الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي قَوْلٍ: كُلُّ النِّسَاءِ. قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
فصلٌ [في العدة بوضع الحمل]
عِدَّةُ الْحَامِل بِوَضْعِهِ بِشَرْطِ نِسْبَتِهِ إِلَى ذِي الْعِدَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ، وَانْفِصَالِ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْءَمَيْنِ،
===
(وفي قول: كل النساء) للاحتياط وطلب اليقين، قال الإمام: ولا يمكن طوف العالم والتفحص عن سكان الأقاليم، وإنما المراد: ما يبلغنا خبره ويعرف (1)، (قلت: ذا القول أظهر، والله أعلم)، وهذا ما رجحه في "أصل الروضة"؛ لقول الرافعي: إن إيراد الأكثرين يقتضي ترجيحه (2).
فعلى هذا: هل ينظر إلى نساء زمانها أو النساء مطلقًا في جميع الأعصار؟ قال الأَذْرَعي: إيراد القاضي والفوراني والمتولي والإمام والغزالي: يقتضي الأول، وكلام كثيرين أو الأكثرين: يقتضي الثاني.
وفي أقصى سن اليأس أوجه: أصحها: اثنان وستون سنة.
* * *
(فصل: عدة الحامل بوضعه) لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ، (بشرط نسبته إلى ذي العدة) زوجًا كان أو غيره (ولو احتمالًا؛ كمنفي بلعان)، فإذا لاعن الحامل ونفى الحمل ثم وضعته .. انقضت عدتها به وإن كان غير لاحق به؛ لأن نفيه عنه ليس بقطعي؛ لجواز كذبه وصدقها، ولهذا لو استلحقه .. لحقه.
فإن لم يمكن كونه منه؛ كما إذا مات صبي لا يتصور منه الإنزال عن زوجة حامل .. فعدتها بالأشهر؛ كما سيأتي؛ فإن الولد غير لاحق به، وكذا الممسوح ومن وضعته لدون ستة أشهر من العقد.
(وانفصالِ كله حتى ثاني توءمين) لظاهر الآية المذكورة.
(1) نهاية المطلب (15/ 165).
(2)
روضة الطالبين (8/ 372)، الشرح الكبير (9/ 441 - 442).
وَمَتَى تَخَلَّلَ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .. فَتَوْءَمَانِ. وَتنقَضِي بمَيْتٍ لَا عَلَقَةٍ، وَبِمُضغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدَميٍّ خَفِيَّة أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صُورَةٌ وَقُلْنَ: هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ .. انْقَضتْ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَلَوْ ظَهَرَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ حَمْل لِلزَّوْجِ .. اعْتَدَّتْ بوَضْعِهِ. وَلَوِ ارْتَابَتْ فِيهَا .. لَمْ تنكِحْ حَتَّى تزولَ الرِّيبَةُ، أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ نِكَاحٍ اسْتَمَرَّ إِلَّا أَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّهِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِهِ، أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ نِكَاحٍ .. فَلْتَصْبِرْ لِتَزُولَ الرِّيبَةُ،
===
(ومتى تخلل دون ستة أشهر .. فتوءمان) لأن الستة أقل مدة الحمل، فإن تخلل بينهما ستة أشهر فأكثر .. كانا حملين.
(وتنقضي بميت) لإطلاق الآية، (لا علقة) لأنها لا تسمَّى حملًا.
(و) تنقضي (بمضغة فيها صورة آدمي خفية أخبر بها القوابل) لوجود اسم الولد، (فإن لم تكن صورة) خفية (وقلن) أي: القوابل (هي أصل آدمي)، ولو بقي .. لتخلقت ( .. انقضت على المذهب) لأن براءة الرحم تحصل برؤية الدم، فهذا أولى، هذا هو المنصوص هنا، ونصّ على أنه لا تجب به الغرة، ولا يثبت به الاستيلاد (1)، فقيل: قولان في الجميع، وقيل: بتقرير النصين.
والفرق: أن العدة تتعلق ببراءة الرحم وقد حصلت، والأصل براءة الذمة من الغرة، وأمومة الولد إنما ثبتت؛ تبعًا للولد، وهذا لا يُسمَّى ولدًا.
(ولو ظهر في عدة أقراء أو أشهر حمل للزوج .. اعتدت بوضعه) لأنه يدل على البراءة قطعًا، بخلافهما.
(ولو ارتابت فيها) أي: في العدة؛ لثقل وحركة تجدها ولم يظهر الحمل بأمارة ( .. لم تنكح) بعد الأقراء والأشهر (حتى تزول الريبة) بمرور زمان يزعم النساء أنها لا تلد فيه أو غير ذلك؛ لأن العدة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلا بيقين.
(أو بعدها) أي: بعد تمام الأقراء والأشهر (وبعد نكاح استمر) النكاح؛ لحكمنا بانقضاء العدة ظاهرًا وثبوت حق الزوج الثاني، (إلا أن تلد لدون ستة أشهر من عقده) فإنه يحكم ببطلانه؛ لتحقق كونها حاملًا يوم العقد، (أو بعدها قبل نكاح .. فلتصبر لتزول الريبة) للاحتياط.
(1) الأم (6/ 560).
فَإِنْ نَكَحَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: عَدَمُ إِبْطَالِهِ فِي الْحَالِ، فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيهِ .. أَبْطَلْنَاهُ. وَلَوْ أَبَانَهَا فَوَلَدَتْ لِأرْبَعِ سِنِينَ .. لَحِقَهُ، أَوْ لِأكْثَرَ .. فَلَا، وَلَوْ طَلَّقَ رَجْعِيًّا .. حُسِبَتِ الْمُدَّةُ مِنَ الطَّلَاقِ، وَفِي قَوْلٍ: مِنَ انْصِرَامِ الْعِدَّةِ
===
(فإن نكحت .. فالمذهب: عدم إبطاله في الحال) لما سبق في الاستمرار.
(فإن عُلِم مقتضيه) أي: مقتضي البطلان ( .. أبطلناه) لتبين فساده، هذا أصح الطرق، والطريق الثاني: القطع بالبطلان مع الريبة؛ لأنها لا تدري هل هي حلال للأزواج أم لا، والثالث: قولان؛ كمن باع مال أبيه ظانًّا حياته فبان موته.
(ولو أبانها) بخلع أو غيره ولم ينف الحمل (فولدت لأربع سنين) فما دونها ولى تتزوج بغيره ( .. لحقه) لقيام الإمكان؛ بناءً على أن أكثر مدة الحمل أربع سنين.
ودليله: الاستقراء، وحكي عن مالك وغيره وقوعُه عن جماعة.
وتعتبر هذه المدة: من وقت الفراق؛ كذا أطلقوه، واعترضه منصور التميمي؛ بأنه يلزم منه أن تكون مدة الحمل أكثر من أربع سنين؛ لتقدم العلوق على الطلاق، قال: فينبغي أن يقال: من وقت إمكان العلوق قبل الفراق، قال الرافعي: وهذا قويم، وفي إطلاقهم تساهل، وقال في "الشرح الصغير": إنه الحق (1).
قال ابن الرفعة: وما ذكره منصور فيه تساهل أيضًا؛ لأن الطلاق قد يقع مع الإنزال بالتنجيز اتفاقًا أو بالتعليق، وفي هذه الصورة يصح ما قاله الشافعي والأصحاب دون ما ذكره المعترض، فظهر حينئذ: أن لما قاله الشافعي والأصحاب محملًا صحيحًا، وكذلك لما قاله المعترض، وهو ما عدا ما فرضناه، فلينزل كلام كل من المطلقين على ما يقتضي صحته.
(أو لأكثر .. فلا) لعدم الإمكان، وهذه تقدمت في (باب اللعان)(2).
(ولو طلق رجعيًّا .. حسبت المدة من الطلاق، وفي قول: من انصرام العدة)، هذه العبارة بعيدة عن المراد، ومراده: أنه إذا طلق رجعيًّا ثم ولدت لأربع سنين فأقل .. لحقه، أو لأكثر .. فلا؛ كالبائن، وإنما تخالف البائن في أن ابتداء السنين
(1) الشرح الكبير (9/ 451).
(2)
منهاج الطالبين (ص 441).
وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتة أَشْهُرٍ .. فَكَأَنَّهَا لَمْ تنكِحْ، وَإِنْ كَانَ لِسِتَّةٍ .. فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي. وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا فَوَلَدَتْ لِلإِمْكَانِ مِنَ الأَوَّلِ .. لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ بِوَضْعِهِ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي،
===
يحسب في البائن من الطلاق؛ لانقطاع الفراش، وفي هذه قولان: أصحهما: كذلك؛ لأنها كالبائن في تحريم الوطء، فكذا في أمر الولد، وفي قول: من انصرام العدة؛ لأنها كالمنكوحة في غالب الأحكام؛ من لحوق الطلاق، والإيلاء، والظهار، والإرث، فكذلك في لحوق الولد، وعلى هذا: قيل: تتمادى مدة اللحوق بلا تقدير إن لم تقر بانقضاء العدة؛ لأن الفراش على هذا القول إنما يزول بانقضاء العدة والطهر قد يتباعد سنين.
والأصحُّ: أنه إذا مضت العدة بالأقراء أو الأشهر ثم ولدت لأكثر من أربع سنين .. لم يلحقه؛ لأنا تحققنا أنه لم يكن موجودًا في الأقراء والأشهر، فتبين بانقضائه، وتصير كما لو بانت بالطلاق ثم ولدت لأكثر من أربع سنين.
(ولو نكحت بعد العدة فولدت لدون ستة أشهر) من النكاح الثاني ( .. فكأنها لم تنكح)، ويكون الحكم كما مر؛ وهو إن ولدته لأربع سنين فأقل من طلاق الأول .. لحقه، أو لأكثر .. لم يلحقه، وحيث لحقه فنكاح الثاني باطل؛ لجريانه في العدة، وإذا لم يلحقه .. فأقرب الوجهين: أنا لا نحكم بفساد النكاح الثاني؛ حملًا على أنه من زنًا، قاله الأَذْرَعي، وجزم به في "المطلب"، وجرى عليه المنكت (1).
(وإن كان لستة) فأكثر من إمكان الاجتماع والوطء ( .. فالولد للثاني) وإن أمكن كونه من الأول؛ لأن فراش الثاني موجود، وهو أقوى؛ لصحة نكاحه ظاهرًا.
(ولو نكحت في العدة فاسدًا فولدت للإمكان من الأول) دون الثاني؛ بأن ولدته لدون ستة أشهر من وطء الثاني، ولأربع سنين فأقل من طلاق الأول ( .. لحقه وانقضت) عدة الأول (بوضعه، ثم تعتد للثاني) حيث حصل إصابة شبهة؛ بأن ظن انقضاء العدة، أو أن المعتدة لا يحرم نكاحها، وكان قريب العهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، فإن لم تحصل إصابة .. لغا العقد.
(1) السراج (7/ 57).