الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرَّطْلِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ مَوْزُونًا؛ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِطَرِيقِ الْوَزْنِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَدْهَانِ فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَمْسِكْ إلَّا فِي وِعَاءٍ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ وَزْنُهُ بِالْأَمْنَاءِ وَالصَّنْجَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِالْوِعَاءِ فَقُدِّرَ الْوِعَاءُ بِالْأَرْطَالِ وَالْأَمْنَاءِ فَاكْتُفِيَ بِهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَبَقِيَ مَوْزُونًا عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِذَا كَانَ مَوْزُونًا فَلَوْ بِيعَ بِمِكْيَالٍ لَا يُعْرَفُ وَزْنُهُ بِمِكْيَالٍ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِي الْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَازَفَةِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا بَاعَ مَا يُبَاعُ بِالْأَوَاقِيِ بِكَيْلٍ غَيْرِ أَوَاقٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِجِنْسِهِ بِكَيْلٍ لَمْ يُقَدَّرْ بِالْأَوَاقِيِ فَيَكُونُ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ بِالْوَزْنِ وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْئَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي كَيْلٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي كَيْلٍ آخَرَ أَيْضًا وَلَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْمَكِيلِ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا فِي ذَلِكَ إذْ لَا يَخْتَلِفُ ثِقَلُهُ فِيهِمَا وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ: فَائِدَةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا يُنْسَبُ إلَى الرِّطْلِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا فِي الْكَيْلِ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ يَجُوزُ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ قِيَاسُ الْمَوْزُونَاتِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إلَّا الْوَزْنُ غَيْرَ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالْأَوَاقِيِ أَيْضًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَيْلٍ وَكَيْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا يَنْدَفِعُ هَذَا الْإِشْكَالُ إلَّا إذَا مُنِعَ الْجَوَازُ فِي الْكُلِّ.
قَالَ رحمه الله (وَجَيِّدُهُ كَرَدِيئِهِ) يَعْنِي جَيِّدُ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ سَوَاءٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا لِنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فِيمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ «حِينَ قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: إنَّا نَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ لَا تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ تَفَاوُتَ الْوَصْفِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا عَادَةً وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَانْسَدَّ بَابُ الْبِيَاعَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
قَالَ رحمه الله: (وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ كَالنَّقْدِ بِالنَّقْدِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَإِنَّهُ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ هَاءَ أَيْ خُذْ وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِقَوْلِهِ «يَدًا بِيَدٍ» فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْقَبْضُ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ كَالْمَصُوغِ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «يَدًا بِيَدٍ» لَفْظٌ وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْقَبْضُ فِي حَقِّ النَّقْدَيْنِ وَالتَّعْيِينُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَوْ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا وَمَجَازٌ فِي الْآخَرِ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَعَاقُبِ الْقَبْضِ بِأَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَأَشْبَهَ التَّأْجِيلَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ لِلْمَقْبُوضِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ التَّسَاوِي وَهُوَ الشَّرْطُ وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ كَالثَّوْبِ وَنَحْوِهِ إذَا بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِخِلَافِ جِنْسِهِ لِحُصُولِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمُتَعَيَّنِ بِخِلَافِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَى التَّعْيِينُ غَيْرَ أَنَّ مَا يَتَعَيَّنُ بِهِ مُخْتَلِفٌ فَالنَّقْدَانِ يَتَعَيَّنَانِ بِالْقَبْضِ وَغَيْرُهُمَا بِالتَّعْيِينِ فَلَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْ الْمُشْتَرَكِ وَلَا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَإِنَّمَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْمَصُوغِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ وَلَا يَسْقُطُ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ بِالصَّنْعَةِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ التَّعَيُّنِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ إذْ الشُّبْهَةُ فِي الْحُرُمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ
بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ
وَالْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ بِالْجَوْزَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَتَيْنِ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَيَكُونُ مُجَازَفَةً فَيَبْطُلُ) أَيْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ فَإِذَا عُدِمَتْ الْمُسَاوَاةُ يَثْبُتُ الْعَقْدُ وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي بِالْقَبْضِ. اهـ. كَافِي فِي الْإِكْرَاهِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ بِالْأَوَاقِيِ) أَيْ الْمُقَدَّرُ بِالْأَوَاقِيِ. اهـ. اق وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِالْأَوَاقِيِ أَيْ بِالْكَيْلِ الْأَوَاقِي. اهـ. (قَوْلُهُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَيْلٍ وَكَيْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا) وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ بِالْكَيْلِ الْأَوَاقِي دَفْعًا لِلْحَرَجِ فَتَوَهُّمُ الْفَضْلِ بِالْوَزْنِ لَا يُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْكَيْلِ الْمَجْهُولِ فَإِنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِيهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَانْسَدَّ بَابُ الْبِيَاعَاتِ) وَهُوَ مَفْتُوحٌ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا تَكُونُ مِثْلًا لِحِنْطَةٍ أُخْرَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
[وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الرِّبَا]
(قَوْلُهُ «إلَّا هَاءَ وَهَاءَ») عَلَى وَزْنِ هَاعَ بِمَعْنَى خُذْ مِنْهُ وَالْقَصْرُ خَطَأٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَاءُ مَمْدُودٌ مِنْ هَا وَأَلِفٌ وَهَمْزَةٌ بِوَزْنِ هَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ وَمَعْنَاهُ خُذْ يَعْنِي هُوَ رِبًا إلَّا فِيمَا يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ خُذْ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الصَّرْفِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ بِدَلِيلِ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مُسْنَدًا إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبِعْ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ» فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْيَدِ بِالْيَدِ التَّعَيُّنُ إلَّا أَنَّ التَّعَيُّنَ فِي الصَّرْفِ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ لِمَا مَرَّ آنِفًا فَلِهَذَا اُشْتُرِطَ التَّقَابُضُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعَدُّ تَفَاوُتًا فِي الْمُتَعَيَّنِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْخَصْمِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَتَعَاقَبُ فَأَجَابَ بِأَنَّ التُّجَّارَ لَا يُفَاضِلُونَ فِي الْمَالِيَّةِ بَيْنَ الْمَقْبُوضِ فِي الْمَجْلِسِ وَغَيْرِ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ حَالًّا بِخِلَافِ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْمُعَامَلَةِ كَانَ الْعَقْدُ جَائِزًا كَمَا فِي بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ بِجِنْسِهِ وَبِغَيْرِ جِنْسِهِ. اهـ. .
[بَيْع الحفنة بالحفنتين والتفاحة بالتفاحتين]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ بَيْعُ الْحَفْنَةِ) أَيْ وَهِيَ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ. اهـ. مِصْبَاحٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ لِوُجُودِ الطُّعْمِ وَعَدَمِ الْمُخَلِّصِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
لَيْسَتْ بِمَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْمِعْيَارِ فَانْعَدَمَتْ الْعِلَّةُ بِانْعِدَامِ أَحَدِ شَطْرَيْهَا وَهُوَ الْقَدْرُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ عِنْدِ الْإِتْلَافِ عِنْدَنَا وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِمَنْزِلَةِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ هَذَا إذَا بَاعَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ بِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ وَإِنْ بَاعَ مَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ بِنِصْفِ صَاعٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ لِوُجُودِ الْمِعْيَارِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَتَحَقَّقَتْ الشُّبْهَةُ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ كَالذَّرَّةِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِمَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ جَازَ لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ شَرْعًا إذْ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَزْنِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ عِنْدَهُ الطُّعْمُ أَوْ الثَّمَنِيَّةُ وَقَدْ وُجِدَتْ قَالَ رحمه الله.
(وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) أَيْ الْبَدَلَانِ بِأَعْيَانِهِمَا بِأَنْ كَانَ الْفَلْسُ مُعَيَّنًا وَالْفَلْسَانِ مُعَيَّنَيْنِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَثْمَانٌ وَالثَّمَنُ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَلِهَذَا إذَا قَابَلَ الْفُلُوسَ بِخِلَافِ جِنْسِهَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهَا وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا أَوْ يَحْتَمِلُهُ بِأَنْ يَأْخُذَ بَائِعُ الْفَلْسِ الْفَلْسَيْنِ أَوَّلًا فَيَرُدَّ أَحَدَهُمَا قَضَاءً بِدَيْنِهِ وَيَأْخُذَ الْآخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْ يَأْخُذَ بَائِعُ الْفَلْسَيْنِ الْفَلْسَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَضُمَّ إلَيْهِ فَلْسًا آخَرَ فَيَرُدَّهُمَا عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَلْسُهُ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ وَهُوَ رِبًا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَلَهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَثْمَانٍ خِلْقَةً وَإِنَّمَا كَانَ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ وَقَدْ اصْطَلَحَا بِإِبْطَالِ الثَّمَنِيَّةِ فَتَبْطُلُ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا عِنْدَ غَيْرِهِمَا مِنْ النَّاسِ لِبَقَاءِ اصْطِلَاحِهِمْ عَلَى ثَمَنِيَّتِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُمَا اصْطِلَاحُهُمْ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا بَطَلَتْ الثَّمَنِيَّةُ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ بِمَعْنَاهُ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْحَفْنَةُ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفَّيْنِ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْهُ «إنَّمَا نَحْنُ حَفْنَةٌ مِنْ حَفَنَاتِ اللَّهِ» أَيْ يُشِيرُ بِالْإِضَافَةِ إلَى مُلْكِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَفَنْت الشَّيْءَ إذَا جَرَفْتَهُ بِكِلْتَا يَدَيْك وَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الشَّيْءِ الْيَابِسِ كَالدَّقِيقِ وَالرَّمْلِ وَنَحْوِهِ اهـ وَفِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه «إنَّمَا نَحْنُ حَفْنَةٌ مِنْ حَفَنَاتِ اللَّهِ» أَرَادَ إنَّا عَلَى كَثْرَتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ كَالْحَفْنَةِ وَهِيَ مِلْءُ الْكَفِّ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْحَفْنَةُ مِلْءُ الْكَفِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إلَخْ) هَذَا إيضَاحٌ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَخْ اهـ يَعْنِي أَنَّ الْحَفْنَةَ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةَ وَالتُّفَّاحَتَيْنِ لَوْ كَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الْمِعْيَارِ كَانَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ كَمَا فِي سَائِرِ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ، وَلَكِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْمِعْيَارِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ لَا فِي الْمُتَقَارِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ الْجَوْزَةَ مِثْلُ الْجَوْزَةِ فِي ضَمَانِ الْعُدْوَانِ وَكَذَا سَائِرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَعْنِي أَنَّ التَّمْرَةَ مِثْلُ التَّمْرَةِ وَالْبَيْضَةَ مِثْلُ الْبَيْضَةِ وَلَمْ يُجْعَلْ كَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْجَوْزَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ الْجَوْزَةِ لِعَدَمِ دَلِيلِ الْمُمَاثَلَةِ لِلتَّفَاوُتِ إلَّا أَنَّ النَّاسَ اصْطَلَحُوا عَلَى إهْدَارِ التَّفَاوُتِ فَقُبِلَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ وَهُوَ ضَمَانُ الْعُدْوَانِ فَأَمَّا فِي حَقِّ وُجُوبِ التَّسْوِيَةِ وَحُرْمَةِ الْفَضْلِ فَلَا. اهـ. غَايَةُ الْبَيَانِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ رحمه الله وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ عِنْدَنَا قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَمِنْ فُرُوعِ ضَمَانِ مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ بِالْقِيمَةِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ حَفْنَةً فَعَفِنَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا فَإِنْ أَبَى إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَيْنَهَا أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْفَسَادِ الَّذِي حَصَلَ لَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا الطُّعْمَ حَرَّمَ الْحَفْنَةَ وَالتُّفَّاحَةَ بِثِنْتَيْنِ وَقَالُوا: مَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فِي حُكْمِ الْحَفْنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ فَعُرِفَ أَنَّهُ لَوْ وُضِعَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرُ مِنْ نِصْفِ الصَّاعِ لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ بِهَا وَهَذَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَدَلَيْنِ نِصْفَ صَاعٍ فَإِنْ بَلَغَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ صَاعٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ نِصْفِ صَاعٍ فَصَاعِدًا بِحَفْنَةٍ وَفِي جَمْعِ التَّفَارِيقِ قِيلَ لَا رِوَايَةَ فِي الْحَفْنَةِ بِالْقَفِيزِ وَاللُّبِّ بِالْجَوْزِ وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُ الرِّبَا وَلَا يَسْكُنُ الْخَاطِرُ إلَى هَذَا بَلْ يَجِبُ بَعْدَ التَّعْلِيلِ بِالْقَصْدِ إلَى صِيَانَةِ أَمْوَالِ النَّاسِ تَحْرِيمُ التُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ وَالْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ أَمَّا إنْ كَانَتْ مَكَايِيلُ أَصْغَرَ مِنْهَا كَمَا فِي دِيَارِنَا مِنْ وَضْعِ رُبْعِ الْقَدَحِ وَثُمُنِ الْقَدَحِ الْمِصْرِيِّ فَلَا شَكَّ وَكَوْنُ الشَّرْعِ لَمْ يُقَدِّرْ بَعْضَ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَقَلَّ مِنْهُ لَا يَسْتَلْزِمُ إهْدَارَ التَّفَاوُتِ الْمُتَيَقَّنِ بَلْ لَا يَحِلُّ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّفَاضُلِ مَعَ تَيَقُّنِ تَحْرِيمِ إهْدَارِهِ وَلَقَدْ أَعْجَبُ غَايَةَ الْعَجَبِ مِنْ كَلَامِهِمْ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ فِي الشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ وَجَاءَ التَّقْدِيرُ بِنِصْفِ صَاعٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَدْنَى مَا يَكُونُ مَالُ الرِّبَا مِنْ الْحِنْطَةِ نِصْفُ الْقَفِيزِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَفِيزِ صَاعٌ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْفَلْسُ بِالْفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا) قِيلَ: الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْفَلْسَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفَلْسَ الْوَاحِدَ مَبِيعٌ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ ضَرُورَةً. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَصْلُهُ أَنَّ الْفَلْسَ لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ مَا دَامَ رَابِحًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ حَتَّى لَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ جِنْسِهَا) كَمَا إذَا اشْتَرَى فَاكِهَةً بِفُلُوسٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ) فَكَذَا إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهَا) هَذَا لَا يَلْزَمُ أَبَا حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَفْسُدُ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ نَسْخٌ لِلْإِجْمَاعِ بِالْآحَادِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَلْسُهُ مَعَ فَلْسٍ آخَرَ بِغَيْرِ عِوَضٍ يُقَابِلُهُ) وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَرْضَى بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْفُلُوسَ لَيْسَتْ بِأَثْمَانٍ) وَالْأَصْلُ فِي الْفَلْسِ أَنْ يَكُونَ مُثَمَّنًا؛ لِأَنَّهُ نُحَاسٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ)؛ لِأَنَّ ثَمَنِيَّتَهُمَا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ.