الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضَّمَانِ وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ الضَّمَانِ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ وُجِدَ الْإِسْنَادُ مِنْهُمَا أَيْضًا إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَضْمَنَا أَيْضًا كَالْقَاضِي قُلْنَا إنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ لَكِنَّ إقْرَارَ كُلِّ مُقِرٍّ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي حَقِّهِمَا حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُعَارِضُ الْقَطْعِيَّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَقِّ الْقَاضِي كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَكِنْ لَوْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الضَّمَانَ لَامْتَنَعَ النَّاسُ عَنْ تَقَلُّدِ الْقَضَاءِ حَذَرَ الضَّمَانِ بَعْدَ الْعَزْلِ فَتُرِكَ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِ الْآخِذِ قَائِمًا، وَقَدْ أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمَالُ صُدِّقَ الْقَاضِي فِي أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي قَضَائِهِ أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ قَضَائِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْيَدَ كَانَ لَهُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى تَمَلُّكِهِ إلَّا بِحُجَّةٍ وَقَوْلُ الْمَعْزُولِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِيهِ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ بَعْدَ مَا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْمَالِ وَأَنْكَرَ الْيَتِيمُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ لِمَا أَنَّهُ أُسْنِدَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَأَوْرَدَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْمَوْلَى أَمَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْتُ يَدَكِ وَأَنْتِ أَمَتِي فَقَالَتْ هِيَ قَطَعْتَهَا وَأَنَا حُرَّةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ أَخَذَهُ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ بِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ فَأَجَابَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَوْلَى أَقَرَّ بِأَخْذِ مَالِهَا، ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ لِنَفْسِهِ فَيُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ التَّمَلُّكَ لَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الرَّجُلُ أَكَلْتُ طَعَامَك بِإِذْنِك فَأَنْكَرَ الْإِذْنَ يَضْمَنُ الْمُقِرُّ وَهَذَا الْفَرْقُ غَيْرُ مُخَلِّصٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَمِنْ نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله فِي كِتَابِ الْوَصَايَا فِي فَصْلٍ فِي تَصَرُّفَاتِ الْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَطَلَبَ مَالَهُ مِنْ الْوَصِيِّ فَقَالَ الْوَصِيُّ ضَاعَ مِنِّي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَإِنْ قَالَ أَنْفَقْت مَالَك عَلَيْك يُصَدَّقُ فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ فَقَالَ الْوَصِيُّ مَاتَ أَبُوهُ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَقَالَ الْيَتِيمُ مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَهَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ رَقِيقًا فَأَنْفَقْت عَلَيْهِمْ إلَى وَقْتِ كَذَا، ثُمَّ مَاتَ وَكَذَّبَهُ الِابْنُ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الِابْنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْعَبِيدِ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ إذَا ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ غُلَامًا لِلْمُوصِي أَبَقَ فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ فَأَعْطَيْتُ جُعْلَهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَالِابْنُ يُنْكِرُ الْإِبَاقَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْوَصِيِّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْوَصِيُّ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا ادَّعَى وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُ رَجُلًا لِيَرُدَّهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُصَدَّقًا وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا قَالَ الْوَصِيُّ أَدَّيْتُ خَرَاجَ أَرْضِك عَشْرَ سِنِينَ مُنْذُ مَاتَ أَبُوك وَقَالَ الْيَتِيمُ إنَّمَا مَاتَ أَبِي مُنْذُ خَمْسِ سِنِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الِابْنِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَدَّعِي تَارِيخًا سَابِقًا، وَهُوَ يُنْكِرُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَالِ، وَهُوَ مُنْكِرٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ فَرَضَ الْقَاضِي لِأَخِيك الزَّمِنِ نَفَقَةً فِي مَالِك، كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَأَدَّيْتَ إلَيْهِ لِكُلِّ شَهْرٍ مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ، وَكَذَّبَهُ الِابْنُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ عِنْدَ الْكُلِّ وَيَكُونُ ضَامِنًا. اهـ.
[كِتَابُ الشَّهَادَةِ]
(كِتَابُ الشَّهَادَةِ) قَالَ الْكَمَالُ الشَّهَادَةُ لُغَةً إخْبَارٌ قَاطِعٌ وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ إخْبَارُ صِدْقٍ بِإِثْبَاتِ حَقٍّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَتَخْرُجُ شَهَادَةُ الزُّورِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً وَقَوْلُ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذَكَرَ الشَّهَادَاتِ بَعْدَ كِتَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَحْتَاجُ فِي حُكْمِهِ إلَى الشَّاهِدِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ حُكْمِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ: يَتَبَادَرُ أَنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْقَضَاءِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا إذَا كَانَ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَضَاءُ هُوَ الْمَقْصُودَ مِنْ الشَّهَادَةِ قَدَّمَهُ تَقْدِمَةً لِلْمَقْصُودِ عَلَى الْوَسِيلَةِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَمَعْنَاهَا الْحُضُورُ قَالَ عليه السلام «الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» أَيْ حَضَرَهَا وَالشَّاهِدُ أَيْضًا يَحْضُرُ الْقَاضِيَ وَمَجْلِسَ الْوَاقِعَةِ وَفِي الشَّرْعِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ وَهِيَ أَيْ الشَّهَادَةُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِشَخْصٍ عَلَى غَيْرِهِ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْقَضِيَّةِ الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا بِالتَّحْقِيقِ وَعَنْ عِيَانٍ أَيْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِتِلْكَ الْقَضِيَّةِ وَالْإِشَارَةُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إذَا عَلِمْت مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» ثُمَّ أَكَّدَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْحَدْسِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ مَصْدَرُ خَمَّنَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَادَّتُهُ خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَمِيمٌ وَنُونٌ وَالتَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ فِي الْإِخْبَارِ لَا يُفِيدُ التَّحْقِيقَ وَالتَّيَقُّنَ فَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَأَكَّدَ مَعْنَى الْعِيَانِ بِقَوْلِهِ وَلَا عَنْ حِسْبَانٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ حَسِبْته كَذَا أَحْسَبُهُ بِالْفَتْحِ مَحْسَبَةً وَمُحْسِبَةً وَحِسْبَانًا أَيْ ظَنَنْته وَيُقَالُ أَحْسِبُهُ بِالْكَسْرِ شَاذٌّ وَأَمَّا حُسْبَانٌ بِالضَّمِّ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ حَسَبَ يَحْسُبُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ إذَا عَدَّ وَجَعَلَ الشَّارِحُ هَذَا مَعْنًى لُغَوِيًّا لِلشَّهَادَةِ ثُمَّ قَالَ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَلَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ الْحُضُورُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيُّ وَقَوْلُهُ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ هُوَ إخْبَارٌ بِصِدْقٍ
(كِتَابُ الشَّهَادَةِ) قَالَ رحمه الله (هِيَ إخْبَارٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ لَا عَنْ تَخْمِينٍ وَحِسْبَانٍ) هَذَا فِي اللُّغَةِ فَلِهَذَا قَالُوا: إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُبْنَى عَلَى الْمُعَايَنَةِ وَسُمِّيَ الْأَدَاءُ شَهَادَةً إطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ، وَقِيلَ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الشُّهُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَمَجْلِسَ الْوَاقِعَةِ وَهِيَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إخْبَارٍ بِصِدْقٍ مَشْرُوطٍ فِيهِ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ فَشَرْطُهَا الْعَقْدُ الْكَامِلُ وَالضَّبْطُ وَالْوِلَايَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمَا تَقْتَضِيهِ الشَّهَادَةُ وَالْقِيَاسُ يَأْبَى أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ حُجَّةً مُلْزَمَةً؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ رحمه الله (وَتَلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) أَيْ يَلْزَمُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَلَا يَسَعُ كِتْمَانُهَا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وقَوْله تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْإِبَاءِ وَعَنْ الْكِتْمَانِ لَكِنْ النَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ إذَا كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الِانْتِهَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالِاشْتِغَالِ بِهِ فَكَانَ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضًا قَطْعًا كَفَرِيضَةِ الِانْتِهَاءِ عَنْ الْكِتْمَانِ فَصَارَ كَالْأَمْرِ بِهِ بَلْ آكَدُ وَلِهَذَا أُسْنِدَ الْإِثْمُ إلَى الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْفِعْلُ وَهِيَ الْقَلْبُ؛ لِأَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ إسْنَادِهِ إلَى كُلِّهِ، وَقَوْلُهُمْ: أَبْصَرْتُهُ بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَبْصَرْته، وَإِسْنَادُهُ إلَى أَشْرَفِ الْجَوَارِحِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَعْظَمُ الْجَرَائِمِ بَعْدَ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ فَقَالُوا لَا يَأْثَمُ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحُقُوقِ هَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا: لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْكُوبِ فَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ لِلشُّهُودِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ» ، وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ
قَالَ رحمه الله (وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَحَبُّ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك» وَهَذَا الْحَدِيثُ وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَيْسَ مِنْ تَمَامِ الْحَدِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ شُرُوطِ الشَّهَادَةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِهِ كَمَا عُرِفَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا لَفْظُ أَشْهَدُ) وَفِي قَوْلِ الْقَائِلِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَشْهَدُ بِرُؤْيَةِ كَذَا لِبَعْضِ الْعُرْفِيَّاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] وَنَظِيرُهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) قَالَ الْكَمَالُ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ، وَشَرْطُهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْوِلَايَةُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِسْلَامَ؛ لِأَنَّ الدِّينَ أَصْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْخَاصُّ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِخْبَارِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ وَقَالَ الْكَمَالُ: وَسَبَبِيَّةُ الطَّلَبِ تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] وَسَبَبِيَّةُ خَوْفِ الْفَوْتِ بِالْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ سَبَبِيَّةَ الطَّلَبِ إنَّمَا ثَبَتَتْ كَيْ لَا يَفُوتَ الْحَقُّ اهـ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمْ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُهُ نَرْجُو أَنْ يَسْعَهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ وَفِي الْعُيُونِ إنْ كَانَ فِي الصَّكِّ جَمَاعَةٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ دُونَهُ وَسِعَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ لَكِنْ قَبُولُهَا مَعَ شَهَادَتِهِ أَسْرَعُ وَجَبَ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ إذَا دُعِيَ فَأَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ ظَاهِرٍ ثُمَّ أَدَّى لَا تُقْبَلُ لِتَمَكُّنِ التُّهْمَةِ فِيهِ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ تَأْخِيرَهُ بِعُذْرٍ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ لِاسْتِجْلَابِ الْأُجْرَةِ. اهـ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقْبَلَ وَيُحْمَلَ عَلَى الْعُذْرِ مِنْ نِسْيَانٍ ثُمَّ تَذَكُّرٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا فِي الْمُجْتَبَى عَنْ الْفَضْلِ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَأَدَائِهَا وَإِلَّا لَضَاعَتْ الْحُقُوقُ وَعَلَى هَذَا الْكَاتِبِ إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَكَذَا مَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ فِي الْعُقُودِ إلَّا فِي النِّكَاحِ فَإِنَّهُ يَجِبُ وَفِي الرَّجْعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ قَالُوا لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ) قَالَ الْكَمَالُ قَالُوا: يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَجْلِسُ الْقَاضِي قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَعَنْ نَصْرٍ إنْ كَانَ بِحَالٍ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ فَأَرْكَبَهُ الطَّالِبُ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيمَنْ أَخْرَجَ الشُّهُودَ إلَى ضَيْعَةٍ فَاسْتَأْجَرَ لَهُمْ حَمِيرًا فَرَكِبُوهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا الْعَادَةُ وَهِيَ إكْرَامٌ لِلشُّهُودِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَفَصَلَ فِي النَّوَازِلِ بَيْنَ كَوْنِ الشَّاهِدِ شَيْخًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ وَلَا يَجِدُ مَا يَسْتَأْجِرُ بِهِ دَابَّةً فَيُقْبَلُ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُقْبَلُ وَلَوْ وَضَعَ لِلشُّهُودِ طَعَامًا فَأَكَلُوا إنْ كَانَ مُهَيَّأً مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ يُقْبَلُ، وَإِنْ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ لَا يُقْبَلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُقْبَلُ فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ فِيهِمَا وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِإِطْعَامِ مَنْ حَلَّ مَحَلَّ الْإِنْسَانِ مِمَّنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ شَاهِدًا أَوْ لَا وَيُؤْنِسُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِهْدَاءَ إذَا كَانَ بِلَا شَرْطٍ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ يَجُوزُ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الْأَدَاءَ فُرِضَ بِخِلَافِ الذَّهَابِ إلَى الْأَمِيرِ اهـ