الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن البراء قال قالت آمنة ولدته جاثيا على ركبتيه ينظر الى السماء ثم قبض قبضة من الارض فأهوى ساجدا وغطيت عليه اناء فوجدته قد تفلق الاناء عليه وهو يمص ابهامه تشخب لبنا* وفى المنتقى ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع جاثيا على ركبتيه وخرج معه نور أضاءت له قصور الشام وأسواقها حتى رأيت أعناق الايل ببصرى رافعا رأسه الى السماء فحقق الله بذلك رؤيا أمه* وفى المواهب اللدنية قال فى اللطائف وخروج هذا النور عند وضعه اشارة الى ما يجىء به من النور الذى اهتدى به أهل الارض وزال به ظلمة الشرك كما قال تعالى قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور باذنه* وأما اضاءة قصور بصرى بالنور الذى خرج معه فهو اشارة الى ما خص الشام من نور نبوّته فانها دار ملكه كما ذكر كعب ان فى الكتب السالفة محمد رسول الله مولده مكة ومهاجره يثرب وملكه بالشام ولهذا اسرى به صلى الله عليه وسلم الى الشام الى بيت المقدس كما هاجر قبله ابراهيم عليه السلام الى الشام وبها ينزل عيسى ابن مريم عليهما السلام وهى أرض المحشر والمنشر* وفى المنتقى كانت سنتهم فى المولود اذا ولد فى استقبال الليل كفأوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبىّ صلى الله عليه وسلم فأصبحوا وقد انشق عنه القدر وهو شاخص ببصره الى السماء وفيه أيضا روى أنها لما ولدته صلى الله عليه وسلم أرسلت الى عبد المطلب وجاءه البشير وهو جالس فى الحجر معه ولده ورجال من قومه فأخبره أن آمنة ولدت غلاما فسرّ بذلك عبد المطلب وقام هو ومن كان معه ودخل عليها فأخبرته بكل ما رأت وما قيل لها وما أمرت به فأخذه عبد المطلب فأدخله جوف الكعبة وقام عندها يدعو الله ويشكره بما أعطاه فقال يومئذ
الحمد لله الذى أعطانى
…
هذا الغلام الطيب الاردان
قد ساد فى المهد على الغلمان
…
أعيذه بالبيت ذى الاركان
حتى أراه بالغ البيان
…
أعيذه من شرّ ذى شنآن
من حاسد مضطرب العينان
روى أنه لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجالا من قريش فحضروا وطعموا* وفى بعض الكتب كان ذلك يوم سابعه يعنى عقيقته فلما فرغوا من أكله قالوا ما سميته قال سميته محمدا قالوا لم رغبت عن أسماء آبائه قال أردت أن يكون محمودا فى السماء لله وفى الارض لخلقه قيل بل سمته بذلك أمه لما رأته وقيل لها فى شأنه ويمكن أن يجمع بين القولين بأن يقال نقلت أمه لجدّه ما رأته فسماه به فوقعت التسمية منه واذا كانت هى سببها يصح القول بأنها سمته به*
(ذكر ختانه صلى الله عليه وسلم
اختلف فى ختانه على ثلاثة أقوال وسيجىء* جمهور أهل السير والتواريخ على انه صلى الله عليه وسلم ولد معذورا مسرورا أى مختونا مقطوع السرّ وسيجىء بيان الاعذار وأعجب ذلك عبد المطلب وحظى عنده وقال ليكونن لا بنى هذا شأن* وفى المواهب اللدنية روى من حديث أبى هريرة عن النبىّ صلى الله عليه وسلم عند ابن عساكر وروى الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم والخطيب وابن عساكر من طرق عن أنس بن مالك أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال من كرامتى على ربى انى ولدت مختونا ولم ير أحد سوأتى وصححه أيضا فى المختارة* وعن ابن عمر قال ولد النبىّ صلى الله عليه وسلم مسرورا مختونا رواه ابن عساكر قال الحاكم فى المستدرك تواترت الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا انتهى وتعقبه الحافظ الذهبى فقال ما أعلم صحة ذلك فكيف يكون متواترا* أجيب باحتمال أن يكون أراد بتواتر الاخبار اشتهارها وكثرتها فى السير لا من طريق السند المصطلح عليه عند أئمة الحديث ولكن قد حكى الحافظ زين الدين العراقى ان الكمال بن العديم
ضعف أحاديث كونه عليه السلام ولد مختونا وقال انه لا يثبت فى هذا شئ من ذلك وأقرّه عليه وبه صرّح ابن القيم ثم قال ليس هذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم فان كثيرا من الناس ولد مختونا وحكى الحافظ ابن حجر أن العرب تزعم أن الغلام اذا ولد فى القمر فسخت قلفته أى اتسعت فيصير كالمختون وفى الوشاح لابن دريد قال ابن الكلبى بلغنا أن آدم خلق مختونا واثنى عشر نبيا بعده خلقوا مختونين آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم شيث وادريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وسليمان وشعيب ويحيى وهود ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين* وذكر ابن الجوزى عن كعب الاحبار ان ثلاثة عشر من الانبياء خلقوا مختونين وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وذكر عيسى مكانه وقال محمد بن حبيب الهاشمى هم أربعة عشر وعدّ الانبياء المذكورين غير هود وعيسى وذكر زكريا وحنظلة بن صفوان كذا فى مريل الخلفا* وفى المواهب اللدنية وفى هذه العبارة تجوّز لان الختان هو القطع وهو غير موجود لان الله تعالى يوجد ذلك على هذه الهيئة من غير قطع فيحمل الكلام باعتبار أنه على صفة المقطوع وقد حصل من الاختلاف فى ختانه ثلاثة أقوال كما أشرنا اليه سابقا أحدها انه ولد مختونا كما تقدّم الثانى انه ختنه جدّه عبد المطلب يوم سابعه وصنع له مأدبة وسماه محمدا رواه الوليد بن مسلم بسنده الى ابن عباس وحكاه ابن عبد البرّ فى التمهيد وابن الاثير فى اسد الغابة الثالث انه ختن عند حليمة كذا ذكره ابن القيم والدمياطى ومغلطاى قالا ان جبريل ختنه حين طهر قلبه وكذا أخرجه الطبرانى فى الاوسط وأبو نعيم من حديث أبى بكرة وقال الذهبى وهذا منكر* واعلم أن الختان هو قطع القلفة التى تغطى الحشفة من الرجل وقطع بعض الجلدة التى فى أعلى الفرج من المرأة ويسمى ختان الرجل اعذارا بالعين المهملة والذال المعجمة والراء وختان المرأة خفضا بالخاء المعجمة والفاء والضاد المعجمة وفى القاموس خفاض كختان لفظا ومعنى* واختلف العلماء هل هو واجب أو سنة فذهب أكثرهم الى أنه سنة وهو قول أبى حنيفة ومالك وبعض أصحاب الشافعى وذهب الشافعى الى وجوبه وهو مقتضى قول سحنون من المالكية وذهب بعض أصحاب الشافعى الى أنه واجب فى حق الرجال وسنة فى حق النساء واحتج من قال انه سنة بحديث أبى المليح بن اسامة عن أبيه أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال الختان سنة للرجال مكرمة للنساء رواه أحمد فى مسنده والبيهقى وأجاب من أوجبه بأنه ليس المراد بالسنة هنا خلاف الواجب بل المراد به الطريقة واحتجوا على وجوبه بقوله تعالى أن اتبع ملة ابراهيم حنيفا وثبت فى الصحيح من حديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اختتن ابراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم وبما روى أبو داود من قوله عليه السلام للرجل الذى أسلم ألق عنك شعار الكفر واختتن واحتج القفال بوجوبه بأن بقاء القلفة تحبس النجاسة وتمنع صحة الصلاة فيجب وقال الامام فخر الدين الرازى الحكمة فى الختان أن الحشفة قوى الحس فما دامت مستورة بالقلفة تقوى اللذة عند المباشرة فاذا قطعت القلفة تصلبت الحشفة فضعفت اللذة وهو اللائق بشر بعتنا تقليلا للذة لا قطعا كما فعله المانوية فذلك افراط وابقاء القلفة تفريط فالعدل الختان* وفى الملل والنحل لمحمد بن عبد الكريم الشهرستانى المانوية أصحاب مانى بن فاتك الحكيم الذى ظهر فى زمان سابور بن أزدشير وقتله بهرام بن هرمز بن سابور بن أزدشير وذلك بعد عيسى عليه السلام أخذ دينا بين المجوسية والنصرانية وكان لا يقول بنبوّة عيسى ولا بنبوّة موسى عليهما السلام وحكى محمد بن هارون المعروف بأبى عيسى الورّاق وكان فى الاصل مجوسيا ارفا بمذاهب القوم ان الحكيم مانى زعم ان العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين أحدهما نور والآخر ظلمة وانهما أزليان لم يزولا ولا يزالا وأنكر وجود شىء الا من أصل قديم انتهى وادا قلنا