المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الكفّارة تشتَرَطُ نِيَّتُهَا لَا تَعْيِينُهَا. وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الْظِّهَارِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٣

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ النِّكاح

- ‌فصلٌ [في الخطبة]

- ‌فصلٌ [في أركان النكاح وغيرها]

- ‌فصلٌ [فيمن يعقد النكاح وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في موانع الولاية للنكاح]

- ‌فصلٌ [في الكفاءة]

- ‌فصلٌ [في تزويج المحجور عليه]

- ‌بابُ ما يحرُم من النِّكاح

- ‌فصلٌ [في نكاح من فيها رق وتوابعه]

- ‌فصلٌ [في حل نكاح الكافرة وتوابعه]

- ‌بابُ نكاح المشرك

- ‌فصلٌ [في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم على أكثر من مباحة]

- ‌فصلٌ [في مؤنة المسلمة أو المرتدة]

- ‌باب الخيار والإعفاف ونكاح العبد

- ‌فَصْلٌ [في الإعفاف]

- ‌فَصْلٌ [في نكاح الرقيق]

- ‌كتابُ الصَّدَاق

- ‌فَصْلٌ [في بيان أحكام الصداق المسمى الصحيح والفاسد]

- ‌فَصْلٌ [في التفويض]

- ‌فَصْلٌ [في بيان مهر المثل]

- ‌فَصْلٌ [في تشطير المهر وسقوطه]

- ‌فَصْلٌ [في المتعة]

- ‌فَصْلٌ [في الاختلاف في المهر والتحالف فيما سمي منه]

- ‌فَصْلٌ [في وليمة العرس]

- ‌كتابُ القسْمِ والنُّشُوز

- ‌فصلٌ [في بعض أحكام النشوز وسوابقه ولواحقه]

- ‌كتابُ الخُلْع

- ‌فصلٌ [في الصيغة وما يتعلق بها]

- ‌فصلٌ [في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الخلع أو في عوضه]

- ‌كتابُ الطَّلاق

- ‌فَصْلٌ [في تفويض الطلاق إليها]

- ‌فَصْلٌ [في بعض شروط الصيغة والمطلق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان محل الطلاق والولاية عليه]

- ‌فَصْلٌ [في تعدد الطلاق بنية العدد فيه أو ذكره وما يتعلق بذلك]

- ‌فَصْلٌ [في الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الشك في الطلاق]

- ‌فَصْلٌ [في بيان الطلاق السني والبدعي]

- ‌فَصْلٌ [في تعليق الطلاق بالأزمنة ونحوها]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها]

- ‌فَصْلٌ [في الإشارة إلى العدد وأنواع من التعليق]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع أخرى من التعليق]

- ‌كتابُ الرَّجْعَة

- ‌كتابُ الإِيلاء

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الإيلاء من ضرب مدة وما يتفرع عليها]

- ‌كتابُ الظِّهار

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الظهار من وجوب كفارة وغير ذلك]

- ‌كتابُ الكفّارة

- ‌كتابُ اللّعان

- ‌فصلٌ [في قذف الزوج خاصة]

- ‌فصلٌ [في كيفية اللعان وشروطه وثمراته]

- ‌فصلٌ [في المقصود الأصلي من اللعان]

- ‌كتاب العِددَ

- ‌فصلٌ [في العدة بوضع الحمل]

- ‌فصلٌ [في تداخل العدتين]

- ‌فصلٌ [في حكم معاشرة المفارق للمعتدة]

- ‌فصلٌ [في الضرب الثاني من ضربي عدة النكاح]

- ‌فصلٌ [في سكنى المعتدة وملازمتها مسكن فراقها]

- ‌بابُ الاسْتِبْرَاء

- ‌كتابُ الرَّضاع

- ‌فَصْلٌ [في حكم الرضاع الطارئ على النكاح تحريمًا وغرمًا]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار والشهادة بالرضاع والاختلاف فيه]

- ‌كتابُ النَّفقات

- ‌فَصْلٌ [في موجب المؤن ومسقطاتها]

- ‌فَصْلٌ [في حكم الإعسار بمؤن الزوجة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤن الأقارب]

- ‌فَصْلٌ [في الحضانة]

- ‌فَصْلٌ [في مؤنة المماليك وتوابعها]

الفصل: ‌ ‌كتابُ الكفّارة تشتَرَطُ نِيَّتُهَا لَا تَعْيِينُهَا. وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الْظِّهَارِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ،

‌كتابُ الكفّارة

تشتَرَطُ نِيَّتُهَا لَا تَعْيِينُهَا. وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الْظِّهَارِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، مُؤْمِنَةٍ، بِلَا عَيْب يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ

===

(كتاب الكفارة)

لفظها مأخوذ من الكفر، وهو الستر؛ لأنها تستر الذنب، وسمي الكافر بذلك: لستره الحقَّ، وكذا الزارع: لستره البذرَ، وافتتحه في "المحرر" بقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} ، وبقوله تعالى:{فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (1).

(تشترط نيتها) لأنها عمل، والأعمال بالنيات (2)، كذا جزموا به، لكن نص الشافعي: على أن إخراج المرتد يسقطها، وأن إعتاق الكافر وإطعامه عن الكفارة مجزئ، وهو يدل على أن اللفظ كافٍ بغير نية، لكن في "الروضة" و"أصلها": أنه يشترط أن ينوي الكافر بالإعتاق والإطعام التمييز دون التقرب (3).

(لا تعيينها) عن ظهار أو قتل، بل يكفي أصلها؛ كما لا يجب تعيين المال المزكى عنه.

نعم؛ لو نوى غير ما عليه ولو خطأً .. لم يجزه.

(وخصال كفارة الظهار: عتق رقبة مؤمنة) ولو بإسلام أحد الأبوين؛ حملًا لمطلق آية الظهار على المقيد في آية القتل؛ كحمل المطلق في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} على المقيد في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} .

(بلا عيب يخل بالعمل والكسب) إخلالًا بينًا؛ لأن المقصود: تكميل حاله ليتفرغ لوظائف الأحرار، وإنما يحصل ذلك: إذا استقل بكفاية نفسه، وإلا .. فيصير كلًّا على نفسه وعلى غيره.

وقد نظر الشافعي رضي الله عنه في العيوب في كل باب إلى ما يليق به؛ فأعتبر

(1) المحرر (ص 351).

(2)

بلغ مقابلة على خط مؤلفه، أمتع الله بحياته، ورحم سلفه، وختم له بخير. اهـ هامش (أ).

(3)

روضة الطالبين (8/ 280 - 281)، الشرح الكبير (9/ 295).

ص: 317

فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ وَأَقْرَعُ وَأَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ، وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ، وَأَخْشَمُ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ، لَا زَمِنٌ وَفَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أَنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا. قُلْتُ: أَوْ أَنْمُلَةِ إِبْهَامٍ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَلَا هَرِمٌ عَاجِزٌ، وَمَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ

===

هنا: ما يضر بالعمل، وفي الأضحية: ما ينقص اللحم، وفي النكاح: ما يخل بمقصود الجماع، وفي المبيع: ما يخل بالمالية.

(فيجزئ صغير) ولو ابنَ يوم؛ لأنه يرجى كبره؛ كالمريض، بخلاف الهرم، (وأقرعُ وأعرج يمكنه تباع مشي، وأعورُ) إذا لم يضعف نظر السليمة؛ لقلة تأثير هذه في العمل.

وقوله: (وأعرج) بالواو: كذا هو في أكثر النسخ، وحكي عن نسخة المصنف:(وأقرع أعرج) بلا واو، وهو يدل على إحدى الصفتين من باب أولى.

(وأصم، وأخشم) هو فاقد الشم، (وفاقد أنفه وأذنيه) لأن فقدها لا يضر بالعمل إضرارًا بينًا (وأصابعِ رجليه) كلِّها؛ لأن منفعة الرِّجل المشي، وهو يمكن بدون الأصابع.

(لا زمن وفاقد رجل) أو يد؛ لإضراره بالعمل إضرارًا بينًا، (أو خِنصر وبِنصر من يد) لذهاب نصف منفعة الكف، وهو ضرر بيّن، بخلاف فقد أحدهما أو فقدهما من يدين، (أو أَنملتين من غيرهما) يعني: من الإبهام أو السبابة أو الوسطى؛ لأن فقدهما يضر.

وكلامه يوهم: أن فقد أنملتين من خنصر وبنصر من يد لا يضر، وإنما يضر فقدهما جملة، وليس كذلك، وعبارة "المحرر":(وفقد أنملتين من إصبع كفقد تلك الإصبع)(1).

(قلت: أو أنملة إبهام، والله أعلم) لتعطل منفعتها إذن، بخلاف الأنملة من باقي الأصابع، ولو قطعت أنامله العليا من أصابعه الأربع .. أجزأ، وفيه تردد للإمام (2).

(ولا هرم عاجز) عن العمل والكسب؛ لإخلاله بالمقصود، (ومن أكثر وقته

(1) المحرر (ص 351).

(2)

نهاية المطلب (14/ 554).

ص: 318

مَجْنُونٌ، وَمَرِيضٌ، فَإِنْ بَرِئَ .. بَانَ الإِجْزَاءُ فِي الأَصَحِّ. وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ. وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّق بِصِفَةٍ،

===

مجنون) لعدم حصول المقصود منه، فإن كان مطبقًا .. منع قطعًا وإن كان أقل .. أجزأ، وكذا لو تساويا على الأصحِّ. قال الأَذْرَعي: ومحله: إذا استويا بالنسبة إلى الليل والنهار، أما إذا كان يجن نهارًا ويفيق ليلًا .. فلا يجزئ، وعكسه يجزئ قطعًا. انتهى.

ولو كانت الإفاقة اكثر لكن لا يقدر على العمل بعدها إلا بعد حين .. قال الماوردي: لم يجز، قال في "الروضة": وهو حسن، ويجزئ المغمى عليه؛ لأن زواله مرجو (1).

(ومريض) لا يرجى برؤه؛ كالسل؛ لإخلاله بالمقصود، (فإن برئ .. بان الإجزاء في الأصح) لخطأ الظن، والثاني: لا؛ لاختلال النية وقتَ العتق.

(ولا يجزئ شراء قريب بنية كفارة) لأن عتقه مستحق بجهة أخرى، فأشبه ما إذا دفع إليه النفقة الواجبة ونوى الكفارة.

ولو قال: (تملك قريب) .. لكان أشمل؛ فإنّ هبته وإرثه وقبول الوصية به كذلك.

(ولا أم ولد) لاستحقاقها العتقَ؛ كما لو باع من فقير صاعًا من طعام ثم سلمه إليه عن الكفارة، (وذي كتابة صحيحة) لاستحقاقه العتقَ بالكتابة، فيمتنع صرفه إلى غيرها.

واحترز بالصحيحة: عن الفاسدة؛ فإنه يجزئ على المذهب في "أصل الروضة"(2).

(ويجزئ مدبر ومعلق بصفة) غير التدبير؛ لأن ملكه عليهما تام؛ بدليل نفوذ جميع تصرفاته، هذا إذا نجزه عن الكفارة أو علقه بما يوجد قبل الصفة الأولى، فإن علقه بالصفة الأولى .. لم يجزئه، وهذا معنى قوله:

(1) الحاوي الكبير (13/ 414)، روضة الطالبين (8/ 284).

(2)

روضة الطالبين (8/ 286).

ص: 319

فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ كَفَّارَةً .. لَمْ يَجُزْ. وَلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ، وَإِعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ عَنْ كُلٍّ نِصْفُ ذَا وَنصْفُ ذَا. وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ .. فَالأَصَحُّ: الإِجْزَاءُ إِنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا. وَلَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ .. لَمْ يُجْزِ عَنْ كَفَّارَةٍ. وَالإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ، فَلَوْ قَالَ:(أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِكَ عَلَى أَلْفٍ) فَأَعْتَقَ .. نَفَذَ وَلَزِمَهُ

===

(فإن أراد جعل العتق المعلق كفارة .. لم يجز) مثاله: قال: (إن دخلت الدار .. فأنت حر)، ثم قال:(إن دخلتها .. فأنت حر عن كفارتي) فإنه يعتق بالدخول ولا يجزئه عن الكفارة؛ لأنه مستحق العتق بالتعليق الأول.

(وله تعليق عتق الكفارة بصفة) على الأصحِّ، فلو قال:(إن دخلت الدار .. فأنت حر عن كفارتي) فدخلها .. عتق عن الكفارة؛ لأن المأمور به تحرير رقبة، وهو حاصل بالتعليق السابق عند وجود الصفة.

نعم؛ يشترط كونه حالَ التعليق بصفة الإجزاء، فلو قال لمكاتبه:(إذا عجزت عن النجوم .. فأنت حر عن كفارتي) فعجز .. عتق ولم يجز عن الكفارة، وكذا لو قال لعبده الكافر:(إذا أسلمت)، أو قال:(إن خرج الجنين سليمًا).

(وإعتاق عبديه عن كفارتيه عن كلٍّ نصفُ ذا ونصف ذا) لتخليص الرقبتين عن الرق.

(ولو أعتق معسر نصفين عن كفارة .. فالأصح: الإجزاء إن كان باقيهما حرًّا) لحصول المقصود، وهو إفادة الاستقلال، والثاني: المنع مطلقًا؛ كما لا يجزئ شقصان في الأضحية، والثالث: الإجزاء مطلقًا؛ تنزيلًا للأشقاص منزلة الأشخاص.

(ولو أعتق بعوض .. لم يجز عن كفارة) لعدم تجرد العتق للكفارة، ويعتق عن الملتمس ويلزمه المال.

(والإعتاق بمال كطلاق به) فيكون معاوضةً فيها شوب تعليق من المالك، ومعاوضةً فيها شوب جعالة من المستدعي؛ كما مر في (الخلع)، وقد عقد في "المحرر" لهذا فصلًا، وقال: إنه دخيل في الباب (1).

(فلو قال: "أعتق أم ولدك على ألف" فأعتق) متصلًا ( .. نفذ ولزمه) أي:

(1) المحرر (ص 353).

ص: 320

الْعِوَضُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ:(أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا) فَأَعْتَقَ فِي الأَصَحِّ. وَإِنْ قَالَ: (أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا) فَفَعَلَ .. عَتَقَ عَنِ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَقِبَ لَفْظِ الإِعْتَاقِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لَابُدَّ مِنْهُ .. لَزِمَهُ الْعِتْقُ

===

الملتمسَ (العوض)، ويكون ذلك افتداء من المستدعي نازلًا منزلة اختلاع الأجني.

هذا إذا لم يقل: (عني)، فإن قال:(أعتق مستولدتك عني على ألف) فقال: (أعتقتها عنك) .. عتقت ولغا قوله: (عنك) لأن المستولدة لا تقبل النقل، ولا يستحق العوض على الصحيح.

(وكذا لو قال: "أعتق عبدك على كذا") ولم يقل: (عني) ولا (عنك)(فأعتق في الأصح) .. فيكون افتداء؛ كأم الولد، والثاني: لا يستحق، بخلاف استدعاء إعتاق المستولد؛ فإن ذلك جوِّز افتداءً؛ ضرورةَ أنه لا يمكن انتقال الملك فيها، وهنا يمكن.

(وإن قال: "أعتقه عني على كذا" ففعل .. عتق عن الطالب، وعليه العوض) المُسمَّى؛ عملًا بالتزامه، فإن قال:(مجانًا) .. فلا شيء عليه ويعتق عن الطالب، وإن لم يشترط عوضًا ولا نفاه .. فوجهان، كقوله:(اقض ديني) ولم يشرط الرجوع، والأصحُّ: الرجوع.

(والأصح: أنه يملكه عقب لفظ الإعتاق) الواقع بعد الاستدعاء؛ لأنه الناقل للملك، (ثم يعتق عليه) أي: على الطالب في زمنين لطيفين متصلين؛ لأن وقوع عتقه عنه يستدعي تقديم الملك، فإذا وجد .. ترتب العتق عليه، وهذا بناءً على أن الشرط يترتب على المشروط، والثاني: يملكه ويعتق معًا بعد تمام اللفظ، بناءً على أن الشرط مع المشروط.

(ومن ملك عبدًا أو ثمنه فاضلًا عن كفاية نفسه وعياله) الذين تلزمه مؤنتهم (نفقةً وكسوة وسكنى وأثاثًا لا بد منه .. لزمه العتق) لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} الآية، وهذا واجد.

قال الرافعي: ولم يقدروا للنفقة والكسوة مدة، فيجوز اعتبار مدة العمر الغالب،

ص: 321

وَلَا يَجِبُ بَيع ضَيْعَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الأَصَحِّ، وَلَا شِرَاءٌ بِغَبْنٍ. وَأَظْهَرُ الأَقْوَالِ: اعْتِبَارُ الْيَسَارِ بِوَقْتِ الأَدَاءِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عِتْقٍ .. صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ

===

ويجوز اعتبار سنة، ويؤيده قول البغوي: يترك له ثوب للشتاء وثوب للصيف، وصوب في "زيادة الروضة": الثاني (1).

(ولا يجب بيع ضَيْعة، ورأس مال لا يفضل دخلهما عن كفايته) بحيث لو باعهما صار مسكينًا؛ لأن الانتقال إلى الفقر والمسكنة أشق من الانتقال من المسكن المألوف.

(ولا مسكنٍ وعبدٍ نفيسين ألفهما في الأصح) لمشقة مفارقة المألوف.

نعم؛ لو كان المسكن المألوف واسعًا يكفيه بعضه ويحصل رقبة بباقيه .. لزمه العتق؛ لأنه لا يفارقه.

والثاني: يلزمه البيع والإعتاق؛ كالثوب النفيس يجد بثمنه ثوبًا يليق به وعبدًا يعتقه، واقتضى كلام "الروضة" ترجيحه؛ فإنه قال من "زوائده": قطع العراقيون أو جمهورهم: بأنه يلزمه الإعتاق في العبد النفيس، ونقله صاحب "الشامل" عن الأصحاب، وصححه المتولي (2).

أما إذا لم يكونا مألوفين .. فيلزمه البيع والإعتاق قطعًا، والأمة كالعبد في ذلك.

(ولا شراءٌ بغبن) وإن قل؛ كالماء للطهارة.

(وأظهر الأقوال: اعتبار اليسار بوقت الأداء)، حتى لو كان معسرًا عند الوجوب وموسرًا عند الأداء .. يلزمه الإعتاق؛ لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها، فأشبهت الوضوء والتيمم والقيام والقعود في الصلاة، والثاني: الاعتبار بوقت الوجوب، والثالث: أنه يعتبر الأغلظ من الوجوب إلى الأداء، وقيل: أغلظ الحالين لا ما بينهما.

(فإن عجز عن عتق .. صام شهرين متتابعين) للآية (بالهلال) وإن نقصا؛ لأنها

(1) الشرح الكبير (9/ 315)، روضة الطالبين (8/ 296).

(2)

روضة الطالبين (8/ 296).

ص: 322

بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا تشتَرَطُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ فِي الأَصَحِّ، فَإِنْ بَدَأَ فِي أَثناءِ شَهْرٍ .. حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الأَوَّل مِنَ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ. وَيَزُول التَّتابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بلَا عُذْرٍ وَكَذَا بمَرَضٍ فِي الْجَدِيدِ، لَا بِحَيْضٍ وَكَذَا جُنُونٌ عَلَى الْمَذْهَبِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْم بِهَرَمٍ، أَوْ مَرَضٍ .. قَال الأَكْثَرُونَ: لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، أَوْ لَحِقَّهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّة شَدِيدَةٌ لا، أوْ خَافَ زِيَادَةَ مَرَضٍ .. كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا

===

الأشهر شرعًا، (بنية كفارةٍ) كلَّ ليلة من الليل؛ لما سبق في (كتاب الصيام).

(ولا تشترط نية التتابع في الأصح) اكتفاءً بالتتابع الفعلي، والثاني: يشترط في كل ليلة؛ للتمييز، والثالث: يجب في الليلة الأولى؛ لحصول التمييز به.

(فإن بدأ في أثناء شهر .. حسب الشهر بعده بالهلال وأتم الأول من الثالث ثلاثين) لتعذر الرجوع فيه إلى الهلال، فاعتبر بالعدة.

(ويزول التتابع بفوات يوم بلا عذر) ولو كان في اليوم الآخِر، كما إذا أفسد صومه، أو نسي النية في بعض الليل، (وكذا بمرض) مسوغ للفطر (في الجديد) لأن المرض لا ينافي الصوم، وقد أفطر باختياره، فأشبه ما لو أجهده الصوم فأفطر، والقديم: لا يقطع التتابع، لأن التتابع لا يزيد على أصل وجوب رمضان، وهو يسقط بالمرض.

(لا بحيض) لأنه ليس باختيارها، ولا يخلو منه شهران غالبًا، والتأخير إلى اليأس خطر.

والنفاس كالحيض على الصحيح، وطروّ الحيض والنفاس إنما يتصور في كفارة قتل لا ظهار؛ إذ لا تجب على النساء.

(وكذا جنون على المذهب) لعدم الاختيار، والإغماء كالجنون، وقيل: كالمرض.

(فإن عجز عن الصوم) -أي: صوم الشهرين أو تتابعهما- (بهرم أو مرض قال الأكثرون: لا يرجى زواله، أو لحقه بالصوم مشقة شديدة، أو خاف زيادة مرض .. كفّر بإطعام ستين مسكينًا) لأنه غير مستطيع، فاندرج في الآية، ومقابل قول الأكثرين: قول الإمام: إنه يعتبر دوام المرض في ظنه مدة شهرين، قال في "زيادة

ص: 323

أَوْ فَقِيرًا -لَا كَافِرًا، وَلَا هَاشِمِيًّا وَلَا مُطلِبِيًّا- سِتِّينَ مُدًّا مِمَّا يَكُونُ فِطْرَةً.

===

الروضة": والأصحُّ: ما قاله الإمام، وقد وافق عليه آخرون (1)، ويعرف دوام المرض شهرين: من العادة الغالبة، أو من قول الأطباء، (أو فقيرًا) لأنه أشد حالًا من المسكين، ويكفي البعض مساكين والبعض فقراء، (لا كافرًا ولا هاشميًّا ولا مطلبيًّا) كالزكاة؛ بجامع التطهير، ولا يجوز صرفها أيضًا إلى من تلزمه نفقته؛ كزوجة وقريب، ولا إلى عبد ومكاتب.

(ستين مدًّا) لكل واحد مد؛ ككفارة وقاع رمضان، وروى البيهقي في حديث سلمة بن صخر: أنه صلى الله عليه وسلم أتي بعرق فيه خمسة عشر صاعًا، فقال:"تَصَدَّقْ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا"(2)، ولأن الله تعالى عوّض عن كل جوعة شبعة مسكين، وغالبُها مد، (مما يكون فطرة) أي: جنس الطعام المخرج هنا جنس المخرج في الفطرة، فلا يجزئ الدقيق والسويق والخبز، ولا التغدية والتعشية.

* * *

(1) نهاية المطلب (14/ 572)، روضة الطالبين (8/ 308).

(2)

السنن الكبرى (7/ 390).

ص: 324