الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ركبتيه كهيئة التشهد والله أعلم بالصواب* وأما الآداب المذكورة في مجالس الحديث وأكثرها عن مالك وأصحابه فما أحسن استعمالها لكن في بعضها افراط في التغليظ وقد كانت مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم معمورة بالوحى والتنزيل لحضور جبريل وميكائيل ثم ان بها جماع الفوائد والمراشد مبنية على أكمل الآداب وأتم العوائد ومع ذلك فقد كان صلى الله عليه وسلم ربما قام من مجلسه لورود من يتأهل للقيام وربما عرض بعض الجفاة في مجلسه بكلام ينافي آداب المجالسة فلم يعنفه وربما كان في كلام متسق فعرض غيره فقطع كلامه. حتى ورد ان قتلة ابن أبى الحقيق اليهودي انتهوا اليه وهو في خطبة الجمعة فأقبل اليهم يسئلهم ثم عاد الى خطبته* وان الحسن والحسين جاؤا وهو يخطب الناس وعليهما قميصان وهما يعثران ويقومان فنزل صلى الله عليه وسلم وضمهما اليه ثم قال معتذرا عن ذلك أيها الناس صدق الله انما أموالكم وأولادكم فتنة لم أملك نفسي حين رأيت هذين الولدين يعثران ويقومان حتى فعلت بهما الذي رأيتم وقد كان أموره صلى الله عليه وسلم كلها مبنية عن القصد والاعتدال لا افراط ولا تفريط وقال خير الأمور أوسطها وبعثت بالحنيفية السمحة وقال تعالى ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ والمعول على الآداب القلبية وصلاح النية وكل شيء بعدها مغتفر والله ولى التوفيق.
[فصل في صفة نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصاحته وسكوته]
«فصل» في صفة نطق رسول الله صلى الله عليه وسلم وفصاحته وسكوته قالت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم هذا ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل يحفظه من جلس اليه. وعن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه واذا أتى قوما سلم عليهم ثلاثا. وقال أبو الدرداء كان رسول الله صلى التحتية المشددة ثم زاي أي جانب (وقولهم) بالنصب (مبنية) بالنصب (بالجفاة) جمع جاف وهو الجلف من سكان البادية (يعثران) بضم المثلثة يسقطان وزنا ومعنى (كلها) بالضم تأكيد لاموره (مبنية) بالنصب خبر كانت (القصد) أى التوسط (بعثت بالحنيفية السمحة) فمن خالف سنتى فليس منى أخرجه الخطيب عن جابر (من حرج) أى ضيق.
(فصل) في صفة نطقه صلى الله عليه وسلم (وعن أنس) كما أخرجه عنه الترمذى والحاكم (واذا أتي قوما سلم عليهم ثلاثا) ولاحمد وأبي داود عن عبد الله بن بشر يقول السلام عليكم السلام عليكم مرتين وهذا ينبهك على أن تكريره انما كان لعدم سماع المسلم عليهم فان كان اذا سمعوا سلامه في أول مرة لم يرد
الله عليه وسلم اذا حدث بحديث تبسم في حديثه. وفي حديث ابن أبى هالة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة طويل السكت لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلام فصلا لا فضول فيه ولا تقصير دمثا ليس بالجافي ولا المهين اذا أشار أشار بكفه كلها واذا تعجب قلبها واذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى بطن ابهامه اليسرى. وفيه أيضا كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع على الحلم والحذر والتقدير والتفكير. فاما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس. وأما تفكره ففي ما يبقى ويفنى* وأما فصاحته صلى الله عليه وسلم فمن تأمل حديثه وسيره وجوامع كلمه وأدعيته وبديهات خطبه ومخاطبته مع وفود العرب على اختلاف لغاتها وجواب كل منهم على نحو أو في المرة الثانية لم يزد عليها (متواصل الاحزان) قال ابن قيم الجوزية هذا الحديث لا يثبت وفي إسناده من لا يعرف وكيف يكون متواصل الاحزان وقد صانه الله تعالى عن الحزن في الدنيا واشباهها ونهاه عن الحزن على الكفار وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فمن أين يأتيه الحزن بل كان دائم البشر ضحوكا انتهي وأخرج الطبراني في الكبير من حديث أبي أمامة كان من أضحك الناس وأطيبهم نفسا وقال ابن تيمية ليس المراد بالحزن في حديث أبي هالة الألم على فوت مطلوب أو حصول مكروه فان ذلك منهي عنه ولم يكن من حاله وانما المراد الاهتمام والتيقظ لما استقبله من الامور انتهى (قلت) ما ذكره ابن القيم الجوزية مبتعد اذ ليس من لازم كونه مغفورا له مع ما ذكره أن لا يعتريه الحزن صلى الله عليه وسلم الذي هو من سمات البشر فليس في حديث هند هذا أن حزنه كان للذنوب المنزه عنها ولا على الكفار بل حزنه صلى الله عليه وسلم لاجل أمته كما هو في الحديث بل لو قيل أن حزنه صلى الله عليه وسلم كان خوفا من ربه جل وعلا لم يناقض كونه مغفورا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقد قال والله اني لاخشاكم لله واتقاكم له فاذا حزن وخاف من هو دونه في الحسنة فما ظنك به صلى الله عليه وسلم الحالّ باعلا الدرجات منها ويلزم على ما قاله ابن قيم الجوزية أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يبكى وبكاؤه صلى الله عليه وسلم حتى كان يسمع لجوفه أزيزكأزيز المرجل مشهور في الاحاديث الصحيحة وان كان البكاء ربما كان فرحا الا أن قرينة الحال تقتضى انه كان خوفا أو شوقا له جل وعلا أما اذا كان فلا بد معه من الحزن ولا ينافي هذا ما جاء في حديث الطبراني الذي ذكرته آنفا لان ذلك كان سيرته مع أصحابه بسطا لهم وايناسا وعملا بقوله لا تحقرن من المعروف شيئا الحديث (السكت) بفتح الفوقية وسكون الكاف أى السكوت (دمثا) بفتح المهملة وكسر الميم ثم مثلثة من الدمائة وهي سهولة الخلق (ولا المهين) قال الشمنى بفتح الميم وضمها من الاهانة أى لا يهين أحدا من الناس وبالفتح من المهانة أى الحقارة (اذا أشار أشار بكفه كلها) قال ابن الاثير ما معناه كانت اشارته صلى الله عليه وسلم مختلفة فما كان في ذكر التوحيد والتشهد كان بالمسبحة فقط وما كان في غير ذلك كان بكل الكف فرقا بين الاشارتين (وفيه أيضا) أى في حديث هند بن أبي اهالة (والحذر)