الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَيْنَ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ مُسْتَمِرًّا إلَى هَذَا الْوَقْتِ لَا مِلْكًا آخَرَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الْحَيِّ إذَا أَثْبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَكَمَا إذَا ادَّعَى فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ غَيْرِ ذِي الْيَدِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ ذُو الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ وَيَقْضِي لَهُ بِهَا وَلَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فَهُوَ بَاقٍ إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ لِاسْتِغْنَاءِ الْبَقَاءِ عَنْ دَلِيلٍ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مُتَجَدِّدٌ ثَبَتَ لَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَحْكَامٌ لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً فِي حَقِّ الْمُوَرِّثِ مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْجَارِيَةِ وَحِلِّ وَطْئِهَا لَوْ كَانَتْ حَرَامًا عَلَى الْمُوَرِّثِ أَوْ بِالْعَكْسِ وَكَذَا يَحِلُّ لِلْوَارِثِ الْغَنِيِّ أَكْلُ صَدَقَةٍ وَرِثَهَا مِنْ الْفَقِيرِ، وَلَوْلَا تَجَدُّدُ الْمِلْكِ لَمَا حَلَّ لَهُ، فَإِذَا كَانَ مُتَجَدِّدًا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ النَّقْلِ إلَيْهِ وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَرِّ لَا بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِإِبْقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ لَا لِإِثْبَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ وَحَاجَتِنَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكِيَّةَ الْوَارِثِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ فَكَانَ مُتَجَدِّدًا ضَرُورَةً فَلَا يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِظَاهِرِ يَدِهِ فِي الدَّارِ الْمَشْفُوعِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ دَعْوَى غَيْرِهِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَثْبَتَ الْحَيُّ أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ حَيْثُ يُحْكَمُ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّا اعْتَبَرْنَا فِيهِ اسْتِصْحَابَ الْحَالِ لِبَقَاءِ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ وَهُوَ حُجَّةٌ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ حَيْثُ لَا يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لَهَا وَقْتَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي مُضَافٌ إلَى الشِّرَاءِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ لَا إلَى اسْتِصْحَابِ الْحَالِ بِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ حَتَّى لَا يَتَحَقَّقَ بِدُونِ إثْبَاتِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ ثَابِتًا بِالشِّرَاءِ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ فَثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْوَارِثِ مُضَافٌ إلَى كَوْنِ الْمَالِ مِلْكَ الْمُوَرِّثِ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا إلَى الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِإِبْطَالِهِ فَكَمْ مِنْ مَوْتٍ لَيْسَ فِيهِ إيجَابُ الْمِلْكِ لِأَحَدٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ عَلَّقَ الْعِتْقَ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ بِأَنْ قَالَ: إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ كَانَ سَبَبَ الْمِلْكِ لَصَحَّ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ.
قَالَ رحمه الله (، وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ مُنْذُ شَهْرٍ رُدَّتْ) أَيْ إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ كَانَتْ فِي يَدِ فُلَانٍ مُنْذُ شَهْرٍ وَهُوَ حَيٌّ رُدَّتْ الشَّهَادَةُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مَقْصُودَةٌ كَالْمِلْكِ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَهُ مُنْذُ شَهْرٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ مَتَى ثَبَتَ يَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ مَا يُزِيلُهُ فَكَذَا الْيَدُ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَا بِالْأَخْذِ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ بِالْإِقْرَارِ مِنْهُ بِالْيَدِ لَهُ وَلَهُمَا أَنَّ الشَّهَادَةَ قَامَتْ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ إلَى مِلْكٍ وَأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ وَبِخِلَافِ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَيْضًا وَحُكْمُهُ مَعْلُومٌ وَهُوَ وُجُوبُ الرَّدِّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذْت حَتَّى تَرُدَّ» وَكَذَا الْإِقْرَارُ بِالْيَدِ مَعْلُومٌ عَلَى مَا يَجِيءُ وَلِأَنَّ يَدَ صَاحِبِ الْيَدِ مُعَايَنٌ وَيَدُ الْمُدَّعِي مَشْهُودٌ بِهِ فَلَا يُعَارِضُ الْمُتَحَقِّقُ؛ لِأَنَّ الْعِيَانَ يُوجِبُ الْعِلْمَ، وَالشَّهَادَةَ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَكَانَ أَكْثَرَ إثْبَاتًا قَالَ رحمه الله (وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دَفَعَ إلَى الْمُدَّعِي) أَيْ لَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْيَدِ لِلْمُدَّعِي مُنْذُ أَشْهُرٍ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ مَعْلُومٌ فَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَجَهَالَةُ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ وَلَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)
قَالَ رحمه الله (تُقْبَلُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ) أَيْ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
كَانَ الْمُوَرِّثُ مَغْرُورًا فِيهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ: أَوْ بِالْعَكْسِ) أَيْ بِأَنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةَ الْمَيِّتِ أَوْ مَوْطُوءَةَ وَارِثِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُرِّ) أَيْ الصُّورِيِّ أَوْ الْمَعْنَوِيِّ. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ: لَا إلَى الْمَوْتِ) أَيْ لَيْسَ بِمُضَافٍ إلَى الْمَوْتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِيَدِ حَيٍّ إلَخْ) قَيَّدَ بِالْحَيِّ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا شَهِدَ الْمَيِّتُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ تُقْبَلُ اتِّفَاقًا. اهـ. عَيْنِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا آنِفًا اهـ
(قَوْلُهُ: رُدَّتْ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلِهِ: لِأَنَّ الْيَدَ مُنْقَضِيَةٌ) أَيْ زَائِلَةٌ فِي الْحَالِ وَلَيْسَتْ بِقَائِمَةٍ حَتَّى تُحْمَلَ عَلَى الْمِلْكِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْمَجْهُولِ) فَلَمْ يَجِبْ الرَّدُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الرَّدُّ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجِبُ مِنْ وَجْهَيْنِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَ إلَى الْمُدَّعِي) قَالَ الْكَمَالُ يَعْنِي لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ الَّتِي فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي دُفِعَتْ لِلْمُدَّعِي، وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ مُتَنَوِّعَةً؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ جَهَالَةٌ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ صَحَّ وَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَكَذَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعِي تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْإِقْرَارُ وَهُوَ مَعْلُومٌ، وَإِنَّمَا الْجَهَالَةُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَشَهِدَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا جَازَتْ وَيُؤْمَرُ بِالْبَيَانِ. اهـ.
[بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ]
(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ إلَخْ إذْ الْأَصْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفَرْعِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَحَدُّ الزِّنَا
الشَّهَادَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ وَلَيْسَتْ بِحَقٍّ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخُصُومَةُ فِيهَا، وَالْإِجْبَارُ عَلَيْهَا، وَالنِّيَابَةُ لَا تَجْرِي فِي الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةُ احْتِمَالٍ؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهَا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَفِي الْفُرُوعِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ وَلِهَذَا لَا يُصَارُ إلَى الْفُرُوعِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْأُصُولِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ إلَيْهَا إذْ شَاهِدُ الْأَصْلِ قَدْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِمَوْتٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ بُعْدِ مَسَافَةٍ فَلَوْ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَدَّى إلَى إتْوَاءِ الْحُقُوقِ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ وَعَلَى شَهَادَةِ فُرُوعِ الْفُرُوعِ إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَصَارَ كَكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي
قَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ وَفِيهَا شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَثْبُتَانِ بِهَا كَمَا لَا يَثْبُتَانِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَقِيقَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ جَمِيعُ الْحُقُوقِ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْوَقْفِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَجُوزُ فِيهِ إحْيَاءً لَهُ
وَصَوْنًا
عَنْ انْدِرَاسِهِ وَقَوْلُهُ إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَعْنِي إنْ شَهِدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ رَجُلَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ قَضِيَّةٌ مِنْ الْقَضَايَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِيَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَغَايُرُ الْفُرُوعِ حَتَّى لَوْ أَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلَيْنِ وَأَشْهَدَهُمَا الْآخَرُ بِعَيْنِهِمَا جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلَانِ غَيْرُ اللَّذَيْنِ أَشْهَدَهُمَا صَاحِبَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَاهِدَيْنِ قَائِمَانِ مَقَامَ أَصْلٍ وَاحِدٍ فَلَا يَتِمُّ حُجَّةٌ لِلْقَضَاءِ بِهِمَا كَالْمَرْأَتَيْنِ لَمَّا قَامَتَا مَقَامَ رَجُلٍ لَا تَتِمُّ الْحُجَّةُ بِشَهَادَتِهِمَا وَلِأَنَّ الْفَرْعَ لَمَّا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ صَارَ شَاهِدًا أَوَ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى تِلْكَ الشَّهَادَةِ غَيْرَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ لَمَّا كَانَ شَاهِدًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْهِدَهُ صَاحِبُهُ عَلَى شَهَادَتِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ.
وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ مُعَبِّرٌ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ رَسُولِهِ فِي إيصَالِ شَهَادَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَكَأَنَّهُ حَضَرَ وَشَهِدَ بِنَفْسِهِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِرِوَايَةِ الْإِخْبَارِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ الْوَاحِدِ عَنْ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ، وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَجُوزُ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْلَيْنِ حَقٌّ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ، وَالْحَقُّ عِنْدَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلْقَاضِي الْقَضَاءَ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّصَابِ، فَإِذَا تَمَّ وَشَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْآخَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى قَضِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ بِخِلَافِ امْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَتِمَّ بِهِمَا وَشَطْرُ الْعِلَّةِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ وَبِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يَعْلَمُ الْحَادِثَةَ يَقِينًا فَلَا يَسْتَفِيدُ بِإِشْهَادِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ شَيْئًا وَلِأَنَّ مَعْنَى الْأَصَالَةِ يَقْتَضِي مُشَاهَدَةَ الْحَقِّ وَمَعْنَى الْفَرْعِيَّةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمُشَاهَدَةِ فَيَتَنَافَيَانِ فَلَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الْفَرْعَ بَدَلٌ عَنْ الْأَصْلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ بَدَلًا وَأَصْلًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلِأَنَّ شَاهِدَ الْأَصْلِ يُثْبِتُ نِصْفَ الْحَقِّ، وَالْفَرْعَانِ نِصْفَهُ.
وَلَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ لَأَثْبَتَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْحَقِّ وَلَا نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا يُقَالُ لَوْ كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَالسَّرِقَةُ وَالْقِصَاصُ وَالْقَذْفُ وَحَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْكَفَالَةِ مِنْ الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي نَوَادِرِ مُحَمَّدِ بْنِ رُسْتُمَ يَجُوزُ فِي التَّعْزِيرِ الْعَفْوُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ اهـ أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَجَبَتْ عَلَى شَاهِدِ الْأَصْلِ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ احْتِمَالٍ) يَعْنِي تُهْمَةَ الْكَذِبِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا، وَفِي الْفُرُوعِ تُهْمَةٌ زَائِدَةٌ وَهِيَ تُهْمَةُ عَدَمِ السَّمَاعِ مِنْ الْأُصُولِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ شُبْهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْبَدَلِيَّةُ)؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ شَهَادَةِ الْأَصْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ احْتِرَازٌ عَنْ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) وَبِقَوْلِنَا هَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَصَحُّ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ تُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ عُدُولٌ نَقَلُوا شَهَادَةَ الْأُصُولِ فَالْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْأُصُولِ لَا بِشَهَادَتِهِمْ وَصَارُوا كَالْمُتَرْجِمِ وَسَيَنْدَفِعُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ) أَيْ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ تُقْبَلُ إلَخْ جَمِيعُ الْحُقُوقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ إلَخْ) فِي هَذَا النَّقْلِ عَنْ مَالِكٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ كُلِّهَا وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَشْهَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا جَائِزَةٌ وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شُهُودِ الْأَصْلِ الْأَرْبَعَةِ إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ التَّفْرِيعِ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَا يَجُوزُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه جَوَّزَ شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلَمْ يَنْفِ شَهَادَتَهُمَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ بِإِزَاءِ كُلِّ أَصْلٍ فَرْعَانِ عَلَى حِدَةٍ فَدَلَّ إطْلَاقُهُ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ الْفَرْعَيْنِ جَمِيعًا عَلَى شَهَادَةِ الْأَصْلَيْنِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ خِلَافُهُ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
الْفَرْعُ بَدَلًا لَمَا جَازَ أَنْ يَشْهَدَا مَعَ أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ إذْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْبَدَلِ، وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفَرْعَيْنِ لَيْسَا بِبَدَلٍ عَنْ الَّذِي شَهِدَ مَعَهُمَا بَلْ عَنْ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ وَقَوْلُهُ: إنْ شَهِدَ رَجُلَانِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِتَمَامِ النِّصَابِ وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْهُودُ عَلَى شَهَادَتِهِ رَجُلًا؛ لِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَيْضًا أَنْ تُشْهِدَ عَلَى شَهَادَتِهَا رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ كُلِّ امْرَأَةٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله (وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ
قَالَ رحمه الله (وَالْإِشْهَادُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا) وَهَذَا صِفَةُ الْإِشْهَادِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّحْمِيلِ، وَالتَّوْكِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ كَمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَنْقُلَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِمَا ذُكِرَ هُنَا وَيَقُولُ لَهُ عِنْدَ التَّحْمِيلِ أَشْهَدَنِي عَلَى نَفْسِهِ إنْ شَاءَ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ مَنْ عَايَنَ الْحَقَّ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت فُلَانًا يُقِرُّ لِفُلَانٍ بِكَذَا فَاشْهَدْ أَنْتَ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ أَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَاشْهَدْ أَنْتَ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلَا يَقُولُ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمَلٌ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِشْهَادُ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ الْمَشْهُودِ بِهِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ وَكَذَا لَا يَقُولُ اشْهَدْ بِشَهَادَتِي؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِأَنْ يَشْهَدَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ فَيَكُونُ آمِرًا لَهُ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَهُوَ كَذِبٌ.
قَالَ رحمه الله (وَأَدَاءُ الْفَرْعِ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِذَلِكَ) وَهَذَا صِفَةُ أَدَاءِ الْفَرْعِ عِنْدَ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَتِهِ وَذِكْرُ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذِكْرُ التَّحْمِيلِ، وَالْجُمْلَةُ تَحْصُلُ بِذَلِكَ وَلَهُ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ كِلَا طَرَفَيْ الْأُمُورِ ذَمِيمٌ وَأَوْسَطُهَا صَمِيمٌ فَالْأَطْوَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّهُ شَهِدَ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدَهُ وَأَشْهَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ أَقَرَّ عِنْدِي لِفُلَانٍ بِكَذَا فَفِيهِ ثَمَانِ شِينَاتٍ أَوْ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي بِكَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَيَذْكُرُ فِيهِ سِتَّ شِينَاتٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ، وَالْأَقْصَرُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: أَمَرَنِي فُلَانٌ أَنْ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ فَيَذْكُرُ فِيهِ أَرْبَعَ شِينَاتٍ أَوْ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا فَيَذْكُرُ فِيهِ شِينَيْنِ لَا غَيْرُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبَيَّنَّا الْخِلَافَ فِيهِ) وَهُوَ أَنَّ عِنْدَ مَالِكٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَاحِدٍ عَلَى وَاحِدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْإِشْهَادُ) أَيْ إشْهَادُ شَاهِدِ الْأَصْلِ شَاهِدَ الْفَرْعِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْفَرْعَ كَالنَّائِبِ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَرْعَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَصْلِ وَنَائِبٌ عَنْهُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ نَائِبٌ عَنْهُ فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ كَالنَّائِبِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِشَهَادَةِ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَفَرْعَيْنِ عَنْ أَصْلٍ آخَرَ وَلَوْ كَانَ الْفَرْعُ نَائِبًا حَقِيقَةً لَمَا جَازَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْخَلَفِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ) أَيْ شَاهِدُ الْأَصْلِ عِنْدَ الْفَرْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَنْقُلَهُ) أَيْ لِيَنْقُلَ الْفَرْعُ شَهَادَةَ الْأَصْلِ اهـ.
(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى شُهُودُ الْفَرْعِ يَجِبُ أَنْ يَذْكُرُوا أَسْمَاءَ الْأُصُولِ وَأَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَأَجْدَادِهِمْ حَتَّى لَوْ قَالُوا لِلْقَاضِي نَشْهَدُ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَعْرِفُهُمَا أَشْهَدَانَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا يَشْهَدَانِ بِكَذَا أَوْ قَالُوا لِلْقَاضِي: لَا نُسَمِّيهِمَا لَك أَوْ قَالَا لَا نَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمَا لَمْ تُقْبَلْ حَتَّى يُسَمِّيَا؛ لِأَنَّهُمَا تَحَمَّلَا مُجَازَفَةً لَا عَنْ مَعْرِفَةٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْهُ وَأَقْصَرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَهَا قَوْلٌ أَطْوَلُ مِنْ هَذَا وَأَقْصَرُ مِنْهُ وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ لِشَهَادَةِ الْفَرْعِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَفْظٌ أَطْوَلُ مِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْخَصَّافُ وَلَفْظٌ أَقْصَرُ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الشِّعْرِ وَأَوْسَطُهَا حَمِيمٌ) فِي نُسْخَةٍ صَمِيمٌ (قَوْلُهُ: فَالْأَطْوَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ إلَخْ) نَسَبَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا إلَى الْخَصَّافِ فَقَالَ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يُكَرِّرُ لَفْظَ الشَّهَادَةِ ثَمَانِ مَرَّاتٍ وَذَكَرَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَذْكُرُ فِيهِ سِتَّ شِينَاتٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ أَنَّهُ يَكْفِي ثَلَاثُ شِينَاتٍ فِي الْإِشْهَادِ وَسِتٌّ فِي الْأَدَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ فِيهِ خَمْسُ شِينَاتٍ) أَيْ كَمَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ يَقُولُ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَيُمْكِنُ الِاقْتِصَارُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ لَفَظَاتٍ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا أَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِكَذَا وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ أَوْلَى وَأَحْوَطُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ هُوَ لَفْظُ شَهَادَتِهِ ثُمَّ يُخْبِرُ بِذَلِكَ بِصِفَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَهَادَتُهُ وَهُوَ التَّحْمِيلُ، أَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي هُوَ شَرْطٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَازَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ وَقَالَ لِي اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ وَذَلِكَ كَذِبٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْمِيلِ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ تَحْمِيلًا بِالشَّكِّ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَمْرَ الشَّاهِدِ مَحْمُولٌ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ لَا يَكْذِبُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّحْمِيلَ فَيَصِحُّ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ اهـ قَوْلُهُ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ وَهُوَ الْهِدَايَةُ وَاَلَّذِي فِيهَا خَمْسُ شِينَاتٍ كَمَا فِي الْكَنْزِ اهـ
وَأَبِي جَعْفَرٍ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رحمهم الله وَهُوَ أَسْهَلُ وَأَيْسَرُ وَأَقْصَرُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ كَانَ يُخَالِفُهُ فِيهِ عُلَمَاءُ عَصْرِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ الرِّوَايَةَ مِنْ السِّيَرِ فَانْقَادُوا لَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا شَهَادَةَ لِلْفَرْعِ إلَّا بِمَوْتِ أَصْلِهِ أَوْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ)؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا لِلْحَاجَةِ عِنْدَ عَجْزِ الْأَصْلِ، وَالْعَجْزُ يَتَحَقَّقُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ مَا لَا يَسْتَطِيعُ الْحُضُورَ مَعَهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْعَجْزِ، فَإِذَا سَقَطَ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَهُ كَيْ لَا يُتْوَى حَقُّهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَمْرُ الْقَاضِي بِالْحُضُورِ إلَى مَوْضِعِ الْمَرِيضِ شَنِيعٌ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَرُبَّمَا لَا يَتَفَرَّغُ لِلْقُعُودِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْرَاضِ،
وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ
، وَالسَّفَرُ عُذْرٌ ظَاهِرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَلَّقَتْ بِهِ أَحْكَامٌ جَمَّةٌ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ، وَالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ وَامْتِدَادِ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَسُقُوطِ الْجُمُعَةِ، وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ جَازَ الْإِشْهَادُ
إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ
، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَرْفَقُ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْحُقُوقِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَالشَّاهِدُ أَيْضًا مُحْتَسِبٌ فَلَا يُكَلَّفُ مَا فِيهِ حَرَجٌ وَفِي الْبَيْتُوتَةِ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ فَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَتِهِ
دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ وَإِحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ
وَأَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهَا تَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ حَتَّى رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَصْلُ فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ فَشَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَتِهِ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى مِنْ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ.
ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ رحمهم الله إذَا شَهِدَ الْفُرُوعُ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ، وَالْأُصُولُ فِي الْمِصْرِ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَمْلِكُ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْجَوَابِ إلَّا بِعُذْرٍ فَكَذَا لَا يَمْلِكُ الْأَصْلُ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الشَّهَادَةِ إلَّا بِعُذْرٍ، وَالْجَامِعُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْجَوَابِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَاسْتِحْقَاقِ الْحُضُورِ عَلَى الشُّهُودِ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا مَلَكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَابَةَ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْجَوَابِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَكَذَا فِي الْحُضُورِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ صَحَّ)؛ لِأَنَّ الْفُرُوعَ مِنْ أَهْلِ التَّزْكِيَةِ فَصَحَّ تَعْدِيلُهُمْ شُهُودَ الْأَصْلِ وَكَذَا إذَا عَدَّلَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ صَاحِبَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ بِتَنْفِيذِ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَوْ اُتُّهِمَ بِمِثْلِهِ لَاتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ وَكَانَ يَنْسَدُّ بَابُ الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ وَكَيْفَ يُتَّهَمُ بِهِ وَشَهَادَتُهُ لَمْ تُرَدَّ بِرَدِّ شَهَادَةِ صَاحِبِهِ بَلْ تُقْبَلُ بِضَمِّ آخَرَ مَعَهُ، وَإِنْ اتَّفَقَ الرَّدُّ فَهِيَ إنَّمَا تُرَدُّ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ وَقِيلَ لَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَ صَاحِبِهِ لِلتُّهْمَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يُتَّهَمُ بِمِثْلِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا عُدِّلُوا) أَيْ إنْ لَمْ يُعَدِّلْهُمْ الْفُرُوعُ عُدِّلُوا بِسُؤَالِ غَيْرِ الْفُرُوعِ عَنْ الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ عَلَى الْفُرُوعِ النَّقْلُ دُونَ التَّعْدِيلِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا نَقَلُوا شَهَادَتَهُمْ يَتَعَرَّفُ الْقَاضِي عَدَالَتَهُمْ كَمَا إذَا حَضَرُوا بِأَنْفُسِهِمْ وَشَهِدُوا عِنْدَهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله: لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُمْ يَنْقُلُونَ الشَّهَادَةَ وَلَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعَدَالَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إنْ كَانَ يَعْرِفُ الْفُرُوعَ، وَالْأُصُولَ بِالْعَدَالَةِ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ عَرَفَ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ بِالْعَدَالَةِ دُونَ الْآخَرِ سَأَلَ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفْهُمْ بِهَا، فَإِنْ عَدَّلَ الْأُصُولُ الْفُرُوعَ أَوْ بِالْعَكْسِ جَازَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ عَدَالَةُ الْأُصُولِ بِتَعْدِيلِ الْفُرُوعِ، وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْفُرُوعُ لِلْقَاضِي لَا نَعْرِفُ حَالَهُمْ أَوْ لَا نُخْبِرُك بِحَالِهِمْ
قَالَ رحمه الله (وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَأَخَذَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ الْفَقِيهُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الْحُضُورِ فَصَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَتِلْكَ مَشَقَّةٌ قَلِيلَةٌ فَلَا تُعْتَبَرُ تِلْكَ الْمَشَقَّةُ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ حَسَنٌ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ عَدَّلَهُمْ الْفُرُوعُ صَحَّ) وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ تَعْدِيلَهُمَا لَا يَكُونُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ فَتَعْدِيلُهُ الْأَصْلَ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ تَعْدِيلِ الْأَصْلِ نَفْسِهِ
وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْفَرْعَ نَائِبٌ عَنْ الْأَصْلِ فِي نَقْلِ عِبَارَتِهِ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَإِذَا نَقَلَ عِبَارَتَهُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَقَدْ انْتَهَى حُكْمُ النِّيَابَةِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْأَجَانِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ اُتُّهِمَ بِمِثْلِهِ لَاتُّهِمَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِ الْحَقِّ) بِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ لِيَصِيرَ قَوْلُهُ مَقْبُولًا عِنْدَ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَهَادَةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ) أَيْ الْوَاجِبَ عَلَى الْفُرُوعِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَإِنْ أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْفُرُوعِ قَالَ الْكَمَالُ: لِأَنَّ إنْكَارَهُمَا الشَّهَادَةَ إنْكَارٌ لِلتَّحْمِيلِ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الْقَبُولِ فَوَقَعَ فِي التَّحْمِيلِ تَعَارُضُ خَبَرِهِمَا بِوُقُوعِهِ وَخَبَرِ الْأُصُولِ بِعَدَمِهِ وَلَا ثُبُوتَ مَعَ التَّعَارُضِ اهـ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ: لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ التَّحْمِيلُ، فَإِذَا أَنْكَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ شَهَادَتَهُمْ لَا يُوجَدُ التَّحْمِيلُ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِعَدَمِ الشَّرْطِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ شُهُودُ الْأَصْلِ مَا لَنَا شَهَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ شُهُودُ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ أَمَّا مَعَ حَضْرَتِهِمْ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى شَهَادَةِ الْفُرُوعِ، وَإِنْ لَمْ يُنْكِرْ شُهُودُ الْأَصْلِ. اهـ. كَافِي قَالَ شَيْخُنَا رحمه الله فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي وَبِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ هُنَا أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ سَوَاءٌ أَنْكَرَ الْأُصُولُ شَهَادَتَهُمْ
أَيْ الْإِشْهَادَ، وَمَعْنَاهُ إذَا قَالَ شُهُودُ الْأَصْلِ لَمْ نَعْرِفْهُمْ وَلَمْ نُشْهِدْهُمْ عَلَى شَهَادَتِنَا فَمَاتُوا أَوْ غَابُوا ثُمَّ جَاءَ الْفُرُوعُ وَشَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ التَّحْمِيلَ شَرْطٌ وَلَمْ يَثْبُتْ لِلتَّعَارُضِ بَيْنَ خَبَرِ الْأُصُولِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّ الْأُصُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا صَادِقِينَ بِذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ التَّحْمِيلُ مَعَ الِاحْتِمَالِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى فُلَانَةِ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ بِأَلْفٍ وَقَالَا أَخْبَرَانَا أَنَّهُمَا يَعْرِفَانِهَا فَجَاءَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَا: لَا نَدْرِي أَهِيَ هَذِهِ أَمْ لَا قِيلَ لِلْمُدَّعِي هَاتِ شَاهِدَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ)؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالنِّسْبَةِ قَدْ تَحَقَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ النِّسْبَةَ لِلْحَاضِرَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ النِّسْبَةِ لِلْحَاضِرَةِ وَنَظِيرُهُ إذَا شَهِدُوا بِبَيْعِ مَحْدُودٍ بِذِكْرِ حُدُودِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ وَشَهِدُوا عَلَى الْخَصْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْمَحْدُودَ بِتِلْكَ الْحُدُودِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَصِحَّ الْقَضَاءُ بِهِ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّ الْحُدُودَ الْمَذْكُورَةَ فِي الشَّهَادَةِ حُدُودُ مَا فِي يَدِهِ قَالَ رحمه الله
(وَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَتَبَ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ أَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا شَهِدَا عِنْدِي بِكَذَا مِنْ الْمَالِ عَلَى فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ الْفُلَانِيَّةِ وَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي امْرَأَةً عِنْدَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمَنْسُوبَةَ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا هِيَ الْمَنْسُوبَةُ بِتِلْكَ النِّسْبَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لِوِلَايَتِهِ يَنْفَرِدُ بِنَقْلِ الشَّهَادَةِ إلَيْهِ وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى كُلِّ أَصْلٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) أَيْ لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا وَهُوَ الْجَدُّ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ شَرْطٌ فِيهِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعَامَّةِ وَهِيَ عَامَّةٌ وَيَحْصُلُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْخَاصَّةِ، وَالنِّسْبَةُ إلَى الْفَخْذِ خَاصَّةٌ؛ لِأَنَّ أَوَّلَ النَّسَبِ الشَّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخْذُ فَكَانَ أَخَصَّ مِنْ الْكُلِّ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَعَزَاهُ إلَى الصِّحَاحِ وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيّ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْفَصِيلَةَ آخِرَ الْكُلِّ فَالشَّعْبُ مَجْمَعُ الْقَبَائِلِ، وَالْقَبِيلَةُ مَجْمَعُ الْعَمَائِرِ، وَالْعِمَارَةُ مَجْمَعُ الْبُطُونِ، وَالْبَطْنُ مَجْمَعُ الْأَفْخَاذِ، وَالْفَخْذُ مَجْمَعُ الْفَصَائِلِ خُزَيْمَةُ شَعْبٌ وَكِنَانَةُ قَبِيلَةٌ وَقُرَيْشٌ عُمَارَةٌ وَقُصَيٌّ بَطْنٌ وَهَاشِمٌ فَخْذٌ، وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ وَسُمِّيَ الشَّعْبُ شَعْبًا؛ لِأَنَّ الْقَبَائِلَ تَتَشَعَّبُ مِنْهُ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ النَّسَبِ حُصُولُ الْعِلْمِ بِالْمَنْسُوبِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّسَبِ إلَى الْخَاصِّ دُونَ الْعَامِّ وَبَنُو تَمِيمٍ عَامٌّ فَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ والفرغانية نِسْبَةٌ عَامَّةٌ وَكَذَا السَّمَرْقَنْدِيَّة، وَالْبُخَارِيَّةُ، وَالْمِصْرِيَّةُ، والأوزجندي ةُ خَاصَّةٌ وَكَذَا النِّسْبَةُ إلَى السِّكَّةِ الصَّغِيرَةِ بِخِلَافِ الْمَحَلَّةِ الْكَبِيرَةِ ثُمَّ التَّعْرِيفُ، وَإِنْ كَانَ يَتِمُّ بِذِكْرِ الْجَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَذِكْرُ الْفَخْذِ أَوْ الْفَصِيلَةِ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ يَقُومُ مَقَامَ الْجَدِّ
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) أَيْ لَا يُضْرَبُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا يَوْجَعُ ضَرْبًا وَيُحْبَسُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله اتَّصَلَ بِشَهَادَتِهِ الْقَضَاءُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَفِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ فِيهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ إزَالَةً لِلْفَسَادِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّهَا كَبِيرَةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَيُّهَا النَّاسُ عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ الْإِشْرَاكَ بِاَللَّهِ ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30]» وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلُ الزُّورِ» ، فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ تَعْزِيرِهِ فَقَطْ لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ ضَرَبَ شَاهِدَ الزُّورِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَسَخَّمَ وَجْهَهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ شُرَيْحًا رضي الله عنه
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِنَفْسِ الْحَادِثَةِ أَوْ أَنْكَرُوا إشْهَادَهُمْ الْفُرُوعَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَلَكِنْ مَتْنُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَا صَوَّرَهُ فِي الْكَافِي لَا عَلَى مَا صَوَّرَهُ الشَّارِحُ حَيْثُ قَالَا بِإِنْكَارِ الْأَصْلِ الشَّهَادَةَ وَلَمْ يَقُولَا بِإِنْكَارِ الْإِشْهَادِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ قَالَا فِيهِمَا التَّمِيمِيَّةُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَنْسُبَاهَا إلَى فَخْذِهَا) فَسَّرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْفَخْذَ بِالْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ وَفَسَّرَهَا الْعَتَّابِيُّ بِالْأَبِ الْأَعْلَى الَّذِي يُنْسَبُ أَبُوهَا إلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَنِي تَمِيمٍ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُنْسَبُوا إلَى الْقَبِيلَةِ الْخَاصَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: الشَّعْبُ) بِفَتْحِ الشِّينِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ) أَيْ قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيّ وَقَوْلِ صَاحِبِ الصِّحَاحِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ شَهِدَ زُورًا يُشَهَّرُ وَلَا يُعَزَّرُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شَاهِدَانِ أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَمْ يُضْرَبَا وَقَالَا يُعَزَّرَانِ وَفَائِدَتُهُ أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ فِي حَقِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُكْمِ هُوَ الْمُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى الشَّهَادَةَ وَالْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ وَفَائِدَتُهُ أَيْ وَفَائِدَةُ وَضْعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ فِيمَا إذَا أَقَرَّا أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ كَذِبُ الشَّاهِدِ إلَّا بِإِقْرَارِهِ إذْ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ عَلَى أَنَّهُمَا شَهِدَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تُسْمَعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِذَا كَانَتْ كَبِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ بِالْإِجْمَاعِ) غَيْرَ أَنَّهُ اكْتَفَى بِتَشْهِيرِ حَالِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الضَّرْبِ خُفْيَةً وَهُمَا أَضَافَا إلَى ذَلِكَ الضَّرْبِ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَسَخَّمَ) يُقَالُ سَخَّمَ وَجْهَهُ إذَا سَوَّدَهُ مِنْ السُّخَامِ وَهُوَ سَوَادُ الْقُدُورِ وَقَدْ جَاءَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْأَسْحَمِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ وَفِي الْمُغْنِي وَلَا يُسَخِّمُ وَجْهَهُ بِالْخَاءِ