الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزفراته تتردد في صدره وغصصه تتصاعد* وروي ان ابا بكر لما فرغ يومئذ من خطبته التفت الى عمر وقال له اما علمت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم كذا كذا وكذا فقال عمر أشهد ان الكتاب كما نزل وان الحديث كما حدث وان الله تبارك وتعالى حي لا يموت إنا لله وانا اليه راجعون وقال فيما كان منه:
لعمري لقد أيقنت أنك ميت
…
ولكن ما ابدى الذي قلته الجزع
وقلت يغيب الوحي عنا لفقده
…
كما غاب موسى ثم ترجع كما رجع
وكان هواي ان تطول حياته
…
وليس لحي في بقا ميّت طمع
[فصل في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم]
(فصل) في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم قال انس لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة اضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه اظلم منها كل شيء وما نفضنا ايدينا عن التراب وانا لفي دفنه حتى انكرنا قلوبنا رواه الترمذي في الشمائل وابن ماجه في السنن وروي ابن ماجه ايضا عن عمر قال كنا نتقي الكلام والانبساط الى نسائنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن ينزل فينا القرآن فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمنا وأسند أيضا عن أم سلمة ما معناه قالت كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا قام المصلون لم يعد بصر أحدهم موضع قدميه فلما كان أبو بكر لم يعد بصر أحدهم موضع جبهته فلما كان عمر لم يعد بصر أحدهم موضع القبلة فلما كان عثمان أو كانت الفتنة التفت الناس شمالا ويمينا* وروينا في صحيح مسلم عن أنس قال قال أبو بكر بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا الى أم أيمن نزورها كما (وزفراته) جمع زفرة وهى ما يسمع من جوف الباكى من الازيز (وغصصه) جمع غصة وهى ما يعرض للباكى من حلقه من الشجا (يتصاعد) يتعالى ويرتفع (وروي) في كتب السير (قال يوم كذا كذا وكذا) أي كل ما يدل على موته صلى الله عليه وسلم فكيف تحلف انه ما مات (أشهد أن الكتاب) يعنى القرآن (كما نزل) أراد قوله أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ وقوله إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (كما حدث) مبني للفاعل يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجزع) بالوقف وكذا ما بعده (كما غاب موسى) يوم خر صعقا (ثم ترجع) بسكون العين لضرورة الشعر (هواى) أى مقصودي (في بقا) بالقصر لضرورة الشعر «فصل» في تغير الحال بعد موته صلى الله عليه وسلم (وما نفضنا) بالفاء والمعجمة (انكرنا قلوبنا) أي لم نرلنا قلوبا لما غشينا من الهم (أن ينزل) مبني للفاعل والمفعول (لم يعد) بفتح أوله وسكون ثانيه أي لم يتعد ولم يتجاوز (موضع) بكسر الضاد (فلما كان) تامة وكذا كان عمر وكان عثمان وكانت الفتنة (انطلق بنا الى أم أيمن نزورها كما
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما انتهينا اليها بكت فقالا لها ما يبكيك ما عند الله خير لرسوله قالت ما أبكي أن لا أكون أعلم ما عند الله خير لرسوله ولكنى أبكي ان الوحي قد انقطع من السماء فهيجتنا على البكاء فجعلا يبكيان معها وروي عنه صلى الله عليه وسلم من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فانها من أعظم المصائب ولما ذكر صلى الله عليه وسلم البشارة لمن تقدم بين يديه فرطا من الأولاد فقالت له عائشة ومن لم يكن له فرط قال أنا فرطه يا موفقة قال السهيلي وكان موته صلى الله عليه وسلم خطبا كالحاورزءا لاهل الاسلام فادحا كاد تهدله الجبال وترجف منه الارض ويكسف النيران لانقطاع خبر السماء وفقد مالا عوض منه مع ما آذن به موته من اقبال الفتن السحم والحوادث الدهم والكرب المدلهمة والهزاهز المعضلة فلولا ما انزل الله تعالى من السكينة على المؤمنين واسرج في قلوبهم نور اليقين وشرح صدورهم في فهم كتابه المبين لا نقصفت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها) فيه كما قال النووى فضيلة زيارة الصالحين وزيارة الفاضل المفضول والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم وزيارة الرجل للمرأة الصالحة وسماع كلامها واستصحاب نحو العالم صاحبا له في الزيارة والعبادة ونحوهما والبكاء حزنا عند فراق الصالحين والاصحاب وان كانوا قد انتقلوا الى أفضل مما كانوا عليه (من أصيب بمصيبة الي آخره) رواه ابن عدي والبيهقي في الشعب عن ابن عباس ورواه الطبراني في الكبير عن سابط الجمحى قال أصحابنا يجب على من مات له ميت ولدا كان أو والدا أو غيرهما ان يكون حزنه على فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر منه وذلك لان الحزن فرع المحبة ومحبته صلى الله عليه وسلم بهذه المثابة فرض لقوله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب اليه من ولده ووالده والناس أجمعين رواه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجه عن أنس (بي) بالموحدة وتخفيف التحتية (ولما ذكر) بالبناء للفاعل أي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال من كان له فرطان من أمتي دخل الجنة بهما قالت عائشة ومن كان له فرط قال ومن كان له فرط قالت فمن لم يكن له فرط من أمتك قال أنا فرط أمتي لن يصابوا بمثلى أخرجه الترمذي عن أنس وعباس (تقدم) بفتح القاف وتشديد الدال المكسورة (انا فرطه يا موفقة) هو على العموم فانه فرط كل أمته كما في هذا الحديث (كالحا) بالمهملة أى شديدا (ورزءا) بضم الراء وسكون الزاى ثم همزة أى نقصا (فادحا) بالفاء والمهملتين أى ثقيلا كما مر (النيران) يعني الشمس والقمر (آذن) بمد الهمزة أي أعلم (السحم) بضم السين وسكون الحاء المهملتين (الدهم) بضم المهملة بوزن الاول وكل من السحم والدهم لون يضرب الى السواد يوصف بهما كل أمر عظيم (المدلهمة) بضم الميم وسكون المهملة وفتح اللام وكسر الهاء وتشديد الميم المظلمة يقال أدلهم الليل اذا اشتد ظلامه (والهزاهز) بتكرير الزاي (المعضلة) باهمال العين واعجام الضاد أي الضيقة الشديدة يقال اعضلت المرأة اذا نشب ولدها في بطنها فضاق عليه الخروج (وأسرج) بالمهملة والجيم أى أشاع (لا نقصفت) بالقاف والمهملة والفاء أى انكسرت (ولعاقهم) بالمهملة والقاف أي شغلهم
للجزع عن تدبير الأمور فقد كان الشيطان أطلع اليهم رأسه ومد الى إغوائهم مطامعه فأوقد نار الشنآن ونصب راية الخلاف فأبى الله الا أن يتم نوره ويعلي كلمته وينجز موعده حيث قال هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون فأطفأ نار الردة وحتم مادة الخلاف والفتنة على يد أبي بكر ولذلك قالت عائشة توفي رسول الله ونزل بأبى ما لو نزل بالجبال لها ضها ارتدت العرب واشرأب النفاق وقال أبو هريرة لولا أبو بكر لهلكت أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعد نبيها ولقد كان من قدم المدينة عقيب موت النبى صلى الله عليه وسلم سمع لأهلها ضجيجا وللبكاء في جميع أرجائها عجيجا حتى صحلت الحلوق ونزفت الدموع وحق لهم ذلك ولمن يأتي بعدهم الى يوم الدين كما روي عن أبى ذؤيب الهذلي قال بلغنا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها فظلت أقاسى حزنا طولها حتى اذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بى هاتف وهو يقول:
خطب أجل أناخ بالاسلام
…
بين النخيل ومعقد الآطام
قبض النبي محمد فعيوننا
…
تذرى الدموع عليه بالتسجام
وذكر خبرا طويلا قال فيه وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج اذا (اطلع الهم رأسه) أشرف برأسه الهم كناية عن شدة طمعه في إغوائهم (الا أن يتم نوره) أي يظهر دينه (ويعلى كلمته) أى قول لا إله الا الله (هو الذي أرسل رسوله) محمدا صلى الله عليه وسلم (بالهدي) أى بالهداية من الضلالة وعبادة من سوى الله (ودين الحق) أى دين الاسلام (وحسم) بالمهملتين قطع (مادة) بالمد وتشديد الدال محل الامداد والاعانة على الخلاف (ونزل بأبي) تريد أبا بكر (لها ضها) بالمعجمة كسرها وفتتها (اشرأب) بهمزة وصل وسكون المعجمة وفتح الراء والهمزة وتشديد الموحدة أي أشرف متطلعا (ضجيجا) بالمعجمة وتكرير الجيم أى صوتا عاليا (عجيجا) بالمهملة وتكرير الجيم هو الصوت العالى أيضا (صحلت) بفتح الصاد وكسر الحاء المهملتين ابتحت (ونزفت) بفتح النون وكسر الزاى ثم فاء أي فرغت (أبى ذؤيب) بضم المعجمة وفتح الهمزة اسمه خويلد بن خالد (فاستشعرت) أي أضمرت (لا ينجاب) بالجيم أي لا يذهب (ديجورها) شدة ظلامها (أقاسى) أي أعاني (كان قرب) بالفتح والضم (أغفيت) بالمعجمة والفاء أي نمت نوما خفيفا (أناخ) بالنون والمعجمة أى وقع (ومعقد) بفتح القاف كسرها (تذرى) بالمعجمة ثلاثي ورباعى ويقال تذروا بالواو أي تسيل (بالتسجام) بفتح الفوقية مصدر