الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَالِ. قُلْتُ: إِلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ .. فَتَعْلِيقٌ فِي الأَصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَصْلٌ [في أنواع التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها]
عَلَّقَ بِحَمْلٍ، فَإِنْ كَان حَمْل ظَاهِرٌ .. وَقَعَ،
===
الحال) فعلت أو لم تفعل؛ لأن (أن) المفتوحة للتعليل لا للتعليق؛ لأن التقدير: (لأن دخلت)، وتحذف (اللام) مع (أن) كثيرًا، قال تعالى:{أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} ، فإذا قال:(أنت طالق إن لم أطلقك) .. وقع الطلاق في الحال، لأنه أوقعه، وعلله بأنه لم يطلقها، وإذا أوقع الطلاق .. وقع، ولا ينظر إلى ما علل به.
(قلت: إلا في غير نحوي .. فتعليق في الأصح، والله أعلم) فلا يقع حتى توجد الصفة؛ لأن الجاهل بها لا يفرق بينهما، فالظاهر: أنه يقصد التعليق، وهذا ما نسبه في "زيادة الروضة" إلى قطع الأكثرين (1)، والثاني: أنه يحكم بوقوع الطلاق في الحال؛ لأن هذا مقتضى اللفظ، فلا يغيَّرُ من غير قصد، فإن ادعى قصد التعليق .. صدق بيمينه، قال: الرافعي في "الشرحين": وهذا أشبه، وإلى ترجيحه ذهب ابن الصباغ، وهو المذكور في "التتمة"(2)، وما صححه في "الكتاب" وفي "الروضة" هنا خالفه في "الروضة" في الكلام على التعليق بالمشيئة، فرجح تبعًا للرافعي في:(أنت طالق أن شاء الله) بالفتح الوقوعَ في الحال، سواء كان يعرف اللغة أم لا (3)، وهذا أحد أفراد المسألة.
* * *
(فصل: علق بحمل) بأن قال: (إن كنت حاملًا .. فأنت طالق)(فإن كان حمل ظاهر .. وقع) في الحال؛ لوجود الشرط، وقيل: لا يقع في الحال، بل ينتظر الوضع؛ لأنه وإن قلنا: الحمل يعلم، فلا يتيقن، ورجحه جمع من أهل الطريقين.
(1) روضة الطالبين (8/ 137).
(2)
الشرح الكبير (9/ 85).
(3)
روضة الطالبين (8/ 96)، الشرح الكبير (9/ 34).
وَإِلَّا، فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُر مِنَ التَّعْلِيقِ .. بَانَ وُقُوعُهُ، أَوْ لِأكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ، أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَتْ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ بِهِ .. فَلَا، وَإِلَّا .. فَالأَصَحُّ: وُقُوعُهُ. وَإِنْ قَالَ: (إِنْ كُنْتِ حَامِلًا بِذَكَرٍ .. فَطَلْقَةٌ، أَوْ أُنثى .. فَطَلْقَتَيْنِ) فَوَلَدَتْهُمَا .. وَقَعَ ثَلَاثٌ، أَوْ (إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا .. فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى .. فَطَلْقَتَيْنِ) فَوَلَدَتْهُمَا .. لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ،
…
===
(وإلا) أي: وإن لم يكن حمل ظاهر (فإن ولدت لدون ستة أشهر من التعليق .. بان وقوعه) لتحقق الحمل حين التعليق، إذ لا يمكن أن تأتي به كاملًا لأقل من ذلك.
(أو لأكثر من أربع سنين) وإن لم يطأ (أو بينهما) أي: بين دون الستة الأشهر والأكثر من الأربع سنين (ووطئت) بعد التعليق (وأمكن حدوثه به) بأن كان بين الوطء، والوضع ستة أشهر فأكثر ( .. فلا) يقع الطلاق في الصورتين، للعلم بعدم وجوده عند التعليق في الصورة الأولى، لأن الحمل لا يكون أكثر من أربع سنين، ولجواز حدوثه في الصورة الثانية من الوطء مع استصحاب أصل دوام النكاح.
(وإلا) أي: وإن لم يطأها بعد التعليق، أو وطئها، وكان بين الوطء والوضع دون ستة أشهر ( .. فالأصح: وقوعه) لتبين الحمل ظاهرًا، ولهذا حكم بثبوت النسب، والثاني: المنع، لاحتمال الحدوث، مع أن الأصل بقاء النكاح، والطلاق لا يقع بالشك قال البُلْقيني: وهذا الذي أعتقد رجحانه.
وقضية كلام المصنف: أن حكم الستة الأشهر حكم الأكثر منها، وليس كذلك، بل لا بد فيه من زيادة لحظة على الستة، كما قاله الفوراني، وصرح الأصحاب في (العدد)، بأنه لا بد من مراعاة لحظتين: لحظة للوطء، ولحظة للوضع.
(وإن قال: "إن كنت حاملًا بذكر .. فطلقة، أو أنثى .. فطلقتين"، فولدتهما) معًا أو مرتبًا، ولم يزد ما بينهما على ستة أشهر ( .. وقع ثلاث) لتحقق الصفتين، وإن ولدت أحدهما .. وقع المعلق به، وإن ولدت خنثى .. وقع طلقة في الحال؛ لأنها محققة، وتوقف الثانية إلى بيان حاله، وتنقضي العدة في جميع هذه الصور بالولادة، ويكون الوقوع عند اللفظ.
(أو "إن كان حملك ذكرًا .. فطلقة، أو أنثى .. فطلقتين"، فولدتهما .. لم يقع شيء) لأن قوله: (حملك) يقتضي الحصر في أحد النوعين، فإذا ولدتهما .. لم
أَوْ (إِنْ وَلَدْتِ .. فَأَنْتِ طَالِقٌ) فَوَلَدَتِ اثنيْنِ مُرَتَّبًا .. طَلُقَتْ بِالأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي. وَإِنْ قَالَ:(كُلَّمَا وَلَدْتِ) فَوَلَدَتْ ثَلَاثة مِنْ حَمْلٍ .. وَقَعَ بِالأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ
===
يحصل الشرط، ولو ولدت ذكرين أو أنثيين .. وقع على الأصحِّ في "أصل الروضة"(1)؛ لأن المفهوم من ذلك التعليق بالجنس دون الوحدة، والثاني: لا يقع؛ لأن مقتضى التنكير التوحيد.
هذا عند إطلاق اللفظ، فلو قال:(أردت الحصر في الجنس) .. قبل، وحكم بالطلاق قطعًا، ولو ولدت ذكرًا وخنثى أو أنثى وخنثى فعلى هذا الوجه الثاني: لا طلاق، وعلى الأول: إن بان الخنثى المولود مع الذكر ذكرًا .. وقع طلقة، وإن بان أنثى .. لا يقع شيء، وإن بان الخنثى المولود مع الأنثى ذكرًا .. لم يقع شيء، وإن بان أنثى .. وقع طلقتان.
(أو "إن ولدت .. فأنت طالق"، فولدت اثنين مرتبًا .. طلقت بالأول) لوجود الصفة، (وانقضت عدتها بالثاني) ولا يتكرر الطلاق بتكرر الولادة، لعدم اقتضاء اللفظ التكرار، هذا إذا كانا من حمل واحد بأن كان بينهما دون ستة أشهر، وإن كانا من حملين .. فانقضاء العدة بالثاني مبني على لحوقه بالزوج، وهو لاحق به إن ولدته لأقل من أربع سنين، وهل تحسب هذه المدة من الطلاق أو من انقضاء العدة؟ فيه خلاف يأتي في (العدد).
(وإن قال: "كلما ولدت" فولدت ثلاثة من حمل .. وقع بالأولين طلقتان) لاقتضاء (كلما) التكرار، (وانقضت) عدتها (بالثالث) لتبين براءة الرحم.
(ولا يقع به ثالثة على الصحيح) المنصوص في "الأم"(2)، وعامة كتب الشافعي رضي الله عنه؛ لأنها في عدة الطلقتين، ووقت انفصال الثالث هو وقت انقضاء العدة، وبراءة الرحم، ولو وقع الطلاق .. لوقع في تلك الحال؛ لما تقرر: أن الطلاق المعلق بالولادة يقع عند الانفصال، ولا يجوز أن يقع الطلاق في حال انقضاء العدة والبينونة،
(1) روضة الطالبين (8/ 141).
(2)
الأم (6/ 563).
وَلَوْ قَالَ لأَرْبَعٍ: (كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ .. فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ) فَوَلَدْنَ مَعًا .. طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، أَوْ مُرَتَّبًا .. طَلُقَتِ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا، وَكَذَا الأُولَى إِنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا،
===
ولهذا لو قال: (أنت طالق مع موتي) .. لم يقع إذا مات؛ لأنه وقت انتهاء النكاح، ولو قال لغير المدخول بها:(إذا طلقتك .. فأنت طالق) فطلقها .. لم تقع أخرى؛ لمصادفتها البينونة، والثاني: وحكي عن نصه في "الإملاء": أنه يقع به ثالثة، وتعتد بالأقراء؛ لأن غايته مقارنة الطلاق البينونة، والمقارنة تكفي للوقوع، تغليبًا للطلاق المبني على سرعة النفوذ؛ كما لو قال لغير المدخول بها:(أنت طالق طلقة معها طلقة) .. فإنه يقع طلقتان على الأصحِّ، وقطع الجمهور بالأول، ولم يثبتوا هذا قولًا، وأولوه كما ذكراه في "الشرحين" و"الروضة"(1)، وحينئذ كان ينبغي التعبير بالمذهب أو المشهور.
وصورة المسألة، كما أفهمه كلام المصنف: أن تلدهم مرتبين، فلو ولدتهم معًا في مشيمة .. طلقت ثلاثًا، واعتدت بالأقراء.
ولو أتت بولدين متعاقبين في بطن والتعليق بصيغة (كلما)، فهل تنقضي عدتها بالثاني ولا تقع به طلقة أخرى، أم تقع أخرى؟ فيه الخلاف السابق.
(ولو قال لأربع) حوامل: ("كلما ولدت واحدة .. فصواحبها طوالق"، فولدن معًا .. طلقن ثلاثًا ثلاثًا) لأن لكل واحدة ثلاث صواحب، وعدتهن بالأقراء؛ لأن الطلاق وقع بالولادة، والعدة عقب الطلاق، وتصويره بهما تبع فيه "المحرر" و"الروضة"، وهو يوهم اشتراط أداة التكرار (2)، قال المنكت: وليس كذلك، فإن التعليق بـ (إن) كذلك، فلو مثل بها .. كان أحسن (3).
(أو مرتبًا .. طلقت الرابعة ثلاثًا، وكذا الأولى إن بقيت عدتها) أما الرابعة .. فلأنه ولد قبلها ثلاث في عدتها، وأما الأولى .. فلأنه ولد بعدها ثلاث في عدتها.
(والثانية طلقة، والثالثة طلقتين، وانقضت عدتهما بولادتهما) أما الثانية .. فلأنه
(1) الشرح الكبير (9/ 93)، روضة الطالبين (8/ 142).
(2)
المحرر (339)، روضة الطالبين (8/ 147).
(3)
السراج (6/ 403).
وَقِيلَ: لَا تَطْلُقُ الأُولَى وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَإِنْ وَلَدَتْ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا .. طَلُقَتِ الأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا -وَقِيلَ: طَلْقَةً- وَالأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ. وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا إِذَا عَلَّقَهَا بِهِ، لَا فِي وِلَادَتِهَا فِي الأَصَحِّ،
===
ولدت قبلها واحدة، ثم انقضت عدتها بولادتها، فلم تطلق بولادة من بعدها، وأما الثالثة .. فلأنه ولد قبلها ثنتان، ثم انقضت عدتها بولادتها، فلم تطلق بولادة من بعدها.
(وقيل: لا تطلق الأولى، وتطلق الباقيات طلقة طلقة) لأن الثلاث عند ولادة الأولى صواحبها؛ لأن الجميع زوجاته، فيطلقن طلقة طلقة، فإذا طلقن .. خرجن عن كونهن صواحب الأولى، وكون الأولى صاحبة لهن، فلا تؤثر بعد ذلك ولادتهن في حقها، ولا في حق بعضهن.
قال الرافعي: والقائل بالأول يقول: ما دمن في العدة فهن زوجات وصواحب، ولهذا لو حلف بطلاق زوجاته .. دخلت الرجعية. انتهى (1).
واعترض: بأن الثانية لما ولدت .. انقضت عدتها بولادتها، فلم تكن الأولى ولا الباقيات صواحب لها؛ لبينونتها، وكذلك الكلام في اللتين بعدها.
(وإن ولدت ثنتان معًا، ثم ثنتان معًا .. طلقت الأوليان ثلاثًا ثلاثًا) طلقة بولادة من ولدت معها، وطلقتان بولادة الأخريين، (وقيل: طلقة) هذا الخلاف مبني على الوجهين المارين؛ فالأول على الأصحِّ، والثاني على مقابله.
(والأخريان طلقتين طلقتين) بولادة الأوليين على الوجهين، وتنقضي عدتهما بولادتهما، وتعتد الأوليان بالأقراء على الوجهين.
(وتصدق بيمينها في حيضها إذا علقها به)(2) أي: علق به طلاقها؛ لأنها مؤتمنة على ذلك، وإنما حلفت للتهمة؛ لأنها تتخلص به من النكاح، فإن صدقها الزوج .. لم تحلف، (لا في ولادتها في الأصح) كسائر الصفات؛ لإمكان إقامة البينة عليها، بخلاف الحيض، والثاني: تصدق بيمينها؛ كالحيض.
(1) الشرح الكبير (9/ 95).
(2)
في (ز): (علق به)، وفي "المنهاج" (ص 425) المطبوع:(علق طلاقها به).
وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا. وَلَوْ قَالَ: (إِنْ حِضْتُمَا .. فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ) فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا .. صُدِّقَ بيَمِينِهِ وَلَا يَقَعُ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً .. طَلقَتْ فَقَطْ. وَإِنْ قَالَ:(إِنْ أَوْ إِذَا أَوْ مَتَى طَلَّقْتُكَ .. فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا) فَطَلَّقَهَا .. وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ، وَقِيلَ: ثَلَاثٌ،
===
(ولا تصدق فيه في تعليق) طلاق (غيرها) على حيضها (1)؛ لأنه لا سبيل إلى تصديقها بغير يمين، ولو حلفناها .. لكان التحليف لغيرها، فإنه لا تعلق للخصومة بها، والحكم للإنسان بيمين غيره محال.
(ولو قال: إن "حضتما .. فأنتما طالقتان" فزعتماه، وكذبهما .. صدق بيمينه ولا يقع) طلاق واحدة منهما؛ لأن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرطين، ولم يثبتا بقولهما.
نعم؛ إن أقامت كل واحدة منهما بينة بحيضها .. وقع، صرح به في "الشامل"، وتوقف فيه ابن الرفعة؛ لأن الطلاق لا يثبت بشهادتهن (2).
(وإن كذب واحدة .. طلقت فقط) لثبوت الشرطين في حقها أما ثبوت حيض ضرتها .. فبتصديقه، وأما حيضها .. فبيمينها، ولا تطلق المصدقة؛ إذ لم يثبت حيض صاحبتها في حقها؛ لتكذيبه.
(وإن قال: "إن أو إذا أو متى طلقتك .. فأنت طالق قبله ثلاثًا" فطلقها .. وقع المنجز فقط) لأنه لو وقع المعلق .. لمنع وقوع المنجز، وإذا لم يقع المنجز .. بطل شرط المعلق، فاستحال وقوع المعلق، ولا استحالة في وقوع المنجز؛ فيقع، وقد يتخلف الجزاء عن الشرط بأسباب.
وشبه هذا بما إذا أقر الأخ بابن للميت .. فإنه يثبت نسبه، ولا يرث.
ولأن الجمع بين المعلق والمنجز ممتنع، ووقوع أحدهما غير ممتنع، والمنجز أولى بأن يقع؛ لأنه أقوى من حيث أن المعلق يفتقر إلى المنجز، ولا ينعكس.
(وقيل: ثلاث) المنجزة وثنتان من المعلق إذا كانت مدخولًا بها؛ لأنه إذا وقعت
(1) كـ (إن حضت .. فضرتك طالق). اهـ هامش (ز).
(2)
كفاية النبيه (13/ 65).
وَقِيلَ: لَا شَيْءَ
===
المنجزة .. حصل شرط وقوع الثلاث؛ لأن الطلاق لا يزيد على ثلاث، فيقع من المعلق تمام الثلاث، ويجعل كما لو قال:(إن طلقتك .. فأنت طالق ثلاثًا)، ويطرح قوله قبله، فإن الاستحالة تجيء منه.
(وقيل: لا شيء) لا المنجز ولا المعلق، أما المنجز .. فلأنه لو وقع .. لوقع ثلاث قبله، لوجود الشرط، ولو وقع ثلاث قبله .. لما وقع؛ إذ لا مزيد على الثلاث، فلزم من وقوعه عدم وقوعه، فلم يقع، وأما المعلق .. فإنه إذا لم يقع المنجز .. لم يوجد الشرط.
وهذا ما صححه الأكثرون على ما اقتضاه إيراد "الشرح" و"الروضة"، ونقلاه عن رواية صاحب "الإفصاح" عن النص، ونسبه في "البحر" إلى جمهور الخراسانيين، وصرح في "البيان" بعزوه إلى الأكثرين، وحكاه الإمام عن المعظم، وهو المشهور عن ابن سريح، وبه اشتهرت المسألة (1)، وحكي عنه أنه يقع المنجز، قال الإسنوي في "التنقيح": وإذا كان صاحب مذهبنا قد نص على عدم الوقوع وقال به أكثر الأصحاب خصوصًا الشيخ أبو حامد شيخ العراقيين، والقفال شيخ المراوزة .. كان هو الصحيح، وقال في "المهمات": فكيف تسوغ الفتوى بما يخالف نص الشافعي وكلام الأكثرين. انتهى (2).
ولما اختار الروياني هذا الوجه قال: لا وجه لتعليم هذه المسألة للعوام في هذا الزمان، وعن الشيخ عز الدين: أنه لا يجوز التقليد في عدم الوقوع، وإذا قلنا بانحسام الطلاق .. فطريقه إذا أراد أن يطلق: أن يعكس التعليق فيقول: (كلما تلفظت بطلاقك فلم يقع عليك .. فأنت طالق قبله ثلاثًا، فإذا طلقها .. انحل الدور ووقع الطلاق؛ لأن الطلاق القبلي قد صار والحالة هذه معلقًا على النقيضين، وهو الوقوع وعدمه، وكل ما كان لازمًا للنقيضين .. فهو واقع ضرورة؛ لاستحالة خلو الواقع عن
(1) الشرح الكبير (9/ 115)، روضة الطالبين (8/ 165)، بحر المذهب (10/ 94)، البيان (10/ 219)، نهاية المطلب (14/ 284).
(2)
المهمات (7/ 403).
وَلَوْ قَالَ: (إِنْ ظَاهَرْتُ مِنْكِ أَوْ آلَيْتُ أَوْ لَاعَنْتُ أَوْ فَسَخْتُ بِعَيْبكِ .. فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا) ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ بِهِ .. فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ. وَلَوْ قَالَ: (إِنْ وَطِئْتُكَ مُبَاحًا .. فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ) ثُمَّ وَطِئَ .. لَمْ يَقَعْ قَطْعًا. وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا .. اشْتُرِطَتْ عَلَى فَورٍ، أَوْ غَيْبَةً أَوْ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ
===
أحدهما، كذا حكاه الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد عن بعضهم وأقره، واعترضه في "المهمات" بمنع صحة التعليق المتأخر؛ لكونه غير قادر على التنجيز الذي هو فرعه (1).
(ولو قال: "إن ظاهرت منك، أو آليت، أو لاعنت، أو فسخت بعيبك .. فأنت طالق قبله ثلاثًا"، ثم وجد المعلق به .. ففي صحته) أي: المعلق به، وهو الظهار وما بعده (الخلاف) في وقوع المنجز، فإن لم نوقعه .. لم يصح شيء من ذلك؛ للدور، وإن أوقعناه لفساد الدور .. صح جميع ذلك، ولم يقع الطلاق الثلاث المعلقة على ذلك؛ لئلا تبين فتلغو هذه الأمور.
(ولو قال: "إن وطئتك مباحًا .. فأنت طالق قبله"، ثم وطئ .. لم يقع قطعًا) إذ لو طلقت .. لخرج الوطء عن أن يكون مباحًا، وسواء ذكر الثلاث أم لا، وإنما لم يأت الخلاف هنا؛ لأن موضعه: إذا انسد بتصحيح الدور باب الطلاق، أو غيره من التصرفات الشرعية، وهنا لم ينسد.
(ولو علقه) أي: الطلاق (بمشيئتها خطابًا) بأن قال: (أنت طالق إن شئت)، أو (إذا شئت)( .. اشترطت) مشيئتها (على فور) لأنه في معنى تفويض الطلاق إليها، وهو تمليك كما سبق، ولا يشترط الفور في (متى شئت).
(أو غيبة) بأن قال: (زوجتي طالق إن شاءت) سواء حضرته وسمعته أم لا (أو بمشيئة أجنبي .. فلا) يشترط الفور في جوابهما (في الأصح) لبعد الصيغة عن التمليك إذا لم يكن على وجه الخطاب، والثاني: نعم؛ بناء على أن المعنى في اشتراط الفور في مشيئتها: تمليكها البضع، ولو قال:(امرأتي طالق إن شاء زيد) .. لم يشترط الفور قطعًا.
(1) المهمات (7/ 404).
وَلَوْ قَالَ الْمُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ: (شِئْتُ) كَارِهًا بِقَلْبِهِ .. وَقَعَ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ بَاطِنًا. وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبيَّةٍ وصَبيٍّ، وَقِيلَ: يَقَعُ بِمُمَيِّزٍ. وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ. وَلَوْ قَالَ: (أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاَثًا إِلَّا أنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً) فَشَاءَ طَلْقَةً .. لَمْ تَطْلُقْ، وَقِيلَ: تَقَعُ طَلْقَةً. وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا .. لَمْ تَطْلُقْ فِي الأَظْهَرِ،
===
(ولو قال المعلق بمشيئته: "شئت" كارهًا بقلبه .. وقع) ظاهرًا وباطنًا؛ لأن المعلَّق عليه ذلك، (وقيل: لا يقع باطنًا) كما لو علق بحيضها .. فأخبرت به كاذبة.
وفرق الأول: بأن التعليق في الحقيقة على لفظ المشيئة، وقد وجد، بخلاف الحيض.
(ولا يقع بمشيئة صبية وصبي) لأنه لا اعتبار بمشيئتهما في التصرفات، (وقيل: يقع بمميِّز) لأن مشيئته معتبرة في اختيار أحد أبويه، أما غير المميز .. فلا يقع بمشيئته جزمًا، والحكم في المجنون والمجنونة كذلك.
(ولا رجوع له قبل المشيئة) كسائر التعليقات.
(ولو قال: "أنت طالق ثلاثًا إلا أن يشاء زيد طلقة"، فشاء طلقة .. لم تطلق) وهو استثناء من أصل الطلاق؛ كما لو قال: (أنت طالق إلا أن يدخل أبوك الدار)، فدخل، ولو شاء أكثر من طلقة فقد شاء طلقة وزاد .. فلا يقع أيضًا شيء، فإن لم يشأ شيئًا .. وقع الثلاث، (وقيل: تقع طلقة) ويكون التقدير: (إلا أن يشاء زيد واحدة) فتقع، فيكون الإخراج من وقوع الثلاث لا من أصل الطلاق، وقيل: يقع طلقتان، والتقدير:(إلا أن يشاء عدم وقوع واحدة)، فيقع الباقي.
(ولو علق بفعله) أي: بفعل نفسه (ففعل ناسيًا للتعليق أو مكرهًا .. لم تطلق في الأظهر) لقوله عليه السلام: "وُضِعَ لِي عَنْ أُمَّتِيَ الْخَطَأُ، وَالنِّسْيَانُ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"(1) رواه ابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم (2).
(1) الذي في "الروضة"[8/ 193] وغيرها من كتب الفقه، والجاري على ألسنة الفقهاء "رفع عن أمتي"، وقال المنكت [6/ 415] وغيره: إنه لم يوجد بهذا اللفظ في الحديث، والمشهور:"وُضِعَ لِي عَنْ أُمَّتِي"، وقال: إن رواية: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي" في "الأحكام الكبرى" لعبد الحق، فليحرر. اهـ هامش (أ).
(2)
سنن ابن ماجه (2045)، صحيح ابن حبان (7219)، المستدرك (2/ 198) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ وَعَلِمَ بِهِ .. فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا .. فَيَقَعُ قَطْعًا
===
ومقتضاه: رفع الحكم، فيعم كل حكم إلا ما قام دليل على استثنائه؛ كقيم المتلفات.
والثاني: تطلق؛ لوجود الصفة الشاملة للمختار، وغيره، وبه أفتى ابن الصلاح (1)، وابن عبد السلام، وابن رزين، وقطع القفال بالوقوع هنا، بخلاف الإيمان؛ لأن التعويل فيها على تعظيم الاسم، والحنث هتك حرمته، ولا هتك مع النسيان والإكراه، والطلاق تعليق بصفة وقد وجدت، والجمهور على أنه لا فرق بين الحلف بالله وبين الطلاق.
(أو بفعل غيره) من امرأته أو أجنبي (ممن يبالي بتعليقه) أي: يحرص على إبرار قسمه ولو حياء لمكارم الأخلاق (وعلم به) أي: علم ذلك الغير بتعليقه، ففعله ناسيًا أو مكرهًا ( .. فكذلك) أي: هو على القولين.
والأظهر: المنع، ويشترط مع العلم والمبالاة: أن يكون الزوج قصد منعه أو حثه.
(وإلا) أي: وإن كان لا يبالي بتعليقه؛ كالسلطان والحجيج، إذا علق بقدومهما، أو يبالي بتعليقه ولم يعلم به ( .. فيقع قطعًا) وإن وجد ذلك الفعل مع النسيان والإكراه؛ لأنه لا يتعلق بالتعليق والحالة هذه غرضُ حثٍّ ولا منع، وإنما الطلاق معلق بصورة ذلك الفعل.
نعم؛ القطع بالوقوع فيما إذا كان يبالي ولم يعلم بتعليقه، فيه نظر، وكثيرًا ما يقع عنه السؤال.
وقد استشكله السبكي، وقال: كيف يقع بفعل الجاهل قطعًا، ولا يقع بفعل الناسي على الأظهر، مع أن الجاهل أولى بالمعذرة من الناسي؟
الصواب: حمل كلام "المنهاج" على ما إذا قصد الزوج مجرد التعليق، ولم يقصد إعلامه؛ ليمتنع، وقد أرشد الرافعي إلى ذلك؛ فإن عبارته وعبارة "الروضة": ولو علق بفعل الزوجة أو أجنبي فإن لم يكن للمعلق بفعله شعور
(1) فتاوى ابن الصلاح (2/ 449).