المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها] - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ النِّكاح

- ‌فصلٌ [في الخطبة]

- ‌فصلٌ [في أركان النكاح وغيرها]

- ‌فصلٌ [فيمن يعقد النكاح وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في موانع الولاية للنكاح]

- ‌فصلٌ [في الكفاءة]

- ‌فصلٌ [في تزويج المحجور عليه]

- ‌بابُ ما يحرُم من النِّكاح

- ‌فصلٌ [في نكاح من فيها رق وتوابعه]

- ‌فصلٌ [في حل نكاح الكافرة وتوابعه]

- ‌بابُ نكاح المشرك

- ‌فصلٌ [في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم على أكثر من مباحة]

- ‌فصلٌ [في مؤنة المسلمة أو المرتدة]

- ‌باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

- ‌فَصْلٌ [في الإعفاف]

- ‌فَصْلٌ [في نكاح الرقيق]

- ‌كتابُ الصَّدَاق

- ‌فَصْلٌ [في بيان أحكام الصداق المسمى الصحيح والفاسد]

- ‌فَصْلٌ [في التفويض]

- ‌فَصْلٌ [في بيان مهر المثل]

- ‌فَصْلٌ [في تشطير المهر وسقوطه]

- ‌فَصْلٌ [في المتعة]

- ‌فَصْلٌ [في الاختلاف في المهر والتحالف فيما سمي منه]

- ‌فَصْلٌ [في وليمة العرس]

- ‌كتابُ القسْمِ والنُّشُوز

- ‌فصلٌ [في بعض أحكام النشوز وسوابقه ولواحقه]

- ‌كتابُ الخُلْع

- ‌فصلٌ [في الصيغة وما يتعلق بها]

- ‌فصلٌ [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الخلع أو في عوضه]

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌فَصْلٌ [في تفويض الطلاق إليها]

- ‌فَصْلٌ [في بعض شروط الصيغة والمطلق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان محل الطلاق والولاية عليه]

- ‌فَصْلٌ [في تعدد الطلاق بنية العدد فيه أو ذكره وما يتعلق بذلك]

- ‌فَصْلٌ [في الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الشك في الطلاق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان الطلاق السني والبدعي]

- ‌فَصْلٌ [في تعليق الطلاق بالأزمنة ونحوها]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في الإشارة إلى العدد وأنواع من التعليق]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع أخرى من التعليق]

- ‌كتابُ الرَّجْعَة

- ‌كتابُ الإِيلاء

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وما يتفرع عليها]

- ‌كتابُ الظِّهار

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الظهار من وجوب كفارة وغير ذلك]

- ‌كتابُ الكفّارة

- ‌كتابُ اللّعان

- ‌فصلٌ [في قذف الزوج خاصة]

- ‌فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

- ‌فصلٌ [في المقصود الأصلي من اللعان]

- ‌كتاب العِددَ

- ‌فصلٌ [في العدة بوضع الحمل]

- ‌فصلٌ [في تداخل العدتين]

- ‌فصلٌ [في حكم معاشرة المفارق للمعتدة]

- ‌فصلٌ [في الضرب الثاني من ضربي عدة النكاح]

- ‌فصلٌ [في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها]

- ‌بابُ الاسْتِبْرَاء

- ‌كتابُ الرَّضاع

- ‌فَصْلٌ [في حكم الرضاع الطارئ على النكاح تحريمًا وغرمًا]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار والشهادة بالرضاع والاختلاف فيه]

- ‌كتابُ النَّفقات

- ‌فَصْلٌ [في موجب المؤن ومسقطاتها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الإعسار بمؤن الزوجة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤن الأقارب]

- ‌فَصْلٌ [في الحضانة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤنة المماليك وتوابعها]

الفصل: ‌فصل [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها]

وَلَوْ قَالَتْ: (طَلِّقْنِي بِكَذَا) وَارْتَدَّتْ فَأَجَابَ؛ إِنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ .. بَانَتْ بِالرِّدَّةِ وَلَا مَالَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا .. طَلُقَتْ بِالْمَالِ. وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ بَيْنَ إِيجَابٍ وَقَبُولٍ.

‌فصلٌ [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها]

قَالَ: (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَوْ وَلِي عَلَيْكِ كَذَا) وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ .. وَقَعَ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا، وَلَا مَالَ،

===

القطع بالأول عن الجمهور (1).

وقد يدخل في كلامه: ما لو خالعها بعوض على أنه متى شاء رده وكان له الرجعة، وقد نصَّ الشافعي فيه على البينونة بمهر المثل (2)، فقيل: بطرد الخلاف، والمذهب: الجزم بالمنصوص؛ لأنه رضي بسقوط الرجعة هنا، ومتى سقطت .. لا تعود.

(ولو قالت: "طلقني بكذا" وارتدت فأجاب؛ إن كان قبل دخولٍ أو بعده وأصرَّت حتى انقضت العدة .. بانت بالردة ولا مال) لانقطاع النكاح بالردة في الحالتين، (وإن أسلمت فيها) أي: في العدة ( .. طلقت بالمال) لأنا تبيَّنا صحة الخلع، (ولا يضر تخلل كلام يسير بين إيجاب وقبول) سواء أكان الكلام من الرجل أم من المرأة؛ لأن الكلام اليسير لا يُعدُّ قائله به معرضًا عما هو فيه، وقد اضطرب كلام الشيخين في ذلك، وقدمنا بيانه في أوائل (النكاح).

* * *

(فصل: قال: "أنت طالق وعليك) ألف (أو ولي عليك كذا"، ولم يسبق طلبها بمال .. وقع رجعيًّا قبلت أم لا ولا مال)، إذ لم يشع في العرف استعمال هذا اللفظ في طلب العوض، وإلزامه؛ لأنه أوقع الطلاق مجانًا، ثم أخبر أن له عليها كذا فلا يلزمها، وحكى الإمام فيه الاتفاق، وشبهه الشافعي بما إذا قال: (أنت طالق

(1) الشرح الكبير (8/ 427)، روضة الطالبين (7/ 398).

(2)

الأم (6/ 525).

ص: 205

فَإِنْ قَالَ: (أَرَدْتُ مَا يُرَادُ بِـ"طَلَّقْتُكِ بِكَذَا") وَصَدَّقَتْهُ .. فَكَهُوَ فِي الأَصَحِّ، وإِنْ سَبَقَ .. بَانَتْ بِالْمَذْكُورِ. وَإِنْ قَالَ:(أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ كَذَا) .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ كَـ (طَلَّقْتُكِ بِكَذَا)، فَإِذَا قَبِلَتْ .. بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ

===

وعليك حج) (1)، وهذا بخلاف قولها:(طلقني ولك عليَّ ألف) فأجابها، فإنه يقع بائنًا بالألف؛ لأن المتعلق بها من عقد الخلع الالتزام فيحمل لفظها عليه، والزوج ينفرد بالطلاق على الصحيح، فإذا لم يأت بصيغة المعاوضة .. حمل كلامه على ما ينفرد به.

واحترز بقوله: (ولم يسبق طلبها بمال) عمَّا إذا سبق؛ فإن الصيغة تكون مقتضية للالتزام.

(فإن قال: "أردت ما يراد بطلقتك بكذا" وصدقته .. فكهو في الأصح) أي: فهو في حكم قوله: (طلقتك بكذا)، فيقع بائنًا بذلك المسمَّى؛ لأنه يصلح أن يكون كناية في اقتضاء العوض، والثاني: المنع؛ لأن قوله: (ولي عليك كذا) إخبار لا إلزام، فلا يصح توافقهما على خلافه.

واحترز بقوله: (وصدقته) عمَّا إذا لم تُصدِّقه .. فلا يلزمها المال قطعًا، سواء قبلت أم لا.

(وإن سبق) الطلب منها ( .. بانت بالمذكور) إذا كان معيَّنًا؛ لأنه لو اقتصر على قوله: (طلقتك) .. كان كذلك؛ فقوله: (وعليك ألف) إن لم يكن مؤكدًا .. لا يكون مانعًا.

وإن سبق طلبها بمبهم؛ كـ (طلقني ببدل) فقال: (طلقتك) .. بانت بمهر مثل.

(وإن قال: "أنت طالق على أن لي عليك كذا" .. فالمذهب: أنه كـ"طلقتك بكذا"، فإذا قبلت .. بانت ووجب المال) لأن (على) للشرط؛ فجعل كونه عليها شرطًا، فإذا ضمنته .. طلقت هذا هو المنصوص المقطوع به، ومقابله: قول الغزالي: يقع الطلاق رجعيًّا ولا مال؛ لأن الصيغة صيغة شرط، والشرط في الطلاق

(1) الأم (6/ 525).

ص: 206

وَإِنْ قَالَ: (إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ)، فَضَمِنَتْ فِي الْفَوْرِ .. بَانَتْ وَلَزِمَهَا اأَلْفُ، وَإِنْ قَالَ:(مَتَى ضَمِنْتِ)؛ فَمَتَى ضَمِنَتْ .. طَلُقَتْ، وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ أَلْفٍ .. لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ .. طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ:(طَلِّقِي نَفْسَكِ إِنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا)، فَقَالَتْ:(طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ) أَوْ عَكْسُهُ .. بَانَتْ بِأَلْفٍ، وَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا .. فَلَا. وَإِذَا عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ .. طَلُقَتْ،

===

يلغو إذا لم يكن من قضاياه (1)؛ كما لو قال: (أنت طالق على ألا أتزوج بعدك).

(وإن قال: "إن ضمنت لي ألفًا فأنت طالق"، فضمنت في الفور) أي: في مجلس التواجب ( .. بانت ولزمها الألف) لوجود الشرط والعقد المقتضي للإلزام إيجابًا وقبولًا.

(وإن قال: "متى ضمنت"، فمتى ضمنت .. طلقت) ولا يشرط فور؛ لأن هذا اللفظ صريح في التراخي ولا يحتمل سواه؛ بدليل أنه لو قال: (متى أعطيتني الساعة) كان محالًا.

(وإن ضمنت دون ألف .. لم تطلق) لعدم وجود الصفة المعلق عليها.

(ولو ضمنت ألفين .. طلقت) لوجود الصفة مع زيادة، بخلاف قوله:(طلقتك على ألف) فقبلت بألفين؛ لأن تلك صيغة معاوضة، فاعتبر فيها توافق الإيجاب والقبول.

(ولو قال: "طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفًا"، فقالت: "طلقت وضمنت" أو عكسه) أي: ضمنت وطلقت ( .. بانت بألف) لأن أحدهما شرط في الآخر يعتبر اتصاله به فهما قبول واحد فاستوى تقديم أحدهما وتأخيره.

(وإن اقتصرت على أحدهما) بأن ضمنت ولم تطلق أو عكسه ( .. فلا) لأنه فوَّض إليها التطليق وجعل له شرطًا، فلا بُدَّ من التطليق والشرط.

والمراد بالضمان في هذه المسائل: الالتزام لا الضمان المحتاج إلى الأصالة.

(وإذا علق بإعطاء مال .. فوضعته) أو أزيد منه (بين يديه .. طلقت) وإن لم يأخذه إذا كان متمكنًا من أخذه؛ لأنه إعطاء عرفًا، ولهذا يقال: (أعطيته

(1) الوسيط (5/ 332).

ص: 207

وَالأَصَحُّ: دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ. وَإِنْ قَالَ: (إِنْ أَقْبَضْتِنِي) .. فَقِيلَ: كَالإِعْطَاءِ، وَالأَصَحُّ: كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ فَمَا يَمْلِكُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلإِقْبَاضِ مَجْلِسٌ. قُلْتُ: وَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا

===

فلم يأخذ)، ولا يقع بإعطاء وكيلها.

نعم؛ إن حضرت وقالت لوكيلها: (سلِّمه إليه) .. وقع، قاله المتولي وأقراه (1)، وأفتى به ابن الصلاح.

(والأصح: دخوله في ملكه) بمجرد الوضع وإن لم يقبضه؛ لأن التعليق يقتضي الوقوع عند الإعطاء، فإذا ملكت المعوض .. اقتضت الضرورة دخول العوض في ملك الزوج؛ لأن ملك العوضين متقارنان، الثاني: لا؛ لأن حصول الملك من غير لفظ تمليك من جهتها بعيد، فيرد المعطى، ويرجع إلى مهر المثل.

(وإن قال: "إن أقبضتني" .. فقيل: كالإعطاء) فيأتي فيه ما سبق لأن ذِكْرهُ مشعرٌ بقصد تحصيله.

(والأصح: كسائر التعليق فما يملكه)(2) لأن الإقباض لا يقتضي التمليك فهو صفة محضة، بخلاف الإعطاء، وخصه المتولي بما إذا لم يسبق منه قرينة تدل على التمليك، فإن سبقت كقولها:(طلقني بألف) .. فقال: (إن أقبضتني ألفًا .. فأنت طالق)، أو قال ابتداءً:(إن أقبضتني ألفًا وجعلتها لي، أو لأصرفها في حوائجي) .. فهو كالإعطاء، قال في "زيادة الروضة": وهو متعين (3)، وقال في "الشرح الصغير": لا خلاف فيه.

(ولا يشترطُ للإقباض مجلسٌ) تفريعًا على عدم الملك؛ لأنه صفة محضة؛ كالتعليق بدخول الدار، (قلت: ويقع رجعيًّا) لأن الإقباض لا يقتضي التمليك بخلاف الإعطاء؛ فكأنه لم يطمع في شيء.

(ويشترط لتحقق الصفة أخذ بيده منها) فلا يكفي الوضع بين يديه؛ لأنه لا يسمَّى

(1) الشرح الكبير (8/ 438)، روضة الطالبين (7/ 408).

(2)

في (ز): (فلا يملكه).

(3)

روضة الطالبين (7/ 408).

ص: 208

وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ، فَأَعْطَتْهُ لَا بِالصِّفَةِ .. لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ بِهَا مَعِيبًا .. فَلَهُ رَدُّهُ وَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ: قِيمَتُهُ سَلِيمًا. وَلَوْ قَالَ: (عَبْدًا) .. طَلُقَتْ بِعَبْدٍ، إِلَّا مَغْصُوبًا فِي الأَصَحِّ،

===

قبضًا، وهذا الشرط ذكراه في "الشرح" و"الروضة" في صيغة:(إن قبضت منك) لا في: (إن أقبضتني)، وبينهما فرق (1).

نعم؛ في "الوسيط" و"الوجيز" كما في "الكتاب"(2)، لكن صرح الإمام في "النهاية" بأنه إذا قال:(إن أقبضتني) فجاءت به وأوقعته بين يديه: أن هذا إقباض ولا يشترط أن يقبضه بالبراجم (3).

(ولو مكرهة، والله أعلم) لوجود الصفة وهذا أيضًا إنما ذكراه في "الشرح" و"الروضة" في صيغة: (إن قبضت منك)، فَذِكْرهُ في:(إن أقبضتني) سهوٌ؛ كما قاله السبكي؛ لأن الإقباض بالإكراه المُلغى شرعًا لا اعتبارَ به.

(ولو علق بإعطاء عبد ووصفه بصفة سلم، فأعطته لا بالصفة .. لم تطلق) لعدم وجود المعلق عليه.

(أو بها) أي: بالصفة (معيبًا .. فله رده) لأن الإطلاق يقتضي السلامة، (ومهر مثل، وفي قول: قيمته سليمًا) الخلاف مبني على: أن بدل الخلع في يد الزوجة مضمون ضمان عقد أو ضمان يد؟

(ولو قال: "عبدًا") أي: أطلقه ولم يصفه ( .. طلقت بعبد) أيّ عبد كان، كبيرًا كان أو صغيرًا، مدبرًا أو معلقًا عتقه بصفة، سليمًا أو معيبًا؛ لوجود الاسم، ولا يملكه الزوج؛ لأن الملك يثبت معاوضة، والمجهول لا يصلح عوضًا، فيجب الرجوع إلى عوض البضع، وهو مهر المثل، وهذا معنى قوله بعد:(وله مهر المثل).

(إلا مغصوبًا في الأصح) أي: فلا تطلق به؛ لأن الإعطاء يقتضي التمليك، فلا

(1) الشرح الكبير (8/ 438)، روضة الطالبين (7/ 408).

(2)

الوسيط (5/ 336)، الوجيز (ص 375).

(3)

نهاية المطلب (13/ 391).

ص: 209

وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ، وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ:(طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ)، فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ .. فَلَهُ أَلْفٌ، وَقِيلَ: ثُلُثُهُ، وَقِيلَ: إِنْ عَلِمَتِ الْحَالَ .. فَأَلْفٌ، وَإِلَّا .. فَثُلُثُهُ، وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَ بِمِئَةٍ .. وَقَعَ بِمِئَةٍ، وَقِيلَ: بِأَلْفٍ، وَقِيلَ: لَا يَقَعُ

===

يصدق بدفع ما لا يمكن تمليكه إذ ذاك، والثاني: تطلق؛ لأنه لا يملك المعطى، فلا فرق بين المغصوب وغيره، وعلى هذا: يرجع بمهر المثل.

ويرد على حصره الاستثناء في المغصوب: المكاتب والمرهون والجاني المتعلق برقبته مال، والمشترك بينها وبين غيرها، والموقوف، والمستأجر من غيره إن منع بيعه؛ فإنها كالمغصوب في ذلك، وعبارة "المحرر" سالمةٌ من ذلك؛ فإنه لم يذكره على وجه الاستثناء (1).

(وله مهر مثل) في غير المغصوب ونحوه؛ لأنه لم يطلق مجانًا.

(ولو ملك طلقة فقط، فقالت: "طلقني ثلاثًا بألف"، فطلق الطلقة .. فله ألف) لأن الواحدة حينئذ كالثلاث في تحصيل البينونة الكبرى، (وقيل: ثلثه) كما يغرم قالع عين الأعور النصف، (وقيل: إن علمت الحال .. فألف، وإلا .. فثلثه) فعلى هذا: لو اختلفا؛ فقال الزوج: (كنت تعلمين ذلك)، وأنكرت .. تحالفا، فإذا حلفا .. لزمها مهر المثل، وفي وجه رابع: أنه يستحقُّ مهر المثل، وخامس: أنه لا يستحقُّ شيئًا؛ لأنه لم يطلِّق كما سألت.

(ولو طلبت طلقة بألف، فطلق بمئة

وقع بمئة) لأنه قادر على الطلاق بغير عوض؛ فببعض العوض أولى، وقد رضي بالمبذول، فلا يزاد عليه، (وقيل: بألف) لأنها بانت بقوله: (طلقتك)، واستحق الألف، وأُلغيَ قوله:(بمئة)، (وقيل: لا يقع) للمخالفة؛ كما لو خالفت في قبولها.

وأهمل من "المحرر" مسألة، وهي ما لو قالت:(طلقني واحدة بألف)، فقال:(أنت طالق ثلاثًا) .. وقع الثلاث، واستحق الألف، ولو أعاد ذكر الألف فقال:(أنت طالق ثلاثًا بألف) .. فكذلك على الأظهر، وكأن ذلك سقط من نسخة

(1) المحرر (ص 324).

ص: 210

وَلَوْ قَالَتْ: (طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ)، فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ .. بَانَتْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: فِي قَوْلٍ: بِالْمُسَمَّى. وَإِنْ قَالَ: (إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ .. فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ)، فَقَبِلَتْ وَدَخَلَتْ .. طَلُقَتْ

===

المصنف بـ"المحرر" وهو ثابت في النسخ الصحيحة، وحكي عن نسخة المصنف.

(ولو قالت: "طلقني غدًا بألف"، فطلق غدًا أو قبله .. بانت) لأنه إن طلق في الغد .. فقد حصل مقصودها، وإن طلق قبله .. فقد حصله مع زيادة؛ فأشبه ما لو قالت:(طلقني واحدة بألف) فطلق ثلاثًا بألف.

واحترز بقوله: (قبله) عما إذا أجاب بعده .. فيقع رجعيًّا لا بائنًا؛ لأنه خالف وأخرَّ، فكان مبتدئًا، فإن ذكر مالًا اشترط في وقوعه القبول (بمهر المثل) بناءً على فساد الخلع؛ لأنه سلم في الطلاق، والطلاق لا يثبت في الذمة، وإذا فسدت الصيغة .. رجع بمهر المثل (وقيل: في قول: بالمسمَّى) أشار المصنف بهذا إلى حكاية طريقين:

أصحهما: القطع بالأول.

والثاني: حكاية قولين:

أحدهما: مهر المثل.

والثاني: المسمَّى؛ كالقولين فيما إذا خالع على خمر أو مغصوب.

وقضية كلامه كـ"المحرر" و"الشرح الصغير": أنه لا فرق بين أن يعلم بفساد الخلع أم لا، لكن القاضي والبغوي والمتولي خصوه بالجاهل، فإن علم فساده .. وقع رجعيًّا، وضعفه الإمام، وقال: لا حاصل له، واستشهد بالخلع على الخمر وسائر الأعواض الفاسدة؛ فإنه لا فرق في ثبوت المال بين العلم والجهل، ولم يصرحا في "الشرح و"الروضة" بترجيح شيء من ذلك (1).

(وإن قال: "إذا دخلت الدار .. فأنت طالق بألف"، فقبلت ودخلت .. طلقت

(1) نهاية المطلب (13/ 436)، الشرح الكبير (8/ 460)، روضة الطالبين (7/ 424 - 425).

ص: 211

عَلَى الصَّحِيحِ بِالْمُسَمَّى، وَفِي وَجْهٍ أَوْ قَوْلٍ: بِمَهْرِ الْمِثْلِ. وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ وَإِنْ كَرِهَتِ الزَّوْجَةُ، وَهُوَ كَاخْتِلَاعِهَا لَفْظًا وَحُكْمًا

===

على الصحيح) لوجود المعلق عليه، والثاني: لا تطلق، لأن المعاوضات لا تقبل التعليق، فيمتنع ثبوت المال، وإذا لم يثبت .. لم تطلق؛ لارتباطه به، وعلى الأول: يشترط قبولها على الاتصال على الصحيح، وإليه أشار بقوله:(فقبلت) بفاء التعقيب، (بالمسمَّى) أي: ويجوز الاعتياض عن الطلاق المعلق كما يجوز عن المنجَّز، وهل يلزم تسليمه المُسمَّى حالًا أو عند حصول الصفة؟ وجهان، صحح في "أصل الروضة" الأول (1)، والذي يقتضيه كلام "الكتاب": الثاني، (وفي وجه أو قول: بمهر المثل) لأن المعاوضات لا تقبل التعليق؛ فتؤثر في فساد العوض دون الطلاق، لقبوله التعليق، وإذا فسد العوض .. وجب مهر المثل.

(ويصح اختلاع أجنبي وإن كرهت الزوجة) لأن الطلاق مما يستقلُّ به الزوج، والأجنبي مستقلٌّ بالالتزام، وله بذل المال، والتزامه فداء، لأن الله تعالى سمَّى الخلع فداءً فجاز كفداء الأسير، وكما يبذل المال في عتق عبد لسيده، تخليصًا له من الرق، وقد يكون للأجنبي فيه غرض ديني أو دنيوي لغرض مباح.

وهذا إذا أتى بلفظ الطلاق أو بلفظ الخلع وقلنا: إنه طلاق، فإن جعلناه فسخًا .. لم يصح؛ لأن الزوج لا ينفرد بالفسخ بلا سبب.

(وهو كاختلاعها لفظًا) أي: في ألفاظ الالتزام (وحكمًا) في جميع ما تقدم.

نعم، يستثنى من قوله:(وحكمًا) صور: إحداها: لو قال الأجنبي: (طلقها على هذا المغصوب أو على هذا الخمر أو على عبد زيد هذا)، فطلق .. وقع رجعيًّا، بخلاف ما إذا التمست المرأة ذلك، نقلاه عن البغوي وأقراه (2)، والفرق: أن

(1) روضة الطالبين (7/ 426).

(2)

الشرح الكبير (8/ 465)، روضة الطالبين (7/ 429).

ص: 212

وَلِوَكِيلِهَا أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ. وَلِأجْنَبيٍّ تَوْكِيلُهَا فَتَتَخَيَّرُ هِيَ. وَلَوِ اخْتَلَعَ رَجُلٌ وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا كَاذِبًا .. لَمْ تَطْلُقْ. وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ فَيَخْتَلِعُ بِمَالِهِ، فَإِنِ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ .. لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ بِاسْتِقْلَالٍ .. فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ.

===

البضع وقع للمرأة؛ فلزمها بدله بخلاف الأجنبي، الثانية: تحريمه في الحيض إذا سأله الأجنبي، بخلافها؛ كما ذكره في الطلاق، الثالثة: لو كان له امرأتان فخالعه الأجنبي عنهما بألف من ماله .. صح بالألف قطعًا وإن لم يفصل حصة كل منهما؛ لأن الألف تجب للزوج على الأجنبي وحده، بخلاف الزوجتين إذا اختلعتا؛ فإنه يجب أن يفصل ما تلتزمه كل منهما، قاله الماوردي (1).

(ولوكيلها أن يختلع له) أي: لنفسه بالتصريح أو بالنية، فيكون خلع أجنبي، والمال عليه كوكيل المشتري، (ولأجنبي توكيلها) في اختلاع نفسها على ماله (فتتخير هي) بين أن يخالع عن نفسها أو عنه بوكالته، فإن أطلقت .. قال الأَذْرَعي: فالظاهر: وقوعه عنها.

(ولو اختلع رجل، وصرح بوكالتها كاذبًا .. لم تطلق) لأنه مربوط بالمال، وهو لم يلتزمه في نفسه، وقد بان أن لا التزام منها؛ فأشبه ما إذا خاطبها .. فلم تقبل.

(وأبوها كأجنبي فيختلع بماله) صغيرةً كانت أو كبيرة، (فإن اختلع بمالها وصرح بوكالة) كاذبًا، (أو ولاية .. لم تطلق) لارتباط الطلاق بلزوم المال عليها، وهي لم تلتزمه، (أو باستقلال) كـ (اختلعت لنفسي أو عن نفسي)(فخلع بمغصوب) لأنه غاصب لمالها فيقع الطلاق بائنًا جزمًا إن لم يعلم الزوج، وكذا إن علم على الأصحِّ، ويرجع الزوج عليه بمهر المثل على الأظهر، وببذل المُسمَّى على قول.

* * *

(1) الحاوي الكبير (12/ 345).

ص: 213