المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في وليمة العرس] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ النِّكاح

- ‌فصلٌ [في الخطبة]

- ‌فصلٌ [في أركان النكاح وغيرها]

- ‌فصلٌ [فيمن يعقد النكاح وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في موانع الولاية للنكاح]

- ‌فصلٌ [في الكفاءة]

- ‌فصلٌ [في تزويج المحجور عليه]

- ‌بابُ ما يحرُم من النِّكاح

- ‌فصلٌ [في نكاح من فيها رق وتوابعه]

- ‌فصلٌ [في حل نكاح الكافرة وتوابعه]

- ‌بابُ نكاح المشرك

- ‌فصلٌ [في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم على أكثر من مباحة]

- ‌فصلٌ [في مؤنة المسلمة أو المرتدة]

- ‌باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

- ‌فَصْلٌ [في الإعفاف]

- ‌فَصْلٌ [في نكاح الرقيق]

- ‌كتابُ الصَّدَاق

- ‌فَصْلٌ [في بيان أحكام الصداق المسمى الصحيح والفاسد]

- ‌فَصْلٌ [في التفويض]

- ‌فَصْلٌ [في بيان مهر المثل]

- ‌فَصْلٌ [في تشطير المهر وسقوطه]

- ‌فَصْلٌ [في المتعة]

- ‌فَصْلٌ [في الاختلاف في المهر والتحالف فيما سمي منه]

- ‌فَصْلٌ [في وليمة العرس]

- ‌كتابُ القسْمِ والنُّشُوز

- ‌فصلٌ [في بعض أحكام النشوز وسوابقه ولواحقه]

- ‌كتابُ الخُلْع

- ‌فصلٌ [في الصيغة وما يتعلق بها]

- ‌فصلٌ [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الخلع أو في عوضه]

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌فَصْلٌ [في تفويض الطلاق إليها]

- ‌فَصْلٌ [في بعض شروط الصيغة والمطلق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان محل الطلاق والولاية عليه]

- ‌فَصْلٌ [في تعدد الطلاق بنية العدد فيه أو ذكره وما يتعلق بذلك]

- ‌فَصْلٌ [في الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الشك في الطلاق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان الطلاق السني والبدعي]

- ‌فَصْلٌ [في تعليق الطلاق بالأزمنة ونحوها]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في الإشارة إلى العدد وأنواع من التعليق]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع أخرى من التعليق]

- ‌كتابُ الرَّجْعَة

- ‌كتابُ الإِيلاء

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وما يتفرع عليها]

- ‌كتابُ الظِّهار

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الظهار من وجوب كفارة وغير ذلك]

- ‌كتابُ الكفّارة

- ‌كتابُ اللّعان

- ‌فصلٌ [في قذف الزوج خاصة]

- ‌فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

- ‌فصلٌ [في المقصود الأصلي من اللعان]

- ‌كتاب العِددَ

- ‌فصلٌ [في العدة بوضع الحمل]

- ‌فصلٌ [في تداخل العدتين]

- ‌فصلٌ [في حكم معاشرة المفارق للمعتدة]

- ‌فصلٌ [في الضرب الثاني من ضربي عدة النكاح]

- ‌فصلٌ [في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها]

- ‌بابُ الاسْتِبْرَاء

- ‌كتابُ الرَّضاع

- ‌فَصْلٌ [في حكم الرضاع الطارئ على النكاح تحريمًا وغرمًا]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار والشهادة بالرضاع والاختلاف فيه]

- ‌كتابُ النَّفقات

- ‌فَصْلٌ [في موجب المؤن ومسقطاتها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الإعسار بمؤن الزوجة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤن الأقارب]

- ‌فَصْلٌ [في الحضانة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤنة المماليك وتوابعها]

الفصل: ‌فصل [في وليمة العرس]

فَإِنْ قَالَ: (لَمْ أَطَأْ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا). . صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَسَقَطَ الشَّطْرُ، وَإِنْ قَالَ:(كَانَ الثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظٍ لَا عَقْدًا). . لَمْ يُقْبَلْ.

‌فَصْلٌ [في وليمة العرس]

وَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ: وَاجِبَةٌ.

===

(فإن قال: "لم أطأ فيهما أو في أحدهما". . صدق بيمينه) لأن الأصل: عدم الوطء، (وسقط الشطر) في النكاحين أو أحدهما؛ لأنه فائدة تصديقه.

وصورة المسألة: إذا ادعى عدم الوطء في الثاني. . أن يدعي الطلاق، وإلا. . فمجرد دعوى عدم الوطء لا يسقط الشطر في الثاني، وإنما يسقطه في الأول.

(وإن قال: "كان الثاني تجديدَ لفظٍ لا عقدًا". . لم يقبل) لمخالفته الظاهر، وله تحليفها على نفي ما ادعاه على الأصحِّ؛ لإمكانه.

* * *

(فصل: وليمة العرس سنة) لثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا (1)، وسائر الولائم كذلك، وقد جمع بعضهم أسماء الضيافة في أبيات فقال:[من البسيط]

وَلِلضِّيَافَةِ أَسْمَاءٌ ثَمَانِيَةٌ

وَلِيمَةُ الْعُرْسِ ثُمَّ الْخُرْسُ لِلْوَلدِ

كَذَا الْعَقِيْقَةُ لِلْمَوْلُوْدِ سَابِعَهُ

ثُمَّ الْوَكِيرَةُ لِلْبُنْيَانِ إِنْ تَجِدِ

ثُمَّ الْنَّقِيعَةُ عِنْدَ الْعَوْدِ مِنْ سَفَرٍ

وَفِي الْخِتَانِ هُوَ الإِعْذَارُ فَاجْتَهِدِ

وَضِيمَةٌ لِمُصَابٍ ثُمَّ مَأْدُبَةٌ

مِنْ غَيْرِ مَا سَبَبٍ جَاءَتْكَ لِلْعَدَدِ

وَالشُّنْدَخِيُّ لإِمْلَاكٍ فَقَدْ كَمُلَتْ

تِسْعًا وَقُلْ لِلَّذِي يَدْرِيهِ فَاعْتَمِدِ

وقوله: (قل للذي يدريه) يعني: الشندخي، وأهمل الناظم عاشرًا، وهو الحذاق بكسر الحاء المهملة: ما يتخذ عند حذاق الصبي بالقرآن، أو عند ختمه له.

(وفي قول أو وجه: واجبة) عينًا، لقوله عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف:

(1) أما الفعل. . فأخرجه أبو داوود (3744)، والترمذي (1095)، والنسائي في "الكبرى"(6566)، وابن ماجه (1909) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وأما القول. . فحديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه الآتي.

ص: 170

وَالإِجَابَةُ إِلَيْهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَقِيلَ: كِفَايَةٍ، وَقِيلَ: سُنَّةٌ

===

"أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ" متفق عليه (1)، وحمله الأول على الندب؛ لحديث:"لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ"(2)، وقيل: فرض كفاية إذا أظهرها الواحد في عشيرته وقبيلته ظهورًا منتشرًا .. سقط فرضها عمن سواه، حكاه الماوردي (3).

ولم يتعرضوا لوقت الوليمة هل هو قبل البناء أو بعده؟ قال السبكي: والمنقول عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول، وبسط ذلك، وقال الأَذْرَعي: الأقرب: الرجوع في ذلك إلى العرف.

قال السبكي: وأقل المستحب في الوليمة: شاة؛ للحديث: "أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ"(4)، وقول "الروضة" و"أصلها": أقل الوليمة للمتمكن شاة، فإن لم يتمكن .. فما قدر عليه يقتضيه (5)، أي: أقل المستحب للمتمكن شاة.

(والإجابة إليها فرض عين) لحديث: "شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلَائِمِ؛ يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ .. فَقَدْ عَصَى الله وَرَسُولَهُ" رواه مسلم (6).

وحكى ابن عبد البر الإجماع عليه (7).

(وقيل: كفاية) لأن المقصود إظهار الحال، والتمييز عن السفاح، وهو حاصل بحضور البعض، (وقيل: سنة) لأنه تمليك مال فلم يجب كغيره، والخبر محمول على تأكد الاستحباب.

ويستثنى: القاضي، فلا تلزمه الإجابة على الصحيح، بل قال الروياني: الأولى في زماننا: ألا يجيب أحدًا؛ لخبث الزمان.

وقضية قوله: (إليها) عدم وجوب الإجابة إلى غيرها من الولائم، وهو

(1) صحيح البخاري (5167)، صحيح مسلم (1427/ 79).

(2)

أخرجه ابن ماجه (1789)، والبيهقي (4/ 84) عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها.

(3)

الحاوي الكبير (12/ 192).

(4)

صحيح البخاري (5167)، صحيح مسلم (1427/ 79) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

(5)

الشرح الكبير (8/ 347)، روضة الطالبين (7/ 333).

(6)

صحيح مسلم (1432/ 107)، وهو عند البخاري برقم (5177) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

الاستذكار (16/ 353).

ص: 171

وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوْ تُسَنُّ بِشَرْطِ: أَلَّا يَخُصَّ الَأغْنِيَاءَ. وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً .. لَمْ تَجِبْ فِي الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ. وَأَلَّا يُحْضِرَهُ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ. وَأَلَّا يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ أَوْ لَا تَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ وَلَا مُنْكَرٌ، فَإِنْ كَانَ يَزُولُ بِحُضُورِهِ .. فَلْيَحْضُرْ

===

الصحيح، بل هي مستحبة، وقيل: بطرد الخلاف.

(وإنما تجب) الإجابة (أو تسن بشرط: ألا يخص الأغنياء) للحديث السالف، هذا إذا خصهم لغناهم، أما إذا كانوا من أهل حرفته، كالفقيه يخص الفقهاء وهم أغنياء .. فلا بأس؛ لأن له غرضًا فيه، قاله القاضي وغيره.

(وأن يدعوه في اليوم الأول، فإن أولم ثلاثة .. لم تجب في الثاني) بل تستحب، (وتكره في الثالث) لحديث:" الْوَلِيمَةُ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ حَقٌّ، وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَفِي الثَّالِثِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ" رواه الأربعة (1).

(وألا يحضره لخوف أو طمع في جاهه) بل يكون حضوره لمجرد التقرب، والتودد المطلوب من المسلمين عمومًا.

(وألا يكون ثم من يتأذى به أو لا تليق به مجالسته) كالأراذل؛ لما فيه من الضرر في الأولى، والغضاضة في الثانية، (ولا منكر) كالخمر، والملاهي المحرمة؛ لحديث:"مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ .. فَلَا يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ" رواه الترمذي، وقال: حسن غريب، وصححه الحاكم، وقال: إنه على شرط مسلم (2).

وشمل إطلاق المنكر: ما لو كان هناك داعية إلى بدعة ولا يقدر المدعو على رده، وما إذا كان هناك من يضحك بالفحش والكذب، وبه صرح في "الإحياء"(3).

(فإن كان يزول بحضوره .. فليحضر) لأن فيه تحصيل فرضين؛ فرض الإجابة

(1) سنن أبي داوود (3745)، سنن الترمذي (1097)، سنن النسائي الكبرى (6561)، سنن ابن ماجه (1915).

(2)

سنن الترمذي (2801)، المستدرك (4/ 288) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(3)

إحياء علوم الدين (2/ 341).

ص: 172

وَمِنَ الْمُنْكَرِ: فِرَاشُ حَرِيرٍ وَصُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ سِتْرٍ أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ،

===

وإزالة المنكر، فإن علم أنه إن حضر .. لم يزل بحضوره .. حرم حضوره على الصحيح؛ لأنه كالرضا بالمنكر والتقرير عليه.

وأهمل المصنف شروطًا أخر لوجوب الإجابة أو استحبابها؛ أحدها: أن يخصه بالدعوة، فإن فتح بابه وقال ليحضر من أراد .. لم تجب، ثانيها: أن يدعوه مسلم، ثالثها: كون طعام الداعي حلالًا، رابعها: ألا يكون الداعي امراة أجنبية، إلا إذا لم تقع خلوة محرمة، خامسها: ألا يكون له عذر مرخص في ترك حضور الجماعة، قاله في "البيان"(1)، سادسها: ألا يعتذر إلى الداعي ويرضى بتخلفه، فإن رضي .. زال الوجوب، قال في "الروضة": وارتفعت كراهة التخلف (2)، ولو غلب على ظنه أن الداعي لا يتألم بانقطاعه .. ففيه تردد حكاه في "الذخائر"، وظاهر الحديث: يقتضي المنع، سابعها: ألا يكون الداعي فاسقًا أو شريرًا أو طالبًا للمباهاة والفخر، قاله في "الإحياء"(3)، ثامنها: ألا يسبق الداعي غيره، فإن دعاه اثنان .. أجاب الأسبق، فإن جاءا معًا .. أجاب الأقرب رحمًا ثم دارًا، تاسعها: إطلاق تصرف الداعي، عاشرها: أن يكون المدعو حرًّا، فإن عاد عبدًا .. لزمه إن أذن سيده.

(ومن المنكر: فراش حرير) لحرمته؛ كما مر به في بابه، والتقييد بالافتراش: يخرج ستر الجدران به مع كونه حرامًا.

وكان ينبغي أن يقول: فرش حرير؛ لأن المحرم الفَرْشُ الذي هو المصدر لا الفراش نفسه، فقد يكون مطويًّا فلا إنكار فيه، ويلتحق بفرش الحرير: افتراش جلود النمور فإنها حرام؛ كما قاله الحليمي وابن المنذر وغيرهما.

(وصورة حيوان على سقف أو جدار أو وسادة أو ستر أو ثوب ملبوس) لحديث النمرقة وغيره من الأحاديث الصحيحة (4)، ولأنها شبيهة بالأصنام.

(1) البيان (9/ 484).

(2)

روضة الطالبين (7/ 334).

(3)

إحياء علوم الدين (2/ 14).

(4)

أخرجه البخاري (5957)، ومسلم (2107) عن عائشة رضي الله عنها.

ص: 173

وَيَجُوزُ مَا عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطٍ وَمِخَدَّةٍ، وَمَقْطُوعُ الرَّأْسِ، وَصُوَرُ شَجَرٍ، وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ. وَلَا تسقُطُ إِجَابَةٌ بِصَوْمٍ،

===

(ويجوز ما على أرض وبساط ومخدة ومقطوع الرأس) لأن ما يوطأ ويطرح مهانٌ مبتذلٌ.

وتعبيره أولًا بالوسادة، وثانيًا بالمخدة يقتضي تغايرهما، وليس كذلك بل هما لفظان مترادفان، وجمع بين كلاميه على سبيل العناية: بأن المراد بالجواز في المخدة الصغيرة التي يتكأ عليها، وبالمنع في الوسادة الكبيرة المنصوبة؛ كما عبر به في "الروضة"(1).

(وصور شجر) وكل ما لا روح له؛ لما في "الصحيحين" عن ابن عباس أنه قال لمصور قال له: لا أعرف صنعةً غيرها: (إن لم يكن بد .. فصوِّر الأشجار، وما لا نفس له)(2) ولأنها تشابه النقوش، وهي غير ممنوعة.

(ويحرم تصوير حيوان) لحديث: " أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ"(3)، ولا فرق في تحريم التصوير بين تصوريها على الحيطان أو الأرض أو نسج الثياب على الأصحِّ في "زيادة الروضة"(4).

(ولا تسقط إجابة بصوم) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ .. فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا .. فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا .. فَلْيُصَلِّ" رواه مسلم (5).

والمراد بالصلاة: الدعاء؛ كما ورد في رواية: أن النبي دعا له بالبركة (6)، وظاهر الحديث: وجوب الاكل للمفطر، وهو ما صححه المصنف في (كتاب الصيام) من "شرح مسلم"، واختاره في "التصحيح"(7)، لكن الأصحّ في "الروضة"

(1) روضة الطالبين (7/ 335).

(2)

صحيح البخاري (2225)، صحيح مسلم (2110/ 100).

(3)

أخرجه البخاري (6109)، ومسلم (2109) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

(4)

روضة الطالبين (7/ 335).

(5)

صحيح مسلم (1431) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

أخرجها ابن السني في "عمل اليوم والليلة"(489)، وفي (ز) و (و):(في رواية ابن السني).

(7)

شرح صحيح مسلم (8/ 28)، تصحيح التنبيه (2/ 44).

ص: 174

فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ .. فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ. وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إِلَّا بِأَكْلٍ،

===

و"أصلها" و"شرح مسلم" هنا: أنه لا يجب، بل يستحب، ويسقط الوجوب بلقمة (1).

(فإن شق على الداعي صوم نفل .. فالفطر أفضل) لإمكان تدارك الصوم، ويندب: أن ينوي بالفطر إدخال السرور على قلبه، وإذا لم يشق عليه .. فالإتمام أفضل.

وخرج بالنفل: صوم الفرض؛ فيحرم الفطر إن تضيق، وكذا إن لم يتضيق على المذهب.

(ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ) سواء دعاه أم لا بشرط ألا يكون منتظرًا غيره؛ اكتفاءً بالقرينة، فإن انتظر غيره .. فلا بد من حضوره أو الإذن لفظًا.

(ولا يتصرف فيه إلا بأكل) لأنه المأذون فيه عرفًا، فلا يطعم سائلًا ولا هرةً ولا يبيعه ولا يهبه.

نعم؛ يجوز تلقيم الأضياف بعضهم بعضًا إلا إذا فاوت بينهم في الطعام .. فليس للذين خصوا بنوع أن يطعموا منه غيرهم.

وظاهر كلامه: أنه لا يملكه، بل هو إتلاف بالإذن، وهو ما صححه في (كتاب الأيمان)، وصححه الرافعي في (كتاب الهبة) أيضًا (2)، لكن نقلا هنا عن الأكثرين التمليك (3)، وهل يملك بالوضع بين يديه أو بالأخذ، أو بالوضع في الفم، أو بالازدراد يتبين حصوله قبله؛ أوجه؛ قالا في "الروضة" و"أصلها": وضعف المتولي ما سوى الوجه الأخير (4)، وقال في "الشرح الصغير": رجح الأول؛ يعني: بالوضع بين يديه، واعترضه الأَذْرَعي، وقال: إنه أضعف الأوجه، بل هو

(1) روضة الطالبين (7/ 337)، الشرح الكبير (8/ 351)، شرح صحيح مسلم (9/ 236).

(2)

روضة الطالبين (11/ 50)، الشرح الكبير (6/ 308).

(3)

الشرح الكبير (8/ 352)، روضة الطالبين (7/ 338).

(4)

الشرح الكبير (8/ 352)، روضة الطالبين (7/ 339).

ص: 175

وَلَهُ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَاهُ بِهِ. وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ فِي الإِمْلَاكِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الأَصَحِّ، وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ، وَتَرْكُهُ أَوْلَى.

===

غلط، ووقع في "المهمات" و"شرح ابن الملقن" و"النكت": أنه رجَّح في "الشرح الصغير" الملك بالوضع في الفم (1)، وهو سهوٌ، وعبارة "الشرح الصغير": ثم قيل: يملك بالوضع بين يديه، وقيل: بالأخذ، وقيل: بالوضع في الفم، وقيل: بالازدراد يتبين حصول الملك قبله رجح منها الأول. انتهى.

وحيث قلنا: بأنه يملك؛ فالمراد به: أنه ملك أن ينتفع بنفسه؛ كالعارية لا أنه ملك العين؛ كما توهمه بعضهم.

(وله أخذ ما يعلم رضاه به) لأن مدار الضيافة على طيب النفس؛ فإذا تحقق ولو بالقرينة .. رتب عليه مقتضاه، ويختلف ذلك بقدر المأخوذ وجنسه، وبحال المضيف، وبالدعوة، فإن شك في وقوعه في محل المسامحة .. فالصحيح: التحريم.

(ويحل نثر سُكَّر) وهو رميه مفرقًا (وغيره) كلوز ونحوه، وكذا الدراهم والدنانير؛ كما حكياه عن المسعودي وأقراه (2)(في الإملاك، ولا يكره في الأصح) لأنه نُثرَ ذلك بين يديه صلى الله عليه وسلم فأمسك أصحابه، وقالوا: نهيتنا عن النُّهْبى، فقال:"إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ نُهْبَى الْعَسَاكِرِ، خُذُوا عَلَى اسْمِ اللهِ" فجاذبنا وجاذبناه، رواه البيهقي بإسناد منقطع (3)، والثاني: يكره؛ لما في الصحيح من النهي عن النُّهْبَى (4)، والحديث السابق لم يثبت، قال الأَذْرَعي: وهذا نص عليه الشافعي، وأطبق عليه جماهير الأصحاب، وقيل: إنه مستحب.

(ويَحِلُّ التقاطه) لأن مالكه إنما طرحه لمن يأخذه (وتركه أولى) لأنه دناءة إلا إذا علم أن الناثر .. لم يؤثر بعضهم على بعض، ولم يقدح الالتقاط في مروءته، قال ابن

(1) المهمات (7/ 231)، عجالة المحتاج (3/ 1315 - 1316)، السراج (6/ 205).

(2)

الشرح الكبير (8/ 357)، روضة الطالبين (7/ 343).

(3)

سنن البيهقي (7/ 288) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه البخاري (2474) عن عبد الله بن يزيد الأنصاري رضي الله عنه.

ص: 176

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

داوود: والأولى: أن يقسم النثار على الحاضرين، ويكره أخذه من الهواء بالمُلَاءةِ والأُزُرِ قطعًا، ومن أخذ منه شيئًا .. ملكه بالأخذ على الأصحِّ في "زيادة الروضة" كسائر المباحات، قال: ولو التقط منه صبي .. ملكه، أو عبد .. ملكه سيده، والختان في هذا كالإملاك (1).

* * *

(1) روضة الطالبين (7/ 343).

ص: 177