الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَرَطَ فِيهِ عَمَلَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ لِلسَّلَمِ كَاشْتِرَاطِ طَعَامِ قَرْيَةٍ بِعَيْنِهَا وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى السَّلَمِ لَفَسَدَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَفْسُدُ إذَا لَمْ يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ فَحَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ السَّلَمَ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ جَوَازَهُمَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَاجَةِ، لَكِنَّ جَوَازَ السَّلَمِ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ دُونَ مَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَجَوَازُ الِاسْتِصْنَاعِ ثَبَتَ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَالسُّنَّةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى السَّلَمِ أَوْلَى فِيمَا احْتَمَلَاهُ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ إلَى الْجَوَازِ وَلِهَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ إذَا ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ لِكَوْنِهِ أَتَى بِحُكْمِ السَّلَمِ وَصَرَّحَ بِهِ فَكَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ وَالتَّرْجِيحُ بِالْمَقْصُودِ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَوَالَةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْرَأَ الْأَصِيلُ كَفَالَةٌ وَالْكَفَالَةُ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ حَوَالَةٌ وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْمَنَافِعَ كَانَ إجَارَةً وَلِأَنَّ ضَرْبَ الْأَجَلِ لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَذَلِكَ بِاللُّزُومِ وَاللُّزُومُ فِي السَّلَمِ دُونَ الِاسْتِصْنَاعِ وَذِكْرُ الصَّنْعَةِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ فِيهِ لَا لِلتَّعْيِينِ وَلِهَذَا لَوْ جَاءَ بِهِ وَهُوَ مِنْ عَمَلِ غَيْرِهِ جَازَ وَيُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ فِيمَا لَا تَعَامُلَ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ سَلَمًا بِذِكْرِ الْأَجَلِ أَنْ يَكُونَ السَّلَمُ اسْتِصْنَاعًا بِحَذْفِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ النِّكَاحَ بِذِكْرِ الْأَجَلِ يَكُونُ مُتْعَةً وَلَا تَكُونُ الْمُتْعَةُ بِحَذْفِ الْأَجَلِ نِكَاحًا، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَجَلًا فِي السَّلَمِ وَقَدْ بَيَّنَّا قَدْرَهُ مِنْ قَبْلُ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ إنْ جَرَى فِيهِ التَّعَامُلُ وَإِلَّا فَفَاسِدٌ وَهَذَا إذَا ذُكِرَ الْأَجَلُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ وَإِنْ ذَكَرَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَفْرُغَ مِنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَكُونُ اسْتِصْنَاعًا؛ لِأَنَّهُ لِلْفَرَاغِ لَا لِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ وَقِيلَ: إنْ ذَكَرَ أَدْنَى مُدَّةً يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ سَلَمٌ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ بِشَيْءٍ وَعَنْ الْهِنْدُوَانِيُّ إنْ ذِكْرَ الْأَجَلِ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُسْتَصْنِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِعْجَالِ فَلَا يَصِيرُ سَلَمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الصَّانِعِ فَهُوَ لِلِاسْتِمْهَالِ فَيَكُونُ سَلَمًا وَفَائِدَةُ كَوْنِهِ سَلَمًا أَنْ يَشْتَرِطَ فِيهِ شَرَائِطَ السَّلَمِ مِنْ قِبْضِ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَعَدَمِ خِيَارِ الْفَسْخِ لَهُمَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا
(بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ)
قَالَ رحمه الله (صَحَّ بَيْعُ الْكَلْبِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَصَارَ كَالْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ أَصْلًا لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ مِنْ السُّحْتِ مَهْرَ الْبَغِيِّ وَثَمَنَ الْكَلْبِ» وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَصَارَ كَالْخِنْزِيرِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَضَى فِي كَلْبٍ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا» وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ آلَةُ الِاصْطِيَادِ فَيَصِحُّ بَيْعُهُ كَالْبَازِي أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِهِ حِرَاسَةً وَاصْطِيَادًا فَكَذَا بَيْعًا وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ فَكَذَا بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْمَيْتَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا، وَالْكَلْبُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ وَبِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَمَا رَوَاهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ) أَيْ بِأَنَّهُ الْمُزَابَنَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
[بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ]
[حُكْم بَيْع الْكَلْب]
(بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ)(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ أَصْلًا) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ لِلصَّيْدِ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَأَمَّا اقْتِنَاؤُهُ لِلصَّيْدِ وَحِرَاسَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْبُيُوتِ وَالزَّرْعِ فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّخِذَهُ فِي دَارِهِ إلَّا إنْ خَافَ لُصُوصًا أَوْ أَعْدَاءً لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» اهـ.
كَمَالٌ رحمه الله قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَبَاحَ الِانْتِفَاعَ بِكَلْبِ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ فَعُلِمَ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ قَبْلَ الْإِبَاحَةِ وَمَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالْكَلْبُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُعَلَّمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ إمَّا اصْطِيَادًا أَوْ حِرَاسَةً؛ لِأَنَّ كُلَّ كَلْبٍ يَحْفَظُ الْبَيْتَ وَيُخْبِرُ عَنْ الْجَائِي بِنُبَاحِهِ. اهـ.
وَحَدَّثَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ إلَى جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالْهِرِّ إلَّا الْكَلْبَ الْمُعَلَّمَ» فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْكِلَابِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا مِنْ جِهَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ جَازَ بَيْعُ غَيْرِهِ مِنْ الْكِلَابِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّ ذِكْرَهُ لِلْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ لِأَجْلِ مَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ وَكُلُّ مَا أُبِيحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مِنْهَا فَهُوَ مِثْلُهُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْكِلَابَ الَّتِي لَا نَفْعَ فِيهَا وَإِنَّمَا يُبْتَغَى فِيهَا الْهِرَاشُ وَالْقِمَارُ، وَحَدَّثَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَضَى فِي كُلِّ صَيْدٍ قَتَلَهُ رَجُلٌ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَقَضَى فِي كُلِّ كَلْبِ مَاشِيَةٍ بِكَبْشٍ وَبَقِيَّةُ السِّبَاعِ يَثْبُتُ حُكْمُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْكَلْبِ وَالْجَامِعُ كَوْنُهَا جَارِحَةً يُنْتَفَعُ بِهَا اصْطِيَادًا وَنَحْوَهُ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (قَوْلُهُ: الْبَغِيِّ إلَخْ) وَالْبَغِيُّ الزَّانِيَةُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] اهـ.
غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ) إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَصْلًا كَالْخِنْزِيرِ اهـ.
أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ) أَيْ مِنْ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالْوَزَغِ وَالْقَنَافِذِ وَالضَّبِّ وَهَوَامِّ الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَلِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ اهـ.
غَايَةٌ