الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصان رزان لا تزنّ بريبة
…
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس دينا ومنصبا
…
نبىّ الهدى والمكرمات الفواضل
عقيلة حىّ من لؤىّ بن غالب
…
كرام المساعى مجدها غير زائل
مهذبة قد طيب الله جيبها
…
وطهرها من كل سوء وباطل
فان كان ما قد قيل عنى قلته
…
فلا رفعت سوطى الىّ أناملى
وان الذى قد قيل ليس بلائط
…
بها الدهر بل قول امرئ بى ماحل
فكيف وودّى ما حييت ونصرتى
…
لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم
…
تقاصر عنه سورة المتطاول
رأيتك وليغفر لك الله حرة
…
من المحصنات غير ذات غوائل
ولما بلغ قوله وتصبح غرثى من لحوم الغوافل قالت عائشة عند ذلك لكنك لست كذلك رواه مسلم ولما نزلت ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم الآية جلد رسول الله بعد تنازع بين الاصحاب أربعة عبد الله بن أبىّ وحسان بن ثابت ومسطح بن اثاثة وحمنة بنت جحش أخت زينب التى عصمها الله بالورع جلدهم ثمانين ثمانين* وفى رواية وجلد زيد بن رفاعة خامس الاربعة المذكورة كذا فى معالم التنزيل* وفى الاكتفاء قال قائل من المسلمين فى ضرب حسان وصاحبيه فى فريتهم على عائشة رضى الله عنها
لقد ذاق حسان الذى كان أهله
…
وحمنة اذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم
…
وسخطة ذى العرش الكريم فأترحوا
وآذوا رسول الله فيها فجللوا
…
مخازى تبقى عمموها وفضحوا
وصبت عليهم محصدات كأنها
…
شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح
وقد ذكر أبو عمرو بن عبد البرّ الحافظ أن قوما أنكروا أن يكون حسان خاض فى الافك أو جلد فيه روى عن عائشة أنها برّأته من ذلك ثم ذكر عن الزبير بن بكار وغيره ان عائشة كانت فى الطواف مع أمّ حكيم بنت خالد بن العاصى وابنة عبد الله بن أبى ربيعة فتداكرن حسانا فابتدرتاه بالسب فقالت لهما عائشة ابن الفريعة تسبان انى لارجو أن يدخله الله الجنة بذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه أليس القائل
هجوت محمدا فأجبت عنه
…
وعند الله فى ذاك الجزاء
فان أبى ووالدتى وعرضى
…
لعرض محمد منكم وقاء
فقالتها لها أليس ممن لعنه الله فى الدنيا والآخرة بما قال فيك قالت لم يقل شيئا ولكنه القائل
حصان رزان ما تزنّ بريبة
…
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فان كان ما قد قيل عنى قلته
…
فلا رفعت سوطى الىّ أناملى
وفى السمط الثمين قال أبو عمرو هذا عندى أصح لانه لم يشتهر جلد عبد الله ولا جلد من اشتهر من الجميع
*
غزوة الخندق
وفى شوّال هذه السنة وقعت غزوة الخندق سميت بالخندق لحفر النبىّ صلى الله عليه وسلم الخندق باشارة سلمان الفارسى وسميت بالاحزاب جمع حزب أى طائفة لاجتماع طوائف المشركين على حرب المسلمين وهم قريش وغطفان واليهود ومن معهم وهم الذين سماهم الله تعالى بالاحزاب وأنزل الله تعالى فى ذلك صدر سورة الاحزاب كذا فى المواهب اللدنية والوفاء* واختلف فى تاريخها فقال موسى بن عقبة كانت فى شوّال سنة أربع وفى نسخة لعشرة أشهر وخمسة أيام وصححه النووى فى الروضة مع قوله بأن غزوة بنى قريظة فى الخامسة وهو عجيب لما سيأتى من انها كانت عقيب الخندق* وقال ابن
اسحاق غزوة الخندق فى شوّال سنة خمس وبهذا جزم غيره من أهل المغازى وأما البخارى فمال الى قول موسى بن عقبة وقوّاه بقول ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه فيكون بينهما سنة واحدة وأحد كانت سنة ثلاث فتكون الخندق سنة أربع ولا حجة فيه بينهما اذا ثبت لنا انها كانت سنة خمس لاحتمال أن يكون ابن عمر فى أحد كان أوّل ما طعن فى الرابعة عشر وكان في الاحزاب استكمل الخمس عشرة وبهذا أجاب البيهقى* وقال الشيخ ولىّ الدين العراقى المشهور انها فى السنة الرابعة من الهجرة كذا فى المواهب اللدنية* قال أصحاب السير ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أجلى يهود بنى النضير من حوالى المدينة تفرّقوا فى البلاد وسكن كل قوم منهم فى ناحية وبعض منهم وهم حيى بن أخطب وأبو رافع غلام بن أبى الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبى الحقيق النضريون ومن تابعهم استوطنوا خيبر فخرج نفر من أشرافهم مثل حيى بن أخطب وكنانة بن الربيع وسلام بن أبى الحقيق النضريين وأبى عامر الفاسق وهوذة بن قيس الوائليين فى رهط من بنى النضير ورهط من بنى وائل قريب من عشرين رجلا وهم الذين حزبوا الاحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدموا مكة على قريش فاستغووهم واستنصروهم ودعوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لهم قريش يا معشر اليهود انكم أهل الكتاب والعلم بما كنا نختلف فيه نحن ومحمد فأخبرونا أديننا خير أم دينه قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه فهم الذين أنزل الله فيهم ألم تر الى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا الى قوله وكفى بجهنم سعيرا فلما قالوا ذلك لقريش سرّهم ما قالوا وطابت قلوبهم ونشطوا لما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابوهم وأجمعوا على ذلك واستعدّوا له ثم خرجت أولئك اليهود من مكة حتى جاؤا غطفان من قيس غيلان بفتح الغين المعجمة اسم قبيلة سميت باسم جدّهم* وفى القاموس قيس عيلان بالفتح أبو قبيلة واسمه الناس بن مضر انتهى فدعوهم الى حرب رسول الله وأخبروهم بأنهم سيكونون معهم عليه وان قريشا قد تابعوهم على ذلك وأجمعوا عليه واجتمعوا معهم وجعلت يهود لغطفان تحريضا على الخروج نصف تمر خيبر كل عام فزعموا أن الحارث ابن عوف أخا بنى مرّة قال لعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ولقومه من غطفان يا قوم أطيعونى ودعوا قتال هذا الرجل وخلوا بينه وبين عدوّه من العرب فغلب عليهم الشيطان وقطع أعناقهم الطمع ونفذوا لامر عيينة على قتال رسول الله وكتبوا الى حلفائهم من بنى أسد فأقبل طليحة الاسدى فيمن تبعه من بنى أسد وهما الحليفان أسد وغطفان وكتب قريش الى رجال من بنى سليم بينهم وبينهم أرحام استمدادا لهم فأقبل أبو الاعور بمن تبعه من سليم مدد القريش ثم كتب اليهود الى حلفائهم من بنى سعد أن يأتوا الى امدادهم فجمع أبو سفيان جيش قريش أربعة آلاف رجل وفيهم ثلثمائة فرس وألف بعير وعقد والواء ودفعوه الى عثمان بن طلحة بن أبى طلحة من بنى عبد الدار فخرج أبو سفيان بقريش ونزلوا مرّ الظهران ولحق بهم من أجابهم من القبائل من بنى سليم وأسلم وأشجع وبنى مرّة وكنانة وفزارة وغطفان فصاروا فى جمع كبير حتى تحزبت وتجمعت عشرة آلاف رجل على ما ذكره ابن اسحاق بأسانيده ولهذا سمى هذه الغزوة غزوة الاحزاب وكان المسلمون ثلاثة آلاف وقيل كان المسلمون ألفا والمشركون أربعة آلاف* وذكر ابن سعد انه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرسا كذا فى المواهب اللدنية فسارت قريش وقائدهم أبو سفيان بن حرب وسارت غطفان وقائدهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر فى فزارة والحارث بن عوف بن أبى حارثة المرى
فى بنى مرّة ومسعر بن رحيلة بن نويرة بن طريف بن شحمة بن عبد الله بن هلال بن حلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان فيمن تابعه فى قومه من أشجع وتكامل لهم ولمن استمدّوه فأمدّهم جمع عظيم هم الذين سماهم الله الاحزاب فلما سمع بهم النبىّ صلى الله عليه وسلم وبما أجمعوا له من الامر ضرب الخندق على المدينة وكان الذى أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق سلمان الفارسى وكان أوّل مشهد شهده سلمان مع رسول الله وهو يومئذ حرّ قال يا رسول الله انا كنا بفارس اذا حوصرنا خندقنا علينا فعبى رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه واستخلف على المدينة عبد الله بن أمّ مكتوم ودفع لواء المهاجرين الى زيد بن حارثة ولواء الانصار الى سعد بن عبادة فخرج من المدينة فى ثلاثة آلاف رجل وعرض أصحابه وردّ الى المدينة من استصغره من أولاد الصحابة وأذن لبعضهم فى الخروج مثل عبد الله ابن عمر وزيد بن ثابت وأبى سعيد الخدرى والبراء بن عازب وهم يومئذ أبناء خمس عشرة سنة فطلب النبىّ صلى الله عليه وسلم موضعا صالحا للخندق* وفى خلاصة الوفاء كان أحد جانبى المدينة عورة وسائر جوانبها مشتبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدوّ منها فاختار ذلك الجانب المكشوف للخندق وجعل معسكره تحت جبل سلع وجعل المسلمون ظهورهم الى جبل سلع وضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من أديم أحمر على القرن فى موضع مسجد الفتح والخندق بينه وبين المشركين فخط أوّلا موضع الخندق ثم قسمه فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا* وفى رواية لكل عشرة رجال عشرة أذرع فاستعار من يهود بنى قريظة لحفر الخندق المعاول والفؤس والمكاتل والقدوم والمرو المسحاة وغير ذلك وكانت يومئذ بينهم وبين النبىّ صلى الله عليه وسلم مهادنة ومعاهدة وهم يكرهون مسير قريش الى المدينة* وفى خلاصة الوفاء وعمل فيه جميع المسلمين وهم يومئذ ثلاثة آلاف* قال الطبرى وأتباعه حفر النبىّ صلى الله عليه وسلم الخندق طولا من أعلا وادى بطحان غربى الوادى مع الحرة الى غربى مصلى العيد ثم الى مسجد الفتح ثم الى الجبلين الصغيرين اللذين فى غربى الوادى ومأخذه قول ابن النجار والخندق باق فيه قناة تأتى من عين قباء الى النخل الذى بالسنح حوالى مسجد الفتح وفى الخندق نخل أيضا وقد انطم أكثره وتهدّمت حيطانه* الحاصل ان الخندق كان شامى المدينة من طرف الحرّة الشرقية الى طرف الغربية* وعن أنس قال جعل المهاجرون والانصار يحفرون الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يعمل فيه مع أصحابه* وعن سهل بن سعد قال كنا مع رسول الله وهم يحفرون ونحن ننقل التراب على أكتافنا* وفى رواية كان النبىّ صلى الله عليه وسلم ينقل التراب حتى وارى التراب جلدة بطنه* وفى رواية بعض بطنه* وفى رواية شعر صدره وكان كثير الشعر* وفى رواية ينقل التراب يوم الخندق حتى اغمر أو اغبر بطنه وهو يقول أو يرتجز بكلمات ابن رواحة
والله لولا الله ما اهتدينا* وفى رواية* لا همّ لولا أنت ما اهتدينا* ولا تصدّقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا* وثبت الاقدام ان لاقينا* ان الاولى قد رغبوا علينا** وفى رواية*
ان الذين قد بغوا علينا
…
اذا أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته أبينا أبينا رواه الشيخان* وفى حديث سليمان التيمى عن أبى عثمان النهدى أنه صلى الله عليه وسلم حين ضرب فى الخندق قال* بسم الله وبه بدينا* ولو عبدنا غيره شقينا* حبذاربا وحبذا دينا* قال فى النهاية يقال بديت بالشىء بكسر الدال أى بدأت به فلما خفف الهمزة كسر الدال فانقلبت الهمزة ياء وليس من باب الياء* وعن أبى قتادة انّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين يحفر الخندق فجعل يمسح رأسه ويقول بؤس ابن سمية تقتلك الفئة الباغية رواه مسلم* وروى ان حفر
الخندق كان فى زمان عسرة وعام مجاعة حتى انّ الاصحاب كانوا يشدّون فى بطونهم الحجر من الجهد والضعف الذى بهم من الجوع ولبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا* وعن أبى طليحة شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه عن حجرين ذكره الترمذى فى الشمائل ولهذا أشار صاحب البردة بقوله
وشدّ من سغب أحشاءه وطوى
…
تحت الحجارة كشحا مترف الادم
قيل الحجر يدفع الجوع* وعن أنس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الخندق فاذا المهاجرون والانصار يحفرون الخندق فى غداة باردة ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال اللهمّ لا خير الاخير الآخرة فبارك فى الانصار والمهاجرة* وفى رواية فاكرم الانصار والمهاجرة فقالوا مجيبين له
نحن الذين بايعوا محمدا
…
على الجهاد ما بقينا أبدا
* وفى رواية ما حيينا أبدا فحفروا الخندق وفرغوا منه بعد ستة أيام* وفى المواهب اللدنية قد وقع عند موسى بن عقبة أنهم أقاموا فى عمل الخندق قريبا من عشرين يوما وعند الواقدى أربعا وعشرين* وفى الروضة للنووى خمسة عشر يوما* وفى الهدى النبوى لابن القيم أقاموا شهرا* روى أنه صلى الله عليه وسلم كان عين للمهاجرين أن يحفروا من موضع كذا الى موضع كذا وعين للانصار أن يحفروا من موضع كذا الى موضع كذا وتحاجّ الفريقان فى سلمان الفارسى وكل فريق قالوا سلمان منا ونحن أحق به وكان سلمان رجلا قويا يحسن حفر الخندق فلما سمع النبىّ مقالة الفريقين قال سلمان منا أهل البيت* روى انه كان يعمل فى حفر الخندق عمل الرجلين* وفى رواية كان يحفر كل يوم خمسة أذرع من الخندق وعمقها أيضا خمسة أذرع فعانه قيس بن صعصعة فصرع وتعطل من العمل فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان ويجمع وضوءه فى ظرف ويغتسل سلمان بتلك الغسالة ويكفأ الاناء خلف ظهره ففعل فنشط فى الحال كما ينشط البعير من العقال* وروى انه كان عمرو بن عوف وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزنى وستة من الانصار فى أربعين ذراعا فحفروا حتى اذا كانوا تحت ذباب عرضت لهم* ذباب كغراب وكتاب لغتان* قال البكرى ذباب جبل بجبانة المدينة وهو الجبل الذى عليه مسجد الراية واسمه ذو ناب أيضا* وفى رواية أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء* وفى المواهب اللدنية كدية شديدة وهى بضم الكاف وتقديم الدال المهملة على المثناة التحتية القطعة الصلبة* وفى رواية مرو عظيمة كسرت حديدهم فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وهو ضارب عليه قبة تركية فهبط مع سلمان الخندق وبطنه معصوب بحجر ولبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقا كما مرّ والتسعة على شفير الخندق فأخذ المعول من سلمان فضربها به ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء منها ما بين لابتيها يعنى المدينة حتى لكانّ مصباحا فى بيت مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها الثانية فبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر رسول الله تكبيرة فتح وكبر المسلمون ثم ضربها الثالثة فكسرها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة فتح وكبر المسلمون فأخذ بيد سلمان ورقى قال سلمان بأبى أنت وأمى يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم الى القوم فقال أرأيتم ما يقول سلمان قالوا نعم يا رسول الله قال ضربت ضربتى الأولى فبرق الذى رأيتم أضاءت لى منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أتياب الكلاب وأخبرنى جبريل ان أمّتى
ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتى الثانية فبرق الذى رأيتم أضاءت لى منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب فأخبرنى جبريل ان أمّتى ظاهرة عليها ثم ضربتها ضربتى الثالثة فبرق الذى رأيتم أضاءت لى قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرنى جبريل انّ أمّتى ظاهرة عليها فابشروا فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر فقال المنافقون منهم معتب بن قشير ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وانها تفتح لكم وأنتم انما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا فنزل القرآن واذ يقول المنافقون والدين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا وأنزل الله فى هذه القصة قل اللهمّ مالك الملك الآية ووقع عند أحمد والنسائى أخذ المعول وقال بسم الله ثم ضرب ضربة فبشر ثلثها فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله انى لأبصر قصورها الحمر الساعة ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس وانى والله لأبصر قصور المدائن البيض الآن ثم ضرب الثالثة فقال بسم الله فقطع بقية الحجر فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله انى لأبصر أبواب صنعاء اليمن من مكانى هذا الساعة كذا فى المواهب اللدنية* وفى الاكتفاء اشتدّ عليهم فى بعض الخندق كدية فشكوها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا باناء من ماء فتفل فيه ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية فيقول من حضر فو الذى بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب ما تردّ مسحاة ولا فأسا* ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السيول من رومة بين الجرف ورباعة فى عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بنى كنانة وأهل تهامة وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصن حتى نزلوا بذنب نعمى الى جانب أحد* وفى خلاصة الوفاء عن ابن اسحاق ان عيينة بن حصن فى غطفان نزلوا الى جانب أحد بباب نعمان* وفى تهذيب ابن هشام عند نزولهم بنعمى ونعمان بالضم وعين مهملة واد بجانب أحد يصب هو ونعمى فى الغابة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثلاثة آلاف رجل من المسلمين يوم الاثنين لثمان ليال مضين من ذى القعدة حتى جعلوا ظهورهم الى سلع فضرب هناك عسكره والخندق بينهم وبين المشركين وكان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة ولواء الانصار بيد سعد بن عبادة وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة حم لا ينصرون كذا فى سيرة ابن هشام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث الحرس الى المدينة خوفا على الذرارى من بنى قريظة كذا فى المواهب اللدنية وأمر رسول الله بالنساء والذرارى حتى رفعوا فى الآطام وخرج عدوّ الله حيى بن أخطب النضرى بالتماس من أبى سفيان حتى أتى كعب بن أسد القرظى صاحب عقد بنى قريظة وعهدهم وكان كعب قد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه وعاهدهم على ذلك فلما سمع كعب بحيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه فاستأذن عليه حيى فأبى كعب أن يفتح له فناداه حيى ويحك يا كعب افتح لى فقال كعب ويحك يا حيى انك أمرؤ مشؤم وانى قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بينى وبينه ولم أرمنه الا وفاء وصدقا قال ويحك افتح لى أكلمك قال ما أنا بفاعل قال والله ما أغلقت الباب الا لخشيتك أن آكل معك فاغضب الرجل ففتح له فقال يا كعب ويحك جئتك بعز الدهر وببحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الاسيال من رومة وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نعمى الى جانب أحد قد عاهدونى وعاقدونى أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب بن أسد جئتنى بذل الدهر بجهام هراق ماءه وبرعد وببرق ليس فيه شىء فدعنى ومحمدا وما أنا عليه فلم أر من محمد الا وقاء وصدقا فلم يزل حيى ابن أخطب بكعب
يفتل فى الذروة والغارب حتى سمح له على ان أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا ان أدخل معك فى حصنك حتى يصيبنى ما أصابك فنقض كعب عهده وبرئ مما كان عليه فيما بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انتهى الخبر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين قال رسول الله حسبنا الله ونعم الوكيل وبعث صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ أحد بنى عبد الاشهل وهو يومئذ سيد الاوس وسعد بن عبادة أحد بنى ساعدة وهو يومئذ سيد الخزرج ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحارث وخوّات بن جبير أخو بنى عمرو بن عوف ليعرفوا الخبر فقال انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على اخبث ما بلغهم عنهم قالوا من رسول الله تبرؤا من عقده وعهده وقالوا لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه وكان رجلا فيه حدّة فقال له سعد بن معاذ دع عنك مشاتمتهم فما بينهم وبيننا أربى من المشاتمة ثم أقبل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومن معهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه وقالوا عضل والقارة أى كغدرهما بأصحاب الرجيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر ابشروا يا معشر المسلمين ولما فشا بين المسلمين خبر نقض عهد بنى قريظة اشتدّ الخوف وعظم عند ذلك البلاء فبينماهم على ذلك اذ جاءتهم جنود يعنى الاحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوازها اثنى عشر ألفا كذا فى أنوار التنزيل فجاء بنو أسد وغطفان وفزارة واليهود من فوقهم من جهة المدينة وقائدهم حارث بن عوف وعبينة بن حصن الفزارى وجاء قريش وكنانة من جانب أسفل الوادى وقائدهم أبو سفيان بن حرب* وقال ابن عباس كان الذين جاؤهم من فوقهم بنو قريظة ومن أسفل منهم قريش وغطفان كذا فى الوفاء ومن هيبة كثرتهم وشدّة شوكتهم رعبت قلوب ضعفاء أهل الاسلام وزاغت أبصارهم* وفى الاكتفاء حتى ظنّ المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض المنافقين وحتى قال قائل منهم كان محمد يعدنا أن نملك كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب الى الغائط كما قال الله تعالى اذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا فلما بلغت الاحزاب وجنود الاعراب شفير الخندق ورأوه تعجبوا منه اذ لم يكن أمر الخندق متعارفا بين العرب فأقاموا بظاهر المدينة على الخندق وحاصروا المسلمين عشرين أو أربعة وعشرين أو سبعة وعشرين يوما* وفى الاكتفاء وأقام عليه المشركون قريبا من شهر ولم يكن بينهم حرب الا الرمى بالنبل والحصار واستعان بنو قريظة من قريش ليبيتوا المدينة فعلم به النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث سلمة بن الاسلم فى مائتى رجل وزيد بن حارثة فى ثلثمائة رجل حتى حرسوا حصون المدينة ومحلاتها وكان جماعة من المنافقين مثل أوس القيظى ومتابعيه ينفرون جيش الاسلام ويقولون ارجعوا الى منازلكم واعتلوا بأنّ منازلكم عورة خالية عن المحافظة فانها خارج المدينة ونحن نخاف أن يظفر بها جيش العدوّ كما أخبر عنه قوله تعالى واذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبىّ يقولون انّ بيوتنا عورة وما هى بعورة ان يريدون الا فرارا* روى انه كان عباد بن بشر مع جمع من الصحابة فى أيام المحاصرة يحرسون خيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة وكان المشركون يتناوبون الحرب لكن الله تعالى لم يمكنهم من عبور الخندق فان شجعان الصحابة كانوا يمنعونهم بالنبال والاحجار وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم بنفسه فى الليالى يحرس بعض مواضع الخندق* روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان فى الخندق موضع لم يحسنوا ضبطه اذ أعجلهم الحال وكان يخاف عليه عبور الاعداء منه وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم يختلف ويحرسه بنفسه ويقول
لا أخاف أن يعبر المشركون من موضع الا من هذا الموضع وكان يختلف عليه ورجع مرّة من الخندق فكنت أستد فئة فقال ليت رجلا صالحا يحرس الليلة هذا الموضع اذ سمع قعقعة السلاح فقال من هذا قال سعد بن أبى وقاص فأمره أن يحرس الليلة هذا الموضع فذهب سعد يحرسه فنام النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى نفخ وكان اذا نام نفخ* وعن أمّ سلمة أنها قالت كان النبىّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من ليالى الخندق يصلى فى خيمته فخرج منها فنظر فسمعته يقول هؤلاء ركب المشركين يحومون حول الخندق فأمر عباد بن بشر ومن معه أن يحوموا حول الخندق ثم قال اللهمّ ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم فذهب عباد وأصحابه حتى انتهوا الى شفير الخندق فرأوا أبا سفيان مع جمع من المشركين قد اقتحموا بمضيق من الخندق وقوم من المسلمين يرمونهم بالنبل والحجر فاعانهم عباد وأصحابه ورموا المشركين حتى ولوا هاربين فرجع عباد وأصحابه الى النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فلما فرغ أخبروه بذلك قالت فنام رسول الله حتى نفخ وما استيقظ حتى أذن بلال الفجر فخرج وصلّى الفجر مع الجماعة* وعن أم سلمة كان النبىّ صلى الله عليه وسلم نائما فى خيمته ذات ليلة فلما كان نصف الليل كثر الصياح وارتفعت الاصوات وسمعت قائلا يقول يا خيل الله اركبوا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شعار المهاجرين فى تلك الغزوة يا خيل الله اركبى* وفى رواية كان صلى الله عليه وسلم قال لهم ان بيتكم العدوّ فليكن شعاركم حم لا ينصرون فوجه الجمع أن يقال ان هذا كان شعار الانصار والله أعلم* وفى سيرة ابن هشام كان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبنى قريظة حم لا ينصرون* فانتبه صلى الله عليه وسلم وخرج من خيمته وسأل الحرس ما شأن الناس وما هذا الصياح قال عباد هذا صوت عمرو بن عبدودّ العامرى والليلة نوبته فبعثه النبىّ صلى الله عليه وسلم اليه فذهب عباد والنبىّ صلى الله عليه وسلم واقف خارج الخيمة ينتظر الخبر فرجع وقال يا رسول الله هذا عمرو بن ودّ فى جمع من المشركين يرمون المسلمين بالنبل والحجارة فدخل النبىّ صلى الله عليه وسلم خيمته ولبس سلاحه فخرج وركب فرسه وناس بين يديه حتى بلغوا ذلك الموضع ثم رجعوا مع جراحات كثيرة قد أصابتهم فرقد النبىّ صلى الله عليه وسلم حتى سمعته ينفخ ثم سمعت صياحا فاستيقظ النبىّ صلى الله عليه وسلم فبعث اليه عباد بن بشر فرجع فقال هذا ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهرى فى جمع من المشركين يقاتلون المسلمين ويرمونهم بالنبال والاحجار فلبس النبىّ صلى الله عليه وسلم سلاحه وتوجه الى ذلك الموضع واشتغل بقتالهم حتى الصباح ثم رجع وقال هربوا مع جراحات كثيرة قالت أم سلمة قد كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوات عديدة مثل المريسيع وخيبر والحديبية وفتح مكة وحنين والطائف ولم تكن غزوة من تلك الغزوات شديدة على النبىّ صلى الله عليه وسلم مثل الخندق لقد أصابه تعب ومشقة كثيرة وأصاب المسلمين جراحات كثيرة وكان الزمان زمان برد وعسرة* روى أنه لما اشتدّ البلاء رأى النبىّ صلى الله عليه وسلم أن يعطى غطفان وفزارة ثلث ثمار المدينة حتى يرجعا عنه ويخذلا قريشا فبعث الى عيينة بن حصن الفزارى والحارث بن عوف وهما قائدا فزارة وغطفان وشرط لهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه فجرى بينه وبينهما المراوضة فى الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح* وفى رواية ان عيينة وحارثا مع نفر من قومهما أتيا النبىّ صلى الله عليه وسلم لامر المصالحة فجرى بينه وبينهم الصلح فأمر النبى عثمان بن عفان حتى كتب كتاب الصلح ولم يقع الاشهاد ولما أرادوا أن يكتبوا الشهادة جاء اسيد بن حضير فرأى عيينة ابن حصن الفزارى قد مدّ رجله بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم ما جاء له فأقبل الى عيينة