الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَقُّهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالِاسْتِحْقَاقِ لَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قُتِلَ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَالِيَّةِ بِهِ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُقَالُ يُنْتَقَضُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مَرِيضًا وَمَاتَ عِنْدَهُ وَبِمَا إذَا قُطِعَ عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ وَمَاتَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِهِ وَبِمَا إذَا زَنَى عِنْدَ الْبَائِعِ ثُمَّ بَاعَهُ وَجُلِدَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَمَاتَ بِهِ حَيْثُ لَا يَرْجِعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَّا بِالنُّقْصَانِ عِنْدَهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا، وَإِنْ مَاتَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمَرِيضُ وَالْمَقْطُوعُ عِنْدَ الْبَائِعِ مَاتَا بِزِيَادَةِ الْآلَامِ وَتَرَادُفِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ لَمْ تُوجَدْ عِنْدَ الْبَائِعِ وَزِنَا الْعَبْدِ يُوجِبُ الْجَلْدَ وَالْقَتْلُ غَيْرُهُ فَلَا يُؤَاخَذُ الْبَائِعُ بِمَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ.
قَالَ (وَلَوْ بَرِئَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الْكُلَّ وَلَا يُرَدُّ بِعَيْبٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَعُدَّ الْعُيُوبَ وَفِي جَوَازِ الْبَيْعِ بِهَذَا الشَّرْطِ لَهُ قَوْلَانِ وَعَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ عِنْدَهُ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِبْرَاءِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشُّرُوطِ وَتَمْلِيكُ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ كَبَيْعِهِ وَنَحْنُ نَقُولُ: هَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَلَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ، وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْعَيْبِ مَعَ التَّسْمِيَةِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُشْتَرِي وَقَدْ جَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَجْلِسِ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّوَانِيقِيِّ مُنَاظَرَةٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ جَارِيَةً فِي مَوْضِعِ الْمَأْتِيِّ مِنْهَا عَيْبٌ أَوْ غُلَامًا فِي ذَكَرِهِ عَيْبٌ أَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُرِيَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهَا أَوْ مِنْهُ وَلَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ بِهِ هَكَذَا حَتَّى أَفْحَمَهُ وَضَحِكَ الْخَلِيفَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا يُدْخِلُ فِيهِ الْعَيْبَ الْحَادِثَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَتَنَاوَلُ الثَّابِتَ قُلْنَا الْغَرَضُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ صِفَةِ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ الْمَوْجُودِ وَالْحَادِثِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قِبَلَ الْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ لِيَمْلِكَهُ أَوْ لِيُبْرِئَهُ بَلْ هَذَا بَيَانٌ لِاتِّحَادِ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ السَّلَامَةِ.
وَالْعَقْدُ قَابِلٌ لِذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا وَهُوَ يَعْلَمُهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ يَحْدُثُ بِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ كُلِّ حَقٍّ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْحَقُّ الْقَائِمُ لَا غَيْرَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ إيجَادُ الْعَقْدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ سَلَامَةَ الْمَبِيعِ عَنْ الْعَيْبِ فَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ بِهِ لَمْ يَنْصَرِفْ إلَى الْحَادِثِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْمَوْجُودَ وَقْتَ الْعَقْدِ بِالْبَرَاءَةِ.
(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ لِعَدَمِ فَوَاتِ الْمَالِيَّةِ بِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّ بِالْإِعْتَاقِ فَاتَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي فَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِقَاضُهُ بِالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ. اهـ. .
[بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ]
(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ) لَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ بِنَوْعَيْهِ اللَّازِمِ وَغَيْرِ اللَّازِمِ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَصْلُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا ذَاتًا وَصِفَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ جُمْلَةُ مَا يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا أَوْ ثَمَنُهُ أَوْ يَكُونَ مُحَرَّمًا أَوْ ثَمَنُهُ أَوْ يَكُونَ فِي الْمَبِيعِ حَقٌّ لِغَيْرِ بَائِعِهِ لَا يَجُوزُ لِلْبَائِعِ فَسْخُهُ أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ شَرْطًا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يُوجِبُهَا الْعَقْدُ أَوْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِمَّا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ أَوْ يَكُونُ فِي الْمَبِيعِ عَرْضٌ أَوْ فِي ثَمَنِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَوْ بَيْعُ مَا يَقْبِضُهُ الْبَائِعُ وَكَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَشْتَرِي بِهِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَلِكَ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ وَشَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَوْصَافِ وَالْأَتْبَاعِ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ إلَّا بِضَرَرٍ وَإِنْ تَبَعَّضَ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ بَيْعُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ رحمه الله وَالْمُرَادُ مِنْ الْجَهَالَةِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْتَنِعْ التَّسْلِيمُ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ كَجَهَالَةِ كَيْلِ الصُّبْرَةِ وَعَدَدِ الثِّيَابِ الْمُعَيَّنَةِ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبِيعِ أَوْ ثَمَنِهِ مُحَرَّمًا فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَوْ بَيْعِهِمَا وَسَيَجِيءُ بَيَانُ ذَلِكَ، وَأَمَّا كَوْنُ الْمَبِيعِ حَقًّا لِغَيْرِ الْبَائِعِ فَكَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ فَاسِدٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ مَوْقُوفٌ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْقُوفٌ، وَقَوْلُهُ فَاسِدٌ مَعْنَاهُ لَا حُكْمَ لَهُ فَكَانَ فَاسِدًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْإِيضَاحِ تَفْسِيرُ اشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يُوجِبُهَا الْعَقْدُ كَاشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ لِلْبَائِعِ كَمَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَنْ أَهَبَ لَك وَأَقْرِضَ لَك وَكَاشْتِرَاطِهَا لِلْمُشْتَرِي نَحْوَ إنْ قَالَ اشْتَرَيْت عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي وَكَاشْتِرَاطِهَا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا إذَا قَالَ: عَلَيَّ أَنْ تُعْتِقَهُ أَوْ تُدَبِّرَهُ وَكَاشْتِرَاطِهَا لِإِنْسَانٍ آخَرَ نَحْوُ إنْ قَالَ أَنْ تُقْرِضَ فُلَانًا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» أَمَّا إذَا كَانَ شَرْطًا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ كَاشْتِرَاطِ حَبْسِ الْمَبِيعِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ بَيْعُ الرَّهْنِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْعُ الطَّيْرِ الَّذِي طَارَ مِنْ يَدِهِ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْآبِقِ وَكَذَلِكَ إذَا تَمَكَّنَ الْغَرَرُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ كَبَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ فَأَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ فَهُوَ بَيْعُ الْغَرَرِ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْهُ فَهُوَ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْبَائِعُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ
الْبَيْعُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ صَحِيحٌ وَهُوَ الْمَشْرُوعُ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ وَيُفِيدُ الْحُكْمَ بِنَفْسِهِ إذَا خَلَا عَنْ الْمَوَانِعِ، وَبَاطِلٌ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلًا وَفَاسِدٌ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَمَوْقُوفٌ وَهُوَ يُفِيدُ الْحُكْمَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَقُّفِ وَامْتَنَعَ تَمَامُهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ بَيْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ.
قَالَ رحمه الله (لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ) لِعَدَمِ رُكْنِ الْبَيْعِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَبَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ (فَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَضْمَنْ)؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَقِيلَ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ بَيْعَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ كَالْحُرِّ وَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي مَاتَتْ حَتْفَ أَنْفِهَا وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مَالًا عِنْدَ الْبَعْضِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ الَّتِي لَمْ تَمُتْ حَتْفَ أَنْفِهَا مِثْلَ الْمَوْقُوذَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَإِنْ بِيعَتْ بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ بِيعَتْ بِعَيْنٍ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهَا حَتَّى يَمْلِكَ وَيَضْمَنَ بِالْقَبْضِ، بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا حَتَّى لَا تَضْمَنَ وَلَا تَمْلِكَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ لِمَا أَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِإِهَانَتِهَا وَفِي تَمَلُّكِهَا بِالْعَقْدِ مَقْصُودًا إعْزَازٌ لَهَا فَكَانَ بَاطِلًا وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ غَيْرُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِ مَا فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ وَهُوَ كَبَيْعِ الْمَغْصُوبِ يَصِحُّ مِنْ الْغَاصِبِ وَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ مُنْكِرًا وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ عَاجِزٌ عَنْ التَّسْلِيمِ وَكَذَلِكَ الصَّفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ نَحْوَ إنْ قَالَ أَبِيعُك هَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ وَعَنْ بَيْعَيْنِ فِي بَيْعٍ» وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك هَذَا بِقَفِيزَيْنِ حِنْطَةً أَوْ بِقَفِيزَيْنِ شَعِيرًا وَهَذَا بَيْعَانِ فِي بَيْعٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ» كَمَا إذَا قَالَ إنْ أَعْطَيْتنِي الثَّمَنَ حَالًّا فَبِكَذَا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَبِكَذَا وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْأَوْصَافِ مِنْ الْحَيَوَانِ كَبَيْعِ الْأَلْيَة مِنْ الشَّاةِ الْحَيَّةِ؛ لِأَنَّهَا حَرَامٌ قَبْلَ الذَّبْحِ وَإِيجَابُ الذَّبْحِ عَلَى الْبَائِعِ ضَرَرٌ بِهِ، وَكَذَا بَيْعُ الْأَتْبَاعِ كَبَيْعِ نِتَاجِ الْفَرَسِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَبَلَةِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ وَفِي اللَّبَنِ غَرَرٌ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ انْتِفَاخٌ، وَكَذَا بَيْعُ مَا لَا يَتَبَعَّضُ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ إلَّا بِضَرَرٍ كَبَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ جَازَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَكَبَيْعِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَشِرَاءِ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مُصَنَّفَ الْقُدُورِيِّ رحمه الله لَقَّبَ الْبَابَ بِالْفَاسِدِ وَإِنْ ابْتَدَأَ بِالْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِقَوْلِهِ كَالْبَيْعِ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَاطِلٍ فَاسِدٌ وَلَا يَنْعَكِسُ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَاطِلَ مُضْمَحِلُّ الْأَصْلِ وَالْوَصْفِ جَمِيعًا وَالْفَاسِدُ مُضْمَحِلُّ الْوَصْفِ دُونَ الْأَصْلِ كَالْجَوْهَرِ إذَا تَغَيَّرَ وَاصْفَرَّ يُقَالُ فَسَدَ وَإِذَا لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِشَيْءٍ يُقَالُ بَطَلَ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله ثُمَّ وَجْهُ تَقْدِيمِ الصَّحِيحِ عَلَى الْفَاسِدِ أَنَّهُ الْمُوَصِّلُ إلَى تَمَامِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ سَلَامَةُ الدِّينِ الَّتِي شُرِّعَتْ لَهَا الْعُقُودُ لِيَنْدَفِعَ التَّغَالُبُ وَالْوُصُولُ إلَى الْحَاجَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالصِّحَّةِ، وَأَمَّا الْفَاسِدُ فَعَقْدٌ مُخَالِفٌ لِلدِّينِ ثُمَّ إنْ أَفَادَ الْمِلْكَ وَهُوَ مَقْصُودٌ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنْ لَا يُفِيدُ تَمَامَهُ إذْ لَمْ يَنْقَطِعْ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ مِنْ الْمَبِيعِ وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ إذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُمَّ لَفْظُ الْفَاسِدِ فِي قَوْلِهِ بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَفِي قَوْلِهِ إذَا كَانَ الْعِوَضَانِ أَوْ كِلَاهُمَا مُحَرَّمًا فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَعَمِّ مِنْ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ فَالشَّارِحُونَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَاسِدَ أَعَمُّ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَصْفِهِ بَلْ بِأَصْلِهِ وَالْبَاطِلَ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِ الْمَشْرُوعِ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُقَالُ حَقِيقَةً عَلَى الْبَاطِلِ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يُبَايِنُهُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ حُكْمَ الْفَاسِدِ إفَادَةُ الْمِلْكِ بِطَرِيقِهِ وَالْبَاطِلُ لَا يُفِيدُ أَصْلًا فَقَابَلُوهُ بِهِ وَأَعْطَوْهُ حُكْمًا يُبَايِنُ حُكْمَهُ وَهُوَ دَلِيلُ تَبَايُنِهِمَا بِتَبَايُنِهِمَا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ فِي مَفْهُومِهِ أَوْ لَازِمٌ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لَا وَصْفِهِ وَفِي الْبَاطِلِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ بِأَصْلِهِ وَغَيْرَ الْمَشْرُوعِ مُتَبَايِنَانِ فَكَيْفَ يَتَصَادَقَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْفَاسِدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ الْمَشْرُوعِ بِأَصْلِهِ لَا بِوَصْفِهِ فِي الْعُرْفِ لَكِنْ نَجْعَلُهُ مَجَازًا عُرْفِيًّا فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَلِهَذَا وَجَّهَ بَعْضُهُمْ الْأَعَمِّيَّةَ بِأَنَّهُ يُقَالُ لِلَّحْمِ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ لِلدُّودِ وَالسُّوسِ بَطَلَ اللَّحْمُ وَإِذَا أَنْتَنَ وَهُوَ بِحَيْثُ يُنْتَفَعُ بِهِ فَسَدَ اللَّحْمُ فَاعْتُبِرَ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا أَدْخَلَهُ بَعْضُهُمْ أَيْضًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِشُمُولِهِ الْمَكْرُوهَ؛ لِأَنَّهُ فَائِتُ وَصْفِ الْكَمَالِ بِسَبَبِ وَصْفِ مُجَاوِرِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْمَيْتَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا الْبَيْعُ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْحُرِّ وَذَلِكَ لِانْعِدَامِ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ عَلَى التَّرَاضِي وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ دِينٌ سَمَاوِيٌّ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ وَيُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً بِأَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي عَقِيبَ الْبَيْعِ وَلَا يَنْهَاهُ الْبَائِعُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ عِنْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَكِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ التَّقَوُّمَ بِدَلِيلِ حِلِّ الْإِتْلَافِ بِلَا ضَمَانٍ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَالٌ صَلَحَ ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَمْ يَصْلُحْ ثَمَنًا فَكَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ وَهُوَ الْفَاسِدُ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَمْلِكَ) أَيْ فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي بِهَا عَبْدًا فَعَتَقَهُ الْمُشْتَرِي نَفَذَ عِتْقُهُ
مَقْصُودَةٍ.
وَإِنَّمَا هِيَ وَسَائِلُ وَالْمَقْصُودُ تَحْصِيلُهَا فَكَانَ بَاطِلًا إهَانَةً لَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَةً بِأَنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَحْصِيلُ مَا يُقَابِلُهَا وَفِيهِ إعْزَازٌ لَهُ لَا لَهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَبَعٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْأَصْلُ هُوَ الْمَبِيعُ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَبِيعَتْ بِعَيْنٍ مُقَايَضَةً صَارَ فَاسِدًا فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهَا بَاطِلًا فِي حَقِّهَا وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ كَالْخَمْرِ فِيمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّهُ مَرْغُوبٌ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ فَصَارَ مَالًا مِنْ وَجْهٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا وَجَعَلَهُ الْبَزْدَوِيُّ كَالْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ بَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ مِنْ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْعِتْقِ قَدْ ثَبَتَ لِأُمِّ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ عليه السلام «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ فِي الْحَالِ لِبُطْلَانِ أَهْلِيَّةِ الْمَوْلَى بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْمُكَاتَبُ اسْتَحَقَّ يَدًا عَلَى نَفْسِهِ وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَوْ ثَبَتَ فِيهِ الْمِلْكُ لَبَطَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَوْ بِيعَ الْمُكَاتَبُ بِرِضَاهُ صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ اقْتِضَاءً؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ: إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ مُلِكَ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ بِالْمَحَلِّ.
وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لِحَقِّهِ فِي نَفْسِهِ فَاعْتُبِرَ ذِكْرُهُ فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهُ فَانْعَقَدَ الْعَقْدُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَبِيعَ مَعَهُ وَلَوْ كَانَ كَالْحُرِّ لَبَطَلَ وَيُؤَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ مَا يُقَابِلُهُ وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا مَقْبُوضَانِ بِجِهَةِ الْبَيْعِ وَهُمَا مَالٌ حَقِيقَةً، وَلِهَذَا يُمْلَكُ مَا ضُمَّ إلَيْهِمَا فِي الْبَيْعِ فَيَضْمَنَانِ بِهِ ضَرُورَةً كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْقَبْضُ وَهَذَا الضَّمَانُ يَجِبُ بِهِ، وَلَهُ أَنَّ شُبْهَةَ الْبَيْعِ إنَّمَا تَلْحَقُ بِحَقِيقَتِهِ فِي مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْحَقِيقَةَ وَهُمَا لَا يَقْبَلَانِ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ فَصَارَا كَالْمُكَاتَبِ وَلَيْسَ دُخُولُهُمَا فِي الْبَيْعِ فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمَا بَلْ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا كَمَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَحْدَهُ وَيَدْخُلُ فِي حَقِّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي ظَهِيرُ الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُ فِيهِ فِي حَقِّ مَا ضُمَّ إلَيْهِ حَتَّى يَنْقَسِمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا لَا غَيْرُ. وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْفَرْقُ لَهُ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ جِهَةَ الْبَيْعِ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ هُنَا فَإِذَا بَطَلَتْ لِعَدَمِ مَحِلِّهِ بَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ.
قَالَ (وَالسَّمَكِ قَبْلَ الصَّيْدِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السَّمَكِ قَبْلَ الِاصْطِيَادِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ «لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَرَرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَمْ يُمْلَكْ فَلَا يَجُوزُ ثُمَّ هُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ بَاعَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ لَا يَجُوزُ لِمَا بَيَّنَّا وَإِنْ أَخَذَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الْحَظِيرَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْحَظِيرَةُ كَبِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَوْ سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي بَيْعِ الْآبِقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَهُ وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ وَيَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ التَّسْلِيمِ لَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ فِي الْمَاءِ؛ لِأَنَّ السَّمَكَ يَتَفَاوَتُ فِي الْمَاءِ وَخَارِجِهِ، وَكَذَا لَوْ دَخَلَ السَّمَكُ الْحَظِيرَةَ بِاحْتِيَالِهِ بِأَنْ سَدَّ عَلَيْهِ فُوَّهَةَ النَّهْرِ أَوْ سَدَّ مَوْضِعَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ لِأَنَّهُ لَمَّا اُحْتُبِسَ فِيهِ بِاحْتِيَالِهِ صَارَ آخِذًا لَهُ وَمَلَكَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَيْسَ بِإِحْرَازٍ لَهُ فَصَارَ كَطَيْرٍ دَخَلَ الْبَيْتَ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ الْحَظِيرَةَ لِلِاصْطِيَادِ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ مَلَكَهُ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ فَإِنْ اجْتَمَعَ السَّمَكُ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ وَلَمْ يَسُدَّ عَلَيْهِ الْمَدْخَلَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ حِيلَةٍ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ.
قَالَ (وَالطَّيْر فِي الْهَوَاءِ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ وَبَعْدَهُ غَيْرُ مَقْدُورِ التَّسْلِيمِ وَهَذَا إذَا كَانَ يَطِيرُ وَلَا يَرْجِعُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَكْرٌ عِنْدَهُ يَطِيرُ مِنْهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ يَعُودُ إلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ صَيْدًا قَبْلَ أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِأَنْ كَانَتْ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ) أَيْ الْخَمْرُ إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا فِيهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَسَبَبُ الْحُرِّيَّةِ الْعَقْدُ إلَخْ) كَأَنَّهُ جَوَابٌ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَى أَصْلِنَا مِنْ أَنَّ التَّعْلِيقَاتِ لَيْسَتْ بِأَسْبَابٍ فِي الْحَالِ فَقَالَ لَمَّا كَانَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ بُطْلَانِ الْأَهْلِيَّةِ انْعَقَدَ التَّدْبِيرُ سَبَبًا فِي الْحَالِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَخَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى) أَيْ وَجَوَازُ الْبَيْعِ يَقِفُ عَلَى الْيَدِ بِدَلِيلِ الْآبِقِ وَالْمَغْصُوبِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: صَحَّ فِي الْأَظْهَرِ) احْتِرَازًا عَنْ رِوَايَةِ النَّوَادِرِ اهـ ق (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْعَقْدِ) أَيْ بِخِلَافِ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَصْلًا فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيهِ وَفِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ) أَيْ حَتَّى لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا تُفِيدُ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُمَا) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: بَلْ لِيَثْبُتَ حُكْمُ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى إنْسَانٌ مَالَ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ ضَمَّهُ مَعَ عَبْدِ الْبَائِعِ صَفْقَةً وَاحِدَةً فَإِنَّ عَبْدَهُ يَدْخُلُ فِي شِرَائِهِ لِيُثْبِتَ الْمِلْكَ فِي حَقِّ عَبْدِ الْبَائِعِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ لِيُثْبِتَ حُكْمَ الْبَيْعِ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِمَا كَمَالِ الْمُشْتَرِي اهـ.
(قَوْلُهُ: لَيْسَ بِإِحْرَازٍ لَهُ) سَيَأْتِي فِي الْمَقَالَةِ الْآتِيَةِ مَا يُخَالِفُهُ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ اجْتَمَعَ السَّمَكُ فِي الْحَظِيرَةِ بِنَفْسِهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَمَّا إذَا اجْتَمَعَتْ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ احْتِيَالٍ لِأَخْذِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْنَ الْخُرُوجَ كَمَا إذَا أَفْرَخَ الصَّيْدُ فِي أَرْضِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَّخِذَ لَهُ مَكَانًا فَإِذَا اتَّخَذَ لَهُ مَكَانًا كَانَ مِلْكًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ. اهـ. .
وَبَعْدَهُ يَجُوزُ إنْ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَكَان يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهُ إلَّا بِحِيلَةٍ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَلَوْ أَخَذَهُ وَسَلَّمَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي الْآبِقِ وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي أَرْضِهِ الصَّيْدُ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَخْذِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ، وَلِهَذَا لَوْ بَاضَ فِيهَا بَيْضًا أَوْ تَنَكَّسَ الصَّيْدُ أَوْ تَكَسَّرَ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ إيَّاهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عَسَّلَ فِيهِ النَّحْلُ حَيْثُ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْعَسَلَ قَائِمٌ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ كَالْأَشْجَارِ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي الْعَسَلِ الْعُشْرُ إذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْعُشْرِ كَالثِّمَارِ وَهَذَا إذَا لَمْ يُهَيِّئْ أَرْضَهُ لِذَلِكَ فَإِنْ هَيَّأَهَا لَهُ بِأَنْ حَفَرَ فِيهَا بِئْرًا لِلِاصْطِيَادِ أَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَدَخَلَ فِيهِ صَيْدٌ أَوْ تَعَقَّلَ بِهِ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ التَّهْيِئَةَ أَحَدُ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَطَّ طَسْتًا لِيَقَعَ فِيهِ الْمَطَرُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ، وَكَذَا لَوْ بَسَطَ ذَيْلَهُ عِنْدَ النِّثَارِ لِيَقَعَ فِيهِ الشَّيْءُ الْمَنْثُورُ مَلَكَهُ بِالْوُقُوعِ فِيهِ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ دَخَلَ الصَّيْدُ دَارِهِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ كَانَ الصَّيْدُ لَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فِي الطَّيْرِ لَا يَكُونُ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ (وَالْحَمْلِ وَالنِّتَاجِ) فَالْحَمْلُ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ وَالنِّتَاجُ مَا يَحْمِلُهُ هَذَا الْحَمْلُ «لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تَنْتِجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْبَلُ الَّتِي نَتَجَتْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ وَعَنْ بَيْعِ مَا فِي ضَرْعِهَا إلَّا بِكَيْلٍ وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ وَعَنْ ضَرْبَةِ الْقَانِصِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ «نَهَى عليه السلام عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» عَلَى مَا بَيَّنَّا وَالْغَرَرُ مَا يَكُونُ مَجْهُولَ الْعَاقِبَةِ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَمْ لَا وَالْحَبَلَةُ هُوَ الْحَبَلُ وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْجَنِينُ كَمَا سُمِّيَ بِالْحَمْلِ وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ التَّاءُ لِلْإِشْعَارِ بِالْأُنُوثَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَبِيعَ مَا سَيَحْمِلُهُ الْجَنِينُ إنْ كَانَ أُنْثَى وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ ذَلِكَ فَنَهَاهُمْ عَنْهُ عليه السلام.
قَالَ (وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ وَصُوفٌ عَلَى ظَهْرٍ وَلَبَنٌ فِي ضَرْعٍ وَسَمْنٌ فِي لَبَنٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّهُ يَدِرُّ سَاعَةً فَسَاعَةً فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ وَلِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحَلْبِ فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْتِفَاخًا مِنْ الرِّيحِ وَلَيْسَ فِيهِ لَبَنٌ.
قَالَ (وَاللُّؤْلُؤِ فِي الصَّدَفِ) لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ عليه السلام، أَلَا تَرَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُعْلَمُ وُجُودُهُ فِيهِ وَلَا قَدْرُهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ كَسْرُ الصَّدَفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ الصَّدَفَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بِالْكَسْرِ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا قُلْنَا هُوَ مَجْهُولٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ تُرَابَ الذَّهَبِ وَالْحُبُوبَ فِي غِلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ لِكَوْنِهَا مَعْلُومَةً وَيُمْكِنُ تَجْرِبَتُهَا بِالْبَعْضِ أَيْضًا.
قَالَ (وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ لِمَا رَوَيْنَا) وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْجَزِّ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ لِقِيَامِهِ بِهِ كَسَائِرِ أَطْرَافِهِ وَلِأَنَّهُ يَزِيدُ مِنْ أَسْفَلَ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا فِي اللَّبَنِ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْخِضَابِ وَبِخِلَافِ الْقَصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُقْلَعُ وَالصُّوفُ يُقْطَعُ فَيَتَنَازَعَانِ فِي مَوْضِعِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا إلَّا بَعْدَ الذَّبْحِ فَصَارَ مَالِيَّةُ اللَّحْمِ فِيهَا مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يُوجَدْ قَبْلَهُ وَكَوْنُهُ مَقْطُوعًا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى وَالتَّعْلِيلِ بِمُقَابَلَةِ النَّصِّ مَرْدُودٌ، وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ وَقَوَائِمِ الْخِلَافِ لِلتَّعَامُلِ إذْ لَا نَصَّ فِيهِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ.
قَالَ (وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ وَذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ) لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْحَمْلُ وَالنِّتَاجُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْهِدَايَةِ: وَلَا يَبِيعُ الْحَمْلَ وَالنِّتَاجَ، وَإِنَّمَا بَطَلَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبَيْعِ لِمَعْنَى الْغَرَرِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ تُنْتِجُ تِلْكَ النَّاقَةُ أَمْ لَا تُنْتِجُ إنْ بَقِيَتْ فَرُبَّمَا هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ تُنْتِجَ وَتَلِدَ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ) أَيْ بِحَيْثُ لَا يَمْتَازُ عَنْهُ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا إذَا بَاعَ دَقِيقًا فِي هَذِهِ الْحِنْطَةِ أَوْ زَيْتًا فِي هَذَا الزَّيْتُونِ أَوْ دُهْنًا فِي السِّمْسِمِ أَوْ عَصِيرًا فِي الْعِنَبِ أَوْ سَمْنًا فِي اللَّبَنِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِأَدَائِهِ إلَى قَلْبِ الْمَوْضُوعِ؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْأَسْبَابِ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ فَإِذَا أَفْضَى الْبَيْعُ إلَى ذَلِكَ لَزِمَ مَا قُلْنَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاللُّؤْلُؤُ فِي الصَّدَفِ) أَيْ وَلَوْ اشْتَرَى لُؤْلُؤَةً فِي صَدَفٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ وَصْفِ الْحَيَوَانِ) أَيْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْحَيَوَانِ فَلَمَّا كَانَ تَبَعًا لَمْ يَجُزْ جَعْلُهُ مَقْصُودًا بِإِرَادَةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْقَوَائِمِ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ مِنْ أَعْلَاهَا) أَيْ وَكُلُّ مَا يَزْدَادُ مِنْهَا يَزْدَادُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أُجِيزَ فِي الْكُرَّاثِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ يَنْمُو مِنْ أَسْفَلِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِلْجَهَالَةِ أَيْضًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجِذْعُ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلْمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرْنَا فِي الْجِذْعِ الْمُتَعَيِّنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْمَعْنَى الثَّانِي الْجَهَالَةُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ اهـ
لَا يُمْكِنُهُ التَّسْلِيمُ إلَّا بِضَرَرٍ يَلْزَمُهُ سَوَاءٌ ذَكَرَ مَوْضِعَ الْقَطْعِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ الِالْتِزَامَ بِدُونِ الْعَقْدِ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعَقْدُ لَمْ يُوجِبْ الضَّرَرَ فَيُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَيَتَحَقَّقُ النِّزَاعُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بَعْضًا مَعْلُومًا مِنْ نُقْرَةِ فِضَّةٍ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ التَّبْعِيضَ لَا يَضُرُّهُ، وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا إنْ كَانَ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الْفَسَادِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَلَّدَ الْحَيَوَانَ وَذَبَحَهُ وَسَلَّمَهُ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ خَمْرًا ثُمَّ تَخَلَّلَتْ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوَهُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ شَقَّهُ وَسَلَّمَهُ، لِأَنَّ فَسَادَهُ لِاحْتِمَالِ الْعَدَمِ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الْحُبُوبِ فِي أَغْلَافِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَسْتُورَةً؛ لِأَنَّ وُجُودَهَا مَعْلُومٌ، وَلِهَذَا سُمِّيَ بِهِ فَيُقَالُ هَذَا بَاقِلِّيٌّ وَهَذِهِ حِنْطَةٌ وَلَا يُقَالُ لِلْبِطِّيخِ هَذَا بِزْرٌ وَهُوَ الْفَارِقُ وَهَذَا فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّهُ الْقَطْعُ جَازَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْهُ كَالْقَفِيزِ مِنْ الصُّبْرَةِ.
قَالَ (وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ) وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ أَوْ بِغَوْصِ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا فِيهِ مُفَصَّلًا وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَلَا يَجُوزُ.
قَالَ (وَالْمُزَابَنَةِ) وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ مَجْدُودٍ مِثْلَ كَيْلِهِ خَرْصًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُخَاضَرَةِ وَالْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْمُزَابَنَةِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْمُزَابَنَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ مِثْلَ كَيْلِهَا خَرْصًا وَالْمُخَاضَرَةُ بَيْعُ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَكِيلًا بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَجُوزُ بِطَرِيقِ الْخَرْصِ كَمَا لَوْ كَانَا مَوْضِعَيْنِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَذَا بَيْعُ الْعِنَبِ بِالْعِنَبِ خَرْصًا لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ فِيهِ «وَعَنْ بَيْعِ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ وَعَنْ كُلِّ ثَمَرٍ بِخَرْصِهِ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَقَوْلُهُ عليه السلام «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمْثَالُهُ مِنْ النُّصُوصِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ هُوَ بِنَفْسِهِ الْتِزَامُ الضَّرَرِ) قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّهُ رَضِيَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ اتِّفَاقًا فَيُسَلِّمُهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ فَيَنْقَلِبُ الْبَيْعُ صَحِيحًا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ بَاعَ جِذْعًا مِنْ سَقْفٍ أَوْ آجُرًّا مِنْ حَائِطٍ أَوْ ذِرَاعًا مِنْ كِرْبَاسٍ أَوْ مِنْ دِيبَاجٍ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِأَجْلِ الْمَضَرَّةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ الْجِذْعَ أَوْ قَطَعَ الثَّوْبَ وَسَلَّمَهُ عَادَ صَحِيحًا) أَيْ وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْأَخْذِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ بِزْرًا فِي بِطِّيخٍ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْوَلْوَالِجيَّةِ رَجُلٌ بَاعَ النَّوَاةَ فِي التَّمْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا إلَّا بِضَرَرٍ، وَأَمَّا إذَا بَاعَ حَبَّ هَذَا الْقُطْنِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ هَكَذَا اخْتَارَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي نَزْعِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَقَّهُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَقَّ التَّمْرَ وَالْبِطِّيخَ وَأَخْرَجَ النَّوَى وَالْبِزْرَ وَسَلَّمَ لَا يَعُودُ صَحِيحًا لِاحْتِمَالٍ فِي وُجُودِهِمَا زَمَانَ الْبَيْعِ وَلَيْسَ الْجِذْعُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَحْسُوسٌ وَلَا احْتِمَالَ فِيهِ وَالْبَزْرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْكَسْرُ فِيهِ لُغَةٌ بِزْرُ الْبَقْلِ وَغَيْرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي ثَوْبٍ يَضُرُّهُ الْقَطْعُ كَالْمُهَيَّأِ لِلُّبْسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: كَالسَّرَاوِيلِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ كِرْبَاسًا لَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُهُ قَالُوا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ. اهـ. .
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَضَرْبَةِ الْقَانِصِ) بِالْقَافِ وَالنُّونِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ وَهُوَ مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ وَرُوِيَ فِي تَهْذِيبِ الْأَزْهَرِيِّ عَنْ ضَرْبَةِ الْغَايِصِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ بَعْدَ الْأَلِفِ وَهُوَ غَوْصُ الصَّائِدِ فِي الْمَاءِ أَوْ غَوْصُ الرَّجُلِ فِي الْبَحْرِ لِأَجْلِ اللُّؤْلُؤِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَضَرْبَةُ الْقَانِصِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ لِعَدَمِ مِلْكِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَكَانَ غَرَرًا وَلِجَهَالَةِ مَا يَخْرُجُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الصَّيْدِ بِضَرْبِ الشَّبَكَةِ) أَيْ وَهُوَ عَلَى هَذَا مِنْ الْقَنْصِ يُقَالُ قَنَصَ يَقْنِصُ قَنْصًا إذَا صَادَ اهـ ق. (قَوْلُهُ: وَمُجْمَلًا وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ الْغَرَرِ) أَيْ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَحْصُلَ شَيْءٌ مِنْ الضَّرْبَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَحْصُلَ وَلِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ يَمْلِكُهُ الْإِنْسَانُ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مَالِكًا وَقْتَ الْعَقْدِ لِمَا يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَهَذَا الْوَجْهُ مِمَّا سَمَحَ بِهِ خَاطِرُ الْأَتْقَانِيُّ كَذَا قَالَ رحمه الله. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ) أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ تُفْسِدُ الْبَيْعَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ مَجْهُولُ الْقَدْرِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ الضَّرْبَةِ اهـ ق.
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمُزَابَنَةِ) قَالَ فِي الْفَائِقِ الْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ وَالْمُدَافَعَةُ مِنْ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ عَلَى رَأْسِ النَّخْلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَوَّلُ بِالثَّاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِالثَّلَاثِ وَالثَّانِي بِاثْنَتَيْنِ كَذَا وَقَعَ سَمَاعُنَا مِرَارًا بِفَرْغَانَةَ وَبُخَارَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا عَلَى النَّخِيلِ قَدْ يَكُونُ رُطَبًا وَقَدْ يَكُونُ تَمْرًا إذَا جَفَّ فَقُلْنَا بِالثَّلَاثِ حَتَّى يَعُمَّهُمَا جَمِيعًا وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْمَجْذُوذِ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا فَقُلْنَا بِالِاثْنَيْنِ وَلَوْ رَوَيَا بِالثَّلَاثِ فِيهِمَا جَمِيعًا أَوْ بِالِاثْنَتَيْنِ فِيهِمَا جَمِيعًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُزَابَنَةِ لَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ لِشُبْهَةِ الرِّبَا سَوَاءٌ كَانَ الرُّطَبُ بِالرُّطَبِ أَوْ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: خِرْصًا) ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالْقَلَمِ بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خَرَصْت النَّخْلَ خَرْصًا مِنْ بَابِ قَتَلَ حَذِرْت ثَمَرَهُ وَالِاسْمُ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَصْحَابَ الْعَرَايَا) وَهُوَ أَنْ يُبَاعَ بِخِرْصِهَا تَمْرًا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ. اهـ. هِدَايَةٌ
لَا تُحْصَى كُلُّهَا مَشْهُورَةٌ وَتَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ وَالتَّفَاضُلُ مُحَرَّمٌ بِهِ، وَكَذَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ جُزَافًا وَلَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَأَخِّرًا كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَهَذَا لِأَنَّ احْتِمَالَ التَّفَاضُلِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَفَاضَلَا بِيَقِينٍ أَوْ كَانَا مَوْضُوعَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَمَعْنَى الْعَرَايَا فِيمَا رَوَاهُ الْعَطَايَا وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَهَبَ الرَّجُلُ ثَمَرَ نَخْلَةٍ مِنْ بُسْتَانِهِ ثُمَّ يَشُقُّ عَلَى الْمُعْرِي دُخُولُ الْمُعْرَى لَهُ فِي بُسْتَانِهِ كُلَّ سَاعَةٍ وَلَا يَرْضَى أَنْ يُخْلِفَ الْوَعْدَ فَيَرْجِعُ فِيهِ فَيُعْطِيهِ قَدْرَهُ تَمْرًا مَجْذُوذًا بِالْخَرْصِ بَدَلَهُ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَمْلِكْ الثَّمَرَةَ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فَصَارَ بَائِعًا مِلْكَهُ بِمِلْكِهِ وَهُوَ جَائِزٌ لَا بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ وَسُمِّيَ ذَلِكَ بَيْعًا مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ عِوَضٌ عَمَّا أَعْطَاهُ أَوَّلًا فَكَأَنَّهُ أَنْفَقَ فِي الْوَاقِعَةِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَهُ فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَيْهِ فَنَقَلَ كَمَا وَقَعَ عِنْدَهُ وَسَكَتَ عَنْ السَّبَبِ كَذَا فَسَرَهُ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَوْلَى كَيْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَشَاهِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّهُ بَيْعٌ.
قَالَ (وَالْمُلَامَسَةِ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ) وَهَذِهِ مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَتَسَاوَمَ الرَّجُلَانِ فَإِذَا لَمَسَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ نَبَذَهَا إلَيْهِ الْبَائِعُ أَوْ وَضَعَ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا حَصَاةً لَزِمَ الْبَيْعُ فَالْأَوَّلُ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَالثَّانِي بَيْعُ الْمُنَابَذَةِ وَالثَّالِثُ إلْقَاءُ الْحَجَرِ وَقَدْ نَهَى عليه السلام عَنْهَا بِمَا رَوَيْنَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ، وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يَقْلِبُهُ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يُنْبَذَ الرَّجُلُ بِثَوْبِهِ وَيُنْبَذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّ فِيهِ تَعْلِيقًا لِلتَّمْلِيكِ بِالْخَطَرِ فَيَكُونُ قِمَارًا فَصَارَ فِي الْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُشْتَرِي أَيُّ ثَوْبٍ أَلْقَيْت عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَقَدْ بِعْتُكَهُ وَفِي الْمُغْرِبِ بَيْعُ الْمُلَامَسَةِ وَاللِّمَاسِ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ: إذَا لَمَسْت ثَوْبَك أَوْ لَمَسْت ثَوْبِي فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك هَذَا الْمَتَاعَ بِكَذَا فَإِذَا لَمَسْتُك فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي كَذَلِكَ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ إذَا نَبَذْته إلَيْك أَوْ يَقُول الْمُشْتَرِي إذَا نَبَذْته إلَيَّ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِلْقَاءُ الْحَجَرِ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعُ إذَا أَلْقَيْت الْحَجَرَ وَجَبَ الْبَيْعُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد الْمُلَامَسَةُ أَنْ يَمَسَّهُ بِيَدِهِ وَلَا يَنْشُرُهُ وَلَا يُقَلِّبُهُ.
قَالَ (وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ هَذَا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ خِيَارُ التَّعْيِينِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهمَا شَاءَ جَازَ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَجُوزُ إلَى ثَلَاثَةٍ وَحُكْمُهُ إذَا قَبَضَهُمَا.
قَالَ (وَالْمَرَاعِي وَإِجَارَتِهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرَاعِي وَلَا إجَارَتُهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَلَأُ دُونَ رَقَبَةِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ وَإِجَارَتَهَا جَائِزٌ إذَا كَانَ مَالِكًا لَهَا، وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ إذْ لَا يَمْلِكُهُ بِنَبَاتِهِ فِي أَرْضِهِ مَا لَمْ يُحْرِزْهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي الْمَاءِ وَالْكَلَأِ وَالنَّارِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فِيهِ «وَثُمُنُهُ حَرَامٌ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُحْرِزْهُ، وَقَالَ عليه السلام «لَا يُمْنَعُ الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهُمْ الِانْتِفَاعَ بِشُرْبِ الْمَاءِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْآبَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ النَّاسَ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ وَإِذَا طَلَبَ أَحَدٌ الْمَاءَ يَلْزَمُهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُخَلِّيَهُ يَدْخُلُ فَيَأْخُذُ الْمَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُخْرِجُ لَهُ هُوَ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ وَقَعَ ثَوْبُ إنْسَانٍ فِي دَارِ غَيْرِهِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ فِيهِ، وَكَذَا لَهُمْ الِاحْتِشَاشُ مِنْ الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ فَإِنْ مَنَعَهُمْ مِنْ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَاءِ مِنْ الْحُكْمِ فَإِذَا كَانَ مُبَاحًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ الْعَيْنِ وَالْإِجَارَةُ لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ فَغَيْرُ الْمَمْلُوكَةِ أَوْلَى وَأُجِيزَتْ فِي الظِّئْرِ وَالصَّبْغِ لِكَوْنِهَا آلَةً لِلْعَمَلِ بَيْعًا وَضِمْنًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَجُوزُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا، وَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَرْضَ لِإِيقَافِ الدَّوَابِّ فِيهَا أَوْ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى بِقَدْرِ مَا يُرِيدُ صَاحِبُهُ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ فَيَحْصُلُ بِهِ غَرَضُهُمَا هَذَا إذَا نَبَتَ الْحَشِيشُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ أَنْبَتَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِأَنْ سَقَاهَا أَوْ حَدَّقَ حَوْلهَا أَوْ هَيَّأَهَا لِلْإِنْبَاتِ مَلَكَهُ وَجَازَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ. (قَوْلُهُ: فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّ الرُّخْصَةَ مَقْصُورَةٌ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ مُقْتَصِرَةٌ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَثَوْبٌ مِنْ ثَوْبَيْنِ) لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَيْ وَجَهَالَةُ الْمَبِيعِ مَانِعَةٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ إذَا كَانَتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَهَذِهِ تُفْضِي إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدْرِي مَا يُسَلِّمُ وَالْمُشْتَرِي لَا يَدْرِي مَا يَتَسَلَّمُ فَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ بِخِلَافِ جَهَالَةِ الْقِيمَةِ وَجَهَالَةِ الصُّبْرَةِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، وَلَوْ قَالَ بِعْت أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي أَيَّهُمَا شَاءَ بِعَشَرَةٍ فَقَبِلَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَدْ مَضَى بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ خِيَارِ الشَّرْطِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ بِأَنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ) أَيْ لِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ الْخِيَارَ ارْتَفَعَتْ الْجَهَالَةُ فِي الثَّانِي بِفِعْلِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَصَارَ كَبَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَإِذَا لَمْ يَشْرِطْ الْخِيَارَ ثَبَتَتْ الْجَهَالَةُ وَكَثُرَتْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي اخْتِيَارُ أَحَدِ الثَّوْبَيْنِ إلَّا وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُعَيِّنَ الْآخَرَ فَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ تَعَيَّنَ الْمَبِيعُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا فَقَلَّتْ الْجَهَالَةُ فَلَمْ تُؤَثِّرْ. اهـ. أَقْطَعُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلَأِ وَإِجَارَتُهُ) أَيْ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ النَّاسِ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِأَحَدٍ قَبْلَ الْإِحْرَازِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ) أَيْ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا. اهـ. هِدَايَةٌ
بَيْعُهُ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ فَلَا تَنْقَطِعُ بِدُونِ الْحِيَازَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَيَدْخُلُ فِي الْكَلَأِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ مَا تَرْعَاهُ الْمَوَاشِي رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا بِخِلَافِ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ الْكَلَأَ اسْمٌ لِمَا لَا سَاقَ لَهُ وَالْأَشْجَارُ لَهَا سَاقٌ فَلَا تَدْخُلُ فِيهِ حَتَّى جَازَ بَيْعُهَا إذَا نَبَتَتْ فِي أَرْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِالنَّبَاتِ فِيهَا وَالْكَمْأَةُ كَالْكَلَأِ وَلِذَا لَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِضَوْءِ النَّارِ وَالِاصْطِلَاءِ بِهَا وَالْإِيقَادِ مِنْ لَهِيبِهَا بِدُونِ رِضَا صَاحِبِهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْجَمْرِ شَيْئًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِهِ.
قَالَ (وَالنَّحْلِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْكَلُ كَالْحِمَارِ وَلَهُمَا أَنَّهُ مِنْ الْهَوَامِّ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ كَالزُّنْبُورِ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ وَالِانْتِفَاعُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا بِعَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ مُنْتَفِعًا بِهِ وَالشَّيْءُ إنَّمَا يَصِيرُ مَالًا لِكَوْنِهِ مُنْتَفَعًا بِهِ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكِوَارَةِ صَحَّ تَبَعًا لَهَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ، وَقَالَ الشَّيْءُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَالشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ.
قَالَ (وَيُبَاعُ دُودُ الْقَزِّ وَبَيْضُهُ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي بَيْضِهِ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الدُّودَ مِنْ الْهَوَامِّ وَبَيْضُهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَشْبَهَ الْخَنَافِسَ وَالْوَزَغَاتِ وَبَيْضِهَا وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الدُّودَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَكَذَا بَيْضُهُ فِي الْمَآلِ فَصَارَ كَالْجَحْشِ وَالْمَهْرِ وَلِأَنَّ النَّاسَ قَدْ تَعَامَلُوهُ فَمَسَّتْ الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَصَارَ كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ (وَالْآبِقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَ دُودِ الْقَزِّ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَهُوَ شَرْطٌ لِجَوَازِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَةٍ لِثُبُوتِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقْتَ الْعَقْدِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ عَوْدُهُ إلَى مَوْلَاهُ وَلَا كَذَلِكَ الْآبِقُ وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عِنْدَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْآبِقِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ آبِقًا عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَهَذَا لَيْسَ بِآبِقٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي إذْ هُوَ فِي يَدِهِ فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُطْلَقُ إذْ هُوَ لَيْسَ بِعَاجِزٍ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ ثُمَّ لَا يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ إنْ كَانَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ قَبْضَهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَقْبُوضَ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهُ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا تَنْقَطِعُ بِدُونِ الْحِيَازَةِ) أَيْ وَسَوْقُ الْمَاءِ إلَى أَرْضِهِ لَيْسَ بِحِيَازَةٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ إلَّا أَنَّ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنْ يَقُولَ: يَنْبَغِي أَنَّ حَافِرَ الْبِئْرِ يَمْلِكُ بِنَاءَهَا وَيَكُونُ بِتَكَلُّفِهِ الْحَفْرَ وَالطَّيَّ لِتَحْصِيلِ الْمَاءِ كَمَا يَمْلِكُ الْكَلَأَ بِتَكَلُّفِهِ سَوْقَ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ لِيَنْبُتَ فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْتَقِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مُحْرَزًا) أَيْ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فَيَجُوزُ لِلْحَاجَةِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَبِهِ يُفْتَى، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ تَبَعًا لِلْكُوَّارَاتِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّحْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ كَانَ فِي كُوَّارَاتِهَا عَسَلٌ فَاشْتَرَى الْكُوَّارَاتِ بِمَا فِيهَا جَازَ. اهـ. عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكُوَّارَةِ صَحَّ) الْكُوَّارَاتُ مَعْسَلُ النَّحْلِ إذَا سُوِّيَ مِنْ طِينٍ وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّشْدِيدِ كَذَا رَأَيْت فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ بِتَصْحِيحِ الْمُطَرِّزِيُّ وَرُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْضًا فِي التَّهْذِيبِ وَرُوِيَ أَيْضًا كِوَارٌ وَكِوَارَةٌ بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مَعَ الْعَسَلِ)، وَقَالَ الْكَرْخِيُّ أَيْضًا وَأَجْمَعُوا أَنَّ بَيْعَ هَوَامِّ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ وَالْوَزَغُ وَالْعَظَايَةُ وَالْقَنَافِذُ وَالْجُعَلُ وَالضَّبُّ وَهَوَامُّ الْأَرْضِ كُلُّهَا، وَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ فِي الْبَحْرِ مِنْ الضَّفَادِعِ وَالسَّرَطَانِ وَالسَّلَاحِفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا السَّمَكَ، وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إذَا كَانَ الدُّودُ مِنْ وَاحِدٍ وَوَرَقُ التُّوتِ مِنْهُ وَالْعَمَلُ مِنْ آخَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْقَزُّ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لَا يَجُوزُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْبَيْضُ مِنْهُمَا وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْبَذْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ امْرَأَةٌ أَعْطَتْ بَذْرَ الْقَزِّ وَهُوَ بَذْرُ الْفَيْلَقِ بِالنِّصْفِ امْرَأَةً فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَ فَالْفَيْلَقُ لِصَاحِبَةِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ مِنْ بَذْرِهَا وَلَهَا عَلَى صَاحِبَةِ الْبَذْرِ قِيمَةُ الْأَوْرَاقِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا وَعَلَى هَذَا إذَا دَفَعَ الْبَقَرَ إلَى إنْسَانٍ بِالْعَلَفِ لِيَكُونَ الْحَادِثُ بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ حَدِيثَةُ الْبَقَرِ وَلَهُ عَلَى صَاحِبِ الْبَقَرِ ثَمَنُ الْعَلَفِ وَأَجْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا إذَا دَفَعَ الدَّجَاجَةَ لِيَكُونَ الْبَيْضُ بِالنِّصْفِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي الدُّودِ) أَيْ إلَّا إذَا ظَهَرَ فِيهِ الْقَزُّ فَيُجِيزُهُ تَبَعًا لِلْقَزِّ اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا مَعَهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي دُودِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا ذَكَرْنَا) أَيْ لِلتَّعَامُلِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْآبِقِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَصُورَتُهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عَبْدٍ لِرَجُلٍ أَبَقَ فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى مَوْلَاهُ فَقَالَ إنَّ عَبْدَك قَدْ أَخَذْته وَهُوَ عِنْدِي فِي الْبَيْتِ فَبِعْنِيهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ قَالَ أَخَذَهُ هَذَا الرَّجُلُ وَهُوَ عِنْدَهُ فَبِعْهُ مِنِّي فَصَدَّقَهُ الرَّجُلُ بِمَا قَالَ فَبَاعَهُ الْمَوْلَى مِنْهُ فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ اهـ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْسَلِ فِي حَاجَتِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُرْسَلُ فِي حَاجَتِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ الْمُطْلَقُ) أَيْ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُطْلَقَ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُقَيَّدَ وَلِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُولٌ بِعِلَّةِ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي زَالَ الْمَعْنَى الْمُوجِبُ لِلْفَسَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ عِنْدَ الْأَخْذِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ لِيَرُدَّهُ) أَيْ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَقَبَضَ الْأَمَانَةَ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
مَانِعٌ عَنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَقَبْضُ الضَّمَانِ أَقْوَى مِنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ لِتَأَكُّدِ قَبْضِ الضَّمَانِ بِاللُّزُومِ وَالْمِلْكِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ امْتَنَعَ عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ يُوجِبُ الْمِلْكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَنَا بِخِلَافِ قَبْضِ الْأَمَانَةِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فَكَانَ أَضْعَفَ فَلَا يَنُوبُ عَنْ الْأَقْوَى وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْأَخْذِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْخُذْهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لِيَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا شَرْطٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي اللُّقَطَةِ وَلَوْ بَاعَهُ مِمَّنْ قَالَ هُوَ عِنْدَ فُلَانٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ آبِقٌ عِنْدَهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الْفَسْخِ لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّيَّةِ كَبَيْعِ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ قَبْلَ التَّمَلُّكِ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ ثُمَّ أَبَقَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ عَادَ حَيْثُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ عَوْدِهِ يَكْفِي لِبَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى مَا كَانَ دُونَ الِابْتِدَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعُودُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ فِيهِ قَائِمَةٌ فَكَانَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ فَيَنْعَقِدُ غَيْرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ فَيَفْسُدُ فَإِذَا آبَ قَبْلَ الْفَسْخِ عَادَ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَبَيْعِ الْمَرْهُونِ ثُمَّ افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ.
وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا رحمهم الله وَبِالْأَوَّلِ كَانَ يُفْتِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مَشَايِخِنَا رحمهم الله وَلَوْ أَعْتَقَهُ نَفَذَ عِتْقُهُ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْقَبْضِ فِيهِ وَلَوْ عَلِمَ حَيَاتَهُ فِي وَقْتِ الْعِتْقِ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ وَهَبَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِيَتِيمٍ فِي حِجْرِهِ جَازَ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الْيَدِ يَكْفِي فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ قَالَ (إلَّا أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ عِنْدَهُ) أَيْ الْآبِقِ إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ يَدَّعِي أَنَّهُ عِنْدَهُ جَازَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ (وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي وِعَاءٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ حُرَّةٍ كَانَ أَوْ مِنْ أَمَةٍ وَيَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوبٌ طَاهِرٌ كَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ الطَّاهِرَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ لَبَنِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَكَذَا عَلَى جُزْئِهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ جُزْءُ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِمَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ وَهُوَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ مَصُونٌ عَنْ الِابْتِذَالِ وَالِامْتِهَانِ بِالْبَيْعِ إلَّا مَا حَلَّ فِيهِ الرِّقُّ وَهُوَ لَا يَحِلُّ اللَّبَنُ؛ لِأَنَّهُ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ فَتَمَحَّضَ بِمَحِلِّ الْقُوَّةِ الَّتِي هِيَ ضِدُّهُ وَهُوَ الْحَيُّ؛ لِأَنَّ الضِّدَّيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا حَيَاةَ فِي اللَّبَنِ وَكَوْنُهُ مَشْرُوبًا ضَرُورِيّ لِأَجْلِ الْأَطْفَالِ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ وَنَظِيرُهُ مِلْكُ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لِاقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ وَإِبْقَاءِ النَّسْلِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبُضْعَ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ وَلِأَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيَّةِ فِي حُكْمِ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى جَازَ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَبَيْعُ مِثْلِهِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ لَبَنِ الْبَقَرَةِ وَنَحْوِهَا حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى لَا يُسْتَحَقَّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَهُوَ مُبْتَذَلٌ أَيْضًا.
قَالَ (وَشَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ لِلْخَرَزِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِهِ وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْخَرَزِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إهَانَةً لَهُ كَالْخَمْرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِهِ يُشْعِرُ بِإِعْزَازِهِ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ وَنَجَاسَتَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ الْأَخْذِ يَصِيرُ قَابِضًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا) أَيْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ غَاصِبًا وَقَبْضُ الْغَصْبِ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْبَيْعِ وَهُوَ قَبْضُ ضَمَانٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) أَيْ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ مَا لَيْسَ فِي يَدِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لَمْ يَعُدْ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بَاطِلًا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَوْ عَادَ مِنْ إبَاقِهِ وَقَدْ بَاعَهُ مِمَّنْ لَيْسَ عِنْدَهُ هَلْ يَعُودُ الْبَيْعُ جَائِزًا إذَا سَلَّمَهُ فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ كَمَا إذَا بَاعَ خَمْرًا فَتَخَلَّلَتْ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ بَاعَ طَيْرًا فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ أَخَذَهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ وَهُوَ مُخْتَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ وَالثَّلْجِيِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ يَجِبُ كَوْنُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِقِيَامِ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ فِي الْآبِقِ وَلِذَا صَحَّ عِتْقُهُ فَكَانَ كَبَيْعِ الْمَرْهُونِ إذَا افْتَكَّهُ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَفَسْخِ الْقَاضِي لِلْبَيْعِ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْ قَبُولِهِ أُجْبِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَدْ وُجِدَ قَبْلَ الْفَسْخِ، بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ بَعْدَ أَنْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ أَوْ تَخَاصَمَا فَإِنَّهُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ فَالْحَقُّ أَنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ وَالْمَشَايِخِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ فَإِنَّك عَلِمْت أَنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ وَارْتِفَاعُ الْمُبْطِلِ لَا يَرْجِعُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ بَلْ مَعْدُومًا فَوَجْهُ الْبُطْلَانِ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَوَجْهُ الْفَسَادِ قِيَامُ الْمَالِيَّةِ وَالْمِلْكِ وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ عَدَمَ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ مُفْسِدٌ لَا مُبْطِلٌ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ بَاعَ الْآبِقَ ثُمَّ سَلَّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَكَانَ بَاطِلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَبَنِ امْرَأَةٍ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا جَعْفَرٍ يَقُولُ سَمِعْت الْفَقِيهَ أَبَا الْقَاسِمِ أَحْمَدَ بْنَ حم قَالَ: قَالَ نَصْرُ بْنُ يَحْيَى سَمِعْت الْحَسَنَ بْنَ سَيْهُوبٍ يَقُولُ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: جَوَازُ إجَارَةِ الظِّئْرِ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتْ الْإِجَارَةُ ثَبَتَ أَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الْمَنَافِعِ وَلَيْسَ سَبِيلُهُ الْأَمْوَالَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالًا لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ اسْتَأْجَرَ بَقَرَةً عَلَى أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَهَا لَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ فَلَمَّا جَازَ إجَارَةُ الظِّئْرِ ثَبَتَ أَنَّ لَبَنَهَا لَيْسَ بِمَالٍ وَذَكَرَ فِي إجَارَةِ الْعُيُونِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْجَرَ شَاةً لِتُرْضِعَ جَدْيًا أَوْ صَبِيًّا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَا يَجُوزُ) أَيْ شُرْبُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ يَحْرُمُ حَتَّى مَنَعَ بَعْضُهُمْ صَبَّهُ فِي الْعَيْنِ الرَّمِدَةِ وَبَعْضُهُمْ أَجَازَهُ إذَا عُرِفَ دَوَاءً. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ) أَيْ فَلَا يَكُونُ مَالًا وَبَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَجُوزُ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
تُشْعِرُ بِهَوَانِ الْمَحِلِّ، وَإِنَّمَا جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلْأَسَاكِفَةِ؛ لِأَنَّ خَرْزَ النِّعَالِ وَالْأَخْفَافِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِهِ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْخَرْزَ يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى ثُمَّ لَا حَاجَةَ إلَى شِرَائِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَتْ الْأَسَاكِفَةُ لَا يَجِدُونَ شَعْرَ الْخِنْزِيرِ إلَّا بِالشِّرَاءِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لَهُمْ الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ فَأَمَّا الْبَيْعُ فَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِلْبَائِعِ وَلَا بَأْسَ لِلْأَسَاكِفَةِ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يَظْهَرُ إلَّا فِي حَالَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالَةِ بَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُفْسِدُهُ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ (وَشَعْرِ الْإِنْسَانِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَعْرِ الْإِنْسَانِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مُكَرَّمٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُزْؤُهُ مُهَانًا، وَقَالَ عليه السلام «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» ، وَإِنَّمَا لُعِنَا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الْمُكَرَّمِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ بِشَعْرِ الْآدَمِيِّ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه السلام حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِهِ» وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ فَإِنَّهُ لَا يُتَبَرَّكُ بِالنَّجَسِ، أَلَا تَرَى أَنَّ «أَبَا طَيْبَةَ رضي الله عنه حِينَ شَرِبَ دَمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَصْدِ التَّبَرُّكِ بِهِ نَهَاهُ أَنْ يَعُودَ إلَى مِثْلِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ» قُلْنَا: حُرْمَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِكَرَامَتِهِ لَا لِنَجَاسَتِهِ حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُفْسِدُهُ فَبَطَلَ الِاسْتِدْلَال بِهَا وَيُرَخَّصُ فِيمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْوَبَرِ فَيُزَادُ عَلَى قُرُونِ النِّسَاءِ وَذَوَائِبِهِنَّ.
قَالَ (وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدَّبْغِ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «نَهَى عَنْ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا» فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ مِنْ الرُّطُوبَاتِ الْمُتَّصِلَةِ بِهِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَصَارَ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ النَّجِسِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَيْسَتْ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ قَالَ (وَبَعْدَهُ يُبَاعُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ كَعَظْمِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا وَصُوفِهَا وَقَرْنِهَا وَوَبَرِهَا) يَعْنِي بَعْدَ الدِّبَاغِ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ طَهُرَ بِالدِّبَاغِ وَالْعَظْمُ وَنَحْوُهُ طَاهِرٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَجَازَ بَيْعُهُ وَلُحُومُ السِّبَاعِ وَشُحُومُهَا وَجُلُودُهَا بَعْدَ الذَّكَاةِ كَجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهَا وَالِانْتِفَاعُ بِهَا غَيْرُ الْأَكْلِ لِطَهَارَتِهَا بِالذَّكَاةِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَيَجُوزُ بَيْعُ عَظْمِ الْفِيلِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَهُوَ كَالْخِنْزِيرِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا كَالسِّبَاعِ.
قَالَ (وَعُلُوٍّ سَقَطَ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ عُلُوٍّ بَعْدَمَا سَقَطَ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ التَّعَلِّي لَا غَيْرَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَحِلُّ الْبَيْعِ الْمَالُ وَهُوَ مَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَقَبْضُهُ وَالْهَوَاءُ لَا يُمْكِنُ إحْرَازُهُ وَقَبْضُهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ قَبْلَ الِانْهِدَامِ بِاعْتِبَارِ الْبِنَاءِ الْقَائِمِ وَلَمْ يَبْقَ بِخِلَافِ الشُّرْبِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ لَحْمَهُ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ} [المائدة: 3](قَوْلُهُ فَالشَّعْرُ أَوْلَى) أَيْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ أَخَفُّ مِنْهُ بِدَلِيلِ أَنَّ شَعْرَ الْمَيْتَةِ طَاهِرٌ وَلَحْمَهَا لَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُوجَدُ مُبَاحُ الْأَصْلِ) أَيْ غَالِبًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ لِلْأَسَاكِفَةِ أَنْ يُصَلُّوا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنْ جَوَازِ صَلَاةِ الْخَرَّازِينَ مَعَ شَعْرِ الْخِنْزِيرِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ يَنْبَغِي أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فِي حَقِّهِمْ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا وَهُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ لَمْ تَدْعُهُمْ إلَى أَنْ يَعْلَقَ بِهِمْ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ وَيَتَجَمَّعُ فِي ثِيَابِهِمْ هَذَا الْمِقْدَارُ. اهـ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ دَلِيلُ طَهَارَتِهِ) أَيْ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الضَّرُورَةِ لَا يَتَعَدَّاهَا وَهِيَ فِي الْخَرَزِ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَقَطْ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله.
(قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ وَعَصَبِهَا») مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَعِظَامِهَا إذَا دُبِغَ وَعَصَبِهَا وَعَقِبِهَا وَصُوفِهَا وَوَبَرِهَا وَقَرْنِهَا قَالَ: لَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَبَيْعِهِ إلَى هُنَا لَفْظُ أَصْلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ مِنْ الرُّطُوبَاتِ الْمُتَّصِلَةِ) فَإِنْ قِيلَ نَجَاسَتُهَا أَيْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ لَيْسَ إلَّا لِمَا يُجَاوِرُهَا مِنْ الرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ فَهِيَ مُتَنَجِّسَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا كَالثَّوْبِ النَّجِسِ أُجِيبَ بِأَنَّ النَّجَسَ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَمَا لَمْ يُزَايِلْهُ فَهِيَ كَعَيْنِ الْجِلْدِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجِلْدُ نَجِسَ الْعَيْنِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ فَإِنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ عَارِضَةٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الثَّوْبِ بِهَا فِيهِ وَهَذَا السُّؤَالُ لَيْسَ فِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِيَحْتَاجَ إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَا عَلَّلَ الْمَنْعَ إلَّا بِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ عَلَّلَ النَّجَاسَةَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهَا بُطْلَانَ بَيْعٍ أَصْلًا فَإِنَّ بُطْلَانَ الْبَيْعِ دَائِرٌ مَعَ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَهِيَ عَدَمُ الْمَالِيَّةِ فَإِنَّ بَيْعَ السِّرْقِينِ جَائِزٌ وَهُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِهَا بَعْدَ الدِّبَاغَةِ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهَا شَرْعًا وَالْحُكْمُ بِطَهَارَتِهَا زِيَادَةٌ ثَبَتَتْ شَرْعًا عَلَى خِلَافِ قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لِطَهَارَتِهَا) أَيْ لِطَهَارَتِهَا بِالذَّكَاةِ قَدَّمَ الشَّارِحُ فِي الْأَسْآرِ أَنْ الصَّحِيحَ أَنَّ اللَّحْمَ لَا يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَهُ حَقُّ التَّعَلِّي) وَقَدْ صَرَّحَ الْأَتْقَانِيُّ وَالزَّيْلَعِيُّ عَلَى مَا سَيَأْتِي بِأَنَّ حَقَّ التَّعَلِّي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الشِّرْبِ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ أَنَّ الشِّرْبَ حَقُّ الْأَرْضِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ فَأَجَابَ بِهَذَا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ ثُمَّ جَوَازُ بَيْعِ الشِّرْبِ مَعَ الْأَرْضِ اتِّفَاقُ الرِّوَايَاتِ فِيمَا إذَا كَانَ الشِّرْبُ شِرْبَ تِلْكَ الْأَرْضِ، أَمَّا إذَا بَاعَ الْأَرْضَ مَعَ شِرْبِ أَرْضٍ أُخْرَى اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ: أَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِ غَيْرِهَا فَفِي صِحَّتِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُفْرَدًا كَبَيْعِ الشِّرْبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَزْدَادَ نَوْبَتُهُ اهـ
حَيْثُ يَصِحُّ بَيْعُهُ تَبَعًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَمَقْصُودًا فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ؛ لِأَنَّهُ نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ مَالٌ، وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ حَتَّى لَوْ سَقَى بِهِ رَجُلٌ أَرْضَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَكَذَا لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ شِرَاءَ أَرْضٍ بِشِرْبِهَا بِأَلْفٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِذَلِكَ وَسَكَتَ الْآخَرُ عَنْ الشِّرْبِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمَنِ الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ وَإِنْ سَقَطَ الْعُلُوُّ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ كَهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَسِيلِ وَهِبَتُهُ وَيَجُوزُ بَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ وَالثَّانِي بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلَ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ مَعْلُومُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَأَمَّا رَقَبَةُ الْمَسِيلِ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ مِنْ الْأَرْضِ مُخْتَلِفٌ يَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ حُدُودَهُ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ رَقَبَةَ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْمَسِيلِ أَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهُ جَازَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الثَّانِي فَفِي بَيْعِ حَقِّ الْمُرُورِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَجُوزُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّسْيِيلِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الطَّرِيقُ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَمَّا التَّسْيِيلُ فَمُتَعَلِّقٌ بِمَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْمَسِيلِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَقِّ التَّعَلِّي حَيْثُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَةِ الْأَرْضِ وَرَقَبَةُ الْأَرْضِ مَالٌ وَهُوَ عَيْنٌ فَمَا تَعَلَّقَ بِهِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْمَالِ وَحَقُّ التَّعَلِّي مُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ وَالْهَوَاءُ لَيْسَ بِعَيْنِ مَالٍ وَلَا لَهُ حُكْمُ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ.
قَالَ (وَأَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى أَوْ بَاعَ شَخْصًا عَلَى أَنَّهُ أَمَةٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَبْدٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَمَةٌ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافُ الْوَصْفِ إذْ الذُّكُورَةُ وَالْأُنُوثَةُ وَصْفٌ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ يُوجِبُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَمَقْصُودًا) أَيْ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا عَنْ الْأَرْضِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ) أَيْ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بَلْخٍ) أَيْ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ وَالْقِيَاسُ يُتْرَكُ لِلتَّعَامُلِ كَمَا جُوِّزَ السَّلَمُ لِلضَّرُورَةِ وَالِاسْتِصْنَاعُ لِلتَّعَامُلِ اهـ كَمَالٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَشَايِخُ بَلْخٍ كَأَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ يُجَوِّزُونَ بَيْعَ الشِّرْبِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ حَتَّى تَزْدَادَ نَوْبَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَهْلَ بَلْخٍ تَعَامَلُوا ذَلِكَ لِحَاجَتِهِمْ إلَى ذَلِكَ اهـ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ سَقَى بِهِ رَجُلٌ أَرْضَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ) أَيْ وَكَذَا إذَا اسْتَحَقَّ الشِّرْبَ يَبْطُلُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ، وَأَمَّا ضَمَانُهُ بِالْإِتْلَافِ فَهُوَ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِشِرْبِ غَيْرِهِ فَهُوَ رِوَايَةُ الْبَزْدَوِيِّ وَعَلَى رِوَايَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَا يَضْمَنُ وَقِيلَ يَضْمَنُ إذَا جَمَعَ الْمَاءَ ثُمَّ أَتْلَفَهُ وَلَا يَضْمَنُ قَبْلَ الْجَمْعِ وَحِينَئِذٍ فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ إلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُخَالِفُ وَعَنْ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ ابْنِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَصَرَ ضَمَانَهُ بِالْإِتْلَافِ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَشْهَدَ بِهِ لِآخَرَ ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَقَالَ لَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ بِغَيْرِهَا فَإِمَّا بِالسَّقْيِ أَوْ بِمَنْعِ حَقِّ الشِّرْبِ لَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَدِيثِ وَلَا إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ مَنْعَ حَقِّ الْغَيْرِ لَيْسَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ بَلْ السَّبَبُ مَنْعُ مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ وَهُوَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَيْنًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَاءٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ بِعَرَضِيَّةِ وُجُودِهِ كَالسَّلَمِ وَالِاسْتِصْنَاعِ ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّهُ حَظٌّ مِنْ الْمَاءِ فَهُوَ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا وَجْهٌ مَنْعِ مَشَايِخِ بُخَارَى بَيْعَهُ مُفْرَدًا قَالُوا وَتَعَامُلُ أَهْلِ بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ هُوَ التَّعَامُلُ الَّذِي يُتْرَكُ بِهِ الْقِيَاسُ بَلْ ذَلِكَ تَعَامُلُ أَهْلِ الْبِلَادِ لِيَصِيرَ إجْمَاعًا كَالِاسْتِصْنَاعِ وَالسَّلَمُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَالضَّرُورَةُ فِي بَيْعِ الشِّرْبِ مُفْرَدًا عَلَى الْعُمُومِ مُنْتَفِيَةٌ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ فَحَاجَةُ بَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَبِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِاخْتِلَافِهِمَا فِي ثَمَنِ الْأَرْضِ) أَيْ لِأَنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ يُقَابِلُ الشِّرْبَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ بُخَارَى لِلْجَهَالَةِ) أَيْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ بِخِلَافِ بَيْعِهِ مَعَ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْجَهَالَةِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ.
(قَوْلُهُ وَالثَّانِي بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ) أَيْ الَّذِي هُوَ التَّطَرُّقُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَوَّلَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ وَهُوَ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ أَيْ مَعَ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الطَّرِيقَ مَعْلُومٌ؛ لِأَنَّ لَهُ طُولًا وَعَرْضًا مَعْلُومًا فَإِنْ بَيَّنَهُ فَلَا إشْكَالَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْهُ جَازَ أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَسِيلَةِ هُنَا فَإِنَّهُ يَجْعَلُ مِقْدَارَ بَابِ الدَّارِ الْعُظْمَى وَطُولَهُ إلَى السِّكَّةِ النَّافِذَةِ أَمَّا الْمَسِيلُ فَمَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ وَمِنْ هُنَا عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسِيلَةِ مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الطَّرِيقِ وَالتَّسْيِيلِ، أَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَدَّا مَا يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ بَاعَ الْأَرْضَ الْمَسِيلَ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا) أَيْ حَيْثُ جَازَ بَيْعُ الطَّرِيقِ وَهِبَتُهُ دُونَ الْمَسِيلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا يَجُوزُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنْ الْحُقُوقِ وَبَيْعُ الْحُقُوقِ بِالِانْفِرَادِ لَا يَجُوزُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّسْيِيلُ) أَيْ فَإِنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ فَهُوَ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي وَبَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ كَانَ عَلَى رَقَبَةِ الْأَرْضِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ قَدْرِ مَا يَشْغَلُهُ الْمَاءُ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَأَمَةٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَكَذَا عَكْسُهُ) قَالَ الْكَمَالُ إذَا اشْتَرَى هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِأَلْفٍ فَظَهَرَتْ غُلَامًا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ الْمَبِيعِ وَهَذِهِ وَأَمْثَالُهَا تَبْتَنِي عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمَهْرِ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ تَسْمِيَةٌ وَإِشَارَةٌ إلَى شَيْءٍ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْجَارِيَةِ حَيْثُ أَشَارَ إلَى ذَاتٍ وَسَمَّاهَا جَارِيَةً. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْأُنُوثَةُ وَصْفٌ فِي الْحَيَوَانِ) أَيْ فَلَا يَتَبَدَّلُ بِهَا مَعْنَى الذَّاتِ. اهـ. غَايَةٌ
الْخِيَارَ لَا الْفَسَادَ كَمَا فِي الْبَهَائِمِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى كَبْشًا مَثَلًا فَإِذَا هُوَ نَعْجَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ خَبَّازٌ أَوْ كَاتِبٌ فَإِذَا هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ لِتَفَاحُشِ التَّفَاوُتِ فِي الْمَقَاصِدِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ وَمِنْ الْأَمَةِ الِاسْتِخْدَامُ دَاخِلَ الدَّارِ كَالطَّبْخِ وَالْكَنْسِ وَالِاسْتِفْرَاشِ وَالِاسْتِيلَادِ فَصَارَتْ جِنْسًا آخَرَ غَيْرَ الذُّكُورَةِ وَمِنْ غَيْرِهِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِتَقَارُبِ الْمَقْصُودِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ وَالرُّكُوبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ الْحَيَوَانِ يَصْلُحَانِ لِذَلِكَ فَكَانَا جِنْسًا وَاحِدًا وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَكُونُ بِاخْتِلَافِ الْمَقَاصِدِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْخَلَّ وَالدِّبْسَ جِنْسَانِ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ اتَّحَدَ أَصْلُهُمَا ثُمَّ فِي مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ هَذَا صَارَ الذَّاتُ مُعَيَّنًا وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالتَّسْمِيَةُ لِإِعْلَامِ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى أَصْلِ الذَّاتِ فَكَانَ أَبْلَغَ فِي التَّعْرِيفِ وَيَحْتَاجُ فِي مَقَامِ التَّعْرِيفِ إلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِيهِ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَوْجُودٌ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ ذَاتًا وَالْوَصْفُ يَتْبَعُهُ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْإِشَارَةُ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّسْمِيَةُ لِلتَّرْغِيبِ فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ فَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ بِخِلَافِ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى فِيهِ مِثْلُ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لَهُ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ الْأَعْرَفُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا كَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَقَعُ الْبَيْعُ بَاطِلًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ فَاسِدٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ الْمُسَمَّى وَأَشَارَ إلَى غَيْرِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ غَيْرَهُ وَذَلِكَ فَاسِدٌ وَالْإِجَارَةُ مِثْلُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَالنِّكَاحُ وَأَشْبَاهُهُ لَا يَفْسُدُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَكِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْمُسَمَّى يُمْكِنُ ضَبْطُهُ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ الْمَوْصُوفَةِ أَوْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ سَمَّاهُ وَلَمْ يُشِرْ إلَى شَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ.
قَالَ (وَشِرَاءُ مَا بَاعَ بِالْأَقَلِّ قَبْلَ النَّقْدِ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الثَّمَنَ فَاشْتَرَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا إذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِأَكْثَرَ أَوْ بِعَرْضٍ أَوْ بِأَقَلَّ بَعْدَ النَّقْدِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ امْرَأَتِهِ أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَتْ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي بِعْت غُلَامًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً وَإِنِّي ابْتَعْته مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الِاسْتِخْدَامُ خَارِجَ الدَّارِ) أَيْ كَالزِّرَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالْحِرَاثَةِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُسَمَّى وَالْمُشَارُ إلَيْهِ) أَيْ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ الْمُسَمَّى اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِتَعْرِيفِ الذَّاتِ) أَيْ الْحَاضِرَةِ وَالتَّسْمِيَةُ تُعَرِّفُ الْحَقِيقَةَ الْمُنْدَرِجَةَ فِيهَا تِلْكَ الذَّاتُ وَغَيْرُهَا مِنْ ذَوَاتٍ لَا تُحْصَى مَعْرُوفَةٍ عِنْدَ الْعَقْلِ بِأَشْبَاهِهَا لِتِلْكَ الذَّاتِ وَغَيْرِهَا اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فَكَانَتْ الْإِشَارَةُ) أَيْ فَإِذَا عَلِمَ ذَلِكَ كَانَتْ الْإِشَارَةُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا كَانَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فِي الْغَايَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْبَيْعِ قَالَ بَعْضُهُمْ بَاطِلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَاسِدٌ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، وَقَالَ كَذَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ أَقُولُ هَذَا اخْتِلَافٌ عَجِيبٌ وَنُقِلَ عَنْ الْكَرْخِيِّ عَجِيبٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مُحَمَّدًا رحمه الله قَالَ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ تَنْصِيصًا عَلَى الْبُطْلَانِ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّفْيِ يَدُلُّ عَلَى الْبَاطِلِ لَا الْفَاسِدِ فَكَيْفَ يَصِحُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ بَاطِلٌ أَوْ فَاسِدٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْكَرْخِيَّ صَرَّحَ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّ اخْتِلَافَ الصِّفَةِ إذَا أَوْجَبَ اخْتِلَافًا فَاحِشًا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ ثُمَّ فِي اخْتِلَافِ الْجِنْسِ إذَا بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَكَانَ زُجَاجًا أَوْ بَاعَ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ خَزٌّ فَإِذَا هُوَ مَرْعَزِيٌّ قَالَ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ اهـ وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا التَّعْجِيبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا يَحْتَمِلُ نَفْيَ الصَّحِيحِ وَيَحْتَمِلُ النَّفْيَ مُطْلَقًا وَقَوْلُ الْأَتْقَانِيِّ إنَّ هَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى الْبُطْلَانِ مَمْنُوعٌ وَتَعْلِيلُهُ مُصَادَرَةٌ فَجَعْلُ الْبَيْعَ فَاسِدًا لَهُ وَجْهٌ عَلَى تَقْدِيرِ الِاحْتِمَالِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عَلَى وَجْهِ التَّسْلِيمِ، وَأَمَّا تَصْرِيحُ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ مِثْلُ مُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي الِاخْتِلَافِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لَا فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاطِلٌ وَيَكُونُ الْوُقُوفُ عَلَى كَلَامِ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ قَرِينَةُ هَذَا الْحَمْلِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ وَلَا يُظَنُّ بِصَاحِبِ النِّهَايَةِ نَقْلُ مَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْكَرْخِيِّ غَايَتُهُ عَدَمُ وُقُوفِ الْأَتْقَانِيِّ عَلَى ذَلِكَ، هَذِهِ الْحَاشِيَةُ مِنْ فَوَائِدِ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الْأَقْصِرَائِيُّ رحمه الله قَوْلُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَرْوِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ وَفِي كُنْيَتِهِ اخْتِلَافٌ، قِيلَ أَبُو عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو عَامِرٍ وَقِيلَ أَبُو أُنَيْسَةَ وَقِيلَ أَبُو أُنَيْسٌ وَتُوُفِّيَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهَذَا وَاَلَّذِي أَخَذَ الرَّايَةَ يَوْمَ مَوْتِهِ حِينَ اُسْتُشْهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ شَاهِينِ فِي كِتَابِهِ الْمُعْجَمِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: ابْتَعْته) أَيْ بِعْته، وَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ اهـ
نَقْدًا فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا شَرَى إنَّ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ بَطَلَ إلَّا أَنْ يَتُوبَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَهَذَا الْوَعِيدُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فَاسِدٌ وَهُوَ لَا يُدْرَكُ بِالرَّأْيِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا قَالَتْهُ سَمَاعًا.
وَلَا يُقَالُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ إنِّي بِعْته إلَى الْعَطَاءِ فَلَعَلَّهَا أَنْكَرَتْ عَلَيْهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها تَرَى الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ وَصَارَ بَعْضُ الثَّمَنِ قِصَاصًا بِبَعْضٍ بَقِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَضْلٌ بِلَا عِوَضٍ فَكَانَ ذَلِكَ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَهُوَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ فِيهِ حَصَلَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَمَا دَخَلَ الْمَبِيعُ فِي ضَمَانِهِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ كَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ مُتَبَايِنَةٌ بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّ كَسْبَهُ لِسَيِّدِهِ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقُّ الْمِلْكِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ كَتَصَرُّفِهِ وَلَهُ أَنَّ شِرَاءَ هَؤُلَاءِ كَشِرَاءِ الْبَائِعِ بِنَفْسِهِ لِاتِّصَالِ مَنَافِعِ الْمَالِ بَيْنَهُمْ وَهُوَ نَظِيرُ الْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ إذَا عَقَدَ مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ اشْتَرَى مَا بِيعَ لَهُ بِأَنْ بَاعَ وَكِيلُهُ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ بِإِذْنِهِ صَارَ كَبَيْعِهِ بِنَفْسِهِ ثُمَّ اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ، وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَرَادَ الْوَكِيلُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ، أَمَّا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ فَلِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بَائِعٌ لِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ فَكَانَ هَذَا شِرَاءَ الْبَائِعِ مِنْ وَجْهٍ وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ كَالثَّابِتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَلِأَنَّ شِرَاءَ الْمَأْمُورِ وَاقِعٌ لَهُ مِنْ حَيْثُ الْحُقُوقُ فَكَانَ هَذَا شِرَاءَ مَا بَاعَ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ.
وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثٍ مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى بِهِ الْمُوَرِّثُ لَمْ يَجُزْ لِقِيَامِ الْوَارِثِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى وَارِثُ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ بِهِ مُوَرِّثُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَالْفَرْقُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِيمَا يَرِثُ لَا فِيمَا لَا يَرِثُ وَوَارِثُ الْبَائِعِ لَمْ يَقُمْ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي هَذَا الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ حَالَ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ فَكَانَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا وَارِثُ الْمُشْتَرِي فَقَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْبَيْعِ لَهُ مِنْ أَحْكَامِ مِلْكِ الْمُوَرِّثِ فَإِنَّهُ مَا كَانَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ حَالَ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ مُوَرِّثِهِ وَلَمَّا قَامَ وَارِثُ الْمُشْتَرِي مَقَامَهُ فِي بَيْعِ هَذِهِ الْعَيْنِ بِحُكْمِ الْإِرْثِ صَارَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَمَا مَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا مَا شَرَى) مَا مَعْنَى ذَمِّ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا إنَّمَا ذَمَّتْهُ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْبَيْعِ الْمَحْظُورِ كَالسَّفَرِ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَحْظُورٌ وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ بِاخْتِصَارٍ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَدْخُلْ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ وَالثَّمَنُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَقَلِّ لَزِمَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ لَا مَحَالَةَ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمَا حَدَّثَ صَاحِبُ السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إنَّمَا أَغْلَظَتْ الْقَوْلَ هَكَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ كَانَ إلَى الْعَطَاءِ وَهُوَ أَجَلٌ مَجْهُولٌ لَا لِأَنَّ فِيهِ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ قُلْت كَانَ مِنْ مَذْهَبِ عَائِشَةَ جَوَازُ الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٍ كَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي الْأَسْرَارِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ سَلَفٌ) صُورَةُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ مَنْفَعَةِ الْقَرْضِ أَوْ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَصُورَةُ الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ أَنْ يَبِيعَ عَبِيدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنَا الْعَقْدَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَاهُ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَوْ اشْتَرَى وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ لِتَبَايُنِ الْأَمْلَاكِ وَكَانَ كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ آخَرُ وَهُوَ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْعَبْدِ) قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ وَكِيلُ الْبَائِعِ وَلَا مُضَارِبٌ وَلَا شَرِيكٌ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ وَلَا مُدَبَّرٌ لِلْبَائِعِ وَلَا مُكَاتَبٌ وَلَا عَبْدٌ لِلْبَائِعِ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَالِدٌ لِلْبَائِعِ أَوْ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ عَلَا أَوْ سَفَلَ أَوْ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ وَلَا شَهَادَةُ الْبَائِعِ لَهُ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمَوْلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مَا بَاعَهُ مُكَاتَبُهُ وَلَا عَبْدُهُ الْمَأْذُونُ وَلَا مُضَارِبُهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعُوهُ فَإِنْ وَكَّلَ الْبَائِعُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَاهُ فَالشِّرَاءُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الشِّرَاءُ لَازِمٌ لِلْوَكِيلِ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لِلْآمِرِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِمَا لَوْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ يَكُونُ فَاسِدًا وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْعَقْدُ لَهُ زِيَادَةُ فَسَادٍ بِدَلِيلِ إبْطَالِ الْجِهَادِ فَلَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ فِي الْمَعْنَى مُشْتَرٍ مِنْ الْوَكِيلِ قَاصِدًا كَمَا إذَا اشْتَرَى مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْ وَارِثِ مُشْتَرِيهِ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَى إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي فَاشْتَرَاهُ الْبَائِعُ مِنْ الْوَارِثِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْبَائِعَ فِي الرَّدِّ وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْمُشْتَرِي وَلَكِنْ مَاتَ الْبَائِعُ فَاشْتَرَاهُ وَارِثُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي جَازَ الشِّرَاءُ إذَا كَانَ الْوَارِثُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِلْبَائِعِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَقَرَابَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ لَا تَمْنَعُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَارِثَ الْمُشْتَرِي قَائِمٌ مَقَامَ الْمُشْتَرِي فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُمْ وَرِثُوهُ مِنْهُ، وَأَمَّا وَارِثُ الْبَائِعِ يَقُومُ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَالثَّمَنُ الَّذِي يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي
بَيْعُ الْوَارِثِ وَبَيْعُ الْمُوَرِّثِ سَوَاءً وَكَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ بَيْعُ وَارِثِهِ وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ مِنْ مُشْتَرِيهِ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ أَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ سَبَبِ الْمِلْكِ كَاخْتِلَافِ الْعَيْنِ أَصْلُهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ حَيْثُ قَالَ عليه السلام «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ» وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يُنْتَقَصْ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَيَّبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَبَاعَهُ مِنْ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ رِبْحٌ مَا لَمْ يَضْمَنْ.
وَإِنَّمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ إذَا صَارَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَإِذَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ جُعِلَ النُّقْصَانُ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَكَانَ مُشْتَرِيًا مَا بَاعَ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ مَعْنَى وَشَرَطْنَا أَنْ يَكُونَ النُّقْصَانُ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِتَغَيُّرِ السِّعْرِ لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ كَمَا فِي حَقِّ الْغَاصِبِ وَغَيْرِهِ فَعَادَ إلَيْهِ الْمَبِيعُ كَمَا خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ فَيَظْهَرُ الرِّبْحُ وَشَرَطْنَا اتِّحَادَ الثَّمَنَيْنِ جِنْسًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسٍ آخَرَ غَيْرِ جِنْسِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ الثَّانِي أَقَلَّ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالدَّنَانِيرُ جِنْسُ الدَّرَاهِمِ هُنَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بِالدَّرَاهِمِ فَاشْتَرَاهُ بِالدَّنَانِيرِ وَقِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا وَجَازَ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ حَتَّى لَا يَجْرِي رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا وَلَنَا أَنَّهُمَا جِنْسَانِ صُورَةً وَجِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الثَّمَنِيَّةُ فَبِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ وَبِالنَّظَرِ إلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ فَغَلَّبْنَا الْمُحَرِّمَ عَلَى الْمُبِيحِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «وَمَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامَ الْحَلَالُ» رَجُلَانِ بَاعَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا بِأَلْفٍ فَقَالَا بِعْنَاكَهُ بِأَلْفٍ كُلُّ نِصْفٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ قَبْلَ النَّقْدِ فَسَدَ فِي نِصْفِهِ؛ لِأَنَّهُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ وَصَحَّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِنِصْفِ خَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ.
وَلَوْ قَالَا بِعْنَاك نَصِيبَ فُلَانٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَا بِعْنَاك نَصِيبَ فُلَانٍ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا كُلَّهُ بِخَمْسِمِائَةٍ فَسَدَ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ نِصْفَهُ وَهُوَ الرُّبُعُ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَنِصْفُهُ وَهُوَ الرُّبُعُ بَيْعٌ لَهُ، وَأَمَّا نَصِيبُ صَاحِبِهِ فَيَفْسُدُ فِي نِصْفِهِ وَهُوَ الرُّبُعُ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ لَهُ وَصَحَّ فِي الرُّبُعِ الْآخَرِ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَيَاهُ مَعًا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ثَمَنِهِ بِثُمُنِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا صَحَّ شِرَاؤُهُ فِي الرُّبُعِ فَإِذَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفًا شَائِعًا صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ ذَلِكَ وَهُوَ الثُّمُنُ ضَرُورَةً وَلَوْ بَاعَاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَيَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ شِرَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي رُبُعِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اشْتَرَى نِصْفًا شَائِعًا نِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ فَيَفْسُدُ وَنِصْفُهُ فِيمَا بَاعَ شَرِيكُهُ فَيَصِحُّ فِي نِصْفِهِ الَّذِي لَمْ يَبِعْهُ لَهُ بَلْ بَاعَهُ لِنَفْسِهِ وَلَوْ بَاعَهُ مَعَ وَكِيلِهِ بِأَلْفٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْمُوَكِّلُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِيعَ لَهُ وَلَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ فَسَدَ فِي النِّصْفِ الَّذِي بَاعَهُ هُوَ وَصَحَّ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ مَا بَاعَ وَلَا بِيعَ لَهُ وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ كُلَّهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلِأَنَّهُ بَاعَ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَلِأَنَّهُ بِيعَ لَهُ.
قَالَ (وَصَحَّ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) أَيْ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا ضُمَّ إلَى الْمُشْتَرَى بِأَنْ اشْتَرَى مَثَلًا جَارِيَةً بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهَا وَأُخْرَى مَعَهَا بِأَلْفٍ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ جَازَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْ الْبَائِعِ وَيَفْسُدُ فِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ بِمُقَابَلَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا مِنْهُ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْأُخْرَى بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَشِيعُ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فِيهَا لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ حَتَّى لَوْ قَضَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: ثُمَّ اشْتَرَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَجُوزُ) أَيْ وَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ جَازَ لِبَائِعِهِ شِرَاؤُهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مَا كَانَ بَاعَهُ لَهُ أَوَّلًا. اهـ. مُبْتَغَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَجُوزُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مِنْ وَارِثِهِ؛ لِأَنَّ بِتَبَدُّلِ الْعَاقِدِ تَتَبَدَّلُ الْعَيْنُ حُكْمًا فَأَمَّا وَارِثُهُ فَبِمَنْزِلَتِهِ فَإِنَّهُ خَلَفُهُ فَصَارَ شُبْهَةً وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: جَعَلَ النُّقْصَانَ بِمُقَابَلَةِ الْعَيْبِ الْحَادِثِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي) أَيْ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبْحُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النُّقْصَانُ بِقَدْرِ ذَلِكَ الْعَيْبِ أَوْ دُونَهُ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ تَغَيُّرَ السِّعْرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ) أَيْ لِأَنَّهُ فُتُورٌ فِي رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ وَلَيْسَ مِنْهُ فَوَاتُ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْسَانًا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمَا ثَمَنًا وَمِنْ حَيْثُ وَجَبَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ احْتِيَاطًا وَأَلْزَمَ أَنَّ اعْتِبَارَهُمَا جِنْسًا وَاحِدًا يُوجِبُ التَّفَاضُلَ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا وَالْجَوَابُ أَنَّ مُقْتَضَى الْوَجْهِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ فِي التَّفَاضُلِ عِنْدَ بَيْعِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ إجْمَاعٌ. اهـ.
(قَوْلُهُ: حَتَّى لَا يَجْرِي رِبَا الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَتَثْبُتُ شُبْهَةُ الرِّبْحِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ فِيمَا ضُمَّ إلَيْهِ) وَهَذِهِ فَرْعُ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهِيَ أَنَّ شِرَاءَ مَا بَاعَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ. اهـ. كَمَالٌ. (قَوْلُهُ: إلَى الْمُشْتَرَى) بِفَتْحِ الرَّاءِ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: جَازَ الْبَيْعُ فِي الَّتِي لَمْ يَشْتَرِهَا) أَيْ بِحِصَّتِهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا لِلْآخَرِ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ وَهُوَ فَاسِدٌ) أَيْ وَلَا إشْكَالَ هُنَا عَلَى قَوْلِهِمَا، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ الْبَيْعَ إذَا فَسَدَ بَعْضُهُ فَسَدَ كُلُّهُ إذَا كَانَ الْفَسَادُ مُقَارِنًا وَحِلُّهُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْفَسَادَ فِيمَا بِيعَتْ أَوَّلًا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي فَسَادِهَا فَلَمْ يَسْرِ لِضَعْفِ الْفَسَادِ إلَى صَاحِبَتِهَا كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَحَدُهُمَا مُدَبَّرٌ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ بَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْقِنِّ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَكَذَا هُنَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْمَضْمُومَةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
الْقَاضِي بِجَوَازِهِ صَحَّ أَوْ؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا وَلِأَنَّهُ طَارِئٌ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ أَوْ الْمُقَاصَّةِ فَلَا يَسْرِي إلَى غَيْرِهَا.
قَالَ (وَزَيْتٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ وَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا وَصَحَّ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَطْرَحَ بِوَزْنِ الظَّرْفِ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ زَيْتِ كُلِّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظَرْفِهِ وَيَطْرَحَ عَنْ الزَّيْتِ الْمَوْزُونِ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا وَيَجُوزُ إنْ شَرَطَ أَنْ يَطْرَحَ بِوَزْنِ الظَّرْفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَالثَّانِي يَقْتَضِيهِ وَهَذَا لِأَنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهُ وَزْنُ الظَّرْفِ فَإِذَا طَرَحَ خَمْسِينَ مَثَلًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الظَّرْفِ أَوْ أَقَلَّ إلَّا إذَا عَرَفَ أَنَّ وَزْنَهُ خَمْسُونَ رِطْلًا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.
قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّقِّ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي)؛ لِأَنَّهُ الْمُنْكِرُ، بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى سَمْنًا فِي زِقٍّ فَرَدَّ الْمُشْتَرِي الزِّقَّ وَهُوَ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ كَانَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي الزِّقِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا كَالْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ اخْتِلَافًا فِي السَّمْنِ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الزِّيَادَةَ وَلَا يَتَحَالَفَانِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الثَّمَنِ يَثْبُتُ تَبَعًا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الظَّرْفِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الظَّرْفِ لَا يُوجِبُ التَّحَالُفَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بِالْعَقْدِ وَلَا مَعْقُودٍ عَلَيْهِ أَصْلًا فَكَذَا فِيمَا يَثْبُتُ تَبَعًا لَهُ إذْ التَّبَعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ وَلِأَنَّ التَّحَالُفَ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِيمَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ قَصْدًا ضَرُورَةً أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي عَقْدًا غَيْرَ الَّذِي يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ وَالِاخْتِلَافُ فِي الزِّقِّ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ.
قَالَ (وَلَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ خَمْرٍ أَوْ بَيْعِهَا صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِ الْخِنْزِيرِ وَعَلَى هَذَا تَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ صَيْدِهِ لَهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلَا وِلَايَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَكَذَا وَكِيلُهُ كَمُسْلِمٍ وَكَّلَ مَجُوسِيًّا بِأَنْ يُزَوِّجَهُ مَجُوسِيَّةً حَيْثُ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَلِأَنَّهُ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ يَجْرِي حُكْمُ الْمُبَادَلَةِ حَتَّى يُجْعَلَ الْوَكِيلُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ وَيَرُدُّ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّجَاحُدِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ لِنَفْسِ التَّصَرُّفِ وَالْمُوَكِّلَ لِحُكْمِ التَّصَرُّفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ أَوْ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا) أَيْ سَلَامَةِ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا ضَمَانٍ يُقَابِلُهُ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الرِّبَا فَلَمْ يَسْرِ إلَى الْمَضْمُومَةِ لِقُصُورِ سَبَبِ الْفَسَادِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ) أَيْ لَيْسَ بِمُقَارِنٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ هُوَ إلَخْ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: طَارِئٌ) أَيْ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِي الْبَيْعِ مَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا الْفَسَادُ بِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الرِّبَا وَهِيَ أَمْرٌ خَفِيٌّ ظَهَرَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ إمَّا بِانْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَى قِيمَتِهِمَا أَوْ بِالْمُقَاصَّةِ أَعْنِي مُقَاصَّةَ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الثَّانِي بِمِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَيَبْقَى مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ فَضْلٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ عِوَضٌ فَكَيْفَمَا كَانَ يَظْهَرُ الْفَضْلُ لِلْبَائِعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مُشْتَرِيًا مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِنْهُ وَالْفَسَادُ الطَّارِئُ لَا يَسْرِي كَمَنْ بَاعَ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَبَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ أَلْحَقَا الْأَجَلَ إلَى وَقْتِ الْحَصَادِ فِي ثَمَنِ أَحَدِهِمَا فَسَدَ الْبَيْعُ فِيهِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى الْآخَرِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَزَيْتٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذِهِ مِنْ خَوَاصِّ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهُ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ هَذَا الزَّيْتَ وَهُوَ أَلْفُ رِطْلٍ عَلَى أَنْ يَزِنَهُ بِظُرُوفِهِ فَيَطْرَحَ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ ظَرْفٍ خَمْسِينَ رِطْلًا قَالَ هَذَا فَاسِدٌ فَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنِّي وَزْنَ الظَّرْفِ فَهُوَ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَجْهُولٌ وَجَهَالَتُهُ تُفْسِدُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ يَخْرُجُ بَعْضُ الزَّيْتِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا وَذَلِكَ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَلْزَمُ الْجَهَالَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ مِنْ الظَّرْفِ لَيْسَ بِمَبِيعٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ طَرْحُ الْخَمْسِينَ بِوَزْنِ كُلِّ ظَرْفٍ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ فَأَفْسَدَهُ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ جَازَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ طَرْحَ قَدْرِ الْوَزْنِ شَرْطٌ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الظَّرْفَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ فَيَخْرُجُ بِوَزْنِهِ وَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُ إلَّا تَأْكِيدًا لِحُكْمِ الْعَقْدِ وَوَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا بَاعَ كُلَّ رِطْلٍ مِنْهُ بِكَذَا قَالُوا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَيَطْرَحُ عَنْهُ) أَيْ يَطْرَحُ الْبَائِعُ عَنْ الْمُشْتَرِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ الظَّرْفِ أَوْ أَقَلَّ) أَيْ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تُفْسِدُ الْبَيْعَ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزِّقِّ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهُ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ السَّمْنَ الَّذِي فِي هَذَا الزِّقِّ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَوَزَنَ لَهُ السَّمْنَ وَالزِّقَّ فَبَلَغَ مِائَةَ رِطْلٍ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ وَجَدْت السَّمْنَ تِسْعِينَ رِطْلًا، وَالزِّقُّ هَذَا وَزْنُهُ أَرْطَالٌ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَمَسْأَلَةُ الِاخْتِلَافِ فِي الزِّقِّ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي الدَّعْوَى فَرَاجِعْ الْحَاشِيَةَ الَّتِي فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهَا تَلِيقُ بِهَذَا الْمَحِلِّ وَهِيَ نَقْلًا عَنْ الْكَمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ الْبَائِعُ الزِّقُّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ كَانَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَقَالَا: لَا يَجُوزُ) أَيْ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَكِيلَ أَصْلٌ إلَخْ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشِّرَاءَ وَالْبَيْعَ وُجِدَا مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَهُوَ أَهْلٌ لِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ حُكْمَ التَّصَرُّفِ وَهُوَ مِلْكُ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ حُكْمًا لِتَصَرُّفِ الْوَكِيلِ لَا قَصْدًا؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ إلَخْ لَمْ يَكْتُبْ الْمُحَشِّي
بِالْإِرْثِ بِأَنْ كَانَا لِذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسَيِّبَ الْخِنْزِيرَ وَيُخَلِّلَ الْخَمْرَ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَكَذَا إذَا تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ بِخِلَافِ تَوْكِيلِ الْمُسْلِمِ الْمَجُوسِيِّ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْمَجُوسِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ فِيهِ فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الْمُوَكِّلِ، وَبِخِلَافِ مَا إذَا اتَّهَبَ كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ خَمْرًا؛ لِأَنَّهُ سَفِيرٌ كَالتَّزْوِيجِ فَيَقَعُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً وَحُقُوقُهُ رَاجِعَةٌ إلَيْهِ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ لَهُ لِتَمَكُّنِ الْخَبَثِ فِيهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ بَيْعَهَا حَرَّمَ شِرَاءَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» وَفِي التَّوْكِيلِ بِشِرَاءِ الْخَمْرِ يَمْلِكُهَا حُكْمًا فَيُخَلِّلُهَا؛ لِأَنَّهُ مُنِعَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهَا وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا كَمَا إذَا وَرِثَهَا أَوْ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ وَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ يَدْفَعُهُ إلَى الْوَكِيلِ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ حُكْمًا فَيَلْزَمُهُ الْبَدَلُ وَإِنْ كَانَ خِنْزِيرًا يُسَيِّبُهُ وَقَوْلُهُمَا لَا وِلَايَةَ لِلْمُوَكِّلِ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ فَكَذَا وَكِيلُهُ مَنْقُوضٌ بِمَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ فَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ فَاشْتَرَاهُ لَهُ مَلَكَهُ وَمِنْهَا إذَا مَاتَ ذِمِّيٌّ وَخَلَفَ خَمْرًا يَأْمُرُ الْقَاضِي ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهَا هُوَ وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مُسْلِمٌ وَصِيًّا لِذِمِّيٍّ وَلِلْمَيِّتِ خَمْرٌ يَأْمُرُ الْوَصِيُّ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِبَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ، وَأَمَّا نِكَاحُ الْمَجُوسِيَّةِ فَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُهُ ابْتِدَاءً وَلَا بَقَاءً فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ لَهُ حُكْمًا لِتَصَرُّفِهِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَيْعِ الْمِلْكُ وَالْمُسْلِمُ أَهْلٌ لِمِلْكِهِمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ النِّكَاحِ الْحِلُّ وَلَا يُفِيدُ الْحِلُّ فَيَلْغُو.
قَالَ (وَأَمَةٍ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ الْمُشْتَرِي أَوْ يُدَبِّرَ أَوْ يُكَاتِبَ أَوْ يَسْتَوْلِدَ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ بِهَا الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ «لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لَهُ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ وَلَمْ يَجُزْ التَّعَامُلُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ مُفْسِدٌ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ كَشَرْطِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَوْ شُرِطَ فِيهِ الْمُلَائِمُ لِلْعَقْدِ كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا لِلتَّوْثِقَةِ وَالتَّأْكِيدُ لِجَانِبِ الِاسْتِيفَاءِ وَالْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الثَّمَنِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَمُؤَكِّدُهُ مُلَائِمٌ لَهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ وَالْكَفَالَةُ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ شَرَطَا فِيهِ مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ كَالْخِيَارِ وَالْأَجَلِ أَوْ شَرَطَ فِيهِ مَا جَرَى التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ كَشِرَاءِ النَّعْلِ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا لِلْبَائِعِ أَوْ يُشْرِكَهَا أَوْ شَرَطَ فِيهِ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَهْلُ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَبِيعُ الْآدَمِيُّ وَالْأَجْنَبِيُّ لَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِ أَوْ التَّعَامُلِ أَوْ لِكَوْنِهِ مُلَائِمًا.
وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ مُفْسِدٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ عَرِيَّةٍ عَنْ الْعِوَضِ فَيُفْضِي إلَى الرِّبَا وَلِأَنَّهُ يَقَعُ بِسَبَبِهِ الْمُنَازَعَةُ فَيُعَرِّي الْعَقْدَ عَنْ مَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ شَرْعِ الْأَسْبَابِ فِي الْمُعَامَلَاتِ قَطْعُ النِّزَاعِ لِيَخْتَصَّ بِهِ الْمُبَاشِرُ لِلسَّبَبِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ نَسَمَةً مُتَعَارَفٌ فِي الْوَصَايَا وَتَفْسِيرُهُ مَا قُلْنَا وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ إذْ هُوَ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ وَأَيَّ تَصَرُّفٍ شَاءَ لَا تَصَرُّفًا مُعَيَّنًا فَاشْتِرَاطُ مِثْلِهِ فِيهِ مُفْسِدٌ لَهُ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ فِيهِ وَتَفْسِيرُ بَيْعِ النَّسَمَةِ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُعْتِقُهُ كَمَا إذَا بَاعَهُ مِمَّنْ يَطْلُبُ رَقَبَةً لِلْإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ أَنْ يَعِدَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ.
وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَيَجِبُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِعْتَاقِ مُفْسِدٌ فَتَحْقِيقُهُ تَقْرِيرٌ لِلْفَسَادِ لَا رَفْعٌ لَهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثَمَنِ الْخَمْرِ إنْ بَاعَهَا الْوَكِيلُ لَهُ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذِهِ الْوَكَالَةَ تُكْرَهُ أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ لَيْسَ إلَّا كَرَاهَةُ التَّحْرِيمِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّ رَجُلًا لَوْ تَوَكَّلَ عَنْ غَيْرِهِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ إلَخْ) وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ لَوْ بَاعَهُ بِمَا يَتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لَا يَجُوزُ وَمِنْ وَصِيَّتِهِ يَجُوزُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَا لَا تَبِيعُ الْأُمُّ عُرُوضَ الْوَلَدِ وَصِيُّهَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ الَّتِي هِيَ مِنْ مِيرَاثِهَا. اهـ. دِرَايَةٌ وَقَدْ قَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِهِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ وَقَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِبَيْعِهِ وَلَا يَبِيعُهُ الْوَكِيلُ إلَّا بِشَرْطٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ كَاشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا كَانَ فِي الشَّرْطِ مَنْفَعَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْخُصُومَةِ نَحْوَ أَنْ يَبِيعَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ وَلَا يَهَبَهُ وَلَا يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ تَدَاوُلَ الْأَيْدِي يَشُقُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَطَ التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ أَوْ شَرَطَ الْعِتْقَ فَالْبَيْعُ لَا يَجُوزُ وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ أَعْتَقَهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ وَهَبَهُ لِرَجُلٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ثُمَّ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَامَةُ الْجَوَازِ وَوُجُوبُ الْقِيمَةِ عَلَامَةُ الْفَسَادِ وَالْحَاصِلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ فِي الِابْتِدَاءِ يَنْعَقِدُ عَلَى الْفَسَادِ ثُمَّ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ بِالْعِتْقِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْقَلِبُ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَتَقَ فَانْقَلَبَ الْبَيْعُ جَائِزًا اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَنْقَلِبُ الْعَقْدُ جَائِزًا إذَا أَعْتَقَهُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِهِمَا كَذَا فِي التُّحْفَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي جَازَ الْبَيْعُ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَجُوزُ فَلَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي يَنْقَلِبُ الْبَيْعُ جَائِزًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ.
أَتْلَفَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْإِعْتَاقِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ لَا يُلَائِمُ الْعَقْدَ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَكِنْ مِنْ حَيْثُ حُكْمِهِ يُلَائِمُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْهُ لِمِلْكِهِ وَالشَّيْءُ بِانْتِهَائِهِ يَتَقَرَّرُ فَلِوُجُودِ صُورَةِ الشَّرْطِ قُلْنَا يَفْسُدُ فَإِذَا تَحَقَّقَ الْعِتْقُ حَكَمْنَا بِجَوَازِهِ لِتَحَقُّقِ الْمُلَاءَمَةِ وَهُوَ الْإِنْهَاءُ فَكَانَ الْحَالُ قَبْلَهُ مَوْقُوفًا بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ وَالتَّدْبِيرِ حَيْثُ لَا يَعُودُ صَحِيحًا بِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَنْهِيَّيْنِ لِلْمِلْكِ، وَكَذَا إذَا أَتْلَفَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً بِشَرْطِ أَنْ يَطَأَهَا الْمُشْتَرِي أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطَأَهَا فَسَدَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِمَا؛ لِأَنَّ قَضِيَّتَهُ إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ لَا الْحَجْرُ مِنْهُ وَلَا الْإِلْزَامُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ صَحَّ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِيهِ وَفَسَدَ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَحَّ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنْ لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ فَلَا يَرْجِعُ نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ فَكَانَ هَذَا شَرْطًا لَا مُطَالِبَ لَهُ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ فَلَا يَفْسُدُ.
قَالَ (أَوْ إلَّا حَمْلَهَا) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَمَةٍ إلَّا حَمْلَهَا؛ لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهُ وَالْحَمْلُ لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَكَذَا اسْتِثْنَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَطْرَافِ فَكَانَ شَرْطًا فَاسِدًا وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ ثُمَّ اسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ فِي الْعُقُودِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ فِي وَجْهٍ يَفْسُدُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تُبْطِلُهَا الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ غَيْرَ أَنَّ الْمُفْسِدَ فِي الْكِتَابَةِ مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ مِنْ الشُّرُوطِ أَيْ مَا يَقُومُ بِهِ الْعَقْدُ حَتَّى لَوْ كَاتَبَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْبَلَدِ لَا يَفْسُدُ وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ وَفِي وَجْهٍ الْعَقْدُ جَائِزٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ وَيَكُونُ الْحَمْلُ تَابِعًا لِلْأُمِّ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ وَيَصِيرُ هُوَ حَيْثُ صَارَتْ هِيَ وَفِي وَجْهٍ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ، وَكَذَا لَوْ أَوْصَى بِحَمْلِهَا لِآخَرَ صَحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ يَجْرِي فِيهِ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ وَفِي الْعِتْقِ يَتْبَعُهَا الْحَمْلُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ لَصَحَّ.
قَالَ (أَوْ يَسْتَخْدِمُ الْبَائِعَ شَهْرًا أَوْ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يُقْرِضَ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا أَوْ يُهْدِي لَهُ أَوْ يُسَلِّمَهُ إلَى كَذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ إلَّا حَمْلَهَا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَازَ الْبَيْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِذَا اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مُفْرَدًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِعْت مِنْك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا قَفِيزًا مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ الصُّبْرَةِ إلَّا قَفِيزًا فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزًا مِنْ الصُّبْرَةِ يَجُوزُ وَمِثْلُهُ لَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ مِنْ الْغَنَمِ إلَّا شَاةً مِنْهَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ شَاةً مِنْ الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ عَيْنِهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْك هَذَا الْقَطِيعَ إلَّا هَذِهِ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا بِمِائَةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ وَالْعَدَدِيِّ غَيْرِ الْمُتَقَارِبِ وَلِذَا لَوْ بَاعَ حَيَوَانًا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ مَا فِي الْبَطْنِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ إفْرَادُ الْعَقْدِ عَلَى مَا فِي الْبَطْنِ؛ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَبَلِ» وَقَدْ مَرَّ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَطْرَافِ) أَيْ لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالْأُمِّ جُمْلَةً، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْقَلِبُ بِانْقِلَابِهَا كَسَائِرِ الْأَطْرَافِ فَكَانَ تَبَعًا فِي الدُّخُولِ تَحْتَ الْعَقْدِ كَالْأَطْرَافِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِثْنَاءُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) أَيْ كَمَنْ آجَرَ دَارِهِ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْكِتَابَةُ) أَيْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى جَارِيَةٍ إلَّا حَمْلَهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالرَّهْنُ) أَيْ رَهَنَ جَارِيَتَهُ إلَّا حَمْلَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: مَا يَتَمَكَّنُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ) صُلْبُ الْعَقْدِ مَا كَانَ رَاجِعًا إلَى الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ؛ لِأَنَّ صُلْبَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ وَقِيَامُ الْبَيْعِ بِالْعِوَضَيْنِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ) أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ. اهـ. هِدَايَةٌ. (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِجَارِيَةٍ لِإِنْسَانٍ إلَّا حَمْلَهَا صَحَّ) أَيْ وَكَانَ الْحَمْلُ مِيرَاثًا وَالْجَارِيَةُ وَصِيَّةً لِلْمُوصَى لَهُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ) يَعْنِي إذَا قَالَ أَوْصَيْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ لِفُلَانٍ إلَّا خِدْمَتَهَا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ الْخِدْمَةِ بَلْ يَبْطُلُ حَتَّى تَكُونَ الْجَارِيَةُ وَخِدْمَتُهَا جَمِيعًا لِلْمُوصَى لَهُ فَإِنْ قُلْت يَصِحُّ إفْرَادُ الْخِدْمَةِ بِالْعَقْدِ بِأَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهَا أَيْضًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا عَكْسٌ لِلْقَاعِدَةِ لَا طَرْدٌ لَهَا فَلَا يَلْزَمُنَا وَلَئِنْ سُلِّمَ فَالْوَصِيَّةُ غَيْرُ عَقْدٍ اهـ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَبُولَ يَصِحُّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَلَوْ كَانَتْ عَقْدًا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَصِحُّ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ يَدْخُلُ الْمُوصِي بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ بِلَا قَبُولٍ إذَا مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ اهـ غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَثْنَى خِدْمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَجْرِي فِيهَا لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْإِرْثُ فِي الْأَعْيَانِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: أَوْ يُقْرِضُ الْمُشْتَرِي دِرْهَمًا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الدَّارَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يُقْرِضَنِي فُلَانٌ الْأَجْنَبِيُّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ الْبَيْعَ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْعَشَرَةَ الْأَجْنَبِيُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ إنَّمَا تَلْزَمُهُ إمَّا بِطَرِيقِ الضَّمَانِ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ بِطَرِيقِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ لَا وَجْهَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَشَرَةَ لَيْسَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي فَكَيْفَ يَتَحَمَّلُهَا الْكَفِيلُ وَلَا وَجْهَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ فَإِذَا لَمْ تَلْزَمْ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ لَوْ ثَبَتَ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا شُرِطَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَهُنَا قَدْ سَلَّمَ لَهُ مَا شُرِطَ فِي
أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا) لِأَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لَا يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِهِمَا فَيَفْسُدُ وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فَهُوَ إجَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِي بَيْعٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ فَهُوَ إعَارَةٌ مَشْرُوطَةٌ فِيهِ «وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَفْقَةٍ فِي صَفْقَةٍ» وَلِأَنَّ الْأَجَلَ يَخْتَصُّ بِالدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِلتَّرْفِيهِ حَتَّى يُتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ بِهِ دُونَ الْأَعْيَانِ إذْ هِيَ حَاصِلَةٌ مُتَعَيِّنَةٌ بِالْعَقْدِ فَلَا حَاجَةَ فِيهَا إلَى التَّأْجِيلِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ مُفْسِدًا لَهُ.
قَالَ (وَصَحَّ بَيْعُ نَعْلٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهُ أَوْ يُشْرِكَهُ) وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَرْطًا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهُ وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ، وَلِهَذَا أَجَزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ وَاسْتِئْجَارَ الصَّبَّاغِ وَالظِّئْرِ وَالْحَمَّامِ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةً عَلَى اسْتِهْلَاكِ الْأَعْيَانِ.
قَالَ (لَا الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَصَوْمِ النَّصَارَى وَفِطْرِ الْيَهُودِ إنْ لَمْ يَدْرِ الْمُتَعَاقِدَانِ ذَلِكَ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ فَتُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَقَالُوا: إذَا بَاعَ إلَى فِطْرِ النَّصَارَى بَعْدَ مَا شَرَعُوا فِي صَوْمِهِمْ جَازَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ صَوْمِهِمْ بِالْأَيَّامِ وَهِيَ مَعْلُومَةٌ.
قَالَ (وَإِلَى قُدُومِ الْحَاجِّ وَالْحَصَادِ وَالْقِطَافِ وَالدِّيَاسِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ فَتَكُونُ مَجْهُولَةً وَهَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أَفْعَالُ الْعِبَادِ فَتَثْبُتُ بِحَسَبِ مَا يَبْدُو لَهُمْ وَالْآجَالُ شُرِعَتْ بِالْأَوْقَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 189] وَكَذَا إلَى الْجِزَازِ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ جَزُّ الصُّوفِ، وَكَذَا إلَى الْجُذَاذِ وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ عَامٌّ فِي قَطْعِ الثِّمَارِ وَبِالْمُهْمَلَةِ خَاصٌّ فِي النَّخْلِ وَالْحَصَادُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَطْعُ الزَّرْعِ وَمِثْلُهُ الْقِطَافُ وَقُرِئَ بِهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وَالْقِطَافُ قَطْعُ الْعِنَبِ مِنْ الْكَرْمِ وَالدِّيَاسِ أَنْ يُوطِئَ الطَّعَامَ الدَّوَابُّ.
قَالَ (وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ صَحَّ) لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْكَفَالَةِ لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا فَيَجْرِي التَّسَامُحُ فِيهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُضَايَقَةِ فَإِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً أَمْكَنَ دَفْعُهَا بِأَقْصَاهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فَاحِشَةً كَالْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ تُشْبِهُ النَّذْرَ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهَا الْتِزَامًا مَحْضًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْبَيْعِ عَلَى الْمُشْتَرِي. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ) قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَمَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ الْبَائِعُ وَيَخِيطَهُ قَمِيصًا أَوْ قَبَاءً فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ امْتِنَاعِ الصَّفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ إلَّا أَنَّ هَذَا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ كَوْنُ الْخِيَاطَةِ يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَهُوَ شَرْطُ إجَارَةٍ فِي بَيْعٍ وَمَا تَقَدَّمَ كَانَ كَذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْمُقَابَلَةِ يَكُونُ إعَارَةً فِي بَيْعٍ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى إذَا قَالَ لِآخَرَ بِعْ عَبْدَك مِنْ فُلَانٍ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ عَلَيَّ وَالْعَبْدَ لِفُلَانٍ حُكِيَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ أَبُو بَكْرٍ الْجَصَّاصُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ) أَيْ وَهُوَ اسْتِخْدَامُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ وَسُكْنَاهُ فِيهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْأَجَلَ يَخْتَصُّ بِالدُّيُونِ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ أَوْ يُسَلِّمُ إلَيَّ كَذَا يَعْنِي لَوْ بَاعَ عَيْنًا عَلَى أَنْ لَا يُسَلِّمَهُ إيَّاهَا إلَى رَأْسِ الشَّهْرِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَاحْتَرَزَ بِالْعَيْنِ عَنْ الْمَبِيعِ إذَا كَانَ دَيْنًا كَالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنَّ الْأَجَلَ فِيهِ صَحِيحٌ اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ التَّحْصِيلِ) أَيْ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ مُعَيَّنٌ حَاضِرٌ فَلَا فَائِدَةَ فِي إلْزَامِهِ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِهِ إذْ فَائِدَتُهُ الِاسْتِحْصَالُ بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ فَيَكُونُ إضْرَارًا بِالْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ لِلْمُشْتَرِي. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَصَحَّ بَيْعُ نَعْلٍ إلَخْ) قَدْ مَشَى الْقُدُورِيُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَا ذَكَرَهُ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ جَوَابُ الْقِيَاسِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ اشْتَرَى أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ الْبَائِعُ نَعْلًا لَهُ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ اسْمَ النَّعْلِ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِهِ إلَيْهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَتُهُ أَيْ نَعْلُ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا أَيْ يَجْعَلَ مَعَهَا مِثَالًا آخَرَ لِيُتِمَّ نَعْلًا لِلرِّجْلَيْنِ وَمِنْهُ حَذَوْت النَّعْلَ بِالنَّعْلِ أَيْ قَدَّرْته بِمِثَالِ قَطَعْته وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ يُشْرِكَهُ فَجَعَلَهُ مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ نَعْلًا وَلَا مَعْنَى لَأَنْ يَشْتَرِيَ أَدِيمًا عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ شِرَاكًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ حَقِيقَةَ النَّعْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا أَجَزْنَا الِاسْتِصْنَاعَ) أَيْ مَعَ أَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الْبَيْعُ إلَى النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ) قَالَ الْكَمَالُ هُوَ يَوْمٌ فِي طَرَفِ الرَّبِيعِ وَأَصْلُهُ نَوْرُوز عُرِّبَ وَقَدْ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ كُلُّ يَوْمٍ لَنَا نَوْرُوزٌ حِينَ كَانَ الْكُفَّارُ يَبْتَهِجُونَ بِهِ وَالْمِهْرَجَانُ يَوْمٌ فِي طَرَفِ الْخَرِيفِ مُعَرَّبُ مَهْر كَانَ وَقِيلَ هُمَا عِيدَانِ لِلْمَجُوسِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ؛ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَمَعْرِفَةُ غَيْرِهِمَا لَا تُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لَهُمَا فَإِذَا عَرَفَ ذَلِكَ جَازَ لِارْتِفَاعِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَهِيَ مَعْلُومَةٌ) أَيْ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ) أَيْ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ وَعُلِمَ بِهَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤَجَّلِ هُنَا هُوَ الثَّمَنُ لَا الْمَبِيعُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ مُفْسِدٌ وَلَوْ كَانَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُنَاسِبُ تَعْلِيلُ فَسَادِ تَأْجِيلِ الْمَبِيعِ لِجَهَالَةِ الْأَجَلِ قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّأْجِيلِ فِي الثَّمَنِ يَصِحُّ إذَا كَانَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا هُوَ فِي الثَّمَنِ الدَّيْنُ أَمَّا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ عَيْنًا فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالْأَجَلِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُفْسِدًا لِتَأْجِيلِ الْمَبِيعِ اهـ وَالدِّيَاسُ وَأَصْلُهُ الدِّوَاسُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّوْسِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً لِلْكَسْرَةِ قَبْلَهَا. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ الْمُمَاكَسَةُ) الْمُمَاكَسَةُ اسْتِنْقَاصُ الثَّمَنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فَاحِشَةً كَالْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَوْ كَفَلَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَمَبْنَى التَّبَرُّعِ
مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهُ شَيْءٌ وَفِي النَّذْرِ تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ وَإِنْ كَانَتْ فَاحِشَةً وَهِيَ مُعَاوَضَةٌ انْتِهَاءً بِاعْتِبَارِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَلَا تُتَحَمَّلُ الْجَهَالَةُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً فَعَمِلْنَا بِالشَّبَهَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهَالَةَ فِي الْكَفَالَةِ تُتَحَمَّلُ فِي أَصْلِ الدَّيْنِ حَتَّى لَوْ تَكَفَّلَ بِمَا ذَابَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ صَحَّ فَبِالْوَصْفِ وَهُوَ الْأَجَلُ أَوْلَى بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَتَّى لَا يَصِحَّ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَصْلًا فَكَذَا فِي وَصْفِهِ.
قَالَ (وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ صَحَّ) أَيْ لَوْ بَاعَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْمُشْتَرِي الْآجَالَ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَقَبْلَ قُدُومِ الْحَاجِّ جَازَ الْبَيْعُ، وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ فَاسِدًا فَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ كَمَا إذَا أَسْقَطَ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ عَنْ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَكَمَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَسْقَطَ الْأَجَلَ وَلَنَا أَنَّ الْمُفْسِدَ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ يَسِيرٌ، وَلِهَذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِ فَيَنْقَلِبُ صَحِيحًا عِنْدَ إزَالَتِهِ أَوْ نَقُولُ انْعَقَدَ مَوْقُوفًا فَبِالْإِسْقَاطِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا عَلَى مَا قَالَهُ مَشَايِخُنَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَقَبْلَ مَجِيئِهِ لَا مُنَازَعَةَ فَلَا يَفْسُدُ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ عَقْدٍ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِإِزَالَةِ الْمُفْسِدِ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا عِنْدَهُمْ وَمَوْقُوفًا عِنْدَ مَشَايِخِنَا بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ فِيهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَبِخِلَافِ الْأَجَلِ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ النِّكَاحِ وَهُوَ الْمُتْعَةُ وَالْعَقْدُ لَا يَنْقَلِبُ عَقْدًا آخَرَ، وَقَوْلُهُ وَلَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ قَبْلَ حُلُولِهِ أَيْ لَوْ أَسْقَطَهُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَنْفَرِدُ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يَشْتَرِطُ فِيهِ التَّرَاضِي وَقَوْلُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَإِنْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِ الْأَجَلِ وَقَعَ اتِّفَاقًا مَخْرَجُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ رِضَا مَنْ لَهُ الْحَقُّ يَكْفِي وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ تَأْجِيلُ الدَّيْنِ وَالْجَهَالَةُ فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ مُحْتَمَلَةٌ لِخُلُوِّ الْعَقْدِ عَنْ الْمُفْسِدِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ مُقَارِنَةٌ لَهُ فَيَفْسُدُ.
قَالَ (وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ أَوْ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَوْ بَيْنَ مِلْكٍ وَوَقْفٍ صَحَّ فِي الْقِنِّ وَعَبْدِهِ وَالْمِلْك) أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ عَلَى إطْلَاقِهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَازَ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُمَا صَارَا صَفْقَتَيْنِ فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثَمَنًا؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ فَلَا يُمْكِنُ وَصْفُهَا بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَتَبْطُلُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرَّ وَالْمَيِّتَةَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْعَقْدِ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْمَالِيَّةُ فَيَكُونُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي الْحُرِّ وَالْمَيِّتَةِ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْعَبْدِ وَالذَّكِيَّةِ فَيَبْطُلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ قَوْلُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ الْمَجْمُوعُ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّيَّةِ فِي الْمُدَبَّرِ وَنَحْوِهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَقَدْ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيهِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْمَالِ فَيَفْسُدُ كَالْفَصْلِ الْأَوَّلِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ لِأَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَلَهُمَا إذَا لَمْ يُفَصِّلْ الثَّمَنَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَنَحْوَهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَيْعِ ثُمَّ يُنْقَضُ فِي حَقِّهِ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا حَالَةَ الْبَقَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْحُرُّ وَنَحْوُهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَصْلًا فَلَوْ جَازَ الْبَيْعُ فِيمَا ضَمَّ إلَيْهِ لَكَانَ بَيْعًا بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُحَلَّلَةِ فِيمَا إذَا ضَمَّ إلَيْهَا الْمُحَرَّمَةَ فَعَقَدَ عَلَيْهِمَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ وَلَا بِجَهَالَةِ الْمَهْرِ فَيَكُونُ صَحِيحًا وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَعَبْدَ الْغَيْرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عَلَى الْمُسَاهَلَةِ، وَلِهَذَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْمَجْهُولِ بِأَنْ قَالَ مَا ذَابَ لَك عَلَى فُلَانٍ فَعَلَيَّ فَجَهَالَةُ الْأَجَلِ فِيهَا إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً مُسْتَدْرَكَةً لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْأَجَلِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَدْرَكَةٍ كَالْكَفَالَةِ إلَى هُبُوبِ الرِّيحِ أَوْ إلَى أَنْ تُمْطِرَ السَّمَاءُ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ وَلَا يَصِحُّ الْأَجَلُ وَيَكُونُ حَالًّا. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ) وَرَوَى عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ أَنَّ بَيْعَ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَالْقَفِيزِ بِالْقَفِيزَيْنِ فَاسِدٌ مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ عِنْدَ اتِّصَالِ الْقَبْضِ بِهِ كَالْبَيْعِ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَالْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ بَاعَ مُطْلَقًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مُطْلَقًا أَيْ عَنْ ذِكْرِ الْأَجَلِ حَتَّى انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ إلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بَعْدَ الصِّحَّةِ كَالْكَفَالَةِ بِتَحَمُّلِ الْجَهَالَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَأْجِيلُ دَيْنٍ مِنْ الدُّيُونِ بِخِلَافِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَقَبُولُ هَذِهِ الْآجَالِ شَرْطٌ فَاسِدٌ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَوْ بَيْنَ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ وَمَيِّتَةٍ إلَخْ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا كَالْمَيِّتَةِ اهـ فَإِنْ قُلْت مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَامِدًا مُجْتَهَدٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُدَبَّرِ قُلْت ذَلِكَ مِنْهُ لَمْ يُعْتَبَرْ اجْتِهَادًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] فَكَانَ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ كَالْمَيِّتَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ) أَيْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّانِي إلَخْ) يُرِيدُ بِالثَّانِي مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدٍ وَمُدَبَّرٍ لَا مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ لِزُفَرَ فِيهِ فَكَانَ عَلَى الشَّارِحِ أَنْ يُفَصِّلَ لَكِنَّهُ أَخَذَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ وَفِيهَا مَا فِيهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبَ وَعَبْدَ الْغَيْرِ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ) اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ أَمَّا إذَا قَضَى