة) كإخوة أشقاء أو لأب، وقد أذنت لكل منهم منفردًا أو قالت:(أذنت في فلان؛ فمن شاء فليزوجني منه)( .. استحب أن يزوجها أفقههم) لأنه أعلم بشروط العقد.

(وأسنهم) لزيادة تجربته واختياره الأكْفَاء (برضاهم) لأنه أجمع للمصلحة، فلو زوّج غير الأفقه والأسن بكفءٍ برضاها .. صحّ، ولا اعتراض للباقين؛ فلو أذنت لأحدهم .. لم يزوج غيره.

(فإن تشاحوا) فقال كل منهم: (أنا أزوج)( .. أُقرع) دفعًا للنزاع، هذا إذا

(1) أخرجه الحاكم (2/ 162)، والترمذي (171)، والبيهقي (7/ 132) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ص: 57

فَلَوْ زَوَّجَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ زَيْدًا وَالآخَرُ عَمْرًا؛ فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ .. فَهُوَ الصَّحِيحُ،

===

اتحد الخاطب، فإن تعدد ورغب كل ولي في زوج .. فالتزويج ممن ترضاه المرأة؛ فإن رضيت الكل .. نظر القاضي في الأصلح وأمر بالتزويج منه، نقلاه عن البغوي وأقرّاه (1)، وجزم به في "الشرح الصغير"، لكن في "الحاوي"، و"البحر"، و"التتمة" فيما إذا رضيتهم .. زوّج السلطان بإذن جديد، وهم عاضلون لامتناع كل من التزويج ممن رضيه الآخر (2)، وعليه حمل قوله صلى الله عليه وسلم:"فالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ"(3) ولا يقرع؛ لئلا يصير قارعًا بين الزوجين، قاله الفوراني وغيره.

(فلو زوّج غيرُ من خرجت قرعته وقد أذنت لكلٍّ منهم .. صح في الأصح) لأن القرعة ليست سالبة، بل قاطعة للنزاع، والثاني: لا يصح؛ لتظهر فائدة القرعة، وإلا .. كانت عبثًا، وعلى الأول: يكره له التزويج في قرعة السلطان دون قرعة غيره، قاله الإمام (4).

وخرج بقيد خروج القرعة: ما لو بدر واحد وزوج مع التنازع قبل القرعة .. فإنه يصح قطعًا بلا كراهة، قاله في:"الذخائر"، وأخذه من "الحاوي"(5).

واحترز بقوله: (وقد أذنت لكلٍّ منهم): عما لو أذنت لأحدهم فزوج الآخر .. فإنه لا يصح قطعًا، وكذا لو أذنت للكل على وجه الاجتماع.

(ولو زوجها أحدُهم زيدًا والآخر عمرًا؛ فإن عرف السابق) ببينة أو تصادق معتبر ( .. فهو الصحيح)، والثاني: باطل؛ لحديث: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ .. فَهِيَ لِلأَوَّلِ مِنْهُمَا" حسّنه الترمذي، وصححه الحاكم على شرط البخاري (6).

(1) الشرح الكبير (8/ 3)، روضة الطالبين (7/ 87).

(2)

الحاوي الكبير (11/ 167).

(3)

سبق تخريجه في (ص 40).

(4)

نهاية المطلب (12/ 95).

(5)

الحاوي الكبير (11/ 167).

(6)

سنن الترمذي (1110)، المستدرك (2/ 175)، وأخرجه أبو داوود (2088)، والنسائي (7/ 314) عن سمرة بن جندب رضي الله عنه.

ص: 58

وإنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالْمَعِيَّةُ .. فَبَاطِلَانِ، وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتبَهَ .. وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَبينَ، فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ .. سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الْجَدِيدِ، وَهُوَ قَبُولُ إِقْرَارِهَا بِالنِّكاحِ

===

وسواء أدخل بها الثاني أم لا، ومحل الصحة: إذا كان كلٌّ من الزوجين كفئًا؛ فإن كان غير كفء .. فلا نكاح، وإن كان أحدهما غير كفء، والآخر كفئًا فنكاح الكفء هو الصحيح وإن تأخر، نص عليه (1)، قال السبكي: وهو محمول على ما إذا لم يسقطوا الكفاءة.

(وإن وقعا معًا، أو جهل السبق والمعية .. فباطلان) لأنه في الأولى ليس أحدهما أولى من الآخر، وأما في الثانية .. فلأنهما إن وقعا معًا .. تدافعا، أو مرتبًا .. فلا اطّلاع على السابق منهما، وإذا تعذر إمضاء العقد .. لغا؛ إذ الأصل في الأبضاع: الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح.

(وكذا لو عُرف سبق أحدهما ولم يتعين على المذهب) لتعذر الإمضاء؛ كما لو احتمل السبق والمعية، والعلم بتقدم أحدهما لا يغني، إذا لم يعلم المتقدم؛ كما لو سبق موت أحد الوارثين من غير تعيين، والطريق الثاني: قولان: أحدهما: هذا، والثاني: مخرج من نظير المسألة في الجمعتين: أنه يتوقف.

وفرق الأول: بأن الصلاة إذا صحت .. لا يلحقها بطلان، والعقود تفسخ بأسباب وأعذار.

(ولو سبق معين ثم اشتبه .. وجب التوقف حتى يبين) لجواز التذكر، ولأنا تحققنا صحة العقد، فلا يرتفع إلّا بيقين.

قال في "التهذيب": والأحوط: أن يقول الحاكم: (فسخت نكاح من سبق)، أو يأمرهما بالتطليق، أو يطلق أحدهما ثم يزوجها من الآخر (2).

(فإن ادعى كل زوج) عليها (علمها بسبقه .. سُمعت دعواهما بناء على الجديد، وهو قبول إقرارها بالنكاح) كما سبق، فإن لم تقبله .. فلا؛ إذ لا فائدة، فلو ادعيا

(1) الأم (6/ 43).

(2)

التهذيب (5/ 291).

ص: 59

فَإِنْ أَنْكَرَتْ .. حُلِّفَتْ، وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأحَدِهِمَا .. ثَبَتَ نِكَاحُهُ. وَسَمَاعُ دَعْوَى الآخَرِ وَتَحْلِيفُهَا لَهُ يَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَالَ:(هَذَا لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو)، هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو؟ إِنْ قُلْنَا: نَعَمْ .. فَنَعَمْ.

===

على الولي .. سُمعت إن كان مجبرًا على الأصحِّ، وإلا .. فلا؛ لأن إقراره لا يقبل.

ولا تسمع دعوى أحدهما على الآخر، ولا يحلف أحدهما للآخر على الأصحِّ.

وقوله: (كل زوج)، هو بيان للمسألة، ولم يقصد أنه شرط؛ فإنه لو ادعى أحدهما عليها .. سُمعت.

وقوله: (بسبقه) أي: بسبق نكاحه، واحترز به: عما إذا ادعيا أنها تعلم سبق أحد النكاحين في الجملة .. فإنها لا تسمع للجهل.

(فإن أنكرت .. حُلِّفت) على نفي العلم؛ لأن اليمين توجهت عليها بسبب فعل غيرها، وقضيته: الاكتفاء بيمين واحدة، وفي المسألة وجهان: صحح السبكي: أنها تحلف لكل واحد يمينًا، وقضيته أيضًا: انقضاء الخصومة بالحلف، ونقلا عن الإمام والغزالي: أنه يبقى التداعي والتحالف بين الزوجين؛ فمن حلف .. فالنكاح له (1)، وأشار ابن الرفعة إلى شذوذ ما قاله الإمام وقال: الذي نص عليه الشافعي في "الأم"، وبه قال العراقيون: أنه لا تحالف بينهما مطلقًا، ويبقى الإشكال. انتهى، ونقله القاضي حسين عن المراوزة وصرّح ابن الرفعة تفريعًا عليه بأنه يبطل النكاحان بحلفها.

(وإن أقرّت لأحدهما .. ثبت نكاحه.

وسماع دعوى الآخر وتحليفها له ينبني على القولين فيمن قال: "هذا لزيد بل لعمرو"، هل يغرم لعمرو؟ إن قلنا: نعم .. فنعم) رجاء أن تقر فتغرم، وإن قلنا: لا تغرم .. لم تسمع ولم تحلف؛ لأنه لا يستفيد بذلك زوجية ولا غرمًا؛ فلا معنى له، وقيل: تسمع؛ بناءً على أن يمين الرد كالبينة؛ لاحتمال أن تنكل ويحلف هو فيقدم نكاحه؛ لأن البينة تقدم على الإقرار، والصحيح على ذلك القول أيضًا: عدم السماع؛ لأنها كالبينة في حق المتداعيين لا في حق غيرهما؛ فإنها لو سمعت،

(1) الشرح الكبير (8/ 8)، روضة الطالبين (7/ 91).

ص: 60

وَلَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الآخَرِ .. صَحَّ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ نَفْسَهُ بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ فِي دَرَجَتِهِ، فَإِنْ فُقِدَ .. فَالْقَاضِي. فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا .. زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنَ الْوُلَاةِ أَوْ خَلِيفَتُهُ. وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ تَوَلِّي الطَّرَفيْنِ .. لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ

===

وحلف .. بطل نكاح المحكوم له أوّلًا، ولا خلاف في عدم بطلانه.

(ولو تولى) الجد (طرفي عقد في تزويج بنت ابنه بابن ابنه الآخر) وهما في حجره وولايته ( .. صح في الأصح) لقوة ولايته؛ كالبيع، والثاني: المنع؛ لأن خطاب المرء لنفسه لا ينتظم، وإنما جوزناه في البيع؛ لكثرة وقوعه، وعلى الأول: يشترط الإتيان بشقّي العقد على الأصحِّ؛ كالبيع، وقيل: يكفي الإيجاب، وللعم تزويج بنت أخيه بابنه البالغ، ولابن العم تزويج بنت عمه من ابنه البالغ على المذهب فيهما؛ لأنه لم يوجد تولي الطرفين، وقيل: لا؛ لأن كلًّا منهما متهم في حق ولده، وربما عرف فيه منقصة فأخفاها، هذا إذا أطلقت الإذن وجوزناه؛ فإن عينته .. جاز قطعًا؛ لانتفاء التهمة، وإن زوجها بابنه الطفل .. لم يصح على المذهب؛ لأنه نكاح لم يحضره أربعة، وليس له قوة الجدودة.

(ولا يزوج ابن العم نفسه) لأن الإنسان لا يكون عاقدًا لنفسه على غيره؛ للتهمة في أمر نفسه، (بل يزوجه ابن عم في درجته) بأن يكونا ابني عم لأبوين أو لأب؛ فلا يزوج ابن العم لأب من ابن العم لأبوين، بخلاف العكس على المذهب.

(فإن فقد .. فالقاضي) للولاية العامة (فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها .. زوّجه من فوقه من الولاة) وكذا من هو مثله (أو خليفته) لأن حكمه نافذ عليه، وفي وجه: أن القاضي يتولى نكاح نفسه، قال به القاضي أبو يحيى البلخي، وفعله حين كان قاضيًا بدمشق فرئي ولده منها يكدي.

ويجري الخلاف في تزويج القاضي نفسه في الإمام الأعظم، وأولى بالجواز؛ لأنه ليس فوقه من يزوجها منه، والأصحُّ: أن القاضي يزوجها منه بالولاية؛ كما يزوج خليفة القاضي من القاضي.

(وكما لا يجوز لواحد تولي الطرفين .. لا يجوز أن يوكِّل وكيلًا في أحدهما، أو

ص: 61