الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدوة ومما أحدث أيضا وعم العمل به حتى توهم كثير من الناس انه سنة أو واجب ما اعتاده المأمومون بأجمعهم من التكبير لتكبير احرام امامهم ثم يعيدون ينظمون الالفاظ ويكررونها لا حرام أنفسهم حتى يطول الفصل ويفوتهم فضيلة ادراك تكبيرة احرام الامام وأما حسن تلك التكبيرة الزائدة لو كانت تكبيرة عقد احرامهم وادركوا بها الفضيلة فقد قال محيى الدين النووى رحمه الله تعالى وادراك تكبيرة الاحرام فضيلة وانما تحصل بالاشتغال بالتحريم عقيب تحريم امامه
[فصل في الموسوسين واستحكام إبليس عليهم]
ثم ان طائفة من الموسوسين استحكم عليهم تلبيس ابليس وعدلوا عن المعلوم الى الموهوم وجانبوا المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم وتحققت منهم طاعة اللعين. وصيرتهم الى سنة المجانين. فترى أحدهم يلعب بيديه عند التكبيرة في الهوى ونارة يعركها ويتلجي ويبلو نفسه في تردد عبارة الاحرام ويتلوي حتى كانه يحاول أمرا فادحا أو يتسوغ أجاجا مالحا حتى تفوته فضيلة تكبيرة احرام الامام جملة وربما فاتته الفاتحة فلم يطلقه شيطانه الا على رأس الركوع وربما فاتته الركعة الاولى أو الصلاة جملة فيقع في الخيبة والحرمان ويتحقق عليه استيلاء الشيطان. حتى تتأتى منه التكبيرة بمشقة وصوت فاحش يتآذي به من حوله وربما أذاهم وشوش عليهم بالجهر بالالفاظ السرية ولا يري انه يسمع نفسه الا بذلك فيتضاعف وزره مع مخالفته للسنة* ومنهم من أنكر العيان ومسموع الاذان حتى أنكر شيأ صدر مفعول يساعد (باجمعهم) بضم الميم (تلك التكبيرة) بالنصب على التعجب (لو كانت) اسمها مضمر فيها (عقد احرامهم) خبرها فقد (قال الامام محيى الدين النووي) وهذا لفظه في المنهاج (وادراك تكبيرة الاحرام) مع الامام (فضيلة) لورود الحث على ذلك عن السلف الصالح وأخرج الترمذى بسند منقطع من صلى أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الاولى كتبت له ثوابان برآة من النار وبرآة من النفاق (وانما يحصل) بشيئين بحضوره تكبيرة الامام و (بالاشتغال بالتحريم عقب تحريم امامه) من غير تراخ ولا وسوسة ظاهرة كما قاله في المجموع فافهم ان الوسوسة اليسيرة لا تمنع الادراك ودليل اشتراط الحضور يؤخذ من حديث الترمذي المار آنفا لان من أحرم الامام وهو غائب لا يسمى مدركا وكذا من أحرم في حضوره ولم يعقبه ويدل عليه فاذا كبير فكبروا والفاء للتعقيب ومن خشى فوات التكبيرة لم يسن له الاسراع ليدركها بل يمشى بسكينة كما لو لم يخف فوتها لقوله صلى الله عليه وسلم اذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم بالسكينة والوقار فما. أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى وابن ماجه عن أبي هريرة وكذا لو خشي فوت الجماعة على المنقول خلافا للفارقي وابن أبي عصرون وقضيته كلام الرافعي (استحكم) أى غلبت (تلبيس ابليس) تخليطه وتشكيكه
منه وسمعه غيره وشاهده فضلا عنه حتى اشبه بذلك مذهب السوفسطائية الذين أنكروا حقائق الموجودات والامور المحسوسات الضروريات وربما عظم الضرر باخذ الموسوسين حتى عجز عن النطق ضرورة قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن قدامة المقدسي في كتابه الذي سماه كتاب ذم الوسواس وأهله قال لى انسان منهم قد عجزت عن قول السلام عليكم فقلت له قل مثل ما قلت الآن وقد استوحت ونحو هذا وأوصافهم كثيرة قال وقد بلغ الشيطان منهم الى أن أغواهم في الدنيا وأخرجهم عن اتباع نبيهم المصطفي وأدخلهم في جملة المتنطعين الغالين في الدين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا* واعلم ان مبادئ الوسواس ومنشأ سببه اما ضعف في العقل أو جهل بالسنة واقتدى الجاهلين بالمهملين. وروينا عن السيد الجليل أحمد بن عطاء الروذرباى رحمه الله ونفع به قال كان في استقضي في أمر الطهارة وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي فقلت يا رب عفوك عفوك فسمعت هاتفا يقول العفو في العلم فزالت عنى ذلك ونعم لقد صدق رحمه الله فلو تأمل طائفة الموسوسين أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تعرفوها (الى شبه) بكسر المعجمة وسكون الموحدة (السوفسطائية) بضم المهملة وسكون الواو وفتح الفاء ثم مهملتين وبعد الالف نون فتحتية واشتقاق اسمهم من سوفسطا اسم للحكمة المموهة والعلم المزخزف لان سوفا معناه العلم والحكمة وسطا معناه المزخرف (الذين ينكرون حقائق الموجودات) ويزعمون انها اوهام وخيالات باطلة وهذه فرقة منهم تسمى العبادية ومنهم فرقة تسمى العبدية ينكرون ثبوت الامور ويزعمون انها تابعة للاعتقادات حتى ان اعتقدنا الشيء جوهرا فجوهر أو عرضا فعرض أو قديما فقديم أو حادثا فحادث ومنهم أخرى تسمى اللادرية ينكرون العلم بثبوت شيء ولا بثبوته ويزعم انه شاك وشاك في انه شاك وهلم جرا (والامور) بالنصب عطفا على حقائق وبالجر عطفا على الموجودات (ابن قدامة) بضم القاف ثم مهملة (المقدسى) نسبة الى بيت المقدس (المتنطعين) بالفوقية فالنون فالمهملتين وهم الغالون في الدين المجاوزون حد الاعتدال المبالغون المشددون في غير محل التشديد (الذين ضل سعيهم) أى بطل عملهم الذى عملوه (في الحياة الدنيا) وهم اليهود والنصاري قاله ابن عباس وسعد ابن أبي وقاص أوهم أهل حروراء قاله على بن أبي طالب وقيل هم الرهبان الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع (وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) أي عملا أي يحسبون ان عملهم حسن فاتعبوا أنفسهم فيه يرجون نوالا فنالوا هلاكا وبواوا ووبالا كمن اشترى سلعة يرجو فيها ربحا فخسر وخاب سعيه (أحمد بن عطاء) يكني أبا عبد الله قال القشيري هو ابن اخت أبي على الروذباري شيخ الشام في وقته مات بصور سنة تسع وستين وثلاثمائة (الروذبارى) بضم الراء وسكون الواو وفتح المعجمة والموحدة فالف فراء نسبة الى روذبار مدينة بالشام (كان في) بتشديد الياء (عفوك عفوك)
اذا لم يعلموها من غيرهم وعرفوا يسيره وتيسيره وانه كان يؤاكل الصبيان ويأكل طعام عامة المسلمين وأهل الكتاب والذميين ويتوضأ في آنيتهم من غير بحث ويغتسل هو والمرأة من نسائه من الجنابة في اناء واحد دفعة واحدة تختلف أيديهم فيه وانه صلى مرة وهو حامل امامة بنت أبى العاص بن الربيع على ظهره اذا قام حملها واذا سجد وضعها فانه كان يتوضأ باسار الدواب ويصغى الاناء للهرة حتى تشرب منه وتوضأ هو وأصحابه من مزادة مشتركة وانه لم ينقل انه تردد في التكبير ولا تلفظ بقول أصلى وما بعده وقد أوجب الله علينا اتباعه في الأفعال والأقوال على كل حال فقال تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وقال تعالى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وقال تعالى وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ وأخبرنا تعالى ان الشيطان يقعد لنا في طرق الطاعات كما سيوصله لنا في المخالفات فقال تعالى مخبرا عنه لاقعدن لهم صراطك المستقيم منصوب باضمار أسألك (كان يغتسل هو والمرأة من نسائه الى آخره) أخرجه بهذا اللفظ أحمد والبخارى عن أنس (وانه صلى مرة وهو حامل امامة الى آخره) أخرجه الشيخان وغير هما قال العلماء فيه دليل لتغليب الاصل على الظاهر كما هو أحد قولى الشافعى وذلك لان الغالب نجاسة ثوب الصبي وغيره من بدنه وفيه جواز ادخال الصبي غير المميز المسجد اذا أمن منه التنجيس وفيه عدم بطلان الصلاة بالعمل القليل وفيه اللطف بالصغار والرفق بهم (ويصغي) أى يميل (وضوء) بفتح الواو (وتوضأ هو وأصحابه) في حديث ذات المزادتين (من مزادة) بفتح الميم ثم زاى هي القربة العظيمة سميت بذلك لانه يجعل في رأسها زيادة (قُلْ) يا محمد لليهود والنصارى الذين زعموا انهم أبناء الله وأحباؤه أو لقريش الذين زعموا انهم انما يعبدون الاصنام حبا لله تعالى وتقربا اليه (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ) فعلامة محبته اتباعي (فَاتَّبِعُونِي) أي اتبعوا شريعتى وسنتي (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) فاني رسوله اليكم وحجته عليكم (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بين ذلك كيفية محبته وانها ليست ميل القلب الذي تنزه عنه تعالي وانما المراد ثناؤه عليهم وثوابه لهم وعفوه عنهم (وَأَنَّ) بكسر الالف وتشديد النون على الاستئناف للكسائي وبفتحها لغيره ما عدا ابن عامر فانه يقرأ بكسر الهمزة وتخفيف النون وعلى قراءة الاكثر قال الفراء واتل عليكم ان (هذا) يعنى دين الاسلام (صِراطِي) أى طريقي وديني (مُسْتَقِيماً) أي مستويا لا عوج فيه (فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) أى الطرق المختلفة التى عدا هذه الطريق كسائر ملل الكفر وقيل أراد الاهواء والبدع (فَتَفَرَّقَ) أى فتتفرق أي تميل (بِكُمْ) وتتشتت (عَنْ سَبِيلِهِ) أي طريقه ودينه الذى ارتضى وبه أوصى (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ) أي لا جلسن لبني آدم (صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) أى دينك القائم
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ وقد عظمت عنية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في الاعتناء بسنته وحملهم أنفسهم على هديه وطريقته فربما عرض لاحدهم عارض من باب التغليظ في الطهارة والتشديد في الدين ثم تركه لكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله* فروينا عن عمر انه كان يهم بالأمر ويعزم عليه واذا قيل له لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عنه حتى قال لقد هممت أن أنهى عن لبس الثياب المصبوغة فانه بلغنى انها تصبغ ببول العجائز فقيل له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبسها ولبست في زمانه فصدق ذلك وترك وقال مرة لابنه أو لغلامه أبغني ثوبا لخلائى غير ثوب صلاتى فانى رأيت الذباب ربما يقع على الخلاء ثم يقع على الثوب ثم انتبه فقال ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الا ثوب واحد وترك ما هم به* وروى مثل ذلك لزين العابدين على ابن الحسين رضي الله عنهم وهذا ما تأملوه وفهموه من أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم على قربهم منه مع اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالحنيفية السهلة وقوله صلى الله عليه وسلم ان هذا الدين متين فاوغل فيه برفق ولا تبغض الى نفسك عبادة الله تعالى (ثم لآتينهم من بين أيديهم) أى قبل الآخرة فاشككهم فيها (ومن خلفهم) أى ارغبهم في دنياهم (وعن أيمانهم) أشبه عليهم أمر دينهم (وعن شمائلهم) اشهى لهم المعاصى قاله ابن أبي طلحة عن ابن عباس وروي عطية عنه من بين أيديهم من قبل دنياهم يعنى أرمها في قلوبهم ومن خلفهم أي من قبل الآخرة فاقول لا بعث ولا جنة ولا نار وعن أيمانهم من قبل حسناتهم وعن شمائلهم من قبل سيآتهم وقال الحكم من بين أيديهم من قبل الدنيا يزينها لهم ومن خلفهم من قبل الآخرة يثبطهم عنها وعن أيمانهم من قبل الحق يصرفهم عنه وعن شمائلهم من قبل الباطل يزينه لهم وقال قتادة من بين أيديهم أخبرهم ان لا بعث ولا جنة ولا نار ومن خلفهم من قبل الدنيا فزينها لهم ودعاهم اليها وعن أيمانهم من قبل حسناتهم بطأهم عنها وعن شمائلهم زين لهم السيآت والمعاصى ودعاهم اليها أتاك يا ابن آدم من كل وجه غير انه لم يأتك من فوقك لم يستطع ان يحول بينك وبين رحمة ربك وقال مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ومن خلفهم وعن شمائلهم من حيث لا يبصرون (ولا تجد أكثرهم شاكرين) قال الخبيث ذلك ظنا فاصاب قال تعالى وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ (عنية) أي اعتناء واهتماما (بهم) بفتح التحتية وضم الهاء وتشديد الميم (ابغني ثوبا) بالوصل ثلاثى أي اطلب لي وبالقطع من الرباعى أى أعني على الطلب (وقوله صلى الله عليه وسلم بالجر (ان هذا الدين متين الى آخره) أخرجه أحمد عن أنس والمتين بالفوقية القوى يعنى انه لقوته يغلبك كما في الحديث الصحيح لن يشاد الدين أحد الاغلبه (فاوغل) بفتح الهمزة وسكون الواو وكسر المعجمة أي ادخل فيه جادا مجتهدا لكن برفق أى معه فلا تشدد حتى تخرج
فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى وقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث حدثا ليس عليه أمرنا فهو رد* وقوله صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة* وقوله صلى الله عليه وسلم من رغب عن سنتي فليس منى* وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى عند النزاع بالرجوع الى الكتاب والسنة فقال تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* وقال تعالى فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية وقال تعالى وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فانظر كيف حتم الله على الخلق اتباعه في أحكام شريعته وحمل الانفس وان لم تقتضيه هواها على هديه وسنته كما قال صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به وقال السيد كبير الشأن الجنيد ابن محمد البغدادى الطرق كلها مسدودة الاعلى من اقتفى أثر النبي صلى الله عليه وسلم وقال الزهري كان من مضي من علمائنا يقولون الاعتصام بالسنة نجاة وقال حسان بن عطية ما ابتدع قوم بدعة في دينهم الا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها اليهم الى يوم القيامة فاذا فهمت أيها الموسوس ما قررناه وحررناه وتقرر عندك ان صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاة أصحابه وصلاة الطبقة الأولى من التابعين قد كانت خالية عن مثل ما استحدثه جهلك أو بسوء رأي من اقتديت به وعلمت بالنقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ان مبادئ ذلك من الشيطان كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان شيطان الوضوء اسمه الولهان وشيطان الصلاة اسمه خنزب علمت الي حد الغلو (فان المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقي) والمنبت بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وتشديد الفوقية قال ابن الاثير يقال للرجل اذا انقطع في السفر وعطبت راحلته أنبت من البت وهو القطع يريد انه بقى في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره وقد أعطب ظهره فمثل صلى الله عليه وسلم للغالى في الدين بهذا المنبت المنقطع وذلك ان الغالى بمدرج أي يمل وينقطع عمله فيعطب في الطريق اليه تعالى ولا يصل وهذا من بديع الامثال عند أرباب اللسان (وقوله) بالجر أيضا (كل بدعة ضلالة) هذا من العام الذي أريد به الخاص (وقوله) بالجر أيضا (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ) أي اختلفتم (فِي شَيْءٍ) من أمر دينكم (فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ) أي الى كتابه (وَالرَّسُولِ) مادام حيا وبعد وفاته الي سنته قال البغوي فالرد الى كتاب الله والسنة واجب ان وجد فيهما فان لم يوجد فسبيله الاجتهاد وقيل الرد الى الله والرسول ان يقول لما لا يعلم الله أعلم (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فهذه سبيل أهل الايمان (ذلِكَ) أي الرد الى الله والرسول (خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) أى مآلا وعاقبة ومرجعا (وَما آتاكُمُ) أي أعطاكم (الرَّسُولُ) من الفيء والغنيمة (فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ) من الغلول وغيره (فَانْتَهُوا) قال المفسرون الآية نازلة في أموال الفيء وهي عامة في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه (هواها) مقصور (خنزب) بكسر المعجمة وسكون النون وفتح الزاي وكسرها ويقال أيضا بفتح المعجمة وضمها مع فتح الزاي
ركاكة الحال وماذا بعد الحق الا الضلال وأى خير في صلاة اشتملت على بدعة أو خلاف سنة قال تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ* وروينا في مسند الدارمي عن هشام بن حجير قال كان طاووس يصلى ركعتين بعد العصر فقال له ابن عباس اتركها قال اتنهى عنها ان يتخذ سلما قال ابن عباس فانه قد نهى عن صلاة بعد العصر فلا أدري أتعذب عليها أم تؤجر لأن الله تعالى يقول وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ* وقال رجل لسعيد بن المسيب وقد نهاه عن ذلك يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة قال لا ولكن يعذبك بخلاف السنة وكم مريد للخير لم يصبه ومتقرب الى الله بما يباعده عنه ومتحبب اليه بما يبغضه عليه قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً أعاذنا الله من ذلك وبصرنا بعيوبنا وجعلنا ممن يأمر ويأتمر وينهى وينتهى ويقول ويفعل متبعين غير مبتدعين بجاه سيد المرسلين وخاتم النبيين وفيما ذكرنا وسطرنا كفاية لمن وفق وشرح الله صدره فاما من أشرب هواه واتبع أولاه أخراه وحرج صدره فلم يتبع غير مهواه فيري نفسه وشيطانه قد تظاهرا عليه وحسنا له ما يدعو انه اليه فيعنف واعظه ويبذ عليه ويرى انه أسدى اليه سيئة فيكافئه بمثلها ويقول لمثلى تقول هذا فيشبه حينئذ بوصف من قال الله فيه واذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالاثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد وكان طريقة السلف رحمهم الله اذا وعظ أحدهم فوضح له وجه الصواب شكر واعظه ورجع فيهما (ركاكة الحال) أى ضعفه (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) أى تأس واقتداء (ابن حجير) بالمهملة فالجيم مصغر (سلما) بضم المهملة وفتح اللام المشددة (وكم) خبرية (مريد) مجرور بها (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي زين له الشيطان ذلك بالوسواس نرلت في أبي جهل ومشركى مكة قاله ابن عباس وفي أصحاب الاهواء والبدع قاله سعيد بن جبير قال قتادة منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وأما أهل الكبائر فليسوا منهم لانهم لا يستحلونها ومعنى زين شبه له وموه عليه وحسن له سوء عمله أي قبيحه (فَرَآهُ حَسَناً) وفي الآية حذف أي من كان كذلك يكون كمن هداه الله فرأى الحق حقا والباطل باطلا وهذا استفهام نفي أي ليس هو كمن ذكر (اشرب هواه) مبنى للمفعول (واتبع أولاه) أي ما كان قبل الموعظة (أخراه) أى ما كان بعدها أي ان حاله سواء ان وعظ وان لم يوعظ (وحرج صدره) أي ضاق (فيعنف واعظه) أي يلومه (ويبذ عليه) بالموحدة فالمعجمة أي يفحش لسانه (أسدي اليه) بفتح الهمزة وسكون السين وفتح الدال المهملتين أي اصطنع (وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ) أي خفه (أَخَذَتْهُ) أي حملته (الْعِزَّةُ) وحمية الجاهلية والعزة التكبر والمنعة (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ) أى كافية (وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) أي الفراش قال البغوى قال عبد الله بن مسعود ان من أكبر الذنب عند الله ان يقال للعبد اتق الله فيقول عليك