الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بناء بيت المقدس عزم الى الخروج الى أرض الحرم فتجهز للمير واستصحب من الانس والجنّ والشياطين والطيور والوحوش ما يبلغ معسكره مائة فرسخ فحملتهم الريح فوافى الحرم وحج وأقام به ما شاء الله وكان ينحر كل يوم طول مقامه خمسة آلاف ناقة ويذبح خمسة آلاف ثور وعشرين ألف شاة وقال لمن حضره من أشراف قومه هذا مكان يخرج منه نبى عربى صفته كذا وكذا يعطى النصرة على جميع من ناواه وتبلغ هيبته مسيرة شهر القريب والبعيد فى الحق عنده سواء لا تأخذه فى الله لومة لائم قال فقالوا فبأىّ دين يدين يا نبىّ الله فقال يدين بدين الحنيفية وطوبى لمن أدركه وآمن به فقالوا كم بين خروجه وبين زماننا يا نبىّ الله قال مقدار ألف عام فليبلغ الشاهد منكم الغائب فانه سيد الانبياء وخاتم الرسل قال فأقام بمكة حتى قضى نسكه ثم خرج من مكة صباحا وسار نحو اليمن فوافى صنعاء وقت الظهيرة والزوال وذلك مسيرة شهر فرأى أرضا حسناء تزهو خضرتها فأعجبته نزاهتها فأحب النزول ليصلى يتغدّى فنزل سليمان ودخل وقت الصلاة وكان نزل على غير ماء فسأل الانس والجنّ والشياطين عن الماء فلم يعلموا فتفقد الهدهد وكان الهدهد رائده وقافيه لانه يحسن طلب الماء*
قصة الهدهد
عن ابن عباس الهدهد يرى الماء من تحت الارض كما يرى الماء فى الزجاجة ويعرف قربه وبعده فينقر الارض ثم تجىء الشياطين فيلجونه فيستخرجون الماء فتفقده لذلك* قال سعيد بن جبير فلما ذكر ابن عباس هذا قال له نافع بن الازرق يا وصاف انظر ما تقول ان الصبى منا يضع الفخ ويحثو عليه التراب فيجىء الهدهد ولا ينظر الفخ حتى يقع فى عنقه فقال له ابن عباس ويحك ان القدر اذا جاء حال دون البصر* وفى رواية اذا نزل القضاء والقدر ذهب اللب وعمى البصر وكان الهدهد حين نزل سليمان قال ان سليمان قد اشتغل بالنزول فارتفع الى السماء وانظر الى طول الارض وعرضها فارتفع فنظر يمينا وشمالا فرأى بستانا لبلقيس فمال الى الخضرة فوقع فيه فاذا بهدهد فهبط عنده وكان اسم هدهد سليمان يعفور واسم هدهد اليمن عنفير فقال عنفير اليمن ليعفور سليمان من أين أقبلت وأين تريد قال أقبلت من الشام مع صاحبى سليمان ابن داود قال ومن سليمان قال ملك الجنّ والانس والشياطين والطير والوحوش والرياح فمن أين أنت قال أنا من هذه البلاد قال ومن ملكها قال امرأة يقال لها بلقيس فان كان لصاحبك ملك عظيم فليس ملك بلقيس دونه فانها ملكة اليمن كلها وتحت يدها اثنا عشر قائدا تحت كل قائد مائة ألف مقاتل فهل أنت منطلق معى حتى تنظر الى ملكها قال أخاف أن يتفقدنى سليمان فى وقت الصلاة اذا احتاج الى الماء* قال الهدهد اليمانى ان صاحبك يسرّه أن تأتيه بخبر هذه الملكة فانطلق ونظر الى بلقيس وملكها وما رجع الى سليمان الا وقت العصر* وفى رواية كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه اخلاله بالنوبة وذلك ان سليمان كان اذا نزل منزلا يظله وجنده الطير من الشمس فأصابته الشمس من موضع الهدهد* وفى المدارك وقعت نفحة من الشمس على رأس سليمان فنظر فرأى موضع الهدهد خاليا فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله فقال أصلح الله الملك ما أدرى أين هو وما أرسلته مكانا فغضب سليمان عند ذلك وقال لا عذبنه عذابا شديدا الآية* واختلفوا فى العذاب الذى أوعده به فأظهر الاقاويل بنتف ريشه وذنبه والقائه فى الشمس أو حيث النمل تأكله* وقال مقاتل بن حبان بتطليته بالقطران وتشميه وقيل بالتفريق بينه وبين الفه وقيل بالزامه خدمة أقرانه وقيل بالحبس مع أضداده وقيل أضيق السجون معاشرة الاضداد وقيل بايداعه القفص وحل له تعذيب الهدهد لما رأى فيه من المصلحة ثم دعا سليمان العقاب سيد الطير فقال علىّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر الى الدنيا كالقصعة بين يدى أحدكم ثم التفت يمينا وشمالا فاذا هو بالهدهد مقبل من نحو اليمن فانقض العقاب نحوه يريده فلما رأى الهدهد ذلك علم أن العقاب يقصده بسوء
فنا شده فقال بحق الذى قوّاك وأقدرك علىّ الا رحمتنى ولم تتعرّض لى بسوء فولى عنه العقاب وقال له ويلك ثكلتك امّك ان نبىّ الله قد حلف أن يعذبك أو يذبحك ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهيا الى المعسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له ويلك أين غبت فى يومك هذا فلقد توعدك نبىّ الله وأخبروه بما قال سليمان فقال الهدهد وما استثنى رسول الله قالوا بلى قال أو ليأتينى بسلطان مبين قال نجوت اذا ثم انطلق العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان وكان قاعدا على كرسيه فقال العقاب قد أتيتك به يا نبىّ الله فلما قرب الهدهد منه طأطأ رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه يجرّها على الارض تواضعا لسليمان فلما دنا منه أخذ برأسه فمدّه اليه وقال أين كنت لا عذبنك عذابا شديدا قال له الهدهد يا نبىّ الله اذكر وقوفك بين يدى الله عز وجل فلما سمع سليمان ذلك ارتعد فرقا وعفا عنه ثم سأله فقال ما الذى أبطأك عنى فقال الهدهد أحطت بما لم تحط به أى علمت شيئا من جميع جهاته يعنى حال سبأ ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام مع ما أوتى من فضل النبوّة والعلوم الجمة ابتلاء له فى علمه وفيه دليل على ابطال قول الرافضة ان الامام لا يخفى عليه شىء ولا يكون فى زمانه أعلم منه كذا فى المدارك* وفى أنوار التنزيل مخاطبته اياه بذلك تنبيه على أن فى أدنى خلق الله من أحاط علما بما لم يحط به أعلاه ليتحاقر اليه نفسه ويتصاغر لديه علمه قال وجئتك من سبأ بنبأ يقبن السبأ أولاد سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وفى أنوار التنزيل مواضع سكنى سبأ باليمن يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ولما قال الهدهد وجئتك من سبأ بنبأ يقين قال سليمان وما ذاك قال انى وجدت امرأة يعنى بلقيس بنت شرحبيل بن مالك ابن الريان كذا فى أنوار التنزيل والمدارك* وفى لباب التأويل وتفسير الثعالبى من نسل يعرب بن قحطان وكان أبوها ملكا عظيم الشان قد ولد له أربعون ملكا هى آخرهم وكان يملك أرض اليمن كلها وكان يقول لملوك الاطراف ليس أحد منكم كفوالى وأبى أن يتزوّج فيهم فخطب الى الجنّ فزوّجوه امرأة منهم يقال لها ريحانة بنت السكن* قيل فى سبب وصوله الى الجنّ حين خطب اليهم أنه كان كثير الصيد فربما اصطاد الجنّ وهم على صور الظباء فيخلى عنهم فظهر له ملك الجنّ وشكره على ذلك واتخذه صديقا فخطب ابنته فزوّجه اياها وقيل انه خرج متصيدا فرأى حيتين تقتتلان بيضاء وسوداء وقد ظهرت السوداء على البيضاء فقتل السوداء وحمل البيضاء وصب عليها الماء فأفاقت فأطلقها فلما رجع الى داره وجلس وحده فاذا معه شاب جميل فخاف منه فقال لا تخف انا الحية البيضاء التى أحيبتنى والاسود الذى قتلته هو عبد لنا تمرّد علينا وقتل عدّة منا وعرض عليه المال فقال المال لا حاجة لى فيه ولكن ان كان لك بنت فزوّجنيها فزوّجه ابنته فولدت له بلقيس وجاء فى الحديث ان أحد أبوى بلقيس كان جنيا فلما مات أبو بلقيس طمعت فى الملك ولم يكن له ولد غيرها فطلبت من قومها أن يبايعوها فاطاعها قوم وأبى آخرون وملكوا عليهم رجلا آخر يقال انه ابن أخى الملك وكان خبيثا أساء السيرة فى أهل مملكته حتى كان يمدّيده الى حرم رعيته ويفجر بهنّ فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه فلما رأت بلقيس ذلك أدركتها الغيرة فأرسلت اليه تعرض نفسها فأجابها وقال ما منعنى أن أبتدئك بالخطبة الا اليأس منك فقالت لا أرغب عنك لانك كفؤ كريم فاجمع رجال أهلى واخطبنى فجمعهم وخطبها فقالوا لا نرى تفعل فقال بلى انها قد رغبت فىّ فذكروا ذلك لها فقالت نعم فزوّجوها منه فلما زفت اليه خرجت فى أناس كثيرة من حشمها وخدمها ولما خلت سقته الخمر حتى سكر ثم قتلته وحزت رأسه وانصرفت الى منزلها من الليل فلما أصبحت أرسلت الى وزرائه وأحضرتهم وقرعتهم وقالت لهم أما كان فيكم من يأنف لكريمته أو كرائم عشيرته ثم أرتهم اياه قتيلا وقالت اختاروا رجلا تملكونه عليكم فقالوا لا نرضى غيرك فملكوها وعلموا أن ذلك النكاح كان مكرا