الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب انه ابن خالة ذى القرنين ووزيره وانه شرب من عين الحياة وذكر الثعلبى أيضا اختلافا هل كان فى زمن الخليل أم كان بعده بقليل أو بكثير* وذكر بعضهم أنه كان فى زمن سليمان عليه السلام وانه المراد بقوله تعالى قال الذى عنده علم من الكتاب حكاه الداودى واختلف فيه هل كان نبيا أو وليا على قولين وبالثانى جزم القشيرى واختلف أيضا هل كان مرسلا أم لا على قولين وأغرب ما قيل انه من الملائكة والصحيح أنه نبىّ وجزم به جماعة وقال الثعلبى هو نبىّ على جميع الاقوال هو معمر محجوب عن الابصار وصححه ابن الجوزى أيضا لقوله تعالى حكاية عنه وما فعلته عن أمرى فدل على أنه نبى أوحى اليه وانه أعلم من موسى (وخامسها) فى حياته وقد أنكرها جماعة منهم البخارى وابراهيم الحربى وابن المنادى وأفردها ابن الجوزى فى تأليف له والمختار بقاؤها وقال ابن الصلاح هو حىّ عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم فى ذلك وانما أنكرها بعض المحدّثين وقيل انه لا يموت الا فى آخر الزمان حين يرفع القرآن* وفى صحيح مسلم فى حديث الدجال أنه يقتل رجلا ثم يحييه قال ابراهيم ابن سنين راوى كتاب مسلم انه الخضر وكذا قال معمر فى مسنده وذكر الشيخ علاء الدولة السمنانى فى العروة الوثقى كنيته ولقبه واسمه هكذا أبو العباس الخضر عليه السلام أعنى بليان بن ملكان ابن سمعان وأورد له فيها حديثين سمعهما عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أحدهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مؤمن قال صلّى الله على محمد الانضر الله قلبه ونوّره والثانى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا رأيت الرجل لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته* وفى كتاب القرّاء عن ابن عباس قال يلتقى الخضر والياس فى كل عام فى الموسم فيلحق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير الا الله ما شاء الله لا يصرف السوء الا الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ما شاء الله لا حول ولا قوّة الا بالله قال فمن قالها حين يصبح وحين يمسى ثلاث مرّات عوفى من السرق والحرق والغرق وأحسبه قال ومن السلطان والشيطان والحية والعقرب اخرجه أبو ذر* وفى العرائس عن ابن اسحاق الخضر من ولد فارس والياس من بنى اسرائيل* وفى زبدة الاعمال عن عبد الله رضى الله عنه سكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الاسباط وهو يصلى كل جمعة فى خمسة مساجد فى المسجد الحرام وفى مسجد المدينة وفى مسجد بيت المقدس وفى مسجد قباء ويصلى كل ليلة جمعة فى مسجد الطور ويأكل كل جمعة أكلتين من كماءة وكرفس ويشرب من زمزم ومن جب سليمان الذى ببيت المقدس ويغتسل من عين سلوان أخرجه الحافظ أبو القاسم بن عساكر* وفى ربيع الابرار من الانبياء أربعة أحياء اثنان فى السماء عيسى وادريس واثنان فى الارض الياس والخضر فالياس فى البرّ والخضر فى البحر وهما يجتمعان كل ليلة على ردم ذى القرنين يحرسانه ويحجان كل سنة ولا يراهما الا من شاء الله وأكلهما الكرفس والكماءة وهذه القصة وقعت فى البين وقطعت اتصال حديث ابراهيم عليه السلام فلنرجع الآن اليه*
بقية اخبار ابراهيم عليه السلام
وفى الاكتفاء قال أبو الجهم ولما فرغ ابراهيم من بناء البيت وأدخل الحجر فى البيت جعل المقام لا صقا بالبيت عن يمين الداخل فلما كان زمن قريش قصر الخشب عليهم فأخرجوا الحجر وقيل قصرت النفقة من الحلال كما سيجىء وكان ما أخرجوا منه سبعة أذرع وأمر ابراهيم بعد فراغه أن يؤذن فى الناس بالحج فقال يا رب وما يبلغ صوتى قال الله عز وجل أذن فمنك النداء وعلىّ البلاغ فارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت فارتفع به المقام حتى كان كأطول الجبال فنادى وأدخل اصبعيه فى اذنيه وأقبل بوجهه شرقا وغربا يقول أيها الناس كتب عليكم الحج الى البيت العتيق فأجيبوا ربكم فأجابه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب الى منقطع التراب من أطراف الارض كلها لبيك اللهم لبيك
أفلا تراهم يأتون يلبون فمن حج من يومئذ الى يوم القيامة فهو ممن استجاب لله عز وجل وذلك قوله تعالى فيه آيات بينات مقام ابراهيم يعنى نداء ابراهيم على المقام بالحج فهى الآية* قال الواقدى وقد روى أن الآية هى أثر ابراهيم على المقام* وفى أنوار التنزيل وغيره روى أن ابراهيم صعد أبا قبيس فقال يا أيها الناس حجوا بيت ربكم* وفى العرائس فعلا ثبير ونادى يا عباد الله الى آخره فأسمعه الله تعالى من فى أصلاب الرجال وأرحام النساء فيما بين المشرق والمغرب ممن سبق فى علمه أن يحج وكان بناء الكعبة بعد أن مضى مائة سنة من عمر ابراهيم عليه السلام ويكون بالتقريب بين بناء الكعبة وبين الهجرة النبوية ألفان وسبعمائة وثلاث وتسعون سنة قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الاذان ذهب به جبريل فأراه الصفا والمروة وأقامه على حدود الحرم وأمره أن ينصب عليها الحجارة ففعل ابراهيم ذلك وكان أوّل من أقام أنصاب الحرم ويريه اياها جبريل فلما كان اليوم السابع من ذى الحجة خطب ابراهيم عليه السلام بمكة حين زاغت الشمس قائما واسماعيل جالس ثم خرجا من الغد يمشيان على أقدامهما يلبيان محرمين مع كل واحد منهما أداوة يحملها وعصا يتوكأ عليها فسمى ذلك اليوم يوم التروية فأتيا منى فصليا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح وكانا نزلا فى الجانب الايمن ثم أقاما حتى طلعت الشمس على ثبير ثم خرج يمشى هو واسماعيل حتى أتيا عرفة وجبريل معهما يريهما الاعلام حتى نزلا بنمرة وجعل يريه أعلام عرفات وكان ابراهيم قد عرفها قبل ذلك فقال ابراهيم قد عرفت فسميت عرفات فلما زاغت الشمس خرج بهما جبريل حتى انتهى بهما الى موضع المسجد اليوم فقام ابراهيم فتكلم بكلمات واسماعيل جالس ثم جمع بين الظهر والعصر ثم ارتفع بهما الى الهضبات فقاما على أرجلهما يدعو ان الى أن غابت الشمس وذهب الشعاع ثم دفعا من عرفة على أقدامهما حتى انتهيا الى جمع فنزلا فصلى ابراهيم المغرب والعشاء فى ذلك الموضع الذى يصلى فيه اليوم ثم باتا حتى اذا طلع الفجر وقفا على قزح فلما أسفرا قبل طلوع الشمس دفعا على أرجلهما حتى انتهيا الى محسر فأسرعا حتى قطعاه ثم عادا الى مشيهما الاوّل ثم رميا جمرة العقبة بسبع حصيات حملاها من جمع ثم نزلا من منى فى الجانب الايمن ثم ذبحا فى المنحر اليوم وحلقا رؤسهما ثم أقاما أيام منى يرميان الجمار حين تزيغ الشمس ماشيين ذاهبين راجعين وصدرا يوم الصدر فصليا الظهر بالابطح وكل هذا يريه جبريل عليه السلام* قال أبو الجهم فلما فرغ ابراهيم من الحجّ انطلق الى منزله بالشام وكان يحج البيت كل عام وحجته سارة وحجه اسحاق ويعقوب والاسباط والانبياء وهلم جرّا وحجه موسى بن عمران عليه السلام روى الواقدى باسناد له الى ابن عباس قال مرّ موسى عليه السلام بصفاح الروحاء يلبى تجاوبه الجبال عليه عباءتان قطوانيتان من عباء الشام وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال حج هارون نبىّ الله البيت فمرّ بالمدينة يريد الشام فمرض بالمدينة فأوصى أن يدفن بأصل أحد ولا يعلم به اليهود مخافة أن ينبشوه فدفنوه فقبره هناك* وعن ابن عباس أن الحواريين كانوا اذا بلغوا الحرم نزلوا يمشون حتى يأتوا البيت* وعن ابن الزبير أن الحواريين خلعوا نعالهم حين دخلوا الحرم اعظاما أن ينتعلوا فيه ثم توفى ابراهيم خليل الله عليه السلام بعد أن وجه اليه ملك الموت فاستنظره ابراهيم ثم عاد اليه لما أراد الله قبضه فأخبره بما أمر به فسلم ابراهيم لامر الله عز وجل فقال ملك الموت يا خليل الله على أى حال تحب أن أقبضك فقال تقبضنى وأنا ساجد فقبضه وهو ساجد فصعد بروحه الى الله عز وجل ودفن ابراهيم عليه السلام بالشام وعاش اسماعيل بعد أبيه ما شاء الله وكانت ولاية البيت له ما دام فى حياته وتوفى بمكة ودفن داخل الحجر مما يلى باب الكعبة وهناك قبر أمه هاجر ودفن معها وكانت توفيت قبله* وفى البحر العميق سأل الفقيه اسماعيل الحضرمى الشيخ محب الدين الطبرى عن البلاطة الخضراء التى فى الحجر فأجاب الشيخ بأن البلاطة الخضراء قبر اسماعيل عليه السلام قال ويشبر من رأس
البلاطة الى ناحية الركن الغربى مما يلى باب بنى سهم وهو الذى يقال له اليوم باب العمرة ستة أشبار فعند انتهائها يكون رأس اسماعيل عليه السلام انتهى ثم ان العماليق بنوا الكعبة بعد ابراهيم عليه السلام وبعض المؤرّخين يقدمون بناء جرهم على بناء العمالقة والله أعلم* ولما توفى اسماعيل ولى البيت بعده ولده نابت وقام مقامه ما شاء الله أن يليه ولم يله أحد من ولده غيره وكان أكبرهم* ثم مات نابت فدفن فى الحجر مع أمه رعلة بنت مضاض فولى البيت بعده جدّه مضاض بن عمرو الجرهمى وضم بنى نابت وبنى اسماعيل اليه ولما مات مضاض بقيت ولاية البيت فى أيدى أخواله من جرهم فقاموا عليه فكانت جرهم ولاة البيت وحجابه وولاة الاحكام بمكة لغلبتهم واستيلائهم وكان البيت قد دخله السيل من أعلاه فانهدم فاعادته جرهم على بناء ابراهيم وكان طوله فى السماء تسعة أذرع قال بعض أهل العلم الذى بنى البيت الحرام لجرهم أبو الجدرة عمرو فسمى الجادر ويسمى بنوه الجدرة* وفى شفاء الغرام ذكر المسعودى ما يفضى الى أن الذى بنى الكعبة من جرهم هو الحارث بن مضاض الاصغر وجعلت جرهم للبيت مصراعين وقفلا ثم ان جرهم وقطورا بغى بعضهم على بعض وتنافسوا الملك بها حتى شبت الحرب بينهم على الملك وبنو اسماعيل وبنو نابت يومئذ مع مضاض واليه ولاية الامر وولاية البيت دون السميدع فلم يزل البغى بينهم حتى سار بعضهم الى بعض فخرج مضاض بن عمرو من قعيقعان فى كتيبته سائر الى السميدع ومع كتيبته عدّتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب تقعقع معه وقيل ما سمى قعيقعان الا لذلك وخرج السميدع بقطورا من أجياد ومعه الخيل الجياد والرجال وقيل ما سمى أجيادا الا لخروج الخيل الجياد مع السميدع منه* وغير ابن اسحاق يقول انما سمى أجيادا لان مضاضا ضرب فى ذلك المواضع أجياد مائة رجل من العمالقة وقيل بل أمر بعض الملوك غير مسمى بضرب رقاب فيه فكان يقول السيافه توسط الاجياد وهذا ونحوه أصح فى تسمية الموضع باجياد مما قال ابن اسحاق قال فالتقوا بفاضح فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل السميدع وفضحت قطورا فيقال ما سمى فاضح فاضحا الا لذلك ثم ان القوم تداعوا الى الصلح فساروا حتى نزلوا المطابخ شعبا بأعلى مكة يقال له شعب عبد الله بن عامر ابن كريز فنزلوا بذلك الشعب فاصطلحوا به وأسلموا الامر الى مضاض بن عمرو فلما جمع اليه أمر مكة وصار ملكها له دون السميدع نحر للناس وأطعمهم فأطبخ الناس وأكلوا فيقال ما سميت المطابخ المطابخ الا لذلك وقال ابن اسحاق وقد زعم بعض أهل العلم انها سميت بذلك لما كان تبع نحر بها وأطعم بها وكانت منزله قال وكان الذى كان بين مضاض والسميدع أوّل بغى كان بمكة فيما يزعمون فقال مضاض فى تلك الحرب يذكر السميدع وقتله وبغيه والتماسه ما ليس له
ونحن قتلنا سيد الحىّ عنوة
…
فأصبح فيها وهو حيران موجع
وما كان يبغى أن يكون سوى انا
…
لها ملك حتى أتانا السميدع
فذاق وبالاحسين حاول ملكنا
…
وعالج مناغصة تتجرّع
فنحن عمرنا البيت كنا ولاته
…
نحاول عنه من أتانا وندفع
وما كان يبغى أن يلى ذاك غيرنا
…
ولم يك حىّ قبلنا ثم يمنع
وكنا ملوكا فى الدهور التى مضت
…
ورثنا ملوكا لا ترام وتوضع
قال ثم نشر الله بنى اسماعيل بمكة وأخوالهم من جرهم اذ ذاك ولاة البيت والحكام بمكة وكانوا كذلك بعد نابت بن اسماعيل فلما ضاقت عليهم مكة وكثروا بها انبسطوا فى الارض فابتغوا المعايش والتفسح فى الارض فلا يأتون قوما ولا ينزلون بلدا الا أظهرهم الله عز وجل عليهم بذنبهم فوطئوهم وغلبوهم حتى ملكوا البلاد ونفوا عنها العماليق وجرهم على ذلك بمكة ولاة البيت لا ينازعهم اياه بنو اسماعيل
لخؤولتهم وقرابتهم واعظام الحرم أن يكون به بغى أو قتال ثم ان جرهما بغوا بمكة واستحلوا حلالا من الحرمة وارتكبوا أمورا عظاما وأحدثوا فيها احداثا لم تكن فقام مضاض بن عمرو بن الحارث وهو مضاض الاصغر فيهم خطيبا فقال يا قوم احذروا البغى فانه لا بقاء لاهله قد رأيتم من كان قبلكم من العماليق استخفوا بالحرم فلم يعظموه وتنازعوا بينهم واختلفوا حتى سلطكم الله عليهم فأخرجتموهم فتفرقوا فى البلاد فانكم ان فعلتم ذلك تخوّفت عليكم أن تخرجوا منه خروج ذل وصغار فقال قائل منهم يقال له مجذع من الذى يخرجنا منه ألسنا أعز العرب وأكثرهم رجالا وأموالا وسلاحا فقال مضاض اذا جاء الامر بطل ما تقولون فلم يقصروا عن شئ مما كانوا يصنعون وكان للبيت خزانة بئر فى بطنها يلقى فيها الحلى والمتاع الذى يهدى له وهو يومئذ لا سقف له وتواعد له خمسة نفر من جرهم أن يسرقوا ما فيه فقام على كل زاوية من البيت رجل منهم واقتحم الخامس فجعل الله عز وجل أعلاه أسفله وسقط منكسا فهلك وفرّ الاربعة الاخر* قال أهل العلم ان جرهما لما طغت فى الحرم دخل منهم رجل وامرأة يقال لهما أساف بن بغى ونائلة بنت ديك البيت ففجرا فيه فمسخهما الله تعالى حجرين فأخرجا من الكعبة فنصبا على الصفا والمروة ليعتبر بهما من رآهما وليزدجر الناس عن مثل ما ارتكبا ويقال ان الرجل من جرهم والمرأة من قطورا ثم لم يزل أمرهما يندرس ويتقادم حتى صارا صنمين يعبدان وقال بعض أهل العلم انه لم يفجر بها فى البيت وانما قبلها وقيل ان عمرو بن لحىّ دعا الناس الى عبادتهما وقال انما نصبا هاهنا لان آباءكم ومن كان قبلكم كانوا يعبدونهما وانما ألقاه عليه ابليس وكان عمرو فيهم شريفا مطاعا متبعا وقد اختلف أهل العلم فى نسبهما والمشهور أن الرجل أساف بن سهيل والمرأة نائلة بنت عمرو بن ديك ولم يزالا يعبدان ويستملهما الطائف اذا فرغ حتى كان يوم الفتح فكسرا* وفى شفاء الغرام اختلف أهل الاخبار فيمن أخرج جرهما من مكة اختلافا يعسر التوفيق بينه قيل ان بنى بكر بن عبد منات بن كنانة وغبشان ابن خزاعة أخرجوا جرهما من مكة لبغيهم فيها كما سيجىء وقيل ان بنى عمرو بن عامر ماء السماء أخرجوا جرهما من مكة حين لم يترك جرهم بنى عمرو بن عامر أن يقيموا عندهم بمكة حتى يصل اليهم روّادهم وقيل ان عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو أخرج جرهما حين طلب حجابة البيت لسيادته وشرفه وقيل ان بنى اسماعيل أخرجوا جرهما من مكة بعد أن سلط الله على جرهم آفات من الرعاف والنمل الذى فنى به أكثر من أصابهم بمكة وقيل ان الله سلط على الذين يلون البيت من جرهم دواب شبيهة بالنغف فهلك منهم ثمانون كهلا فى ليلة واحدة سوى الشباب حتى جلوا من مكة الى أطم والقول الاوّل ذكره ابن اسحاق لانه قال ثم ان جرهما لما بغوا فى مكة واستحلوا حلالا من الحرمة وظلموا من دخلها من غير أهلها وأكلوا مال الكعبة الذى يهدى لها فرّق أمرهم وكان ملكهم يومئذ عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى فلما رأت بنو بكر بن عبد منات بن كنانة وغبشان من خزاعة ذلك أجمعوا لحربهم واخراجهم من مكة فآذنوهم بالحرب فاقتتلواهم واياهم فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة وكانت مكة فى الجاهلية لا تقرّ فيها ظلما ولا بغيا لا يبغى فيها أحد الا أخرجته يقال ما سميت مكة بالناسة بالنون والسين المهملة الا أنها تنسّ من ألحد فيها اى تطرّده وتنفيه أو لقلة مائها والنس اليبس كذا قاله الماوردى ولا يريدها ملك يستحل حرمتها الا هلك ويقال ما سميت باسة بالباء الموحدة والسين المهملة الا لانها تبسّ من ألحد فيها أى تحطمه ومنه قوله تعالى وبست الجبال بسا كذا ذكرهما أى الروايتين بالنون والباء فى زبدة الاعمال* ويقال ما سميت ببكة الا لانها تبك أعناق الجبابرة اذا أحدثوا فيها شيئا أى تدقها وما قصدها جبار الا قصمه الله تعالى أو من الازدحام أى ازدحام الناس فيها يبك بعضهم بعضا أى يدفع فى ازدحام الطواف وعن ابن عباس أنه قال مكة من الفج الى التنعيم وبكة من
البيت الى البطحاء وقال
عكرمة البيت وما حوله بكة وما وراء ذلك مكة وقيل بكة موضع البيت وما سوى ذلك مكة وقال الضحاك ان مكة وبكة اسمان مترادفان لهذا البلد والباء بدل من الميم وقيل بكة بالباء الموحدة موضع البيت وفى رواية اسم البيت وقيل مكة اسم المدينة أو قال القرية سميت بكة بمكة لانها تمك الذنوب أى تذيبها وقيل لانها يؤمّها الناس من كل ناحية وكل مكان فكأنها تجذبها وهذه الاقوال ترجع الى قول العرب امتك الفصيل ضرع أمّه اذا امتصه وجذب بفيه ما فيه هكذا فى زبدة الاعمال* وفى سيرة مغلطاى تسمى أيضا الرأس وصلاح وأمّ رحم وكوبا وأمّ القرى والحاطمة والعرش وطيبة قال ابن اسحاق فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغز الى الكعبة وبحجر الركن فدفنها فى زمزم وانطلق هو ومن معه من جرهم الى اليمن قال المسعودى فى أخبار الفرس وكانت الفرس تهدى الى الكعبة أموالا فى صدر الزمان وجواهر وقد كان ساسان بن بابك وقيل اسفنديار أهدى غزالين من ذهب وجوهر وسيوفا وذهبا كثيرا قد دفن فى زمزم قال فحزنت جرهم على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا فقال عمرو بن الحارث بن مضاض فى ذلك وليس بمضاض الاكبر شعر
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا
…
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا
…
صروف الليالى والحدود العوابر
وكنا ولاة الامر من بعد نابت
…
نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
ونحن ولينا البيت من بعد نابت
…
بعز فما يحظى لدينا المكاثر
ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا
…
وليس لحىّ غير ناثم فاخر
فانكح جدى غير شخص علمته
…
فأبناؤه منا ونحن الاصاهر
* قال الفاسى فى شفاء الغرام أفاد المسعودى أمورا لم يفدها غيره فيما علمته منها كون السميدع وقومه من العماليق ومنها أنهم قدموا مكة قبل جرهم قيل يجوز أن تكون طائفة من العماليق ولوا مكة قبل جرهم وطائفة من العماليق غير الاوّلين ولوا مكة مع جرهم ومنها ما ذكره فى مدّة جرهم وأفاد فى تاريخه أن أوّل من ملك من ملوكهم بمكة مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت جرهم بن قحطان مائة سنة ثم كانت ولاية البيت بعده لابنه عمرو بن مضاض مائة وعشرين سنة ثم ملك الحارث بن عمرو مائة سنة وقيل دون ذلك ثم ملك بعده عمرو بن الحارث مائة سنة ثم ملك بعده مضاض الاصغر بن عمرو ابن الحارث بن عمرو بن مضاض بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن هنى ابن بنت جرهم بن قحطان أربعين سنة انتهى* وقيل كانت ولاية البيت بعد نابت بن اسماعيل فى جرهم ثلثمائة وقيل خمسمائة سنة وقيل ستمائة سنة* وفى شفاء الغرام ذكر ابن هشام أن جرهما هو ابن قحطان أبو اليمن واليه يجتمع نسبها ابن غابر بن شالخ بن أرفخشد بن نوح وقيل ان جرهما ابن ملك من الملائكة قال ابن عباس كان الملك من الملائكة اذا أذنب ذنبا عظيما أهبط الى الارض ونزعت منه روحانية الملائكة وجعل فى خلق بنى آدم فأذنب ملك من الملائكة يقال له عذرا أو نحوها ذنبا فكان فى الهواء ثم هبط مكة فتزوّج امرأة من العماليق فولدت جرهما فذلك قول الحارث بن مضاض
لا همّ ان جرهما عبادك
…
والناس طرف وهم تلادك
ثم بنى البيت قصى بن كلاب بعد ما انقرضت العمالقة وجرهم وخلفتهم فيها قريش واستولت على الحرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة وكان قصى أوّل من جدّدها من قريش بعد ابراهيم وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل كذا فى شفاء الغرام ثم بعد قصى بن كلاب بنى البيت قريش وكان ذلك قبل المبعث بخمس سنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم حضر هذا البناء وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكان