الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَوْ قَالَ: (ثَلَاثًا) فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ .. فَوَاحِدَةٌ.
فَصْلٌ [في بعض شروط الصيغة والمطلق]
مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ طَلَاقٌ .. لَغَا. وَلَوْ سَبَقَ لِسَانٌ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ .. لَغَا، وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا إِلَّا بِقَرِينَةٍ
===
الطلاق، ولو قال:(أبيني نفسك) ونوى، فقالت:(أبنت)، ولم تنو .. لا يقع الطلاق، فكذلك العدد، والثاني: تقع الثلاث، وتغني نيته في العدد عن نيتها، وكأنه فوض إليها أصل الطلاق، ونوى بنفسه العدد، وقد يرد على تعبيره: ما إذا نوت ثنتين .. فإنهما يقعان.
(ولو قال: ) طلقي نفسك ("ثلاثًا" فوحَّدت) أي: قالت: (طلقت نفسي واحدة)(أو عكسه) أي: وَحَّدَ، فثلثت ( .. فواحدة) أما في الأولى .. فلأن ما أوقعته داخل في المفوض إليها، وأما في الثانية .. فلأن المفوض إليها واحدة، والزائد غير مأذون فيه، فيقع ما تملكه؛ كما إذا لم يبق للزوج إلا طلقة، فقال:(أنت طالق ثلاثًا).
* * *
(فصل: مرّ بلسان نائم طلاق .. لغا) لحديث: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ -منها- النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ (1).
ولو استيقظ وقال: (أجزت ذلك الطلاق)، أو (أوقعته) .. فهو لغو، وفي معنى النائم: كل من زال عقله بسبب لم يعص به.
(ولو سبق لسان بطلاق بلا قصد .. لغا) قياسًا على لغو اليمين (ولا يُصدَّق ظاهرًا) لتعلق حق الغير به، (إلا بقرينة) كما سيأتي فيمن اسمها طارق أو طالب، فقال:(يا طالق) وزعم أنه التفَّ الحرف بلا قصد، فيقبل في الظاهر؛ لظهور القرينة.
(1) أخرجه الحاكم (2/ 59)، وابن حبان (142)، وأبو داوود (4398)، وابن ماجه (2041) عن عائشة رضي الله عنها.
وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ: (يَا طَالِقُ) وَقَصَدَ النِّدَاءَ .. لَمْ تَطْلُقْ، وَكَذَا إِنْ أَطْلَقَ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا فَقَالَ:(يَا طَالِقُ)، وَقَالَ:(أَرَدْتُ النِّدَاءَ فَالْتَفتَّ الْحَرْفُ) .. صُدِّقَ. وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا، أَوْ هُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبيَّةً؛ بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ، أَوْ نَكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَم يَعْلَمْ .. وَقَعَ. وَلَوْ لَفَظَ أَعْجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ .. لَمْ يَقَعْ، وَقِيلَ: إِنْ نوَى مَعْنَاهُ .. وَقَعَ. وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ،
===
(ولو كان اسمها طالقًا فقال: "يا طالق"، وقصد النداء) أي: نداءها باسمها ( .. لم تطلق) للقريط، (وكذا إن أطلق) ولم يقصد شيئًا (في الأصح) حملًا على النداء، والثاني: تطلق لصراحة اللفظ، ولم يقصد النداء.
(وإن كان اسمها طارقًا أو طالبًا فقال "يا طالق"، وقال: "أردت النداء فالتفَّ الحرف" .. صدق) ظاهرًا؛ لظهور القرينة.
(ولو خاطبها بطلاق هازلًا أو لاعبًا، أو هو يظنها أجنبية؛ بأن كانت في ظلمة، أو نكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم .. وقع) أما في الهزل -وهو قصد اللفظ دون المعنى- .. فلحديث: "ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: الطَّلَاقُ وَالنكاحُ وَالرَّجْعَةُ" حسَّنه الترمذي، وصححه الحاكم (1)، ولأنه قصد اللفظ مختارًا، ولكنه لم يرض بحكمه، وذلك لا ينفعه؛ كما لو قال:(أنت طالق طلاقًا لا يقع عليك)، وأما في الثانية .. فلوجود الخطاب في محله.
(ولو لفظ أعجمي به) أي: بالورق (بالعربية ولم يعرف معناه .. لم يقع) كما لو لُقِّنَ كلمة الكفر وهو لا يعرف معناها، فتكلم بها .. لا نحكم بكفره، قال المتولي: هذا إذا لم يكن مخالطًا لأهل ذلك اللسان، فإن خالطهم .. لم يقبل ظاهرًا، ويدين.
(وقيل: إن نوى معناه) عند أهله ( .. وقع) لأنه قصد لفظ الطلاق لمعناه، والأصحُّ: المنع؛ لأنه إذا لم يعرف معناه .. لا يصح قصده.
(ولا يقع طلاق مكره) بغير حق؛ لحديث: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ
(1) سنن الترمذي (1184)، المستدرك (2/ 198)، وأخرجه أبو داوود (2194) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فَإِنْ ظَهَرَ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ؛ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ فَوَحَّدَ، أَوْ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فَكَنَى أَوْ نَجَّزَ، أَوْ عَلَى (طَلَّقْتُ) فَسَرَّحَ، أَوْ بِالْعُكُوسِ .. وَقَعَ. وَشَرْطُ الإِكْرَاهِ: قُدْرَةُ الْمُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تغلُّبٍ، وَعَجْزُ الْمُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ وَغَيْرِهِ، وَظَنُّهُ أَنَّهُ إِنِ
===
ومَا اسْتكرِهُوا عَلَيْهِ" (1).
وحديث: "لَا طَلَاقَ فِي إِغْلَاقٍ" رواه أبو داوود، وصححه الحاكم على شرط مسلم (2).
وفسر الشافعي وأبو عبيد والخطابي وغيرهم الإغلاق: بالإكراه، ومنعوا أن يكون المراد: الغضب (3)، فإن أكثر الطلاق إنما يقع في حال الغضب، وممن أفتى بعدم وقوع طلاق المكره عمر وعلي وابن عباس وابن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، قال البيهقي:(ولا مخالف لهم من الصحابة)(4).
واستثني من عدم وقوع طلاق المكره: ما إذا نوى الإيقاع، فإنه يقع على الأصحِّ، وفيه نظر، فإن هذا ليس مكرهًا.
نعم؛ يستثنى: ما لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه، فإنه يقع على الأصحِّ؛ لأنه إذن وزيادة.
(فإن ظهر قرينة اختيار؛ بأن أكره على ثلاث فوحد، أو صريح أو تعليق فكنى أو نجز، أو على "طلقت" فسرح أو بالعكوس) أي: أكره على واحدة فثلَّث، أو على كناية فصرَّح، أو على التنجيز فعلَّق، أو على أن يقول:(سرحتها)، فقال:(طلقتها)( .. وقع) لأن مخالفته تشعر باختياره فيما أتى به.
(وشرط) حصول (الإكراه: قدرة المكره) بكسر الراء (على تحقيق ما هدد به بولاية أو تغلب، وعجز المكره) بفتح الراء (عن دفعه بهرب وغيره، وظنه أنه إن
(1) أخرجه الحاكم (2/ 59)، وابن حبان (142)، وأبو داوود (4398)، وابن ماجه (2041) عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
سنن أبي داوود (2193)، المستدرك (2/ 198)، وأخرجه ابن ماجه (2046) عن عائشة رضي الله عنها.
(3)
معالم السنن (3/ 242).
(4)
معرفة السنن والآثار (11/ 72).
امْتَنَعَ .. حَقَّقَهُ. وَيَحْصلُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إِتْلَافِ مَالٍ وَنَحْوِهَا، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ قَتْلٌ، وَقِيلَ: قَتْلٌ أَوْ قَطْع أَوْ ضرْبٌ مَخُوفٌ
===
امتنع .. حقَّقه) أي: فعل ما خوفه به؛ لأنه لا يتحقق العجز إلا بهذه الأمور الثلاثة.
وتعبيره بالظن يقتضي: أنه لا يشترط تحققه، وهو الأصحُّ.
وكان ينبغي أن يقول: قدرة المكره عاجلًا؛ ليخرج ما لو قال: (لأقتلنك غدًا)، فليس بإكراه، وألا يكون المهدد به مستحقًّا على المكره، فلو قال ولي القصاص للجاني:(طلقها، وإلا .. اقتصصت منك) .. لم يكن إكراهًا، ولا أثر لقوله:(طلق، وإلا .. قتلت نفسي).
نعم؛ لو كان القائل ذلك أصلًا أو فرعًا للمطلق، فينبغي ألا يقع؛ كما لو قال أجنبي:(طلق، وإلا .. قتلت أباك أو ابنك) .. فإنه لا يقع.
(ويحصل) الإكراه (بتخويف بضرب شديد أو حبس أو إتلاف مال ونحوها) كاستخفاف برجل وجيه وصفعه.
وأطلق الحبس، وهو مقيد بالطويل؛ كما نقله في "الشامل" عن النص، وكذا قيده في "الروضة" على الوجه الذي صححه (1)، وما صححه من كون إتلاف المال إكراهًا خالفه في "الروضة"، فصحح: أنه ليس بإكراه (2)، قال الأَذْرَعي وغيره: والصواب: ما في "الكتاب" فإنه المنصوص.
نعم؛ يختلف باختلاف الناس، فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم إكراهًا.
(وقيل: يشترط قتل) لأن ما دونه يدوم معه النظر والاختيار، (وقيل: قتل أو قطع أو ضرب مخوف) لإفضائهما إلى القتل، وما رجحه تبع فيه "المحرر" فإنه نسبه لاختيار الأكثرين (3)، ورجَّح في "زيادة الروضة" ما يؤثر العاقل ارتكابه؛ حذرًا مما هدد به (4)، قال: الزركشي: وهو في الحقيقة راجع لما صححه هنا وإن كان كلام
(1) روضة الطالبين (8/ 60).
(2)
روضة الطالبين (8/ 59).
(3)
المحرر (ص 329).
(4)
روضة الطالبين (8/ 59).
وَلَا تشتَرَطُ التَّوْرِيَةُ؛ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، وَقِيلَ: إِنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ .. وَقَعَ. وَمَنْ أَثِمَ بمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ .. نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَفِي قَوْلٍ: لَا، وَقِيلَ: عَلَيْهِ. وَلَوْ قَالَ: (رُبُعُكِ أَوْ بَعْضُكِ أَوْ جُزْؤُكِ أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُكِ أَوْ ظُفْرُكِ طَالِقٌ) .. وَقَعَ،
===
"الروضة" يفهم تغايرهما.
(ولا تشترط التورية؛ بأن ينوي غيرها) أي: بأن ينوي بقوله: (طلقت فاطمة) غير زوجته، أو يقول عقب اللفظ:(إن شاء الله) سرًّا؛ لأنه مجبر على اللفظ، ولا نية له تشعر باختياره، (وقيل: إن تركها بلا عذر .. وقع) لإشعاره بالاختيار، ولهذا يلزمه التورية إذا أكره على كلمة الكفر.
ونبه بقوله: (بلا عذر) إلى أنه لو تركها لعذر؛ كغباوة، أو دهشة .. فلا يقع قطعًا، كما قاله في "المحرر"(1).
(ومن أثم بمزيل عقله من شراب أو دواء .. نفذ طلاقه وتصرفه له وعليه قولًا وفعلًا على المذهب) لتعديه.
واحترز بقوله: (أثم) عما إذا لم يتعدَّ؛ كما لو أكره على شربها، أو شربَ دواءً يزيل العقل؛ لأجل التداوي، فإنه لا يقع طلاقه، ولا يصح تصرفه.
(وفي قول: لا) لاختلال نظره؛ كالمجنون، (وفيل: عليه) أي: ينفذ فيما عليه؛ كالطلاق، لا فيما له؛ كالنكاح؛ تغليظًا عليه.
ويرجع في حد السكر إلى العرف على الأقرب في "الشرح" و"الروضة"(2)، وعن الشافعي رضي الله عنه أنه الذي اختل كلامه المنظوم، وانكشف سره المكتوم.
(ولو قال: "ربعك أو بعضك، أو جزؤك، أو كبدك، أو شعرك، أو ظفرك طالق" .. وقع) بالإجماع، فيما عدا الشعر والظفر، وفي الشعر والظفر قول، وبالقياس على العتق، قال بعضهم: وفي القياس نظر؛ لأن العتق محبوب والطلاق مبغوض، ولأن العتق يقبل التجزئة، فصحت إضافته للبعض، بخلاف الطلاق.
(1) المحرر (ص 329).
(2)
الشرح الكبير (8/ 566)، روضة الطالبين (8/ 63).
وَكَذَا دَمُكِ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ، وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الأَصحِّ. وَلَو قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ:(يَمِينُكِ طَالِقٌ) .. لَمْ يَقَعْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: (أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ) وَنَوَى تَطْلِيقَهَا .. طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَنوِ طَلَاقًا .. فَلَا،
===
وإذا وقع فهل يقال: يقع على المذكور ثم يسري إلى الباقي، أو هو من باب التعبير بالبعض عن الكل؟ وجهان، قال الرافعي: يشبه أن يكون الأصحّ: الأول.
وتظهر فائدة الخلاف فيما لو قال: (إن دخلت الدار .. فيمينك طالق) فقطعت يمينها، ثم دخلت؛ إن قلنا: بالثاني .. طلقت، وإلا .. فلا (1).
(وكذا "دمك" على المذهب) لأن به قوام البدن؛ كالروح، والطريق الثاني: وجهان: أحدهما: كذلك، والثاني: المنع؛ كالفضلات.
(لا فضلة كريق وعرق) لأنها غير متصلة اتصال خلقة، فلا يلحقها حل ولا تحريم، وإنما البدن وعاء لها، والطلاق شرع لقطع الحل الثابت بالعقد، وقيل: يقع؛ كالدم.
(وكذا مني ولبن في الأصح) لأنهما مهيئان للخروج؛ كالفضلات، بخلاف الدم، والثاني: الوقوع؛ كالدم؛ لأنه أصل كل واحد منهما.
(ولو قال: لمقطوعة يمين: "يمينك طالق" .. لم يقع على المذهب) لأنا وإن جعلنا البعض عبارة عن الكل .. فلا بد من وجود المضاف إليه لتنتظم الإضافة، فإذا لم تكن .. لغت؛ كما لو قال لها:(لحيتكِ) أو (ذكركِ طالق)، والطريق الثاني: تخريجه على الخلاف؛ فإن جعلناه من باب التعبير بالبعض عن الكل .. وقع، أو من باب السراية .. فلا.
(ولو قال: "أنا منك طالق" ونوى تطليقها .. طلقت) لأن على الزوج حجرًا من جهتها؛ فإنه لا ينكح أختها ولا أربعًا سواها، وأنه يلزمه صونها ومؤنتها، فإضافته إليه حل لهذا الحجر.
(وإن لم ينو طلاقًا .. فلا) لأن اللفظ خرج عن الصراحة بإضافته إلى غير محله، فشرط فيه: ما يشترط في الكناية من قصد الإيقاع.
(1) الشرح الكبير (8/ 569، 571).