المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الاختلاف في الشهادة) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٤

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْبُيُوعِ)

- ‌[فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ]

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ)

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌(فَصْلٌ) (قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[بَابُ التَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ

- ‌[وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الرِّبَا]

- ‌ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌[بَيْع الْخَبَز بالبر أَوْ الدَّقِيق متفاضلا]

- ‌لَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ)

- ‌بَابُ الْحُقُوقِ

- ‌[لَا ربا بَيْن الْحَرْبِيّ والمسلم فِي دَار الْحَرْب]

- ‌[الظُّلَّةُ هَلْ تدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ]

- ‌بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌(مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ

- ‌[قَالَ عَبْد لمشتر اشتريني فَأَنَا حُرّ فاشتراه فَإِذَا هُوَ عَبْد]

- ‌ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ

- ‌[ادَّعَى حقا مَجْهُولًا فِي دَار فصولح عَلَى مَاله]

- ‌ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ

- ‌[أرش الْعَبْد إذَا قَطَعَتْ يَده عِنْد الْمُشْتَرِي]

- ‌ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌[مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز]

- ‌[ بَيَان شَرْط السَّلَم]

- ‌[السَّلَم والاستصناع فِي الْخَفّ والطست والقمقم]

- ‌(بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ)

- ‌[حُكْم بَيْع الْكَلْب]

- ‌ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ

- ‌[أفرخ طير أَوْ باض فِي أَرْض رَجُل]

- ‌(مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ

- ‌مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[ الْكِفَالَة بِالنَّفْسِ وَإِنَّ تَعَدَّدَتْ]

- ‌[ تَبْطُلُ الْكِفَالَة بموت الْمَطْلُوب والكفيل]

- ‌ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، أَوْ الْقِصَاصِ

- ‌[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌{بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ}

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ)

- ‌[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ

- ‌[الْقَضَاء عَلَى غَائِب]

- ‌[بَابُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ إقراض الْقَاضِي مَال الْيَتِيم]

- ‌(بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى)

- ‌ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ

- ‌يَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ)

- ‌ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ

- ‌[قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[شُرُوط الشُّهُود فِي الزِّنَا]

- ‌[مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء]

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ)

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌(بَابُ التَّحَالُفِ)

- ‌[فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ]

- ‌(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ)

- ‌(بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ)

الفصل: ‌(باب الاختلاف في الشهادة)

(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

قَالَ رحمه الله (الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ وَإِلَّا لَا)؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نُصِّبَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَفَصْلُهُ يَفْتَقِرُ إلَى سَبْقِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ بَعْدَ الدَّعْوَى أَمَّا الشَّهَادَةُ أَوْ الْيَمِينُ وَقَدْ وُجِدَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا إذَا وَافَقَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى فَأَمْكَنَ الْفَصْلُ بِالشَّهَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا إذَا خَالَفَتْهَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ بِهَا وَهَذَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لِأَجْلِ تَصْدِيقِ الدَّعْوَى، فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا، وَالدَّعْوَى الْكَاذِبَةُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا فَانْعَدَمَ الشَّرْطُ وَهُوَ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى فَلَا يُحْكَمُ بِهَا بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ خَصْمًا فِي إثْبَاتِهِ فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا كَانَ طَالِبًا لَهَا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إقَامَتُهَا وَفِي حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهَا بِالدَّعْوَى إذْ لَا يَعْرِفُ الْقَاضِي حُقُوقَهُمْ وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى اسْتِيفَائِهَا

قَالَ رحمه الله (ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَغَتْ) أَيْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى مِلْكًا حَادِثًا وَهُمَا شَهِدَا بِمِلْكٍ قَدِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُطْلَقِ يَثْبُتُ مِنْ الْأَصْلِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْمُدَّعِي بِزَوَائِدِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْحَادِثِ وَتَرْجِعُ الْبَاعَةُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيهِ فَصَارَا غَيْرَيْنِ، وَالتَّوْفِيقُ مُتَعَذِّرٌ؛ لِأَنَّ الْحَادِثَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ قَدِيمًا وَلَا الْقَدِيمُ حَادِثًا فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ قَالَ رحمه الله (وَبِعَكْسِهِ لَا) أَيْ بِعَكْسِ مَا مَضَى وَهُوَ مَا إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ لَا تَكُونُ لَغْوًا بَلْ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ قَالَ رحمه الله (وَيُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَهِيَ شَهَادَةُ الْمُثَنَّى فَمَا لَمْ يَتَّفِقَا فِيمَا شَهِدَا بِهِ لَا تَثْبُتُ الْحُجَّةُ مُطْلَقًا، وَالْمُوَافَقَةُ الْمُطْلَقَةُ بِاللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا غَيْرُ، وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

[ بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ]

ِ) الِاخْتِلَافُ فِي الشَّهَادَةِ خِلَافُ الْأَصْلِ بَلْ الْأَصْلُ الِاتِّفَاقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا يَتَفَرَّعُ عَنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ذَلِكَ وَالشَّهَادَةُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ إمَّا عَنْ رُؤْيَةٍ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَالْقَتْلِ أَوْ سَمَاعٍ بِإِقْرَارٍ وَغَيْرِهِ وَالشَّاهِدَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِي إدْرَاكِ ذَلِكَ فَيَسْتَوِيَانِ فِيمَا يُؤَدِّيَانِ فَلِذَا أَخَّرَهُ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافٌ اهـ كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ الشَّهَادَةُ إنْ وَافَقَتْ الدَّعْوَى قُبِلَتْ) بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ قَرْضٍ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى بِأَنْ كَانَتْ فِي أَلْفٍ قَرْضٍ وَشَهِدَا بِأَلْفٍ ثَمَنِ مَتَاعٍ اهـ ع (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْعَبْدِ شَرْطٌ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ وَهُوَ الدَّعْوَى، وَقَدْ وُجِدَتْ الدَّعْوَى فِيمَا يُوَافِقُهَا أَيْ يُوَافِقُ الشَّهَادَةَ فَوُجِدَ شَرْطُ قَبُولِهَا فَتُقْبَلُ وَانْعَدَمَتْ فِيمَا يُخَالِفُهَا، فَإِنَّهَا لَمَّا لَمْ تُوَافِقْهَا صَارَتْ الدَّعْوَى لِشَيْءٍ آخَرَ وَشَرْطُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَاعْلَمْ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ الْمُطَابَقَةَ بَلْ إمَّا الْمُطَابَقَةُ أَوْ كَوْنُ الْمَشْهُودِ بِهِ أَقَلَّ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَمِنْ الْأَقَلِّ مَا لَوْ ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرِ كَذَا فَشَهِدُوا أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ بِلَا زِيَادَةٍ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا سَمَّاهُ أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ لَا يَقْضِي بِالزِّيَادَةِ كَذَا فِي غَيْرِ نُسْخَةٍ مِنْ الْخُلَاصَةِ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ وَمِنْهُ إذَا ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قُبِلَتَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِسَبَبٍ أَقَلُّ مِنْ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْأَوَّلِيَّةَ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَالنِّتَاجَ عَلَى الْيَقِينِ وَفِي قَلْبِهِ وَهُوَ دَعْوَى الْمُطْلَقِ فَشَهِدُوا بِالنِّتَاجِ لَا تُقْبَلُ وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ، أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْته أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ وَهُنَا اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى مِلْكٍ بِسَبَبٍ، وَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمُطْلَقِ لَمْ يُذْكَرْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ لَهُ قُلْت كَيْفَ وَفِيهِ أَيْضًا إبْطَالُ حَقِّهِ، فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَإِذَا خَالَفَتْهَا فَقَدْ كَذَّبَتْهَا) أَيْ كَذَّبَتْ الشَّهَادَةُ الدَّعْوَى اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ فَنُسِبَ الْكَذِبُ إلَى الدَّعْوَى لَا إلَى الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشُّهُودِ الْعَدَالَةُ دُونَ الْمُدَّعِي إذْ هِيَ شَرْطٌ فِيهِمْ دُونَهُ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ) قَالَ الْكَمَالُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الِاشْتِرَاطُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ احْتِرَازًا عَنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ دَعْوَى مُدَّعٍ خَاصٍّ غَيْرِ الشَّاهِدِ لَيْسَ شَرْطًا لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَالَى وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الْقِيَامُ فِي إثْبَاتِهِ وَذَلِكَ الشَّاهِدُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَكَانَ قَائِمًا فِي الْخُصُومَةِ مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَشَاهِدٌ مِنْ جِهَةِ تَحَمُّلِ ذَلِكَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهَا إلَى خَصْمٍ آخَرَ. اهـ. .

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ ادَّعَى دَارًا إرْثًا أَوْ شِرَاءً فَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبٍ اهـ ع (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِالِاتِّفَاقِ فِي اللَّفْظِ تَطَابُقُ اللَّفْظَيْنِ عَلَى إعَادَةِ الْمَعْنَى) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَوْ بِمُرَادِفِهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ قُبِلَتْ اهـ كَمَالٌ وَقَوْلُهُ إعَادَةٌ هُوَ بِالْعَيْنِ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَكَذَا هُوَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْكَافِي إفَادَةٌ بِالْفَاءِ اهـ

ص: 229

لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ حَتَّى لَوْ ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ.

وَكَذَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمِائَةُ، وَالْمِائَتَانِ، وَالطَّلْقَةُ، وَالطَّلْقَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ لَهُمَا أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْأَقَلِّ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا لِعَدَمِهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِاخْتِلَافٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ ادَّعَى الْأَكْثَرَ وَشَهِدَا بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ، وَلَوْ كَانَ اخْتِلَافًا لَمَا قُبِلَتْ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْقَبُولِ أَنْ تُوَافِقَ الْبَيِّنَةُ الدَّعْوَى فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ، وَالْخَمْسَمِائَة بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ يَشْهَدُ بِالزِّيَادَةِ وَبِشَهَادَةِ الْفَرْدِ لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ غَيْرُ لَفْظِ الِاثْنَيْنِ وَلَفْظَ الْأَلْفِ غَيْرُ لَفْظِ الْأَلْفَيْنِ وَلِهَذَا لَا يُرَادُ بِأَحَدِهِمَا الْآخَرُ وَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْ اللَّفْظَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا وَاحِدٌ وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْأَلْفَ مَوْجُودٌ فِي الْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ مَوْجُودٌ فِيهِ إذَا ثَبَتَ الْأَلْفَانِ ثَبَتَ الْأَلْفُ ضِمْنًا، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَثْبُتُ الْمُتَضَمَّنُ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لَا بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ) فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ فَلَمْ يَقْضِ بِشَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي أَلْفًا لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَكْذَبَ شَاهِدَ الْأَلْفَيْنِ إلَّا إنْ وَفَّقَ فَقَالَ كَانَ لِي عَلَيْهِ أَلْفَانِ فَقَضَانِي أَلْفًا أَوْ أَبْرَأْتُهُ مِنْ أَلْفٍ وَالشَّاهِدُ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ يُقْضَى لَهُ بِالْأَلْفِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمِائَةُ وَالْمِائَتَانِ وَالطَّلْقَةُ وَالطَّلْقَتَانِ أَوْ الثَّلَاثُ) لَا يُقْضَى بِطَلَاقٍ أَصْلًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْأَقَلِّ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَهَذَا فِي دَعْوَى الدَّيْنِ، أَمَّا فِي دَعْوَى الْعَيْنِ بِأَنْ كَانَ فِي كِيسٍ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْكِيسِ لَهُ وَهُوَ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَالْآخَرُ أَنَّ نِصْفَ مَا فِيهِ لَهُ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْمِقْدَارِ فِي الْمُشَارِ إلَيْهِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ ذَكَرَهُ الْخَبَّازِيُّ وَبِقَوْلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَسْتَحِقُّ الزَّائِدَ بِالْحَلِفِ عَلَيْهِ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ وَالْخَمْسَمِائَةِ) أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِطَلْقَةٍ وَالْآخَرُ بِتَطْلِيقَةٍ وَنِصْفٍ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْأَقَلَّ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ) أَيْ اتِّفَاقًا. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا) هَذَا الْفَرْعُ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رحمه الله فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ فِي فَصْلِ الْمَشِيئَةِ وَذَكَرَ الْحُكْمَ فِيهِ كَمَا هُنَا فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ: فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ عَلَى قَوْلِهِ مَا لَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ فَشَهِدَا بِأَلْفٍ تُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ عَدَمِ الْمُطَابَقَةِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى وَهِيَ شَرْطٌ وَعَلَى قَوْلِ الْكُلِّ مَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَالْآخَرُ: أَنْتِ بَرِّيَّةٌ لَا يُقْضَى بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعًا الْبَيْنُونَةَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ اخْتِلَافَ اللَّفْظِ وَحْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْعَطِيَّةِ تُقْبَلُ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وِزَانِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَدَّعِي أَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا الْأَلْفَ.

وَقَدْ شَهِدَ بِهِ اثْنَانِ صَرِيحًا فَيُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ تَثْبُتْ الْأَلْفَانِ، وَأَمَّا عَنْ الثَّانِي فَنَمْنَعُ التَّرَادُفَ؛ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٍ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٍ لُغَةً، وَالْوُقُوعُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا: إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا فَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ هُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُتَبَايِنَانِ قَدْ تَشْتَرِكُ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى فَلَمَّا اخْتَلَفَ الْمَعْنَى مِنْهُمَا كَانَ دَلِيلَ اخْتِلَالِ تَحَمُّلِهِمَا، فَإِنَّ هَذَا يَقُولُ مَا وَقَعَتْ الْبَيْنُونَةُ إلَّا بِوَصْفِهَا بِخَلِيَّةٍ وَالْآخَرُ لَمْ تَقَعْ إلَّا بِوَصْفِهَا بِبَرِيَّةٍ وَإِلَّا فَلَمْ تَقَعْ الْبَيْنُونَةُ اهـ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ: وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا بَلْ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً أَبَدًا عَلَى أَنَّ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّ لِزَيْدٍ نِصْفَهُ قَالَ أَجْعَلُ لِزَيْدٍ ثُلُثَ غَلَّتِهَا الَّذِي أَجْمَعَا عَلَيْهِ وَالْبَاقِيَ لِلْمَسَاكِينِ وَكَذَا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا مَالًا لِزَيْدٍ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَالْآخَرُ أَقَلَّ مِنْهُ أَحْكُمُ لِزَيْدٍ بِمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ يُعْطَى لِزَيْدٍ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الْوَقْفِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَا يَسَعُهُ وَيَسَعُ عِيَالَهُ بِالْمَعْرُوفِ.

وَقَالَ الْآخَرُ: يُعْطَى أَلْفًا قَالَ أُقَدِّرُ نَفَقَتَهُ وَعِيَالِهِ فِي الْعَامِ، فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ حَكَمْت لَهُ بِالْأَلْفِ أَوْ الْأَلْفُ أَكْثَرُ أَعْطَيْته نَفَقَتَهُ وَالْبَاقِيَ لِلْمَسَاكِينِ هَذَا بَعْدَ أَنْ أَدْخَلَ الْكِسْوَةَ فِي النَّفَقَةِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ قُلْت: فَلِمَ أَجَزْت هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَقَدْ اخْتَلَفَا فِي لَفْظِهِمَا قَالَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْوَاقِفُ أَنَّ لِزَيْدٍ بَعْضَ هَذِهِ الْغَلَّةِ فَاجْعَلْ لَهُ الْأَقَلَّ اهـ فَإِيرَادُ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ الَّذِي ذَكَرْت أَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّهَا اتِّفَاقِيَّةٌ، فَإِنَّ إيرَادَهُ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. قَوْلُهُ: وَقَدْ اخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا صَرِيحٌ فِيهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاطِلَةٌ اهـ وَحَاصِلُهُ أَنَّا عَلِمْنَا اسْتِحْقَاقَهُ وَتَرَدَّدْنَا بَيْنَ أَقَلَّ وَأَكْثَرَ فَيَثْبُتُ الْمُتَيَقَّنُ اهـ

ص: 230

قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ بَرِيَّةٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى لِعَدَمِ ثُبُوتِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ اتِّفَاقَ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى شَرْطُ الْقَبُولِ بِخِلَافِ الدَّعْوَى، وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ اتِّفَاقُهُمَا فِي اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ أَوْ الْقَتْلَ فَشَهِدَا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ تُقْبَلُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ أَوْ الْقَتْلِ، وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ الْأَلْفِ، وَالْخَمْسِمِائَةِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالزِّيَادَةِ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ، وَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَنَظِيرُهُ الطَّلْقَةُ، وَالطَّلْقَةُ وَنِصْفٌ، وَالْمِائَةُ، وَالْمِائَةُ، وَالْخَمْسُونَ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ مُرَكَّبٌ كَالْأَلْفَيْنِ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ الْمُدَّعِي الْأَكْثَرَ فَشَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي بِالزِّيَادَةِ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولَ أَصْلُ حَقِّي كَانَ كَمَا قَالَ إلَّا أَنِّي اسْتَوْفَيْت الزَّائِدَ أَوْ أَبْرَأْته عَنْهُ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ فِي الْأَقَلِّ لِظُهُورِ التَّوْفِيقِ وَفِي النِّهَايَةِ إنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَذَلِكَ نَحْوُ أَنْ يَشْهَدَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْهِبَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى الْعَطِيَّةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الشَّهَادَةِ بَلْ الْمَقْصُودُ مَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ وَهُوَ مَا صَارَ اللَّفْظُ عَلَمًا عَلَيْهِ، فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُوَافَقَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَضُرُّ الْمُخَالَفَةُ فِيمَا سِوَاهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَكَذَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ، وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ لَمْ تُقْبَلْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الِاتِّفَاقُ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا فِي الْمَعْنَى لَا غَيْرُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا قَبْلَ الدُّخُولِ ثُمَّ رَجَعُوا كَانَ ضَمَانُ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى شَاهِدَيْ الثَّلَاثِ دُونَ شَاهِدَيْ الْوَاحِدَةِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَا إنَّ الْوَاحِدَةَ تُوجَدُ فِي الثَّلَاثِ لَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِ الثَّلَاثِ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَهَا أَنْ تُوقِعَ كُلَّهَا أَوْ بَعْضَهَا وَلَا يَلْزَمُ مَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مِلْكِهِ فَلَهُ أَنْ يُوقِعَ أَيَّ عَدَدٍ شَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُنَفَّذُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ) يَعْنِي فِيمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِأَلْفٍ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَ وَخَمْسَمِائَةٍ لِاتِّفَاقِهِمَا بِالْأَلْفِ وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَدَّعِي الْأَلْفَ فَقَطْ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ مَنْ شَهِدَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعَقْدَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ.

قَالَ رحمه الله (: وَلَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ وَقَالَ أَحَدُهُمَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي لَفْظَةِ الْإِيقَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ قَالَ: بَرِيَّةٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ الْفَرَاغُ عَقِيبَ الشُّغْلِ، وَمَعْنَى الْخُلُوِّ الْفَرَاغُ الْمُطْلَقُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا لَفْظًا وَمَعْنًى لَا يَثْبُتُ الْمَشْهُودُ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الْحُرْمَةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ) أَيْ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ اتَّفَقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى) أَيْ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الِاتِّفَاقِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَوَجْهُ الِاتِّفَاقِ هُوَ الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ يَقُولُ: أَدَّعِي كَذَا وَالشَّاهِدُ يَقُولُ: أَشْهَدُ بِكَذَا وَلَا اتِّفَاقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، فَإِذَا عَرَفْت هَذَا فَاعْرِفْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَالشَّهَادَةُ لَمْ تَبْطُلُ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَتْ قَالَ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فِي الْفُصُولِ وَذَكَرَ فِي بَابِ اخْتِلَافِ الشَّهَادَاتِ مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَيْ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي اللَّفْظِ وَإِلَّا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْنَى خَاصَّةً وَلَا عِبْرَةَ لِلَّفْظِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ) أَيْ وَمَا لَمْ يُوَفِّقْ صَرِيحًا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ وَلَا يَكْفِي احْتِمَالُ التَّوْفِيقِ فِي الْأَصَحِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَا كَانَ إلَّا الْأَلْفُ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّوْفِيقَ فَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ) عَلَى الْأَلْفِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَلْفَيْنِ اهـ

(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَسْرَارِ الَّذِي يُبْطِلُ مَذْهَبَهُمَا وَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (قَوْلُهُ: لَوْ شَهِدَا بِتَطْلِيقَةٍ) يَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: حَيْثُ تَقَعُ وَاحِدَةٌ)؛ لِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ فَقَدْ مَلَّكَهَا الثَّلَاثَ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهَا فِيهَا وَالْمَالِكُ يُوجِدُ مِنْ مَمْلُوكِهِ مَا شَاءَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي ذَلِكَ قُبِلَتْ عَلَى الْأَلْفِ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَهُمَا ظَاهِرٌ وَعِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى الْأَلْفِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالشَّهَادَةِ بِجُمْلَةٍ أُخْرَى مَنْصُوصٌ عَلَى خُصُوصِ كَمِّيَّتِهَا لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْأَلْفِ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَمِائَةِ دِينَارٍ وَهُوَ يَدَّعِيهِمَا. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدُ) فِي قَوْلِهِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ إلَخْ اهـ

ص: 231

قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ تُقْبَلُ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُسْمَعْ أَنَّهُ قَضَاهُ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ آخَرُ)؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ فَتُقْبَلُ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِقَضَاءِ النِّصْفِ فَلَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ وَلَا يَكُونُ بِقَوْلِهِ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ مُنَاقِضًا لِشَهَادَتِهِ بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ طَرِيقُهُ الْمُقَاصَّةُ مَعْنَاهُ أَنَّ الدَّائِنَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا قَبَضَ فَلَا يُنَافِي بَقَاءَ دَيْنِهِ فَلَا يَكُونُ كَاذِبًا وَلَا يُقَالُ: إنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَهُ بِالْقَضَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ كَمَا إذَا شَهِدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِيمَا شَهِدَ لَهُ، وَإِنَّمَا كَذَّبَهُ فِيمَا شَهِدَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ كَمَا إذَا شَهِدَ لَهُ اثْنَانِ بِحَقٍّ ثُمَّ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَقٍّ لِإِنْسَانٍ آخَرَ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا لَهُ لَا تَبْطُلُ، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ فِيهِ فِيمَا شَهِدَ لَهُ فَيَكُونُ قَادِحًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَقْضِي بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ شَهَادَةِ شَاهِدِ الْقَضَاءِ أَنْ لَا دَيْنَ إلَّا خَمْسُمِائَةٍ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي اعْتِبَارِ الْمَعْنَى كَمَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ خَالَفَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِخُمْسِ الْمِائَةِ ابْتِدَاءً بَلْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُسْمَعُ

قَالَ رحمه الله (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي بِمَا قَبَضَ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَشْهَدَ بِالْأَلْفِ كُلِّهَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى يُقِرَّ الْمُدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَ خَمْسَمِائَةٍ كَيْ لَا يَصِيرَ مُعِينًا عَلَى الظُّلْمِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ شَهِدَا بِقَرْضِ أَلْفٍ وَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَضَاهُ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَرْضِ) لِتَمَامِ الْحُجَّةِ فِي الْقَرْضِ وَعَدَمِهَا فِي الْقَضَاءِ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهَا الْقَاضِي وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رحمه الله؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، وَلَوْ قَضَى لَكَانَ قَضَاءً بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ شَاهِدَ الْقَضَاءِ، وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ بِقَضَاءِ كُلِّ الدَّيْنِ فِي هَذِهِ وَفِي الْأُولَى بِقَضَاءِ الْبَعْضِ، وَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا فِي الْأُولَى، وَإِذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالطَّلَاقِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالرَّهْنِ، وَالدَّيْنِ، وَالْقَرْضِ، وَالْبَرَاءَةِ، وَالْكَفَالَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْقَذْفِ تُقْبَلُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنَايَةِ، وَالْغَصْبِ، وَالْقَتْلِ، وَالنِّكَاحِ لَا تُقْبَلُ.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ قَوْلًا كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِيهِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الزَّمَانِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ مِمَّا يُعَادُ وَيُكَرَّرُ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ فِعْلًا كَالْغَصْبِ أَوْ قَوْلًا لَكِنْ الْفِعْلُ فِيهِ شَرْطُ صِحَّتِهِ كَالنِّكَاحِ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَحُضُورُ الشَّاهِدَيْنِ فِعْلٌ وَهُوَ شَرْطٌ فَاخْتِلَافُهُمَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ يَمْنَعُ الْقَبُولَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان غَيْرُ الْفِعْلِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان آخَرَ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَذْفِ فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَ قَوْلًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ كَانَ إنْشَاءً فَهُمَا غَيْرَانِ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ قَذْفٍ شَاهِدَانِ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا إنْشَاءً، وَالْآخَرُ إخْبَارًا فَهُمَا لَا يَتَّفِقَانِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ) وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ يَعْنِي فَبَعْدَ ثُبُوتِ الْأَلْفِ بِاتِّفَاقِهِمَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِسُقُوطِ خَمْسِمِائَةٍ فَلَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَهِدَا بِأَلْفٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنَّهُ قَضَاهُ إيَّاهَا بَعْدَ قَرْضِهِ، فَإِنَّهُ يَقْضِي بِالْكُلِّ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ شَاهِدِ الْقَضَاءِ وَذَكَرُوا قَوْلَ زُفَرَ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ إكْذَابٌ مِنْ الْمُدَّعِي فَهُوَ كَمَا لَوْ فَسَّقَهُ، وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا وَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا إلَخْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِكْذَابِ التَّفْسِيقُ لِجَوَازِ كَوْنِهِ تَغْلِيطًا لَهُ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ ثُمَّ انْفَرَدَ الْآخَرُ بِالْقَضَاءِ فَلَا تُسْمَعُ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا عَلِمَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْقَضَاءِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ قَدْ قَضَاهُ فَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى دَعْوَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ادَّعَى بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْهَدَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ الْقُدُورِيُّ وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ أَيْ بِقَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ أَنْ لَا يَشْهَدَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِقَبْضِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ فَإِمَّا بِالْأَلْفِ ثُمَّ يَقُولُ قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَعَلِمْت أَنَّهُ يَقْضِي فِيهَا بِأَلْفٍ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِمَّا بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَثْبُتُ اخْتِلَافُهُمَا إنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَفِيهِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ أَصْلًا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَضِيعُ حَقُّ الْمُدَّعِي فَالْوَجْهُ أَنْ لَا يَشْهَدَ الَّذِي عَرَفَ الْقَضَاءَ حَتَّى يَعْتَرِفَ الْمُدَّعِي بِالْقَدْرِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ لَا يَنْبَغِي لَا يَحِلُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِ أَبِي اللَّيْثِ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ رَجُلٌ أَقَرَّ عِنْدَ قَوْمٍ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ كَذَا فَبَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ رَجُلَانِ أَوْ أَكْثَرُ إلَى الْقَوْمِ فَقَالُوا: لَا تَشْهَدُوا عَلَى فُلَانٍ بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ الشُّهُودُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا مِنْ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ شَاءُوا أَخْبَرُوا الْحَاكِمَ بِشَهَادَةِ الَّذِينَ أَخْبَرُوهُمْ بِالْقَضَاءِ، فَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُونَ عُدُولًا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِالْمَالِ هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُمْ وَاحِدٌ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَدَّعُوا الشَّهَادَةَ وَكَذَا إذَا حَضَرُوا بَيْعَ رَجُلٍ أَوْ نِكَاحَهُ أَوْ قَتْلَهُ فَلَمَّا أَرَادُوا الشَّهَادَةَ شَهِدَ عِنْدَهُمْ بِطَلَاقِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ عَايَنَّا امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُمَا أَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ أَوْ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ وَاحِدًا شَهِدُوا أَوْ اثْنَيْنِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَكَذَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْمِلْكَ لِلثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا اهـ

ص: 232

؛ لِأَنَّ الْإِنْشَاءَ أَنْ يَقُولَ: زَنَيْت أَوْ أَنْتَ زَانٍ، وَالْإِخْبَارَ أَنْ يَقُولَ: قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا سَمِعَ الْإِنْشَاءَ، وَالْآخَرُ سَمِعَ الْإِقْرَارَ بِهِ وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ قَذْفُهُ فَهُمَا شَاهِدَانِ بِهِ.

قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ رُدَّتَا) يَعْنِي طَائِفَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ اجْتَمَعَا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَشَهِدَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ؛ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ الْأُخْرَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْ بَابِ الْفِعْلِ، وَالْفِعْلُ الْوَاحِدُ لَا يَتَكَرَّرُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَكَاتٌ انْقَرَضَ لِكَوْنِهِ عَرْضًا لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، وَالثَّانِيَ حَرَكَاتٌ أُخَرُ غَيْرُ الْأَوَّلِ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي إخْبَارًا عَنْ الْأَوَّلِ حَتَّى يَصِيرَ تَكْرَارَ الْأَوَّلِ وَإِعَادَتَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ الْفِعْلِ بِالْفِعْلِ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا بِخِلَافِ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ يُحْكَى بِالْقَوْلِ فَيَكُونُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ حُكْمًا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْآلَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْقَتْلُ لَا تُقْبَلُ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله:(فَإِنْ قَضَى بِإِحْدَاهُمَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْأُخْرَى) يَعْنِي لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِشَهَادَةِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا فَلَا يُنْتَقَضُ بِالثَّانِيَةِ؛ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَكَّةَ صَارَ ذَلِكَ حُكْمًا بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ فِي غَيْرِهَا إذْ قَتْلُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فِي مَكَانَيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَانَ مَعَ رَجُلٍ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَتَحَرَّى وَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اتَّصَلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَلَا يُنْتَقَضُ بِوُقُوعِ التَّحَرِّي فِي الْآخَرِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ بِخِلَافِ الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ، وَالْغَصْبِ) يَعْنِي لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ بَقَرَةً بَيْضَاءَ وَقَالَ الْآخَرُ بَقَرَةً سَوْدَاءَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَتُقْطَعُ يَدُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ ذَكَرًا، وَالْآخَرُ قَالَ أُنْثَى أَوْ اخْتَلَفَا فِي لَوْنِ الْبَقَرَةِ فِي الْغَصْبِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيهِمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِي السَّرِقَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ الْبَيْضَاءَ غَيْرُ السَّوْدَاءِ فَكَانَا سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ وَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْغَصْبِ ضَمَانٌ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالثَّابِتُ بِالسَّرِقَةِ حَدٌّ يَسْقُطُ بِهَا فَصَارَ نَظِيرَ اخْتِلَافِهِمَا فِي قِيمَتِهَا وَلَهُ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِيمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي ثِيَابِ السَّارِقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ سَكَتَا عَنْ بَيَانِ اللَّوْنِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا بِخِلَافِ بَيَانِ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الشَّهَادَةِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا تَبْلُغُ نِصَابًا وَلِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تَكُونُ فِي اللَّيَالِي غَالِبًا وَيَكُونُ التَّحَمُّلُ فِيهَا مِنْ بَعِيدٍ فَيَتَشَابَهُ عَلَيْهِمَا اللَّوْنَانِ أَوْ يَجْتَمِعَانِ فِي بَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَنْ كَانَ أَحَدُ جَانِبَيْهَا أَبْيَضَ، وَالْجَانِبُ الْآخَرُ أَسْوَدَ فَيَشْهَدُ كُلٌّ بِمَا رَأَى أَوْ بِمَا وَقَعَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ قَتَلَ زَيْدًا يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِصْرَ) لَفْظَةُ يَوْمِ النَّحْرِ لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي نُسَخِ الْمَتْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ: تُرَدُّ الطَّائِفَتَانِ) فَلَا يُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ شَهِدَتْ الْأُخْرَى لَا تُقْبَلُ) وَحِينَئِذٍ فَيُقْتَلُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّ الْأُولَى تَرَجَّحَتْ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهَا)، فَإِنَّهُ حِينَ قَضَى بِالْأُولَى وَلَا مُعَارِضَ لَهَا إذْ ذَاكَ يَنْفُذُ شَرْعًا فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ شَرْعًا بِحُدُوثِ مُعَارِضٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى طَهَارَةِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ) وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِتَحَرِّيهِ الْأَوَّلِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ الصِّحَّةُ بَعْدَ الْوُجُوبِ فِيهِ فَلَا يُؤَثِّرُ التَّحَرِّيَ الثَّانِيَ فِي رَفْعِهِ اهـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ شَهِدَا بِسَرِقَةِ بَقَرَةٍ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قَالَ أُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَأَقْطَعُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا نُجِيزُ الشَّهَادَةَ وَلَا نَقْطَعُهُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ بَقَرَةً وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْرًا فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ رحمه الله. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا قُطِعَ) قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ سَرَقَ لَهُ بَقَرَةً وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا لَوْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ وَاحِدٌ بِسَرِقَتِهِ حَمْرَاءَ وَالْآخَرُ سَوْدَاءَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ وَيُقْطَعُ وَقَالَا هُمَا وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ لَا يُقْطَعُ وَلَوْ أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ عَيَّنَ لَوْنًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ لَوْ ادَّعَى سَرِقَةَ ثَوْبٍ مُطْلَقًا فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَالْآخَرُ مَرْوِيٌّ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ لَمْ تُقْبَلْ إجْمَاعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي اللَّوْنِ فِي الْغَصْبِ)، فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا عَلَى غَصْبِ بَقَرَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَوْدَاءُ أَوْ حَمْرَاءُ وَالْآخَرُ بَيْضَاءُ لَمْ تُقْبَلْ مَعَ أَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ قَبُولُهَا إثْبَاتَ حَدٍّ فَلَأَنْ لَا يُقْبَلَ فِيمَا يُوجِبُ حَدًّا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَدَّ أَعْسَرُ إثْبَاتًا، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ، وَأَمَّا مَا زِيدَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ فَلَيْسَ مِمَّا فِيهِ الْكَلَامُ مِنْ السَّرِقَةِ بَلْ يَخُصُّ الزِّنَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ وَصْفِ الذُّكُورَةِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَبِخِلَافِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا أَوْ تَشَابُهَهُمَا لَا يَكُونُ فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ عَادَةً وَلِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يُكَلَّفَانِ بَيَانَ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمَا فَكَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِمَا

ص: 233

وَالْأُنُوثَةِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي بَقَرَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَكَذَا الْوُقُوفُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ يَكُونُ بِالْقُرْبِ فَلَا يَشْتَبِهُ فَيَكُونَانِ سَرِقَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَبِخِلَافِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ فِيهِ بِالنَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَقَعُ بِالنَّهَارِ وَهُوَ يَقْرُبُ مِنْهُ غَالِبًا فَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَحْقِيقٍ وَتَأَمُّلٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ فِي التَّوْفِيقِ احْتِيَالٌ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَهُوَ يَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لَا لِإِيجَابِهِ قُلْنَا الْقَطْعُ لَا يُضَافُ إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُكَلَّفَا نَقْلَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمَا يُوجِبُ الدَّرْءَ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْمُوجِبِ لَا فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَقَرَةُ الْمَسْرُوقَةُ بَلْقَاءَ، وَالْمَشْهُودُ بِسَرِقَتِهَا إمَّا بَيْضَاءُ أَوْ سَوْدَاءُ وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا: إنَّهَا بَلْقَاءُ فَتَكُونُ غَيْرَهَا ضَرُورَةً قُلْنَا نَعَمْ وَلَكِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَعْرِفُ اللَّوْنَيْنِ أَمَّا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ إلَّا أَحَدَهُمَا فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ اللَّوْنِ فَسَمَّاهَا بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ مَوَاضِعِهَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي بَقَرَةً مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِوَصْفٍ

وَأَمَّا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ بَقَرَةٍ سَوْدَاءَ أَوْ بَيْضَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَ أَحَدَهُمَا وَقِيلَ هَذَا فِي لَوْنَيْنِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ، وَالْحُمْرَةِ، وَأَمَّا فِي لَوْنَيْنِ غَيْرِ مُتَشَابِهَيْنِ كَالسَّوَادِ، وَالْبَيَاضِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هَرَوِيٌّ وَقَالَ الْآخَرُ مَرْوِيٌّ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ لَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ أَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدَ فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهُوَ الْعَقْدُ فَالْبَيْعُ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْبَيْعِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَاخْتَلَفَ الْمَشْهُودُ بِهِ لِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ فَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يُكَذِّبُ أَحَدَ شَاهِدَيْهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ الْأَصْلُ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ هُوَ الْمَقْصُودَ حَقِيقَةً فِي حَقِّ الِانْتِفَاعِ، وَالسَّبَبُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ لَكِنْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْحُكْمُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهِ فَكَانَ فِي إثْبَاتِهِ إثْبَاتُ الْحُكْمِ إذْ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحُكْمِ إلَّا بِسَبَبٍ مُعَيَّنٍ وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ رحمه الله أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ بِأَنْ يَشْتَرِيَهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ يَزِيدَهُ عَلَيْهِ خَمْسَمِائَةٍ فَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى شِرَاءٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ بَطَلَتْ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْوَاحِدَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ يَصِيرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ رحمه الله (وَكَذَا الْكِتَابَةُ، وَالْخُلْعُ) أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْبَدَلِ فِيهِمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ السَّبَبِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي السَّبَبَ لِيَحْصُلَ لَهُ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ فَصَارَ نَظِيرَ الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَكَانَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي نَفْسِ الشَّهَادَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ) أَيْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ مَسَائِلَ الْبَيْعُ وَالْإِجَارَةُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالنِّكَاحُ وَالرَّهْنُ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ هَذَا وَيُنْكِرَ الْآخَرَ أَوْ يَدَّعِيَ الْآخَرَ وَيُنْكِرَ هَذَا اهـ وَقَدْ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْكَنْزِ مِنْهَا أَرْبَعَةً: الْبَيْعُ وَالْكِتَابَةُ وَالْخُلْعُ وَالنِّكَاحُ وَذَكَرَ الشَّارِحُ رحمه الله الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَكَانَ الْأَنْسَبُ لِلْوَضْعِ أَنْ يَذْكُرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ فِي دَعْوَى الْمَالِ وَهَذِهِ فِي دَعْوَى الْعَقْدِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ وَمَنْ شَهِدَ لِرَجُلٍ إلَخْ قَالَ الْكَمَالُ صُورَتُهَا عَلَى مَا فِي الْجَامِعِ فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ بَاعَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ شَاهِدًا بِأَلْفٍ وَشَاهِدًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قَالَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ هَذَا بَاطِلٌ إلَى آخِرِ مَا هُنَاكَ فَقَدْ يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ قَضَى بِالْأَلْفِ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُنَا لَا يُقْبَلُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ بَيَانُهُ هُوَ أَنَّ ذَاكَ فِيمَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا فَقَطْ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا دَعْوَى الْعَقْدِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الْجَامِعِ فَيُنْكِرُ الْبَائِعُ الْبَيْعَ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ الدَّيْنَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْبَيْعَ فَالْبَيْعُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مِنْ أَرْكَانِهِ وَالْمُرَكَّبُ الَّذِي بَعْضُ أَجْزَائِهِ مِقْدَارٌ خَاصٌّ غَيْرُ مِثْلِهِ بِمِقْدَارٍ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى أَحَدِهِمَا نِصَابُ شَهَادَةٍ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ أَصْلًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ فَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ كَذَلِكَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى أَقَلَّ الْمَالَيْنِ أَوْ أَكْثَرَهُمَا) وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَائِعَ أَوْ الْمُشْتَرِي اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ وَالتَّكْذِيبِ مِنْ الْمُدَّعِي. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ عَلَاءُ الدِّينِ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ) قَالَ الْكَمَالُ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ السَّيِّدِ الْإِمَامِ الشَّهِيدِ السَّمَرْقَنْدِيِّ تُقْبَلُ إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ ثُمَّ يَصِيرُ بِمِائَةِ دِينَارٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّارِحِينَ فِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى فَكَذَلِكَ)؛ لِأَنَّ دَعْوَى السَّيِّدِ لِمَالٍ عَلَى عَبْدِهِ لَا يَصِحُّ إذْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِوَاسِطَةِ دَعْوَى الْكِتَابَةِ فَيَنْصَرِفُ إنْكَارُ الْعَبْدِ إلَيْهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا بِهِ

ص: 234

الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ السَّبَبِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مُقَابَلٌ بِفَكِّ الْحَجْرِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَالِ فَيَصِيرُ مُقَابَلًا بِالْعِتْقِ فَقِيلَ الْأَدَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ فَكَانَ مَقْصُودُهُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى لَا تُفِيدُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْعَبْدِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْفَسْخِ بِالتَّعْجِيزِ، وَالْمُرَادُ بِالْخُلْعِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِلْخُلْعِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا إثْبَاتُ السَّبَبِ دُونَ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ مَعَ اخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فَصَارَ نَظِيرَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ دَعْوَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ الْمَالُ دُونَ السَّبَبِ فَيَثْبُتُ قَدْرُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ دُونَ مَا تَفَرَّدَ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِقْرَارِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ لِتَمَامِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِيهِ

وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْعِتْقُ عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْعَبْدَ أَوْ الْقَاتِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْعَبْدِ، وَالْقَاتِلِ الْعَقْدُ دُونَ الْمَالِ فَلَا يَثْبُتُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَوْلَى أَوْ الْوَلِيَّ يَثْبُتُ الْعَفْوُ، وَالْعِتْقُ بِإِقْرَارِهِمَا فَيَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْخُلْعِ وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَهُوَ كَدَعْوَى الدَّيْنِ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُ الرَّهْنَ إذْ الرَّهْنُ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَلَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ فَلَا فَائِدَةَ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى حَقٍّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقِيمُهَا عَلَى حَقٍّ لَهُ وَصُورَةُ دَعْوَى الرَّهْنِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ رَهَنَهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ قَبَضَهُ ثُمَّ أَخَذَهُ الرَّاهِنُ فَيَطْلُبُ الِاسْتِرْدَادَ مِنْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةً فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ، وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يَثْبُتُ أَقَلُّهُمَا وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ فَهِيَ نَظِيرُ الْبَيْعِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَهِيَ كَالدَّيْنِ يُثْبِتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي يَدَّعِي الْأَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَ يَدَّعِي الْأَقَلَّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّهُ كَذَّبَهُ الْمُدَّعِي وَكَذَا فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الدَّيْنِ.

قَالَ رحمه الله (فَأَمَّا النِّكَاحُ فَيَصِحُّ بِأَلْفٍ) يَعْنِي بِأَقَلَّ الْمَالَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله سَوَاءٌ كَانَ الدَّعْوَى مِنْ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ الْمَرْأَةِ وَسَوَاءٌ ادَّعَى الْأَقَلَّ أَوْ الْأَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ إلَّا لِإِثْبَاتِهَا. اهـ. كَمَالٌ

(قَوْلُهُ وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْعِتْقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ ذِكْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّمَانِيَةِ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ الْخُلْعُ وَالْعَتَاقُ عَلَى مَالٍ وَالصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمَرْأَةَ فِي الْخُلْعِ وَالْعَبْدُ فِي الْعِتْقِ وَالْقَاتِلُ فِي الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُفِيدُهُمَا الْخَلَاصَ وَهُوَ مَقْصُودُهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ دَعْوَى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى وَوَلِيُّ الْقَتِيلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوُجُوهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ فَشَهِدَ بِهِ شَاهِدٌ وَالْآخَرُ بِالْأَقَلِّ إنْ كَانَ الْأَكْثَرُ بِعَطْفٍ مِثْلُ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ قُضِيَ بِالْأَقَلِّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِ كَالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْعَفْوُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ بِاعْتِرَافِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَمْ تَبْقَ الدَّعْوَى إلَّا فِي الدَّيْنِ اهـ.

وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: فَأَمَّا إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الطَّلَاقِ أَوْ فِي الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ أَوْ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ أَوْ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى مَالٍ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ، أَوْ الْمَوْلَى أَوْ وَلِيَّ الْقِصَاصِ فَهَذَا دَعْوَى الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هِيَ الْمَرْأَةَ أَوْ الْقَاتِلَ أَوْ الْعَبْدَ فَهَذَا دَعْوَى عَقْدٍ لَا تُقْبَلُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي الرَّهْنِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُرْتَهِنَ إلَخْ)، فَإِنْ قِيلَ: الرَّهْنُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فَكَانَ كَسَائِرِ الْعُقُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي قَدْرِ الْمَالِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِيهِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

أُجِيبَ بِأَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ لَازِمٍ فِي حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ بِخِلَافِ الرَّاهِنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ لِدَعْوَى الدَّيْنِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ إذْ الرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِالدَّيْنِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ فِي ثُبُوتِ الدَّيْنِ فَيَثْبُتُ الرَّهْنُ بِأَلْفٍ ضِمْنًا وَتَبَعًا لِلدَّيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ مَثَلًا هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لِي عَلَيْهِ عَلَى رَهْنٍ لَهُ عِنْدِي فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إلَّا الْمَالَ، وَذِكْرُ الرَّهْنِ زِيَادَةٌ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِ ثُبُوتِ دَيْنِهِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ دَيْنِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ هَكَذَا أُطَالِبُهُ بِإِعَادَةِ رَهْنِ كَذَا وَكَذَا كَانَ رَهْنُهُ عِنْدِي عَلَى كَذَا ثُمَّ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ مَثَلًا فَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا دَعْوَى الْعَقْدِ فَاخْتِلَافُ الشَّاهِدَيْنِ فِي أَنَّهُ رَهَنَهُ بِأَلْفٍ أَوْ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً يُوجِبُ أَنْ لَا يَقْضِيَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَخْتَلِفُ بِهِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الرَّاهِنَ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ) أَيْ بِشَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَلَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ أَيْ الرَّاهِنَ لَا حَظَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِرْدَادِهِ مَا دَامَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى فَلَمْ تَصِحَّ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْإِجَارَةِ إنْ كَانَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَالسَّابِعَةُ الْإِجَارَةُ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَهُوَ كَالْبَيْعِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْآجِرُ أَنَّهُ آجَرَهُ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَشَهِدَ وَاحِدٌ كَذَلِكَ وَآخَرُ بِأَلْفٍ لَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ إذْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يُسْتَحَقُّ بَدَلٌ فَكَانَ الْمَقْصُودُ إثْبَاتَ الْعَقْدِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبَدَلِ فَلَا تَثْبُتُ الْإِجَارَةُ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّهَا اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَوْ لَمْ يَسْتَوْفِ بَعْدَ أَنْ تَسَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُؤَجِّرَ فَهِيَ دَعْوَى الْمَالِ، فَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَهُوَ يَدَّعِي الْأَكْثَرَ يَقْضِي بِأَلْفٍ إذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَعْدَ الْمُدَّةِ إلَّا الْأَجْرُ، وَإِنْ شَهِدَ الْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ وَالْمُدَّعِي يَدَّعِيهِمَا لَا يَقْضِي بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بِأَلْفٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرَ فَهُوَ دَعْوَى الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِمَالِ الْإِجَارَةِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا اعْتَرَفَ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ اتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ اخْتِلَافُهُمَا فِيهِ وَلَا يَثْبُتُ الْعَقْدُ لِلِاخْتِلَافِ اهـ

ص: 235

وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبْطُلُ الشَّهَادَةُ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إثْبَاتُ السَّبَبِ، وَالنِّكَاحُ بِأَلْفٍ غَيْرُ النِّكَاحِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَتَبْطُلُ الشَّهَادَةُ كَمَا فِي الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ أَوْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ لِامْتِنَاعِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ بِإِقْرَارِ أَحَدِهِمَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ، وَالْخُلْعِ، وَالْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ حَيْثُ يَكُونُ دَعْوَى الدَّيْنِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ، وَالْمَوْلَى، وَالْوَلِيَّ؛ لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْعِتْقُ فَيَبْقَى دَعْوَى الْمَالِ الْمُجَرَّدِ عَنْ السَّبَبِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ التَّسْمِيَةَ فِي النِّكَاحِ كَمَا تَصِحُّ عِنْدَ الْعَقْدِ تَصِحُّ بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا ثُمَّ سَمَّى لَهَا مَهْرًا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ وَلِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إنْشَاءِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى قِيَامِهِ وَقِيَامُهُ تَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الِابْتِدَاءِ وَتَارَةً يَكُونُ حَالَةَ الْبَقَاءِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ اخْتِلَافِ التَّسْمِيَتَيْنِ اخْتِلَافُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ وُجِدَتْ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ الْعَقْدِ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ.

وَالْبَيِّنَةُ عَلَى التَّسْمِيَةِ فِي حَالٍ يَسْتَحِيلُ الْعَقْدُ لَا تَكُونُ بَيِّنَةً عَلَى الْعَقْدِ بَلْ عَلَى التَّسْمِيَةِ الْمُجَرَّدَةِ فَكَانَ الثَّابِتُ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَالَ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ فَحَاصِلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّ شَهَادَتَهُمَا لَمْ تَقُمْ إلَّا عَلَى الْمَالِ حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ فَيَثْبُتُ بِهَا التَّسْمِيَةُ وَبَقَاءُ النِّكَاحِ لَا غَيْرُ وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْحِلُّ، وَالِازْدِوَاجُ، وَالْمِلْكُ وَمِنْ حُكْمِ التَّبَعِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ الْأَصْلَ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِنَفْيِهِ وَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِهِ فَكَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ سَالِمًا عَنْ الِاخْتِلَافِ فَلَزِمَ وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ مِنْهُمَا كَمَا فِي الدَّيْنِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ هِيَ الْمُدَّعِيَةَ يَجْعَلُ أَبُو حَنِيفَةَ مَقْصُودَهَا الْمَالَ فَيُخْرِجُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَهُمَا يَجْعَلَانِ مَقْصُودَهَا الْعَقْدَ لِمَا بَيَّنَّا لَهُمَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ لَا الْمَالُ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بِأَلْفٍ غَيْرُ الْعَقْدِ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَهُ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَيَسْتَوِي فِيهِ دَعْوَى أَقَلِّ الْمَالَيْنِ وَأَكْثَرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْعَقْدُ، وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِيهِ لَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْأَقَلُّ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ بِدَعْوَى الْأَقَلِّ تَكْذِيبًا لِلشَّاهِدِ لِجَوَازِ أَنَّ الْأَقَلَّ هُوَ الْمُسَمَّى ثُمَّ صَارَ أَكْثَرَ بِالزِّيَادَةِ

قَالَ رحمه الله (وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَ شَيْءٌ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُوَرِّثِ بِأَنْ ادَّعَى الْوَارِثُ عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ أَنَّهَا مِيرَاثُ أَبِيهِ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا أَنَّ هَذِهِ كَانَتْ لِأَبِيهِ لَا يُقْضَى لَهُ حَتَّى يَجُرَّ الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ أَوْ يَقُولَا كَانَتْ لِأَبِيهِ يَوْمَ مَوْتِهِ أَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ أَوْ فِي يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَرَّ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَلَكِنْ إذَا ثَبَتَ مِلْكُهُ أَوْ يَدُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَانَ جَرًّا؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ مِلْكَهُ أَوْ أَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى الْوَارِثِ فَيَثْبُتُ الِانْتِقَالُ ضَرُورَةً فَيَكُونُ إثْبَاتًا لِلِانْتِقَالِ وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ يَدَهُ إنْ كَانَتْ يَدَ مِلْكٍ فَهُوَ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِي الْأَمَانَاتِ عِنْدَ الْمَوْتِ تَنْقَلِبُ يَدَ مِلْكٍ بِوَاسِطَةِ الضَّمَانِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ، وَالْمَضْمُونُ يَمْلِكُهُ الضَّامِنُ عَلَى مَا عُرِفَ فَيَكُونُ إثْبَاتُ الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إثْبَاتًا لِلْمِلْكِ، وَإِثْبَاتُ يَدِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْمُودِعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْغَاصِبِ وَغَيْرِهِمْ إثْبَاتٌ لِيَدِهِ فَيُغْنِي إثْبَاتُ الْمِلْكِ وَقْتَ الْمَوْتِ عَنْ ذِكْرِ الْجَرِّ فَاكْتَفَى بِهِ عَنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله الْجَرُّ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا أَثْبَتَ الْوَارِثُ أَنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ لِلْمُوَرِّثِ يَكْفِي؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَيِّتِ قَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ الشُّهُودِ كَانَتْ لَهُ وَمِلْكُ الْوَارِثِ خِلَافُهُ عَنْهُ وَلِهَذَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِهِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا فِيمَا اشْتَرَاهُ الْمُوَرِّثُ فَيَكُونُ مِلْكُ الْوَارِثِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ) أَيْ لَا يَقْضِي بِالنِّكَاحِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْمَالَ فِي النِّكَاحِ تَابِعٌ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَا تَسْمِيَةِ الْمَهْرِ وَيَمْلِكُ النِّكَاحَ مَنْ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي الْمَالِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ، وَقَدْ اتَّفَقَ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ مِلْكُ الْبُضْعَ فَيَقْضِي بِذَلِكَ وَلَا يَنْظُرُ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي النَّفْعِ وَهُوَ الْمَالُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ: وَمَا وَقَعَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَهُوَ الْمَالُ يَقْضِي بِالْأَقَلِّ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ الْقَضَاءُ بِالنِّكَاحِ بِأَلْفٍ، فَإِنَّ هَذَا الْوَجْهَ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ بِالْأَقَلِّ بِلَا تَفْصِيلٍ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الدَّيْنِ) بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ ثَمَّةَ أَصْلٌ كَالْمَبِيعِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ بِدُونِ ذِكْرِ الثَّمَنِ فَكَانَ ذَلِكَ دَعْوَى الْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجَ فَمَقْصُودُهُ الْعَقْدُ) إذْ الزَّوْجُ لَا يَدَّعِي عَلَيْهَا مَالًا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَمِلْكُ الْمُوَرِّثِ إلَخْ) تَرْجَمَ لَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِفَصْلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِرْثِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَمَّا ذَكَرَ الشَّهَادَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِحَالِ الْحَيَاةِ شَرَعَ فِي الشَّهَادَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَالِ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَتْلُو الْحَيَاةَ فَنَاسَبَ وَضْعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ عَقِيبَ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ لَمْ يَقْضِ لِوَارِثِهِ بِلَا جَرٍّ) أَيْ مِنْ الشُّهُودِ بِأَنْ يَجُرَّا الْمِيرَاثَ فَيَقُولَا مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فَتَعَيَّنَ الْبِرُّ لِلِادِّخَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ مَخْرُومٍ مِنْ نُسْخَةِ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ) كَذَا هُنَا وَاَلَّذِي شَرَحَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ رحمه الله إلَّا أَنْ يَشْهَدَا بِمِلْكِهِ أَوْ يَدِهِ أَوْ يَدِ مُودِعِهِ أَوْ يَدِ مُسْتَعِيرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا أَثْبَتَ يَدَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ)؛ لِأَنَّ الْيَدَ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ إلَى يَدِ غَصْبٍ وَأَمَانَةٍ وَمِلْكٍ، فَإِنَّهَا عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ تَصِيرُ يَدَ مِلْكٍ لِمَا عُرِفَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودِعِ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَصِيرُ الْمَغْصُوبُ الْوَدِيعَةُ مِلْكَهُ لِصَيْرُورَتِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ شَرْعًا وَلَا يَجْتَمِعُ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ مَالِكِ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا) أَيْ فِيمَا

ص: 236