المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٤

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْبُيُوعِ)

- ‌[فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ]

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ)

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌(فَصْلٌ) (قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[بَابُ التَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ

- ‌[وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الرِّبَا]

- ‌ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌[بَيْع الْخَبَز بالبر أَوْ الدَّقِيق متفاضلا]

- ‌لَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ)

- ‌بَابُ الْحُقُوقِ

- ‌[لَا ربا بَيْن الْحَرْبِيّ والمسلم فِي دَار الْحَرْب]

- ‌[الظُّلَّةُ هَلْ تدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ]

- ‌بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌(مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ

- ‌[قَالَ عَبْد لمشتر اشتريني فَأَنَا حُرّ فاشتراه فَإِذَا هُوَ عَبْد]

- ‌ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ

- ‌[ادَّعَى حقا مَجْهُولًا فِي دَار فصولح عَلَى مَاله]

- ‌ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ

- ‌[أرش الْعَبْد إذَا قَطَعَتْ يَده عِنْد الْمُشْتَرِي]

- ‌ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌[مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز]

- ‌[ بَيَان شَرْط السَّلَم]

- ‌[السَّلَم والاستصناع فِي الْخَفّ والطست والقمقم]

- ‌(بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ)

- ‌[حُكْم بَيْع الْكَلْب]

- ‌ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ

- ‌[أفرخ طير أَوْ باض فِي أَرْض رَجُل]

- ‌(مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ

- ‌مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[ الْكِفَالَة بِالنَّفْسِ وَإِنَّ تَعَدَّدَتْ]

- ‌[ تَبْطُلُ الْكِفَالَة بموت الْمَطْلُوب والكفيل]

- ‌ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، أَوْ الْقِصَاصِ

- ‌[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌{بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ}

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ)

- ‌[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ

- ‌[الْقَضَاء عَلَى غَائِب]

- ‌[بَابُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ إقراض الْقَاضِي مَال الْيَتِيم]

- ‌(بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى)

- ‌ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ

- ‌يَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ)

- ‌ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ

- ‌[قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[شُرُوط الشُّهُود فِي الزِّنَا]

- ‌[مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء]

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ)

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌(بَابُ التَّحَالُفِ)

- ‌[فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ]

- ‌(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ)

- ‌(بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ)

الفصل: ‌ التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه

أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا فِي الْمَجْلِسِ، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ، أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (فَلَوْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً صَحَّ إنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ هُوَ الْقَبْضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ التَّسْوِيَةِ لِمَا رَوَيْنَا، فَلَا يَضُرُّ الْجُزَافُ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا، أَوْ قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بَطَلَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ، وَهُوَ الْقَبْضُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ فِيهِ شَرْطُ الْخِيَارِ، وَالْأَجَلِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْقَبْضِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْخِيَارُ يَمْنَعُهُ، وَبِالْأَجَلِ يَفُوتُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ شَرْعًا إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ، أَوْ الْأَجَلُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَعُودُ صَحِيحًا لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَلَوْ بَاعَ الْفِضَّةَ، أَوْ الذَّهَبَ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً، ثُمَّ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ وَبَعْدَهُ لَا يَصِحُّ.

وَقَالَ زُفَرُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ التَّسَاوِيَ حَقُّ الشَّرْعِ وَقَدْ وُجِدَ حَالَةَ الْعَقْدِ قُلْنَا التَّسْوِيَةُ شَرْطٌ وَاجِبٌ عَلَيْنَا فَيَجِبُ تَحْصِيلُهُ بِفِعْلِنَا أَمَّا وُجُودُهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْجَوَازِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تُنْبِئُ عَلَى فِعْلِ الْعِبَادِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الِابْتِلَاءِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَجُوزُ‌

‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

، فَإِنْ بَاعَ دِينَارًا بِدَرَاهِمَ وَاشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ)؛ لِأَنَّ فِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتَ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ وَلَا يُقَالُ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزُ الْعَقْدُ فِي الثَّوْبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ؛ إذْ النُّقُودُ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ جَازَ السَّلَمُ حَتَّى إذَا سَلَّمَ إلَيْهِ رَبُّ السَّلَمِ قَدْرَ الدَّيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ تَمَّ السَّلَمُ وَلَوْ تَعَيَّنَ لَمَا صَحَّ لِكَوْنِهِ كَالِئًا بِكَالِئٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنَّ الْمَانِعَ اشْتِرَاطُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الدَّيْنِ يَكُونُ اشْتِرَاطًا عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِأَنْ يُوَفِّيَهُ وَهُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ كَمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَلَى غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَاشْتَرَى بِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمَعْنَى، أَوْ نَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ بَدَلَيْ الصَّرْفِ مَبِيعٌ، فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَعَيِّنًا بِالتَّعْيِينِ كَالْمَضْرُوبِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ كَالْمَصُوغِ، وَالتِّبْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعَ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.

[التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بَاعَ أَمَةً مَعَ طَوْقٍ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا، فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ أَلْفٌ نَقْدٌ وَأَلْفٌ نَسِيئَةٌ، فَالْأَلْفُ ثَمَنُ الطَّوْقِ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَرْسَلَ رَسُولًا يَقُولُ لَهُ بِعْتُك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَقَالَ قَبِلْت كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ؛ لِأَنَّهُمَا مُفْتَرِقَانِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ الْأَبُ اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةٍ وَقَامَ قَبْلَ نَقْدِهَا بَطَلَ هَذَا وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْحَوَالَةِ بِهِ كَمَا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ اهـ.

فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ حَتَّى لَوْ نَامَا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ثُمَّ وُجُودُ التَّقَابُضِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّرْفِ، وَلَكِنَّ وُجُودَ التَّقَابُضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ حَتَّى إنَّهُمَا لَوْ تَعَاقَدَا وَلَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى مَشَيَا مِيلًا أَوْ أَكْثَرَ فَلَمْ يُفَارِقْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ تَقَابَضَا وَافْتَرَقَا جَازَ الصَّرْفُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي تَسْلِيمِ رَأْسِ الْمَالِ فِي بَابِ السَّلَمِ يَعْنِي أَنَّ قَبْضَ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ شَرْطٌ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِفَايَتِهِ وَالِافْتِرَاقُ الْمُعْتَبَرُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ دُونَ الْمَكَانِ حَتَّى لَوْ قَامَا فَذَهَبَا مَعًا أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا لَا يَبْطُلُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) يَعْنِي أَنَّ الصَّرْفَ لَا يَبْطُلُ بِذَهَابِ الْعَاقِدَيْنِ مَعًا وَخِيَارُ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ وَإِنْ مَشَتْ مَعَ زَوْجِهَا لِأَنَّ اشْتِغَالَهَا بِالْمَشْيِ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهَا فَيَبْطُلُ خِيَارُهَا إنْ لَمْ تُفَارِقْ الزَّوْجَ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ عَلِمَا تَسَاوِيهِمَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ صَحَّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَأَمَّا إذَا وُزِنَا فِي الْمَجْلِسِ فَوُجِدَا سَوَاءً فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى فَسَادٍ، فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجُوزُ لِأَنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ جُعِلَتْ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ فَكَانَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ فِي الْمَجْلِسِ كَالْعِلْمِ بِهَا فِي حَالِ الْعَقْدِ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ صَحَّ مَا نَصُّهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ: فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ) أَيْ وَثَمَنُ الصَّرْفِ عَلَى حَالِهِ يَقْبِضُهُ مِنْهُ وَيَتِمُّ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ اهـ.

غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَسَدَ بَيْعُ الثَّوْبِ مَا نَصُّهُ وَلَا يَبْرَأُ بَائِعُهُ عَنْ بَدَلِ الصَّرْفِ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ) أَيْ وَلَا يَبْرَأُ بَائِعُهُ عَنْ الصَّرْفِ عِنْدَهُ أَيْضًا اهـ.

ذَخِيرَةٌ.

(قَوْلُهُ: فَهُوَ ثَمَنُ الطَّوْقِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَبَيْنَ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقَبْضِ وَالْفَسَادِ بِالْأَجَلِ فَرْقٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ زِنَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى انْصَرَفَ لِلطَّوْقِ مِائَةٌ مِنْ أَلْفٍ فَيَصِيرُ صَرْفًا فِيهِ وَتِسْعُمِائَةٍ لِلْجَارِيَةِ بَيْعًا فَإِنَّهُ لَوْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقَبْضِ بَطَلَ فِي الطَّوْقِ وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ صَحِيحٌ وَلَوْ فَسَدَ بِالْأَجَلِ بِأَنْ بَاعَهَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ فَسَدَ فِيهِمَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَإِنَّهُمَا قَالَا يَفْسُدُ فِي الْجَارِيَةِ وَفَرَّقَ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ الْمُفْسِدُ فَيَخُصُّ مَحَلَّهُ وَهُوَ الصَّرْفُ وَفِي الثَّانِي انْعَقَدَ أَوَّلًا عَلَى الْفَاسِدِ فَشَاعَ وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَفِي الْكَامِلِ لَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ دُونَ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى مِثْلِهَا بِخِلَافِ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي مِنْ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ لِتَعَيُّنِهِ فِيهِ وَلَوْ وَجَدَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا دُونَ الِافْتِرَاقِ مَا قَبَضَ زَيْفًا أَوْ سُتُّوقًا فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِهِ مِنْ الِاسْتِبْدَالِ وَالْبُطْلَانِ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَالْأَلْفُ) كَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله وَاَلَّذِي بِأَيْدِينَا مِنْ نُسَخِ الْمَتْنِ فَالنَّقْدُ اهـ

ص: 136

يَعْنِي لَوْ بَاعَ أَمَةً فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ وَزْنُهُ أَلْفُ مِثْقَالٍ مَعَ الطَّوْقِ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ بِأَلْفَيْ مِثْقَالٍ وَنَقَدَ مِنْهُ أَلْفًا كَانَ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الطَّوْقِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَبِأَلْفٍ حَالَّةً كَانَ الْحَالُّ ثَمَنَ الطَّوْقِ وَفِي عِبَارَةِ الشَّيْخِ تَسَامُحٌ فَإِنَّهُ قَالَ قِيمَةُ كُلٍّ أَلْفٌ أَيْ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ، وَالطَّوْقِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّوْقِ الْقِيمَةُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْقَدْرُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهِ، وَكَذَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ قَدْرَ الطَّوْقِ صَارَ مُقَابَلًا بِالطَّوْقِ، وَالْبَاقِي بِالْجَارِيَةِ قَلَّتْ قِيمَتُهَا أَوْ كَثُرَتْ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِ قِيمَتِهَا وَلَا فِي بَيَانِ قِيمَةِ الطَّوْقِ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّ الثَّمَنَ خِلَافُ جِنْسِ الطَّوْقِ بِأَنْ كَانَ فِضَّةً، وَالثَّمَنُ ذَهَبٌ، أَوْ بِالْعَكْسِ فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ بَيَانُ قِيمَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا.

وَكَذَا الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِ، فَالْأَلْفُ ثَمَنُ الطَّوْقِ أَيْ الْأَلْفُ الْحَالُّ ثَمَنُ الطَّوْقِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الطَّوْقِ يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُمَا الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ دِينَهُمَا وَعَقْلَهُمَا يَمْنَعُهُمَا مِنْ مُبَاشَرَةِ مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَيَصْرِفُ الْمُتَأَخِّرَ إلَى الْجَارِيَةِ، وَالْمَقْبُوضَ وَالْحَالَّ إلَى الطَّوْقِ لِإِحْسَانِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ كُلُّ الثَّمَنِ مُؤَجَّلًا فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَفْسُدُ فِي الطَّوْقِ دُونَ الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِصَّتِهَا فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْفَسَادَ مُقَارِنٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْفَسَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ طَارِئٌ، فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْدَهُ قَالَ (وَإِنْ بَاعَ سَيْفًا حِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَنَقَدَ خَمْسِينَ، فَهُوَ حِصَّتُهَا، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ، أَوْ قَالَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) يَعْنِي يَكُونُ الْمَنْقُودُ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ حِصَّتُهَا، أَوْ قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهِمَا.

أَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ أَمْرَهُمَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّلَاحِ وَأَمَّا إذَا قَالَ خُذْ هَذَا مِنْ ثَمَنِهَا فَلِأَنَّ التَّثْنِيَةَ قَدْ يُرَادُ بِهَا الْوَاحِدُ مِنْهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {نَسِيَا حُوتَهُمَا} [الكهف: 61]، وَالنَّاسِي أَحَدُهُمَا وَقَالَ تَعَالَى {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: 22]، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ حَالِهِمَا بِالْإِسْلَامِ وَلِهَذَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً، أَوْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَوَلَدَتْ، أَوْ حَاضَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتَا؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا؛ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي وَلَدٍ وَاحِدٍ، أَوْ حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إنْ حِضْتُمَا، أَوْ وَلَدْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ مِنْهُمَا لِلْإِمْكَانِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ خُذْ هَذَا نِصْفَهُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ وَنِصْفَهُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ لَا يَبْطُلُ أَيْضًا وَيُجْعَلُ الْمَقْبُوضُ مِنْ ثَمَنِ الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِأَنَّ الْكُلَّ ثَمَنُ السَّيْفِ يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ مَعَ الْحِلْيَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَيُجْعَلُ الْمَنْقُودُ عِوَضًا مِنْهُ وَلِأَنَّ مُرَادَهُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الثَّمَنِ وَلَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ.

(وَلَوْ افْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ دُونَهَا إنْ تَخَلَّصَ بِلَا ضَرَرٍ، وَإِلَّا بَطَلَا) يَعْنِي بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ حِصَّةَ الصَّرْفِ يَجِبُ قَبْضُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَإِذَا لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِيهِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ الضَّرَرِ فَصَارَ كَبَيْعِ جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ، وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِدُونِهِ جَازَ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ فَصَارَ نَظِيرَ بَيْعِ الْجَارِيَةِ مَعَ الطَّوْقِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ فَقَالَ لَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً وَقَالَ الْآخَرُ نَعَمْ، أَوْ قَالَ لَا وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ وَالْإِضَافَةِ وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحِ الدَّافِعِ فَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ خَاصَّةً، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتَمَلِّكُ فَيَكُونُ أَعْرَفَ بِجِهَتِهِ قَالَ الرَّاجِي عَفْوَ رَبِّهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِلْيَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ أَنَّهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ صَحَّ فِي السَّيْفِ خَاصَّةً، وَإِلَّا فَيَبْطُلُ فِي الْكُلِّ لِمَا بَيَّنَّا.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ هَذَا مِنْ ثَمَنِ النَّصْلِ خَاصَّةً يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ التَّمْيِيزُ إلَّا بِضَرَرٍ يَكُونُ الْمَنْقُودُ ثَمَنَ الصَّرْفِ وَيَصِحَّانِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصَرْفِ الْمَنْقُودِ إلَى الصَّرْفِ فَحَكَمْنَا بِجَوَازِهِ تَصْحِيحًا لِلْبَيْعِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا بِغَيْرِ ضَرَرٍ بَطَلَ الصَّرْفُ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِفَسَادِ الصَّرْفِ وَقَصَدَ جَوَازَ الْبَيْعِ وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِدُونِ جَوَازِ الصَّرْفِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ الْمُفْسِدِ) أَيْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا بَاعَهُمَا بِأَلْفَيْنِ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفًا وَقَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْفَسَادِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) أَيْ وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ نَسِيئَةً وَأَلْفٍ حَالَّةً وَتَفَرَّقَا قَبْلَ قَبْضِ الْأَلْفِ حَيْثُ لَا يَتَعَدَّى الْفَسَادُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَنَسِيَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالتِّلَاوَةُ بِدُونِ الْفَاءِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ عليه الصلاة والسلام) أَيْ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ (قَوْلُهُ: يَكُونُ الْمَقْبُوضُ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ) أَيْ إذَا كَانَتْ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْ السَّيْفِ إلَّا بِضَرَرٍ كَمَا سَيَأْتِي آنِفًا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ الْمُحِيطِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ تَسْلِيمِهِ بِدُونِ الضَّرَرِ) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَمَا مَرَّ فِي جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ اهـ.

كَمَالٌ

ص: 137

فَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْحِلْيَةُ تَتَخَلَّصُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ الْفِضَّةَ الَّتِي هِيَ الثَّمَنُ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِثْلُهُ، أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ لِلرِّبَا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْجَوَازُ، وَالْمُفْسِدُ هُوَ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ يَكُونُ الْعَقْدُ مَحْكُومًا بِجَوَازِهِ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُسَاوَاةِ عِنْدَ الْعَقْدِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ، أَوْ مِثْلَهُ، أَوْ أَكْثَرَ فَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِالْكَثْرَةِ، وَالْحُرْمَةِ.

قَالَ (وَلَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ وَقَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ وَافْتَرَقَا صَحَّ فِيمَا قَبَضَ، وَالْإِنَاءُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي إذَا بَاعَهُ بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ، وَهُوَ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَتَقَدَّرُ الْفَسَادُ بِقَدْرِ مَا لَمْ يَقْبِضْ وَلَا يَشِيعُ؛ لِأَنَّهُ طَارِئٌ وَلَا يَكُونُ هَذَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَاقِدِ وَلَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارُ الْعَيْبِ أَيْضًا بِالشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِهِ، وَهُوَ عَدَمُ النَّقْدِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ حَيْثُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الصُّنْعُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ عَلَى مَا يَجِيءُ قَالَ (وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْإِنَاءِ أَخَذَ الْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ، أَوْ رَدَّهُ)؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْإِنَاءِ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ التَّشْقِيصَ يَضُرُّهُ، وَهَذَا الْعَيْبُ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْبَيْعِ مُقَارِنًا لَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَهِيَ مَا إذَا اشْتَرَى إنَاءَ فِضَّةٍ وَافْتَرَقَا وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ حَيْثُ لَا يُرَدُّ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ (وَلَوْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِقِسْطِهِ بِلَا خِيَارٍ)؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِيهَا لَيْسَتْ بِعَيْبٍ؛ إذْ التَّشْقِيصُ لَا يَضُرُّهَا بِخِلَافِ الْإِنَاءِ لَكِنْ إنْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ بَعْضَهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ هَلَكَ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَامِ لَا مِنْ قِبَلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ قَالَ (وَصَحَّ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَكُرِّ بُرٍّ وَشَعِيرٍ بِضِعْفِهِمَا) أَيْ بِأَنْ يَبِيعَهُمَا بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ، وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ جِنْسٍ مُقَابَلًا بِخِلَافِ جِنْسِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ تَقْتَضِي الِانْقِسَامَ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ فَفِي حَمْلِهِ عَلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرٌ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ التَّصَرُّفِ لَا يَجُوزُ لِتَصْحِيحِ التَّصَرُّفِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يَصِحُّ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ كُلِّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ.

وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَصِحُّ فِي الْمُشْتَرِي بِأَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا لَا يَصِحُّ لِلتَّنْكِيرِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيهِمَا، وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ جَانِبٍ إلَى الثَّوْبِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلَنَا أَنَّ فِي صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ، وَإِلَى جِنْسِهِ فَسَادَهُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْفَاسِدِ، وَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، وَالْفَاسِدَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمُقَابَلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمُقَيَّدٍ لَا مُقَابَلَةَ الْكُلِّ بِالْكُلِّ بِطَرِيقِ الشُّيُوعِ وَلَا مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ مِنْ جِنْسِهِ وَلَا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ الْمُطْلَقَ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِلْمُقَيَّدِ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا عِنْدَ الْوُجُودِ لَا يُوجَدُ إلَّا مُقَيَّدًا لِتَعَذُّرِ وُجُودِ ذَاتٍ بِدُونِ صِفَةٍ.

وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ غَيْرَ مُتَعَرِّضٍ لِلصِّفَةِ، بَلْ لِلذَّاتِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعَمَلِ بِالْإِطْلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْجِنْسُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ صَحَّ وَلَوْ كَانَ مُنَافِيًا لَهُ لَمَا صَحَّ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُصَحَّحِ، أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمُقَيَّدِ الْمُفْسِدِ، وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْكُلِّ بِالْكُلِّ شَائِعًا طَلَبًا لِلصِّحَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَلَامَ أَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ، ثُمَّ إذَا تَعَذَّرَتْ الْحَقِيقَةُ حُمِلَ عَلَى الْمَجَازِ الْمُمْكِنِ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ وَلَئِنْ كَانَ تَغْيِيرٌ، فَهُوَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ) أَيْ إذَا كَانَا سَوَاءً أَوْ كَانَ وَزْنُ الْفِضَّةِ الْمُفْرَدَةِ أَقَلَّ وَجِهَةُ الصِّحَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُ الْفِضَّةِ الْمُفْرَدَةِ أَكْثَرَ اهـ.

(قَوْلُهُ فَتَرَجَّحَتْ مِنْ وَجْهَيْنِ بِالْكَثْرَةِ وَالْحُرْمَةِ) أَيْ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ التُّجَّارُ فِي قَدْرِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ طَارِئٌ) أَيْ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ أَنَّ التَّقَابُضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَيَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ، فَلَا يَشِيعُ وَلَا يَتَخَيَّرُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ عَيْبَ الشَّرِكَةِ جَاءَ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ الِافْتِرَاقُ بِلَا قَبْضٍ اهـ.

كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا) أَيْ مِنْ الْفِضَّةِ وَزْنُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ اهـ.

غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَثَوْبًا) أَيْ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَصْرِفُ الْأَلْفَ إلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ وَالْبَاقِيَ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ اهـ.

(قَوْلُهُ: بَطَلَ) الَّذِي فِي الْهِدَايَةِ فَسَدَ اهـ.

ص: 138

تَغْيِيرٌ لِلْوَصْفِ لَا تَغْيِيرٌ لِأَصْلِ الْمُقَابَلَةِ؛ إذْ هِيَ مَوْجُودَةٌ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْمُقَابَلَةِ فِيهِ إفَادَةُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ وَذَلِكَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ طَلَبًا لِلصِّحَّةِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْجِنْسَ بِالْجِنْسِ بِأَنْ بَاعَ دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ مَثَلًا فَقَبَضَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِينَارًا، ثُمَّ افْتَرَقَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَقْبُوضِ كُلِّهِ.

وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَاهُ لَمَا صَحَّ إلَّا فِي نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَقْبُوضَيْنِ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ الشُّيُوعِ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ مُقَابَلًا بِالْمَقْبُوضِ وَنِصْفُهُ بِغَيْرِ الْمَقْبُوضِ فَتَبْطُلُ حِصَّةُ غَيْرِ الْمَقْبُوضِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ، وَالدِّرْهَمُ الْآخَرُ يَبْقَى فَضْلًا فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ بِصَرْفِ كُلِّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ، وَالتَّوْلِيَةُ تُضَادُّ الْمُرَابَحَةَ فَكَانَ إبْطَالًا لَهُ أَصْلًا وَفِي الثَّانِيَةِ طَرِيقُ التَّصْحِيحِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَى الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ أَيْضًا بِصَرْفِ الْأَلْفِ وَمِائَةٍ إلَيْهِ، أَوْ الْأَلْفِ وَمِائَتَيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ الطُّرُقَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الدِّينَارَ إلَى الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمَ إلَى الدِّرْهَمِ، وَالدِّينَارَ إلَى الدِّرْهَمِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَصْرِفَ الدِّرْهَمَيْنِ إلَى الدِّينَارَيْنِ، وَالدِّرْهَمَ إلَى الدِّينَارِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ أَقَلُّ تَغْيِيرًا فَكَانَ، أَوْلَى.

وَالثَّالِثَةُ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمُنْكَرِ، فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمُعَيَّنِ لِلتَّضَادِّ بَيْنَهُمَا؛ إذْ الْمُنْكَرُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ وَفِي الرَّابِعَةِ يَقَعُ الْعَقْدُ صَحِيحًا سَوَاءٌ كَانَ الْجِنْسُ مُقَابَلًا بِالْجِنْسِ، أَوْ بِخِلَافِهِ، وَالْفَسَادُ بَعْدَ الصِّحَّةِ عَارِضٌ بِالْفِرَاقِ لَا عَنْ قَبْضٍ؛ إذْ الْقَبْضُ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ وَصَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِهِ شَرْطٌ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ صَحِيحٌ بِدُونِهِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ بَعْدَهُ مَوْهُومٌ؛ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ التَّقَابُضِ وَفِي الِابْتِدَاءِ مُتَحَقِّقٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ لِيَنْعَقِدَ صَحِيحًا، ثُمَّ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ يَجِبُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْبَدَلِ الْآخَرِ وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ تَتَفَاوَتُ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ لَا غَيْرُ.

قَالَ (وَأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ) يَعْنِي يَجُوزُ فَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا، وَالدِّينَارُ بِالدِّرْهَمِ تَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ (وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْنِ غَلَّةً بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمٍ غَلَّةً) يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ دُونَ الْوَصْفِ، وَالْغَلَّةُ هِيَ الدَّرَاهِمُ الْمُقَطَّعَةُ وَقِيلَ: هُوَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَتَأْخُذُهُ التُّجَّارُ وَلَا تَنَافِي؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُقَطَّعَةُ قَالَ (وَدِينَارٍ بِعَشَرَةٍ عَلَيْهِ، أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ وَدَفَعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَقَوْلُهُ وَنِصْفُهُ بِغَيْرِ الْمَقْبُوضِ) قَالَ فِي الْإِشَارَاتِ الْكَلَامُ مِنْ حَيْثُ التَّحْقِيقُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ شُرِعَ جَائِزًا وَالْفَسَادُ إنَّمَا يَكُونُ بِمُفْسِدٍ وَمُعَارِضٍ وَهَهُنَا مَتَى حَكَمْنَا بِالْفَسَادِ مَعَ إمْكَانِ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فَقَدْ أَثْبَتْنَا أَمْرًا عَارِضًا مُفْسِدًا لَمْ يَأْتِ هُوَ بِهِ وَلَمْ يُعَيَّنْ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى أَنَّا نَقُولُ إذَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْمُقَابَلَةِ الْجِنْسُ بِخِلَافِ الْجِنْسِ لَا يَتَغَيَّرُ أَصْلُ الْمُقَابَلَةِ بَلْ يَتَغَيَّرُ وَصْفُهَا مِنْ إطْلَاقٍ إلَى تَقْيِيدٍ وَكُلُّ مُطْلَقٍ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُقَيَّدِ وَلِهَذَا صَحَّ التَّفْسِيرُ كَمَا قُلْنَا وَقَدْ أُرِيدَ الْمُقَيَّدُ هُنَا بِدَلَالَةِ حَالِ التَّصَرُّفِ فَكَانَ هَذَا صَحِيحَ التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ الْمُبَاشِرُ لَا عَلَى خِلَافِهِ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ) أَيْ وَهُوَ النِّصْفُ الشَّائِعُ بَيْنَ النَّصِيبَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمُرَابَحَةِ فَإِنَّهُ) أَيْ لَوْ صَرَفَ كُلَّ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ لَا يَبْقَى بَيْعُ الثَّوْبِ وَالْقَلْبِ جَمِيعًا مُرَابَحَةً لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ بَيْعُ الثَّوْبِ مُرَابَحَةً وَبَيْعُ الْقَلْبِ تَوْلِيَةً وَالْعَاقِدُ قَصَدَ بَيْعَهُمَا مُرَابَحَةً فَيَلْزَمُ تَغْيِيرُ تَصَرُّفِهِ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي الثَّانِيَةِ إلَخْ) أَرَادَ بِهَا قَوْلَهُ فِيمَا سَبَقَ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ) أَيْ فَيَبْقَى الثَّمَنُ مَجْهُولًا فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَهَذَا لِأَنَّا لَوْ صَرَفْنَا خَمْسَمِائَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ بِدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُ شِرَاءُ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ طَرِيقَ التَّصْحِيحِ مُتَعَيِّنٌ وَهُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ اهـ.

غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالثَّالِثَةُ) أَيْ وَهِيَ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الرَّابِعَةِ) أَيْ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ الصَّرْفِ إلَى الْجِنْسِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لَا غَيْرُ) أَيْ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تُطْلَبُ لِتَصْحِيحِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَلَا تَحْصُلُ أَحْكَامُهُ إلَّا مَعَ صِحَّتِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَسَّمَ قِسْمَةً تُبْطِلُ الْعَقْدَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَقِيلَ: هُوَ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) يَعْنِي يَرُدُّ بَيْتُ الْمَالِ الْغَلَّةَ لَا لِزِيَافَتِهَا بَلْ لِكَوْنِهَا قِطَعًا اهـ.

غَايَةٌ (وَلَا تَنَافِي إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ قَوْلُهُ الْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ يُنَافِي قَوْلَهُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ لِأَنَّ الَّذِي يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ زُيُوفٌ فَلَا يُقَالُ لِضِدِّهِ صَحِيحٌ بَلْ يُقَالُ جِيَادٌ فَأَجَابَ بِمَا ذُكِرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ يُكْرَهُ أَنْ يَرُدَّهُ غَلَّةً لِيُرَدَّ عَلَيْهِ صَحِيحًا فَأَفْهَمَ أَنَّ الْغَلَّةَ هُمْ الْمُقَطَّعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَدِينَارٍ بِعَشَرَةٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا ثَلَاثَةُ فُصُولٍ الْأَوَّلُ مَا إذَا بَاعَ الدِّينَارَ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ وَالثَّانِي أَنْ يُضِيفَ إلَى الدَّيْنِ بِأَنْ يَبِيعَ

ص: 139

الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ) أَيْ يَجُوزُ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ دَيْنٍ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ، أَوْ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةً وَدَفَعَ الدِّينَارَ إلَيْهِ، ثُمَّ تَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَكِلَاهُمَا جَائِزٌ أَمَّا إذَا قَابَلَ الدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَلِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَهُ دَرَاهِمَ لَا يَجِبُ قَبْضُهَا وَلَا تَعْيِينُهَا بِالْقَبْضِ وَذَلِكَ جَائِزٌ إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بِالْقَبْضِ فِي الصَّرْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَتَعْيِينَ الْآخَرِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الرِّبَا وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ.

وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ بِأَنْ يُتْوَى عَلَيْهِ وَيَسْلَمَ الْمَقْبُوضُ عَنْ التَّوَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّالِمَ بِيَقِينٍ أَزْيَدُ مِنْ الَّذِي عَلَى خَطَرِ التَّوَى فَيَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنٍ بِدَنَانِيرِ دَيْنٍ يَصِحُّ لِفَوَاتِ الْخَطَرِ لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتًا قَبْلَ الْبَيْعِ وَيَسْقُطُ بِالْبَيْعِ وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ، ثُمَّ تَقَاصَّا، فَالْمَذْكُورُ هُنَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ بِالصَّرْفِ غَيْرُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِالصَّرْفِ دَيْنٌ يَجِبُ تَعْيِينُهُ بِالْقَبْضِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا، وَالدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ قَبْضُهُ فَكَانَا غَيْرَيْنِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقَاصَّةَ لَا تَقَعُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ فَيَكُونُ التَّقَاصُّ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بَدَلَ مَا وَجَبَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنِ الدِّينَارِ، فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمَا لَمَّا تَقَاصَّا تَضَمَّنَ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَانْعِقَادَ صَرْفِ آخَرَ غَيْرِ الْأَوَّلِ مُضَافًا إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ؛ إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ فَثَبَتَتْ الْإِضَافَةُ اقْتِضَاءً كَمَا لَوْ تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ ضَرُورَةَ ثُبُوتِ الثَّانِي اقْتِضَاءً فَكَذَا هَذَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَوْجُودًا قَبْلَ عَقْدِ الصَّرْفِ، أَوْ حَصَلَ بَعْدَهُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّقَاصُّ بِدَيْنٍ حَادِثٍ بَعْدَ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَقَاصًّا بِدَيْنٍ سَيَجِبُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ الْفَسْخَ لِلصَّرْفِ الْأَوَّلِ، وَإِنْشَاءَ صَرْفٍ آخَرَ فَيُكْتَفَى بِوُجُودِ الدَّيْنِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ عَقْدًا جَدِيدًا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى مَا قَبْلَهُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى سَبْقِ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ جَعْلُهُ قِصَاصًا بِدَيْنٍ آخَرَ مُطْلَقًا مُتَقَدِّمًا كَانَ، أَوْ مُتَأَخِّرًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ.

وَلَوْ صَحَّتْ الْمُقَاصَّةُ بِرَأْسِ الْمَالِ يَصِيرُ افْتِرَاقًا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلِأَنَّ جَوَازَ السَّلَمِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ رُخْصَةً وَهُوَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْتَصَّ شَيْئًا، فَلَا ضَرُورَةَ، فَلَا يَجُوزُ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الدَّيْنِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُجْعَلَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ قَالَ (وَغَالِبِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ حَتَّى لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَزْنًا) وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَبِيعَهُ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَحْدُثَ لِمُشْتَرِي الدِّينَارِ عَشَرَةٌ عَلَى بَائِعِ الدِّينَارِ بِأَنْ بَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَيَتَقَاصَّانِ وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي مَذْكُورَانِ فِي الْمَتْنِ وَالثَّالِثُ سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ رحمه الله انْتَهَى. (قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَابَلَ الدِّينَارَ بِالْعَشَرَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله أَمَّا إذَا أَضَافَ إلَى الدَّيْنِ صَحَّ بِالْإِجْمَاعِ وَتَسْقُطُ الْعَشَرَةُ عَنْ ذِمَّةِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بَدَلًا عَنْ الدِّينَارِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ صَرْفٍ وَفِي الصَّرْفِ يُشْتَرَطُ قَبْضُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ وَيُشْتَرَطُ قَبْضُ الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَذَلِكَ لِأَنَّ بِقَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ خَطَرِ الْهَلَاكِ فَلَوْ لَمْ يَنْقُدْ الْآخَرُ يَكُونُ فِيهِ خَطَرُ الْهَلَاكِ لِأَنَّ الدَّيْنَ فِي مَعْنَى التَّاوِي فَيَلْزَمُ الرِّبَا وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ الدِّينَارَ نَقْدٌ وَبَدَلُهُ وَهُوَ الْعَشَرَةُ سَقَطَتْ عَنْ بَائِعِ الدِّينَارِ حَيْثُ سُلِّمَتْ لَهُ فَلَمْ يَبْقَ خَطَرُ الْهَلَاكِ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ تَعَيُّنَ الْبَدَلِ الْآخَرِ إنَّمَا كَانَ احْتِرَازًا عَنْ الرِّبَا وَلَا رِبَا فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ وَإِنَّمَا الرِّبَا فِي دَيْنٍ يَقَعُ الْخَطَرُ فِي عَاقِبَتِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّ الدَّيْنَ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ وَمَعَ هَذَا لَوْ تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنٍ بِدَنَانِيرَ دَيْنٍ صَحَّ لِفَوَاتِ مَعْنَى الْخَطَرِ فِي دَيْنٍ يَسْقُطُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ حَتَّى تَصَارَفَا دَرَاهِمَ دَيْنٍ بِدَنَانِيرَ دَيْنٍ لَمْ يَصِحَّ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلِهَذَا لَمْ تَجُزْ هَذِهِ الْمُقَاصَّةُ بِلَا تَرَاضٍ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذَ مَكَانَ الدَّرَاهِمِ دَنَانِيرَ أَوْ عَرَضًا لَا يَجُوزُ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فَثَبَتَتْ الْإِضَافَةُ اقْتِضَاءً) وَأَبَى ذَلِكَ زُفَرُ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالِاقْتِضَاءِ وَخَالَفَنَا فِي ذَلِكَ كَمَا خَالَفَنَا فِي قَوْلِهِ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ التَّقَاصُّ بِدَيْنٍ حَادِثٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَأَمَّا إذَا حَدَثَ الدَّيْنُ بَعْدَ بَيْعِ الدِّينَارِ بِالْعَشَرَةِ بِأَنْ بَاعَ مُشْتَرِي الدِّينَارِ ثَوْبًا مِنْ بَائِعِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَسَلَّمَ الثَّوْبَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ ثُمَّ تَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فِي الْمَجْلِسِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ لَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ تَجُوزُ الْمُقَاصَّةُ وَاخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالزَّاهِدُ وَالْعَتَّابِيُّ وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي حَفْصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَوَّزَ الْمُقَاصَّةَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي دَيْنٍ سَابِقٍ لَا لَاحِقٍ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَنْفَسِخُ اقْتِضَاءً تَصْحِيحًا لِمَا قَصَدَا وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ وَالْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اسْتَقْرَضَ بَائِعُ الدِّينَارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَصَبَ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ قِصَاصًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْضُ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا تَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الدَّيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ جَازَ السَّلَمُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا) أَيْ إلَّا إذَا اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا أَوْ عَرَضًا

ص: 140

لِأَنَّهُمَا لَا يَخْلُوَانِ عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ؛ إذْ هُمَا لَا يُطْبَعَانِ عَادَةً بِدُونِهِ وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ فِيهِمَا خِلْقَةً فَيَعْسُرُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَخْلُوطِ وَالْخِلْقِيِّ فَيَلْحَقُ الْقَلِيلُ مِنْ الْغِشِّ بِالرَّدَاءَةِ، وَالرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ مِنْهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ فَيُجْعَلُ الْغِشُّ الَّذِي فِيهِمَا مَعْدُومًا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ اعْتِبَارٌ أَصْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْغِشُّ هُوَ الْغَالِبَ عَلَيْهِمَا حَيْثُ تُعْتَبَرُ الْفِضَّةُ، وَالذَّهَبُ اللَّذَانِ فِيهِ عَلَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْفَرْقِ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَالَ (وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ)؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْغَالِبِ فِي الشَّرْعِ قَالَ (فَصَحَّ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا) أَيْ بِالْمَغْشُوشِ مِثْلِهَا عَدًّا، أَوْ وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْغِشَّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُقَابَلٌ بِالْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْآخَرِ، فَلَا يَضُرُّ التَّفَاضُلُ فِيهِمَا؛ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْغِشِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ إلَّا بِضَرَرٍ بِخِلَافِ بَيْعِ دِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ إلَّا فِي الدِّرْهَمَيْنِ، وَكَذَا إذَا بِيعَتْ بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، أَوْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَكُونَ قَدْرُهُ بِمِثْلِهِ، وَالزَّائِدُ بِالْغِشِّ عَلَى مِثَالِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ، وَالْجَارِيَةِ وَطَوْقِهَا بِالْفِضَّةِ فَاعْتُبِرَ الْفِضَّةُ، أَوْ الذَّهَبُ الْمَغْلُوبُ بِالْغِشِّ هُنَا حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْغِشُّ الْمَغْلُوبُ بِالْفِضَّةِ، أَوْ الذَّهَبِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ كُلَّهُ فِضَّةٌ، أَوْ ذَهَبٌ فَيُمْنَعُ بَيْعُهُ مُتَفَاضِلًا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِضَّةَ الْمَغْلُوبَةَ، أَوْ الذَّهَبَ الْمَغْلُوبَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةً حَالًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنِ وَمَآلًا بِالْإِذَابَةِ فَإِنْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ يَخْلُصَانِ مِنْهُ بِالْإِذَابَةِ فَكَانَا مَوْجُودَيْنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا حَتَّى يُعْتَبَرُ مَا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَالذَّهَبِ مِنْ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ أَيْضًا بِخِلَافِ الْغِشِّ الْمَغْلُوبِ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَحْتَرِقُ أَوْ يَهْلِكُ وَلَا لَوْنَ لَهُ فِي الْحَالِ أَيْضًا، فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ أَصْلًا حَتَّى لَوْ عُرِفَ أَنَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ الَّذِي فِي الْغِشِّ الْغَالِبِ يَحْتَرِقُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ النُّحَاسِ الْخَالِصِ حَتَّى لَا يَكُونُ لِلْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ الَّذِي فِيهِ اعْتِبَارٌ أَصْلًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا إنْ كَانَ مَوْزُونًا لِلرِّبَا وَمَشَايِخُنَا رحمهم الله لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ التَّفَاضُلِ فِي الْغَطَارِفَةِ، وَالْعِدَالَيْ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشَّ؛ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا لَانْفَتَحَ بَابُ الرِّبَا.

قَالَ (، وَالتَّبَايُعُ، وَالِاسْتِقْرَاضُ بِمَا يَرُوجُ عَدَدًا، أَوْ وَزْنًا، أَوْ بِهِمَا)؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ الْعَادَةُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا الْغِشَّ صَارَتْ كَالْفُلُوسِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا عَادَاتُ النَّاسِ كَمَا يُعْتَبَرُ فِي الْفُلُوسِ الْعَادَةُ فِي الْمُعَامَلَةِ بِهَا حَتَّى إذَا كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَبِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدَدِ تُعْتَبَرُ بِالْعَدَدِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ (وَلَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ أَثْمَانًا) يُعْنِي مَا دَامَتْ تَرُوجُ؛ لِأَنَّهَا بِالِاصْطِلَاحِ صَارَتْ أَثْمَانًا فَمَا دَامَ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحُ مَوْجُودًا لَا تَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِقِيَامِ الْمُقْتَضِي قَالَ (وَيَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ إنْ كَانَتْ لَا تَرُوجُ) لِزَوَالِ الْمُقْتَضِي لِلثَّمَنِيَّةِ، وَهُوَ الِاصْطِلَاحُ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ هِيَ سِلْعَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَتْ أَثْمَانًا بِالِاصْطِلَاحِ فَإِذَا تَرَكُوا الْمُعَامَلَةَ بِهَا رَجَعَتْ إلَى أَصْلِهَا، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ، فَهِيَ مِثْلُ الدَّرَاهِمِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِحَالِهَا وَبَاعَهُ بِهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا دَرَاهِمُ جِيَادٌ تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْجِيَادِ لِوُجُودِ الرِّضَا بِهَا فِي الْأُولَى وَلِعَدَمِهَا فِي الثَّانِيَةِ.

قَالَ (وَالْمُتَسَاوِي كَغَالِبِ الْفِضَّةِ فِي التَّبَايُعِ وَالِاسْتِقْرَاضِ وَفِي الصَّرْفِ كَغَالِبِ الْغِشِّ) يَعْنِي الَّذِي اسْتَوَى غِشُّهُ وَفِضَّتُهُ، أَوْ غِشُّهُ وَذَهَبُهُ حُكْمُهُ فِي التَّبَايُعِ وَالِاسْتِقْرَاضِ كَحُكْمِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْفِضَّةُ حَتَّى لَا يَجُوزَ الْبَيْعُ بِهَا وَلَا إقْرَاضُهَا إلَّا بِالْوَزْنِ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ مَوْجُودَةٌ فِيهَا حَقِيقَةً وَلَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا بِالْوَزْنِ شَرْعًا كَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا إلَّا أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فِي الْمُبَايَعَةِ فَيَكُونَ بَيَانًا لِقَدْرِهَا وَوَصْفِهَا كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَيُعْطِيهِ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّهَا ثَمَنٌ فَلَمْ تَتَعَيَّنْ وَفِي الصَّرْفِ حُكْمُهُ كَحُكْمِ فِضَّةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ حَتَّى إذَا بَاعَهَا بِجِنْسِهَا جَازَ عَلَى وَجْهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِعَيْنِهِ وَأَشَارَ إلَيْهِ وَأَضَافَ الْعَقْدَ إلَيْهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ وَزْنَهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ، وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْعَقْدِ انْتَهَى غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَغَالِبُ الْغِشِّ لَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ إلَى آخِرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَرْخِيَّ يُسَمِّي هَذَا النَّوْعَ السَّتُّوقَ فَقَالَ السَّتُّوقُ عِنْدَهُمْ مَا كَانَ الصُّفْرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبُ فَإِذَا كَانَ الصُّفْرُ أَوْ النُّحَاسُ هُوَ الْغَالِبُ كَانَتْ فِي حُكْمِ الصُّفْرِ أَوْ النُّحَاسِ حَتَّى لَا تُبَاعُ بِالصُّفْرِ أَوْ النُّحَاسِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلَكِنْ إذَا بِيعَتْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَجْوِيزًا لِلْعَقْدِ وَيُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِكَوْنِهِ صَرْفًا لِأَنَّهُ بَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ فَلَمَّا اُشْتُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ اُشْتُرِطَ فِي الصُّفْرِ أَوْ النُّحَاسِ أَيْضًا لِأَنَّ فِي تَمْيِيزِهِ مَضَرَّةً انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهَا إلَى إلَخْ)، فَإِنْ كَانَ يَقْبَلُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهِيَ كَالزُّيُوفِ وَإِلَّا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا زُيُوفًا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلِعَدَمِهِ) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ وَلِعَدَمِهَا اهـ.

(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَالْمُتَسَاوِي إلَخْ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَإِنْ كَانَ الْغِشُّ مَعَ الْفِضَّةِ سَوَاءً فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْفِضَّةِ فِي أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُجَازَفَةً وَعَدَدًا وَإِذَا قُوبِلَ بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ فِي الْبَيْعِ يُرَاعَى فِيهِ طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْفِضَّةَ الْخَالِصَةَ أَكْثَرُ جَازَ حَتَّى تَكُونَ الْفِضَّةُ بِإِزَاءِ الْفِضَّةِ وَزْنًا وَالزِّيَادَةُ بِإِزَاءِ الْغِشِّ وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَقَلَّ مِنْ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الْمَغْشُوشِ أَوْ مِثْلَهَا أَوْ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّبَا اهـ.

أَتْقَانِيٌّ

ص: 141

الِاعْتِبَارِ وَلَوْ بَاعَهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَكُونَ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا غَلَبَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ فِضَّةٍ وَقِطْعَةِ نُحَاسٍ فَبَاعَهُمَا بِمِثْلِهِمَا، أَوْ بِفِضَّةٍ فَقَطْ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إنْ كَانَ نِصْفُهَا صُفْرًا وَنِصْفُهَا فِضَّةً لَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ فِيمَا إذَا بِيعَتْ بِجِنْسِهَا، وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا وَوَجْهُهُ أَنَّ فِضَّتَهَا لَمَّا لَمْ تَصِرْ مَغْلُوبَةً جُعِلَتْ كَأَنَّ كُلَّهَا فِضَّةٌ فِي حَقِّ الصَّرْفِ احْتِيَاطًا قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى بِهِ، أَوْ بِفُلُوسٍ نَافِقَةٍ شَيْئًا وَكَسَدَ بَطَلَ الْبَيْعُ) أَيْ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ، أَوْ بِالْفُلُوسِ وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَافِقًا حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ لِقِيَامِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ وَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ؛ لِالْتِحَاقِهِمَا بِالثَّمَنِ، ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَكَذَا إذَا انْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ كَسَدَتْ، أَوْ انْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِلَّا فَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ لِبَقَاءِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمَنِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بَعْدَهُ بِالْكَسَادِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِاحْتِمَالِ الزَّوَالِ بِالرَّوَاجِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِالرُّطَبِ، ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ.

وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ عِنْدَهُمَا وَقَدْ تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ يَجِبُ قِيمَتُهُ لَكِنْ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ صَارَ مَضْمُونًا بِهِ كَالْمَغْصُوبِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْكَسَادِ، وَهُوَ آخِرُ مَا يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى كَانَ وَاجِبَ التَّسْلِيمِ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ فَإِذَا انْقَطَعَ انْتَقَلَ إلَى الْقِيمَةِ لِلتَّعَذُّرِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمِئِذٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ فَتَبْطُلُ الثَّمَنِيَّةُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ، وَالْمُقْتَضِي لَهَا فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ، وَلَا يُقَالُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَكَسَدَ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَسَادِ مِثْلُهُ فِي الِانْقِطَاعِ وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ إذَا كَسَدَتْ كَذَلِكَ هَذَا إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ فَلَوْ لَمْ تَكْسُدْ وَلَمْ تَنْقَطِعْ، وَلَكِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ وَعَكْسُهُ لَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالَبُ بِأَلْفٍ بِذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ اهـ.

قَالَ فِي الْإِشَارَاتِ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِفُلُوسٍ فَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسَدَ الْعَقْدُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَ الْفُلُوسَ أَوْ الدِّرْهَمَ ثُمَّ افْتَرَقَا جَازَ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَإِنْ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الْفُلُوسُ هُوَ الْمَقْبُوضُ، فَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ بِمَنْزِلَةِ هَلَاكِهَا وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ الْفُلُوسُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ بَطَلَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ بِمَنْزِلَةِ الْهَلَاكِ وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْطُلَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّمَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَهُ فَسْخًا لِأَنَّ كَسَادَهَا بِمَنْزِلَةِ عَيْبٍ فِيهَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلَوْ نَقَدَ الدِّرْهَمَ وَقَبَضَ مِنْ الْفُلُوسِ نِصْفَهَا خَمْسِينَ ثُمَّ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ النِّصْفَ الْآخَرَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهَا وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ نِصْفَ الدِّرْهَمِ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بَطَلَ الْبَيْعُ) لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ الْمُرَادُ بِالْبُطْلَانِ الْفَسَادُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ شَيْئًا بِالدَّرَاهِمِ إلَى آخِرِهِ) لَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْغِشُّ إذَا بَاعَ بِهَا وَكَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ وَحُكْمَ الْبَيْعِ بِالْفُلُوسِ ذَكَرَ الشَّارِحُ حُكْمَ الْبَيْعِ بِالدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَانْقَطَعَتْ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ) قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَيْ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا، فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا اهـ.

(فَرْعٌ) نُقِلَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَى الدَّرَاهِمَ فَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ إلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ كَسَدَتْ الدَّرَاهِمُ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ اهـ.

غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقِيمَتِهِ) أَيْ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اهـ.

غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَبْطُلُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْكَسَادَ لَا يُؤَجَّلُ لِفَسَادٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ التَّسْلِيمَ يَتَعَذَّرُ بِهِ وَتَعَذُّرُ التَّسْلِيمِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ) أَيْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ يَنْتَظِر زَمَانَ الرُّطَبِ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ فَكَذَا هَذَا اهـ.

فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لَكِنْ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ) قَالَ الْكَمَالُ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتَبِرُ يَوْمَ الْكَسَادِ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَهَذَا كَالِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمَا فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا وَانْقَطَعَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ اهـ.

غَايَةٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْكَسَادِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ آخِرَ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا وَهُوَ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ وَبِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ) الْمُرَادُ مِنْهُ الْفَسَادُ أَيْضًا إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَاعَ وَسَكَتَ عَنْ الثَّمَنِ وَلَوْ بَاعَ وَسَكَتَ عَنْهُ يَكُونُ الْبَيْعُ فَاسِدًا كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ فِرِشْتَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ نَقْلًا عَنْ الْإِيضَاحِ وَقَالَ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ مَا نَصُّهُ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ وَإِنْ بَرْهَنَا فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي وَفَسَخَ الْقَاضِي بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا قَالَ الشَّارِحُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا حَلَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ أَوْ بِلَا بَدَلٍ فَيُفْسَخُ لِأَنَّ الْبَيْعَ بِلَا ثَمَنٍ أَوْ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِيهِ اهـ.

فَهَذَا صَرِيحٌ بِأَنَّ

ص: 142

إنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ عَيْنَهَا، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْكَسَادِ، وَهِيَ مَقْدُورَةُ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تَنَاوُلُهَا بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ وَبِالْكَسَادِ تَنْعَدِمُ الصِّفَةُ بِخِلَافِ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ فَإِنَّهُ يَعُودُ غَالِبًا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فَلَمْ يَكُنْ هَلَاكًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْطُلْ وَفِي النُّحَاسِ وَأَمْثَالِهِ الْأَصْلُ هُوَ الْكَسَادُ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ.

فَإِذَا كَسَدَ رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ عَلَى وَجْهٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ قَلَّمَا يَزُولُ وَحَدُّ الْكَسَادِ أَنْ تَتْرُكَ الْمُعَامَلَةَ بِهَا فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، فَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لَكِنَّهُ يَتَعَيَّبُ إذَا لَمْ تَرُجْ فِي بَلَدِهِمْ فَيَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ وَحَدُّ الِانْقِطَاعِ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ، وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي يَدِ الصَّيَارِفَةِ وَفِي الْبُيُوتِ قَالَ (وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ)؛ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ مَعْلُومَةٌ صَارَتْ ثَمَنًا بِالِاصْطِلَاحِ فَجَازَ بِهَا الْبَيْعُ وَوَجَبَ فِي الذِّمَّةِ كَالدَّرَاهِمِ، وَالدَّنَانِيرِ، وَإِنْ عَيَّنَهَا لَا تَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ لَا تَبْطُلُ بِتَعْيِينِهَا؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ قَدْرِ الْوَاجِبِ وَوَصْفِهِ كَمَا فِي الدَّرَاهِمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِتَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا.

فَلَا يَبْطُلُ الِاصْطِلَاحُ بِالْمُحْتَمَلِ مَا لَمْ يُصَرِّحَا بِإِبْطَالِهِ بِأَنْ يَقُولَا أَرَدْنَا بِهِ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا حَيْثُ يَتَعَيَّنُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَفَسَدَ الْبَيْعُ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةً تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ، وَهُنَا يَجُوزُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْطَالِ اصْطِلَاحِ الْكَافَّةِ، وَهَذَا يَتَأَتَّى عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَعَيَّنُ، وَإِنْ صَرَّحَا بِهِ وَأَصْلُ الْخِلَافِ أَنَّ اصْطِلَاحَ الْعَامَّةِ لَا يَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا عَلَى خِلَافِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَبْطُلُ فِي حَقِّهِمَا لِعَدَمِ وِلَايَةِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا فَلَا يَلْزَمُهُمَا.

قَالَ (وَبِالْكَاسِدَةِ لَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا) أَيْ إذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ الْكَاسِدَةِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ حَتَّى يُعَيِّنَهَا؛ لِأَنَّهَا سِلَعٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا قَالَ (وَلَوْ كَسَدَتْ أَفْلُسُ الْقَرْضِ يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهَا)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ ثَمَنٌ، وَالْمَرْدُودَ لَيْسَ بِثَمَنٍ فَفَاتَتْ الْمُمَاثَلَةُ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْكَسَادِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمُسْتَقْرِضِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ أَقَلُّ، وَكَذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْبَيْعَ بِلَا ثَمَنٍ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ إذْ الْفَسْخُ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْعَقْدِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الْبَاطِلِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَعِبَارَةُ الْإِشَارَاتِ الَّتِي نَقَلْتهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ كَسَدَ إلَخْ تُؤَيِّدُ مَا قُلْته اهـ.

(قَوْلُهُ: وَحَدُّ الْكَسَادِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَتَفْسِيرُ الْكَسَادِ مَذْكُورٌ فِي الْبُيُوعِ أَنَّهَا لَا تَرُوجُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ ثُمَّ قَالَ هَذَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَهُمَا الْكَسَادُ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ يَكْفِي فِي فَسَادِ الْبَيْعِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارُ اصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ وَعِنْدَهُ لَا لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ اصْطِلَاحَ الْكُلِّ وَقَالَ أَيْضًا وَلَوْ كَانَ مَكَانَهُ نِكَاحٌ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَفِي الْعُيُونِ أَنَّ عَدَمَ الرَّوَاجِ إنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ إذَا كَانَ لَا يَرُوجُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ هَالِكًا وَيَبْقَى الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرُوجُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَيَرُوجُ فِي غَيْرِهَا لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْلِكْ وَلَكِنَّهُ تَعَيَّبَ فَكَانَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ قَالَ أَعْطِ مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَةَ ذَلِكَ دَنَانِيرَ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْفُلُوسُ وَالدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ أَثْمَانُ الْأَشْيَاءِ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ شَرَطَ الْمُتَبَايِعَانِ أَعْيَانَهَا وَيَكُونُ مَا أَوْجَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَا يُجْبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ مَا شَرَطَ مِنْ الْعَيْنِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْعَيْنَ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى مِثْلَهَا وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَجْبُرَهُ عَلَى تَسْلِيمِ الْعَيْنِ إلَيْهِ وَالْخِيَارُ فِي ذَلِكَ إلَى الْبَائِعِ دُونَ الْمُشْتَرِي قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُلُوسَ النَّافِقَةَ لَا فَائِدَةَ فِي تَعْيِينِهَا فَصَارَتْ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْعَاقِدُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ عَيْنَهَا وَإِنْ هَلَكَتْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ كَاسِدَةً لِأَنَّهَا مَبِيعَةٌ فَالْمَبِيعُ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ النَّافِقَةِ مَا نَصُّهُ النَّافِقَةُ الرَّائِجَةُ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَسَدَتْ إلَخْ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْكَسَادِ احْتِرَازًا عَنْ الرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ لِأَنَّ الْإِمَامَ الْإِسْبِيجَابِيَّ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْفُلُوسَ إذَا لَمْ تَكْسُدْ، وَلَكِنْ غَلَتْ قِيمَتُهَا أَوْ رَخُصَتْ فَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا قَبَضَ مِنْ الْعَدَدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَإِذَا اسْتَقْرَضَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ دَرَاهِمَ بُخَارِيَّةً أَوْ طَبَرِيَّةً أَوْ يَزِيدِيَّةً أَوْ فُلُوسًا فِي الْحَالِ الَّتِي تُنْفَقُ فِيهَا ثُمَّ كَسَدَتْ فَإِنَّ بِشْرَ بْنَ الْوَلِيدِ قَالَ سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ قَالَ عَلَيْهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهَا وَلَسْت أَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْفُلُوسِ إذَا أَقْرَضَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ لَمْ تَخْتَلِفْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَرْضِ الْفُلُوسِ إذَا كَسَدَتْ أَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا قَالَ بِشْرٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ يَوْمَ وَقَعَ الْقَرْضُ فِي الدَّرَاهِمِ الَّتِي ذَكَرْت لَك أَصْنَافَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذَا كَسَدَتْ فِي آخِرِ وَقْتِ نِفَاقِهَا قَبْلَ أَنْ تَكْسُدَ اهـ.

أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ أَفْلُسُ) وَالْفَلْسُ الَّذِي يُتَعَامَلُ بِهِ جَمْعُهُ فِي الْقِلَّةِ أَفْلُسُ وَفِي الْكَثْرَةِ فُلُوسٌ اهـ.

مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ، وَكَذَا فِي حَقِّ) أَيْ، وَكَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَنْظَرُ فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ أَيْضًا إلَخْ اهـ.

ص: 143