الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد مرّ ومكث فى الجب ثلاثة أيام وكان اخوته يرعون حول البئر وكان يهودا يأتيه بالطعام خفية ويروى أن ابراهيم حين ألقى فى النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة فألبسه اياه فدفعه ابراهيم الى اسحاق واسحاق الى يعقوب فجعله يعقوب فى تميمة وعلقها فى عنق يوسف فأخرجه جبريل وألبسه اياه روى أنهم ذبحوا سخلة ولطخوا قيصه بدمها وزلّ عنهم أن يمزقوه* وروى أن يعقوب لما سمع بخبر يوسف صاح بأعلى صوته وقال أين القميص فأخذه وألقاه على وجهه وبكى حتى خضب وجهه بدم القميص وقال تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من ذئب أكل ابنى ولم يمزق عليه قميصه قال بل سوّلت لكم أى زينت وسهلت لكم أنفسكم أمرا عظيما ارتكبتموه فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون وجاءت سيارة رفقة تسير من قبل مدين الى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من القاء يوسف فى الجب فأخطؤا الطريق هائمين فنزلوا قريبا من الجب فى قفر بعيد من العمران وكان ماء الجب ملحا فعذب حين ألقى فيه يوسف فأرسلوا واردهم الذى يرد الماء ليستقى للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعى من العرب العرباء ولم يكن له ولد فسأل يوسف أن يدعو له بالولد فدعا له فرزق اثنى عشر ولدا أعقب كل واحد قبيلة كذا فى كتاب الاعلام فأدّلى دلوه ليملأها فتشبث يوسف بالدلو فنزعه فجاء اخوة يوسف وقالوا هذا الغلام لناقد أبق فاشتروه منا وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه فباعوه بثمن بخس أى مبخوس ناقص عن القيمة نقصا ظاهرا دراهم معدودة اشارة الى القلة وكانت عادتهم أنهم لا يزنون الا ما بلغ أوقية وهى أربعون درهما وقال ابن عباس كانت الدراهم المعدودة أربعين درهما كذا فى لباب التأويل ويروى أن اخوته اتبعوهم وقالوا لهم استوثقوا منه لا يأبق ولما ذهبوا الى مصر اشتراه العزيز الذى كان على خزائن مصر واسمه قطفير أو اطفير* وفى لباب التأويل قال ابن عباس لما دخلوا مصر لقى قطفير مالك بن ذعر فاشترى يوسف منه بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين* وقال وهب بن منبه قدمت السيارة بيوسف مصر ودخلوا به السوق يعرّضونه للبيع فترافع الناس فى ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا ووزنه حريرا وكان وزنه أربعمائة رطل وكان عمره حينئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فابتاعه قطفير بهذا الثمن انتهى والملك يومئذ الريان بن الوليد العمليقى يعنى من أولاد عمليق بن لاود بن ارم بن سام بن نوح قد آمن بيوسف ومات فى حياته وقيل كان الملك فى أيام يوسف فرعون موسى وهو مصعب بن ريان أو ابنه وليد بن مصعب عاش أربعمائة سنة وبقى الى زمان موسى بدليل قوله ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات والمشهور أن فرعون موسى من أولاد فرعون يوسف من بقايا عاد والآية من قبيل خطاب الابناء بأحوال الآباء* وفى كتاب الاعلام كل من ولى مصر والقبط فهو فرعون قال المسعودى لا يعرف تفسير فرعون بالعربية وكنيته أبو مرّة وأخوه قابوس بن مصعب هو الذى كان بعد الريان ولما هلك فرعون وقومه فى اليمّ ملكت مصر امرأة يقال لها دلوكة ولها فيها آثار عجيبة وكان فرعون موسى أحمر قصيرا أزرق كما ان أشقى ثمود عاقر ناقة صالح قداربن سالف كان كذلك*
عجائب فرعون
وفى لباب التأويل كان لفرعون أربع عجائب كانت لحيته خضراء ثمانية أشبار وقامته سبعة أشبار ولحيته أطول منه بشبر وعمره اربعمائة سنة وكان له فرس اذا صعد الجبل قصرت يداه وطالت رجلاه واذا انحدر يكون على ضدّ ذلك وكان يجرى النيل بأمره كما قال وهذه الانهار تجرى من تحتى ولاجل هذه الاربعة ادّعى الربوبية انتهى وكان فرعون طاغيا عاتيا ادّعى الالوهية وقال أنا ربكم الاعلى وقال يأيها الملأ ما علمت لكم من اله غيرى* وفى الكشاف كان بين القولين أربعون سنة وكان له وزير يقال له هامان فقال له أوقد لى يا هامان على الطين واطبخ الآجر قيل انه أوّل من اتخذ الآجر وبنى به فاجعل لى صرحا قصرا عاليا لعلى أطلع الى اله موسى أنظر
اليه وأقف على حاله وانى لأظنه يعنى موسى من الكاذبين فى زعمه ان للارض والخلق الها غيرى وانه رسوله* وفى معالم التنزيل قال أهل التفسير لما أمر فرعون وزيره ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع خمسون ألف بناء سوى الاتباع والاجراء ومن يطبخ الآجر والجص وينجر الخشب ويضرب المسامير فرفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله عز وجل أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه فأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردّت اليه وهى متلطخة دما فقال قد قتلت اله موسى وكان فرعون يصعد على البراذين قيل كانت تقصر يد البراذين حين يصعد وتطول رجلاه وقت الهبوط على عكس ذلك كما مرّ فتنة من الله واستدراجا فبعث الله عز وجل جبريل جنح غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منها على عسكر فرعون فقتلت منهم ألف ألف رجل ووقعت قطعة فى البحر وقطعة فى الغرب ولم يبق أحد ممن عمل فيه شيئا الا هلك وفرعون لقب ملك العمالقة والقبط ككسرى وقيصر والنجاشى لملوك الفرس والروم والحبشة* وفى المدارك يقال لملوك مصر الفراعنة كما يقال لملوك فارس أكاسرة واسم فرعون قابوس أو الوليد بن مصعب بن ريان* وفى العمدة اسم فرعون قابوس وقيل كيكاوس وقيل حقيق أى جدير انتهى* وفى زمانه بعث شعيب النبىّ عليه السلام الى أولاد مدين بن اسماعيل بن ابراهيم وبعث موسى وهارون عليهما السلام الى فرعون وكان اسمه الوليد بن مصعب وكان من أولاد عاد وكان شدّاد أرسله حاكما الى مصر* روى أن يوسف لما اشتراه العزيز كان ابن سبع عشرة سنة وقال الذى اشتراه من مصر يعنى قطفير من أهل مصر لامرأته وكان اسمها راغيل وقيل زليخا اكرمى مثواه منزله ومقامه عندك قال ابن مسعود أفرس الناس ثلاثة العزيز فى يوسف حيث قال أكرمى مثواه الى آخره وابنة شعيب فى موسى حيث قالت يا أبت استأجره الى آخره وأبو بكر فى عمر حيث استخلفه بعده كذا فى لباب التأويل وأقام يوسف فى منزله فى بيت امرأته زليخا ثلاث عشرة سنة كما مرّ وهى كانت بنت خمس عشرة سنة وعشقت يوسف وراودته التى هو فى بيتها عن نفسه أى طلبت منه المواقعة وتمحلت له من راد يرود اذا جاء وذهب وغلقت الابواب قيل كانت سبعة والتشديد للتكثير أو للمبالغة فى ايثاق الابواب وقالت هيت لك أى أقبل وبادر أو تهيأت لك هيت اسم فعل بنى على الفتح كبناء أين واللام للتبيين أى لك أقول كما تقول هلمّ لك قال معاذ الله انه أى الشأن والحديث ربى وسيدى ومالكى يريد قطفير أحسن مثواى مقامى فلا أخونه فى أهله ولقد همت به وهمّ بها قصدت مخالطته وقصد مخالطتها والهمّ بالشىء قصده والعزم عليه ومنه الهمام وهو الذى اذا همّ بشئ أمضاه ولم ينكل عنه* وفى أنوار التنزيل المراد بهمه ميل الطبع ومنازعة الشهوة لشبق ألغلمة لا الميل الاختيارى وذلك مما لا يدخل تحت التكليف والحقيق بالمدح والاجر الجزيل من الله سبحانه وتعالى من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم الاختيارى أو المراد بهمه مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله لولا أن رأى برهان ربه فى قبح الزنا وسوء عاقبته ولا يجوز أن يجعل وهمّ بها جواب لولا فانها فى حكم أدوات الشرط وللشرط صدر الكلام فلا يتقدّم عليها جوابها بل الجواب محذوف يدل عليه وهم بها كقولك هممت بقتله لولا انى خفت الله معناه انى لولا خفت الله لقتلته* وفى الكشاف وقد فسرهم يوسف بأنه حل الهميان وجلس منها مجلس المجامع وبأنه حلّ تكة سراويله وقعد بين شعبها الاربع وهى مستلقية على قفاها وفسر البرهان بأنه سمع صوتا اياك واياها فلم يكترث له فسمع ثانيا فلم يعمل به فسمع ثالثا أعرض عنها فلم ينجع فيه حتى مثل له يعقوب عاضا على أنملته وقيل ضرب بيده فى صدره فخرجت شهوته من أنامله* وقيل ولد لكلّ من ولد يعقوب اثناعشر ولدا الا يوسف فانه ولد له احد عشر ولدا
من أجل ما نقص من شهوته حين همّ وقيل صيح به يا يوسف لا تكن كطائر كان له ريش فلما زنا أى سفد غير أنثاه قعد لا ريش له وقيل بدت كف فيما بينهما ليس لها عضد ولا معصم مكتوب فيها وانّ عليكم لحافظين كراما كاتبين فلم ينصرفه ثم رأى فيها ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة وساء سبيلا فلم ينته ثم رأى فيها واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله فلم ينجع فيه فقال الله لجبريل أذرك عبدى قبل أن يصيب الخطيئة فانحط جبريل وهو يقول يا يوسف أتعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب فى ديوان الانبياء وقيل رأى تمثال العزيز قطفير وقيل قامت المرأة الى صنم كان هناك فترته وقالت أستحيى أن يرانا فقال يوسف استحييت ممن لا يسمع ولا يبصر ولا أستحيى من السميع البصير العليم بذات الصدور وهذا ونحوه مما يورده أهل الحشو والجبر الذين دينهم بهت الله وأنبيائه وأهل العدل والتوحيد ليسوا من مقالاتهم ورواياتهم بسبيل ولو صدرت من يوسف أدنى زلة لنعيت عليه وذكرت توبته واستغفاره كما نعيت على آدم عليه السلام زلته وعلى داود وعلى نوح وعلى أيوب وعلى ذى النون وذكرت توبتهم واستغفارهم كيف وقد أثنى الله عليه وسماه مخلصا انتهى واستبقا الباب أى ابتدرا اليه يفرّ منها يوسف فأسرع يريد الباب ليخرج وأسرعت وراءه لتمنعه الخروج أراد بالباب الباب البرّانى الذى هو المخرج من الدار والمخلص فلا يرد أن يقال كيف وجد الباب مفتوحا وقد جمعه فى قوله وغلقت الابواب* روى كعب أنه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى خرج من الابواب وقدّت قميصه من دبر اجتذبته فانقدّ أى انشق طولا حتى هرب منها الى الباب وتبعته تمنعه وألفيا سيدها أى وجدا زوجها وبعلها وهو قطفير لدى الباب تقول المرأة لبعلها سيدى وانما لم يقل وجدا سيدهما لان ملك يوسف لم يصح فلم يكن سيدا له على الحقيقة وقيل ألفياه مقبلا يريد أن يدخل فنزهت نفسها وقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوأ زنا الا أن يسجن أى يحبس أو عذاب أليم مؤلم بأن يضرب قال يوسف متبرّئا هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلها ابن عمّ لها* روى أنه كان فى المهد وعن النبىّ صلى الله عليه وسلم تكلم فى المهد أربعة وهم صغار ابن ماشطة فرعون وشاهد يوسف وصاحب جريج وعيسى وقال نسوة فى المدينة مصر أى قال جماعة من النساء وكنّ خمسا امرأة الساقى وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب السجن وامرأة الحاجب امرأة العزيز تراود فتاها عبدها عن نفسه قد شغفها حبا تمييز* فى الكشاف شغفها خرق حبه شغاف قلبها حتى وصل الى الفؤاد والشغاف حجاب القلب وقيل جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب فلما سمعت بمكرهنّ بغيبتهنّ وسوء مقالتهنّ وقولهنّ امرأة العزيز عشقت عبدها الكنعانى أرسلت اليهنّ دعتهنّ* قيل دعت أربعين امرأة فيهنّ الخمس المذكورات وأعتدت أعدّت وهيأت لهنّ متكأ ما يتكئن عليه من نمارق وعن مجاهد متكأ طعاما يحزّ حزا وقرئ متكا بغير همز وهو الاترج* وقال وهب أترجا وموزا وبطيخا وآتت أعطت كل واحدة منهنّ سكينا وقالت ليوسف اخرج عليهنّ فلما رأينه أكبرنه أعظمنه وقطعن جرحن أيديهنّ بالسكاكين ولم يشعرن بالالم لشغل قلبهنّ بيوسف وقلن حاش لله تنزيها له اللام للتبيين نحو قولك سقيا لك ما هذا أى يوسف بشرا ان هذا ما هذا الا ملك كريم قالت امرأة العزيز لما رأت ما حلّ بهنّ فذلكنّ الذى لمتننى فيه فى حبه بيان لعذرها ولقد راودته عن نفسه فاستعصم فامتنع ولئن لم يفعل ما آمره أى ما آمر به فحذف الجار والضمير للموصول أو أمرى اياه اى موجب أمرى ومقتضاه على أن ما مصدرية ليسجننّ وليكونا من الصاغرين من الذليلين قلن له أطع مولاتك ولم يطعها فسجن بسببها سبع سنين على قول الجمهور ودخل معه السجن فتيان عبدان للملك شرابيه وخبازه بتهمة السم* وفى كتاب الاعلام اسم أحدهما شرهم والآخر برهم فتحا لما فقال الشرابىّ انى رأيت كأنى فى بستان
فاذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عنا قيد من عنب فقطفتها وعصرتها فى كأس الملك وسقيته وقال الخباز رأيت كان فوق رأسى ثلاث سلال فيها أنواع الاطعمة فاذا سباع الطير تنهش منها فقالا له نبئنا بتأويله فأوّل يوسف رؤيا الشرابى بأنه يعود الى عمله ويسقى سيده خمرا وأوّل رؤيا الخباز بأنه يقتل* روى أنه قال للاوّل ما رأيت من الكرمة هو الملك وحسن حالك عنده وأما القضبان الثلاثة فانها ثلاثة أيام تمضى فى السجن ثم تخرج وتعود الى ما كنت عليه من عملك اذكرنى وصفنى عند الملك بصفتى وقص عليه قصتى لعله يرحمنى ويخلصنى من هذه الورطة وفى الحديث رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اذكرنى عند ربك لما لبث فى السجن سبعا وقال للثانى ما رأيت من السلال الثلاث ثلاثة أيام ثم تخرج وتقتل وكان أمرهما كما قال* ولما دنا فرج يوسف رأى ملك مصر الريان بن الوليد رؤيا عجيبة هالته رأى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يابص وسبع بقرات عجاف فابتلعت العجاف السمان ورأى سبع سنبلات خضر انعقد حبها وسبعا أخر يابسات قد استحصدت وأدركت فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبن عليها فاستعبرها الملك وقال يأيها الملأ أفتونى فى رؤياى فلم يجد فى قومه من يحسن عبارتها وقالوا أضغاث أحلام أى تخاليط منامات باطلة وليس لنابها علم ولما استفتى الملك فى رؤياه وأعضل على الملأ تأويلها وعجزوا عنها تذكر الناجى بعد مدّة طويلة يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه اليه أن يذكره عند الملك فقال أنا اخبركم بمن عنده تأويلها فأرسلوه فانطلق الى يوسف وقص عليه رؤيا الملك واستعبره فقال أيها الصدّيق أفتنا فى سبع بقرات سمان الى آخر ما رآه الملك فتأوّل يوسف البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجىء مباركا كثيرا لخير غزير النعم وذلك بعد أربع عشرة سنة من وقت استفتاء الرؤيا* قيل كان ابتداء بلاء يوسف فى الرؤيا ثم كان سبب نجاته أيضا الرؤيا فلما رجع المستعبر الى الملك بخبر يوسف وتأويله الرؤيا قال ائتونى به استخلصه لنفسى فجاءه الرسول ليخرجه من السجن وكان معه سبعون حاجبا وسبعون مركبا وبعث الملك اليه لباس الملوك فقال أجب الملك فخرج من السجن ودعا لاهله فقال اللهم أعطف عليهم قلوب الاخيار ولا تعمّ عليهم الاخبار فهم أعلم الناس بالاخبار فى الواقعات وكتب على باب السجن هذه منازل البلوى وقبور الاحياء وشماتة الاعداء وتجربة الاصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثيابا جددا فلما دخل على الملك قال اللهم انى اسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شرّه ثم سلم عليه ودعا له بالعبرانية فقال ما هذا اللسان قال لسان آبائى وكان الملك يتكلم بسبعين لسانا فكلمه بها فأجابه بجميعها فتعجب منه فقال أيها الصدّيق انى أحب أن اسمع رؤياى منك قال رأيت بقرات فوصف لونهنّ وأحوالهنّ ومكان خروجهنّ ووصف السنابل وما كان منها على الهيئة التى رآها الملك وقال من حقك أن تجمع الطعام بالاهراء فيأتيك الخلق من النواحى ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لاحد قبلك قال الملك ومن لى بهذا الامر ومن يجمعه قال يوسف اجعلنى على خزائن الارض أى ولنى خزائن أرضك يعنى مصر* وفى الحديث رحم الله أخى يوسف لو لم يقل اجعلنى على خزائن الارض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة* روى أن الملك توجه وختمه بخاتمه ورداه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدرّ والياقوت فقال له أما السرير فاشدد به ملكك وأما الخاتم فدبر به أمرك وأما التاج فليس من لباسى ولا من لباس آبائى فاستوزره الريان وهو ابن ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين سنة قيل توفى جدّه اسحاق حينئذ وعمره مائة وثمانون سنة وكان ضريرا ودفن عند قبر أبيه وأوتى يوسف الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة* وفى تفسير الحدّادى فى قوله تعالى ولما بلغ أشدّه قال ابن عباس ولما بلغ ثمانى عشرة سنة آتيناه النبوّة ولما
استوزر دانت له الملوك وفوّض اليه الامر وكان الملك كالتابع له يصدر عن رأيه ولا يعترض عليه فى كل ما رأى وعزل قطفير ثم مات قطغير بعده فزوّجه الملك امرأته زليخا فلما دخل عليها قال لها أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء وكان العزيز عنينا فولدت ليوسف ولدين افراثيم وميشا وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى وأقام يوسف العدل بمصر وأحبه الرجال والنساء وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر فى سنى القحط الطعام بالدراهم والدنانير فى السنة الاولى حتى لم يبق معهم شئ منها ثم بالحلى والجواهر فى السنة الثانية ثم بالدواب فى الثالثة ثم بالعبيد والاماء فى الرابعة ثم بالدور والعقار فى الخامسة ثم بأولادهم فى السادسة ثم برقابهم فى السابعة حتى استرقهم جميعا ثم أعتق أهل مصر عن آخرهم وردّ عليهم أملاكهم وكان لا يبيع لاحد من الممتارين أكثر من حمل بعير وأصاب أهل كنعان ما أصاب أهل مصر من الجهد فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا منها فجاء اخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون لتبدّل الزىّ أو لانه كان وراء حجاب أو لطول المدّة وهى أربعون سنة* روى أنه لما رآهم تكلموا بالعبرانية قال لهم أخبرونى من أنتم وما شأنكم قالوا نحن قوم رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جئتم عيونا تنظرون عورة بلادى قالوا معاذ الله نحن بنو نبى حزين لفقد ابن كان أحبنا اليه وقد أمسك اخاله من أمه يستأنس به فقال ائتونى به ان صدقتم وقال ومن يشهد لكم انكم لستم بعيون وان الذى تقولون حق قالوا اننا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد فيشهد قال فدعوا بعضكم عندى رهينة وائتونى بأخ لكم من أبيكم وهو يحمل رسالة ابيكم حتى أصدّقكم فاقترعوا عودا فيهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا فى يوسف فخلفوه عنده وجهزهم وأعطى كل واحد حمل بعير وقال ائتونى بأخ لكم من أبيكم قالوا سنراود عنه أباه أى سنخادعه ونحتال عليه حتى ننزعه من يده فلما رجعوا الى أبيهم بالطعام وأخبروه بما فعل يوسف قالوا يا أبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل واناله لحافظون عن ان يناله مكروه قال هل آمنكم عليه الا كما أمنتكم على أخيه من قبل وقال لن ارسله معكم حتى تؤتونى موثقا عهدا من الله بأن تحلفوا لى بالله لتأتننى به الا أن يحاط بكم وتغلبوا فلم تطيقوا به فلما آتوه موثقهم وحلفوا بالله رب محمد دفع بنيامين اليهم وقال الله على ما نقول وكيل وقال فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين* قال كعب لما قال فالله خير حفظا قال الله بعزتى وجلالى لاردّن عليك كليهما ووصاهم أن لا يدخلوا من باب واحد بل يدخلوا من أبواب متفرّقة الجمهور على أنه خاف عليهم العين لجمالهم وجلالة أمرهم فالعين حق وجوده بأن يحدث الله عند النظر الى الشىء والاعجاب به نقصانا فيه وخللا* وقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ان العين لتدخل الجمل القدر والرجل القبر وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين فيقول أعيذ كما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة فلما دخلوا على يوسف قالوا له هذا أخونا قد جئنا به قال أحسنتم وآوى وضم اليه أخاه بنيامين فأنزلهم وأحسن مثواهم وأضافهم وأكرم نزلهم ومقراهم وأجلس كل اثنين منهم على مائدة فبقى بنيامين وحده فبكى وقال لو كان أخى يوسف حيالا جلسنى معه فقال يوسف بقى أخوكم وحيدا فأجلسه معه على مائدته وجعل يواكله وقال أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك قال من يجد أخا مثلك ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل فبكى يوسف وعانقه وقال انى أنا أخوك يوسف فلا تبتئس ولا تحزن بما كانوا يعملون بنا فيما مضى فان الله قد أحسن الينا وجمعنا على خير ولا تعلّمهم بما أعلمتك* روى أن بنيامين قال ليوسف فأنا لا أفارقك قال يوسف قد علمت اغتمام والدى بى فاذا حبستك ازداد غمه ولا سبيل الى ذلك الا أن أنسبك الى ما لا يجمل قال لا أبالى افعل ما بدالك قال فانى أدس صاعى فى رحلك ثم أنادى عليك بأنك سرقته ليتهيألى ردّك بعد تسريحك معهم
قال افعل فلما جهزهم بجهازهم وهيأ
أسبابهم وأوفى الكيل لهم جعل السقاية يعنى مشربة يسقى بها وهى الصواع قيل كان يسقى بها الملك ثم جعلت صاعا يكال بها العزة الطعام وكان يشبه الطاس من فضة أو ذهب فدسوه فى رحل بنيامين* روى أنهم ارتحلوا وأمهلهم يوسف حتى انطلقوا ثم أمر بهم فأدركوا وحبسوا ثم نادى مناد أيتها العير وهى الابل التى عليها الاحمال لانها تعير أى تذهب وتجىء والمراد أصحاب العير انكم لسارقون كناية عن سرقتهم اياه من أبيه قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير قال المؤذن وأنا به زعيم يريد أنا بحمل البعير كفيل أؤدّيه الى من جاء به وأراد وسق بعير من طعام جعلا لمن حصله قالوا تالله قسم فيه معنى التعجب مما نسب اليهم ما جئنا لنفسد فى الارض* روى أنهم حين دخلوا كان أفواه رواحلهم مشدودة لئلا تتناول زرعا أو طعاما لاحد من أهل السوق وما كنا سارقين قالوا فما جزاء الصواع أى سرقته ان كنتم كاذبين فى جحودكم وادعائكم البراءة منها قالوا جزاء سرقته أخذ من وجد فى رحله وكان حكم السارق فى آل يعقوب أن يسترق سنة فبدأ بتفتيش أوعيتهم قبل وعاء أخيه بنيامين لنفى التهمة حتى بلغ وعاء فقال ما أظنّ هذا أخذ شيئا فقالوا والله لا يترك حتى تنظر فى رحله فانه أطيب لنفسك وأنفسنا ثم استخرج الصواع من وعاء أخيه قالوا ان يسرق فقد سرق أخ له من قبل أرادوا يوسف قيل دخل كنيسة فأخذ تمثالا صغيرا من ذهب كانوا يعبدونه فدفنه وقيل كان فى المنزل دجاجة فأعطاها السائل وقيل كانت منطقة لابراهيم يتوارثها أكابر ولده فورثها اسحاق ثم وقعت الى ابنته وكانت أكبر أولاده فحضنت يوسف وهى عمته بعد وفاة أمه وكانت لا تصبر عنه فلما شب أراد يعقوب أن ينتزعه منها فعمدت الى المنطقة فحزمتها على يوسف تحت ثيابه وقالت قد فقدت منطقة اسحاق فانظروا من أخذها ففتشوا فوجدوها محزومة على يوسف فقالت انه لى سلم أفعل به ما شئت فحلاه يعقوب عندها حتى ماتت يقال فلان سلم فى أيدى بنى فلان أى أسير* وروى أنهم لما استخرجوا الصواع من رحل بنيامين نكس اخوته رؤسهم حياء وأقبلوا عليه فقالوا له فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا بنى راحيل ما يزال لنا منكم بلاء متى أخذت هذا الصواع فقال بنو راحيل لا يزال منكم عليهم بلاء ذهبتم بأخى فأهلكتموه فأسرّ يوسف فى نفسه مقالتهم قد سرق أخ له من قبل وتغافل عنها كأن لم يسمعها ولما أخذ بنيامين بعلة السرقة قالوا له يأيها العزيز ان له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه أى بدله فأبى وقال معاذ الله أن نأخذ الا من وجدنا متاعنا عنده فلما استيأسوا من يوسف واجابته انفردوا عن الناس متناجين فى تدبير أمرهم على أىّ صفة يذهبون وماذا يقولون لابيهم فى شأن اخيهم قال كبيرهم فى السنّ وهو روبيل أو فى العقل وهو يهوذا أو رئيسهم وهو شمعون ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرّطتم وقصرتم فى شأن يوسف فلن أبرح الارض أى لن أفارق أرض مصر حتى يأذن لى أبى فى الانصراف اليه أو يحكم الله لى فى الخروج منها او بالموت او بقتالهم ارجعوا الى ابيكم فقولوا يا أبانا ان ابنك سرق وما شهدنا عليه بالسرقة الا بما علمنا من سرقته وما كنا للغيب حافظين أى ما علمنا انه سيسرق حين أعطيناك المواثيق واسأل اهل مصر عن كنه القصة واصحاب العير وكانوا قوما من كنعان من جيران يعقوب وانا لصادقون فى قولنا فرجعوا الى ابيهم فقالوا له ما قال لهم اخوهم قال يعقوب بل سوّلت وسهلت لكم أنفسكم أمرا أردتموه والا فمن أدرى ذلك الرجل ان السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم فصبر جميل عسى الله أن يأتينى بهم جميعا أى بيوسف واخيه وكبيرهم وتولى وأعرض عنهم كراهة لما جاءوا به وقال يا اسفا على يوسف الاسف اشدّ الحزن والحسرة والالف بدل عن ياء الاضافة وابيضت عيناه من الحزن أى اذا كثر الاستعبار محقت العبرة سواد العين وقلبته الى بياض كدر قيل قد عمى بصره وقيل يدرك ادراكا ضعيفا قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف الى حين لقائه
ثمانين سنة أو أربعين سنة كذا فى المدارك* وفى الكشاف عن النبىّ صلى الله عليه وسلم انه سأل جبريل ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف قال وجد سبعين ثكلى قال فما كان له من الاجر قال اجر مائة شهيد وما ساء ظنه بالله ساعة قط* وفى الكشاف عن الحسن انه بكى على ولده او غيره فقيل له فى ذلك فقال ما رأيت الله جعل الحزن عارا على يعقوب ويجوز للنبىّ ان يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لان الانسان مجبول على ان لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ولده ابراهيم وقال القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وانا عليك يا ابراهيم لمحزونون وانما المذموم الصياح والنياح ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب* قيل ان يعقوب اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت وروى انه رأى ملك الموت فى منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال لا والله هو حىّ فاطلبه وعلمه هذا الدعاء* يا ذا المعروف الدائم الذى لا ينقطع معروفه ابدا ولا يحصيه غيره فرّج عنى* فقال يا بنىّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف واخيه ولا تيأسوا من روح الله أى لا تقنطوا من رحمة الله فخرجوا من عند أبيهم راجعين الى مصر فلما دخلوا على يوسف قالوا يأيها العزيز مسنا واهلنا الضرّ الهزال من شدّة الجوع وجئنا ببضاعة مزجاة حقيرة يدفعها كل تاجر رآها رغبة عنها واحتقارا لها قيل كانت دراهم زيوفا لا تؤخذ الا بوضيعة وقيل كانت صوفا وسمنا فأوف لنا الكيل وتصدّق علينا ولما قالوا مسنا واهلنا الضرّ وتضرّعوا اليه وطلبوا أن يتصدّق عليهم ارفضت عيناه ولم يتمالك أن عرّفهم نفسه حيث قال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه اذ أنتم جاهلون وقيل أدّوا اليه كتاب يعقوب من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى عزيز مصر أما بعد فانا أهل بيت موكل بنا البلاء فأما جدّى فشدّت يداه ورجلاه ورمى به فى النار ليحرق فنحاه الله وجعلت النار بردا وسلاما وأما أبى فوضع السكين فى قفاه ليقتل ففداه الله وأما أنا فكان لى ابن وكان أحب اولادى فذهب به اخوته الى البرية ثم أتوا بقميصه ملطخا بالدم وقالوا قد أكله الذئب فذهبت عيناى من بكائى عليه ثم كان لى ابن وكان أخاه من أمه وكنت أتسلى به فذهبوا به ثم رجعوا وقالوا انه سرق وانك حبسته وانا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقا فان رددته علىّ والا دعوت عليك دعوة تدرك السابع من ولدك والسلام* فلما قرأ يوسف الكتاب لم يتمالك وعيل صبره فقال لهم هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه* وروى أنه لما قرأ الكتاب بكى وكتب الجواب اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا* وفى رواية مكتوب يعقوب أخصر مما ذكر كتب بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب اسرائيل الله بن اسحاق ذبيح الله بن ابراهيم خليل الله الى العزيز ريان أما بعد فانا أهل بيت مولع بنا البلاء أما جدّى ابراهيم خليل الله ابتلى بالنار فأنجاه الله واما أبى اسحاق ابتلى بالذبح ففداه الله وأما أنا فكان لى قرّة عين من أولادى ابتليت بفراقه حتى عميت وكان له أخ كلما هاج بى شوقى ضممته الى صدرى والآن محبوس عندك بعلة السرقة واعلم انى لا أكون سارقا ولا ألد سارقا فان تفضلت بردّه فلك فى ذلك الاجر والثواب يوم الحساب وكتب يوسف فى جوابه بعبارة أطول مما ذكر قيل كان باملاء جبريل كتب بسم الله الرحمن الرحيم كتابى هذا الى يعقوب اسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله من العزيز ريان أما بعد فقد وصل الىّ كتابه بما وصف من حال آبائه وبلائه وابتلائه بفراق اولاده فوقفت عليه فعليه بالصبر الجميل أما جدّك ابراهيم ابتلى بالنار صبر فظفر وأما أبوك اسحاق ابتلى بالذبح صبر فظفر وأنت ابن الصابرين فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا والسلام على من اتبع الهدى ومعنى فعلهم بأخى يوسف تعريضهم اياه للغم بافراده عن أخيه لابيه وأمه وايذائهم اياه بأنواع الاذى قال اخوة يوسف أئنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخى قد منّ الله علينا الآن
بالالفة بعد الفرقة قالوا تالله لقد آثرك الله علينا أى اختارك
وفضلك علينا بالعلم والتقوى والصبر والحسن وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين* روى ان اخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا اليه انك تدعونا الى طعامك بكرة وعشيا ونحن نستحيى منك لما فرط منافيك فقال يوسف ان اهل مصر وان ملكت فيهم فانهم ينظرون الىّ بالعين الاولى ويقولون سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ ولقد شرفت الآن بكم حيث علم الناس أنى من حفدة ابراهيم اذهبوا بقميصى هذا قيل هو القميص المتوارث الذى كان فى تعويذ يوسف وكان من الجنة أمره جبريل أن يرسله الى ابيه فان فيه ريح الجنة لا يقع على مبتلى ولا سقيم الاعوفى قال فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا أى يأت الىّ وهو بصير قال يهوذا أنا احمل قميص الشفاء كما ذهبت بقميص الجفاء قيل حمله وهو خاف حاسر من مصر الى كنعان وبينهما ثمانون فرسخا وقال لهم يوسف ائتونى بأهلكم اجمعين لينعموا بآثار ملكى كما اغتموا بأخبار هلكى ولما فصلت العير وخرجت من عريش مصر قال ابوهم وهو فى كنعان لولد ولده ومن حوله من قومه انى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون أوجد الله ريح القميص حين اقبل من مسيرة ثمانية ايام فلما أن جاء البشير وهو يهوذا ألقى القميص على وجهه فارتدّ بصيرا* وروى أن يعقوب سأل البشير كيف يوسف فقال هو ملك مصر قال ما أصنع بالملك على أىّ دين تركته قال على دين الاسلام قال الآن تمت النعمة ثم ان يوسف وجه الى ابيه جهازا ومائتى راحلة ليتجهز هو ومن معه فلما بلغ قريبا من مصر خرج يوسف والملك فى أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشى ويتوكأ على يهوذا فلما دخلوا على يوسف وذلك قبل دخولهم مصر حين استقبلهم نزل بهم فى مضرب أو قصر كان له ثمة فدخلوا عليه آوى اليه ابويه أى ضمهما واعتنقهما اليه قيل كانت أمه باقية وقيل كانت أمه ماتت وتزوّج يعقوب خالته والخالة امّ كما ان العمّ أب* روى انه لما لقيه يعقوب قال السلام عليك يا مذهب الاحزان قال له يوسف بعد ردّ السلام عليه يا ابت بكيت علىّ حتى ذهب بصرك ألم تعلم أن القيامة تجمعنا فقال بلى ولكن خشيت ان يسلب دينك فيحال بينى وبينك* قيل ان يعقوب وولده دخلوا مصروهم اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة وخرجوا منها مع موسى ومقاتلتهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعون رجلا سوى الذرّية والهرمى وكانت الذرّية ألف ألف ومائتى ألف ولما دخلوا مصر وجلس يوسف فى مجلسه مستويا على سريره واجتمعوا اليه أكرم أبويه فرفعهما على السرير وخرّوا له سجدا يعنى الاخوة الاحد عشر والابوين* ذكر المفسرون ان الله أحيا امّ يوسف تحقيقا لرؤياه والله على كل شىء قدير وكانت السجدة عندهم جائزة جارية مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليدين قال الزجاج كانت سنة التعظيم فى ذلك الوقت أن يسجد للمعظم وقيل كانت الانحناء دون تعفير الجبهة وخرورهم سجدا يأباه وقيل خرّوا لاجل يوسف سجدا لله شكرا وفيه أيضا نبوة واختلف فى استنبائهم وقال يوسف يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا صادقة وكان بين الرؤيا وبين التأويل أربعون سنة وهو قول ابن عباس وأكثر المفسرين أو ثمانون سنة وهو قول الحسن البصرى وسيجىء وقيل ست وثلاثون وقيل اثنتان وعشرون سنة* قال مجاهد أخرج يوسف من عند يعقوب وهو ابن ست سنين وجمع بينهما وهو ابن أربعين سنة* وعن الحسن قال ألقى يوسف فى الجبّ وهو ابن سبع عشرة سنة وكان فى العبودية ثمانين سنة وعاش بعد ذلك ثمانية وعشرين سنة وتوفى وهو ابن مائة وعشرين سنة كاذا فى العرائس* قال وأقام يعقوب مع يوسف أربعا وعشرين سنة بأغبط حال واهنأ عيش وأتم سرور وقيل سبع عشرة سنة ثم حضرته الوفاة وأوصى يوسف أن يحمله الى الشام ويدفنه فى الارض المقدّسة عند أبيه وجده ففعل ذلك وجعله فى تابوت من ساج وحمله الى بيت