المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في حل نكاح الكافرة وتوابعه] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ النِّكاح

- ‌فصلٌ [في الخطبة]

- ‌فصلٌ [في أركان النكاح وغيرها]

- ‌فصلٌ [فيمن يعقد النكاح وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في موانع الولاية للنكاح]

- ‌فصلٌ [في الكفاءة]

- ‌فصلٌ [في تزويج المحجور عليه]

- ‌بابُ ما يحرُم من النِّكاح

- ‌فصلٌ [في نكاح من فيها رق وتوابعه]

- ‌فصلٌ [في حل نكاح الكافرة وتوابعه]

- ‌بابُ نكاح المشرك

- ‌فصلٌ [في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم على أكثر من مباحة]

- ‌فصلٌ [في مؤنة المسلمة أو المرتدة]

- ‌باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

- ‌فَصْلٌ [في الإعفاف]

- ‌فَصْلٌ [في نكاح الرقيق]

- ‌كتابُ الصَّدَاق

- ‌فَصْلٌ [في بيان أحكام الصداق المسمى الصحيح والفاسد]

- ‌فَصْلٌ [في التفويض]

- ‌فَصْلٌ [في بيان مهر المثل]

- ‌فَصْلٌ [في تشطير المهر وسقوطه]

- ‌فَصْلٌ [في المتعة]

- ‌فَصْلٌ [في الاختلاف في المهر والتحالف فيما سمي منه]

- ‌فَصْلٌ [في وليمة العرس]

- ‌كتابُ القسْمِ والنُّشُوز

- ‌فصلٌ [في بعض أحكام النشوز وسوابقه ولواحقه]

- ‌كتابُ الخُلْع

- ‌فصلٌ [في الصيغة وما يتعلق بها]

- ‌فصلٌ [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الخلع أو في عوضه]

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌فَصْلٌ [في تفويض الطلاق إليها]

- ‌فَصْلٌ [في بعض شروط الصيغة والمطلق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان محل الطلاق والولاية عليه]

- ‌فَصْلٌ [في تعدد الطلاق بنية العدد فيه أو ذكره وما يتعلق بذلك]

- ‌فَصْلٌ [في الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الشك في الطلاق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان الطلاق السني والبدعي]

- ‌فَصْلٌ [في تعليق الطلاق بالأزمنة ونحوها]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في الإشارة إلى العدد وأنواع من التعليق]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع أخرى من التعليق]

- ‌كتابُ الرَّجْعَة

- ‌كتابُ الإِيلاء

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وما يتفرع عليها]

- ‌كتابُ الظِّهار

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الظهار من وجوب كفارة وغير ذلك]

- ‌كتابُ الكفّارة

- ‌كتابُ اللّعان

- ‌فصلٌ [في قذف الزوج خاصة]

- ‌فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

- ‌فصلٌ [في المقصود الأصلي من اللعان]

- ‌كتاب العِددَ

- ‌فصلٌ [في العدة بوضع الحمل]

- ‌فصلٌ [في تداخل العدتين]

- ‌فصلٌ [في حكم معاشرة المفارق للمعتدة]

- ‌فصلٌ [في الضرب الثاني من ضربي عدة النكاح]

- ‌فصلٌ [في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها]

- ‌بابُ الاسْتِبْرَاء

- ‌كتابُ الرَّضاع

- ‌فَصْلٌ [في حكم الرضاع الطارئ على النكاح تحريمًا وغرمًا]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار والشهادة بالرضاع والاختلاف فيه]

- ‌كتابُ النَّفقات

- ‌فَصْلٌ [في موجب المؤن ومسقطاتها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الإعسار بمؤن الزوجة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤن الأقارب]

- ‌فَصْلٌ [في الحضانة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤنة المماليك وتوابعها]

الفصل: ‌فصل [في حل نكاح الكافرة وتوابعه]

‌فصلٌ [في حل نكاح الكافرة وتوابعه]

يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثنَيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ. وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ، لكِنْ تكرَهُ حَرْبِيَّةٌ،

===

وأشار بقوله: (بعقد) إلى التصوير بقوله: (زوجتك بنتي وأمتي بكذا)، فيقول:(قبلت نكاحهما)، فلو قال:(زوجتك بنتي بألف وزوجتك أمتي بمئة)، فقبل البنت ثم الأمة، أو قبل البنت فقط .. صح نكاحها قطعًا، ولو قدمت الأمة في تفصيلهما إيجابًا وقبولًا .. صحتا حيث جازت الأمة؛ لقبول الحرة بعد صحة نكاح الأمة، ولو فصل الإيجاب فجمع القبول أو عكسه .. فكتفصيلهما، وقيل: كجمعهما، ولو تزوج أمتين في عقد .. بطل نكاحهما قطعًا؛ كالأختين.

* * *

(فصل: يحرم نكاح من لا كتاب لها؛ كوثنية ومجوسية) لقوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} ، واستثنى أهل الكتاب؛ لأنهم مقرون بالجزية، فبقي ما سواهم على الأصل، ولقوله صلى الله عليه وسلم في المجوس:"سَنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرَ آكِلِي ذَبَائِحِهِمْ، وَلَا نَاكِحِي نِسَائِهِمْ" رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة في "مصنفيهما" مرسلًا، قال البيهقي: ويؤكده إجماع الجمهور (1).

وظاهر كلام المصنف: أن المجوس لا كتاب لهم، والمرجح في "الروضة" و"أصلها": أنه كان لهم كتاب، لكن بدلوه فأصبحوا وقد أسري به (2)، فيحمل كلام المصنف على أنه لا كتاب لهم الآن.

(وتحل كتابية) لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} .

(لكن تكره حربية) لما في الميل إليها من خوف الفتنة، وقد تسترق وهي حامل منه، فلا تصدق في أنها حامل من مسلم أو لا تقر به، وكذا يكره نكاح المسلمة في دار الحرب، نص عليه في "الأم"؛ خوفًا من استرقاق ولده (3).

(1) مصنف عبد الرزاق (6/ 69)، مصنف ابن أبي شيبة (16581)، السنن الكبرى (9/ 284).

(2)

روضة الطالبين (7/ 135)، الشرح الكبير (8/ 72).

(3)

الأم (5/ 655).

ص: 96

وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْكِتَابِيَّةُ: يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ، لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْكِتَابِيَّةُ إِسْرَائِيلِيَّةً .. فَالأَظْهَرُ: حِلُّهَا إِنْ عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ، وَقِيلَ: يَكْفِي قَبْلَ نَسْخِهِ

===

(وكذا ذمية على الصحيح) لئلا تفتنه أو ولده، والثاني: لا يكره؛ لأن الاستفراش إهانة، والكافرة جديرة بذلك، قال الجويني: لكن الأولى: ألا يفعله (1).

(والكتابية: يهودية أو نصرانية) لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} .

(لا متمسكة بالزبور وغيره) كصحف شيث وإدريس وإبراهيم عليهم السلام وإن قلنا: إنهم يقرون بالجزية؛ كما هو الأصحُّ، واختلف في سبب ذلك، فقيل: لأنها لم تنزل عليهم بنظم تدرس وتتلى، وإنما أوحي إليهم معانيها، وقيل: لأنها حكم ومواعظ، ولم تتضمن أحكامًا وشرائع.

(فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية) أي: لم تكن من بني إسرائيل، وهو يعقوب صلى الله عليه وسلم، ومعناه: عبد الله، ( .. فالأظهر: حلها إن علم دخول قومها في ذلك الدين قبل نسخه وتحريفه) اكتفاء بتمسكهم بذلك الدين حين كان حقًّا، ومنهم: من قطع بهذا؛ كما يقرون بالجزية قطعًا، والثاني: المنع؛ لفقد النسب، والخلاف مبني على أن الإسرائيليات ينكحن لفضيلتي الدين والنسب جميعًا، أو لفضيلة الدين وحدها، قال السبكي: والأظهر: الثاني.

(وقيل: يكفي قبل نسخه) وبعد تحريفه؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يبحثوا، والأصحُّ: المنع؛ لبطلان الفضيلة بالتحريف، والخلاف حيث دخلوا في المحرف، فأما إذا تمسكوا بغير المحرف .. فكما قبل التحريف.

واحترز بقوله: (فإن لم تكن الكتابية إسرائيلية): عما إذا كانت إسرائيلية؛ فإنه يجوز نكاحها مطلقًا؛ لشرف النسب، وهذا فيمن دخل قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، أما الداخلون بعد بعثته صلى الله عليه وسلم .. فلا تفارق فيه الإسرائيلية

(1) نهاية المطلب (12/ 243).

ص: 97

وَالْكِتَابِيَّةُ الْمَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنفَاسٍ، وَكَذَا جَنَابَةٌ وَتَرْكُ أَكْلِ خِنْزِيرٍ فِي الأَظْهَرِ،

===

غيرها؛ كما في "الروضة" و"أصلها" أي: فلا تحل مناكحتهم (1).

وقضية كلامه: التحريم إذا شككنا في غير الإسرائيلية هل دخل الآباء قبل التحريف أو بعده وهو كذلك، وكذلك تحرم ذبائحهم لكن يقرون بالجزية.

وقال السبكي: ينبغي الحل فيمن علم أصل دخولهم، وجهل وقته، وإلا .. فما من كتابي اليوم لا يعلم أنه إسرائيلي إلا ويحتمل فيه ذلك، فيؤدي إلى ألا تحل ذبائح أحد منهم اليوم ولا مناكحتهم، بل ولا في زمن الصحابة، كبني قريظة والنضير وقينقاع، قال: وطلب مني بالشام منعهم من الذبائح فأبيت؛ لأن تحريم ما أحل الله صعب، ويدهم على ذبيحتهم دليل شرعي، فالحكم بخلافه مخالف لدلالة اليد الشرعية، وهو في الذبيحة أشد منه في المناكحة؛ لما أشرنا إليه من اليد، قال: ومنعهم قبلي محتسب بفتوى بعضهم، ولا بأس بالمنع إن رآه مصلحة، وأما الفتوى به .. فجهل.

(والكتابية المنكوحة كمسلمة في نفقة وقَسْم وطلاق) وعامة أحكام النكاح؛ لاشتراكهما في الزوجية المقتضية لذلك إلا التوارث والحد بقذفها.

(وتجبر على غسل حيض ونفاس) إذا طهرت؛ لتوقف حل الوطء عليه، فإن لم تفعل .. غسلها الزوج، واستفاد الحل وإن لم تنو للضرورة، وقيل: ينوي عنها، ولا يختص هذا بالكتابية بل المسلمة كذلك، ولا يختص بالزوجة أيضًا، بل الأمة كذلك (2).

(وكذا جنابة وترك أكل خنزير) ونحوهما مما يتوقف كمال الاستمتاع على زواله (في الأظهر) كما يجبرها على إزالة النجاسة، والثاني: لا إجبار؛ لأنه لا يمنع الاستمتاع.

(1) روضة الطالبين (7/ 138)، الشرح الكبير (8/ 76).

(2)

وعن الحليمي تخريجًا على الإجبار على الغسل: أن للسيد إجبار أمته المجوسية والوثنية على الإسلام؛ لأن حلّ الاستمتاع يتوقف عليه، والصحيح: خلافه؛ لأن الرق أفادها الأمان من القتل، فلا تجبر؛ كالمستأمنة، وليس كالغسل؛ فإنه لا يعظم الأمر فيه. اهـ هامش (أ).

ص: 98

وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا. وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثنَيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ،

===

وظاهر تخصيصه الخلاف في غسل الجنابة بالذمية: أن له إجبار المسلمة عليه قطعًا، وجرى عليه الرافعي تبعًا للبغوي، وقال في "الروضة": وليس هو على إطلاقه، بل هو فيما إذا طال بحيث حضر وقت صلاة، فأما إذا لم تحضر صلاة .. ففي إجبارها القولان، وأظهرهما: الإجبار (1).

ومحل ما ذكره في الخنزير: إذا كانت تعتقد حله؛ كالنصرانية، فإن كانت ترى تحريمه؛ كاليهودية .. منعها منه قطعًا؛ كالمسلمة، كذا جزم به الماوردي والروياني وغيرهما (2)، وصوّبه الأَذْرَعي وقال: إنه قضية كلام الأصحاب، وتعليلهم المنع باعتقادها الإباحة.

(وتجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها) قطعًا؛ ليتمكن من الاستمتاع بها، ويجبرها أيضًا على التنظيف بالاستحداد، وقلم الأظفار، وإزالة شعر الإبط، والأوساخ إذا تفاحش شيء من ذلك بحيث ينفّر، فإن كان لا يمنع أصل الاستمتاع لكن يمنع كماله .. فقولان كما في غسل الجنابة.

وله منعها من أكل ما يتأذى برائحته؛ كالثوم والكراث على الأظهر، وقيل: قطعًا، ومن لبس جلود الميتة قبل الدباغ، ولبس ما له رائحة كريهة.

وله منع الكتابية من شرب ما يسكر، وفي القدر الذي لا يسكر قولان، وفي وجه: ليس له منعها من شرب القدر الذي يرونه عبادة في أعيادهم، وله منعها من الزيادة عليه وإن لم يسكر، ويجري القولان في منع المسلمة من القدر الذي لا يسكر من النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته، وقيل: يمنعها قطعًا؛ لأن ذلك القدر لا ينضبط، ويختلف باختلاف الأشخاص، وله منعها أيضًا من البِيَع والكنائس؛ كما يمنع المسلمة من الجماعات والمساجد.

(وتحرم متولِّدة من وثني وكتابية) لأن الانتساب إلى الأب، وهو لا تحل مناكحته، وكذا بين مجوسي وكتابية.

(1) الشرح الكبير (7/ 74)، روضة الطالبين (7/ 136).

(2)

الحاوي الكبير (11/ 316)، بحر المذهب (9/ 226).

ص: 99

وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الأَظْهَرِ. وَإِنْ خَالَفَتِ السَّامِرَةُ الْيَهُودَ، وَالصَّابِئُونَ النَّصَارَى فِي أَصلِ دِينِهِمْ .. حَرُمْنَ، وَإِلَّا .. فَلَا

===

(وكذا عكسه في الأظهر) تغليبًا للتحريم، والثاني: تحل؛ لأن الولد ينتسب إلى أبيه، والأب كتابي.

هذا في صغر المتولد منهما، فأما إذا بلغ وتدين بدين الكتابي منهما .. فقال الشافعي: تحل مناكحته وذبيحته، فمنهم من أثبت هذا قولًا، ومنهم من قال: لا أثر لبلوغه، وحمل النص على ما إذا كان أحد أبويه يهوديًّا والآخر نصرانيًّا، فبلغ واختار دين أحدهما، ولم يرجحا شيئًا هنا، لكن رجح الرافعي في أول كتاب (الصيد) عدم الحل، وحذف المسألة من "الروضة" هناك، فلزم خلو "الروضة" عن هذا الترجيح، وقال في "الكفاية" هنا: المذهب: أنها لا تحل؛ كالمجوسية تدين اليهودية بعد البلوغ (1).

(وإن خالفت السامرة اليهود، والصابئون النصارى في أصل دينهم) ولا يبالون بنص كتابهم ( .. حَرُمن) كالمجوس، (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يخالفوهم في ذلك وخالفوهم في الفروع .. فلا يحرمن؛ لأنهم مبتدعة؛ كما في أهل القبلة من الصنفين.

هذا هو المنصوص (2)، وأطلق بعضهم حكاية قولين في مناكحتهم، قال الإمام: ولا مجال للخلاف فيمن يكفرهم اليهود والنصارى، ويخرجونهم عنهم لكن يمكن الخلاف فيمن جعلوه كالمبتدع فينا (3).

ولو شككنا هل يخالفونهم في الأصول أو في الفروع .. لم يناكحوا، كذا جزما به (4)، وقال البُلْقيني: ظاهر كلام الشافعي في "المختصر": الحل؛ حيث قال:

(1) الشرح الكبير (8/ 85، 12/ 4)، روضة الطالبين (7/ 142، 3/ 237)، كفاية النبيه (13/ 115).

(2)

الأم (6/ 17).

(3)

نهاية المطلب (12/ 249).

(4)

الشرح الكبير (8/ 80)، روضة الطالبين (7/ 139).

ص: 100

وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ .. لَمْ يُقَرَّ فِي الأَظْهَرِ -فَإِنْ كَانَتِ أمْرَأَةً .. لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ، فَإنْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً .. فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ- وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الإِسْلَامُ، وَفِي قَوْلٍ: أَوْ دِينُهُ الأَوَلُ،

===

والصابئون والسامرة من اليهود والنصارى إلا أن يعلم أنهم يخالفونهم في أصل ما يحلون من الكتاب ويحرمون فيحرمون كالمجوس (1). انتهى.

واعلم: أن الصابئة -على ما قيل- قسمان: قسم من النصارى؛ لأنهم صبؤوا إلى معتقدهم، وهم المرادون هنا، والثاني: وهو المشهور بهذا الاسم، يعبدون الكواكب، كانوا في زمن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهم بعيدون من النصارى جدًّا، وهم الذين أفتى الإصطخري بقتلهم.

(ولو تهود نصراني أو عكسه) أي: تنصّر يهودي ( .. لم يقر في الأظهر) لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} ولأنه أحدث دينًا باطلًا بعد اعترافه ببطلانه، وهذا ما رجحه المصنف في كتبه (2).

والثاني: يقر؛ لتساويهما في التقرير بالجزية، وكلام الرافعي يفهم ترجيحه، بل صرح بترجيحه في "الشرح الصغير"، وبناهما المتولي وغيره على أن الكفر ملة واحدة أو ملل، ورده الرافعي (3)، وقال ابن الرفعة: منع الشافعي في كتاب (الجزية) من "الأم" الانتقال مع تصريحه بأن الكفر ملة واحدة، وهو يضعف البناء.

(فإن كانت امرأة .. لم تحل لمسلم) بناءً على أنها لا تقر؛ كالمسلمة ترتد.

(فإن كانت منكوحة) لمسلم ( .. فكردة مسلمة) فتتخير الفرقة قبل الدخول، ويتوقف على انقضاء العدة بعده.

(ولا يقبل منه إلا الإسلام) للآية المتقدمة، ولأنه أقر ببطلان المنتقل عنه، وكان مقرًّا ببطلان ما انتقل إليه، (وفي قول: أو دينه الأول) لأنه كان مقرًّا عليه، ومعنى

(1) مختصر المزني (ص 169).

(2)

روضة الطالبين (7/ 140).

(3)

الشرح الكبير (8/ 81).

ص: 101

وَلَوْ تَوَثَّنَ .. لَمْ يُقَرَّ، وَفِيمَا يُقْبَلُ الْقَوْلَانِ. وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثنِيٌّ أَوْ تنَصَّرَ .. لَمْ يُقَرَّ، وَيَتَعَيَّنُ الإِسْلَامُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ. وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأحَدٍ، وَلَوِ ارْتَدَّ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ .. تنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ .. وُقِفَتْ؛ فَإِنْ جَمَعَهُمَا الإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ .. دَامَ النِّكاحُ، وَإِلَّا .. فَالْفُرْقَةُ مِنَ الرِّدَّةِ، وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي التَّوَقُّفِ وَلَا حَدَّ.

===

هذا القول: أنا نأمره بالإسلام عينًا، فإن لم يسلم وعاد إلى الأول .. ترك؛ إذ الباطل لا يؤمر به، فإن امتنع مما يُقْبَلُ منه .. بلغ مأمنه على الأشبه عند الشيخين، ونص عليه في "الأم"، وقيل: يقبل في الحال، وصححه جمع، وقواه السبكي وغيره.

(ولو توثن) يهودي أو نصراني ( .. لم يقر) لأن أهله لا يقرون عليه، (وفيما يُقْبَلُ القولان) المذكوران (ولو تهود وثني أو تنصّر .. لم يقر) لأنه كان لا يقر، فلا يستفيد فضيلة لم تكن بدين باطل.

(ويتعين الإسلام كمسلم ارتد) فإن امتنع من الإسلام .. قتل، قال الأَذْرَعي: والوجه: أن يكون حاله كما قبل الانتقال، حتى لو كان له أمان .. لم يتغير حكمه بذلك.

(ولا تحل مرتدة لأحد) لا لمسلم؛ لأنها كافرة لا تقرّ، ولا لكافر؛ لبقاء علقة الإسلام فيها، ولا لمرتد؛ لأن القصد من النكاح الدوام.

وأورد على هذه العلة: من تحتم قتله في المحاربة؛ فإنه يصح نكاحه.

(ولو ارتد زوجان) معًا أو على التعاقب (أو أحدهما قبل دخولٍ) حيث لا عدة باستدخال ماء أو غيره ( .. تنجزت الفرقة) لعدم تأكده.

(أو بعده .. وقفت؛ فإن جمعهما الإسلام في العدة .. دام النكاح، وإلا .. فالفرقة من الردة) لأنه اختلاف دين طرأ بعد المسيس، فلا يوجب الفسخ في الحال؛ كإسلام أحد الزوجين الكافرين، ولو طلقها في مدة التوقف أو ظاهر منها أو آلى .. توقفنا؛ فإن جمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة .. تبينَّا صحته، وإلا .. فلا.

(ويحرم الوطء في التوقف) لتزلزل ملك النكاح (ولا حدّ) للشبهة، وهي بقاء

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أحكام النكاح، ولكن يعزر وتجب العدة، وهما عدتان من شخص، فهو كوطء مطلقته في عدته، واجتماعها في الإسلام هنا كرجعته هناك، فيستمر النكاح إذا جمعهما الإسلام في الحالات التي يحكم فيها بثبوت الرجعة هناك.

* * *

ص: 103