الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَنُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّ لَوْ أَسْلَمُوا، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ.
فصلٌ [في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم على أكثر من مباحة]
أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ .. لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ، وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ
===
الأصحاب على اعتبار رضا أحدهما (1).
(ونقرهم على ما نقر لو أسلموا، ونبطل ما لا نقر) هذا ضابط سبق كثير من صوره، فنقرهم على نكاح بلا ولي ولا شهود، بخلاف نكاح المحرم ونحوه؛ لأن عقدهم قد مضى في الشرك قبل تحاكمهم إلينا، فأجريناه، بخلاف ما لا يجوز بحال، وقال الماوردي: نقر المجوسي على نكاح المحرم، لاعتقاده إباحته، بخلاف اليهودي، والأصحُّ: خلافه (2).
* * *
(فصل: أسلم) حرّ (وتحته أكثر من أربع وأسلمن معه أو في العدة أو كُنَّ كتابيات .. لزمه اختيار أربع، ويندفع من زاد) من حين الإسلام والعدة منه، لا من الاختيار على الأصحِّ، لأن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له:"أَمْسِكْ أَرْبَعًا، وَفَارِق سَائِرَهُنَّ" صححه ابن حبان والحاكم (3).
ولا فرق بين أن ينكحن معًا أو مرتبًا؛ فإن له أن يختار الأخيرات لترك الاستفصال في الحديث، وترك الاستفصال في حكاية الأحوال مع قيام الاحتمال .. ينزّل منزلة العموم في المقال؛ كما قاله الشافعي؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل عن ذلك، ولولا الحكم يعم الحالتين .. لما أطلق.
وتعبيره بلزوم اختيار أربع: يوهم إيجاب العدد، لكن المقصود منه لزوم
(1) الوسيط (5/ 139).
(2)
الحاوي الكبير (11/ 413).
(3)
صحيح ابن حبان (4157)، المستدرك (2/ 192)، وأخرجه البيهقي (7/ 181) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وَإِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ .. تَعَيَّنَّ. وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا كِتَابِيَّتَانِ، أَوْ أَسْلَمَتَا، فَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا .. حَرُمَتَا أَبَدًا، أَوْ لَا بِوَاحِدَةٍ .. تَعَيَّنَتِ الْبِنْتُ -وَفِي قَوْلٍ: يَتَخَيَّرُ- أَوْ بِالْبِنْتِ .. تَعَيَّنَتْ، أَوْ بِالأُمِّ .. حَرُمَتَا أَبَدًا،
===
الاختيار؛ لئلا يستديم ما حظره الشرع، لا أنه يلزمه إمساك أربع، وقد سلم في "المحرر" و"الشرح" و"الروضة" من هذا حيث قالوا: اختار أربعًا (1).
(وإن أسلم معه قبل دخول أو في العدة أربع فقط) أي: وكان الباقيات ممن يحرم نكاحهن ( .. تعيَّنَّ) واندفع نكاح من زاد؛ لتأخر إسلامهن عن إسلامه قبل الدخول، وعن العدة بعده، ولو كان دخل بهن فاجتمع إسلامه وإسلام أربع فقط في العدة .. تعيَّنَّ للنكاح، حتى لو أسلم أربع من ثمان، وانقضت عدتهن أو مُتْن في الإسلام، ثم أسلم الزوج وأسلم الباقيات في عدتهن .. تعيّنت الأخيرات.
ولو أسلم أربع، ثم أسلم الزوج قبل انقضاء عدتهن، ثم أسلمن الباقيات قبل انقضاء عدتهن من وقت إسلام الزوج (2) .. اختار أربعًا من الأوليات والأخيرات كيف شاء، فإن مات الأوليات أو بعضهن .. جاز له اختيار الميتات، ويرث منهن.
(ولو أسلم وتحته أمٌّ وبنتها كتابيتان، أو أسلمتا؛ فإن دخل بهما .. حرمتا أبدًا) قطعًا؛ لأن وطء كلٍّ بشبهة يحرّم الأخرى، فبنكاح أولى.
(أو لا بواحدة .. تعيّنت البنت) واندفع نكاح الأم؛ بناء على تصحيح أنكحتهم؛ لأن العقد على البنت يحرم الأم، ولا ينعكس، (وفي قول: يتخير) بناء على فساد أنكحتهم؛ فإنه يصير كأنه لم يعقد على واحدة منهما؛ كما لو أسلم وتحته أختان.
(أو بالبنت .. تعينت) لأنه لم يدخل بالأم، والعقد عليها لا يحرم البنت، ويحرم نكاح الأم على التأبيد.
(أو بالأم .. حرمتا أبدًا) أما البنت .. فللدخول بالأم، وأما الأم .. فللعقد على البنت، وهذا بناء على صحة أنكحتهم، وللأم مهر المثل بالدخول، نقله الرافعي عن البغوي، وجزم به في "الروضة"، قال في "المهمات": وفيه نظر؛ لأن تحريمها
(1) المحرر (ص 302)، الشرح الكبير (8/ 106)، روضة الطالبين (7/ 156).
(2)
في (و): (ثم أسلم الباقيات) وكلاهما صحيح.
وَفِي قَوْلٍ: تبقَى الأُمُّ. أَوْ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ أَسْلَمَتْ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ .. أُقِرَّ إِنْ حَلَّتْ لَهُ الأَمَةُ، وَإنْ تَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ .. تنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ. أَوْ إِمَاءٌ وَأسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ .. اخْتَارَ أَمَةً إِنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إِسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ، وَإِلَّا .. انْدَفَعْنَ. أَوْ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ .. تَعَيَّنَتْ وَانْدَفَعْنَ، وَإِنْ أَصَرَّتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا .. اخْتَارَ أَمَةً، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ .. فَكَحَرَائِرَ؛ فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا
===
مبني على صحة أنكحتهم، وحينئذ فيجب المُسمَّى الصحيح (1).
(وفي قول: تبقى الأم) وتندفع البنت بوطء الأم، وهذا بناء على فساد أنكحتهم.
(أو وتحته أمة أسلمت معه أو في العدة .. أُقرَّ إن حلَّت له الأمة) لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها، فيقر عليها.
(وإن تخلفت قبل دخولٍ .. تنجزت الفرقة) لأن المسلم لا ينكح الأمة الكتابية.
(أو إماء وأسلمن معه أو في العدة .. اختار أمة إن حلّت له عند اجتماع إسلامه وإسلامهن) لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها؛ لوجود شرطه، فجاز اختيارها كالحرة، وينفسخ نكاح البواقي، هذا إذا كان الزوج حرًّا، فإن كان عبدًا .. فله أن يختار أمتين؛ لأن له أن يبتدئ نكاحهما.
(وإلا) أي: وإن لم تحل له الأمة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن ( .. اندفعن) لأنه لا يجوز له ابتداء نكاح واحدة منهن؛ فلا يجوز له اختيارها؛ كالمعتدة عن غيره وذوات المحارم.
(أو حرة وإماء وأسلمن معه) أي: الحرة والإماء، (أو في العدة .. تعيّنت واندفعن) لأنه لا يجوز أن يبتدئ نكاح أمة مع وجود حرة، فلا يجوز أن يختارها.
(وإن أصرّت) الحرة على الكفر ولم تكن كتابية (فانقضت عدَّتها .. اختار أمة) إذ ظهر أنها بانت باختلاف الدين، فأشبه ما إذا تمحضت الإماء.
(ولو أسلمت وعتقن، ثم أسلمن في العدة .. فكحرائر؛ فيختار أربعًا) لالتحاقهن بالحرائر الأصليات.
(1) الشرح الكبير (8/ 108)، روضة الطالبين (7/ 158)، المهمات (7/ 124).
وَالاخْتِيَارُ: (اخْتَرْتُكِ)، أَوْ (قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ)، أَوْ (أَمْسَكْتُكِ)، أَوْ (ثَبَّتُّكِ). وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ، لَا الظِّهَارُ وَالإِيلَاءُ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ وَلَا فَسْخٍ.
وَلَوْ حَصَرَ الاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ .. انْدَفَعَ مَنْ زَادَ، وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَنَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَخْتَارَ، فَإِنْ تَرَكَ الاخْتِيَارَ .. حُبِسَ،
===
(والاختيار: "اخترتُك"، أو "قررت نكاحك"، أو "أمسكتُكِ"، أو "ثبَّتُّك") لمجيء لفظ الاختيار والإمساك في الحديث، والباقي في معناه.
وقضية كلام الأئمة: صراحة هذه الألفاظ، قال الرافعي: والأقرب: أن يجعل قوله: (اخترتك)، و (أمسكتك) من غير تعرض للنكاح كناية (1).
ولو اختار الفسخ فيما زاد على الأربع .. تعينت الأربع وإن لم يتلفظ بشيء، وهو وارد على ما يفهمه كلام المصنف من اعتبار التصريح بالاختيار.
(والطلاق اختيار) للنكاح؛ لتوقف الطلاق على ثبوت النكاح، وسواء المعلق والمنجز على الأصحِّ، (لا الظهار والإيلاء في الأصح) إذ معناهما بالأجنبية أليق؛ إذ حاصلهما الامتناع من الوطء، والثاني: نعم؛ لأنهما تصرفان مختصان بالنكاح، فأشبها الطلاق.
(ولا يصح تعليق اختيار ولا فسخ) بدخول الدار ونحوه؛ لأن الاختيار منزل منزلة الابتداء أو الاستدامة، وأيهما كان .. لا يقبل التعليق؛ لأن النكاح والرجعة لا يقبلانه.
(ولو حصر الاختيار في خمس .. اندفع من زاد) وإن لم يكن تعيينًا تامًّا؛ فإن به يخف الإبهام (وعليه التعيين) لحبسه أكثر من العدد الشرعي، ولدفع الضرر عنهن؛ فإن كلًّا لا تعلم أنها منكوحة أو مفارقة، (ونفقتهن حتى يختار) لأنهن محبوسات بحكم النكاح.
(فإن ترك الاختيار .. حبس) لأنه امتنع من واجب لا يقوم غيره مقامه فيه، وظاهره: أنها لا يزاد على الحبس، وليس كذلك، بل إذا أصر ولم يُفِد الحبس .. عزر بما يراه الحاكم من الضرب وغيره، ولا يختار الحاكم، بخلاف الإيلاء حيث
(1) الشرح الكبير (8/ 119).
فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ .. اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ، وَذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالأَكْثَرِ مِنَ الأَقْرَاءِ وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ.
===
يطلق؛ لأن هذا اختيار شهوة، ولا تجري فيه النيابة، وهذا في المكلف.
فلو أسلم صغير بالتبعية أو بلغ ثم جن .. أخّر الاختيار إلى الكمال، وعليه نفقتهن، ولو مات بعد إسلامهن .. وجب عليه مهورهن، وهذا يلغز به فيقال: صغير مسلم يجب عليه مهور مئة امرأة ونفقتهن بسبب نكاح صحيح سبق عليهن.
(فإن مات قبله) أي: قبل الاختيار ( .. اعتَدَّت حامل به) أي: بوضع الحمل؛ لما سيأتي في بابه.
(وذات أشهر وغيرُ مدخول بها بأربعة أشهر وعشر) إذ تحتمل الزوجية في كل منهن، وهو الأقصى في حقها، (وذات أقراء بالأكثر من الأقراء وأربعة أشهر وعشر) لأن كل واحدة تحتمل أن تكون زوجة .. فعليها عدة الوفاة، أو مفارقة في الحياة .. فعليها أن تعتد بالأقراء، فوجب الاحتياط؛ لتحل للأزواج بيقين.
وابتداء الأشهر من الموت، والأقراء من حين إسلامهما إن أسلما معًا، وإلا .. فمن إسلام السابق منهما على الأصحِّ.
(ويوقف نصيب زوجات حتى يصطلحن) ولا يوزع بينهن؛ لأنا نعلم أن فيهن أربع زوجات، وقد جهلنا عينهن فوجب التوقف، ولا فرق بين أن يصطلحن على التساوي أو التفاضل إلا أن يكون فيهن غير مكلفة؛ فإن وليها لا يصالح عنها على أقل ما تقتضيه القسمة؛ كالثمن إذا كنّ ثمانية، أو السدس إذا كنّ ستة، وقيل: ليس له أن يصالح على أقل من ربع الموقوف، والأصحُّ: الأول.
هذا إذا علم استحقاق الزوجات للإرث، أما إذا أسلم على ثمان كتابيات وأسلم منهن أربع أو كان تحته أربع كتابيات وأربع وثنيات، فأسلم معه الوثنيات ومات قبل الاختيار .. فلا يوقف للزوجات شيء على الأصحِّ المنصوص، بل يقسم كل التركة بين باقي الورثة؛ لأن استحقاق الزوجات الإرث غير معلوم؛ لاحتمال أنهن الكتابيات.
* * *