الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّالِثَةُ، وَتَنْفَسِخُ الثَّانِيَةُ بِإِرْضَاعِ الثَّالِثَةِ، وَفِي قَوْلٍ: لَا تَنْفَسِخُ، ويَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَنْ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبيَّةٌ مُرَتَّبًا: أَتَنْفَسخَانِ أَمِ الثَّانِيَةُ؟
فَصْلٌ [في الإقرار والشهادة بالرضاع والاختلاف فيه]
قَالَ: (هِنْدٌ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ)، أَوْ قَالَتْ:(هُوَ أَخِي) .. حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا.
===
إرضاعها؛ إذ لا موجب له، (و) ينفسخ نكاح (الثالثة) لصيرورتها أختًا للثانية الباقية في نكاحه.
(وتنفسخ الثانية بإرضاع الثالثة) لأنهما صارتا أختين معًا؛ فأشبه ما لو أرضعتهما معًا، (وفي قول: لا تنفسخ) نكاح الثانية، بل يختص الانفساخ بالثالثة؛ لأن الجمع تمَّ بإرضاعها، فاختص الفساد بها، كما لو نكح أختًا على أخت يختص نكاح الثانية بالفساد، وهذا القول ينسب إلى الجديد، والأول إلى القديم.
قال الشيخان: لكنه الذي عليه عامة الأصحاب؛ فعلى هذا: المسألة مما رجح فيها القديم. انتهى (1)، قال في "المطلب": وقد نصَّ في "الأم" على القولين معًا.
(ويجري القولان فيمن تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية مرتبًا: أتنفسخان أم الثانية؟ ) وقضية ذلك: ترجيح انفساخ النكاحين، ولا خلاف في تحريم المرضعة على التأبيد؛ لأنها صارت أم زوجته.
واحترز بقوله: (مرتبًا) عما إذا أرضعتهما معًا .. فإنه ينفسخ نكاحهما قطعًا؛ لأنهما صارتا أختين معًا.
* * *
(فصل: قال: ) رجل ("هند بنتي أو أختي برضاع"، أو قالت) امرأة: ("هو أخي") أو ابني من رضاع ( .. حرم تناكحهما) مؤاخذة للمقر بإقراره.
هذا بشرط الإمكان؛ فإن لم يمكن؛ بأن قال: (فلانة بنتي)، وهي أكبر سنًّا
(1) الشرح الكبير (9/ 592)، روضة الطالبين (9/ 28).
وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ: (بَيْنَنَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ) .. فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَسَقَطَ الْمُسَمَّى، وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ وَطِئَ. وَإِنِ ادَّعَى رَضَاعًا فَأَنْكَرَتِ .. انْفَسَخَ وَلَهَا الْمُسَمَّى إِنْ وطِئَ، وَإِلَّا .. فَنِصْفُهُ، وَإِنِ أدَّعَتْهُ فَأَنْكَرَ .. صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إِنْ زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا، وَإِلَّا .. فالأَصَحُّ: تَصْدِيقُهَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلٍ إِنْ وَطِئَ، وَإِلَّا .. فَلَا شَيْءَ. وَيُحَلَّفُ مِنْكِرُ رَضَاعٍ عَلَى نفْيِ عِلْمِهِ، وَمُدَّعِيهِ عَلَى بَتٍّ
===
منه .. فهو لغو؛ كما ذكره في (باب الإقرار)(1).
(ولو قال زوجان: "بيننا رضاع محرم" .. فرق بينهما) عملًا بقولهما (وسقط المسمَّى) إذ لم يصادف محلًّا، (ووجب مهر مثل إن وطى) لئلا يخلو الوطء عنه.
(وإن ادعى رضاعًا) محرمًا (فأنكرت .. انفسخ) عملًا باعترافه (ولها المُسمَّى إن وطئ) لاستقراره بالدخول، (وإلا) أي: وإن لم يطأ ( .. فنصفه) لورود الفرقة منه.
(وإن ادعته فأنكر .. صدق بيمينه إن زوجت برضاها) ممن عرفته بعينه، لتضمن رضاها به الإقرار بحلها له، فلا يقبل منها نقيضه، (وإلا) أي: وإن زوجت بغير رضاها أو أذنت مطلقًا، ولم تعين الزوج ( .. فالأصح: تصديقها) لاحتمال ما تدعيه، ولم يسبق منها ما يناقضه.
والثاني: يصدق الزوج، لاستدامة النكاح الجاري على الصحة ظاهرًا.
ومحل الأول: ما إذا لم تمكن من وطئها مختارة؛ فإن مكنته لم يقبل قولها.
(ولها مهر مثل إن وطئ) وهي جاهلة بالرضاع ثم علمت وادَّعت؛ لاستقراره وليس لها المُسمَّى؛ لأنها لا تستحقه بزعمها، (وإلا) أي: وإن لم يكن وطئ ( .. فلا شيء) لتبين فساده.
(ويحلَّف منكر رضاع على نفي علمه) لنفيه فعل الغير (ومدعيه على بت) لأنه حلف على إثبات فعل الغير.
(1) منهاج الطالبين (ص 285).
وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتينِ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ. وَالإِقْرَارُ بِهِ شَرْطُهُ رَجُلَانِ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ إِنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً، وَلَا ذَكَرَتْ فِعْلَهَا، وَكَذَا إِنْ ذَكَرَتْهُ فَقَالَتْ:(أَرْضَعْتُهُ) فِي الأَصَحِّ
===
(ويثبت) الرضاع (بشهادة رجلين) كسائر الحقوق (أو رجل وامرأتين، وبأربع نسوة) لأنه مما تختص النساء بالاطلاع عليه غالبًا، فأشبه الولادة، ولا يثبت بما دون أربع نسوة؛ فإن كلَّ امرأتين بمثابة رجل، وقد كرر المصنف المسألة في (الشهادات)(1).
قال في "التتمة": ومحل قبول شهادتهن: إذا كان النزاع في الارتضاع من الثدي.
أما إذا كان في الشرب، أو الإيجار من ظرف .. فلا تقبل فيه شهادة النساء المتمحضات؛ لأنه لا اختصاص لهن بالاطلاع.
نعم؛ تقبل شهادتهن على أن اللبن الحاصل في الظرف لبن فلانة؛ لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبًا، وأقره الشيخان (2).
(والإقرار به شرطه: رجلان) لاطلاع الرجال عليه غالبًا.
(وتقبل شهادة المرضعة إن لم تطلب أجرة) لأنها لا تجر بهذه الشهادة نفعًا، ولا تدفع ضررًا، فإن طلبت الأجرة .. لم تقبل؛ لأنها متهمة، (ولا ذكرت فعلها) بل شهدت بأخوة الرضاع بينهما.
ولا نظر إلى ما يتعلق به من ثبوت المحرمية، وجواز الخلوة والمسافرة؛ فإن الشهادة لا تردُّ بمثل هذه الأغراض، الا ترى أنه لو شهد أن فلانًا طلَّق زوجته، أو أعتق أمته .. تقبل وإن استفاد حل المناكحة.
(وكذا إن ذكرته، فقالت: "أرضعته" في الأصح) لِمَا تقدم من أنها لا تجرُّ لها نفعًا، ولا تدفع عنها ضررًا، وفعلها غير مقصود بالإثبات بل الاعتبار بوصول اللبن إلى الجوف، والثاني: المنع؛ كما لو شهدت على ولادتها.
(1) منهاج الطالبين (ص 570).
(2)
الشرح الكبير (9/ 600)، روضة الطالبين (9/ 36).
وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي (بَيْنَهُمَا رَضَاع مُحَرِّمٌ)، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ وَقْتٍ وَعَدَدٍ، وَوُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بمُشَاهَدَةِ حَلَبٍ وَإِيجَارٍ وَازْدِرَادٍ، أَوْ قَرَائِنَ؛ كَالْتِقَامِ ثَدْيٍ وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَبُونٌ.
===
وفرق الأول: بأن الولادة يتعلق بها حقُّ النفقة والإرث، وسقوط القصاص وغيرها فلم تقبل؛ للتهمة، بخلاف الرضاع.
(والأصح: أنه لا يكفي "بينهما رضاع محرم"، بل يجب ذكر وقت وعدد) كخمس رضعات بعد التسع قبل الحولين؛ لاختلاف المذاهب في شروط الرضاع، والأصل: عدم الحرمة؛ فاشترط التفصيل ليعمل القاضي باجتهاده.
والثاني: يكفي الإطلاق.
قال الرافعي: ويحسن أن يتوسط، فيقبل إطلاق الفقيه الموثوق بمعرفته دون غيره، وينزل الكلامان عليه، أو يُخصّ الخلاف بما إذا لم يكن المطلق فقيهًا، وقد سبق مثله في الإخبار عن نجاسة الماء وغيره، والمانعون من قبول المطلقة ذكروا وجهين في قبولط الشهادة المطلقة على الإقرار بالرضاع (1).
وفي "الشرح" و"الروضة" عن "البحر" وغيره، أنه لو قال:(هي أختي من الرضاع) .. لا يفتقر إلى ذكر الشروط إن كان فقيهًا، وإلا .. فوجهان.
وفرقوا بين الشهادة والإقرار: بأن المقر يحتاط لنفسه، فلا يقر إلا عن تحقيق (2).
(ووصول اللبن جوفه) في كلِّ رضعة؛ كما يشترط ذكر الإيلاج في شهادة الزنا، وقيل: لا يجب؛ لأنه لا يشاهد.
(ويعرف ذلك) أي: وصولط اللبن إلى جوفه (بمشاهدة حلب) بفتح اللام (وإيجار وازدراد، أو قرائن؛ كالتقام ثدي ومصه وحركة حلقه بتجرع وازدراد بعد علمه أنها لبون) أي: ذات لبن عند الإرضاع؛ لأن مشاهدة القرائن قد تفيد اليقين،
(1) الشرح الكبير (9/ 602 - 603).
(2)
الشرح الكبير (10/ 603)، روضة الطالبين (9/ 38).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وبتقدير ألا تفيده فتفيد الظنَّ القويَّ، وذلك تسلُّط على الشهادة.
وأفهم: أنه إذا لم يعلم أنها ذات لبن لا تحل له الشهادة، وهو الأصحُّ؛ لأن الأصل أن لا لبن لها، ووجه مقابلة: الأخذ بظاهر الحال.
* * *