الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فانه خرج فيما يزعمون فى ركب من قريش حتى اذا كان فى أرض غطفان بن سعد بن قيس بن غيلان أبطأ به فانطلق من كان معه من قومه فأتاه ثعلبة بن سعد وهو أخوه فى نسب بنى ذبيان ثعلبة بن سعد ابن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان فحبسه والطاطه وآخاه وزوّجه فانتسب بتلك المؤاخاة الى سعد ابن ذبيان الى ثعلبة وثعلبة فيما يزعمون هو القائل
احبس علىّ ابن لؤى جملك
…
تركك القوم ولا منزل لك
وأما كعب بن لؤى وعامر بن لؤى فهما أهل الحرم وصريح ولد لؤى وكان كعب منهما عظيم القدر فى العرب وأرّخوا بموته اعظاما له الى ان كان عام الفيل فأرّخوا به وكان بين موته والفيل فيما ذكروا خمسمائة سنة وعشرون سنة كذا فى الاكتفاء* وفى شواهد النبوّة بين موت كعب ومبعث نبينا صلى الله عليه وسلم خمسمائة وستون سنة وتزوّج كعب وحشية بنت شيبان بن محارب من فهم فهى فهمية أيضا وسابعة الجدّات النبويات فولدت له مرّة* وفى الاكتفاء فولد كعب بن لؤى مرّة وهصيصا وعديا وأمهم وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهم بن مالك وقيل ان أمّ عدى وحده امرأة من فهم وهى حبيبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن غيّلان بن مضر بن نزار فتزوّج مرّة نعمى بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة فهى كنانية وسادسة الجدّات النبويات الابويات فولدت له كلابا واسمه حكيم وقيل عروة كذا فى سيرة مغلطاى والمواهب اللدنية وهو اما منقول من المصدر الذى فى معنى المكالبة نحو كالبت العدوّ مكالبة وكلابا واما من الكلاب جمع كلب لانهم يريدون الكثرة كما يسمون بسباع*
نفيسة فى تسمية العرب أولادها بشر الاسماء
وسئل اعرابى لم تسمون أولادكم بشرّ الاسماء نحو كلب وذئب وعبيدكم بأحسن الاسماء نحو مرزوق ورباح فقال انما نسمى أبناءنا لاعدائنا وعبيدنا لانفسنا يريدون ان الابناء عدّة للاعداء وسهام فى نحورهم فاختاروا لهم هذه الاسماء* وفى الاكتفاء فولد مرّة بن كعب كلابا وتيما ويقطة قال ابن اسحاق فأم كلاب هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك ابن كنانة بن خزيمة وأم يقطة البارقية امرأة من بارق الاسد من اليمن ويقال هى أم تيم ويقال تيم لهند بنت سرير بن كلاب كذا فى سيرة ابن هشام فتزوّج كلاب فاطمة بنت سعد من ازد السراة فهى أزدية وخامسة الجدّات النبويات* فولدت له قصيا واسمه زيد وقال الشافعى يزيد فيما حكاه أبو احمد كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الاكتفاء فولد كلاب رجلين قصيا وزهرة وأمهما فاطمة بنت سعد ابن سيل أحد الجدرة من خثعمة الاسد من اليمن واسم سيل خير وانما سمى سيلا لطوله وسيل اسم جبل وهو خير بن حماله بن عوف بن غنم بن عامر الجادر بن عمرو بن خثعمة بن يشكر بن مبشر بن صعب بن دهمان بن نضر بن الازد وسمى عامر الجادر لانه بنى جدار الكعبة كان وهى من سيل أتى أيام ولاية جرهم البيت وكان عامر تزوّج منهم بنت الحارث بن مضاض وقيل لولده الجدرة لذلك وذكر الشرقى بن القطامى أن الحاج كانوا يتمسحون بها ويأخذون من طينها وحجارتها تبرّكا بذلك فان عامرا هذا كان موكلا باصلاح ما شعث من جدرها فسمى الجادر والله أعلم وسعد بن سيل جدّ قصى بن كلاب هو أوّل من حلى السيف بالفضة والذهب وأهدى الى كلاب بن مرّة مع ابنته فاطمة سيفين محليين فجعلا فى خزانة الكعبة وقصى هو الذى جمع الله به قريشا وكان اسمه زيدا فسمى مجمعا لما جمع من أمرها قال الشاعر
أبوكم قصىّ كان يدعى مجمعا
…
به جمع الله القبائل من فهر
وسمى قصيا تصغير قصى لتقصيه أى تبعده عن بلاد قومه فى بلاد قضاعة مع امه فاطمة بعد وفات أبيه كلاب بن مرّة وذلك انه لما هلك أبوه كلاب بن مرّة خلف ولديه زهرة وقصيا مع أمهما فاطمة بنت
سعد بن سيل بن عذره وزهرة حينئذ رجل وقصى فطيم فقدم مكة بعد مهلك كلاب حاج من قضاعة فيهم ربيعة بن حزام بن ضبة بن عبد كبير بن عذره فتزوّج فاطمة بنت سعد فاحتملها الى بلاده فاحتملت ابنها قصيا لصغره وأقام زهرة فى قومه فولدت فاطمة لربيعة رزاحا فكان أخا قصى لامه وكان لربيعة بنون ثلاثة من امرأة اخرى وهم حن ومحمود وجلهمة بنى ربيعة وأقام قصى مع امه فى أرض قضاعة لا ينسب الا الى ربيعة ابن حزام الى أن كبر وخرج فى حاج قضاعة فى الشهر الحرام حتى قدم مكة الى قومه وهذا سبب تسميته قصيا فخرج قصى شابا جميلا ورجلا جلد او عالم قريش وأقومها بالحق وأوّل من ولى سدانة البيت الكعبة من قريش* قال ابن اسحاق بعد اخراج جرهم وقطورا من مكة ثم ان غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة وكان الذى يليه منهم عمرو بن الحارث الغبشانى وقريش اذ ذاك حلول وصرم وبيوتات متفرّقون فى قومهم من بنى كنانة فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن كابر حتى كان آخرهم حليل بن حبشية على لفظ المنسوب الى حبشة قال ابن هشام ويقال حبشة يعنى بضم الحاء وسكون الباء الموحدة ابن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى* وفى الاكتفاء وخطب قصى الى حليل ابنته حبى فعرف حليل النسب ورغب فى الرجل فزوّجه وحليل يومئذ يلى أمر مكة والحكم فيها وحجابة البيت فأقام قصى معه بمكة وولدت له حبى أربعة بنين عبد الدار وعبد مناف وعبد العزى وعبدا فلما انتشر ولد قصى وكثر ماله وعظم شرفه هلك حليل ورأى قصى أنه أولى بالكعبة وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر وان قريشا فرع اسماعيل وابراهيم عليهما السلام وصريح ولده فكلم رجالا من قريش وبنى كنانة ودعاهم الى اخراج خزاعة وبنى بكر من مكة فأجابوه الى ذلك فكتب عند ذلك قصى الى أخيه من أمه رزاح بن ربيعة يدعوه الى نصرته والقيام معه فخرج رزاح ومعه اخوته لابيه حن ومحمود وجلهمة فيمن تبعهم من قضاعة فى حاج العرب وهم مجمعون لنصر قصى والقيام معه فلما اجتمع الناس بمكة وفرغوا من الحج ولم يبق الا أن يصدر الناس كان أوّل ما تعرض له قصى من المناسك أمر الاجازة للناس بالحج وكانت صوفة هى التى تلى ذلك مع الدفع بهم من عرفة ورمى الجمار وهم ولد غوث بن مرفولى غوث الاجازة بالناس وتحيز بهم اذا نفروا واذا كان يوم النفر أتوا لرمى الجمار ورجل من صوفة يرمى للناس لا يرمون حتى يرمى فاذا فرغوا من رمى الجمار وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة فحبسوا الناس وقالوا جيزى صوفة فلم يجز أحد حتى يمرّوا فاذا نفدت ومضت خلى سبيل الناس وانطلقوا بعدهم وكانت اجازة الافاضة من المزدلفة فى عدوان بن عمرو بن قيس بن غيلان يتوارثون كابرا عن كابر حتى كان آخرهم الذى قام عليه الاسلام أبو السيارة عميله بن أعزل ذكروا أنه أجاز عليها أربعين سنة وعزم قصى على انتزاع ذلك من أيديهم فأتاهم بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة فقال لنحن أولى بهذا الامر منكم فقاتلوه فاقتتل الناس قتالا شديدا ثم انهزمت صوفة وغلبهم قصى على ما كان بأيديهم من ذلك وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة وانه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة فلما انحازوا عنه ناواهم وأجمع لحربهم وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا بالابطح حتى كثرت القتلى فى الفريقين جميعا وفشت الجراحة فيهم وأكثرها فى خزاعة ثم انهم تداعوا الى الصلح والى أن يحكموا بينهم رجلا من العرب فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة فقضى بينهم ان قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة وان كل دم أصابه قصى من خزاعة وبنى بكر موضوع يشدخه تحت قدميه وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤدّاة وأن يخلى بين قصى وبين الكعبة ومكة فسمى يعمرو بن
عوف
يومئذ الشداخ لما شدخ من الدماء ووضع منها* قال ابن اسحاق فولى قصى البيت وأمر مكة وجمع قومه من منازلهم الى مكة وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه فكان قصى أوّل بنى كعب أصاب ملكا أطاع له به قومه فكانت اليه الحجابة والسقاية والرفادة والندوة واللواء فحاز شرف مكة كله وقطع مكة أرباعا بين قومه فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التى أصبحوا عليها ويزعم الناس ان قريشا هابوا قطع الشجر من الحرم فى منازلهم فقطعها قصى بيده وأعوانه فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها وتيمنت بأمره فما نكحت امرأة ولا تزوّج رجل من قريش ولا يتشاورون فى أمر نزل بهم ولا يعقد لواء الحرب قوم غيرهم الا فى داره يعقده لهم بعض أولاده ولا يعذر غلام الا فى داره ولا تدّرع جارية من قريش الا فى بيته يشق عليها فيها درعها اذا بلغت ذلك ثم تدرعه ثم ينطلق بها الى أهلها ولا يخرج عير من قريش فيرحلون الا من داره ولا يقدمون الا نزلوا فى داره فكان أمره فى حياته وبعد موته كالدين المتبع لا يعمل بغيره واتخذ لنفسه دار الندوة قيل كانت فى جهة الحجر والميزاب عند المقام الحنفى اليوم وجعل بابها الى مسجد الكعبة ففيها كانت قريش تقضى امورها ولم يكن يدخلها من قريش من غير ولد قصى الا ابن أربعين سنة وكان يدخلها ولده كلهم وحلفاؤهم ولما فرغ قصى من حربه انصرف أخوه رزاح الى بلاده بمن معه من قومه* وعن محمد بن جبير بن مطعم ان قصى بن كلاب كان يعشر من يدخل مكة من غير أهلها فهذا حديث قصى فى ولاية البيت بعد حليل بن حبشية واخراج خزاعة عنه وخزاعة تزعم أن حليلا أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد وقال أنت أولى بالكعبة وبالقيام عليها وبأمر مكة من خزاعة فعند ذلك طلب قصى ما طلب* قال ابن اسحاق ولم يسمع ذلك من غيرهم والله أعلم وقد سمع فى سبب ولاية قصى وجه آخر وهو أنه قال أبو عبيدة زعم ناس من خزاعة كان حليل آخر من ولى البيت من خزاعة فلما ثقل جعل ولاية البيت الى ابنته حبى فقالت له قد علمت انى لا أقدر على فتح الباب واغلاقه قال انى أجعل الفتح والاغلاق الى رجل يقوم لك فجعله الى رجل خزاعى يقال له أبو غبشان بفتح الغين المعجمة وضمها وهو سليم بن عمرو بن لؤى بن ملكان وهو الذى ولى سدانة الكعبة قبل قريش فاجتمع مع قصى فى شرب بالطائف فأسكره قصى ثم اشترى مفاتيح بيت الله الحرام منه بزق خمر وفى رواية بزق خمر وكبش وفى رواية بزق خمر وقعود وأشهد عليه ودفع المفاتيح الى ابنه عبد الدار وطيره الى مكة فلما أفاق أبو غبشان ندم من المبيع أو ندّمه قومه وعابوا عليه فجحد البيع وقال انما رهنته بحقه فضرب به الامثال فى الحمق والندم وخسارة الصفقة فقالوا أخسر من صفقة أبى غبشان فذهب مثلا كذا فى القاموس ثم وقع الحرب بين قصى وابى غبشان وقومهما قريش وخزاعة فذلك قول الشاعر
أبو غبشان أظلم من قصىّ
…
وأظلم من بنى فهر خزاعه
فلا تلحوا قصيا فى شراه
…
ولوموا شيخكم ان كان باعه
ونصر قصيا رجال من قومه قريش وبنى كنانة وقضاعة وبعد قتال شديد استقرّ الامر على قصى فتزوّج قصى عاتكة بنت فالخ بن مليك بن فالخ بن ذكوان من بنى سليم فولدت له عبد مناف* وقال أبو اليقظان أم عبد مناف حبى بنت حليل الخزاعى فأمّ عبد مناف سلمية وقيل خزاعية فهى رابعة الجدّات النبويات* وفى الاكتفاء فولد قصى بن كلاب أربعة بنين وبنتين عبد مناف واسمه المغيرة وعبد الدار وعبد العزى وعبد او تخمر وبرة وأمهم جميعا حبى بنت حليل بن حبشية قال ابن هشام ويقال حبشية بن سلول وفى سيرة ابن هشام سلول بن كعب بن عمرو الخزاعى* قال الزبير بن بكار لما ولد لقصى أوّل ولده سماه عبد مناة ثم نظر فاذا هو موافق لاسم عبد مناف بن كنانة فأحاله الى عبد مناف
وساد عبد مناف فى حياة أبيه وكان مطاعا فى قريش وهو الذى يدعى القمر لجماله واسمه المغيرة وكنيته أبو عبد شمس ومناة اسم صنم وذكر الزبير عن موسى بن عقبة انه وجد كتابا فى حجر فيه أنا المغيرة بن قصى آمر بتقوى الله وصلة الرحم واياه عنى القائل بقوله
كانت قريش بيضة فتقلقت
…
فالمح خالصه لعبد مناف
وعن الواقدى أنه قال مات قصى بمكة فدفن بالحجون فتدافن الناس بعده بالحجون وكان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عبد مناف وكان فى يده لواء نزار وقوس اسماعيل* وفى شفاء الغرام فلم تزل السقاية والرفادة والقيادة لعبد مناف بن قصى يقوم بها حتى توفى* قال ابن هشام هلك عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجرا وقد تزوّج عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان من بنى سليم فهى سلمية أيضا وثالثة الجدّات النبويات الابويات فولدت له هاشما واسمه عمرو* وفى الاكتفاء فولد عبد مناف أربعة نفر هاشما وعبد شمس والمطلب ونوفلا كلهم لعاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالخ بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة ابن سليم بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس بن غيلان بن مضر الا نوفلا فليس منهم فانه لوافدة بنت عمرو المازنية مازن بن منصور بن عكرمة* قال ابن هشام وأبو عمرو وتماضر وقلابة وحبيبة وريطة وامّ الاخثم وامّ سفيان بنو عبد مناف فأم أبى عمرو وريطة امرأة من ثقيف وامّ سائر النساء عاتكة بنت مرّة بن هلال امّ هاشم بن عبد مناف وأمها صفية بنت حوزة بن عمرو بن سلول بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن هوازن وامّ صفية بنت عائذ الله بن سعد العشيرة بن مذحج* وفى المنتقى كان لعبد مناف خمسة بنين وسبع بنات* وفى شفاء الغرام ولد عبد مناف بن قصى خمسة نفر عمرو وهاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل فعدّ عمرا وهاشما اثنين وفى غير شفاء الغرام عدّهما واحدا وسيجىء تحقيقه* وفى روضة الاحباب كان لعبد مناف أربعة بنين هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل كأنه عدّ عمرا وهاشما واحدا أما هاشم فهو جدّ النبىّ صلى الله عليه وسلم واسمه عمرو ويقال له عمرو العلا أيضا لعلوّ مرتبته ولقبه هاشم لانه كان يهشم الثريد لاهل مكة أيام القحط والهشم كسر الشىء اليابس كذا فى القاموس* ولما توفى عبد مناف ولى بعده هاشم السقاية والرفادة أما السقاية فحياض من أدم كانت على عهد قصى توضع بفناء الكعبة ويستقى فيها الماء العذب من الآبار ويسقاه الحاج وأما الرفادة فخرج كانت تخرجه قريش فى الجاهلية من أموالها فى كل موسم فتدفعه الى قصى فتصنع به طعاما للحاج ويأكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد وكان عبد مناف يعمل به بعده وكان هاشم يعمل به بعد أبيه فيطعم الناس فى كل موسم ما يجتمع عنده من ترافد قريش فلم يزل على ذلك من أمره حتى أصاب الناس سنة جدب شديد فخرج هاشم الى الشام فاشترى بما اجتمع عنده من المال دقيقا وكعكا فقدم مكة فى الموسم فهشم الخبز والكعك ونحر الجزور وطبخ وجعله ثريدا وأطعم الناس وكانوا فى مجاعة شديدة حتى أشبعهم فسمى لذلك هاشما* وقال عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضرّ ومجاعة شديدة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين يعنى فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشام وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم وقال الكلبى كان أوّل من حمل السمراء من الشام ورحل اليها الابل هاشم بن عبد مناف وفى ذلك يقول ابن الزبعرى السهمى
قل للذى طلب السماحة والندى
…
هلا مررت بآل عبد مناف
هلا مررت بهم تريد قراهم
…
منعوك من ضرّ ومن اتلاف
الرائشين وليس يوجد رائش
…
والقائلين هم للاضياف
والخالطين فقيرهم بغنيهم
…
حتى يكون فقيرهم كالكا فى
والقائلين لكل وعد صادق
…
والراحلين برحلة الايلاف
سفرين سهما له ولقومه
…
سفر الشتاء ورحلة الاصياف
عمرو العلا هشم الثريد لقومه
…
ورجال مكة مسنتون حجاف
وفى رواية
عمرو العلا هشم الثريد لمعشر
…
كانوا بمكة مسنتين عجاف
وكان عبد المطلب بعد هاشم يلى الرفادة فلما توفى قام بذلك أبو طالب فى كل موسم حتى جاء الاسلام وهو على ذلك وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم قد أرسل بمال يعمل به الطعام مع أبى بكر حين حج بالناس سنة تسع من الهجرة ثم عمل به النبىّ صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع سنة عشر ثم قام بذلك أبو بكر رضى الله عنه فى خلافته ثم عمر ثم عثمان ثم على وهلم جرّا وهو طعام الموسم الذى كان الخلفاء يطعمونه أيام الحج بمكة وبمنى حتى تنقضى أيام الموسم كذا فى شفاء الغرام* قال ابن اسحاق كان أوّل بنى عبد مناف هلاكا هاشم هلك بغزة من أرض الشام واختلف فى سنه حين مات فقيل عشرون سنة وقيل خمس وعشرون سنة وأما عبد شمس فهو الجدّ الاعلى لابى سفيان بن حرب بن أمية ابن عبد شمس وبه كان يكنى عبد مناف* وفى شفاء الغرام قيل ان هاشما وعبد شمس توأمان وان أحدهما ولد قبل الآخر قيل ان الاوّل هاشم وان اصبع أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم* وفى روضة الاحباب كان جباههما متلاصقتين فكلما عالجوا فى فكهما لم يقدروا حتى فصلوهما بالسيف فبلغ الخبر بعض عقلاء العرب فقال كان ينبغى أن يفصلوهما بشىء آخر فاذ لم يفعلوا فلا تزال تكون العداوة والسيف فى أولادهما فكان كما قال ولما توفى عبد مناف ولى القيادة بعده من بنيه عبد شمس فمات عبد شمس بعد هاشم بمكة فولى القيادة بعده ابنه أمية ثم بعده حرب بن أمية فقاد الناس يوم عكاظ فى حرب قريش وقيس عيلان وفى الفجارين الاوّل والثانى وقاد الناس قبل ذلك بذات نكيف كأمير موضع بناحية يلملم ويوم نكيف معروف ونكيف موضع معروف كان به وقعة فهزمت قريش بنى كنانة انتهى والاحابيش يومئذ مع بنى بكر تحالفوا على جبل يقال له الحبشى على قريش فسموا الاحابيش بذلك* وفى كتاب القرى الحبشى بضم الحاء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر الشين وتشديد الياء جبل قريب من مكة قاله ابن الاثير وقال الحافظ أبو عمرو على عشرة اميال من مكة وقال الصاغانى على ستة أميال وقال الجوهرى جبل بأسفل مكة وكان أبو سفيان بن حرب يقود قريشا بعد أبيه حتى كان يوم بدر فقاد الناس عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان أبو سفيان فى العير يقود الناس فلما كان يوم أحد قاد الناس أبو سفيان وقاد الناس يوم الاحزاب وكانت آخر وقعة لقريش حتى جاء الاسلام وفتح مكة فأسلم وأما المطلب فهو الجدّ الاعلى للامام الشافعى مات بعد عبد شمس بردمان من أرض اليمن وأما نوفل فهو جدّ جبير بن مطعم مات بعد المطلب بسلمان من ناحية العراق* وفى المنتقى كان هاشم أفخر قومه وأعلاهم وكانت مائدته منصوبة لا ترفع فى السرّاء والضرّاء وكان يحمل ابن السبيل ويؤوى الخائف وكان نور رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجهه يتوقد شعاعه ويتلألأ ضياؤه ولا يراه حبر من الاحباء الاقبل يديه ولا يمرّ بشىء الاسجد اليه تفد اليه قبائل العرب ووفود الاحبار يحملون بناتهم يعرضون عليه ليتزوّج بهنّ حتى بعث اليه هرقل ملك الروم وقال ان لى ابنتا لم تلد النساء أجمل منها ولا أبهى وجها فاقدم الىّ حتى أزوجكها فقد بلغنى جودك وكرمك وانما أراد بذلك نور رسول الله صلى الله عليه وسلم الموصوف عندهم فى الانجيل وكان هاشم يأبى وكان ينطلق الى جبل ثبير يسأل اله السماء ثم يرجع الى الاصنام وكان اذا أراد أن يدخل عليها يدركه جبريل فينزع نور رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظهره فلم يزل هاشم كذلك حتى أرى فى منامه
أن تزوّج سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار فهى نجارية وثانية الجدّات الابويات النبويات وكانت قبل هاشم تحت أحيحة بن الجلاح فولدت له عمرو بن أحيحة وهو أخو عبد المطلب لامه وكانت فى زمانها كخديجة فى زمانها لها عقل وحلم فولدت له عبد المطلب اسمه شيبة الحمد وقيل عامر كذا فى سيرة مغلطاى وفيه نور رسول الله صلى الله عليه وسلم* وفى الاكتفاء فولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر وخمس نسوة عبد المطلب وأسدا وهو أبو فاطمة امّ علىّ رضى الله عنه وأبا صيفى واسمه عمرو كذا فى الحدائق ونضلة والشفاء وخالدة وصفية ورقية وحمنة وامّ عبد المطلب منهم سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدىّ بن النجار واسم النجار تيم بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج وأمها عميرة بنت صخر بن الحارث بن ثعلبة بن مازن بن النجار وامّ عميرة سلمى بنت عبد الاشهل النجارية وام أسد قيلة بنت عامر بن مالك الخزاعى وأم أبى صيفى وحمنة هند بنت عمرو بن ثعلبة الخزرجية وأم نضلة والشفاء امرأة من قضاعة وأم خالدة وصفية واقدة بنت أبى عدى المازنية واسم عبد المطلب شيبة ويقال له أيضا شيبة الحمد سمى بها لانه كان حين ولد كان وسط رأسه أبيض وقيل اسمه عامر وهو قول ابن قتيبة وتابعه عليه المجد الشيرازى وانما سمى عبد المطلب لانه كان طفلا حين توفى أبوه فرباه عمه المطلب بن عبد مناف وكان من عادة العرب أن تقول ليتيم كان فى حجر واحد هو عبده وقيل لما دنت وفاة أبيه هاشم بمكة وكان عبد المطلب حينئذ بالمدينة قال لاخيه المطلب أدرك عبدك الذى بيثرب فسمى عبد المطلب* وفى المنتقى لانّ هاشما خرج الى الشام فى تجارة فمرّ بالمدينة فرأى سلمى بنت عمرو ويقال بنت زيد بن عمرو النجارى فأعجبته فحطبها الى أبيها فأنكحه اياها وشرط عليه أن لا تلد ولدا الا فى أهلها ثم مضى هاشم لوجهه قبل أن يبنى بها ثم انصرف راجعا من الشام فبنى بها فى أهلها بيثرب ثم ارتحل الى مكة وحملها معه فلما أثقلت ردّها الى أهلها ومضى الى الشام ومات بغزة فولدت له عبد المطلب فمكث بيثرب سبع سنين أو ثمان ثم ان رجلا من بنى الحارث ابن عبد مناف مرّ بيثرب فاذا بغلمان ينتضلون فجعل شيبة اذا خسق قال أنا ابن هاشم أنا ابن سيد البطحاء فقال له الحارثى من أنت قال أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف فلما أتى الحارثى مكة أخبر بذلك المطلب فقال المطلب والله لا أرجع الى أهلى حتى آتى به فقال له الحارثى هذه راحلتى بالفناء فاركبها فركبها المطلب وورد يثرب عشاء حتى أتى عدى بن النجار فاذا غلمان يضربون كرة بين ظهرى مجلس فعرف ابن أخيه فقال للقوم أهذا ابن هاشم قالوا نعم هذا ابن أخيك فان كنت تؤثر أخذه فالساعة قبل أن تعلم به أمه فانها ان علمت لم تدعك وحالت بينك وبينه فدعاه المطلب فقال يا ابن أخى أنا عمك وقد أردت الذهاب بك الى قومك واناخ راحلته فجلس على عجز الناقة فانطلق به ولم تعلم أمه حتى كان الليل فقامت تدعوه فأخبرت ان عمه ذهب به وقدم المطلب مكة* وفى سيرة ابن هشام خرج اليه عمه المطلب ليقبضه فيلحقه ببلده وقومه فقالت له أمه لست بمرسلة معك وقال شيبة لعمه المطلب فيما يزعمون لست بمفارقها الا أن تأذن لى فأذنت له ودفعته اليه فاحتمله فدخل به مكة مردفه معه على بعيره فقالت قريش عبد المطلب ابتاعه فيها سمى شيبة عبد المطلب فقال المطلب ويحكم انما هو ابن أخى هاشم قدمت به من المدينة* وفى المنتقى لما قدم به المطلب من المدينة كان أردفه على راحلته وقد أثرت فيه الشمس وعليه اخلاق ثياب وقدم به مكة ضحوة والناس فى مجالسهم فجعلوا يقولون له من هذا وراءك فيقول عبدى وكره ان يقول ابن أخى وهو هيئة بذلة فاشتهر بعبد المطلب فلما أدخله وأحسن من حاله أظهر أنه ابن أخيه هذا ما قيل فى وجه تسميته بعبد المطلب* وفى سيرة ابن هشام هلك المطلب بردمان من
اليمن قيل ليس اليوم على وجه الارض هاشمى الا من أولاد عبد المطلب اذ لم يبق من سائر أولاد هاشم نسل