الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّوْفِيقُ وَقِيلَ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى التَّوْفِيقِ مِنْ الْمُدَّعِي وَإِلَّا فَلَا يُوَفَّقُ وَقِيلَ التَّوْفِيقُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَاهُ قِيَاسٌ وَعَدَمُ التَّوْفِيقِ بِدُونِ دَعْوَاهُ اسْتِحْسَانٌ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ
قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ
فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرْكَ الْخُصُومَةَ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الشِّرَاءَ كَانَ ذَلِكَ فَسْخًا مِنْهُ إذْ الْجُحُودُ كِنَايَةٌ عَنْ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْجُحُودُ إنْكَارٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ فَجَازَتْ الِاسْتِعَارَةُ فَكَانَ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا سَاعَدَهُ الْبَائِعُ بِتَرْكِ الْخُصُومَةِ تَمَّ الْفَسْخُ فَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا بِالْعَيْبِ إنْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا قَدِيمًا بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَامِ الْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي حَتَّى إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَفِي النِّهَايَةِ إذَا عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَبْلَ تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى بَائِعِهَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْكُلَ عِنْدَ التَّحْلِيفِ فَاعْتُبِرَ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ، فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، فَإِنْ قِيلَ الْحُكْمُ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَسْخًا قُلْنَا نَحْنُ لَا نُثْبِتُهُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنَّمَا نُثْبِتُهُ بِالْعَزْمِ وَالْيَمِينِ أَوْ بِالْعَزْمِ وَالْفِعْلِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي الْجَارِيَةِ بِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعِ الْخُصُومَةِ إلَى بَيْتِهِ أَوْ بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ إمْسَاكِهَا بِيَدِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْفَسْخِ فَكَانَ فَسْخًا دَلَالَةً إذْ الْفِعْلُ قَدْ يُوجَدُ دَلَالَةً كَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذَا الدَّابَّةَ يَوْمًا لِتَرْكَبَهَا فَأَخَذَهَا وَاسْتَعْمَلَهَا كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا مِنْهُ دَلَالَةً؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ وَالِاسْتِعْمَالَ لَا يَحِلُّ بِدُونِ الْقَبُولِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ زُيُوفٌ صُدِّقَ) مَعْنَاهُ إذَا قَالَ قَبَضْت مِنْهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَكَذَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا نَبَهْرَجَةٌ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ يَقَعُ عَلَى الْجِيَادِ وَالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ دُونَ السَّتُّوقَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَجَوَّزَ بِالزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ جَازَ حَتَّى فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ دُونَ السَّتُّوقَةِ، وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ فَيُصَدَّقُ فِي إنْكَارِهِ قَبْضَ حَقِّهِ مَعَ يَمِينِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ اسْتَوْفَى حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ؛ لِأَنَّ الزُّيُوفَ ضِدُّ الْجِيَادِ وَحَقُّهُ فِي الْجِيَادِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ حَقِّهِ مُطْلَقًا إقْرَارًا مِنْهُ بِقَبْضِ الْجِيَادِ وَالِاسْتِيفَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِوَصْفِ التَّمَامِ فَكَانَ عِبَارَةً عَنْ قَبْضِ حَقِّهِ أَيْضًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ، ثُمَّ ادَّعَى الْعَيْبَ حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُتَعَيِّنٌ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عَيْنَ حَقِّهِ دَلَالَةً، ثُمَّ بِدَعْوَاهُ الْعَيْبَ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ مُنَاقِضًا، فَلَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ وَحَقُّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ فَبِالْإِقْرَارِ بِقَبْضِهَا لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِقَبْضِ حَقِّهِ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ اسْتَوْفَى، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ زُيُوفًا يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِمَا ذَكَرْنَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ قَالَ لِآخِرِ اشتريت مِنِّي هَذِهِ الْأَمَة فَأَنْكَرَ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَطَأَهَا إنْ تَرَكَ الْخُصُومَةَ) وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَيُقَالُ هُوَ قَوْلُ زُفَرَ كَذَا قَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْثُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهَا فَهِيَ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي مَا لَمْ يَبِعْهَا مِنْ الْبَائِعِ أَوْ يَتَقَابَلَا وَلَنَا أَنَّ الْإِقَالَةَ قَدْ تَكُونُ بِلَفْظِ الْإِقَالَةِ وَبِلَفْظِ الرَّدِّ وَبِجُحُودِهِمَا بِأَنْ تَجَاحَدَا الْبَيْعَ، ثُمَّ إذَا جَحَدَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ حَصَلَ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، فَإِذَا عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاقْتَرَنَ عَزْمُهُ بِالْفِعْلِ، وَهُوَ إمْسَاكُ الْجَارِيَةِ وَنَقْلُهَا مِنْ مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ إلَى مَنْزِلِهِ وَاسْتِخْدَامُهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْفَسْخِ فَتَمَّ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ) يَعْنِي أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَدْيُونِهِ بِدَيْنِ قَرْضٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ بَدَلِ إجَارَةٍ أَوْ قَالَ غَصَبْتُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ قَالَ بَعْدَ نَعَمْ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ سَوَاءٌ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا) وَفِي الْمَبْسُوطِ أَقَرَّ الطَّالِبُ أَنَّهُ قَبَضَ مِمَّا لَهُ عَلَى فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ قَالَ وَجَدْتهَا زُيُوفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَصَلَ أَمْ فَصَلَ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ صُدِّقَ يُفِيدُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي الْمَبْسُوطِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ أَوْ إجَارَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الزِّيَافَةِ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُصَدَّقُ إنْ وَصَلَ لَا إنْ فَصَلَ، وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِ تِجَارَةٍ أَوْ غَصْبٍ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ يَنْصَرِفُ إلَى الِالْتِزَامِ أَوْ بِالتِّجَارَةِ إذْ هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُسْلِمِ وَقِيلَ يُصَدَّقُ هُنَا إذَا وَصَلَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ تَصِيرُ مُسْتَحَقَّةً بِعَقْدِ التِّجَارَةِ، فَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي كَلَامِهِ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ لَا تَصِيرُ صِفَةُ الْجَوْدَةِ مُسْتَحَقَّةً اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَالْقَبْضُ لَا يَخْتَصُّ بِالْجِيَادِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الزُّيُوفِ مُتَنَاقِضًا فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ حَيْثُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّهُ قَالَ اُقْتُضِيَتْ الدَّرَاهِمُ، ثُمَّ دَعْوَاهُ السَّتُّوقَةَ أَوْ الرَّصَاصَ إنْكَارٌ مِنْهُ لِقَبْضِ الدَّرَاهِمِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ، فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ) أَيْ لِأَنَّ قَوْلَهُ جِيَادٌ مُفَسِّرٌ، فَلَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ نَصٌّ فَيَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله.
وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ حَقِّهِ، ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ يُصَدَّقُ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا قَالَ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ الزُّيُوفُ مَا رَدَّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ مَا تَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ، وَقِيلَ الزُّيُوفُ هِيَ الْمَغْشُوشَةُ وَالنَّبَهْرَجَةُ هِيَ الَّتِي تُضْرَبُ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ وَالسَّتُّوقَةُ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ السَّتُّوقَةُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصُّفْرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبُ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ، ثُمَّ صَدَّقَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَرَدَّهُ الْمُقِرُّ لَهُ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ أَوْ قَالَ بَلْ هُوَ لَك أَوْ لِفُلَانٍ، ثُمَّ صَدَّقَهُ فَقَالَ بَلْ كَانَ لِي عَلَيْك فِي مَكَانِهِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ أَوْ تَصْدِيقِ الْخَصْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ وَأَنْكَرَ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ كَمَا لَا يَنْفَرِدُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ عَلَى حَالِهِ فَعَمِلَ فِيهِ التَّصْدِيقُ أَمَّا الْمُقَرُّ لَهُ فَيَنْفَرِدُ بِرَدِّ الْإِقْرَارِ فَافْتَرَقَا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِنَسَبِ عَبْدِهِ لِغَيْرِهِ فَكَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه حَتَّى إذَا ادَّعَاهُ الْمُقَرُّ لِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ إقْرَارٌ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الْإِبْطَالَ، فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ قَبِلَ الْإِقْرَارَ أَوْ الْإِبْرَاءَ عَنْ الدِّينِ أَوْ وَهَبْتَهُ لَهُ، ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَبُولِ قَدْ تَمَّ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك رَقَبَتَك فَرَدَّ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ وَهُوَ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ، وَلَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ كَالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ فَصَدَّقَهُ، ثُمَّ رَجَعَ الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ لَا يُقْبَلُ، وَلَوْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُقِرِّ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ كَالشَّهَادَةِ وَلِأَنَّ دَعْوَاهُ مُتَنَاقِضَةٌ فَفَسَدَتْ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ شَيْءٌ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ لَا يَحْلِفُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله إذَا ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ كَاذِبًا وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُقَرِّ لَهُ يَحْلِفُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالْإِشْهَادِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ تَحَقُّقِهَا تَحَرُّزًا عَنْ امْتِنَاعِ الْآخَرِ عَنْ التَّسْلِيمِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي عَلَى أَلْفٍ وَهُوَ بَرْهَنَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قُبِلَ) أَيْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَضَاهُ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَالْإِبْرَاءَ يَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيَبْرَأُ مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ قَضَى بِبَاطِلٍ، وَقَدْ يُصَالِحُ عَلَى شَيْءٍ فَيَثْبُتُ ظَاهِرًا ثُمَّ يُقْضَى، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْقِصَاصَ عَلَى شَخْصٍ فَأَنْكَرَهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ عَنْهُ عَلَى مَالٍ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَا لَوْ جَرَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي دَعْوَى الرِّقِّ يُقْبَلُ فَكَذَا هَذَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ لِلْحَالِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ زَادَ وَلَا أَعْرِفُك لَا) أَيْ لَوْ زَادَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ بِأَنْ قَالَ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، وَلَا أَعْرِفُك لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ قَوْلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُعَامَلَةٌ مِنْ دَفْعٍ وَأَخْذٍ وَقَضَاءٍ وَاقْتِضَاءٍ بِلَا مَعْرِفَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَا يَعْرِفُهُ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فَعَلَى هَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ) وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْت مَالِي عَلَيْهِ أَوْ حَقِّي عَلَيْهِ جُعِلَ مُقِرًّا بِقَبْضِ الْقَدْرِ وَالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا اسْتَثْنَى الْجَوْدَةَ فِيهِ اسْتَثْنَى الْبَعْضَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَيَصِحُّ مَوْصُولًا كَمَا لَوْ قَالَ مِائَةً إلَّا دِرْهَمًا أَمَّا لَوْ قَالَ قَبَضْتُ عَشَرَةً جِيَادًا فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَدْرِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ وَبِالْجَوْدَةِ بِلَفْظٍ عَلَى حِدَةٍ، فَإِذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ فَقَدْ اسْتَثْنَى الْكُلَّ مِنْ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوْدَةِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ إلَّا دِينَارًا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا وَإِنْ ذَكَرَهُ مَوْصُولًا كَذَا هُنَا، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ اسْتِثْنَاءُ الْجَوْدَةِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ الْإِقْرَارِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ تَبَعٌ وَصِفَةٌ لِلدَّرَاهِمِ وَاسْتِثْنَاءُ التَّبَعِ مَوْصُولًا لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ مَوْصُولًا قُلْنَا اسْتِثْنَاءُ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّارِ إنَّمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ دَخَلَ فِي اسْمِ الدَّارِ تَبَعًا، فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مَقْصُودًا أَمَّا الْجُودَةُ دَخَلَتْ تَحْتَ اللَّفْظِ مَقْصُودًا كَالْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ مَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ فَكَانَ دَاخِلًا مَقْصُودًا لَا تَبَعًا فَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ مَوْصُولًا كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَالسَّتُّوقَةُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ غِشَّهَا غَالِبٌ وَاسْمُ الدَّرَاهِمِ بِاعْتِبَارِ الْفِضَّةِ وَالنِّسْبَةِ إلَى الْغَالِبِ مُتَعَيِّنٌ، فَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْغِشُّ فَلَيْسَتْ دَرَاهِمَ إلَّا مَجَازًا وَلِذَا قِيلَ هُوَ مُعَرَّبُ سه طَاقه يَعْنِي ثَلَاثَ طَاقَاتٍ الطَّاقُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ فِضَّةٌ وَالْأَوْسَطُ نُحَاسٌ وَهِيَ شِبْهُ الْمُمَوَّهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فَكَذَّبَهُ الْمُقِرُّ لَهُ حَيْثُ لَا يَرْتَدُّ بِذَلِكَ) أَيْ حَتَّى كَانَ لِلرَّادِّ أَنْ يَعُودَ وَيَدَّعِيَهُ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ بِالرَّدِّ بَقِيَ مُقِرًّا بِنَسَبِهِ لِغَيْرِهِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَهُ لِنَفْسِهِ.
(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ) أَيْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ، وَلَكِنْ آذَيْتنِي بِخُصُومَتِك الْبَاطِلَةِ فَدَفَعْتُ إلَيْك مَا تَدَّعِيه دَفْعًا لِأَذَاك. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ) أَيْ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ يُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ أَيْضًا اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ فِيهِ أَظْهَرُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ فِي الْحَالِ لِأَنِّي قَدْ قَضَيْت حَقَّك أَوْ لِأَنَّك أَبْرَأْتنِي. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهِ يَصِحُّ، وَهَذَا لِأَنَّ لَيْسَ لِنَفْيِ الْحَالِ. اهـ. كَافِي.