الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والضحاك كانت الملائكة قد أعلموا بالعهن فى نواصى الخيل وأذنابها* وفى خلاصة الوفاء عن حكيم بن حزام قال رأيت يوم بدر قد وقع بوادى خليص بجاد من السماء قد سدّ الافق فاد الوادى يسيل نملا فوقع فى نفسى أنه شىء من السماء أيد به محمد صلى الله عليه وسلم فما كانت الا الهزيمة* وعن أبى أمامة بن سهل بن حنيف قال قال لى أبى يا بنى لقد رأيتنا يوم بدر وان أحدنا ليشير بسيفه الى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل اليه السيف* وقال عكرمة كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدرى من ضربه ويندريد الرجل لا يدرى من ضربه روى ان رجلا من الانصار اتبع كافرا ليقتله فقبل أن يصل اليه سمع صوتا يقول أقدم حيزوم فرأى الكافر الذى قدّامه وقع صريعا وقد شق وجرح وجهه وانكسر أنفسه فجاء الانصارى الى النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بما رآه فقال عليه السلام صدقت فهو من مدد السماء* وفى المواهب اللدنية قال ابن الانبارى كانت الملائكة لا تعلم كيف تقتل الآدميون فعلمهم الله تعالى بقوله فاضربوا فوق الاعناق أى الرؤس واضربوا منهم كل بنان قال عطية كل مفصل وقال السهيلى جاء فى التفسير انه ما وقعت ضربة يوم بدر الا فى رأس أو مفصل وكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود فى الاعناق وفى البنان* وفى خلاصة الوفاء قال المرجانى شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا بسيفه الذى يدعى العضب وضربت طبلخانة النصر ببدر فهى تضرب الى يوم القيامة*
لطيفة فى استماع الطبل ببدر كطبل الملوك
قال القسطلانى فى المواهب اللدنية يقال انها تسمع ببدر كهيئة طبل ملوك الوقت ويرون ان ذلك لنصر أهل الايمان وقال أنا جرّبتها فسمعت صوت طبل سماعا محققا لا شك انه صوت طبل ثم نزلنا ببدر فظللت أسمع ذلك الصوت يومى أجمع المرّة بعد المرّة قال ولقد أخبرت أن ذلك الصوت لا يسمعه جميع الناس* وقال مؤلف الكتاب حسين بن محمد الديار بكرى عفا الله عنهما وأنا جرّبتها فى سنة ست وثلاثين وتسعمائة وقت اجتيازى ببدر قافلا من المدينة المشرّفة الى مكة المكرّمة فنزلنا بدرا وأقمنا فيه يوما ولما صليت الفجر يوم الاربعاء من أوائل شعبان ابتكرت نحو ذلك الصوت وكان يجىء من كثيب ضخم طويل مرتفع كالجبل شمالى بدر فطلعت على الكثيب ثم تتابع الناس لسماع ذلك الصوت وكانوازها مائة انسان من الرجال والنساء فى الشقادف وغيرها وما سمعت شيئا من أعلا الكثيب فنزلت أسفل فسمعت من سفح ذلك الكثيب صوتا كهيئة الطبل الكبير سماعا محققا بلا شك مرارا متعدّدة وكذلك سائر الناس كانوا يسمعونه مثل ما سمعت بلا شبهة ومكثنا فيه زمانا طويلا وكان الصوت يجىء تارة من تحتنا ثم ينقطع وتارة من خلفنا ثم ينقطع وتارة من قدّامنا وتارة عن يميننا وتارة عن شمالنا وعلى كل الهيئات كنا نسمع الصوت قائما وقاعدا ومتكئا سماعا محققا بلا شبهة وكان الوقت صحوا راكدا لا ريح فيه* قال ابن اسحاق وأقبل أبو جهل يوم بدر يرتجز وهو يقاتل ويقول
ما تنقم الحرب العوان منى
…
بازل عامين حديث سنّ
لمثل هذا ولدتنى أمى
وكان أوّل من لقيه فيما ذكر معاذ بن عمرو بن الجموح أخو بنى سلمة قال سمعت القوم وأبو جهل فى مثل الحرجة يقولون أبو الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها جعلته من شأنى فصمدت نحوه فلما أمكننى حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه فو الله ما شبهتها حين طاحت الا بالنواة حين نطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها وضربنى ابنه عكرمة على عاتقى فطرح يدى فتعلقت بجلدة من جنبى وأجهضنى القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومى وانى لا سحبها خلفى فلما آذتنى وضعت عليها قدمى ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها وعاش بعد ذلك معاذ هذا الى زمان عثمان كذا فى الاكتفاء* وفى المواهب اللدنية جاء النبىّ صلى الله عليه وسلم يومئذ فيما ذكره القاضى عياض عن ابن وهب معاذ بن عمرو يحمل
يده ضربه عكرمة عليها فتعلقت بجلدة فبصق صلى الله عليه وسلم عليها فلصقت وهو مخالف لما قال طرحتها كما مرّ آنفا قال ابن اسحاق ثم عاش بعد ذلك حتى كان زمن عثمان ثم مرّ بأبى جهل وهو عقير معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل فمرّ عبد الله بن مسعود بأبى جهل حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتماسه فى القتلى وقد قال صلى الله عليه وسلم أنظروا ان خفى عليكم فى القتلى الى أثر جرح فى ركبته فانى ازدحمت يوما أنا وهو على مأدبة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت أشف منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحشته فى احداهما جحشا لم يزل أثره بها قال عبد الله بن مسعود فوجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلى على عنقه قال وقد كان ضبث بى مرّة بمكة فآذانى ولكزنى ثم قلت له هل أخزاك الله يا عدوّ الله قال بماذا أخزانى أعمد من رجل قتلتموه وفى الصحاح قال أبو جهل أعمد من سيد قتله قومه أى هل زاد على هذا قال ابن هشام ويقال أعار على رجل قتلتموه أخبرنى لمن الدبرة اليوم قلت لله ولرسوله قال ابن اسحاق وزعم رجال من بنى مخزوم ان ابن مسعود كان يقول قال لى لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقى صعبا ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدوّ الله أبى جهل فقال آلله الذى لا اله غيره وكانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم والله الذى لا اله غيره ثم ألقيت رأسه بين يديه فحمد الله وخرج مسلم فى صحيحه عن عبد الرحمن بن عوف قال بينا أنا واقف فى الصف يوم بدر فنظرت عن يمينى وشمالى فاذا أنا بين غلامين من الانصار حديثة أسنانهما فتمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزنى أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قلت نعم وما حاجتك اليه يا ابن أخى قال أخبرت انه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الاعجل منا قال فتعجبت لذلك فغمزنى الآخر فقال مثلها قال فتعجبت لذلك فما سرّنى انى بين رجلين مكانهما فلم انشب ان نظرت الى أبى جهل يجول فى الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذى تسألانى عنه فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفيكما قالا لا فنظر فى السيفين فقال كلا كما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء متفق عليه كذا فى الاكتفاء والمشكاة* وفيه ذكر ابن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم بدر على القتلى فالتمس أبا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك فى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهمّ لا يعجزن فرعون هذه الامة فسعى له الرجال حتى وجده عبد الله بن مسعود مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير مقنعا بالحديد واضعا سيفه على فخذيه ليس به جرح ولا يستطيع أن يحرّك منه عضوا وهو مكب ينظر الى الارض فلما رآه ابن مسعود طاف حوله ليقتله وهو خائف ان ينوء اليه فلما دنا منه وأبصره لا يتحرك ظن انه مثبت جراحا فأراد أن يضربه بسيفه فخاف أن لا يغنى شيئا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبى جهل فاستله وهو مكب لا يتحرك ثم رفع سابغة البيضة عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه ثم سلبه فلما نظر اليه فاذا هو ليس به جراح وأبصر فى عنقه جدرا وفى بدنه وكتفه مثل آثار السياط فأتى ابن مسعود النبىّ صلى الله عليه وسلم فأخبره بقتله والذى رأى به فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم ذلك ضرب الملائكة* وفى المنتقى فى رواية عن عبد الله بن مسعود قال انتهيت الى أبى جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت الحمد لله الذى أخزاك يا عدوّ الله قال هل أنا الارجل قتله قومه فجعلت أتناوله بسيف لى غير طائل وأصبت يده فندر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته
ثم خرجت حتى أتيت النبىّ صلى الله عليه وسلم كأنما أقلّ من الارض فأخبرته فقال
الله الذى لا اله الا هو فردّدها قال قلت الله الذى لا اله الا هو قال فخرج يمشى معى حتى قام عليه فقال الحمد لله الذى أخزاك يا عدوّ الله هذا كان فرعون هذه الامة* وفى الينابيع بينما أبو جهل يجول على فرسه فى المعركة اذ أصابه رمح ملك فى صدره ويقال كان رمح ميكائيل فصرع عن فرسه فرآه عبد الله بن مسعود صريعا فبادر اليه وجلس على صدره ففتح أبو جهل عينه فرآه فقال يا رويعى الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعبا وقال لمن الدبرة أى الغلبة قال لله ولرسوله يا عدوّ الله قال أنت تقتلنى انما قتلنى الذى لم يصل سنانى سنبك دابته وان اجتهدت فسل عبد الله سيفه ليحتز به رأسه فلم يصنع شيئا وكان سيفا غير طائل فقال أبو جهل خذ سيفى هذا فاحتز به فأخذ سيفه فاجتهد فى سله فلم يقدر عليه فقال أبو جهل ناولنى مقبضه وامسك بجفنه ففعل فلما جرّ بقى الجفن فى يد عبد الله والسيف فى يد أبى جهل صلتا فأهوى به الى رجل عبد الله فجرحه وفى رواية لما قال أبو جهل ناولنى المقبض قال عبد الله يا عدوّ الله تريد بى المكر فناول أبا جهل الجفن وقبض هو بمقبضه فلما جرّد السيف قال له أبو جهل يا عبد الله اذا حززت رأسى فاحتز من أصل العنق ليرى عظيما مهيبا فى عين محمد وقل له ما زلت عدوّ الى سائر الدهر واليوم اشدّ عداوة فلما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله برأس أبى جهل وأخبره بما قاله أبو جهل قال صلى الله عليه وسلم كما انى أكرم النبيين على الله وأمّتى أكرم الامم عند الله كذلك فرعون هذه الامّة أشدّوا غلظ من فراعنة سائر الامم اذ فرعون موسى حين غرق قال آمنت أنه لا اله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل وفرعون هذه الامّة ازداد عداوة وكفرا أو كما قال* وفى كنز العباد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أتى برأس أبى جهل يوم بدر وألقى بين يديه سجد لله عز وجل خمس سجدات شكر الله ولهذا قال الفقهاء يستحب للعبد أن يسجد للشكر اذا اندفعت عنه بلية أو أصابته نعمة وأيضا يعلم من هذا جواز تعدّد السجدة وفى كنز العباد أيضا روى أنه صلى الله عليه وسلم قرأ آية السجدة فى سورة انشقت فسجد لله عز وجل عشر سجدات للشكر لما فيه من الخضوع والتعبد وعليه الفتوى* قال ابن هشام فى سيرته ونادى أبو بكر الصدّيق ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين أين مالى يا خبيث فقال عبد الرحمن عند ذلك
لم يبق غير شكة ويعبوب
…
وصارم يقتل ضلال الشيب
وفى الكشاف دعا أبو بكر ابنه يوم بدر الى البراز وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعنى أكن فى الرعلة الاولى قال متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم انك عندى بمنزلة سمعى وبصرى وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى أن يطرحوا فى القليب فطرحوا فيه الا ما كان من أمية بن خلف فانه انتفخ فى درعه فملأها فذهبوا ليحرّكوه فتزايل لحمه وتقطعت أوصاله فأقرّوه فى مكانه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة ويقال لما ألقوهم فى القليب وقف عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أهل القليب بئس عشيرة النبىّ كنتم لنبيكم كذبتمونى وصدّقنى الناس وأخرجتمونى وآوانى الناس وقاتلتمونى ونصرنى الناس يا أهل القليب هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى قد وجدت ما وعدنى ربى حقا قال له أصحابه يا رسول الله أتكلم أقواما موتى فقال لهم لقد علموا أن ما وعدهم ربهم حقا قالت عائشة والناس يقولون لقد سمعوا ما قلت لهم وانما قال رسول الله لقد علموا وفى حديث أنس ان المسلمين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين نادى أهل القليب يا رسول الله أتنادى قوما قد جيفوا فقال ما أنتم بأسمع منهم لما أقول ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبونى* وذكر ابن عقبة نحوا من ذلك عن نافع عن عبد الله بن عمر وفى المنتقى باسناد صاحبه الى البخارى أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا فى طوى من أطواء بدر خبيث مخبث وكان اذا
ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه قالوا ما نراه ينطلق الا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركى فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فانا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذى نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وفى رواية ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون متفق عليه وزاد البخارى قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما ولله درّ العلامة ابن جابر لقد أحسن حيث قال
بدا يوم بدر وهو كالبدر حوله
…
كواكب فى أفق الكواكب تنجلى
وجبريل فى جند الملائك دونه
…
فلم تغن أعداد العدوّ المخذل
رمى بالحصى فى أوجه القوم رمية
…
فشرّدهم مثل النعام المجفل
وجادلهم بالمشرفىّ فسلموا
…
فجاد له بالنفس كل مجدّل
عبيدة سل عنهم وحمزة فاستمع
…
حديثهم فى ذلك اليوم من على
هم عتبوا بالسيف عتبة اذ عدا
…
فذاق الوليد الموت ليس له ولى
وشيبة لما شاب خوفا تبادرت
…
اليه العوالى بالخضاب المعجل
وجال أبو جهل فحقق جهله
…
غداة تردّى بالردى عن تذلل
فأضحى قليبا فى القليب وقومه
…
يؤمّونه فيها الى شرّ منهل
وجاءهم خير الانام موبخا
…
ففتح من أسماعهم كل مقفل
وأخبر ما أنتم بأسمع منهم
…
ولكنهم لا يهتدون لمقول
سلا عنهم يوم السلا اذ تضاحكوا
…
فعاد بكاء عاجلا لم يؤجل
ألم يعلموا علم اليقين بصدقه
…
ولكنهم لا يرجعون بمعقل
فيا خير خلق الله جاهك ملجئى
…
وحبك ذخرى فى الحساب وموئلى
عليك صلاة يشمل الآل عرفها
…
وأصحابك الاخيار أهل التفضل
وفى الاكتفاء ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم أن يلقوا فى القليب أخذ عتبة بن ربيعة فسحب الى القليب فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى وجه أبى حذيفة بن عتبة فاذا هو كئيب قد تغير فقال يا أبا حذيفة لعلك دخلك من شأن أبيك شىء أو كما قال قال لا والله يا رسول الله ما شككت فى أبى ولا فى مصرعه ولكن كنت أعرف من أبى رأيا وعلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه ذلك للاسلام فلما رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذى كنت أرجو له أحزننى ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيرا وكان فى قريش فتية أسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر الى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ثم ساروا مع قومهم الى بدر فأصيبوا بها جميعا فنزل فيهم من القرآن فيما ذكر ان الذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأوام جهنم وساءت مصيرا وأولئك الفتية الحارث بن زمعة بن الاسود وأبو قيس بن الفاكه وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة وعلىّ بن أمية بن خلف والعاصى بن منبه بن الحجاج ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بما فى العسكر مما جمع الناس فجمع* واختلف فيه المسلمون فقال من جمعه فهو لنا وقال الذين كانوا يقاتلون العدوّ ويطلبونه والله لولا نحن ما أصبتموه ولنحن شغلنا عنكم العدوّ حتى أصبتم ما أصبتم وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله صلّى الله
عليه وسلم مخافة أن يخالف العدوّ اليه والله ما أنتم بأحق به منا لقد رأينا أن نقتل العدوّ اذ منحنا الله أكتافهم ولقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن دونه من يمنعه ولكنا خفنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرّة العدوّ فقمنا دونه فما أنتم بأحق به منا فكان عبادة بن الصامت اذا سئل عن الانفال قال فينا معاشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا فى النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه بيننا على بهاء يقول على السواء فكان فى ذلك تقوى الله وطاعته وطاعة رسوله وصلاح ذات البين* وفى الكشاف روى أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر عليك بالعير ليس دونها شىء فناداه العباس وهو فى وثاقه لا يصلح فقال له النبىّ صلى الله عليه وسلم لم قال لان الله تعالى وعدك احدى الطائفين وقد أعطاك ما وعدك* قال ابن اسحاق ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفتح عبد الله بن رواحة بشيرا الى أهل العالية بما فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين وبعث زيد بن حارثة الى أهل السافلة* وفى المواهب اللدنية ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر فى آخر رمضان وأوّل يوم من شوّال بعث زيد بن حارثة بشيرا فوصل المدينة ضحى وقد نفضوا أيديهم من تراب رقية قال أسامة بن زيد فأتانا الخبر حين سوّينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفنى عليها مع زوجها عثمان وان زيد بن حارثة قد قدم قال فجئته وهو واقف بالمصلى وقد غشيه الناس وهو يقول قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو جهل ابن هشام وزمعة بن الاسود وأبو البخترى بن هشام وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج قلت يا أبت أحق هذا قال نعم والله يا بنىّ ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة ومعه الاسارى من المشركين وهم أربعة وأربعون وفيهم عقبة بن أبى معيط والنضر بن الحارث وجعل على النفل عبد الله ابن كعب من بنى مازن ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اذا خرج من مضيق الصفراء نزل على كثيب بين المضيق وبين النازية يقال له سيركجبل كذا فى القاموس فقسم هناك النفل الذى أفاء الله على المسلمين من المشركين على السوية وتنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار وكان لمنبه بن الحجاج وغنم جمل أبى جهل وكان يغزو عليه وكان يضرب فى لقاحه حتى نحره بالحديبية وفى أنفه برة فضة كما سيجىء ثم ارتحل حتى اذا كان بالروحاء لقيه المسلمون يهنونه بما فتح الله عليه ومن معه من المسلمين فقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذى تهنوننا به فو الله ان لقينا الاعجائز صلعا كالبدن المعقلة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أى ابن أخى أولئك الملأ وحين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث قتله علىّ بن أبى طالب ثم خرج حتى اذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبى معيط* قال ابن اسحاق والذى أسر عقبة عبد الله بن سلمة أحد بنى العجلان وكان كثيرا ما يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أذيته انه وضع مشيمة جزور وسلاه بين كتفيه حين كان فى الصلاة كما مرّ وحين أمر بقتله قال فمن للصبية يا محمد قال النار فقتله عاصم بن ثابت بن أبى الافلح فى قول ابن عقبة وابن اسحاق* وقال ابن هشام قتله علىّ بن أبى طالب فيما ذكر ابن شهاب الزهرى وغيره قال ابن اسحاق ولقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الموضع أبو هند مولى فروة بن عمرو البياضى بحميت مملوء حيسا وكان قد تخلف عن بدر ثم شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها وهو كان حجام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أبو هند امرؤ من الانصار فانكحوه وانكحوا
اليه ففعلوا ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الاسارى بيوم وقد كان فرّقهم بين أصحابه قال استوصوا بالاسارى خيرا وكان أبو عزيز ابن عمير أخو مصعب بن عمير لابيه وأمه فى الاسارى قال وكنت فى رهط من الانصار حين أقبلوا بى
من بدر فكانوا اذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصونى بالخبز وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم اياهم بنا ما تقع فى يد رجل منهم كسرة من الخبز الا وقد نفحنى بها قال فأستحيى فأردّها عليه فيردّها علىّ ما يمسها قال ومرّ بى أخى مصعب بن عمير ورجل من الانصار يأسرنى فقال له شدّ يديك به فان أمه ذات متاع لعلها تفديه منك قال ابن هشام وكان أبو عزيز صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث فلما قال أخوه مصعب لابى اليسر وهو الذى أسره ما قال قال له أبو عزيز يا أخى هذه وصايتك بى قال انه أخى دونك فسألت أمه عن أعلى ما فدى به قرشى فقيل لها أربعة آلاف درهم فبعثت أربعة آلاف درهم ففدته بها* وذكر قاسم بن ثابت فى دلائله ان قريشا لما توجهت الى بدر مرّ هاتف من الجنّ على مكة فى اليوم الذى وقع بهم المسلمون وهو ينشد بأنفذ صوت ولا يرى شخصه يقول
ازار الحنيفيون بدرا وقيعة
…
سينقض منها ركن كسرى وقيصرا
أبادت رجالا من لؤى وأبرزت
…
خرائد يضر بن الترائب حسرا
فيا ويح من أمسى عدوّ محمد
…
لقد حاد عن قصد الهدى وتحيرا
فقال قائلهم من الحنيفيون فقال محمد وأصحابه يزعمون انهم على دين ابراهيم الحنيف ثم لم يلبثوا أن جاءهم الخبر اليقين وكان أوّل من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعى فقالوا ما وراءك قال قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف وزمعة بن الاسود ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأبو البخترى بن هشام فلما جعل يعدّد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد فى الحجر والله ان يعقل هذا فسلوه عنى قالوا ما فعل صفوان بن أمية قال ها هو ذاك جالس فى الحجر وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا وقال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس ابن عبد المطلب وكان الاسلام قد دخلنا اهل البيت فأسلم العباس وأسلمت أم الفضل وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم فكان يكتم اسلامه وكان ذا مال كثير متفرّق فى قومه وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر فبعث مكانه العاصى بن هشام بن المغيرة كما مرّ فلما جاءه الخبر عن مصاب أهل بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا فى أنفسنا قوّة وعزة وكنت أعمل الاقداح فى حجرة زمزم فو الله انى لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أمّ الفضل جالسة وقد سرّنا ما جاءنا من الخبر اذ أقبل أبو لهب يجرّ رجليه بشرّ حتى جلس الى طنب الحجرة ظهره الى ظهرى فبينا هو جالس اذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب قد قدم مكة فقال أبو لهب هلم الىّ فعندك لعمرى الخبر فجلس اليه والناس قيام عليه فقال يا ابن أخى اخبرنى كيف كان أمر الناس قال والله ما هو الا أن لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا ويأسروننا كيف شاؤا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والارض والله ما تبقى شيئا ولا يقوم لها شىء قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدى ثم قلت تلك والله الملائكة فرفع أبو لهب يده وضرب وجهى ضربة شديدة فثاورته فاحتملنى وضرب بى الارض ثم برك علىّ يضربنى وكنت رجلا ضعيفا فقامت أم الفضل الى عمود من عمد الحجرة فضربته به ضربة فلقت فى رأسه شجة منكرة وقالت أتستضعفه أن غاب عنه سيده فقام موليا فو الله ما عاش الا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتلته* وذكر محمد بن جرير الطبرى فى تاريخه ان العدسة قرحة كانت العرب تتشاء بها ويرون انها تعدى أشدّ العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقى بعد موته ثلاثا لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه فلما خافوا السبة فى تركه حفروا له ثم دفعوه فى حفرته بعود وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وقال ابن اسحاق فى رواية يونس بن بكير عنه انهم لم يحفروا له ولكن أسندوه الى حائط وقذفوا عليه الحجارة من خلف الحائط حتى واروه* وفى رواية بقى بعد