الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ يُشَهِّرُ وَلَا يَضْرِبُ وَكَانَ يَبْعَثُهُ إلَى سُوقِهِ إنْ كَانَ سُوقِيًّا وَإِلَى قَوْمِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ سُوقِيٍّ بَعْدَ الْعَصْرِ أَجْمَعُ مَا يَكُونُونَ وَيَقُولُ: إنَّ شُرَيْحًا يُقْرِئُكُمْ السَّلَامَ وَيَقُولُ إنَّا وَجَدْنَا هَذَا شَاهِدَ زُورٍ فَاحْذَرُوهُ وَحَذِّرُوهُ النَّاسَ وَشُرَيْحٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ كَانَ تَابِعِيًّا وَلَكِنَّهُ زَاحَمَ الصَّحَابَةَ فِي الْفَتْوَى وَسَوَّغُوا لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَرَجَعُوا إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُنَاظَرَةِ فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحَابَةِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ يُقَلِّدُهُمْ وَعَدَّهُمْ فَقَالَ مِثْلُ مَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ وَعَلْقَمَةَ وَشُرَيْحٍ.
وَمَنْ كَانَ فِي رُتْبَتِهِمْ مِنْ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى هَذَا تَقْلِيدُهُ لِلصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - لِتَجْوِيزِهِمْ فِعْلَهُمْ وَقَوْلَهُمْ لَا سِيَّمَا شُرَيْحٌ، فَإِنَّهُ كَانَ قَاضِيًا فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ مَشْهُورًا بَيْنَهُمْ وَكَيْفَ لَا يَكُونُ وَهُوَ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ فَيَكُونُ تَقْلِيدُهُ تَقْلِيدًا لَهُمْ ضَرُورَةً وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ كَانَ سِيَاسَةً بِدَلِيلِ تَبْلِيغِهِ أَرْبَعِينَ وَهُوَ حَدُّ الْعَبِيدِ فِي الْقَذْفِ وَبِدَلِيلِ تَسْخِيمِهِ وَهُوَ مِثْلُهُ لَمْ يَجُزْ بِالْإِجْمَاعِ وَلِذَا لَمْ يَقُولُوا بِهِ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ الْمُثْلَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَلِأَنَّ الضَّرْبَ الشَّدِيدَ، وَالتَّسْخِيمَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ الرُّجُوعِ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَلَا يُشْرَعَانِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ رحمه الله أَنَّهُ يُشَهَّرُ عِنْدَهُمَا أَيْضًا، وَقَالَ الْإِمَامُ الْحَاكِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ رحمه الله وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنْ يَرْجِعَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبَةِ، وَالنَّدَامَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ، فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالثَّالِثُ أَنْ لَا يَعْلَمَ رُجُوعَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ، فَإِنَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَوْلَهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ التَّشْهِيرُ أَوْ التَّعْزِيرُ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا عَلَى مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ شَهِدَ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا.
وَأَمَّا إذَا قَالَ غَلِطْت أَوْ نَسِيت أَوْ أَخْطَأْت أَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتُهْمَةٍ أَوْ لِمُخَالَفَةٍ بَيْنَ الشَّهَادَةِ، وَالدَّعْوَى أَوْ بَيْنَ شَهَادَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ الْكَاذِبُ مِنْهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوْ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَقَدْ يَكْذِبُ الْمُدَّعِي لِيُنْسَبَ الشَّاهِدَ إلَى الْكَذِبِ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّفْيِ، وَالْبَيِّنَةُ حُجَّةُ الْإِثْبَاتِ وَلَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَالتَّعْزِيرِ وَكَذَا إذَا شَهِدُوا بِقَتْلِ شَخْصٍ أَوْ مَوْتِهِ ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ حَيًّا لِتَيَقُّنِنَا بِكَذِبِهِمْ، وَالرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فِي شَاهِدِ الزُّورِ سَوَاءٌ وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا تَابَ قَالُوا: إنْ كَانَ فَاسِقًا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ فِسْقُهُ، فَإِذَا تَابَ وَظَهَرَ صَلَاحُهُ تُقْبَلُ لِزَوَالِ الْفِسْقِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ التَّوْبَةِ فَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ بِسَنَةٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ لَا تُعْتَمَدُ وَرَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ شَهَادَتَهُ تُقْبَلُ وَبِهِ يُفْتِي فَتَخَلَّصَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُرَدُّ بِسَبَبِ التُّهْمَةِ وَسَبَبُهَا أَنْوَاعٌ إمَّا مَعْنًى فِي الشَّاهِدِ وَهُوَ الْفِسْقُ، وَالْعَمَى وَإِمَّا مَعْنًى فِي الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُوَ وَصْلَةٌ خَاصَّةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ كَقَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَالزَّوْجِيَّةِ، وَإِمَّا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ فِي حَقِّ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عَجْزَهُ عَنْ الْإِتْيَانِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ دَلِيلَ كَذِبِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)
اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2] وقَوْله تَعَالَى {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَالْحَاءِ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَشُرَيْحٌ رضي الله عنه) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى تَقْلِيدَ التَّابِعِيِّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ هُمْ رِجَالٌ وَنَحْنُ رِجَالٌ نَجْتَهِدُ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ هُنَا اهـ (قَوْلُهُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ سِيَاسَةً) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَأَمَّا الْجَوَابُ بِأَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ ضَرْبِ عُمَرَ وَالتَّسْخِيمِ كَانَ سِيَاسَةً، فَإِذَا رَأَى الْحَاكِمُ ذَلِكَ مَصْلَحَةً كَانَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَقَدْ يُرَدُّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كِتَابَةِ عُمَرَ بِهِ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْبِلَادِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال عَلَى السِّيَاسَةِ بِالتَّبْلِيغِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ إلَى الْحُدُودِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُجِيزُهُ وَقَدْ أَجَازَ عَالِمُ الْمَذْهَبِ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله أَنْ يَبْلُغَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ وَتِسْعٌ وَسَبْعُونَ فَجَازَ كَوْنُ رَأْيِ عُمَرَ رضي الله عنه كَذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ التَّسْخِيمِ مِثْلَهُ مَنْسُوخَةٌ فَقَدْ يَكُونُ رَأْيُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ الْمُثْلَةَ لَيْسَتْ إلَّا فِي قَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُفْعَلُ فِي الْبَدَنِ وَيَدُومُ لَا بِاعْتِبَارِ عَرَضٍ يُغْسَلُ فَيَزُولُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنْ يَرْجِعَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى مَا كَانَ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ شَهِدْت فِي هَذِهِ بِالزُّورِ وَلَا أَرْجِعُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا تَصْرِيحٌ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَشَاهِدُ الزُّورِ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ بِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِمُخَالَفَتِهِ الدَّعْوَى أَوْ الشَّاهِدَ الْآخَرَ أَوْ تَكْذِيبِ الْمُدَّعَى لَهُ إذْ قَدْ يَكُونُ مُحِقًّا فِي الْمُخَالَفَةِ أَوْ لِلْمُدَّعِي غَرَضٌ فِي أَذَاهُ وَزَادَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَوْتِ وَاحِدٍ فَيَجِيءَ حَيًّا اهـ
[كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]
(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ) لَمَّا كَانَ هَذَا أَبْحَاثَ رَفْعِ الشَّهَادَةِ وَمَا تَقَدَّمَ أَبْحَاثَ إثْبَاتِهَا فَكَانَا مُتَوَازِيَيْنِ فَتُرْجِمَ هَذَا بِالْكِتَابِ كَمَا تُرْجِمَ ذَلِكَ لِلْمُوَازَاةِ بَيْنَهُمَا وَإِلَّا فَلَيْسَ لِهَذَا أَبْوَابٌ لِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِ مَسَائِلِهِ لِيَكُونَ كِتَابًا كَمَا لِذَاكَ وَلِتَحَقُّقِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ إذْ لَا رَفْعَ إلَّا بَعْدَ الْوُجُودِ نَاسَبَ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ بَعْدَهُ كَمَا أَنَّ وُجُودَهُ
- عليه الصلاة والسلام «كَاتِمُ الشَّهَادَةِ كَشَاهِدِ الزُّورِ» وَشَهَادَةُ الزُّورِ مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الشَّاهِدُ بِالزُّورِ لَا يَرْفَعُ قَدَمَيْهِ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتَّى تَلْعَنَهُ مَلَائِكَةُ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضِ» فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ الِاجْتِنَابُ عَنْهَا، وَإِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ، وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا لَا تَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْهَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْ النَّاسِ وَخَوْفُ الْأَئِمَّةِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ الْخَالِقِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْمَخْلُوقِ وَفِيهِ تَدَارُكُ مَا أَتْلَفَهُ بِالزُّورِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي ثُمَّ رُكْنُ الرُّجُوعِ أَنْ يَقُولَ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْت وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ التَّعْزِيرُ، وَالضَّمَانُ وَقَبْلَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي)؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ لِلشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ مِنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ أَيِّ حَاكِمٍ كَانَ كَالْفَسْخِ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ مِنْ قِيَامِ الْمَبِيعِ وَرِضَا الْمُتَبَايِعَيْنِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ تَوْبَةٌ عَمَّا اُرْتُكِبَ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ، وَالتَّوْبَةِ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى مَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «السِّرُّ بِالسِّرِّ، وَالْعَلَانِيَةُ بِالْعَلَانِيَةِ» .
فَإِذَا كَانَتْ الْجَرِيمَةُ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهَا كَذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ الرُّجُوعُ عِنْدَ غَيْرِهِ غَيْرَ صَحِيحٍ فَلَوْ أَقَامَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بَيِّنَةً بِأَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ طَلَبَ يَمِينَهُمَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يَحْلِفَانِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُمَا، وَإِنْ أَقَرَّا بِرُجُوعٍ بَاطِلٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا بِهِ يُجْعَلُ رُجُوعًا مِنْهُمَا فِي الْحَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمَا رَجَعَا عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي كَانَ قَضَى بِالْحَقِّ حَيْثُ تُقْبَلُ هُنَاكَ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا صَحِيحًا قَالَ رحمه الله:(فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ حُكْمِهِ لَمْ يَقْضِ بِهَا)؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَنَاقِضٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بَعْدَهُ وَخُصُوصَ مُنَاسَبَتِهِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَهُوَ أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِتَقَدُّمِهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله قَالَ الْكَاكِيُّ عَقِبَ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ؛ إذْ الرُّجُوعُ يَقْتَضِي سَبْقَ الشَّهَادَةِ وَلَهُ مُنَاسَبَةٌ خَاصَّةٌ بِشَهَادَةِ الزُّورِ إذْ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ ثُمَّ لِلرُّجُوعِ رُكْنٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّاهِدِ شَهِدْت بِزُورٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي أَيِّ قَاضٍ كَانَ فَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ) قَالُوا وَيُعَزَّرُ الشُّهُودُ سَوَاءٌ رَجَعُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَوْبَةٌ عَنْ تَعَمُّدِ الزُّورِ إنْ تَعَمَّدَ أَوْ التَّهَوُّرِ وَالْعَجَلَةِ إنْ كَانَ أَخْطَأَ فِيهِ وَلَا تَعْزِيرَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا عَلَى ذَنْبٍ ارْتَفَعَ بِهَا وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مُقَدَّرٌ. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَحُكْمُهُ إيجَابُ التَّعْزِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ رَجَعَ قَبْلَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ أَوْ بَعْدَ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ وَالضَّمَانِ مَعَ التَّعْزِيرِ إنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ وَكَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ مَالًا وَقَدْ أَزَالَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَبْلَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ) أَيْ بِالضَّرْبِ عِنْدَهُمَا وَبِالتَّشْهِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي شَاهِدِ الزُّورِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ إلَّا عِنْدَ الْقَاضِي) قَالَ الْكَمَالُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْقَاضِي الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرَهُ اهـ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ أَيَّ حَاكِمٍ كَانَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَزَادَ جَمَاعَةٌ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِرُجُوعِهِمَا وَيُضَمِّنَهُمَا الْمَالَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا وَأَرَادَ يَمِينَهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا لَا يَحْلِفَانِ وَكَذَا لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى هَذَا الرُّجُوعِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامُ الْيَمِينِ لَا يُقْبَلُ إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ ثُمَّ قَالَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ قَاضِي كَذَا وَضَمَّنَهُ الْمَالَ تُقْبَلُ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي تَقَيُّدِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ بِذَلِكَ وَنُقِلَ هَذَا عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَبْعَدَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ وَتَرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مُصَنِّفِي الْفَتَاوَى هَذَا الْقَيْدَ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَهُ تَعْوِيلًا عَلَى هَذَا الِاسْتِبْعَادِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ شَاهِدٌ بِالرُّجُوعِ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِهِ وَبِالْتِزَامِ الْمَالِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا تَصَادَقَا أَنَّ لُزُومَ الْمَالِ عَلَيْهِ كَانَ بِهَذَا الرُّجُوعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّوْبَةُ بِحَسَبِ الْجِنَايَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْجِنَايَةُ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ عَنْهَا وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ مُخْتَصًّا بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ أَيْضًا أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ «مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ مُعَاذٌ أَوْصِنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى مَا اسْتَطَعْت وَاذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ وَإِذَا عَمِلْت شَرًّا فَأَحْدِثْ تَوْبَةَ السِّرِّ بِالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ بِالْعَلَانِيَةِ» . اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِفَانِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا) وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامُ الْيَمِينِ لَا يُقْبَلُ إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ رَجَعَا قَبْلَ حُكْمِهِ لَمْ يَقْضِ بِهَا) حَيْثُ قَالُوا نَشْهَدُ بِكَذَا لَا نَشْهَدُ بِهِ اهـ فَتْحٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلًا يَقُولُ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الشُّهُودِ إنْ كَانَ حَالُهُمْ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلَ مِنْ حَالِهِمْ وَقْتَ الْأَدَاءِ فِي الْعَدَالَةِ صَحَّ رُجُوعُهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيُعَزَّرُونَ وَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَيُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ الرُّجُوعِ كَحَالِهِمْ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ دُونَهُ يُعَزَّرُونَ وَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشَّاهِدِ وَهَذَا قَوْلُ أُسْتَاذِهِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يُنْقَضُ الْقَضَاءُ وَلَا يُرَدُّ الْمَالُ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا اهـ.
وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ وَرَجَعَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ يَصِحُّ وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ لَكِنْ إذَا قَضَى عَلَيْهِ هَذَا الْقَاضِي بِالضَّمَانِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ إذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ
فَالْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِأَحَدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْحَقُّ إلَّا بِالْقَضَاءِ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا وَلَا عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ حَقِّهِ لَا يُضَافُ إلَى رُجُوعِهِمَا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْعَدَمِ عَلَى مَا كَانَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ: لَوْلَا رُجُوعُهُمَا لَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا وَلَثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ لَكِنْ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا لَوْ أَبَيَا أَنْ يَشْهَدَا ابْتِدَاءً وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمَا عِنْدَهُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمَا صَادِقَانِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ لِجَوَازِ أَنْ يُجَرَّحَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ عَلَى دَعْوَاهُ فَلَعَلَّهُ يَشْهَدُ لَهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الْعُدُولِ فَيَثْبُتُ حَقُّهُ وَلَا يُتْوَى وَلَئِنْ تَوَى فَهُوَ مُضَافٌ إلَى عَجْزِهِ لَا إلَيْهِمَا
قَالَ رحمه الله (وَبَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ) أَيْ إذَا رَجَعُوا بَعْدَمَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمْ لَمْ يُفْسَخْ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا مُتَنَاقِضٌ فَكَمَا لَا يُحْكَمُ بِالْمُتَنَاقِضِ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالْمُتَنَاقِضِ؛ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصِّدْقِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ شَهِدَ أَنَّ عَمْرًا قَتَلَهُ بَكْرٌ بِالْكُوفَةِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِمِصْرَ، فَإِنَّهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ يَرُدَّانِ وَبَعْدَهُ لَا يُنْقَضُ لِتَرَجُّحِهِ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ نُقِضَ أَدَّى إلَى النَّقْضِ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى بِرُجُوعِهِ عَنْ الرُّجُوعِ ثُمَّ بِرُجُوعِهِ عَنْ هَذَا الرُّجُوعِ الْأَخِيرِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَا مَا أَتْلَفَاهُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا)؛ لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي يُوجِبُ الضَّمَانَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ قُلْنَا لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانُ عَلَى الْقَاضِي عِنْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ، وَإِنْ كَانَ مُبَاشِرًا؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ مِنْ جِهَتِهِمَا، فَإِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمَا حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ بِإِثْمٍ وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ وَيُعَزَّرُ.
وَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى فَتَعَيَّنَ صَاحِبُ السَّبَبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ عَلَى الطَّرِيقِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى شُهُودِ الْقِصَاصِ إذَا رَجَعُوا بَعْدَمَا قَتَلَهُ الْوَلِيُّ وَهُوَ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَأَمْرُ الدَّمِ أَعْظَمُ ثُمَّ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ الْمَالَ وَهُوَ يُثْبِتُ مَعَ الشُّبْهَةِ وَيَقُولُ إنَّ الْقَاضِيَ مَلْجَأٌ وَلَا يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمَالِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ أَنْتُمْ أَيْضًا تَنَاقَضَ قَوْلُكُمْ، فَإِنَّكُمْ أَوْجَبْتُمْ عَلَى الشَّاهِدِ الْمَالَ إذَا رَجَعَ وَلَمْ تُوجِبُوا عَلَيْهِ الْقِصَاصَ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَزَاءُ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْقِصَاصُ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِنِهَايَةِ الْجِنَايَةِ، وَالتَّسْبِيبُ فِيهِ قُصُورٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِالضَّمَانِ وَنَقَلَهُ عَنْ شَرْحِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ ثُمَّ قَالَ وَكَانَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الدِّينِ الْبَدِيعُ يَسْتَبْعِدُ تَوَقُّفَ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالرُّجُوعِ أَوْ بِالضَّمَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ) وَلِأَنَّهُ أَيْ كَلَامَهُ الَّذِي نَاقَضَ بِهِ وَهُوَ الْمُتَأَخِّرُ فِي احْتِمَالِهِ الصِّدْقَ كَالْأَوَّلِ فَلَيْسَ الْقَضَاءُ بِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَوُقِفَ كُلٌّ مِنْهُمَا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُتْلِفَا شَيْئًا عَلَى أَحَدٍ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهَا صَارَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا سَوَاءٌ فَسَقَطَتْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَبَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بِالرُّجُوعِ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ وَالْقَضَاءُ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ لَا يَجُوزُ فَلَا يَفْسَخُ الْقَاضِي حُكْمَهُ بِالرُّجُوعِ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَمَا لَيْسَ بِشَهَادَةٍ لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحُكْمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَضَمِنَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لَهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْإِتْلَافِ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ وَلَا عِبْرَةَ بِالسَّبَبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ فَسَقَطَ حُكْمُ السَّبَبِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ وَلَنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَمَّا رَجَعُوا عُلِمَ أَنَّ الْمَالَ وَصَلَ إلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَتُهُمْ كَانَتْ بَاطِلَةً وَتَسْلِيمُ مَالِ الْغَيْرِ إلَى الْغَيْرِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَالضَّمَانُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَلَا عَلَى الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ فَلِأَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ، وَأَمَّا عَلَى الْقَاضِي فَلِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ عَلَى الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ يَكْفُرُ وَلَوْ رَأَى ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا أَخَّرَ الْقَضَاءَ يَفْسُقُ وَإِذَا كَانَ كَالْمُلْجَأِ كَانَ مَعْذُورًا فِي قَضَائِهِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ وَعَلَى الْقَاضِي فَتَعَيَّنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا سَبَبًا لِإِزَالَةِ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَمَا لَوْ شَهِدُوا بِالْعِتْقِ ثُمَّ رَجَعُوا اهـ مَعَ حَذْفٍ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ التَّسْبِيبَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِأَنَّهُمَا تَعَدَّيَا وَوَضَعَا الشَّهَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَصَارَ ذَلِكَ سَبَبًا إلَى تَلَفِ الْمَالِ وَالْإِتْلَافُ بِسَبَبٍ إذَا كَانَ بِسَبِيلِ التَّعَدِّي يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا فِي حَافِرِ الْبِئْرِ وَوَاضِعِ الْحَجَرِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ كَلَامَ الشُّهُودِ مُتَنَاقِضٌ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ صِحَّةَ الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّهَمٍ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَسْتَرِدُّ الْمَالَ مِنْ الْمَحْكُومِ لَهُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الشَّاهِدِ صَحَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِلتَّسْبِيبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ) قُلْنَا الْمُبَاشِرُ الْقَاضِي وَالْمُدَّعِي وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُلْجَأِ إلَى مُبَاشَرَةِ الْقَضَاءِ الَّذِي بِهِ الْإِتْلَافُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِافْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، وَإِذَا أَلْجَأَهُ الشَّرْعُ لَا يُضَمِّنُهُ، وَأَمَّا الْمُدَّعِي فَلِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِحَقٍّ ظَاهِرٍ مَاضٍ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الرُّجُوعِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ لِيُنْقَضَ الْحُكْمُ وَإِذَا لَمْ يُنْقَضْ لَا يُمْكِنُ جَبْرُهُ عَلَى إعْطَاءِ مَا أَخَذَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمَاضِي شَرْعًا وَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِيجَابُ عَلَى الْمُبَاشِرِ تَعَيَّنَ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِالتَّسْبِيبِ اهـ فَتْحٌ
وَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الْمُبَاشِرِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْمُبَاشِرِ فَكَانَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ دُونَ ضَمَانِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ، وَالْمَالَ يَجِبُ، وَالْخَطَأُ أَقْوَى مِنْ التَّسْبِيبِ لِوُجُودِ الْمُبَاشَرَةِ فِيهِ وَلِهَذَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ بِخِلَافِ التَّسْبِيبِ فَأَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهِ الْقِصَاصُ وَقَوْلُهُ إذَا قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا وَهَذَا اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَتَحَقَّقُ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي مَالَهُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَيْنِ، وَالدَّيْنِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مُقَيَّدٌ بِالْمُمَاثَلَةِ فَفِي الْعَيْنِ زَوَالُ مِلْكِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ عَنْهَا بِالْقَضَاءِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَلَوْ رَجَعَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ لَمْ تَتَحَقَّقْ الْمُمَاثَلَةُ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ أَخْذِ الْعَيْنِ وَإِيجَابِ الدَّيْنِ وَفِي الْعَيْنِ تَتَحَقَّقُ وَكَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ يَضْمَنُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُمْ؛ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِيهِ وَهَذَا الْإِتْلَافُ يَتَحَقَّقُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ بِالْكَلَامِ فَصَارَ كَالْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْعَقَارَ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُودِعُ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمُودِعِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ فِيهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ حَلَّلَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا الْمَالَ الْمَشْهُودَ بِهِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَصِيرُ مَالًا فِي الْعَاقِبَةِ بِالْقَبْضِ فَيَتَحَقَّقُ الْإِتْلَافُ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَا بِالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ رَجَعَا حَيْثُ لَا يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَيْرُ الْآدَمِيِّ
قَالَ رحمه الله: (فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا ضَمِنَ النِّصْفَ، وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ) وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي بَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ الضَّمَانُ مَعَ بَقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِكُلِّ الْحَقِّ بِأَنْ بَقِيَ النِّصَابُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَقِيَ مَنْ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ فَيَجِبُ ضَمَانُ النِّصْفِ وَلَا يُقَالُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَبْقَى بِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْحُكْمُ بِبَعْضِ الْعِلَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ ابْتِدَاءً كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى بِبَقَاءِ بَعْضِ النِّصَابِ، وَإِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ) أَيْ خُوَاهَرْ زَادَهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ الضَّمَانُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَجْهُ قَوْلِ السَّرَخْسِيِّ فِي شَرْطِ الْقَبْضِ لِضَمَانِ الْعَيْنِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْمِلْكِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ فِي زَعْمِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بَاطِلٌ وَالْمَرْءُ مُؤَاخَذٌ بِزَعْمِهِ فَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ مَا لَمْ يَخْرُجْ الْمِلْكُ عَنْ يَدِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمَشْهُودُ لَهُ) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ مِنْ الشَّامِلِ فَقَالَ شَهِدَا بِعَيْنٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ قَبَضَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمَا أَزَالَا مِلْكَ الْآخَرِ عَنْ الْعَيْنِ الْمَقْضِيِّ بِهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ دَيْنًا ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ قَبْلَ قَبْضِ الدَّيْنِ لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا وَمَا حَالَا وَلِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا دَيْنًا وَلَا يُوجِبُ ضَمَانَ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مُقَيَّدٌ بِالْمِثْلِ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ لَا جُرْمَ لَوْ قَبَضَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَصَارَ عَيْنًا يَضْمَنُ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(فُرُوعٌ) شَهِدَا أَنَّهُ أَجَّلَهُ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَاهُ حَالًّا ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَلَى الْمَطْلُوبِ بَعْدَ السَّنَةِ وَلَوْ تَوَى مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ لَوْ يَرْجِعَا عَلَى الطَّالِبِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ شَهِدَا عَلَى هِبَةِ عَبْدٍ وَتَسْلِيمٍ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ لِلْمَالِكِ وَلَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَالْعِوَضِ، وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْ الْوَاهِبُ الشَّاهِدَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ شَهِدَا أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ وَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا يُخَيِّرُ الْبَائِعَ بَيْنَ رُجُوعِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي إلَى سَنَةٍ وَبَيْنَ تَضْمِينِ الشَّاهِدَيْنِ قِيمَتَهُ حَالَّةً وَلَا يُضَمِّنُهُمَا الْخَمْسَمِائَةِ، فَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ رَجَعَا عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْبَائِعِ بِالضَّمَانِ وَطَابَ لَهُمَا قَدْرُ مِائَةٍ وَتَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ. اهـ. كَمَالٌ مَعَ حَذْفِ فُرُوعٍ مِنْهُ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّمَانَ) أَيْ ضَمَانَ الْإِتْلَافِ وَضَمَانُ الْإِتْلَافِ إلَخْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجَازَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ ذَلِكَ وَفِي الدَّيْنِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ) وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ يُوَافِقُ فِي وَجْهِ الدَّيْنِ وَيَقُولُ فِي الْعَيْنِ: إنَّ الْمِلْكَ، وَإِنْ ثَبَتَ فِيهِ لِلْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ الْقَضَاءِ لَكِنْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكُهُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الشَّاهِدَ شَيْئًا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ قَالَ الْبَزَّازِيُّ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى الضَّمَانُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ قَبَضَ الْمُدَّعِي الْمَالَ أَوْ لَا. اهـ. كَمَالٌ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ الشَّاهِدَانِ إذَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا رُجُوعًا مُعْتَبَرًا يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ لَكِنْ ضَمِنَا الْمَالَ الَّذِي شَهِدَا بِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى سَوَاءٌ قَبَضَ الْمَقْضِيُّ لَهُ الْمَالَ الَّذِي قَضَى بِهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَذَا الْعَقَارُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْعِبْرَةُ لِمَنْ بَقِيَ لَا لِمَنْ رَجَعَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَالْأَصْلُ هُنَا مَا ذَكَرُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الرُّجُوعِ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ لَا لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ وَأَنَّ الشَّاهِدَ فِي رُجُوعِهِ يَضْمَنُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مَا أَثْبَتَ بِشَهَادَتِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَرُجُوعُهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا فِي إبْطَالِ مَا ثَبَتَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا الْعِبْرَةُ لِبَقَاءِ مَنْ بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْعِبْرَةُ لِرُجُوعِ مَنْ رَجَعَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ وَاجِبًا عَلَى الرَّاجِعِ مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ عِنْدَ وُجُودِ الْمُبْقِي كَمَا إذَا رَجَعَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ ضَمَانُ الْإِتْلَافِ بِلَا تَلَفٍ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْحَقُّ بَاقٍ لَمْ يَتْلَفْ مِنْهُ شَيْءٌ بِبَقَاءِ الشَّاهِدَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَالْحَوْلِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى النِّصَابِ يَبْقَى إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ: وَأَمَّا مَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الِاثْنَيْنِ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَيَقْتَضِي أَنْ يَضْمَنَ الْوَاحِدُ الرَّاجِعُ كُلَّ الْمَالِ فَهُوَ مُصَادِمٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى نَفْيِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَفْيِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ إنَّمَا هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا يَلْزَمُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ
لَمْ يَنْعَقِدْ بِهِ ابْتِدَاءً قَالَ رحمه الله (: فَإِنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَرَجَعَ وَاحِدٌ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ تَكْفِي لِثُبُوتِ الْحَقِّ فِي غَيْرِ الزِّنَا، وَالْكَلَامِ فِيهِ وَقَدْ بَقِيَتْ فَصَارَ الْحَقُّ مُسْتَحَقًّا بِهَا، وَالِاسْتِحْقَاقُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْحَقِّ كَمَنْ أَتْلَفَ مَالَ إنْسَانٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمُتْلِفُ بِبَيِّنَةٍ لَا يَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ شَيْئًا فَكَذَا هَذَا قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا النِّصْفَ)؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَيَبْقَى بِبَقَائِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الرَّاجِعُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ كَانَ مُضَافًا إلَى الْبَاقِيَيْنِ وَلِهَذَا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا بِرُجُوعِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّلَفُ مُضَافٌ إلَى الْمَجْمُوعِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ رُجُوعِ الْأَوَّلِ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ لِمَانِعٍ وَهُوَ بَقَاءُ الشَّاهِدَيْنِ فَلَمَّا رَجَعَ آخَرُ ظَهَرَ أَثَرُهُ إذْ لَمْ يَبْقَ إلَّا مَنْ يَقُومُ بِنِصْفِ الْحَقِّ فَيَغْرَمَانِ النِّصْفَ إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا كَمَا يَلْزَمُ جَمِيعَهُمْ الضَّمَانُ إذَا رَجَعُوا وَهُمْ ثَلَاثَةٌ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقُولَ لَا يَلْزَمُنِي الضَّمَانُ؛ لِأَنِّي لَوْ رَجَعْت وَحْدِي لَمَا وَجَبَ عَلَيَّ فَلَا يَجِبُ عَلَيَّ الضَّمَانُ بِرُجُوعِ غَيْرِي
قَالَ رحمه الله (، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَتْ امْرَأَةٌ ضَمِنَتْ الرُّبْعَ) لِبَقَاءِ ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِبَقَاءِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إذْ الرَّجُلُ وَحْدَهُ بِالنِّصْفِ قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ رَجَعَتَا ضَمِنَتَا النِّصْفَ)؛ لِأَنَّهُ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ بَقِيَ نِصْفُ الْحَقِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ فَرَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِمَا الرُّبْعُ أَثْلَاثًا، وَإِنْ رَجَعَ رَجُلَانِ فَعَلَيْهِمَا النِّصْفُ، وَإِنْ رَجَعَتْ امْرَأَتَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَعَشْرُ نِسْوَةٍ فَرَجَعَتْ ثَمَانٍ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ كُلُّ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ، وَالْمَرْأَتَانِ قَالَ رحمه الله:(فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ رُبْعَهُ)؛ لِأَنَّهُ بِبَقَاءِ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ بَقِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ النِّصْفُ بِالرَّجُلِ، وَالرُّبْعُ بِالْمَرْأَةِ قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ رَجَعُوا فَالْغُرْمُ بِالْأَسْدَاسِ) يَعْنِي سُدُسَهُ عَلَى الرَّجُلِ وَخَمْسَةُ أَسْدَاسِهِ عَلَى النِّسْوَةِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ.
فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهِنَّ مَا لَمْ يَشْهَدْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِ نِصْفَ الْحَقِّ وَبِشَهَادَتِهِنَّ النِّصْفَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ لِلْقِيَامِ بِنِصْفِ الْحُجَّةِ فَلَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ إلَّا بِوُجُودِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ هَذَا الْحُكْمُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ، فَإِذَا ثَبَتَ نِصْفُ الْحَقِّ بِشَهَادَتِهِ ضَمِنَ ذَلِكَ عِنْدَ الرُّجُوعِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهِنَّ فَعَلَيْهِنَّ ضَمَانُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالَ عليه الصلاة والسلام فِي نُقْصَانِ عَقْلِهِنَّ «عَدَلَتْ شَهَادَةُ كُلِّ اثْنَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ» فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِذَلِكَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ أَسْدَاسًا وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِكَثْرَتِهِنَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الرِّجَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي الْمِيرَاثِ تَقُومَانِ مَقَامَ ابْنٍ وَاحِدٍ وَعِنْدَ انْفِرَادِهِنَّ لَهُنَّ الثُّلُثَانِ فَلَا يَزْدَادُ نَصِيبُهُنَّ، وَإِنْ اخْتَلَطْنَ بِابْنٍ يَزِيدُ فَيُعْتَدُّ بِكَثْرَتِهِنَّ فَكَذَا هُنَا، وَإِنْ رَجَعَ النِّسْوَةُ الْعَشْرُ دُونَ الرَّجُلِ كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ وَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ لِبَقَاءِ مَنْ يَقُومُ بِالنِّصْفِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ إنْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَثَمَانِ نِسْوَةٍ فَعَلَى الرَّجُلِ نِصْفُ الْحَقِّ وَلَا شَيْءَ عَلَى النِّسْوَةِ؛ لِأَنَّهُنَّ، وَإِنْ كَثُرْنَ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ فَيَجْعَلُ الرَّاجِعَاتِ كَأَنَّهُنَّ لَمْ يَشْهَدْنَ وَهَذَا سَهْوٌ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّصْفُ أَخْمَاسًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا.
وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ كَانَ النِّصْفُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمَا وَجَبَ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا دُونَ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَيْسَتْ بِشَاهِدَةٍ بَلْ هِيَ بَعْضُ الشَّاهِدِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مَا يَلْزَمُ فِي الِابْتِدَاءِ وَحِينَئِذٍ فَبَعْدَمَا ثَبَتَ شَيْءٌ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ نُسِبَ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي حَالِ الْبَقَاءِ ثُبُوتُ حِصَّةٍ مِنْهُ بِشَهَادَتِهِ فَتَبْقَى هَذِهِ الْحِصَّةُ مَا بَقِيَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَيَكُونُ مُتْلِفًا لَهَا بِرُجُوعِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِمَا الرُّبْعُ أَثْلَاثًا) ثُلُثَا الرُّبْعِ وَهُوَ سُدُسٌ عَلَى الرَّجُلِ وَثُلُثُ الرُّبْعِ وَهُوَ نِصْفُ سُدُسٍ عَلَى الْمَرْأَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ رَجَعَتْ أُخْرَى ضَمِنَ) أَيْ النِّسْوَةُ التِّسْعُ الرَّاجِعَاتُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ رَجَعُوا) أَيْ الرَّجُلُ وَالنِّسْوَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُنَّ إلَّا بِانْضِمَامِ رَجُلٍ) فَصَارَتْ شَهَادَةُ عَشْرِ نِسْوَةٍ كَشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَتَصِيرُ شَهَادَةُ عَشْرِ نِسْوَةٍ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ خَمْسَةِ رِجَالٍ فَصَارَ كَأَنَّ الشُّهُودَ كَانُوا سِتَّةَ رِجَالٍ فَرَجَعُوا جَمِيعًا فَوَجَبَ الضَّمَانُ أَسْدَاسًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: كَانَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الْحَقِّ بِالِاتِّفَاقِ) عَلَى اخْتِلَافِ التَّخْرِيجِ فَعِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِشَهَادَتِهِنَّ نِصْفُ الْمَالِ وَعِنْدَهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِهِ نِصْفُ الْحَقِّ وَهُوَ الرَّجُلُ) كَمَا لَوْ شَهِدَ سِتَّةُ رِجَالٍ ثُمَّ رَجَعَ خَمْسَةٌ ثُمَّ لَيْسَتْ إحْدَاهُنَّ أَوْلَى بِضَمَانِ النِّصْفِ مِنْ الْأُخْرَيَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَكَذَا فِي الِاخْتِيَارِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَ آخِرَ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قَوْلِهِ، وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا إلَخْ فَلَا سَهْوَ إذْ كَذَا أَفَادَ شَيْخُنَا الْبُرْهَانُ الطَّرَابُلُسِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ:، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَةٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ عَلَى الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بِشَهَادَتِهَا؛ لِأَنَّهَا نِصْفُ شَاهِدٍ فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى بَعْضِ الْعِلَّةِ اهـ
فَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ، وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعُوا فَعِنْدَهُمَا عَلَى الرَّجُلِ النِّصْفُ وَعَلَى النِّسْوَةِ النِّصْفُ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ الْخُمُسَانِ وَعَلَيْهِنَّ ثَلَاثَةُ الْأَخْمَاسِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَلَوْ رَجَعَ الرَّجُلُ وَامْرَأَةٌ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ كُلُّهُ عِنْدَهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَعِنْدَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الرَّاجِعَةِ أَثْلَاثًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) سَوَاءٌ كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ أَوْ هُوَ وَمُرَادُهُ هَذَا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَتْلَفَا عَلَيْهِ شَيْئًا بِعِوَضٍ يُقَابِلُهُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافٍ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي حَقِّهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا الْبُضْعَ بِعِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَأَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمَالَ الْمُتَقَوِّمَ بِمُقَابَلَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَا لَهُ مُطْلَقًا قُلْنَا الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ دُخُولِهِ فِي الْمِلْكِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ زَادَا عَلَيْهِ ضَمِنَاهَا) أَيْ إنْ زَادَا عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ضَمِنَا الزِّيَادَةَ هَذَا إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ لِلنِّكَاحِ وَهُوَ يُنْكِرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الزَّوْجِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ وَلَمْ يُذْكَرْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُمَا لَا يَضْمَنَانِ لَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْمُتَقَوِّمِ إذْ التَّضْمِينُ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ وَيَتَقَوَّمُ بِالتَّمَلُّكِ ضَرُورَةَ إبَانَةِ خَطَرِ الْمَحَلِّ.
فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالًا كَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ لَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ مَالًا، فَإِنْ كَانَ الْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ يُعَادِلُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا يَعْدِلُهُ لَا يَضْمَنُ بِقَدْرِ الْعِوَضِ وَيَضْمَنُ الزِّيَادَةَ لِخُلُوِّهَا عَنْ الْعِوَضِ وَتَخْرُجُ الْمَسَائِلُ عَلَى هَذَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا بِقَبْضِ مَهْرِهَا أَوْ بَعْضِهِ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا مَالًا وَهُوَ الْمَهْرُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا دُونَ الْبُضْعِ، وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا خَمْسُمِائَةٍ وَأَنَّهَا قَبَضَتْ الْأَلْفَ وَهِيَ تُنْكِرُ فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا فِيهِ إذْ لَمْ يَقْضِ بِوُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنِّكَاحِ مَعَ قَبْضِ الْمَهْرِ قَضَاءٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِهَا عَنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا قَضَاءٌ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِهِ فَلَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ بِالْقَبْضِ إتْلَافًا لِلْمُسَمَّى لِعَدَمِ وُجُوبِهِ أَصْلًا بَلْ وَقَعَتْ إتْلَافًا لِلْبُضْعِ فَيَضْمَنَانِ قِيمَتَهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّحْرِيرِ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مِنْ الْمَذْهَبِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَوْجَبَ عَلَى الشُّهُودِ قِيمَةَ الْبُضْعِ مَعَ عَدَمِ وُجُوبِهِ بِالْقَضَاءِ.
وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُوَ أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ عِنْدَ الْإِتْلَافِ، وَإِنَّمَا يَتَقَوَّمُ عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ تَمَلُّكِهِ إيَّاهُ، وَلَوْ شَهِدَا بِالنِّكَاحِ عَلَى أَلْفٍ وَلَمْ يَشْهَدَا بِالْقَبْضِ حَتَّى قَضَى بِهِ ثُمَّ شَهِدَا بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ أَلْفًا؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا شَهِدَا بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ قَدْ تَقَرَّرَ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ بِالنِّكَاحِ ثُمَّ بِشَهَادَتِهِمَا أَتْلَفَا عَلَيْهَا ذَلِكَ فَيَضْمَنَانِ جَمِيعَهُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مِائَةٍ، وَقَالَتْ: تَزَوَّجَنِي عَلَى أَلْفٍ وَذَلِكَ مَهْرُ مِثْلِهَا فَأَقَامَ الزَّوْجُ شَاهِدَيْنِ بِمَا ادَّعَى وَقَضَى لَهُ بِذَلِكَ وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لَهَا تِسْعَمِائَةٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَضْمَنَا شَيْئًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي الْمَهْرِ فَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَقَضَى لَهَا عَلَيْهِ بِأَلْفٍ فَأَتْلَفَا عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ تِسْعَمِائَةٍ فَيَضْمَنَانِهِ وَعِنْدَهُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَلَمْ يُتْلِفَا عَلَيْهَا شَيْئًا وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ) أَيْ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ اهـ
(قَوْلُهُ: وَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ شَهِدَ رَجُلٌ وَثَلَاثُ نِسْوَةٍ ثُمَّ رَجَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ ضَمِنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ نِصْفَ الْمَالِ أَثْلَاثًا فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الرَّجُلُ نِصْفَ الْمَالِ وَلَا تَضْمَنُ الْمَرْأَةُ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الثَّابِتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ نِصْفُ الْحَقِّ وَبَقِيَ بِشَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ نِصْفُ الْحَقِّ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَقُّ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الشُّيُوعِ ثُمَّ تُقَامُ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ فَثَلَاثُ نِسْوَةٍ يَقُمْنَ مَقَامَ رَجُلٍ وَنِصْفٍ، فَإِنْ رَجَعُوا جَمِيعًا فَعِنْدَهُمَا أَنْصَافًا وَعِنْدَهُ أَخْمَاسًا عَلَى النِّسْوَةِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الشَّامِلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا بِنِكَاحٍ بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلِهَا وَرَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَسْتَدْعِي الْمُمَاثَلَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ الْعَرْضُ أَعْنِي مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ كَمَا فِي إتْلَافِ سَائِرِ الْمَنَافِعِ الْمَغْصُوبَةِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ مِلْكِ الْمَرْأَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ امْرَأَةً مَرِيضَةً لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَمْ يَجِبْ لَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِلْبُضْعِ قِيمَةٌ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ إبَانَةً لِخَطَرِ الْمَحَلِّ اهـ كَلَامُ الْأَتْقَانِيِّ رحمه الله (قَوْلُهُ: قُلْنَا: الْبُضْعُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ دُخُولِهِ إلَخْ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمَنَافِعُ الْبُضْعِ تُعْتَبَرُ مَالًا عِنْدَ الدُّخُولِ فَصَلُحَتْ عِوَضًا وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ، وَالْأَبُ لَا يَمْلِكُ إزَالَةَ مَالِ الصَّغِيرِ إلَّا بِعِوَضٍ وَلَا يَمْلِكُ الْأَبُ خُلْعَ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِمَالِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى مِثْلَ مَهْرِ الْمِثْلِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ زَادَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زَادَ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْعَيْنِيِّ اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى الزَّوْجِ قَدْرَ الزِّيَادَةِ بِلَا عِوَضٍ) حَيْثُ لَمْ يُدْخِلَا بِإِزَائِهَا شَيْئًا اهـ
إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكَرٍ مَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ أَتْلَفَا مَنْفَعَةً بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَكْرَى دَابَّتَهُ بِمِائَةٍ وَأَجَّرَ مِثْلَهَا مِائَتَانِ فَرَكِبَهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ، وَالْمُنْكِرُ صَاحِبَ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ مُجَرَّدَ الْمَنْفَعَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ وَلَا شُبْهَةِ عَقْدٍ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لِمَا عُرِفَ.
وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي صَاحِبَ الدَّابَّةِ، وَالْآخَرُ يُنْكِرُ ضَمِنَا لَهُ مَا زَادَ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِلَا عِوَضٍ وَقُدِّرَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِعِوَضٍ فَلَمْ يَضْمَنَاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَضْمَنَا فِي الْبَيْعِ إلَّا مَا نَقَصَ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا عَلَى الْبَائِعِ بِأَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا لَهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الْمَبِيعَ بِعِوَضٍ يَعْدِلُهُ أَوْ يَفُوقُهُ، وَالْإِتْلَافُ بِعِوَضٍ كَلَا إتْلَافَ، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ ضَمِنَا النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِلَا عِوَضٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ أَوْ كَانَ بَاتًّا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْبَيْعُ السَّابِقُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِمَا، فَإِنْ قِيلَ: الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ وَقَدْ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ رَضِيَ بِالْبَيْعِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا لَهُ شَيْئًا قُلْنَا: السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِزَوَالِ الْمِلْكِ هُوَ الْبَيْعُ الْمَشْهُودُ بِهِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ حُكْمُهُ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِزَوَائِدِهِ عِنْدَ النَّفَاذِ فَكَانَ الْإِتْلَافُ حَاصِلًا بِشَهَادَتِهِمَا فَيَضْمَنَانِ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ مُنْكِرًا لِلْبَيْعِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِحُكْمِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُقِرِّ بِالْبَيْعِ فَيَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ عِنْدَ النَّاسِ فَيَكُونُ كَاذِبًا عِنْدَهُمْ فَيَتَوَقَّاهُ حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى إذَا أَجَازَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَلَا يُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الْمُسَبِّبِ مَعَ وُجُودِ الْمُبَاشِرِ هَذَا إذَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَشْهَدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَهِدَا بِنَقْدِ الثَّمَنِ مَعَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِالْبَيْعِ يُنْظَرُ، فَإِنْ شَهِدَا بِالْبَيْعِ بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَبْضِ الثَّمَنِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ ضَمِنَا الثَّمَنَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي بِالْقَضَاءِ ثُمَّ أَتْلَفَاهُ عَلَيْهِ بِشَهَادَتِهِمَا بِالْقَبْضِ فَيَضْمَنَانِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ يَضْمَنَانِ الزِّيَادَةَ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرَ بِشَهَادَتِهِمَا الْأُولَى، وَإِنْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِيمَةُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْبَيْعِ لَا بِوُجُوبِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالثَّمَنِ يُقَارِنُهُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْقَبْضِ، وَالْقَضَاءُ بِالشَّيْءِ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مَا يُوجِبُ بُطْلَانَهُ لَا يُقْضَى بِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْبَيْعِ، وَالْإِقَالَةِ دُفْعَةً وَاحِدَةً أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَشْتَغِلُ بِالْقَضَاءِ بِالْبَيْعِ لِاقْتِرَانِ مَا يُوجِبُ انْفِسَاخَهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ بِالْإِقَالَةِ فَكَذَا هُنَا، وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالشِّرَاءِ فَقَضَى بِهِ ثُمَّ رَجَعَا.
فَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَضْمَنَا لِلْمُشْتَرِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ بِعِوَضٍ لَا يَكُونُ إتْلَافًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ضَمِنَا مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ الزَّائِدَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَضْمَنَانِهِ لَهُ وَكَذَا إذَا شَهِدَا عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وَجَازَ الْبَيْعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ جَازَ بِإِجَازَتِهِ لَا يَضْمَنَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي حَقِّ الْبَائِعِ
قَالَ رحمه الله (وَفِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ ضَمِنَا نِصْفَ الْمَهْرِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُمَا أَكَّدَا عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ ارْتِدَادِهَا وَتَقْبِيلِ ابْنِ زَوْجِهَا ثَابِتٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُوجَدَ ذَلِكَ مِنْهَا فَيَسْقُطُ الْمَهْرُ بِهِ وَلِلتَّأْكِيدِ حُكْمُ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا أَوْجَبَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُحْرِمَ إذَا أَخَذَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ آخَرُ فِي يَدِهِ يَلْزَمُ الْآخِذَ الْجَزَاءُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْقَاتِلِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّرَ عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ بِالتَّسْبِيبِ وَلِلتَّقْرِيرِ حُكْمُ الْإِيجَابِ وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ فَلَا تُوجِبُ شَيْئًا إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِهَتِهِ وَهُمَا بِإِضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهِ أَلْزَمَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَيَضْمَنَانِ لَهُ ذَلِكَ وَيُنْتَقَضُ هَذَا بِمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي التَّحْرِيرِ إحْدَاهُمَا امْرَأَةٌ لَهَا عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مُؤَجَّلٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ حَالٌّ فَأَخَذَتْهُ مِنْهُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ وَسُبِيَتْ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ عَنْ شَهَادَتِهِمْ لَا يَضْمَنُونَ وَهَذَا الدَّيْنُ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى حَالِهِ لَسَقَطَ بِارْتِدَادِهَا، وَالثَّانِيَةُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ امْرَأَةً قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُسْتَنْكَرُ عُرْفًا هُوَ الْأَصَحُّ اهـ
بِهَا زَوْجُهَا حَتَّى لَزِمَهُ جَمِيعُ الْمَهْرِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَإِنْ وُجِدَ التَّأْكِيدُ مِنْهُ إذْ لَوْلَا قَتْلُهُ لَكَانَ احْتِمَالُ السُّقُوطِ ثَابِتًا وَلَكِنْ نَقُولُ الْقَتْلُ مِنْهُ لِلنِّكَاحِ، وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ، وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ ثَابِتٌ فِي الْحَالِّ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ الْمُطَالَبَةُ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ يَحِلُّ وَلَمْ يُؤَكِّدَا بِشَهَادَتِهِمَا شَيْئًا إذْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ مُحَالٌ أَوْ نَقُولُ لَا نُسَلِّمُ بِأَنَّ دَيْنَهَا يَسْقُطُ بَلْ يَكُونُ لِوَرَثَتِهَا وَتَقْضِي بِهِ دُيُونَهَا فَلَا يَسْقُطُ فَبَطَلَ السُّؤَالُ مِنْ الْأَصْلِ، وَالِابْنُ إذَا أَكْرَهَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَزَنَى بِهَا يَلْزَمُ أَبَاهُ نِصْفُ الْمَهْرِ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ بِإِكْرَاهِهِ إيَّاهَا أَلْزَمَ أَبَاهُ نِصْفَ الْمَهْرِ فَصَارَ نَظِيرَ الشُّهُودِ.
وَلَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ غَرِمُوا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَلَمْ تَرِثْ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالْقَضَاءِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَلَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَقَعَتْ لَهُمْ وَضَمِنَا لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ كَانَ مُؤَكَّدًا ظَاهِرًا بِالْمَوْتِ بِحَيْثُ لَا يَسْقُطُ بِمُسْقِطٍ وَكَذَا الْمِيرَاثُ كَانَ وَاجِبًا لَهَا بِمَوْتِهِ فَهُمَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ أَبْطَلَا عَلَيْهَا نِصْفًا مُؤَكَّدًا مِنْ الْمَهْرِ وَإِرْثًا ثَابِتًا بِالظَّاهِرِ فَيَضْمَنَانِ لَهَا ذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَأَكَّدَ بِالدُّخُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنَانِ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ وَكَذَا إذَا قَتَلَهَا قَاتِلٌ يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِلزَّوْجِ مَهْرَ الْمِثْلِ عِنْدَهُ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْرَمَ لِلزَّوْجِ نِصْفَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ مُتَقَوِّمٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ مُتَقَوِّمٌ حَالَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ أَنْ يَتَمَلَّكَ بِلَا عِوَضٍ فَكَذَا عِنْدَ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ عَيْنُ مَا دَخَلَ فِي مِلْكِهِ فَمِنْ ضَرُورَةِ تَقَوُّمِهِ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ التَّقَوُّمُ فِي الْحَالَةِ الْأُخْرَى كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ الزَّوْجِ ضَرُورِيٌّ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَقِّ اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ الْبُضْعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الْمُتْلِفُ بِالْوَطْءِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ كَانَ الْعُقْرُ لَهَا، وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ مُتَقَوِّمًا لَكَانَ لَهُ وَلَكَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ إنْسَانٍ كَمِلْكِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْبُضْعِ وَالْمَالِ لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا، وَأَمَّا عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ فَالْمُتَقَوِّمُ هُوَ الْمَمْلُوكُ دُونَ الْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَتَقَوُّمُهُ لِإِظْهَارِ خَطَرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ حَتَّى يَكُونَ مَصُونًا عَنْ الِابْتِذَالِ وَلَا يُمْلَكُ مَجَّانًا، فَإِنَّ مَا يُمْلَكُ مَجَّانًا لَا يَعْظُمُ خَطَرُهُ عِنْدَ إصَابَتِهِ وَذَلِكَ مَحَلٌّ لَهُ خَطَرٌ مِثْلُ النُّفُوسِ؛ لِأَنَّ النَّسْلَ يَحْصُلُ بِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ فِي طَرَفِ الْإِزَالَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَتَمَلَّكُ عَلَى الزَّوْجِ شَيْئًا لَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهَا مِلْكُ الزَّوْجِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَا هُوَ مَشْرُوطٌ لِمَعْنَى الْخَطَرِ عِنْدَ التَّمَلُّكِ كَالشُّهُودِ، وَالْوَلِيِّ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْهُ عِنْدَ الْإِزَالَةِ وَلِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ حَالَةَ الْخُرُوجِ دُونَ الدُّخُولِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْلَعَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ عَلَى مَالِهِ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ مِلْكُ مَالٍ، وَالْمَالُ مِثْلٌ لِلْمَالِ فَعِنْدَ الْإِتْلَافِ يَضْمَنُ بِالْمَالِ قَالَ رحمه الله:(وَفِي الْعِتْقِ ضَمِنَا الْقِيمَةَ) أَيْ إذَا شَهِدَا بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ فَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مَالِيَّةَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَالْوَلَاءُ لِلَّذِي شَهِدَا عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِمَا بِهَذَا الضَّمَانِ فَلَا يَتَحَوَّلُ الْوَلَاءُ وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَيْهِمَا بِثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ بَلْ هُوَ كَالنَّسَبِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ» فَلَا يَكُونُ الضَّمَانُ بَدَلًا عَنْهُ بَلْ عَمَّا أَتْلَفَا عَلَيْهِ مِنْ مِلْكِ الْمَالِ وَهَذَا الضَّمَانُ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ إلَّا مِلْكَهُ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَزِمَ مِنْهُ فَسَادُ مِلْكِ صَاحِبِهِ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الْمُوَاسَاةَ صِلَةً، وَالصِّلَاتُ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ دُونَ الْمُعْسِرِ كَالزَّكَاةِ وَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ.
وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ دَبَّرَهُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا مَا نَقَصَهُ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّهُمَا أَوْجَبَا لِلْعَبْدِ حَقَّ الْعِتْقِ وَبِذَلِكَ تُنْتَقَصُ مَالِيَّتُهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَقِيَّةَ قِيمَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سَوَاءٌ عَتَقَ ثُلُثُهُ وَسَعَى فِي ثُلُثَيْهِ وَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ ثُلُثَ قِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُعْسِرًا يَضْمَنَانِ جَمِيعَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَيَرْجِعَانِ بِهِ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَقَضَى بِالْكِتَابَةِ ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَتَهُ كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُمَا حَالَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ فَصَارَا كَالْغَاصِبِ لَهُ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ ثُمَّ الشَّاهِدَانِ يَتْبَعَانِ الْمُكَاتَبَ بِالْكِتَابَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَضْمَنَا لَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا وَقَدْ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا لَمْ يَضْمَنَا إلَّا مَا زَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْمَهْرِ إتْلَافٌ بِعِوَضٍ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ إنْ كَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى ضَمِنَا النِّصْفَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَهْرُ مُسَمًّى يَضْمَنَانِ الْمُتْعَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِمُقَابَلَةِ عِوَضٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
عَلَى نُجُومِهَا؛ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْمَوْلَى فِي ذَلِكَ حِينَ ضَمِنَا قِيمَتَهُ وَكَانَ مِنْ قَضِيَّةِ الضَّمَانِ أَنْ يَمْلِكَاهُ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ لَكِنْ الْمُكَاتَبُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَلَا يُعْتَقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ رُجُوعِهِمَا، فَإِذَا أَدَّى عَتَقَ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُكَاتَبُ لَهُ، وَإِنَّمَا الشَّاهِدَانِ قَامَا مَقَامَهُ فِي أَخْذِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْهُ لَا غَيْرُ فَأَدَاؤُهُ إلَيْهِمَا كَأَدَائِهِ إلَى الْمَوْلَى وَيَطِيبُ لَهُمَا مَا أَخَذَا مِنْ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مِثْلَ قِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ تَصَدَّقَا بِالْفَضْلِ، وَإِنْ عَجَزَ وَرُدَّ فِي الرِّقِّ كَانَ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهُ لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلشَّاهِدَيْنِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَيَرُدُّ الْمَوْلَى مَا أَخَذَ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ قَدْ بَطَلَتْ بِعَجْزِ الْمُكَاتَبِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا غَصَبَ الْمُدَبَّرَ فَأَبَقَ عِنْدَهُ فَضَمَّنَهُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ ثُمَّ جَاءَ مِنْ الْإِبَاقِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْغَاصِبِ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ اخْتَارَ الْمَوْلَى أَنْ يَتْبَعَ الْمُكَاتَبَ وَلَا يَضْمَنُ الشُّهُودُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْ مِنْهُ، وَالْمَوْلَى يُنْكِرُ فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَا فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ هُنَا حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَكَانَ الرُّجُوعُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى، فَإِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ لِلْمَوْلَى نُقْصَانَ قِيمَتِهَا، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ فَيَضْمَنَانِ لِلْوَرَثَةِ بَاقِيَ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا لَوَرِثَهَا الْوَرَثَةُ فَفَوَّتَا عَلَيْهِمْ هَذَا الْقَدْرَ، وَإِنْ رَجَعَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى ضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ لِإِتْلَافِهِمَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ وَرَجَعَا حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى ضَمِنَا نُقْصَانَ قِيمَتِهَا لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ عَبْدًا لَهُ فَفَوَّتَا عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَلَدِ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ لَا يَضْمَنَانِ لَهُ شَيْئًا وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ مَنْ زَعَمَ الْوَلَدُ أَنَّ رُجُوعَهُمَا بَاطِلٌ وَقَبَضَ الْأَبُ الضَّمَانَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَيُؤَدِّي مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ لَهُ تَرِكَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى الِابْنِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى مُوَرِّثِهِ بِدَيْنٍ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَرِيكٌ، فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَمِنْ بَاقِي قِيمَةِ الْأُمِّ وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ مِنْهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا إنْ تَرَكَ مَالًا وَلَا يَرْجِعَانِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِ ظَلَمَهُمَا فَلَا يُظْلَمُ هُوَ وَكَذَا فِي زَعْمِهِمَا فَلَا يَظْلِمَانِهِ وَلَا يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ مَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ بِالْإِرْثِ، وَإِنْ رَجَعَا بَعْدَ وَفَاةِ الْمَوْلَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ شَرِيكٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْوَارِثُ وَحْدَهُ وَهُوَ يُكَذِّبُهُمَا فِي الرُّجُوعِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمِيرَاثِ يَضْمَنَانِ لَهُ حِصَّتَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَمِنْ جَمِيعِ قِيمَةِ الْأُمِّ وَلَا يَضْمَنَانِ لَهُ مَا وَرِثَهُ الْوَلَدُ وَلَا يَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ هُنَا بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا ظُلْمُ شَرِيكِهِ لَا ظُلْمُ أَبِيهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْإِرْثِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا أَنْ يَضْمَنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا هُنَا؛ لِأَنَّهُمَا أَتْلَفَاهَا عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَضْمَنَا مِنْ قِيمَتِهَا شَيْئًا لِلْمَوْلَى بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ حَالَ حَيَاةِ الْمَوْلَى، وَإِنْ شَهِدَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا الْقَاضِي ثُمَّ رَجَعَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ ضَمِنَا جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِلْوَرَثَةِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ ضَمِنَا قِيمَتَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ كُلَّهَا وَمَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ بِالْإِرْثِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمَوْلَى حَيْثُ لَا يَضْمَنَانِ مَا أَخَذَهُ الْوَلَدُ مِنْ التَّرِكَةِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ لَا تَكُونُ شَهَادَةً بِالْمَالِ، وَالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ الِابْنُ أَوَّلًا فَيَرِثَهُ الْأَبُ فَلَا تَكُونُ شَهَادَتُهُمَا إتْلَافًا لِلْمَالِ فَلَا يَضْمَنَانِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْمَوْتِ فَشَهَادَتُهُمَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَالِ فَتَكُونُ إتْلَافًا لَهُ فَيَضْمَنَانِ ذَلِكَ كُلَّهُ حَتَّى الْوَلَدَ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا شَهَادَتُهُمَا كَانَ عَبْدًا مِيرَاثًا لَهُمْ
قَالَ رحمه الله (وَفِي الْقِصَاصِ الدِّيَةُ وَلَمْ يَقْتَصَّا) أَيْ فِيمَا إذَا شَهِدَا بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى شَخْصٍ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا عَمْدًا فَقَضَى الْقَاضِي بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا الدِّيَةُ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُقْتَصُّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَسَبَّبَا لِقَتْلِهِ فَصَارَا كَالْمُكْرَهِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ، وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ وَأَوْلَى بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِمَا وَلَنَا أَنَّهُمَا تَسَبَّبَا لِقَتْلِهِ وَلَيْسَا بِمُلْجِئَيْنِ إذْ الْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا بَلْ جَانِبُ الْعَفْوِ مُتَرَجِّحٌ، وَالتَّسَبُّبُ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ نِهَايَةُ الْعُقُوبَةِ فَلَا يَجِبُ إلَّا بِنِهَايَةِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً عَمْدًا بِآلَةٍ صَالِحَةٍ لَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِقَتْلٍ حَقِيقَةً، وَإِنَّمَا تَصِيرُ قَتْلًا بِوَاسِطَةٍ لَيْسَتْ فِي يَدِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَضْمَنَانِ لِشَرِيكِهِ نَصِيبَهُ) أَيْ إذَا لَمْ يَقْبِضْ الْأَبُ مِنْهُمَا غَيْرَ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْأُمِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَرْجِعَانِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا قَبَضَ الْأَبُ) أَيْ مِنْ نُقْصَانِ قِيمَةِ الْأَبِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَصَارَا كَالْمُكْرَهِ) وَهَذَا لِأَنَّ الشَّاهِدَ كَالْمُكْرِهِ أَيْضًا لِلْقَاضِي عَلَى قَضَائِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَرَ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ يَكْفُرُ وَلَوْ رَأَى وَأَخَّرَ يَفْسُقُ ثُمَّ الْمُكْرَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَبِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يَجِبَ عَلَى الشَّاهِدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُعَانُ) أَيْ يُعَانُ عَلَى اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ اهـ أَتْقَانِيٌّ وَقَالَ الْكَاكِيُّ قَوْلُهُ وَالْمُكْرَهُ يُمْنَعُ بِنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْوَلِيَّ بِمَنْزِلَةِ الْمُكْرَهِ اهـ
الشَّاهِدِ وَهُوَ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَاخْتِيَارُ الْوَلِيِّ قَتْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَالْفِعْلُ الِاخْتِيَارِيُّ مِنْ الْمُبَاشِرِ يَقْطَعُ النِّسْبَةَ إلَى الْمُتَسَبِّبِ كَدَلَالَةِ السَّارِقِ وَفَتْحِ بَابِ الْقَفَصِ وَحَلِّ قَيْدِ الْعَبْدِ فَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْقَتْلُ حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا حُكْمًا لِعَدَمِ الْإِلْجَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُلْجَأَ هُوَ الَّذِي يَخَافُ الْعُقُوبَةَ الدُّنْيَوِيَّةَ عَلَى نَفْسِهِ فَيُؤْثِرُ نَفْسَهُ بِالطَّبْعِ فَيَكُونُ كَمَسْلُوبِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْوَلِيِّ وَلَا فِي حَقِّ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَخَافُ الْعُقُوبَةَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْجَأً؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُقِيمُ الطَّاعَةَ خَوْفًا مِنْ الْعُقُوبَةِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مَقْهُورًا.
وَالْوَلِيُّ يُبَاشِرُ الْقَتْلَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي الْعَفْوِ بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الْإِكْرَاهُ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ، فَإِنَّ الْمُكْرَهَ يُؤْثِرُ حَيَاتَهُ فَيُقْدِمُ عَلَى الْقَتْلِ فَيُنْسَبُ الْفِعْلُ إلَى الْمُكْرِهِ، وَالْمُكْرَهُ كَالْآلَةِ لَهُ وَلِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً، وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِهَا دُونَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ مَعَهُمَا أَوْ جَاءَ الْمَشْهُودُ بِقَتْلِهِ حَيًّا فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ مُتْلِفٌ لَهُ حَقِيقَةً، وَالشَّاهِدَانِ مُتْلِفَانِ لَهُ حُكْمًا، وَالْإِتْلَافُ الْحُكْمِيُّ مِثْلُ الْحَقِيقِيِّ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ وَأَيُّهُمَا ضَمِنَ لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ ضَمَّنَ الْوَلِيَّ، وَإِنْ ضَمَّنَ الشَّاهِدَيْنِ فَلَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَى الْوَلِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا عَامِلَانِ لَهُ فِي الشَّهَادَةِ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُمَا بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَا لَهُ بِقَتْلِ الْخَطَأِ فَقَضَى لَهُ بِهَا وَأَخَذَ الدِّيَةَ ثُمَّ رَجَعُوا جَمِيعًا.
وَهَذَا لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَمِنَا قَامَا مَقَامَ الْوَلِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكَا الْقِصَاصَ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ كَغَاصِبِ الْمُدَبَّرِ إذَا غَصَبَ مِنْهُ آخَرُ فَهَلَكَ عِنْدَ الثَّانِي وَاخْتَارَ الْمَوْلَى تَضْمِينَ الْغَاصِبِ الْأَوَّلِ فَضَمَّنَهُ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ قَامَ مَقَامَ الْمَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْمُدَبَّرَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِمَّا يُمْلَكُ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى مَلَكَهُ الْوَلِيُّ وَوَرَثَتُهُ إذَا مَاتَ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ وَلَهُ بَدَلٌ مُتَقَوِّمٌ مُحْتَمِلٌ لِلتَّمَلُّكِ فَيَكُونُ السَّبَبُ مُعْتَبَرًا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَعْمَالِهِ فِي الْأَصْلِ كَالْيَمِينِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ يَنْعَقِدُ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ الَّذِي هُوَ خَلَفٌ عَنْ الْبِرِّ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ هُوَ الْبِرَّ وَهُوَ مُتَصَوَّرُ الْوُجُودِ عَقْلًا وَكَذَا شُهُودُ الْكِتَابَةِ إذَا رَجَعُوا وَضَمِنُوا لِلْمَوْلَى الْقِيمَةَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكُوا مِنْهُ شَيْئًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الشُّهُودَ ضَمَّنُوا لِإِتْلَافِهِمْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَالْمُتْلِفُ لَا يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ بِسَبَبِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَالْوَلِيِّ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مُتْلِفِينَ لَمَا ضَمِنُوا مَعَ الْمُبَاشِرِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ مُجَرَّدُ التَّسَبُّبِ مَعَ الْمُبَاشِرِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَافِرَ لَا يُعْتَبَرُ مَعَ الدَّافِعِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُمْ جُنَاةٌ وَمَنْ ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى غَيْرِهِ، وَأَمَّا فِي الْخَطَأِ، فَإِنَّمَا يَرْجِعَانِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا ضَمِنَا مَلَكَا الدِّيَةَ وَقَدْ أَتْلَفَهُ الْقَابِضُ بِصَرْفِهِ إلَى حَاجَتِهِ فَيَرْجِعَانِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ السَّبَبُ مُوجِبًا لِلْحُكْمِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ فِي بَدَلِهِ أَنْ لَوْ كَانَ السَّبَبُ مِمَّا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ حُكْمِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْمِلْكِ فِي الْقِصَاصِ بِالضَّمَانِ بِحَالٍ فَلَا يَنْعَقِدُ فِي حَقِّ خُلْفِهِ كَالْيَمِينِ الْغَمُوسِ، وَلَوْ كَانَ الْقِصَاصُ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ حَقِيقَةً لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُتْلِفُ عَلَيْهِ بِأَنْ قَتَلَهُ شَخْصٌ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شُهُودٌ بِالْعَفْوِ ثُمَّ رَجَعُوا لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ وَلَا الشُّهُودُ شَيْئًا لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ وَانْعِقَادُ السَّبَبِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ وُجُودِ الْمِلْكِ حَقِيقَةً وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ غَصْبِ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُكَاتَبِ، فَإِنَّهُ فِيهِ لَوْ كَانَ مَالِكًا حَقِيقَةً لَكَانَ يَضْمَنُهُ الْمُتْلَفُ عَلَيْهِ فَكَذَا إذَا جُعِلَ كَالْمَالِكِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ انْعِقَادِ السَّبَبِ لَهُ فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِالْبَدَلِ لِذَلِكَ
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا)؛ لِأَنَّ التَّلَفَ مُضَافٌ إلَى شَهَادَتِهِمْ لِصُدُورِهَا مِنْهُمْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ قَالَ رحمه الله (لَا شُهُودُ الْأَصْلِ بِلَمْ نُشْهِدْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِنَا أَوْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِمْ لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفُرُوعِ أَوْ بِقَوْلِهِمْ أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ إذْ الْقَاضِي يَقْضِي بِمَا يُعَايِنُ مِنْ الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ بِقَوْلِهِمْ لَمْ نُشْهِدْهُمْ أَنْكَرُوا السَّبَبَ أَصْلًا وَهُوَ الْإِشْهَادُ وَهُوَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ فَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِمْ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَيْثُ لَا يُقْضَى بِهِ لِإِنْكَارِهِمْ التَّحْمِيلَ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله يَضْمَنُ شُهُودُ الْأَصْلِ فِيمَا إذَا قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ قَامُوا مَقَامَ الْأُصُولِ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَيَحْصُلُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ فَلِهَذَا تُعْتَبَرُ عَدَالَتُهُمْ فَصَارَ كَأَنَّهُمْ حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَجْلِسَ الْقَاضِي
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَا يَصِيرُ بِهِ مُلْجَأً) تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لَوْ لَمْ يَقْضِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُكْرَهِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْفَرْعِ ضَمِنُوا) اعْلَمْ أَنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ إذَا رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ ضَمِنُوا الْمَشْهُودَ بِهِ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ الْمَشْهُودِ بِهِ حَصَلَ بِأَدَائِهِمْ الشَّهَادَةَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَانَ الْإِتْلَافُ مُضَافًا إلَى شَهَادَتِهِمْ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا شُهُودُ الْأَصْلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ الْأَصْلِ وَقَالُوا: لَمْ نُشْهِدْ شُهُودَ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِنَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْخِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مُطْلَقًا بِلَا ذِكْرِ الْخِلَافِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ لِلشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي نَصْرٍ الْبَغْدَادِيِّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُونَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى هُنَا لَفْظُهُ رحمه الله (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ وَغَلِطْنَا) اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَرْجِعَا عَمَّا شَهِدَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
فَشَهِدُوا ثُمَّ رَجَعُوا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا لَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا حَيْثُ لَمْ يَضْمَنُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا التَّحْمِيلَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْ الْأُصُولِ شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ لَا تَكُونُ سَبَبًا لِإِتْلَافِ شَيْءٍ فَلَا يَلْزَمُهُمَا الضَّمَانُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مُخْتَصَّةٌ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي وَلِهَذَا اخْتَصَّ الرُّجُوعُ بِهِ بِنَاءً عَلَيْهِ لِلتَّنَاسُبِ وَلِأَنَّا نَقُولُ: إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ مَنَابَهُمْ فِي نَقْلِ شَهَادَتِهِمْ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْإِشْهَادِ لَوْ مَنَعُوهُمْ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَانَ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ إذَا دَعَاهُمْ الْمُدَّعِي إلَيْهِ، وَلَوْ كَانُوا نَائِبِينَ عَنْ الْأُصُولِ لَمَا كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَنْعِ وَلَكِنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى مَا تَحَمَّلُوا وَهُوَ إشْهَادُ الْأُصُولِ إيَّاهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِمْ فَصَارَ كَمَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَعَلَى هَذَا لَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ بِأَنْ قَالُوا أَشْهَدْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّا رَجَعْنَا عَنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ وَعِنْدَهُ يَضْمَنُونَ، وَالْوَجْهُ قَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ رَجَعَ الْأُصُولُ، وَالْفُرُوعُ ضَمِنَ الْفُرُوعُ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِالشَّهَادَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَهِيَ مِنْ الْفُرُوعِ مُبَاشَرَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْأُصُولُ مُسَبِّبُونَ لِلتَّلَفِ مِنْ وَجْهٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْمُبَاشِرَ، وَالْمُسَبِّبَ إذَا اجْتَمَعَا وَهُمَا مُتَعَدِّيَانِ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمُسَبِّبِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْأُصُولَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْفُرُوعَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ بِشَهَادَةِ الْفُرُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ عَايَنَ الشَّهَادَةَ مِنْ الْفُرُوعِ وَوَقَعَ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْفُرُوعَ نَائِبُونَ عَنْهُمْ وَنَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ بِأَمْرِهِمْ فَيُخَيَّرُ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ، وَالْجِهَتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ أَوْ نَقُولُ إحْدَاهُمَا إشْهَادٌ، وَالْأُخْرَى أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ بَلْ يُجْعَلُ كُلُّ فَرِيقٍ كَالْمُنْفَرِدِ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ يَثْبُتُ بِالنَّقْلِ، وَالْإِشْهَادِ، وَالنَّقْلُ مِنْ الْفُرُوعِ، وَالْإِشْهَادُ مِنْ الْأُصُولِ فَلَوْلَا إشْهَادُ الْأُصُولِ لَمَا تَمَكَّنَ الْفُرُوعُ، وَلَوْلَا نَقْلُ الْفُرُوعِ لَمَا تَمَكَّنَ الْأُصُولُ فَكَانَ فِعْلُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَبَبَ ضَمَانٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ.
أَمَّا الْفُرُوعُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى وَجْهٍ لَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ يَأْثَمُ وَكَذَلِكَ الْأُصُولُ مُبَاشِرُونَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْفُرُوعِ مَنْقُولٌ إلَى الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ مُضْطَرُّونَ مِنْ جِهَةِ الْأُصُولِ إلَى الْأَدَاءِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ بِحَيْثُ لَوْ امْتَنَعُوا عَنْ الْأَدَاءِ أَثِمُوا فَصَارُوا نَظِيرَ الْقَاضِي لِمَا أَلْجَأَهُ الشُّهُودُ إلَى الْقَضَاءِ نُسِبَ إلَيْهِمْ فَضَمِنُوا ثُمَّ أَيُّ فَرِيقٍ أَدَّى لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا ضَمِنَ بِجِنَايَتِهِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ إذَا ضَمِنَ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَى غَاصِبِ الْغَاصِبِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْفُرُوعِ كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا) يَعْنِي بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ؛ لِأَنَّ مَا مَضَى مِنْ الْقَضَاءِ لَا يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ كَمَا لَا يُنْتَقَضُ بِرُجُوعِهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ غَرَامَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْجِعُوا، وَإِنَّمَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِأَنَّهُمْ كَذَبُوا قَالَ رحمه الله (وَضَمِنَ الْمُزَكُّونَ بِالرُّجُوعِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِأَنْ شَهِدُوا عَلَى إحْصَانِ الزَّانِي ثُمَّ رَجَعُوا وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا سَبَبَ التَّلَفِ وَهُوَ الزِّنَا مَثَلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ بِالْأَصَالَةِ، وَإِنَّمَا أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ فَصَارُوا فِي الْمَعْنَى كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَا لَيْسَ بِمُوجِبٍ مُوجِبًا فَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَثْبَتَ سَبَبَ الْإِتْلَافِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا بِدُونِ التَّزْكِيَةِ وَسَبَبُ التَّلَفِ الشَّهَادَةُ وَهِيَ لَا تُعْمَلُ إلَّا بِالتَّزْكِيَةِ فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ عِلَّةَ الْعِلَّةِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا غَيْرَ الْمُوجِبِ مُوجِبًا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الزِّنَا وَهُمْ لَمْ يُثْبِتُوهُ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ التَّزْكِيَةِ لِشُهُودِ الْحَدِّ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُعْمَلُ إلَّا بِهَا فَصَارَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النِّسَاءُ مُزَكَّيَاتٍ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْحُدُودِ كَمَا لَا تَصْلُحُ لِلشَّهَادَةِ فِيهَا، وَلَوْلَا إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهَا لَصَلَحْنَ لِلتَّزْكِيَةِ فِيهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّأْثِيرَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَالْعِلَّةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَكَذَلِكَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ مُؤَثِّرَةٌ أَيْضًا فِي إعْمَالِ الْعِلَّةِ إذْ الشَّهَادَةُ لَا تُوجِبُ الْعَمَلَ إلَّا بِهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي إثْبَاتِ الزِّنَا، فَإِنَّهُمْ أَثْنَوْا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ شَهَادَةَ الْأُصُولِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَشَهَادَةَ الْفُرُوعِ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ) فَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي التَّضْمِينِ بِأَنْ يُقَالَ يَضْمَنُ الْفَرِيقَانِ حَقَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْصَافًا بَلْ لَهُ الْخِيَارُ فِي تَضْمِينِ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ شَاءَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصَارُوا نَظِيرَ الْقَاضِي لَمَّا أَلْجَأَهُ الشُّهُودُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رحمه الله: وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يَضْمَنُونَ بِحَالٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْفُرُوعِ كَذَبَ الْأُصُولُ أَوْ غَلِطُوا) قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ النَّاصِحِيُّ فِي تَهْذِيبِ أَدَبِ الْقَاضِي: وَإِنْ قَالَ اللَّذَانِ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي قَدْ أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَكِنَّهُمَا كَذَبَا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُمَا الضَّمَانُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى غَيْرِهِمَا بِأَنَّهُمَا كَذَبَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ
عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ إنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَقَدْ أَوْفَى حَقَّهَا شَرْعًا بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهَذِهِ الْخِصَالُ تَمْنَعُ الزِّنَا فَلَا تَكُونُ مُوجِبَةً لَهُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا مَذْمُومٌ وَهَذِهِ الْخِصَالُ مَحْمُودَةٌ فَهُمَا مُتَضَادَّانِ فَكَيْفَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا سَبَبًا لِلْآخَرِ فَلَمَّا لَمْ يُوجِبْ الزِّنَا لَا يُوجِبُ الرَّجْمَ أَيْضًا بَلْ هُوَ مُوجِبٌ الزِّنَا عِنْدَ وُجُودِ الْإِحْصَانِ
قَالَ رحمه الله (وَشُهُودُ الْيَمِينِ) أَيْ يَضْمَنُ شُهُودُ الْيَمِينِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَشْهَدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ يَرْجِعَانِ عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا قِيمَةُ الْعَبْدِ وَنِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُمْ شُهُودُ الْعِلَّةِ إذْ التَّلَفُ يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الْإِعْتَاقُ أَوْ التَّطْلِيقُ وَهُمْ الَّذِينَ أَثْبَتُوا ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمْ، وَالشَّرْطُ، وَإِنْ كَانَ مَانِعًا، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أُضِيفَ التَّلَفُ إلَى تِلْكَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ دُونَ زَوَالِ الْمَانِعِ قَالَ رحمه الله (لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ، وَالشَّرْطِ) أَيْ لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ وَلَا شُهُودُ الشَّرْطِ وَفِيهِمَا خِلَافُ زُفَرَ رحمه الله أَمَّا شُهُودُ الْإِحْصَانِ فَهُوَ يَقُولُ إنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَحَقِيقَةِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الرَّجْمِ، وَالشَّرْطُ إذَا سَلِمَ عَنْ مُعَارَضَةِ الْعِلَّةِ صَلُحَ عِلَّةً أَلَا تَرَى أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَضْمَنُ عِنْدَ عُدْمِ مَنْ يُلْقِي، وَالْحَفْرُ شَرْطُ الْوُقُوعِ فَيُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ قُلْنَا: إنَّ الْإِحْصَانَ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْطِ أَنْ تُوجَدَ الْعِلَّةُ بِصُورَتِهَا وَتَتَوَقَّفُ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ كَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ قَدْ وُجِدَتْ بِصُورَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَتَوَقَّفَتْ صَيْرُورَتُهَا عِلَّةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُنَا لَوْ زَنَى ثُمَّ أَحْصَنَ لَا يُرْجَمُ وَلَكِنْ إذَا زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ عَرَفْنَا أَنَّ حُكْمَهُ الرَّجْمُ وَهَذَا مَعْنَى الْعَلَامَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ وَلَا وُجُودُهُ إذْ الْحُكْمُ لَا يُضَافُ إلَى الْعَلَامَةِ الْمُظْهِرَةِ، وَأَمَّا شُهُودُ الشَّرْطِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرْجِعُوا وَحْدَهُمْ أَوْ مَعَ شُهُودِ الْعِلَّةِ وَهِيَ التَّعْلِيقُ، فَإِنْ رَجَعُوا مَعَ شُهُودِ الْيَمِينِ لَا يَضْمَنُونَ وَعِنْدَ زُفَرَ رحمه الله يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِشَهَادَةِ الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا قُلْنَا شُهُودُ الْيَمِينِ أَثْبَتُوا بِشَهَادَتِهِمْ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْآخَرُونَ أَثْبَتُوا الشَّرْطَ، وَالشَّرْطُ لَا يُعَارِضُ الْعِلَّةَ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُضَافُ إلَى عِلَّتِهِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ وَإِلَى الشَّرْطِ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ يَضْمَنُونَ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا رحمهم الله؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا لَمْ تُعَارِضْهُ الْعِلَّةُ صَلُحَ لِإِضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ وَصَارَ عِلَّةً؛ لِأَنَّ الْعِلَلَ لَمْ تُجْعَلْ عِلَّةً لِذَوَاتِهَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَشُهُودُ الْيَمِينِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ شَهِدَا بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِشَرْطٍ أَوْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِشَرْطٍ قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي عُلِّقَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ أَوْ الطَّلَاقُ وُجِدَ وَقَدْ نَزَلَ الْمُعَلَّقُ فَحَكَمَ بِذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْجَمِيعُ فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ هِيَ السَّبَبُ وَالتَّلَفُ إنَّمَا يُضَافُ إلَى مَنْ أَثْبَتَ السَّبَبَ دُونَ الشَّرْطِ الْمَحْضِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ بِالْيَمِينِ وَشَاهِدَانِ بِوُجُودِ الشَّرْطِ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الْيَمِينِ خَاصَّةً قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ قُبَيْلَ بَابِ الْيَمِينِ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ وَغَيْرِ السُّنَّةِ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَقَضَى الْقَاضِي بِعِتْقِهِ ثُمَّ رَجَعُوا ضَمِنَ شَاهِدَا الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ تَلِفَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَضَى بِعِتْقِهِ بِشَهَادَةِ شُهُودِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ بِقَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ لَا بِدُخُولِ الدَّارِ فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى مَا أَثْبَتَهُ شَاهِدُ الْيَمِينِ دُونَ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ دَخَلَ بِهَا وَقَضَى الْقَاضِي بِجَمِيعِ الْمَهْرِ ثُمَّ رَجَعُوا يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الدُّخُولِ.
وَإِنْ كَانَ وُجُوبُ الْمَهْرِ مُضَافًا إلَى التَّزَوُّجِ؛ لِأَنَّ شُهُودَ الدُّخُولِ أَثْبَتُوا أَنَّ الزَّوْجَ اسْتَوْفَى عِوَضَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَهْرِ فَخَرَجَتْ شَهَادَةُ شُهُودِ النِّكَاحِ مِنْ أَنْ تَكُونَ إتْلَافًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ أَنَّ شَاهِدَيْ الشَّرْطِ لَوْ رَجَعَا عَلَى الِانْفِرَادِ هَلْ يَضْمَنَانِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَضْمَنَانِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الضَّمَانِ عَلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ عِنْدَ انْعِدَامِ إمْكَانِ الْإِيجَابِ عَلَى صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَاجِبٌ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ، وَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ وَحْدَهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُونَ كَشُهُودِ الْإِحْصَانِ إذَا رَجَعُوا وَحْدَهُمْ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّهُمْ تَسَبَّبُوا فِي التَّلَفِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَهُ أَثَرٌ فِي وُجُوبِ الْعِلَّةِ عِنْدَ الشَّرْطِ فَيَكُونُ سَبَبُ الضَّمَانِ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي مَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ فِي تَقْسِيمِ الشَّرْطِ قُلْنَا فِي شُهُودِ التَّعْلِيقِ وَشُهُودِ الشَّرْطِ إذَا رَجَعُوا الضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ التَّعْلِيقِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا قَوْلَ الْمَوْلَى أَنْتَ حُرٌّ وَهَذَا بِانْفِرَادِهِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِإِضَافَةِ حُكْمِ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ هُنَاكَ شَبَهَ الْعِلَّةِ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ شَيْئًا سَوَاءٌ رَجَعَ الْفَرِيقَانِ أَوْ رَجَعَ شُهُودُ الشَّرْطِ خَاصَّةً وَكَذَلِكَ شُهُودُ التَّخْيِيرِ وَشُهُودُ الِاخْتِيَارِ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى شُهُودِ الِاخْتِيَارِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ سَبَبٌ وَمَا عَارَضَهُ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ لِلْحُكْمِ مُضَافًا إلَيْهِ دُونَ السَّبَبِ فَلَمْ يَضْمَنْ شُهُودُ السَّبَبِ شَيْئًا كَمَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الشَّرْطِ إلَى هُنَا لَفْظُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَا شُهُودُ الْإِحْصَانِ) صُورَتُهُ كَمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَيَشْهَدَ آخَرَانِ أَنَّهُ مُحْصَنٌ ثُمَّ رَجَعُوا فَالضَّمَانُ عَلَى شُهُودِ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ عِلَّةٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَى شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ عَلَامَةٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً وَقَالَ زُفَرُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ صُورَتُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي شُهُودِ الْيَمِينِ. اهـ.