الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَفِي الْكَافِي قِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَقَالُوا فِيمَنْ قَالَ لَمْ أَدْفَعْ، ثُمَّ قَالَ دَفَعْتُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِلتَّنَاقُضِ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ.
رحمه الله (وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ فَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْك قَطُّ فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ) أَيْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ بِأَنْ لَمْ يَبِعْهَا هُوَ وَإِنَّمَا بَاعَهَا مِنْهُ وَكِيلُهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْعَيْبِ فَيَكُونُ صَادِقًا بِذَلِكَ وَنَظِيرُهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ شَخْصٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ وَأَقَامَ الْمُنْكِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْمَبِيعَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّأْوِيلِ أَوْ يَقُولُ أَخَذَهُ مِنِّي بِبَيِّنَةٍ كَاذِبَةٍ، ثُمَّ اسْتَقَلْتُهُ مِنْهُ فَأَقَالَنِي. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَرَاءَةِ تَغْيِيرٌ لِلْعَقْدِ مِنْ اقْتِضَاءِ وَصْفِ السَّلَامَةِ إلَى غَيْرِهِ فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْعَقْدِ إذْ الصِّفَةُ بِدُونِ الْمَوْصُوفِ لَا تُتَصَوَّرُ، وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ قَدْ يَقْضِي عَلَى مَا مَرَّ.
قَالَ رحمه الله (وَ
يَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ)
أَيْ يَبْطُلُ صَكُّ الشِّرَاءِ وَالْإِقْرَارِ إذَا كَتَبَ فِي آخِرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَبْطُلَ الشِّرَاءُ وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُبْطِلٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ كَتَبَ فِي آخَرِ الصَّكِّ فَمَنْ قَامَ بِهَذَا الْحَقِّ فَهُوَ وَكِيلٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ كَتَبَ فَمَا أَدْرَكَ فُلَانًا مِنْ دَرَكٍ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُهُ بَطَلَ الصَّكُّ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يَبْطُلَ الْإِقْرَارُ وَالشِّرَاءُ، وَقَالَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه وَهُوَ الْأَخِيرُ فَيَبْطُلُ بِهِ ضَمَانُ الدَّرَكِ وَالتَّوْكِيلِ وَيَبْقَى الدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْجُمَلِ الِاسْتِقْلَالُ وَالصَّكُّ يُكْتَبُ لِلِاسْتِيثَاقِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَى الْكُلِّ كَانَ مُبْطِلًا لَهُ فَيَكُونُ ضِدَّ مَا قَصَدُوهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه ضَرُورَةَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ كِتَابًا إلَى بَعْضِ إخْوَانِهِ أَوْ وُكَلَائِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى مَا يَلِيه حَتَّى لَا يَبْطُلَ الْكِتَابُ كُلُّهُ فَكَذَا هَذَا وَلَهُ أَنَّ الْكُلَّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ بِحُكْمِ الْعَطْفِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ كَمَا فِي الْكَلِمَاتِ الْمَعْطُوفِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مِثْلُ قَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ الْعَادَةِ إنَّمَا جَرَى بِأَنْ يَتْرُكَ فُرْجَةً أَوْ يَكْتُبَ بِخَطٍّ عَلَى حِدَةٍ، فَلَوْ فَعَلَ هُنَا ذَلِكَ انْصَرَفَ إلَى مَا يَلِيه، وَلَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ، وَلَا الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ الْفُرْجَةَ كَالسُّكُوتِ حَالَ النُّطْقِ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنَّمَا يُكْتَبُ فِي كَتْبِ الرِّسَالَةِ لِلتَّبَرُّكِ عَادَةً لَا لِلْإِبْطَالِ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ مَا يَلِيه أَيْضًا، وَفِي الصَّكِّ يَبْطُلُ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَهُمْ أَنْ يُكْتَبَ فِي أَسْفَلِ الصَّكِّ مَنْ قَامَ بِهَذَا الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ أَيْ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ بِإِثْبَاتِ مَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الْكِتَابَةِ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ رِضَا الْخَصْمِ بِالتَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَهَذَا لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الْخَصْمِ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَالْإِسْقَاطُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إذْ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ، ثُمَّ يُوَكِّلُ مَنْ شَاءَ وَقِيلَ لَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَمَّا لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يُفِيدُ الرِّضَا بِهِ وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ فَيُفِيدُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ
مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ
بَعْدَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ)، وَقَالَ زُفَرُ الْقَوْلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ حَادِثٌ وَالْأَصْلُ فِي الْحَوَادِثِ أَنْ تُضَافَ إلَى أَقْرَبِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَفِي الْكَافِي قِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ) أَيْ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ اهـ كَافِي.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ أَمَتَهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْخَصَّافُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آخَرِ أَدَبِ الْقَاضِي وَأَثْبَتَ فِيهَا الْخِلَافَ فَقَالَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ عَلَى الْبَرَاءَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تُقْبَلُ. اهـ. .
[يُبْطِل الصك بإن شَاءَ اللَّه]
(قَوْلُهُ وَقَالَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِيه) وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ كَذَا ذَكَرَ فِي الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ قِسْمِ الْمَبْسُوطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ) أَيْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يُبْطِلُ الْكُلَّ، فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَلَا يَلْزَمُ نَذْرُ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ) يَعْنِي مَنْ أَخْرَجَهُ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْمُطَالَبَةِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ كَتَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِهَذِهِ الْكِتَابَةِ. اهـ. كَمَالٌ. وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ، وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتُبْ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ وَيَلْزَمُهُ صِحَّةُ الْوَكَالَةِ لِلْمَجْهُولِ بِالْخُصُومَةِ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ كِتَابَتِهِ إثْبَاتُ رِضَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَوْكِيلِ مَنْ يُوَكِّلُهُ الْمُدَّعِي، فَلَا يَمْتَنِعُ الْمَدْيُونُ عَنْ سَمَاعِ خُصُومَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِالْخُصُومَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْخَصْمِ عِنْدَهُ وَدُفِعَ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا يَثْبُتُ الرِّضَا بِتَوْكِيلِ وَكِيلٍ مَجْهُولٍ وَالرِّضَا بِتَوْكِيلِ مَجْهُولٍ بَاطِلٌ، فَلَا يُفِيدُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْضًا وَقِيلَ بَلْ فَائِدَتُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
[مَاتَ ذمي فَقَالَتْ زَوْجَته أسلمت]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ مَاتَ ذِمِّيٌّ إلَخْ) تَرْجَمَ هُنَا فِي الْهِدَايَةِ بِفَصْلٍ فِي الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي آخِرِ أَبْوَابِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ آخِرُ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ فِي الدُّنْيَا فَكَانَ ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ مُنَاسِبًا اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُمْ) قَالَ الْكَمَالُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْوَرَثَةِ لَا تُصَدَّقُ الْوَرَثَةُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ يَكُونُ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا حَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَّا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُفْرَهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهَا أَنْ تُحَلِّفَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ اهـ
أَوْقَاتِهِ وَأَقْرَبُ أَوْقَاتِهِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَتُضَافُ إلَيْهِ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهَذَا الظَّاهِرُ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ يَعْتَبِرُهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالظَّاهِرُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ، وَلَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَحْتَهُ نَصْرَانِيَّةٌ فَجَاءَتْ مُسْلِمَةً بَعْدَ مَوْتِهِ فَقَالَتْ أَسْلَمْت قَبْلَ مَوْتِهِ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَسْلَمَتْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ أَيْضًا، وَلَا يُحَكَّمُ الْحَالُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَمَقْصُودُهَا ذَلِكَ، وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ وَيَشْهَدُ لَهُمْ ظَاهِرُ الْحُدُوثِ أَيْضًا فَحَاصِلُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَهِيَ تَدَّعِي بِهِ الِاسْتِحْقَاقَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَيَصْلُحُ لِلدَّفْعِ وَهُمْ يَدَّعُونَ بِهِ الدَّفْعَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَسَائِلُ ذُكِرَتْ عَلَى سَبِيلِ النَّقْضِ مِنْهَا مَا إذَا كَانَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ عَبْدٍ فَقَالَ رَجُلٌ فَقَأْتَ عَيْنَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي فَقَأْته وَهُوَ فِي مِلْكِي كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فَيَأْخُذُ أَرْشَهُ مِنْهُ فَاسْتُحِقَّ بِالظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ لِرَجُلٍ وَأَرْشُهُ لِغَيْرِهِ فَلِهَذَا اسْتَحَقَّهُ هُوَ لَا بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ، وَمِنْهَا مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَحُكِّمَ الْحَالُ فَكَانَ جَارِيًا فِي الْحَالِ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ بِهَذَا الظَّاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا لَا يُسْتَحَقُّ بِالظَّاهِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ مَوْجُودًا بِيَقِينٍ فَيُسْتَحَقُّ بِهِ فَهُنَا سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى السَّبَبُ وَهُوَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ مَوْجُودٌ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الزَّوْجِيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْحَالِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ وَصَارَ فَارًّا فَتَرِثُ، وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ أَبَانَهَا فِي الصِّحَّةِ، فَلَا تَرِثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا فَتَرِثُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا تَرِثُ لِأَنَّهَا تُنْكِرُ الْمَانِعَ وَهُوَ الطَّلَاقُ فِي الصِّحَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ قَالَ الْمُودِعُ هَذَا ابْنُ مُودِعِي لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ دُفِعَ الْمَالُ إلَيْهِ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةً فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ هَذَا ابْنُ الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الْمَالِ إلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِأَنَّ مَا فِي يَدِهِ مِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ وَهُوَ حَيٌّ أَصَالَةً بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُودِعِ بِالْقَبْضِ أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُودَعِ فِي الْعَيْنِ بِإِزَالَتِهَا عَنْ يَدِهِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمَالِكِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِخِلَافِ الْمَدِينِ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ وَكِيلُ الطَّالِبِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ حَيْثُ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِخَالِصِ حَقِّهِ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ قَالَ عَلَاءُ الدِّينِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ سَاعٍ فِي نَقْضِ مَا أَوْجَبَهُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ الْمُودَعِ وَالْحِفْظُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ بِالدَّفْعِ مُتَعَدِّيًا وَلِهَذَا يَضْمَنُ إذَا جَاءَ الْمُودَعُ وَأَنْكَرَ التَّوْكِيلَ، وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ عِنْدَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ لَا يَضْمَنُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ لِأَنَّهُ فِي زَعْمِهِ وَكِيلٌ وَالْمَنْعُ مِنْ وَكِيلِهِ كَالْمَنْعِ مِنْهُ، وَاخْتُلِفَ فِي اللُّقَطَةِ إذَا أَقَرَّ الْمُلْتَقِطُ أَنَّهَا لِفُلَانٍ هَلْ يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ، وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَصَدَّقَهُ مُودِعُ الْمَيِّتِ أَوْ غَاصِبُهُ أَوْ وَصِيُّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ قَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ قُلْنَا سَبَبُ الْحِرْمَانِ ثَابِتٌ) أَيْ سَبَبُ حِرْمَانِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ إسْلَامُهَا مِنْ مِيرَاثِ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ ثَابِتٌ فِي الْحَالِ وَتُحَكَّمُ الْحَالُ عِنْدَ عَدَمِ دَلِيلٍ آخَرَ وَاجِبٍ، وَالْحَالُ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ فِيمَا مَضَى تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ) هُوَ اسْتِصْحَابٌ أَعْنِي اسْتِصْحَابَ الْمَاضِي لِلْحَالِ نَعْتَبِرُهُ لِلدَّفْعِ وَمَا ذَكَرَهُ اسْتِصْحَابٌ عَكْسُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ يَكُونُ مِنْ الْمَاضِي لِلْحَالِ وَمِنْ الْحَالِ إلَى الْمَاضِي، وَلَكِنَّهُ اعْتَبَرَهُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَلَيْسَ حُكْمُ الِاسْتِصْحَابِ كَذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِجَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ مَا إذَا اخْتَلَفَ مَالِكُهَا مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا طَالَبَهُ بِمُدَّةٍ فَقَالَ كَانَ الْمَاءُ مُنْقَطِعًا حُكْمُ جَرَيَانِهِ فِي الْحَالِ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَطِعًا فِي الْحَالِ فَيُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي لِرَفْعِ أُجْرَةِ اسْتِحْقَاقِ الْمَاضِي فَكَذَا هَذَا وَالتَّعْبِيرُ بِالِاسْتِصْحَابِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالظَّاهِرِ، فَإِنْ مَا يَثْبُتُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ كَثِيرًا مَا يَكُونُ ظَاهِرًا كَأَخْبَارِ الْآحَادِ قَدْ تُثْبِتُ مَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقًا. اهـ. كَمَالٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ كَمَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ اخْتَلَفَا فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يَقُولُ الْمَاءُ مُنْقَطِعٌ، فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ وَقَالَ الْآجِرُ جَارٍ فَيَجِبُ الْأَجْرُ فَلَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي الْحَالِ جَارِيًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْآجِرِ، وَلَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا حُكْمٌ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فِي حَقِّ مَا مَضَى بِخِلَافِ الْمَفْقُودِ فَإِنَّ هُنَاكَ حُكْمًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ الْمَاضِي فِي حَقِّ الْحَالِ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالِاسْتِصْحَابِ تَارَةً يَكُونُ فِي الْحَالِ لِلْمَاضِي وَتَارَةً مِنْ الْمَاضِي إلَى الْحَالِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَرَثَةُ فَمُرَادُهُمْ الدَّفْعُ) أَيْ وَالِاسْتِصْحَابُ يَكْفِي لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ اسْتِصْحَابُ مَا فِي الْمَاضِي مِنْ كُفْرِهَا إلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَالْمَسْأَلَتَانِ مَبْنِيَّتَانِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ اُعْتُبِرَ فِيهِمَا لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ) أَيْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقِيَامِ حَقِّ الْمُودَعِ وَمِلْكِهِ فِي الْوَدِيعَةِ الْآنَ إذْ هُوَ حَيٌّ فَيَكُونُ إقْرَارًا عَلَى مَالِ الْغَيْرِ، وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِلْكِهِ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مِلْكِ مَالِكٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ لِلْحَالِ وَفِي فَصْلِ الشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِزَوَالِ مِلْكِ الْمُودَعِ لَكِنْ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَعْنِي الْمَالِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ مِلْكِهِ بِإِقْرَارِهِ فَصَارَ كَالْإِقْرَارِ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ إذْ الدُّيُونُ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا) وَالْمِثْلُ مِلْكُ الْمُقِرِّ. اهـ. كَمَالٌ وَقَوْلُهُ بِأَمْثَالِهَا أَيْ لَا بِأَعْيَانِهَا فَكَانَ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَصَحَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَى الْوَكِيلِ فِي الْوَدِيعَةِ) يَعْنِي لَوْ دَفَعَ إلَى الَّذِي اعْتَرَفَ لَهُ بِالْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الْوَدِيعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ إلَى الْوَكِيلِ حَتَّى ضَاعَتْ) قِيلَ يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ وَكِيلِ الْمُودِعِ فِي زَعْمِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَنَعَهَا مِنْ نَفْسِ الْمُودِعِ وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ. اهـ. كَمَالٌ
- رحمه الله (وَإِنْ قَالَ لِآخَرَ هَذَا ابْنُهُ أَيْضًا، وَكَذَّبَهُ الْأَوَّلُ قَضَى لِلْأَوَّلِ) يَعْنِي قَالَ مُودَعُ الْمَيِّتِ لِرَجُلٍ آخَرَ بَعْدَ مَا أَقَرَّ لِلْأَوَّلِ هَذَا أَيْضًا ابْنُهُ، وَكَذَّبَهُ الِابْنُ الْأَوَّلُ قُضِيَ بِالْمَالِ لِلِابْنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ قَدْ صَحَّ وَانْقَطَعَ يَدُهُ عَنْ الْمَالِ فَيَكُونُ هَذَا إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ، فَلَا يَصِحُّ كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا مَعْرُوفًا بِخِلَافِ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قُبِلَ لِعَدَمِ مَنْ يُكَذِّبُهُ، فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ الْمُودِعُ هُنَا لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَمَا قُلْنَا فِي مُودِعِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ إذَا بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ بِمَا فِي يَدِهِ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ سَلَّمَهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْقَاضِي عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ قُلْنَا هُنَا أَيْضًا يَضْمَنُ نَصِيبَهُ إذَا دَفَعَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ.
قَالَ رحمه الله (مِيرَاثٌ قُسِّمَ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ لَا يُكْفَلُ مِنْهُمْ، وَلَا مِنْ وَارِثٍ) وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَهُوَ ظُلْمٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ مِنْهُمْ وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ تَقُلْ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ يَأْخُذُ كَفِيلًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ قَالُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَفِيلٌ بِالِاتِّفَاقِ وَتَفْصِيلُ مَا يُقْسَمُ مِنْ التَّرِكَةِ بِقَوْلِهِمْ وَمَا لَا يُقْسَمُ وَمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَدَدِ الْوَرَثَةِ وَمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ يُذْكَرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ لِلْغَيْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَارِثٌ أَوْ غَرِيمٌ غَائِبٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِي بَغْتَةً فَيُحْتَاطُ بِالْكَفَالَةِ كَمَا إذَا دَفَعَ اللُّقَطَةَ أَوْ الْآبِقَ إلَى صَاحِبِهِ أَوْ أَعْطَى امْرَأَةَ الْغَائِبِ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ حَقَّ الْحَاضِرِ ثَابِتٌ قَطْعًا أَوْ ظَاهِرًا، فَلَا يُؤَخَّرُ لِأَجْلِ الْمَوْهُومِ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ كَمَا إذَا ثَبَتَ الشِّرَاءُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ أَوْ أَثْبَتَ الدَّيْنَ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى بِيعَ فِي دَيْنِهِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ مَأْمُورٌ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهُ لَا بِطَلَبِ مَا لَمْ يَظْهَرْ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ أَرَأَيْت أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ كَفِيلًا كَانَ يَمْنَعُ حَقَّهُ وَلِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَمَا إذَا كَفَلَ لِأَحَدِ الْغُرَمَاءِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ ثَابِتٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَالْآبِقُ وَاللُّقَطَةُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَصَحِّ إنْ كَانَ الدَّفْعُ إلَيْهِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ حَرُمَ تَأْخِيرُ حَقِّهِ، وَلَا كَذَلِكَ الدَّفْعُ بِذِكْرِ الْعَلَامَةِ لِأَنَّ الدَّفْعَ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ فَلِهَذَا جَازَ مَنْعُهُ فَكَذَا تَأْخِيرُهُ لِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَيْهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ ظُلْمًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي مَنْعُ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ بَعْدَ ظُهُورِهِ يَقِينًا شَرْعًا لِأَجَلٍ مُوهَمٍ غَيْرَ ثَابِتٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَهْمَ مَوْجُودٌ، وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا آخَرَ، وَلَوْ كَانَ لِأَجْلِ الْوَهْمِ تَكْفِيلٌ لَوَجَبَ التَّكْفِيلُ فِيهِ بِخِلَافِ التَّلَوُّمِ فَإِنَّهُ فِي التَّلَوُّمِ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ بِطَلَبِ عِلْمٍ زَائِدٍ بِانْتِفَاءِ الشَّرِيكِ الْمُسْتَحِقِّ مَعَهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَمِثْلُهُ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَطْلُبُ مِنْ الشُّهُودِ أَنْ يَقُولُوا لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَهُوَ لَيْسَ بِشَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّفْيِ لَا تَجُوزُ، وَلَكِنَّهُ يُزَادُ بِهِ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ فَكَذَا التَّلَوُّمُ، وَقَدْرُ مُدَّتِهِ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَقَدَّرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِالْحَوْلِ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ ظُلْمٌ أَيْ مَيْلٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَعَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله بَرِئَ عَنْ الِاعْتِزَالِ لَا كَمَا ظَنَّهُ الْبَعْضُ بِسَبَبِ مَا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِيُوسُفَ بْنِ خَالِدٍ السَّمْتِيِّ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَالْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ وَاحِدٌ قُلْنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ إذْ هُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ عَمَلِهِ حَتَّى يُحْكَمَ بِصِحَّتِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَإِنْ أَخْطَأَ الْحَقَّ الَّذِي هُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ أَصَابَ الْحَقَّ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا لِنَفْسِهِ وَلِأَخٍ لَهُ غَائِبٍ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ أَخْذَ نِصْفَ الْمُدَّعَى فَقَطْ) يَعْنِي أَخَذَ النِّصْفَ الَّذِي هُوَ نَصِيبُ الْحَاضِرِ وَتَرَكَ نَصِيبَ الْغَائِبِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ، وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ كَمَا إذَا كَانَ الْأَوَّلُ ابْنًا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ يَضْمَنُ لِلِابْنِ الثَّانِي قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّهُ لَا يَغْرَمُ الْمُودِعُ لِلِابْنِ الثَّانِي شَيْئًا بِإِقْرَارِهِ لَهُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّلَفُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْبُنُوَّةِ ثُبُوتُ الْإِرْثِ، فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِالْبُنُوَّةِ إقْرَارًا بِالْمَالِ وَفِي الدِّرَايَةِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا يَضْمَنُ الْمُودِعُ نِصْفَ مَا أَدَّى لِلِابْنِ الثَّانِي الَّذِي أَقَرَّ لَهُ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلثَّانِي صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ شَيْءٌ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَهَذَا شَيْءٌ احْتَاطَ بِهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ) كَأَنَّهُ عَنَى بِهِ ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ بِالْكُوفَةِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ لَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ حَتَّى يَكْفُلُوا اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ قُلْنَا مَعْنَاهُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بِالِاجْتِهَادِ) أَيْ حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ اجْتِهَادُهُ مُخَالِفًا لِلْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ تَلَاعَنَا ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ. جَعَلَ قَضَاءَهُ صَوَابًا مَعَ فَتْوَاهُ أَنَّهُ مُخْطِئٌ الْحَقَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي التَّقْوِيمِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ ادَّعَى دَارًا إرْثًا إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَارٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فُلَانٍ وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا قَالَ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِنِصْفِهَا وَيَتْرُكُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ فِي يَدِ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إذَا جَحَدَهَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَجَعَلَهَا فِي يَدَيْ أَمِينٍ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَحَدَهَا تَرَكَ النِّصْفَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يَقْدُمَ الْغَائِبُ الْآخَرُ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْمُخْتَلَفِ قِيلَ إنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ؟ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِي الْقَضَاءِ، وَلَكِنْ فِي تَرْكِ نَصِيبِهِ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ إلَى هُنَا لَفْظُ الْمُخْتَلَفِ. اهـ. غَايَةٌ