الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعليّ كرم الله وجهه في الجنة أتقى وأزهد وأورع من أن تستفزه غلبة الشهوة على ارتكاب محارم الله وقد اجتمع فيه من الدين المتين والورع الحاجز والزهادة في الدنيا وجماع الفضائل ما لم يجتمع لأحد سواه وقد أبغضته فرقة تسمى الناصبة ففرطوا في دينهم وشقوا بسببه وأحبه آخرون فأفرطوا حتى أبغضوا بسببه كثيرا من الصحابة وقد تقدم اليه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال يا علىّ ان فيك مثلا من عيسى ابن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبه النصارى حتى انزلوه المنزلة التي ليس بها ونكب اهل السنة والجماعة عن الطرفين فاحبوا وتولوا جميعهم ونشروا محاسنهم وجنبوا معايبهم وكذبوا نقلتها واعتذروا على ما صح منها فالمؤمن يتحرى المعاذير والمنافق يتتبع العورات ومن سلم سلم ومن اطلق لسانه بالثلب ندم ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه والله ولى التوفيق.
[خبر الذهيبة التي قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر]
روينا في صحيح البخاري عن ابى سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث على الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة بن بدر والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع اما علقمة أو عامر بن الطفيل اليه أمر القسمة ثم يبقى الاشكال الحاصل في عدم استبرائها وجوابه ان سيدنا على كرم الله وجهه ورضي عنه لم يطأها بل استمتع بها بمادون الوطئ ولابدع ان يغتسل من ذلك لامكان انه أنزل به والاستمتاع بالمسبية بما دون الوطء جائز ولو صرحت رواية بانه وطئها فجوابه انه لعلها كانت بكرا وكان يري عدم وجوب استبراء البكر (يستفزه) يستخفه ويحمله (الحاجز) بالزاى المانع (وجماع الفضائل) بكسر الجيم (تسمى الناصبة) بالنون والمهملة والموحدة (ففرطوا) قصروا (وشقوا) بضم القاف (فافرطوا) غلوا وجاوزوا الحد (حتى بهتوا) بالموحدة والفوقية كما مر أى رموها بالزنا (فانزلوه المنزلة التي ليس بها) هو قولهم عيسى ابن الله (المعاذير) باهمال العين واعجام الذال جمع معذرة (ومن حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه) هو حديث حسن رواه الترمذي وابن ماجه عن أبى هريرة ورواه أحمد والطبراني في الكبير عن الحسين بن على ورواه الحاكم في الكنى عن أبي بكر ورواه الشيرازى عن أبي ذر ورواه الحاكم في تاريخه عن على ورواه الطبراني في الاوسط عن زيد بن ثابت ورواه ابن عساكر عن الحارث بن هشام (روينا في صحيح البخاري) وصحيح مسلم وغيرهما (بذهيبة) تصغير ذهبة وهي تأنيث الذهب وكانه ذهب به الى معني القطعة وفي رواية لمسلم بذهبة مكبر (في أديم) أى جلد (مقروظ) أي مدبوغ بالقاف والظاء شجر يدبغ به (لم تحصل) مبني للمفعول (من ترابها) أى لم يميز من تراب المعدن (اما) بكسر الهمزة (علقمة) هو ابن علاثة بضم المهملة وبمثلثة كما في رواية (واما عامر بن الطفيل) قال العلماء ذكر عامر هنا وهم ظاهر لانه توفي قبل ذلك بسنين كما مر ذكر وفاته والصواب
فقال رجل من أصحابه كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألا تأمنوننى وأنا أمين من في السماء يأتينى خبر السماء صباحا ومساء قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الازار فقال يا رسول الله اتق الله قال ويلك أو لست أحق اهل الأرض ان يتقى الله قال ثم ولى الرجل قال خالد بن الوليد يا رسول الله الا أضرب عنقه قال لا لعله ان يكون يصلي فقال خالد وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس بقلبه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اني لم أومر ان انقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم قال ثم نظر اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مقف فقال انه يخرج من ضئضيء هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من انه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به في كثير من روايات مسلم (وأنا أمين من في السماء) قال في الديباج يحتمل ان يريد به الله تعالى على حد قوله أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أو الملائكة لانه أمين عندهم معروف بالامانة انتهى قلت يؤيد الاول قوله (يأتيني خبر السماء) أي ان ربي استأمنني على خبر السماء وعلى الوحى الذي يوحيه الي فكيف لا تأمنوني أنتم على قسمة عرض من اعراض الدنيا ليس لي فيه غرض (فقام رجل) هو ذو الخويصرة اليمنى كما مر (غائر) بالمعجمة والتحتية منخفض (مشرف الوجنتين) أي مرتفعهما تثنية وجنة مثلثة الواو وهي لحم الخد (ناشز الجبهة) بالمعجمة والزاي أي مرتفعها من النشز وهو المكان المرتفع ولمسلم ناتيء الجبين وهو جانب الجبهة وللانسان جنبان يكتنفان الجبهة (كث) بفتح الكاف وتشديد المثلثة أى كثير (اللحية) بكسر اللام أشهر من فتحها (أحق) بالنصب (قال خالد بن الوليد) وفي أخرى لمسلم فقال عمر ابن الخطاب دعني يا رسول الله اقتل هذا المنافق قال النووي ليس فيهما تعارض بل كل واحد منهما استأذن فيه انتهى (قلت) هما قصتان فلعل عمر استأذن في قصه وخالد في الاخري (انقب) بضم الهمزة وفتح النون وكسر القاف المشددة وروي بفتح الهمزة وسكون النون وضم القاف أي أشق واكشف (عن قلوب الناس) أي بل امرت ان احكم بما ظهر لى من الاحوال وأكل علم الباطن الى الكبير المتعال كما قال فاذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله وقال هلا شققت عن قلبه (وهو مقف) بضم الميم وفتح القاف وتشديد الفاء أي مول قد أعطانا قفاه ضئضئى بكسر المعجمتين وسكون الهمزة الاولى وللكشميهني في صحيح البخارى بمهملتين فمعناه النسل والعقب وهو من أسماء الاصل كما مر (يتلون كتاب الله رطبا) فيه أقوال نقلها القرطبي أحدهما انه الحذق بالتلاوة والمعني انهم يأتون به على أحسن أحواله والثاني أنهم يواظبون على تلاوته فلا تزال ألسنتهم رطبة به والثالث ان يكون من حسن الصوت بالقراءة وفي رواية لمسلم يتلون كتاب الله لينا بالنون في بعض النسخ أى سهلا أو بحذف النون في كثير منها قال عياض ومعناه سهلا لكثرة حفظهم وقيل لما يلون ألسنتهم به يحرفون معانيه وتأويله قال ابن قتيبة وقد يكون من اللي في الشهادة وهو الميل (لا يجاوز حناجرهم) كناية عن عدم قبوله والانتفاع به (يمرقون) بالراء المضمومة والقاف أي