الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدّسة أريحاء واذرعات وتيماء ونابلس وأريحاء مدينة الجبارين وهى شرقى بيت المقدس بقرب نهر الاردن وهو النهر المذكور فى القرآن فى قوله تعالى ان الله مبتليكم بنهر فى قصة طالوت وكان النبىّ صلى الله عليه وسلم قد اجلى اليهود من المدينة فخرجوا الى الشام الى أذرعات وأريحاء وأجلى آخرهم عمر بن الخطاب من أرض الحجاز الى تيماء وأريحاء وقد صارت أريحاء قرية من قرى بيت المقدس ونابلس مدينة بالارض المقدّسة مقابل بيت المقدس من جهة الشمال مسافتها عنه نحو يومين بسير الاثقال خرج منها كثير من العلماء وهى كثيرة الاعين والاشجار والفواكه معظم الاشجار فيها الزيتون وأما حدود بيت المقدس عرفا مما يطلق عليه عمل القدس ويسوغ لقضاة القدس الحكم فيه فمن جهة القبلة عمل بلد ابراهيم عليه السلام ويفصل بينهما قرية سبعين وما حاذاه من عمل القدس ومن جهة المشرق نهر الاردن المذكور فى قصة طالوت ومن جهة الشمال مدينة نابلس يفصل بينهما قريتا سنجل وعزرن وهما من أعمال القدس وتتمة الحدّ رأس وادى بنى زيد وهو من أعمال الرملة ومن جهة الغرب مما يلى الرملة قرية بيت نوبة وهى من أعمال القدس ومما يلى مدينة غزة قرية عجورا بالراء المهملة وهى من أعمال غزة وغزة من أحسن المدن المجاورة لبيت المقدس وفيها ولد سليمان ابن داود عليهما الصلاة والسلام والامام الشافعى محمد بن ادريس رضى الله عنه وهى من الثغور أيضا فان البحر المالح قريب منها وهى كثيرة الاشجار والنخيل والفواكه وعن ابن الزبير طوبى لمن سكن احدى العروسين عسقلان وغزة
*
(ذكر أولية البيت الحرام وركنه المستلم والمقام ومن تولى بناءه من الملائكة والانبياء الكرام ومن دونهم من سائر الامم والانام وبدء ظهور زمزم فى عهد اسماعيل عليه السلام
* قال الله تعالى ان أوّل بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعالمين الآية* وفى الصحيح من حديث أبى ذرّ الغفارى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى مسجد وضع فى الارض أوّل فقال له المسجد الحرام قال قلت ثم أى قال المسجد الاقصى قال قلت كم بينهما قال أربعون عاما وذكر الزبير بن بكار باسناده الى جعفر الصادق أن رجلا سأل أبا محمد الباقر بمكة فى ليالى العشر قبل التروية فى الحجر وكان السائل الخضر فقال له يا أبا جعفر أخبرنى عن بدء خلق هذا البيت كيف كان قال بدء خلق هذا البيت ان الله تعالى قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة فردّوا عليه أتجعل فيها من يفسد فيها الآية وغضب عليهم فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أطواف يسترضون ربهم فرضى عنهم وقال لهم ابنوا لى فى الارض بيتا فيعوذ به من سخطت عليه من بنى آدم ويطوفون حوله كما فعلتم بعرشى فأرضى عنهم فبنوا له هذا البيت فهذا بدء خلق هذا البيت قال الازرقى فى تاريخه ان ذلك قبل خلق آدم لما روى عن زين العابدين على بن الحسين أن الله تعالى وضع بيتا تحت العرش وهو البيت المعمور وأمر الملائكة أن يطوفوا به ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الارض أن يبنوا فى الارض بيتا بحياله على قدره ومثاله فبنوا وأمر من فى الارض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور* وفى حديث جعفر الصادق المتقدّم فقال الرجل يا أبا جعفر فما بدء خلق هذا الركن فقال ان الله تبارك وتعالى لما خلق الخلق قال لبنى آدم ألست بربكم قالوا بلى وأقروا وأجرى نهرا أحلى من العسل وألذ من الزبد ثم امر القلم فاستمدّ من ذلك النهر فكتب اقرارهم وما هو كائن الى يوم القيامة ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذى ترى انما هو بيعة على اقرارهم بالذى كانوا أقرّوا به* وقال جعفر بن محمد كان أبى اذا استلم الركن قال اللهم أمانتى أدّيتها وميثاقى وفيت به ليشهد لى عندك بالوفاء* وخرج الترمذى
من حديث عبد الله بن عباس وصححه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الحجر الاسود من الجنة وهو أشدّ بياضا من اللبن فسوّدته خطايا بنى آدم* وفى تاريخ الازرقى فاسودّ من لمس الحيض فى الجاهلية* ومن حديث عبد الله بن عمر موقوفا ومرفوعا قال الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما الاضاءا ما بين المشرق والمغرب* ومن حديث ابن عباس أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحجر الاسود والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد على من استلمه بحق* وفى الخبر الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة انزلا فوضعا على الصفا فأضاء نورهما لاهل الارض ما بين المشرق والمغرب كما يضىء المصباح فى الليل المظلم يؤمن الروعة ويستأنس بهما ويبعثان يوم القيامة وهما فى العظم مثل أبى قبيس يشهدان لمن وافاهما بالوفاء ورفع النور عنهما وغير حسنهما ووضعا حيث هما فيه* وذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى من حديث عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول ان آدم عليه السلام لما أهبط الى الارض فرأى سعتها ولم ير فيها أحدا غيره قال يا رب مالا رضك هذه عامر يسبح ويقدّس لك غيرى قال الله تعالى انى سأجعل فيها من ولدك من يسبح بحمدى ويقدّسنى وسأجعل فيها بيوتا يرفع فيها ذكرى ويسبح فيها خلقى ويذكر فيها اسمى وسأجعل بيتا من تلك البيوت أخصه بكرامتى وأوثره باسمى وأسميه بيتى وعليه وضعت جلالى ثم انا مع ذلك فى كل شئ أجعل ذلك البيت حرما آمنا يتحرّم بحرمته من حوله ومن تحته ومن فوقه ومن حرمه بحرمتى استوجب بذلك كرامتى ومن أخاف أهله فقد أخفر ذمّتى وأباح حرمتى أجعله أوّل بيت وضع للناس ببطن مكة مباركا يأتونه شعثا غبرا على كل ضامر من كل فج عميق يزجون بالتلبية زجيجا ويثجون بالبكاء ثجيجا ويعجون بالتكبير عجيجا فمن اعتمره لا يريد غيره فقد وفد الىّ وزارنى وضافنى وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه وأن يسعف كلانجاجته تعمره يا آدم ما كنت حيا ثم تعمره الامم والقرون من الانبياء من ولدك أمّة بعد أمّة وقرنا بعد قرن* وفى حديث ابن عباس بعد قوله ويسبح فيها خلقى وسأبوّئك منها بيتا أخصه بكرامتى وأحوزه لنفسى وأوثره على بيوت الارض كلها وأحرزه بحرمى وأجعله أحق بيوت الارض كلها عندى وأولى بكرامتى أضعه فى البقعة التى اخترت لنفسى فانى اخترت مكانه يوم خلقت السموات والارض* وعن عطاء وقتادة ان آدم عليه السلام لما أهبطه الله من الجنة وفقد ما كان يسمعه ويأنس اليه من أصوات الملائكة وتسبيحهم استوحش حتى شكا ذلك الى الله تعالى فى دعائه وصلاته فوجهه الى مكة وأنزل الله تعالى ياقوتة من ياقوت الجنة لها بابان من زمرّد أخضر باب شرقى وباب غربى فكانت على موضع البيت الآن وقال الله يا آدم انى أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول العرش وتصلى عنده كما يصلى عند عرشى فانطلق اليه آدم فطاف به هو ومن بعده من الانبياء الى أن كان الطوفان فرفعت تلك الياقوتة حتى أمر الله ابراهيم عليه السلام ببناء البيت فبناه فذلك قوله تعالى واذ بوّأنا لابراهيم مكان البيت الآية* وفى زبدة الاعمال مختصر تاريخ الازرقى عن عثمان بن ساج قال بلغنى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لكعب يا كعب أخبرنى عن البيت الحرام قال كعب أنزل الله تعالى من السماء ياقوتة مجوّفة مع آدم فقال يا آدم ان هذا بيتى أنزلته معك يطاف حوله كما يطاف حول عرشى ويصلى حوله كما يصلى حول العرش ونزل معه الملائكة فرفعوا قواعده من الحجارة ثم وضع البيت عليها وكان آدم يطوف حوله كما يطاف حول العرش ويصلى عنده كما يصلى عند العرش فلما أغرق الله تعالى قوم نوح رفعه الله تعالى الى السماء وبقيت قواعده* وعن عثمان بن ساج عن وهب أنه وجد فى التوراة أن بيتا فى السماء بحيال الكعبة اسمه رضاض وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون
اليه أبدا وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت الذى فى السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون اليه الى يوم القيامة* وعن ابن عباس ان الله تعالى أوحى الى آدم ان لى حرما بحيال عرشى فانطلق فابن لى بيتا فيه ثم جف به كما رأيت الملائكة يحفون بعرشى فهنا لك استجيب لك ولولدك من كان منهم على طاعتى فقال آدم أى رب وكيف لى بذلك لست أقوى عليه ولا أهتدى لمكانه فقيض الله له ملكا فانطلق به نحو مكة فكان آدم عليه السلام اذا مرّ بروضة أو مكان يعجبه قال للملك انزل بناها هنا فيقول له الملك أمامك حتى قدم مكة فبنى البيت من خمسة أجبل من طور سيناء وحراء وطور زيتاء ومن لبنان والجودى* وفى رواية وهب بن منبه وثبير وأحد بدل لبنان والجودى انتهى* وبنى قواعده من حراء فلما فرغ من بنائه خرج به الملك الى عرفات فأراه المناسك كلها التى يفعلها الناس اليوم* وفى رواية قال ابن عباس انما سمى عرفات جمعا لانه اجتمع بها آدم وحوّاء* وفى أنوار التنزيل انما سمى الموقف عرفة لان آدم وحوّاء التقيا فيه فتعارفا أو لانه نعت لابراهيم عليه السلام فلما أبصره عرفه أو لانّ جبريل كان يدور به فى المشاعر فلما رآه قال عرفت أو لانّ الناس يتعارفون فيه* وعرفات للمبالغة فى ذلك وهى من الاسماء المرتجلة الا أن يجعل جمع عرفة فحج آدم وأقام المناسك قال وهب بن منبه تلقته الملائكة بالابطح فرحبت به وقالت يا آدم انا لننتظرك ولقد حججنا هذا البيت قبلك بألفى عام ثم قدم به الملك مكة فطاف بالبيت أسبوعا ثم رجع الى أرض الهند فمات بها* وفى رواية عن ابن عباس حج آدم من الهند أربعين حجة قال أبو يحيى قلت لابن عباس أكان يركب آدم قال أى شىء يحمله فو الله ان خطوته مسيرة ثلاثة أيام كذا فى العرائس* وذكر الواقدىّ عن أبى بكر بن سليمان بن أبى خيثمة العدوى قال قلت لابى جهم بن حذيفة يا عمّ حدّثنى عن بناء البيت ونزول آدم عليه السلام الحرم قال يا ابن أخى سلنى على نشاط منى فانى أعلم ما لا يعلمه غيرى فمكثت شهرا أذكره المرّة بعد المرّة فيقول مثل قوله الاوّل وكان قد كبر ورق وضعف فدخلت عليه يوما وهو مسرور فقال اسمع حديثك الذى سألتنى عنه ان البيت حذاؤه حزم فى السماء السابعة وفى الارض السابعة يعنى ان ما يقابله حرم* روى النووى فى ايضاح المناسك عن مجاهد ان هذا البيت أربعة عشر بيتا فى كل سماء بيت وفى كل أرض بيت بعضهنّ مقابل بعض* وعن ليث بن معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا خامس عشر بيتا سبعة منها فى السماء الى العرش وسبعة منها الى تخوم الارض السفلى وأعلاها الذى فى العرش البيت المعمور ولكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت لسقط بعضها على بعض الى تخوم الارض السفلى ولكل بيت من أهل السماء وأهل الارض من يعمره كما يعمر هذا البيت ذكره فى زبدة الاعمال* قال أبو جهم وان آدم عليه السلام أمر بأساسه فبناه هو وحوّاء وأسساه بصخر أمثال الخلفات يعنى النوق التى فى بطونها أجنة واحدتها خلفة أذن الله للصخر أن يطيعهما ثم نزل البيت من السماء من ذهب أحمر ووكل به من الملائكة سبعون ألف ملك فوضعوه على أس آدم عليه السلام ونزل الركن وهو يومئذ درّة بيضاء فوضع موضعه اليوم من البيت وطاف به آدم وصلّى فيه فلما مات آدم عليه السلام وليه بعده ابنه شيث فكان كذلك حتى حجه نوح عليه السلام فلما كان الغرق يعنى الطوفان بعث الله تعالى سبعين ألف ملك فرفعوه الى السماء كى لا يصيبه الماء النجس وبقيت قواعده وجاءت السفينة فدارت به سبعا ثم دثر البيت فلم يحجه من بين نوح وبين ابراهيم أحد من الانبياء عليهم الصلاة والسلام* وفى شفاء الغرام عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله عز وجل جبريل الى آدم وحوّاء فقال لهما ابنيا لى بيتا فحط
لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحوّاء تنقل التراب حتى أصابه الماء نودى من تحته حسبك يا آدم فلما بناه أوحى الله تعالى اليه أن يطوف به وقيل له أنت أوّل الناس وهذا أوّل بيت تناسخته القرون* وفى تشويق الساجد فهبطت على آدم الملائكة فحفر حتى بلغ الارض السابعة فقذفت الملائكة فيه الصخر حتى أشرف على وجه الارض وهبط بياقوتة حمراء لها أربعة أركان بيض فوضعها على الاساس فلم تزل الياقوتة كذلك حتى كان زمن الغرق فرفعها الله سبحانه وتعالى* وفى تاريخ الازرقى عن مقاتل يرفع الحديث الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فى حديث حدّثه به آدم قال أى رب انى أعرف شقوتى انى لا أرى شيئا من نورك فأنزل الله البيت المعمور على عرض البيت وموضعه من ياقوتة حمراء ولكن طولها كما بين السماء والارض وأمره أن يطوف بها وأذهب الله عنه الغم الذى كان يجده قبل ذلك ثم رفع على عهد نوح عليه السلام كذا فى شفاء الغرام* وفى بحر العلوم أنزل الله خيمة من خيام الجنة فوضعها له بمكة موضع البيت قبل أن تكون الكعبة وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من يواقيت الجنة فيها ثلاث قناديل من ذهب لها بابان شرقى وغربى من ذهب منظومان من درّ الجنة فيها نور يلتهب من الجنة ونزل معها الركن يومئذ وهو ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة وكان كرسيا لآدم يجلس عليه* وفى بهجة الانوار ان الحجر الاسود كان فى الابتداء ملكا صالحا ولما خلق الله آدم زينه وأسكنه الجنة وأباح له الجنة كلها الا الشجرة التى نهاه الله عنها وشرط معه وأشهد على ذلك ملكا وذلك قوله تعالى ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما ثم جعل ذلك الملك موكلا على آدم حتى لا ينسى عهد ربه وكلما خطر بباله أن يأكل من الشجرة نهاه الملك فلما قدّر الله أن يأكل منها غاب عنه الملك فأكلا منها فطارت عنه الحلل وأخرج من الجنة فلما رجع الملك وجده قد نقض عهد ربه فنظر الله الى ذلك الملك بالهيبة فصار جوهرا وذلك أن الله تعالى لم يرض عن الملك غيبته وقال له أنت هتكت ستر آدم وعزتى وجلالى لا جعلنك حجرا ألا ترى انه جاء فى الحديث ان الحجر الاسود يأتى يوم القيامة وله يد ولسان وأذن وعين لانه كان فى الابتداء ملكا* قال وهب ان آدم لما صار بمكة حرسه الله وحرس تلك الخيمة بالملائكة يحرسونه ويذودون عنه سكان الارض وسكانها يومئذ الجنّ والشياطين فلا ينبغى لهم أن ينظروا الى شىء من الجنة لانّ من ينظر الى شىء من الجنة وجبت له الجنة والارض يومئذ طاهرة نقية طيبة لم تنجس ولم يسفك فيها الدماء ولم تعمل فيها الخطايا فمن أجل ذلك جعلها الله مستقرّ الملائكة وجعلهم فيها كما كانوا فى السماء يسبحون الليل والنهار لا يفترون وكان موقفهم على أعلام الحرم صفا واحدا مستديرا محيطا بالحرم والحل كله من خلفهم والحرم كله دونهم* وقال ابن عباس ان للحرم حرمة البيت الى السموات ثم الى العرش والى الارض السفلى فلا يجوزها جنّ ولا شيطان من أجل مقام الملائكة حرم الله الحرم حتى اليوم ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة* وفى مناسك السروجى أوّل من حدّد الحرم آدم عليه السلام خوفا من الشياطين فخفت ملائكة على حدوده تمنع الشياطين ثم حدّده ابراهيم عليه السلام وجبريل يريه مواضعه ثم قضىّ ثم أمر النبىّ صلى الله عليه وسلم كعب بن أسد بذلك ثم حدّده عمر ثم عثمان ثم معاوية رضى الله عنهم ثم عبد الملك بن مروان لما حج قال أبو جعفر الهندوانى مقدار الحرم من جانب المشرق ستة أميال ومن الجانب الثانى اثنا عشر ميلا قال صاحب المحيط وفيه نظر فان ذلك هو التنعيم قريب من ثلاثة أميال ومن الجانب الثالث ثمانية عشر ميلا ومن الجانب الرابع أربعة وعشرون ميلا وحدّه المحرّر من طريق المدينة دون التنعيم عند بيوت نفار بكسر النون وبالفاء على ثلاثة أميال ومن طريق اليمن اضاة لبن فى ثنية لبن على وزن قناة ولبن بكسر اللام وبالباء الموحدة على سبعة أميال ومن طريق العراق على ثنية جبل
بالمنقطع على سبعة أميال ومن طريق الجعرّانة فى شعب آل عبد الله بن خالد على تسعة أميال بالتاء قبل السين ومن طريق جدّة منقطع الاعشاش جمع عش على عشرة أميال ومن طريق الطائف على عرفات من بطن نمرة على سبعة أميال هكذا ذكره الازرقى وجماعة غير أن الازرقى قال فى حدّه من طريق الطائف أحد عشر ميلا وأكثرهم قالوا سبعة أميال قال وان خيمة آدم لم تزل فى مكانها حتى قبض الله آدم ثم رفعها الله وبنى بنو آدم بعده فى موضعها بيتا من الطين والحجارة فلم يزل معمورا يعمرونه هم ومن بعدهم حتى كان زمن الطوفان فنسفه الغرق وقيل الذى عمرها من أولاده شيث فانطمس فى الطوفان ومكانها تل أحمر ولما غرق خفى مكانه حتى بعث الله خليله ابراهيم عليه السلام وطلب الاساس الذى وضعه بنو آدم فى موضع الخيمة فوجد فرفع القواعد وان حوّاء هبطت بجدّة وهى ساحل مكة وحرم الله عليها دخول الحرم والنظر الى خيمة آدم والى شىء من مكة من أجل خطيئتها التى أخطأتها ويقال أردت أن تدخل معه فمنعها آدم وقال اليك عنى حرمت الجنة بسببك فتريدين أن تحرمينى هذا وقال وهب كان آدم اذا أراد لقاءها ليلم بها للولد خرج من الحرم كله حتى يلقاها فى الحل ولم تزل مكة دار آدم مذ نزلها الى أن توفاه الله تعالى* وفى الاكتفاء ان شيث بن آدم هو أوّل من بنى الكعبة وانها كانت قبل أن يبنيها خيمة من ياقوتة حمراء يطوف بها آدم يأنس بها لانها أنزلت اليه من الجنة فرفعت وكان قد حج الى موضعها من الهند* وفى الخبر أن موضعها كان غثاء على الماء قبل أن يخلق الله السموات والارض فلما بدأ الله خلق الاشياء خلق التربة قبل السماء فلما خلق السماء وقضاهنّ سبع سموات دحا الارض أى بسطها وانما دحاها من تحت الكعبة فلذلك سميت مكة أمّ القرى* وقال وهب بن منبه خلق الله الكعبة قبل سائر الارض بألفى عام وخلق الله الارض قبل آدم بألفى عام ودحيت الارض من تحت البيت المعمور من موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة ونشر السماء من فوقه وقد مرّ فى أوّل الكتاب مثله تزور الملائكة الكعبة كل يوم سبعون ألفا لا يعودون اليها أبدا وفى كل ليلة كذلك وكان ابتداء حجهم الكعبة قبل آدم بألفى عام كذا فى بحر العلوم* وذكر ابن هشام أن الماء لم يصل الكعبة حين الطوفان ولكن قام حولها وبقيت هى فى هواء الى السماء وان نوحا قال لاهل السفينة وهى تطوف بالبيت الكريم انكم فى حرم الله وحول بيته فأحرموا لله ولا يمس أحد امرأة وجعل بينهم وبين النساء حاجزا فتعدّى حام فدعا عليه بأن يسوّد الله ذرّيته فأجابه الله على وفق ما دعا واسودّ كوش بن حام وولده الى يوم القيامة وقد مرّ نحوه وقد قيل فى سبب دعوته غير هذا* ويروى أنه لما نضب ماء الطوفان بقى مكان البيت ربوة من مدرة فحج اليه بعد ذلك هود وصالح ومن آمن معهما وأن يعرب قال لهود عليه السلام ألا تبنيه قال انما يبنيه نبى كريم يأتى من بعدى يتخذه الرحمن خليلا قال أبو الجهم من حديث الواقدى حتى أراد الله بابراهيم ما أراد فولد له اسماعيل وهو ابن تسعين سنة فكان بكر أبيه* وقال أهل الاخبار ان هاجر كانت لسارة فوهبتها لابراهيم اذ لم يولد له ولد منها وقالت عسى الله أن يرزقك منها ولدا فحملت هاجر باسماعيل فلما ولدته كان نور محمد صلى الله عليه وسلم لامعا من جبهته كما مرّ فغارت سارة وقيل ان ابراهيم أخبر سارة بأن الله وعده أن يرزقه ولدا طيبا وكانت ترجو أن يكون الولد منها فلما حملت هاجر باسماعيل وولدته وظهر نور محمد صلى الله عليه وسلم فى وجهه اغتمت سارة وحزنت حزنا شديدا وغارت عليها غيرة ضاق بها صدرها فناشدت ابراهيم أن يخرجها من عندها وجوارها فأوحى الله تعالى الى ابراهيم أن يطيع سارة فى كل ما تقول وتأمر فى هاجر واسماعيل وحلفت سارة على أن تقطع ثلاثة من أعضاء هاجر فلما علمت به هاجر تمنطقت وتهيأت للفرار* قال ابن عباس أوّل من اتخذ من النساء المنطقة أمّ اسماعيل
اتخذت منطقا ليعفى أثرها على سارة فأمر ابراهيم سارة ان تبرّ قسمها بثقب أذنيها وخفاضها ففعلت فصار ثقب الاذان والخفاض سنة فى النساء كذا فى شفاء الغرام* وفى الانس الجليل غارت منها سارة فحلفت أن تملأ يدها من دمها فقال ابراهيم خدنيها واختنيها لكى يكون سنة بعد كما وتتخلصين من يمينك ففعلت فكانت هاجر أوّل من اختتنت من النساء وابراهيم أوّل من اختتن من الرجال* وقال السهيلى هاجر أوّل امرأة ثقبت اذنها وأوّل من خفض من النساء وأوّل من جرّ ذيلها ومع ذلك لم يسكن جاش سارة ولم تزل تغير عليها وتغتم حتى آل الامر الى أن هاجر ابراهيم بهاجر واسماعيل الى الارض التى هى الآن حرم مكة* وفى العرائس قال العلماء من أهل الكتب حملت سارة باسحاق وقد كانت هاجر حملت باسماعيل فوضعتا معا ومشى الغلامان ينتضلان وكان ابراهيم قد سابق بينهما فسبق اسماعيل اسحاق فأخذه ابراهيم وقبله ووضعه على ركبته فقالت له سارة تجلس اسماعيل على ركبتك دون ولدى اسحاق ولى عليك أن لا تسوءنى ولا تغايرنى وأخذها ما يأخذ النساء من الغيرة فحلفت أن لا بدّ لها ما تغير خلقها ولتقطعنّ بضعة منها فلما سكن غضبها وثاب اليها عقلها ندمت على ما كان منها من اليمين وبقيت حائرة فى ذلك فقال لها ابراهيم اخفضيها واثقبى أذنيها ففعلت فصار ذلك سنة فى النساء قالوا ثم ان اسماعيل واسحاق اقتتلا ذات يوم كما يفعله الصبيان فغضبت سارة على هاجر وقالت لا تساكنينى بعد يومك هذا ثم أمرت ابراهيم أن يحوّلها ويغرّبها فأوحى الله الى ابراهيم أن ائت بهاجر وابنها الى مكة ففعل وسيأتى التصريح بأن اسماعيل أكبر من اسحاق* وفى الاكتفاء لما أراد الله عز وجل أن يبوّئ لابراهيم مكان البيت وأعلامه أوحى اليه يأمره بالمسير الى بلده الحرام فركب ابراهيم البراق وحمل اسماعيل أمامه وهو ابن سنتين وقيل وهى ترضعه وهاجر خلفه ومعه جبريل يدله على موضع البيت ومعالم الحرم* وفى زبدة الاعمال عن عثمان بن ساج قال بلغنا والله أعلم أن ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام عرج به الى السماء فنظر الى الارض مشارقها ومغاربها وذلك قوله تعالى وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين فاختار موضع الكعبة فقالت له الملائكة يا خليل الرحمن اخترت حرم الله فى الارض قال فبناه من حجارة سبعة أجبل ويقال خمسة فكانت الملائكة تأتى بالحجارة الى ابراهيم عليه السلام من تلك الجبال* وفى تفسير القشيرى وحياة الحيوان وغيرهما أن ابراهيم لما هاجر بولده اسماعيل وأمّ ولده هاجر الى مكة مرّ على قوم من العمالقة فوهبوا لاسماعيل عشرة أعنز فجميع أعنز مكة من نسلها* وفى الاكتفاء كان لا يمرّ بقرية الا قال ابراهيم بهذه أمرت يا جبريل فيقول لا حتى قدم به مكة وهى اذ ذاك عضاه وسلم وسمر والعماليق يومئذ حول الحرم وهم أوّل من نزل مكة ويسكنون بعرفة وكانت المياه يومئذ قليلة وكان موضع البيت قد دثر وهو ربوة حمراء مدرة وهو مشرف على ما حوله فقال جبريل حين دخل من كداء وهو الجبل الذى يطلعك على الحجون والمقبرة بهذا أمرت قال ابراهيم بهذا أمرت قال نعم فانتهى الى موضع البيت فعمد ابراهيم الى موضع الحجر فآوى فيه هاجر واسماعيل وأمر هاجر أن تتخذ عريشا* وفى معالم التنزيل فوضعهما ابراهيم عند البيت عند دوحة فوق زمزم فى أعلا المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ولا عمارة ولا زراعة* وفى رواية وضعهما عند تل ستبنى الكعبة عليه* وفى الاكتفاء فلما أراد ابراهيم أن يخرج ورأت أمّ اسماعيل أنه ليس بحضرتها أحد من الناس ولا ماء ظاهر تركت ابنها فى مكانه وتبعت ابراهيم فقالت يا ابراهيم الى من تدعنا فسكت عنها حتى اذا دنا من كداء قال الى الله عز وجل أدعكم قالت فالله أمرك بهذا قال نعم قالت فحسبى تركتنا الى كاف وانصرفت هاجر الى ابنها وخرج ابراهيم حتى وقف على
كداء ولا بناء ولا ظل ولا شىء يحول دون ابنه فنظر اليه فأدركه ما يدرك الوالد من الرحمة لولده فقال ربنا انى أسكنت من ذرّيتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرّم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون* وفى رواية فانطلق ابراهيم حتى اذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه الى البيت بهذه الدعوات* وعن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزحمتكم عليه فارس والروم* وفى الكشاف قيل لو لم يقل من لازدحموا عليها حتى الروم والترك والهند* وفى أنوار التنزيل لحجت اليهود والنصارى والمجوس* وفى الاكتفاء ثم انصرف ابراهيم راجعا الى الشام ورجعت أمّ اسماعيل الى ابنها وعمدت هاجر فجعلت عريشا فى موضع الحجر من سمر وثمام ألقته عليه ومعها شنّ فيه ماء* وفى رواية وضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء* وفى الاكتفاء فلما نفد الماء عطش اسماعيل وعطشت أمّه فانقطع لبنها فأخذ اسماعيل كهيئة الموت فظنت أنه ميت فجزعت وخرجت جزعا أن تراه على تلك الحالة وقالت يموت وأنا غائبة عنه أهون علىّ وعسى الله أن يجعل لى فى ممشاى خيرا فانطلقت فنظرت الى جبل الصفا فأشرفت عليه تستغيث ربها وتدعوه ثم انحدرت الى المروة فلما كانت فى الوادى خبت حتى انتهت الى المروة* وفى رواية لما بلغت بطن الوادى غاب الولد عن عينها فرفعت طرف درعها ثم سعت سعى الانسان المجهود حتى جاوزت الوادى ثم أتت المروة فقامت عليها قال ابن عباس قال النبىّ صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما يعنى صار ذلك من شعائر الحج* وفى الاكتفاء فعلت ذلك مرّات كلما أشرفت على الصفا نظرت الى ابنها فتراه على حاله واذا أشرفت على المروة فمثل ذلك وكان ذلك أوّل سعى بين الصفا والمروة وكان من قبلها يطوفون بالبيت ولا يسعون بين الصفا والمروة ولا يقفون المواقف حتى كان ابراهيم فلما كان الشوط السابع ويئست سمعت صوتا فاستمعت فلم تسمع الا الاوّل فظنت أنه شىء عرض لسمعها من الظمأ والجهد فنظرت الى ابنها فاذا هو يتحرّك فأقامت على المروة ثم سمعت الصوت الاوّل فقالت انى سمعت صوتك فأعجبنى فان كان عندك خير فأغثنى فانى قد هلكت وهلك ما عندى* وفى رواية قالت أيها الذى قد سمعت ان كان عندك غوث فأغثنى وكان الصائت جبريل انتهى فخرج الصوت يصوّت بين يديها وخرجت تتلوه قد قويت له نفسها حتى انتهى الصوت عند رأس اسماعيل ثم بدا لها جبريل فانطلق بها حتى وقف على موضع زمزم فضرب بعقبه مكان البئر فظهر الماء فوق الارض حين فحص بعقبه* وفى الحدائق فبحث بعقبه أو قال بجناحه على شك الراوى وفارت بالرواء وجعلت أمّ اسماعيل تحظر الماء بالتراب وتحوضه خشية أن يفوتها قبل أن تأتى بشنها فاستقت وبادرت الى ابنها فسقته* قال ابن عباس قال النبىّ صلى الله عليه وسلم يرحم الله أمّ اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت عينا معينا* وفى الاكتفاء فشربت فاذا ثدياها يتقطران لبنا فكان ذلك اللبن طعاما وشرابا لاسماعيل وكانت تجتزى بماء زمزم فقال الملك لا تخافى أن ينفد هذا الماء وأبشرى فان ابنك سيشب ويأتى أبوه من الشام فيبنون هاهنا بيتا يأتيه عباد الله من أقطار الارضين ملبين لله جل ثناؤه شعثا غبرا فيطوفون به ويكون هذا الماء شرا بالضيفان الله عز وجل الذين يزورون بيته فقالت فى جوابه بشرك الله بكل خير وطابت نفسها وحمدت الله تعالى وأقبل غلامان من العماليق يريد ان بعيرا لهما ما أخطأ هما وقد عطشا وأهلهما بعرفة فنظر الى طير تهوى قبل الكعبة فاستنكرا ذلك وقالا أنى يكون الطير على غير ماء فقال أحدهما لصاحبه أمهل حتى نبرد ثم نسلك فى مهوى الطير فأبردا ثم تروّحا فاذا الطير ترد وتصدر فاتبعا الواردة منها حتى وقفا على أبى قبيس فنظر الى الماء والى العريش فنزلا وكلما هاجر وسألاها متى نزلت فأخبرتهما وقالا لمن هذا الماء فقالت لى ولا بنى فقالا من حفره فقالت سقانا الله عز وجل فعرفا أن