الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاضى البيضاوى فى حواشى أنوار التنزيل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار بشر بن البراء ابن معرور فى بنى سلمة فتغدّى هو وأصحابه وجاءت الظهر فصلى بأصحابه فى مسجد القبلتين ركعتين من الظهر نحو الشأم ثم أمر أن يستقبل الكعبة وهو راكع فى الركعة الثانية فاستدار الى الكعبة ودارت الصفوف خلفه ثم أتم الصلاة فسمى مسجد القبلتين* وفى المواهب اللدنية وقع عند النسائى انها الظهر وظاهر حديث البراء فى البخارى انها كانت صلاة العصر وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر الى صلاة الفجر من اليوم الثانى كما فى الصحيحين وفى هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه الا بعد العلم به وان تقدّم نزوله لانهم لم يؤمروا باعادة العصر والمغرب والعشاء والله أعلم قال الواقدىّ كان هذا يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا وعن البراء على رأس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على اختلاف الاقوال* وفى الكشاف وأنوار التنزيل والاستيعاب روى أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه الى الكعبة فى رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين وقد صلّى بأصحابه فى مسجد بنى سلمة ركعتين من الظهر فتحوّل فى الصلاة واستقبل الميزاب وتبادل الرجال والنساء صفوفهم فسمى المسجد مسجد القبلتين وفى تبصير الرحمن نزلت الفاتحة بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة حين حوّلت القبلة لدلالتها على أنه رب الجهات كلها وقد اختار أفضلها فله الحمد*
تجديد بناء مسجد قباء
وفى هذه السنة كان تجديد بناء مسجد قباء روى عن أبى سعيد الخدرى قال لما صرفت القبلة الى الكعبة اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء فقدم جدار المسجد الى موضعه اليوم وأسسه بيده وحوّل قبلته الى جهة الكعبة وكانت الى جهة بيت المقدس ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الحجارة لبنائه وقد مرّت فضيلة لصلاة فيه فى أوّل مقدمه قباء*
نزول فرض رمضان
وفى شعبان هذه السنة نزلت فريضة رمضان* وفى معالم التنزيل ويقال انزل فرض شهر رمضان قبل رمضان بشهر وأيام على ما روى عن أبى سعيد الخدرى قال نزل فرض شهر رمضان بعد ما صرفت القبلة الى الكعبة فى شعبان بشهر على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة فلما فرض رمضان لم يأمرهم بصيام عاشوراء ولانهاهم عنه*
غزوة بدر الكبرى
وفى هذه السنة وقعت غزوة بدر الكبرى فى معالم التنزيل وسيرة ابن هشام قال ابن اسحاق كانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة السابع عشر من رمضان على رأس ثمانية عشر شهرا من الهجرة وقيل التاسع عشر من رمضان والاوّل أصبح وكذا فى المنتقى* وفى المواهب اللدنية بعد الهجرة بتسعة عشر شهرا وكان خروج المسلمين من المدينة لاثنتى عشرة ليلة مضت من رمضان وقال ابن هشام لثمان ليال خلون من رمضان وفى الاستيعاب وكانت غزوة بدر فى السنة الثانية من الهجرة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان وليس فى غزواته ما يعدل بها فى الفضل ويقرب منها غزوة الحديبية حيث كان فيها بيعة الرضوان وذلك سنة ست وقال ابن اسحاق فى ليال مضت من رمضان وبدر بالفتح والسكون بئر حفرها رجل من غفار اسمه بدر بن قريش بن مخلد بن النضر بن كنانة وقيل بدر رجل من بنى ضمرة سكن ذلك الموضع فنسب اليه ثم غلب اسمه ويقال بدر اسم البئر التى بها سميت لاستدارتها أو لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها وحكى الواقدىّ انكار ذلك كله من غير واحد من شيوخ بنى غفار قالوا انما هى ماؤنا ومنازلنا وما ملكها أحد قط يقال له بدر وانما هى علم عليها كغيرها من البلاد* وفى معجم ما استعجم بدر ماء على ثمانية وعشرين فرسخا من المدينة فى طريق مكة وبدر مذكر ولا يؤنث جعلوه اسم ماء* قال ابن كثير وهو يوم الفرقان الذى أمدّ الله فيه نبيه والمسلمين بالملائكة وفى الوفاء وهو يوم الفرقان الذى أعز الله فيه الاسلام وأهله ودمغ فيه الشرك وخرب محله هذا مع قلة عدد المسلمين وكثرة
العدوّ مع ما كانوا فيه من سوابغ الحديد والعدّة الكاملة والخيول المسوّمة والخيلاء الزائد فأعز الله رسوله وأظهر وحيه وتنزيله وبيض وجه النبىّ صلى الله عليه وسلم وأخزى الشيطان وجبله ولهذا قال تعالى ممتنا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة أى قليل عددكم فقد كانت هذه أعظم غزوات الاسلام اذ منها كان ظهوره وبعد وقوعها أشرق على الآفاق نوره ومن حين وقوعها أذل الله الكفار وأعز من حضرها من المسلمين فهم عند الله من الابرار* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بأبى سفيان بن حرب مقبلا من الشأم فى عير لقريش عظيمة فيها أموال لقريش وتجارة من تحاراتهم وفيها ثلاثون رجلا من قريش أو اربعون منهم مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة وعمرو بن العاص بن وائل بن هشام* وقال غيره كانت العير زها ألف بعير وفى أحمالها من التمر والشعير والبرّ والزبيب وغير ذلك كذا فى الينابيع وهى العير التى كان فيها أبو سفيان بن حرب مع جمع من قريش خرجوا من مكة الى الشأم وكان صلى الله عليه وسلم خرج اليها وسار الى العشيرة فلم يدركها فرجع الى المدينة فأخبر جبريل بقفول العير من الشأم فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم المسلمين فأعجبهم تلقى العير لكثرة الخير وقلة القوم* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبى سفيان مقبلا من الشأم ندب المسلمين اليهم وقال هذه عير قريش فيها أموال فاخرجوا اليها لعل الله ينفلكموها فانتدب المسلمون فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك انهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا وكان أبو سفيان بن حرب حين دنا من الحجاز يتجسس الاخبار ويسأل من لقى من الركبان تخوّفا عن أمر الناس حتى أصاب خبرا من بعض الركبان أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك فحذر عند ذلك فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفارى فبعثه الى مكة وأمره أن يأتى قريشا فيستنفرهم الى أموالهم ويخبرهم أنّ محمدا قد عرض لها فى أصحابه فخرج ضمضم بن عمرو سريعا الى مكة قال ابن اسحاق وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث رؤيا أفزعتها فبعثت الى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخى والله لقد رأيت البارحة رؤيا أفزعتنى وتخوّفت أن يدخل على قومك منها شرّ ومصيبة فاكتم عنى ما أحدّثك وما رأيت فقال لها وما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالابطح ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لصارعكم فى ثلاث فأرى الناس اجتمعوا اليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم فى ثلاث ثم مثل به بعيره على أبى قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى اذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقى بيت من بيوت مكة ولا دار الا دخلها منها فلقة قال العباس والله ان هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لاحد ثم خرج العباس فلقى الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه اياها فذكرها الوليد لابيه عتبة ففشا الحديث بمكة حتى تحدّثت به قريش قال العباس فغدوت لاطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام فى رهط من قريش قعود يتحدّثون برؤيا عاتكة فلما رآنى أبو جهل قال يا أبا الفضل اذا فرغت من طوافك فأقبل الينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست بينهم فقال لى أبو جهل يا بنى عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال تلك الرؤيا التى رأت عاتكة قال قلت وما رأت فقال يا بنى عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تنبأ نساؤكم قد زعمت عاتكة فى رؤياها انه قال انفروا لمصارعكم فى ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فان يك حقا ما تقول فسيكون وان تمض الثلاث ولم يكن شىء من ذلك نكتب عليكم كتابا انكم أكذب اهل بيت فى العرب قال ثم تفرّقنا فلما أمسينا لم تبق امرأة من بنى عبد المطلب الا أتتنى
فقالت أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع فى رجالكم ثم تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشئ مما سمعت قال قلت وايم الله لا تعرضنّ له فان عاد لا كفيكنه قال فغدوت فى اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا حديد مغضب فدخلت المسجد فرأيته فو الله انى لا مشى نحوه لا تعرضه ليعود لبعض ما قال فأوقع به وكان رجلا خفيفا حديد الوجه حديد اللسان حديد النظر اذ خرج نحو باب المسجد يشتدّ قال فقلت فى نفسى ماله لعنه الله أكل هذا فرقا منى أن اشاتمه قال فاذا هو قد سمع ما لم أسمعه صوت ضمضم بن عمرو الغفارى وهو يصرخ ببطن الوادى واقفا على بعيره قد جدع بعيره وحوّل رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبى سفيان قد عرض لها محمد فى أصحابه لا أرى ان تدركوها الغوث الغوث قال فشغلنى عنه وشغله عنى ما جاء من الامر* وفى رواية فنادى أبو جهل فوق الكعبة يا اهل مكة النجاء النجاء على كل صعب وذلول عيركم وأموالكم ان أصابها محمد لن تفلحوا اذا أبدا فتجهز الناس سراعا وقالوا أيظنّ محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمى كلا والله ليعلمنّ غير ذلك فكانوا بين رجلين اما خارج واما باعث مكانه رجلا وأرعبت قريش ولم يتخلف من أشرافها أحد الا ان أبا لهب بن عبد المطلب قد تخلف وبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة وكان قد لأط له بأربعة آلاف درهم كانت له عليه أفلس بها فاستأجره بها على أن يجزئ عنه فخرج عنه وتخلف ابو لهب قال ابن اسحاق وحدّثنى عبد الله بن ابى نجيح ان أمية بن خلف كان قد أجمع على القعود وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا فأتاه عقبة بن ابى معيط وهو جالس فى المسجد بين ظهرى قومه بمجمرة يحملها فيها نار حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا على استجمر فانما أنت من النساء قال قبحك الله وقبح ما جئت به قال ثم تجهز فخرج مع الناس* وفى رواية كان أمية قد سمع من سعد بن معاذ أن النبى صلى الله عليه وسلم قال سأقتله فقال أمية والله ان محمد الا يكذب ولم يزل يخاف من ذلك فعزم للقعود فأتاه أبو جهل فقال يا أبا صفوان انك سيد أهل الوادى فسربنا يوما أو يومين فوسوس اليه حتى خرج وفى سيرة ابن هشام ولما فرغوا من جهازهم وأجمعوا السير ذكروا ما بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب والعداوة قالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا وكاد ذلك أن يثبطهم ويثنيهم فتبدّى لهم ابليس فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجى وكان سراقة من أشراف بنى كنانة فقال أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشىء تكرهونه فخرجوا سراعا* وفى رواية ولما التقى الجمعان كان ابليس فى صف المشركين على صورة سراقة بن مالك بن جعشم آخذا بيد الحارث بن هشام* وفى رواية بيد أبى جهل ورأى الملائكة نزلت من السماء ورأى جبريل معتجرا ببرد يمشى بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى يده اللجام يقود الفرس وما ركب بعد وعلم انه لا طاقة له بهم نكص على عقبيه موليا هاربا فقال له الحارث الى أين أفرارا من غير قتال وحول بمكة أتخذ لنا فى هذه الحالة قال انى أرى ما لا ترون ودفع فى صدر الحارث فانطلق فانهزم الناس ولما قدموا مكة قالوا هزم الناس سراقة فبلغ ذلك سراقة فقال بلغنى انكم تقولون انى هزمت الناس فو الله ما شعرت بمسيركم حتى بلغنى هزيمتكم فقالوا ما أتيتنا يوم كذا فحلف لهم فلما أسلموا علموا أن ذلك كان الشيطان كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء ذكر انهم كانوا يرونه فى كل منزل فى صورة سراقة لا ينكرونه حتى اذا كان يوم بدر والتقى الجمعان نكص على عقبيه فأوردهم ثم أسلمهم* روى عن السدّى والكلبى انهما قالا كان المشركون حين خرجوا الى النبى صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهمّ انصر أهدى الفئتين وأعلى الجندين وأكرم الحزبين وأفضل الدين ففيه نزلت ان تستفتحوا فقد جاءكم الفتح فخرجت قريش من مكة سراعا معها القيان والدفوف* قال ابن اسحاق
وخرج رسول الله صلّى الله
عليه وسلم من المدينة لليال مضت من شهر رمضان فى أصحابه* وقال ابن هشام خرج يوم الاثنين لثمان ليال خلون من شهر رمضان واستعمل على المدينة عمرو بن أم مكتوم ويقال اسمه عبد الله ابن أم مكتوم أخا بنى عامر بن لؤى على الصلاة بالناس ثم ردّ أبا لبابة من الروحاء واستعمله على المدينة وفى رواية خرج معه قوم من الانصار لطلب الغنيمة وقعد آخرون ولم تكن الانصار خرجت قبل ذلك الى عدوّ ولم يظنوا أنه عليه السلام يلقى عدوّا فلم يلهم لانه لم يخرج للقتال ولم يكن غزا بأحد قبلها وضرب عسكره على بئر أبى عنبة بلفظ واحد العنب على ميل من المدينة كذا فى الوفاء وعرض أصحابه وردّ من استصغره وكان ممن استصغره براء بن عازب وعبد الله بن عمرو كان الخيل فرسين فرس للمقداد وفرس لمرثد بن أبى مرثد* وفى رواية للزبير وفى المواهب اللدنية والوفاء معهم ثلاثة أفراس برجة فرس المقداد واليعسوب فرس الزبير وفرس لابى مرثد الغنوى يقال له السيل ولم يكن لهم يومئذ خيل غير هذه الثلاثة* وفى الكشاف وما كان معهم الا فرس واحد انتهى وكانت الدروع تسعا* وفى رواية ستا والسيف ثمانية والمسلمون ثلثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدد أصحاب طالوت يوم جالوت الذين جاوزوا معه النهر وفى الحديث قال عليه السلام لاصحابه يوم بدر أنتم اليوم كعدد المرسلين وأصحاب طالوت يوم عبروا النهر كذا فى العمدة* منهم سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين ومائتان وستة وثلاثون رجلا من الانصار* وفى رواية منهم ثمانون من المهاجرين وباقيهم من الانصار ولابى داود والذين كانوا معه عليه السلام يوم بدر ثلثمائة وخمسة عشر رجلا وكذا فى شواهد النبوّة وفى صحيح البخارى والكشاف والوفاء ثلثمائة وبضعة عشر رجلا وقد ذكرهم الامام البخارى فى صحيحه وسيجىء ذكرهم فى هذا الكتاب بالتفصيل ان شاء الله تعالى* قال العلامة الدوانى فى شرح العقائد العضدية سمعنا من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكرهم فى البخارى مستجاب وقد جرب ذلك* وفى المواهب اللدنية وكان عدّة من خرج ثلثمائة وخمسة ثمانية منهم لم يحضروها بعذر انما ضرب لهم بسهمهم وأجرهم وكانوا كمن حضرها ثلاثة منهم من المهاجرين أحدهم عثمان بن عفان خلفه النبىّ صلى الله عليه وسلم على ابنته رقية زوجة عثمان وكانت مريضة فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم ان لك لاجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه رواه البخارى والثانى والثالث طلحة وسعيد عينا النبىّ صلى الله عليه وسلم بعثهما لتجسس العير فسارا حتى بلغا الخرار فكمنا هناك فمرت بهما العير فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فخرج ورجعا يريد ان المدينة ولم يعلما بخروج النبىّ صلى الله عليه وسلم فقدما المدينة بخبر العير وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل مجيئهما خرج منها بقصد العير* وفى رواية فقد ما المدينة فى اليوم الذى لاقى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين فخرجا يعترضان رسول الله فلقياه منصرفا من بدر فضرب لهما بسهامهما وأجرهما فكانا كمن شهدها وخمسة من الانصار أحدهم أبو لبابة ردّه من الطريق لخلافة المدينة والثانى عاصم بن عدى العجلانى استعمله على أهل العوالى والثالث حارثة بن حاطب بعثه من الروحاء الى بنى عمرو بن عوف والرابع والخامس الحارث بن الصمة وخوات بن جبير سقطا من الابل فأصابهما بعض الكسر فردّهما من الطريق* وفى المواهب اللدنية كان عدد المشركين ألفا ويقال تسعمائة وخمسين رجلا معهم مائة فرس وسبعمائة بعير ولما نظر عليه السلام الى أصحابه ورأى قلة عددهم وعدتهم قال اللهم انهم حفاة فاحملهم اللهم انهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فأشبعهم اللهم انهم عالة فأغنهم من فضلك فاستجيبت دعوته ففتح الله له ذلك وما من رجل منهم الا رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا* وفى سيرة ابن هشام قال ابن اسحاق ودفع عليه السلام اللواء الى مصعب ابن عمير بن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار قال ابن هشام وكان أبيض وكان أمام رسول الله صلّى الله
عليه وسلم رايتان سوداوان احداهما مع علىّ بن أبى طالب يقال لها العقاب والاخرى مع بعض الانصار وكانت ابل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلىّ بن أبى طالب ومرثد بن أبى مرثد يعتقبون بعيرا* وفى الكشاف يعتقب النفر منهم على البعير الواحد* وفى رواية كان زميلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك السفر علىّ بن أبى طالب وأبو لبابة أوّلا وزيد بن حارثة آخرا* وفى الحديث اذا كان عقبة النبىّ صلى الله عليه وسلم قالوا اركب يا رسول الله حتى نمشى عنك فيقول ما أنتما بأقوى على السير منى وما أنا بأغنى عن الاجر منكما* وقال ابن اسحاق وكان حمزة وزيد بن حارثة وأبو كبشة وأنسة موالى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا وكان أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا* قال ابن اسحاق وجعل على الساقة قيس بن أبى صعصعة أخا بنى مازن بن النجار وكانت راية الانصار مع سعد بن معاذ فيما قال ابن هشام قال ابن اسحاق فسلك طريقه من المدينة الى مكة على نقب المدينة ثم على العقيق ثم على ذى الحليفة ثم على آلات الجيش قال ابن هشام ذات الجيش قال ابن اسحاق ثم مر على تربان ثم على ملل ثم على عميس الحمائم من مرتين ثم على صخيرات اليمام ثم على السيالة ثم على فج الروحاء ثم على شنوكة وهى الطريق المعتدلة حتى اذا كان بعرق الظبية قال ابن هشام عن غير ابن اسحاق لقوا رجلا من الاعراب فسألوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أوفيكم رسول الله فقالوا نعم فسلم عليه ثم قال ان كنت رسول الله فاخبرنى عما فى بطن ناقتى هذه قال له سلمة بن سلامة بن وقش لا تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل علىّ أنا أخبرك عن ذلك نزوت عليها ففى بطنها منك سخلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فحشت على الرجل ثم أعرض عن سلمة ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم سجسج وهى بئر الروحاء* وفى معالم التنزيل أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروحاء عينا للقوم فأخبره بهم فبعث صلى الله عليه وسلم عينا له من جهينة حليفا للانصار يدعى ابن الاريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ارتحل من الروحاء حتى اذا كان بالمنصرف ترك طريق مكة بيسار وسلك ذات اليمين على النازية يريد بدرا فسلك فى ناحية منها حتى جزع واديا يقال له رحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء ثم علا المضيق ثم انصب به حتى اذا كان قريبا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو الجهنى حليف بنى ساعدة وعدىّ بن أبى الزغباء الجهنى حليف بنى النجار الى بدر يتجسسان له الاخبار عن أبى سفيان وغيره* وفى خلاصة الوفاء الصفراء تأنيث الاصفر واد كثير العيون والنخل سلكه النبى صلى الله عليه وسلم مرجعه من بدر الكبرى وقال محمد سلك غير مرّة فمضى العينان حتى نزلا بدرا فأناخا الى تل قريب من الماء ثم أخذا شنا لهما يستقيان فيه ومجدى بن عمرو الجهنى على الماء فسمع جاريتين من جوارى الحاضر وهما يتلازمان على الماء والملزومة تقول لصاحبتها انما ترد العير غدا أو بعد غد فأعمل لهم ثم أقضيك الذى لك فقال مجدى بن عمرو وكان على الماء صدقت ثم خلص بينهما فلما سمع بذلك عدى وبسبس جلسا على بعيريهما ثم انطلقا فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ثم تقدّم أبو سفيان العير حذرا حتى ورد الماء فقال لمجدى هل احسست أحدا قال ما رأيت أحدا أنكره الا انى قد رأيت راكبين أناخا الى هذا التل ثم استقيا فى شن لهما ثم انطلقا فأتى أبو سفيان مناخهما فأخذ من أبعار بعيريهما ففته فاذا فيه كسيرات النوى فقال هذه والله علائف يثرب فرجع الى أصحابه سريعا فصرف وجه عيره عن الطريق فساحل بها وترك بدرا بيسار وانطلق حتى أسرع قال ابن اسحاق ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قدّم العينين فلما استقبل الصفراء وهى قرية بين جبلين سأل عن
جبليها ما أسماؤهما
فقالوا لاحدهما هذا مسلح وللآخر هذا محزى وسأل عن أهلهما فقالوا بنو النار وبنو حراق بطنان من غفار فكرههما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرور بينهما وتفاءل بأسمائهما وأسماء أهلهما فتركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والصفراء بيسار وسلك ذات اليمين على واد يقال له دفران وجزع فيه ثم نزل* وفى خلاصة الوفاء دفران واد معروف قبل الصفراء بيسير يصب سيله فيها من المغرب يسلكه الحاج المصرى فى رجوعه الى ينبع فيأخذ ذات اليمين كما فعله النبىّ صلى الله عليه وسلم فى ذهابه الى غزوة بدر وبه مسجد يتبرّك به على يسار السالك الى ينبع وأظنه مسجد دفران* وفى القاموس دفران بكسر الفاء واد قرب الصفراء* قال ابن اسحاق ثم نزل دفران فأتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار الناس وأخبرهم عن قريش* وفى الكشاف وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادى دفران فنزل جبريل وقال يا محمد ان الله وعدك احدى الطائفتين اما العير واما قريشا فاستشار النبىّ صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال ما تقولون ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير أحب اليكم أم النفير قالوا بل العير أحب الينا من لقاء العدوّ فتغير وجه رسول الله ثم ردّ عليهم فقال ان البعير قد مضت من ساحل البحر وهذا أبو جهل قد أقبل قالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدوّ فقام عند غضب النبىّ صلى الله عليه وسلم أبو بكر فقال وأحسن ثم قام عمر فقال وأحسن ثم قام سعد بن عبادة فقال انظر أمرك فامض فو الله لو سرت الى عدن أبين ما تخلف عنك رجل من الانصار* وفى معجم ما استعجم ابين بكسر أوّله واسكان ثانيه وبعده ياء معجمة باثنتين من تحتها مفتوحة ثم نون اسم رجل كان فى الزمن القديم وهذا الذى ينسب اليه عدن ابين من بلاد اليمن انتهى ثم قام مقداد بن عمرو فقال يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك فو الله ما نقول كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دام مناعين نطرف نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك فو الذى بعثك بالحق لو سرّت بنا الى برك الغماد يعنى مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيرا وفى رواية أشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسر بذلك* وقال ابن هشام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشيروا علىّ انما يريد الانصار وذلك انهم حين بايعوه بالعقبة قالوا يا رسول الله انا برآء من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فاذا وصلت الينا فأنت فى ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوّف أن لا تكون الانصار ترى عليها نصرة الا ممن دهمه بالمدينة من عدوّه وان ليس عليهم أن يسير بهم الى عدوّ من بلادهم فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ والله لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال أجل قال قد آمنا بك وصدّقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك مواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك فو الذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا انا لصبر فى الحرب صدق عند اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقرّبه عينك فسربنا على بركة الله فسرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك وقال سيروا وأبشروا فان الله قد وعدنى احدى الطائفتين والله لكأنى الآن انظر الى مصارع القوم ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفران فسلك على ثنايا يقال لها الاصافر ثم انحط منها الى بلد يقال لها الدبة فى الوفاء الدبة بفتح أوّله وتشديد الموحدة من تحت كدبة الدهن معناه مجتمع الرمل موضع بين أصافر وبدر اجتاز به النبىّ صلى الله عليه وسلم بعد ارتحاله من دفران يريد بدرا* وفى القاموس الدبة بالضم موضع
قرب بدر قال ابن اسحاق
وترك الحنان بيمين وهو كثيب عظيم كالجبل ثم نزل قريبا من بدر فركب هو ورجل من أصحابه قال ابن هشام الرجل أبو بكر الصدّيق قال ابن اسحاق حتى وقف على شيخ من العرب فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبر كما حتى تخبرانى ممن أنتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أخبرتنا أخبرناك قال أو ذاك بذاك قال نعم فقال الشيخ فانه قد بلغنى ان محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدقنى الذى أخبرنى فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغنى أن قريشا خرجوا من يوم كذا وكذا فان كان الذى أخبرنى صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذى به قريش فلما فرغ من خبره قال ممن أنتما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء ثم انصرف عنه قال يقول الشيخ ماء من ماء أمن ماء العراق* وفى المنتقى أراد صلى الله عليه وسلم أن يوهمه انه من العراق وكان العراق يسمى ماء لكثرة الماء فيه وانما أراد انه خلق من نطفة ماء* قال ابن هشام يقال الشيخ سفيان الضمرى قال ابن اسحاق ثم رجع رسول الله الى أصحابه فلما أمسى بعث علىّ بن أبى طالب والزبير بن العوّام وسعد بن أبى وقاص فى نفر من أصحابه الى ماء بدر يلتمسون الخبر فأصابوا راوية لقريش فيها غلام اسود لبنى الحجاج اسمه أسلم وغلام لبنى العاص بن سعد اسمه عريض أبو يسار وفرّ الباقون وكانوا كثيرا وأوّل من بلغ مشركى قريش من الفرّار رجل اسمه عجير فبلغهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا آل غالب هذا ابن أبى كبشة مع أصحابه قد أخذوا راويتكم مع غلامين فوقع فى جيشهم انزعاج واضطراب وخوف فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغلامين سألوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلى فقالا نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما ورجوا ان يكونا لابى سفيان فضربوهما فلما أذلقوهما قالا نحن لابى سفيان فتركوهما وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد سجدتيه ثم سلم وقال اذا صدقاكم ضربتموهما واذا كذباكم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش أخبرانى عن قريش قالاهم والله وراء هذا الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى والكثيب العقنقل فقال كم القوم فقالا كثير قال ما عدّتهم قالا لا ندرى قال كم ينحرون كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم فيما بين التسعمائة والالف ثم قال لهما فمن فيهم من أشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو البخترى بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدى بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الاسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبدودّ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت اليكم أفلاذ كبدها قال ابن اسحاق ولما أقبلت قريش ونزلوا الجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال انى أرى فيما يرى النائم وانى لبين النائم واليقظان اذ نظرت الى رجل أقبل على فرس حتى وقف ومعه بعير له ثم قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وفلان وفلان فعدّ رجالا ممن قتل يوم بدر من أشراف قريش ثم رأيته ضرب فى لبة بعيره ثم أرسله فى العسكر فما بقى خباء من أخبية العسكر الا أصابه نضح من دمه فبلغت أبا جهل فقال وهذا أيضا نبى آخر من بنى المطلب سيعلم غدا من المقتول ان نحن التقينا قال ابن اسحاق ولما رأى أبو سفيان انه قد أحرز عيره أرسل الى قريش انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورحالكم وأموالكم فقد نجاها الله فارجعوا فقال أبو جهل بن هشام والله لا نرجع حتى نرد بدرا وكان بدر موسما من مواسم العرب يجتمع لهم به سوق فى كل عام فنقيم عليه ثلاثا
فنخر الجزر ونطعم الطعام ونسقى الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع
بنا العرب وبسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها فامضوا فوافوها فسقوا كؤس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان وقال الاخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفى وكان حليفا لبنى زهرة وهم بالجحفة يا بنى زهرة قد نجى الله لكم أموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة ابن نوفل وانما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلونى جبنها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بأن تخرجوا فى ضيعة لا تسمعوا ما يقول هذا يعنى أبا جهل فرجعوا فلم يشهدها زهرى واحد وأطاعوه وكان فيهم مطاعا ولم يكن بقى من قريش بطن الا وقد نفر منهم ناس الا بنى عدى بن كعب لم يخرج منهم رجل واحد فرجعت بنو زهرة مع الاخنس فلم يشهد بدرا من هاتين القبيلتين أحد* روى أن أبا سفيان صادفهم فقال يا بنى زهرة لا فى العير ولا فى النفير وهو أوّل من قال هذا قالوا أنت أرسلت الى قريش أن ترجع وفى بعض التفاسير قال أخنس بن شريق يا قوم اذا حصل مرادنا الذى هو نجاة أموالنا فلنرجع فقال له أبو جهل أخنس فرجع فى ثلثمائة من بنى زهرة فسمى أخنس لاختزاله من الحرب ولما بلغ أبا سفيان قول أبى جهل قال وا قوماه هذا عمل عمرو بن هشام يعنى أبا جهل روى ان أبا سفيان لما بلغ العير الى مكة رجع ولحق بجيش قريش فمضى معهم الى بدر فجرح يومئذ جراحات وأفلت هاربا ولحق بمكة راجلا قال ابن اسحاق ومضى القوم وكان بين طالب بن أبى طالب وكان فى القوم وبين بعض قريش محاورة فقالوا والله لقد عرفنا يا بنى هاشم وان خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد فرجع طالب الى مكة مع من رجع قال طالب بن أبى طالب
لاهمّ اما يغنزونّ طالب
…
فى عصبة محالف محارب
فى مقنب من هذه المقانب
…
فليكن المسلوب غير السالب
وليكن المغلوب غير الغالب
قال ابن اسحاق ومضت قريش حتى نزلوا بالعدوة القصوى من الوادى خلف العقنقل وبطن الوادى وهو يليل بين بدر وبين العقنقل الكثيب الذى خلفه قريش والقليب ببدر فى العدوة الدنيا من بطن يليل الى المدينة وبعث الله السماء وكان الوادى دهسا فأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منها ما لبدلهم الارض ولم يمنعهم من المسير وأصاب قريشا منها ما لم يقدروا على أن يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم الى الماء حتى اذا جاء أدنى ماء ببدر نزل به* وفى الكشاف وغيره من التفاسير مضت قريش حتى أناخت بالعدوة القصوى أى البعدى عن المدينة خلف العقنقل العدوة شط الوادى وكان فيها الماء وكانت أرضا لا بأس بها للمشى فيها ونزل المسلمون بالعدوة الدنيا أى القربى الى جهة المدينة ولا ماء فيها وكانت كثيبا أعفر رخوا تسوخ فيه الاقدام وحوافر الدواب ولا يمشى فيها الّا بتعب وكانت الركب أى العير وقوّادها بمكان أسفل من مكان المسلمين بثلاثة أميال الى جهة وراء ظهر العدوّ يعنى الساحل وكذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى شواهد النبوّة روى أنه فى الليلة السابقة على يوم الحرب غلب النوم والامنة على المسلمين بحيث لم يقدروا أن يكونوا أيقاظا* وعن الزبير أنه قال سلط علىّ النوم بحيث كلما أردت أن أجلس لم أقدر فيلقينى النوم على الارض وكذا كان حال النبىّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه* قال سعد بن أبى وقاص رأيتنى تقع ذقنى بين ثديىّ فلما أنتبه أسقط على جنبى قال رفاعة غلب علىّ النوم حتى احتلمت وتغسلت وكان مشركو قريش بقرب منهم وقد غلب عليهم الخوف فبعث النبىّ صلى الله عليه وسلم اليهم عمار بن ياسر وابن مسعود فرجعا وقالا يا رسول الله غلب على المشركين الخوف حتى اذا صهل خيلهم يضربون وجوهها من شدّة الخوف* روى ان المسلمين ناموا فاحتلم أكثرهم وأجنوا وقد غلب المشركون على الماء فتمثل
لهم الشيطان فوسوس اليهم فقال كيف تنصرون وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون محدثين مجنبين وآية التيمم لم تنزل بعد وتزعمون انكم أولياء الله وفيكم رسوله فأشفقوا فأرسل الله عليهم السماء ليلا حتى سال منها الوادى فاتخذوا الحياض على عدوة الوادى وشربوا وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضأوا وملؤا الاسقية وانطفأ للغبار وتلبدت لهم الارض حتى تثبت عليها الاقدام ولم تمنعهم من المسير وزالت عنهم الوسوسة وطابت النفوس كما قال تعالى اذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام وقيل يثبت به الاقدام بالصبر وقوّة القلب فحصل بذلك للمسلمين اطمئنان وزال عنهم الخوف ولما كانت العدوة القصوى مناخ قريش أرضا سهلا لينا لم تبلغ أن تكون رملا وليس هو بتراب أصابهم ما لم يقدروا ان يرتحلوا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادر الى الماء حتى اذا أتى أدنى ماء من بدر نزل به قال ابن اسحاق حدثت عن رجال من بنى سلمة انهم ذكروا ان الخباب بن المنذر بن الجموح قال يا رسول الله أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدّمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأى والحرب والمكيدة قال بل الزأى والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تأتى أدنى ماء من القوم فتنزل ثم نغوّر ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضا فنملأه ماء ثم نقاتل القوم فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أشرت بالرأى* وفى رواية فنزل جبريل فقال الرأى ما أشار اليه الخباب كذا فى المنتقى فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين فسار حتى اذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه ثم أمر بالقلب فغوّرت وبنى حوضا على القليب الذى نزل عليه فملئ ماء ثم قذفوا فيه الآنية وكان نزوله بدرا عشاء ليلة الجمعة السابعة عشر من رمضان كما مرّ ولما نزل قام مع جماعة من أصحابه يسير فى عرصة بدر ويضع يده على الارض ويقول هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان يرى أصحابه مصارع صناديد قريش فو الله ما تجاوز أحد منهم عن الموضع الذى عين له بل قتل فيه* قال ابن اسحاق فحدثنى عبد الله بن أبى بكر أنه حدث أن سعد بن معاذ قال يا نبىّ الله ألا نبنى لك عريشا تكون فيه ونعدّ عندك ركائبك ثم نلقى عدوّنا فان أعزنا الله وأظهرنا على عدوّنا كان ذلك ما أحببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبىّ الله ما نحن لك بأشدّ حبا منهم ولو ظنوا انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش فكان فيه* وفى خلاصة الوفاء مسجد بدر كان العريش الذى بنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عنده وهو معروف عند النخيل والعين قريبة منه وبقربه فى جهة القبلة مسجد آخر تسميه أهل بدر مسجد النصر ولم أقف فيه على شىء* قال ابن اسحاق وقد ارتحلت قريش حين أصبحت فأقبلت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل وهو الكثيب الذى جاؤا منه الى الوادى قال اللهمّ هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهمّ فنصرك الذى وعدتنى اللهمّ أحنهم الغداة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة فى القوم على جمل له أحمران يك فى أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمران يطيعوه يرشدوا وقد كان خفاف ابن ايماء بن رحضة الغفارى أو أبوه ايماء بن رحضة الغفارى بعث الى قريش حين مروان ابنا له بجزائر أهداها لهم وقال ان أحببتم ان نمدّكم بسلاح ورجال فعلنا قال فأرسلوا اليه ان وصلتك رسم وقد قضيت الذى عليك فلعمرى لئن كنا انما نقاتل الناس ما بنا ضعف عنهم ولئن كنا انما نقاتل الله كما يزعم محمد فما لاحد بالله من طاقة فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش
حتى وردوا حوض رسول الله
صلى الله عليه وسلم فيهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه يومئذ رجل الا قتل الا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم أسلم بعد ذلك فحسن اسلامه فكان اذا اجتهد فى يمينه قال والذى نجانى يوم بدر ولما اطمأنّ القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحى فقالوا احرز لنا أصحاب محمد فدار بفرسه حول العسكر ثم رجع اليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا أو ينقصونه ولكن أمهلونى حتى أنظر للقوم كمين أو مدد فضرب فى الوادى حتى أبعد فلم ير شيئا فرجع اليهم فقال ما رأيت شيئا ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا* وفى رواية الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع* وفى المنتقى السم الناقع أى القاتل قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما أرى أن يقتل منهم رجل حتى يقتل رجل منكم فاذا أصابوا منكم أعدادهم فلا خير فى العيش بعد ذلك فروا رأيكم* روى انّ النبىّ صلى الله عليه وسلم رأى المشركين فى وقعة بدر فى المنام قليلا فأخبر بذلك أصحابه وكان تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوّهم ولو أراه اياهم كثيرا لفشلوا وجبنوا وهابوا الاقدام عليهم وتنازعوا فى أمر القتال وتردّدوا بين الثبات والفرار فقلل الله الكافرين فى أعين المؤمنين حتى قال ابن مسعود لمن الى جنبه أتراهم سبعين فقال أراهم مائة وكانوا ألفا تثبيتا وتصديقا لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وليجترئوا عليهم وقلل المؤمنين فى أعين الكافرين قبل التحام القتال حتى قال أبو جهل انّ محمدا وأصحابه أكلة جزور ليجترئؤا عليهم ولئلا يرجعوا عن قتالهم ولئلا يستعدوا لهم ثم كثرهم فى أعينهم حتى يروهم مثليهم لتفجأهم الكثرة فتبهتهم وتكسر قلوبهم وهذا من عظائم آيات تلك الوقعة فان البصر وان كان قديرى الكثير قليلا والقليل كثيرا لكن لا على هذا الوجه ولا الى هذا الحد وانما يتصوّر ذلك بصدّ الله تعالى الابصار عن ابصار بعض دون بعض مع التساوى فى الشرط كذا فى أنوار التنزيل* فلما سمع حكيم بن حزام قول عمير تمشى فى الناس فأتى عتبة فقال يا أبا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى أن لا تزال تذكر منها بخير الى آخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمى قال قد فعلت أنت علىّ بذلك انما هو حليفى فعلىّ عقله وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية يعنى أبا جهل والحنظلية أم أبى جهل وهى أسماء بنت مخرمة أحد بنى نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة فانى لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره ثم قام عتبة خطيبا فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن أصبتموهم لا يزال الرجل ينظر فى وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان أصابوه فذلك الذى أردتم وان كان غير ذلك ألفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عتبة فى القوم على جمل له أحمر الى آخر الحديث كما مرّ قال حكيم فانطلقت حتى جئت أبا جهل فوجدته قد نثل درعا له من جرابها فهو يهيئها فقلت له يا أبا الحكم ان عتبة أرسلنى اليك بكذا وكذا الذى قال فقال انتفخ والله سحره حين رأى محمدا وأصحابه كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما يعتبة ما قال ولكنه قد رأى محمدا وأصحابه أكلة جزور وفيهم ابنه قد تخوّفكم عليه يعنى أبا حذيفة بن عتبة وكان قد أسلم* وفى المنتقى قال عتبة فى جواب حكيم قد فعلت يعنى قال أنا أتحمل بدم حليفى فاذهب الى ابن الحنظلية يعنى أبا جهل فقل له هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك فجئته فاذا هو فى جماعة من بين يديه ومن ورائه فاذا بابن الحضرمى واقف على رأسه وهو يقول قد فسخت عقدى من بنى عبد شمس وعقدى الى بنى مخزوم فقلت له يقول لك عتبة هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك قال أما وجد رسولا غيرك* قال حكيم
فخرجت أبادر الى عتبة وهو متكىء على ايماء بن رحضة وقد أهدى الى المشركين عشر جزائر فطلع
أبو جهل والشرّ فى وجهه فقال لعتبة* انتفخ سحرك* وهذا الكلام تقوله العرب للجبان فقال له عتبة ستعلم غدا من انتفخ سحره أنا أم أنت* وفى رواية قال له عتبة اياى تعيريا صفرا سته انما قال هذا لانّ أبا جهل كان به برص فى ألبته وكان يردعها بالزعفران فغضب أبو جهل وسل سيفه وضرب به متن فرسه فقال له ايماء بن رحضة بئس الفأل* قال ابن هشام ثم بعث أبو جهل الى عامر بن الحضرمى فقال هذا حليفك يريد أن يرجع بالناس وقد رأيت ثارك بعينك فقم وانشد حفرتك ومقتل أخيك فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف ثم صرخ واعمرواه وا عمرواه فحميت الحرب وحقب أمر الناس واستوثقوا على ما هم عليه من الشر وأفسد على الناس الرأى الذى دعاهم اليه عتبة ثم التمس عتبة بيضة ليدخلها فى رأسه فما وجد فى الجيش بيضة تسعه من عظم هامته فلما رأى ذلك اعتجر على رأسه ببرد له وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية وكان لواؤه الاعظم لواء المهاجرين مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الخباب بن المنذر ولواء الاوس مع سعد بن معاذ وجعل شعار المهاجرين يا بنى عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بنى عبد الله وشعار الاوس يا بنى عبيد الله وقيل كان شعار الكل يا منصور أمت وفى اكتفاء الكلاعى كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أحد وكان مع المشركين ثلاثة ألوية لواء مع عبد العزيز بن عمير ولواء مع النضر بن الحارث ولواء مع طلحة بن أبى طلحة كلهم من بنى عبد الدار وخرج الاسود بن عبد الاسد المخزومى وكان رجلا شرساسيئ الخلق فقال أعاهد الله لاشر بن من حوضهم أو لاهد منه أولا موتن دونه فخرج اليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطنّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه يريد بزعمه أن تبرّ يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله فى الحوض ثم خرج بعده عتبة ابن ربيعة بين أخيه شيبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عتبة حتى اذا فصل من الصف دعا الى المبارزة فخرج اليه فتية من الانصار ثلاثة وهم عوف ومعاذا بنا الحارث وأمهما عفراء ورجل آخر يقال هو عبد الله بن رواحة فقالوا من أنتم قالوا رهط من الانصار قالوا ما لنا بكم من حاجة* قال ابن اسحاق عن عاصم بن عمرو بن قتادة انّ عتبة بن ربيعة قال للفتية من الانصار حين انتسبوا أكفاء كرام انما نريد قومنا قال فنادى مناديهم يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قومنا فقال رسول الله قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا على فلما قاموا ودنوا منهم قالوا من أنتم قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علىّ علىّ قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة وكان أسن القوم عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة بن ربيعة وبارز علىّ الوليد بن عتبة فأمّا حمزة فلم يمهل شيبة ان قتله وأما علىّ فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه وكرّ حمزة وعلىّ بأسيافهما على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما فحازاه الى أصحابه* وقال موسى بن عقبة وقد صح ان قوله تعالى هذان خصمان اختصموا فى ربهم الآية نزل فى هؤلاء الستة* وفى رواية قتل علىّ الوليد ثم قام شيبة بن ربيعة فقام اليه عبيدة بن الحارث فاختلفا ضربتين فضربه عبيدة فصرعه وضرب شيبة رجل عبيدة فقطعها أسفل من الركبتين وصرعا جميعا وقام عتبة فقام اليه حمزة فاختلفا ضربتين فلم يصنع سيفاهما شيئا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فأهوى عبيدة بن الحارث وهو صريع فضرب عتبة فقطع ساقه فقام اليه حمزة فضربه حتى برد واحتمل علىّ وحمزة عبيدة فجاءا به الى أصحابه وقد قطعت رجله ومخ ساقه يسيل فلما أتوا بعبيدة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألست شهيدا يا رسول الله قال بلى فقال عبيدة لو كان أبو طالب حيا لعلم انى أحق منه حيث يقول
ونسلمه حتى نصرّع حوله
…
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وفى رواية أنشأ عبيدة هذين البيتين
فان يقطعوا رجلى فانى مسلم
…
وأرجوبه عيشا من الله عاليا
فألبسنى الرحمن من فضل منه
…
لباسا من الاسلام غطى المساويا
ومات فدفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء وهو ابن ثلاث وستين سنة وقيل عاش أياما ثم مات بالروحاء كذا فى المنتقى* وفى ذخائر العقبى قيل ان حمزة قتل يوم بدر عتبة بن ربيعة مبارزه قاله موسى بن عقبة وقيل بل قتل شيبة بن ربيعة مبارزه قاله ابن اسحاق وغيره وقتل يومئذ طعيمة بن عدى أخا مطعم بن عدى وقتل الاسود بن عبد الاسد المخزومى يومئذ فى الحوض وقتل سباعا الخزاعى وقيل بل قتله يوم أحد قبل أن يقتل* وفى اكتفاء الكلاعى ذكر ابن عقبة انه لما طلب القوم المبارزة فقام اليه ثلاثة نفر من الانصار استحيى النبىّ صلى الله عليه وسلم من ذلك لانه كان أوّل قتال التقى فيه المسلمون والمشركون ورسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد معهم فأحب النبىّ صلى الله عليه وسلم أن تكون الشوكة لبنى عمه فناداهم أن ارجعوا الى مصافكم وليقم اليهم بنو عمهم فعند ذلك قام حمزة وعلىّ وعبيدة* قال ابن اسحاق ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا على المشركين حتى يأمرهم وقال ان كبتكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى العريش ومعه أبو بكر الصدّيق وعدّل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوف أصحابه وفى يده قدح يعدّل به القوم فمرّ بسواد بن غزية حليف بنى عدى بن النجار وهو مستنثل من الصف أى بارز فطعن فى بطنه بالقدح وقال استويا سواد فقال يا رسول الله أوجعتنى وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدنى فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد فاعتنقه فقبل بطنه فقال ما حملك على هذا يا سواد قال يا رسول الله حضر ما ترى فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير ثم عدّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع الى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر ليس معه فيه غيره ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد فى الارض أبدا وأبو بكر يقول يا نبىّ الله يكفيك بعض مناشدتك ربك فانّ الله منجز لك ما وعدك* روى النسائى والحاكم عن علىّ أنه قال قاتلت يوم بدر شيئا من قتال ثم جئت فاذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى سجوده يا حىّ يا قيوم فرجعت فقاتلت ثم جئت فوجدته كذلك* وفى المواهب اللدنية فى صحيح مسلم عن ابن عباس قال عمر بن الخطاب لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلثمائة وبضعة عشر دخل العريش فاستقبل القبلة ومدّيده وجعل يهتف بربه اللهم أنجزلى ما وعدتنى فما زال يهتف بربه مدّا يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فأخذ أبو بكر رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبىّ الله كفاك مناشدتك ربك فانه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أنى ممدكم مرسل اليكم مددا لكم بألف من الملائكة مردفين متتابعين بعضهم فى اثر بعض وعلى قراءة فتح الدال معناه أردف الله المسلمين وجاءهم بهم مددا وفى الآية الاخرى بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين فقيل فى معناه ان الالف أردفهم بثلاثة آلاف فكان الاكثر مدد اللاقل وكان الالف مردفين لمن وراءهم والالف هم الذين قاتلوا مع المؤمنين وهم الذين قال الله لهم فثبتوا الذين آمنوا وكانوا فى صورة الرجال ويقولون للمؤمنين اثبتوا فان عدوّكم قليل وانّ الله معكم* وقال الربيع ابن أنس أمد الله المسلمين بألف ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف قال ابن اسحاق وقد خفق رسول الله خفقة