الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخَبْزِ وَالْكِتَابَةِ فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ وَلَوْ ابْتَاعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْكِتَابَةَ وَالْخَبْزَ وَكَانَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَنَسِيَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ رَدَّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ تَسْلِيمَهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ فَإِذَا نَسِيَهُ فَقَدْ تَغَيَّرَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَرُدَّهُ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ أَوْ نَحْوَهُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ ثُمَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ إذَا اخْتَارَ الْأَخْذَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ لَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ لِكَوْنِهَا تَابِعَةً فِي الْعَقْدِ إذْ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ لِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَلَوْ اخْتَلَفَ يَفْسُدُ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ)
قَالَ (شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا رَآهُ وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَجْهُولٌ إذْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إلَّا الِاسْمُ فَصَارَ كَمَا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ أَوْ هُوَ مَعْدُومٌ لِمَا ذَكَرْنَا «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ» أَيْ مَا لَيْسَ بِحَاضِرٍ عِنْدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَرْئِيٍّ لِلْمُشْتَرِي وَلَنَا قَوْلُهُ عليه السلام «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ» وَلِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهُ إذْ لَمْ يُوَافِقْهُ رَدَّهُ فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُشَاهَدِ الْمُعَايَنِ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يُمْسِكُ بِالْأَصْلِ وَأَنَّ الْعَدَمَ فِي الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ أَصْلٌ وَالْوُجُودَ فِي الصِّفَاتِ الْأَصْلِيَّةِ أَصْلٌ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا تَابِعَةٌ) أَيْ تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَفِي جَعْلِ الْوَصْفِ مُقَابَلًا بِشَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ يَلْزَمُ جَعْلُهُ أَصْلًا فَلَا يَجُوزُ. اهـ. .
[بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ]
(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ) لَمَّا شَرَعَ بِذِكْرِ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ قَدَّمَ مَا كَانَ تَأْثِيرُهُ أَكْثَرَ فِي الْعَقْدِ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى التَّوَالِي وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَوَانِعَ خَمْسَةٌ: مَانِعٌ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ كَالْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَى حُرٍّ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْغَلَّةِ كَالْبَيْعِ الْمُضَافِ إلَى مَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ حَتَّى لَا يَتِمَّ الِانْعِقَادُ فِي حَقِّ الْمَالِكِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَمَانِعٌ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ حَتَّى لَا تَتِمَّ الصَّفْقَةُ بِالْقَبْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ قَدَّمَ هَذَا الْبَابَ عَلَى خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ وَذَاكَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ وَاللُّزُومُ بَعْدَ التَّمَامِ وَالْإِضَافَةِ مِنْ قَبِيلِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ؛ لِأَنَّ الرُّؤْيَةَ شَرْطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ هُوَ السَّبَبُ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَثْبُتُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ لَيْسَ غَيْرَ شِرَاءِ الْأَعْيَانِ وَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَعْوَى مَالٍ عَلَى عَيْنٍ وَالْقِسْمَةِ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الدُّيُونِ فَلَا يَكُونُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ وَلَا فِي الْأَثْمَانِ الْخَالِصَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ إنَاءً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ الْخِيَارَ وَلَوْ تَبَايَعَا مُقَايَضَةً ثَبَتَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَمَحَلُّهُ كُلُّ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ يَنْفَسِخُ بِالْفَسْخِ لَا مَا لَا يَنْفَسِخُ كَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ الْقِصَاصِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَّ لَمَّا لَمْ يُوجِبْ الِانْفِسَاخَ بَقِيَ الْعَقْدُ قَائِمًا وَقِيَامُهُ يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ بِالْعَيْنِ لَا بِمَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْقِيمَةِ فَلَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَبَدًا وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ مَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ مِنْهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْفَسْخُ عَلَى قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ رَدَدْت يَنْفَسِخُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا هُوَ خِلَافُهُمْ فِي الْفَسْخِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: شِرَاءُ مَا لَمْ يَرَهُ جَائِزٌ) أَيْ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ سَوَاءً رَآهُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وُصِفَتْ لَهُ أَوْ عَلَى خِلَافِهَا مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ جِرَابًا فِيهِ أَثْوَابٌ هَرَوِيَّةٌ أَوْ زَيْتًا فِي زَقٍّ أَوْ حِنْطَةً فِي غِرَارَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَ شَيْئًا وَمِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك دُرَّةً فِي كُمِّي صِفَتُهَا كَذَا أَوْ ثَوْبًا فِي كُمِّي صِفَتُهُ كَذَا أَوْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ مُتَنَقِّبَةٌ وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْمَبْسُوطِ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَوْ إلَى مَكَانِهِ شَرْطُ الْجَوَازِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ وَلَا إلَى مَكَانِهِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ اهـ لَكِنَّ إطْلَاقَ الْكِتَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ سَوَاءً سَمَّى جِنْسَ الْمَبِيعِ أَوْ لَا وَسَوَاءً أَشَارَ إلَى مَكَانِهِ أَوْ إلَيْهِ وَهُوَ حَاضِرٌ مَسْتُورٌ أَوْ لَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ بِعْت مِنْك مَا فِي كُمِّي بَلْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ إطْلَاقُ الْجَوَابِ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ عِنْدَهُ وَطَائِفَةٌ قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ مَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرُهُ كَصَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَالذَّخِيرَةِ لِبُعْدِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ بَيْعِ مَا لَمْ يُعْلَمْ جِنْسُهُ أَصْلًا كَأَنْ يَقُولَ بِعْتُك شَيْئًا بِعَشَرَةٍ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَنَا قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «مَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ» إلَخْ) وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ فِي الْحَدِيثِ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَهُوَ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ عَبَّرَ بِالرُّؤْيَةِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ فَصَارَتْ حَقِيقَةُ الرُّؤْيَةِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَهَذَا لِوُجُودِ مَسَائِلَ اتِّفَاقِيَّةٍ لَا يُكْتَفَى بِالرُّؤْيَةِ فِيهَا مِثْلُ مَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالشَّمِّ كَمِسْكٍ اشْتَرَاهُ وَهُوَ يَرَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لَهُ عِنْدَ شَمِّهِ فَلَهُ الْفَسْخُ عِنْدَ شَمِّهِ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ، وَكَذَا لَوْ رَأَى شَيْئًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ غَيْرُ مُعَرِّفَةٍ لِلْمَقْصُودِ الْآنَ، وَكَذَا شِرَاءُ الْأَعْمَى يُثْبِتُ لَهُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْوَصْفِ لَهُ فَأُقِيمَ فِيهِ الْوَصْفُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: فَصَارَ كَجَهَالَةِ الْوَصْفِ فِي الْمُشَاهَدِ) يَعْنِي فِيمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا مُشَارًا إلَيْهِ لَا يَعْلَمُ عَدَدَ ذُرْعَانِهِ يُرِيدُ تَشْبِيهَهُ بِذَلِكَ فِي مُجَرَّدِ ثُبُوتِ الْجَوَازِ لَا بِقَيْدِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِيَارَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ أَعْنِي الثَّوْبَ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى لُزُومِ ذِكْرِ الْجِنْسِ فِي هَذَا الْبَيْعِ فَيَبْقَى الْغَائِبُ مُجَرَّدَ عِلْمِ الْوَصْفِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمُشَاهَدِ مَا نَصُّهُ أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ. اهـ. هِدَايَةٌ
أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَسْتَجِيدُهَا فَأَشْتَرِيهَا فَأُسَلِّمُهَا إلَيْهِ فَقَالَ عليه السلام لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَك» وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَيْنًا حَاضِرَةً غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لَهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ مَلَكَهَا فِيمَا بَعْدُ وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمَ لَجَازَ، وَلَوْ بَاعَ عَيْنًا غَائِبَةً وَكَانَ الْمُشْتَرِي رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ جَازَ فَبَطَلَ زَعْمُهُ طَرْدًا وَعَكْسًا وَقَوْلُهُ، وَإِنْ رَضِيَ قَبْلَهُ يَتَّصِلُ بِمَا قَبْلَهُ أَيْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ، وَإِنْ كَانَ رَضِيَ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ الرِّضَا بِالشَّيْءِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ رَضِيت قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ فَسْخِهِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِكَوْنِهِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ لَا بِمُوجِبِ الْخِيَارِ.
قَالَ (وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله أَوَّلًا يَقُولُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَتِمُّ بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِذَا انْتَفَى رِضَا أَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ فَكَذَا رِضَا الْآخَرِ إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ وَلَا يَزُولُ بِهِ إلَّا بِالرِّضَا وَهُوَ بِالْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَذَلِكَ بِالرُّؤْيَةِ وَلِأَنَّهُ خِيَارٌ يَثْبُتُ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْآخَرِ اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يَرَهُ أَصْلًا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَنَا لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه بَاعَ أَرْضًا بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لِطَلْحَةَ: إنَّك قَدْ غُبِنْتَ فَقَالَ لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْت مَا لَمْ أَرَهُ وَقِيلَ لِعُثْمَانَ إنَّك قَدْ غَبَنْت فَقَالَ لِي الْخِيَارُ؛ لِأَنِّي بِعْت مَا لَمْ أَرَهُ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ فَقَضَى بِالْخِيَارِ لِطَلْحَةَ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ مُعَلَّقٌ بِرُؤْيَةِ الْمُشْتَرِي فِيمَا رَوَيْنَا فَلَا يَثْبُتُ دُونَهُ وَلِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَظُنُّهُ خَيْرًا مِمَّا رَأَى فَيَرُدُّهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ وَلَوْ رَدَّهُ الْبَائِعُ لَرَدَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَزْيَدُ مِمَّا ظَنَّهُ وَالْخِيَارُ لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهِ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ مَعِيبٌ فَإِذَا هُوَ سَلِيمٌ لَا يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ فِيهِ الْخِيَارُ.
قَالَ (وَيَبْطُلُ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ) أَيْ يَبْطُلُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ بِمَا يَبْطُلُ بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ مِنْ التَّصْرِيحِ وَالدَّلَالَةِ وَمُرَادُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَأَمَّا قَبْلَهَا فَلَا يَسْقُطُ، وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ إلَّا فِي ضِمْنِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا رَآهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ وَلَمْ يَفْسَخْ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَزِمَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْإِجَازَةُ صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةَ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ جَهَالَةُ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَآهُ قَبْلَ الْعَقْدِ لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ وَالْجَهَالَةُ تَزُولُ بِالرُّؤْيَةِ وَالْخِيَارُ يَسْقُطُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ كَخِيَارِ الْعَيْبِ يَسْقُطُ بِزَوَالِ الْعَيْبِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْلِكَ فَسْخَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ مُتَّصِلًا بِهَا لِزَوَالِ سَبَبِهِ إلَّا أَنَّهُ مَلَكَ الْفَسْخَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَزُولُ بِقَدْرِ مَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْفَسْخِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالزَّمَانِ فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مَا لَمْ يَسْقُطْ بِالْقَوْلِ أَوْ بِفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ رُسْتُمَ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ مُطْلَقًا وَالْعِبْرَةُ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعَيْنِ النَّصِّ لَا لِلْمَعْنَى مَعَ أَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ لَيْسَتْ بِعِلَّةٍ لِثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالرُّؤْيَةِ فَكَذَا لَا يَتَوَقَّفُ لِإِطْلَاقِهِ عَنْ الْوَقْتِ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ يَكُونُ زِيَادَةً وَهُوَ فَسْخٌ فَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُسْقِطُهُ وَهُوَ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ التَّعْيِيبُ أَوْ تَصَرُّفٌ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ يَسْقُطُ بِهَا الْخِيَارُ لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُوجِبُ حَقًّا لِلْغَيْرِ كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَالْمُسَاوَمَةِ وَالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخِيَارَ مُعَلَّقٌ بِالرُّؤْيَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا) أَيْ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِهِ وَالْإِسْقَاطُ لَا يَتَحَقَّقُ قَبْلَ الثُّبُوتِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا خِيَارَ لِمَنْ بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ) أَيْ بِأَنْ وَرِثَ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَبَاعَهَا قَبْلَ أَنْ يَرَاهَا. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الْعَيْبِ) أَيْ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ: حَتَّى جَازَ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ بِالزِّيَافَةِ أَيْ كَمَا أَنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّ الثَّمَنِ لِعَدَمِ الْأَصَالَةِ فِي الْعَقْدِ وَيَنْفَسِخُ بِرَدِّ الْمَبِيعِ لِلْأَصَالَةِ وَلَا يُقَالُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ مُعَلَّقًا بِالشِّرَاءِ فَلَا يَثْبُتُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ مَعْقُولُ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَى هُوَ الْجَهَالَةُ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ فَيَثْبُتُ فِي الْفَرْعِ مِثْلُ حُكْمِ الْأَصْلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا لِلْمَرْجُوعِ إلَيْهِ) أَيْ لِلْقَوْلِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَاعَ) الظَّاهِرُ اشْتَرَى. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا قَبْلَهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ، وَأَمَّا قَبْلَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: لِتَعَلُّقِهِ بِالرُّؤْيَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَنُقِلَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ الرَّدَّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَسْخٌ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا إلَى رِضَا الْبَائِعِ وَلَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ حَضْرَةُ الْبَائِعِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ كَالْإِعْتَاقِ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُوجِبُ كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ) أَيْ وَلَوْ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي لِخُلُوصِ الْحَقِّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُ: كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ إنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الْمُطْلَقَ عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بِهِ لَا يَخْرُجُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ اهـ فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِجَارَةِ) أَيْ وَالْهِبَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ) أَيْ لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ وَتَلْزَمُ الْبَيْعَ فَلَمَّا لَزِمَ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ وَبَطَلَ الْخِيَارُ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ الْفَسْخُ شَرْعًا بَطَلَ الْخِيَارُ وَوَجَبَ تَقْدِيرُ قَيْدٍ فِي الْحَدِيثِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ مُقَيَّدًا بِمَا إذَا لَمْ يُوجِبْ مُوجِبٌ شَرْعِيٌّ عَدَمَهُ إذَا رَآهُ وَحَاصِلُهُ تَقْدِيرٌ مُخَصَّصٌ بِالْعَقْلِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: وَالْمُسَاوَمَةِ) يُقَالُ سَامَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ عَرَضَهَا وَذَكَرَ ثَمَنَهَا اهـ
لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ صَرِيحُ الرِّضَا وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ لِوُجُودِ دَلَالَةِ الرِّضَا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَكَذَا إذَا قَبَضَهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلِأَنَّهُ مُؤَكَّدٌ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَشَابَهُ الْبَيْعَ وَلَوْ كَانَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي فَهُوَ كَالْمُطْلَقِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ بَاتٌّ مُطْلَقٌ مِنْ جَانِبِهِ وَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فَأَذِنَ الْآكِرُ أَنْ يَزْرَعَهَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَزَرَعَهَا بَطَلَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ بِأَمْرِهِ كَفِعْلِهِ.
قَالَ (وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ وَالدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا وَظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا وَدَاخِلِ الدَّارِ)؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمَقْصُودِ يَكْفِي لِتَعَسُّرِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَرُؤْيَةُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَقَعُ بِهَا الْعِلْمُ بِالْمَقْصُودِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ غَيْرِهَا وَلَوْ دَخَلَ فِي الْمَبِيعِ أَشْيَاءُ فَإِنْ كَانَ لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَعَلَامَتُهُ أَنْ يَعْرِضَ بِالنَّمُوذَجِ يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْبَعْضِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهِ بِالْبَاقِي إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرَادَ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِيهِ وَفِيمَا رَأَى كَيْ لَا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ، وَإِنْ كَانَ آحَادُهُ تَتَفَاوَتُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُبَاعُ بِالنَّمُوذَجِ كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا لَا يَقَعُ الْعِلْمُ بِالْبَاقِي لِلتَّفَاوُتِ وَالْجَوْزُ وَالْبَيْضُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ وَصْفُ الْبَاقِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لَا يُبْطِلُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ) أَيْ لِأَنَّ خِيَارَهُ لَا يَبْطُلُ بِصَرِيحِ الرِّضَا قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَرَى أَبْطَلْت خِيَارِي فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ بِدَلَالَةِ الرِّضَا أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَيُبْطِلُهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ صَرِيحًا كَانَ الرِّضَا أَوْ دَلَالَةً. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الصُّبْرَةِ وَالرَّقِيقِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ رُؤْيَةَ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ غَيْرُ مَشْرُوطٍ فِي انْتِفَاءِ ثُبُوتِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِتَعَذُّرِهِ عَادَةً وَشَرْعًا وَإِلَّا لَجَازَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهُمَا وَلَزِمَ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ حَبَّةٍ حَبَّةٍ مِنْهَا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَإِذَا رَآهُ جَعَلَ غَيْرَ الْمَرْئِيِّ تَبَعًا لِلْمَرْئِيِّ فَإِذَا سَقَطَ الْخِيَارُ فِي الْأَصْلِ سَقَطَ فِي التَّبَعِ إذَا عُرِفَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى وَجْهِ الْجَارِيَةِ وَالْعَبْدِ ثُمَّ اشْتَرَى الْبَاقِيَ فَلَا خِيَارَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَى بَطْنَهُمَا وَظَهْرَهُمَا وَسَائِرَ أَعْضَائِهِمَا إلَّا الْوَجْهَ فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ إذَا رَأَى وَجْهَهُمَا؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْأَعْضَاءِ فِي الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ تَبَعٌ لِلْوَجْهِ وَلِذَا تَتَفَاوَتُ الْقِيمَةُ إذَا فُرِضَ تَفَاوُتُ الْوَجْهِ مَعَ تَسَاوِي سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَفِي الدَّوَابِّ يُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ وَالْكَفَلِ؛ لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودَانِ فَيَسْقُطُ بِرُؤْيَتِهِمَا وَلَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ غَيْرِهِمَا مِنْهَا اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ إذَا ثَبَتَ هَذَا نَقُولُ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا أَوْ أَشْيَاءَ فَإِنْ كَانَ شَيْئًا وَاحِدًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ لَا تَتَفَاوَتَ آحَادُهُ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ فَإِذَا رَأَى الْبَعْضَ وَرَضِيَ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ رِضًا بِالْبَعْضِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ إذَا كَانَ مِثْلَ مَا رَأَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الصُّبْرَةِ مُسْقِطًا لِلْخِيَارِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مِثْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ تُعْرَفُ حَالَ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّمُوذَجِ وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ الْمَكِيلُ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ فِي وِعَاءَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ، وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخٍ لَا تَكُونُ رُؤْيَةُ أَحَدِهِمَا كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مَتَى كَانَا فِي وِعَاءَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي التُّحْفَةِ؛ لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْبَاقِي فِيمَا إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي وِعَاءٍ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ لَا بِاعْتِبَارِ اتِّحَادِ الْوِعَاءِ وَإِنْ كَانَ يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ كَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ نَحْوِ الثِّيَابِ فِي صُنْدُوقٍ وَالْبَطَاطِيخِ فِي شَرِيجَةٍ وَنَحْوِ الرُّمَّانَاتِ وَالسَّفَرْجَلَاتِ فِي قُفَّةٍ فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَةً فِي الْبَاقِي وَيَكُونُ عَلَى خِيَارِهِ مَا لَمْ يَرَ الْكُلَّ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ لَا تَعْرِفُ الْبَاقِيَ لِلتَّفَاوُتِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ فَرَأَى الْوَجْهَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ يَسْقُطُ خِيَارُهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَامَتُهُ) أَيْ عَلَامَةُ الشَّيْءِ الَّذِي لَا تَتَفَاوَتُ آحَادُهُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْبَيْعِ بِالنَّمُوذَجِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ بَيْنَ النَّاسِ حَيْثُ يَحْمِلُ السِّمْسَارُ شَيْئًا قَلِيلًا مِنْ الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ إلَى الْمُشْتَرِي حَتَّى يَرَاهُ فَإِنْ أَعْجَبَهُ اشْتَرَاهُ وَالنَّمُوذَجُ بِفَتْحِ النُّونِ بِمَعْنَى الْأُنْمُوذَجِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُغْرِبٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ الْبَاقِي أَرْدَأَ) أَيْ مِمَّا رَأَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ يَعْنِي خِيَارَ الْعَيْبِ لَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ ذَكَرَهُ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي الْكَافِي إذَا كَانَ أَرْدَأَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا لَا بِغَيْرِهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ أَنَّهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى سَوْقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ خِيَارُ عَيْبٍ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ اخْتِلَافُ الْبَاقِي يُوصِلُهُ إلَى حَدِّ الْعَيْبِ وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ لَا يُوصِلُهُ إلَى اسْمِ الْمَعِيبِ بَلْ الدُّونِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ عَيْبًا ثُمَّ أَرَاهُ الْمَبِيعَ فِي الْحَالِ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا مَعَ الْخِيَارِ لَا تَتِمُّ) أَيْ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَلِهَذَا تَمَكَّنَ مِنْ الْفَسْخِ دُونَ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ. اهـ. شَرْحُ مَنَارٍ.
(قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُتَقَارِبَةً) أَيْ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُجَرَّدِ هُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا النَّظَرُ إلَى ظَاهِرِ الثَّوْبِ مَطْوِيًّا مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الْبَقِيَّةُ) أَيْ فَلَوْ شَرَطَ فَتْحَهُ لَتَضَرَّرَ الْبَائِعُ بِتَكَسُّرِ ثَوْبِهِ وَنُقْصَانِ بَهْجَتِهِ وَبِذَلِكَ يَنْقُصُ ثَمَنُهُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ وَجْهَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ كِلَا الْوَجْهَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ فِي طَيِّهِ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ) ثُمَّ قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَمَا لَمْ يَرَ بَاطِنَ الثَّوْبِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ اخْتِلَافُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرُ فِي الثِّيَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. اهـ. فَتْحٌ
كَمَوْضِعِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ، وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِ الثَّوْبِ وَلَا بُدَّ مِنْ نَشْرِ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَلَا يُعْرَفُ كُلُّهُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهِ، قُلْنَا قَلَّمَا تَتَفَاوَتُ جَوَانِبُ ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِالْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ مِنْهُ وَالْوَجْهُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْآدَمِيِّ، وَلِهَذَا تَتَفَاوَتُ قِيَمُ الرَّقِيقِ بِتَفَاوُتِهِ وَسَائِرُ الْجَسَدِ تَبَعٌ لَهُ وَالْكَفَلُ مِنْ الدَّوَابِّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ مَعَ ذَلِكَ رُؤْيَةَ الْقَوَائِمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله رُؤْيَةُ الْوَجْهِ كَافِيَةٌ كَالْآدَمِيِّ وَفِي شَاةِ اللَّحْمِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَظْهَرُ السِّمَنُ وَالْهُزَالُ وَيُعْرَفُ بِهِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَقِلَّتُهُ وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ ضَرْعِهَا وَفِيمَا يُطْعَمُ لَا بُدَّ مِنْ الذَّوْقِ وَفِيمَا يُشَمُّ لَا بُدَّ مِنْ الشَّمِّ وَفِي دُفُوفِ الْغَازِي لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ صَوْتِهَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالشَّيْءِ يَقَعُ بِاسْتِعْمَالِ آلَةِ إدْرَاكِهِ فَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ رُؤْيَةَ خَارِجِ الدَّارِ كَرُؤْيَتِهَا كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْبَاقِي وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ إذَا رَأَى صَحْنَ الدَّارِ سَقَطَ خِيَارُهُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي خَارِجِهَا.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ دَاخِلِ الْبُيُوتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ بُيُوتَهَا الشَّتْوِيَّةَ وَالصَّيْفِيَّةَ وَالْعُلْوِيَّةَ وَالسُّفْلِيَّةَ وَمَرَافِقَهَا وَمَطَابِخَهَا وَسُطُوحَهَا تَخْتَلِفُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا مَقْصُودٌ فَالنَّظَرُ إلَى الْخَارِجِ أَوْ إلَى الصَّحْنِ لَا يُوقِعُ الْعِلْمَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَإِنَّ دُورَهُمْ كَانَتْ عَلَى تَقْطِيعٍ وَاحِدٍ وَلَمْ تَخْتَلِفْ إلَّا فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَفِي كَوْنِهَا جَدِيدَةً أَوْ عَتِيقَةً وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا فَاكْتَفَوْا بِهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا الْيَوْمَ بِخِلَافِهِ فَلَا يُكْتَفَى بِهِ وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ يُكْتَفَى بِهَا لِوُقُوعِ الْعِلْمِ بِهَا وَلَوْ رَأَى دُهْنًا فِي قَارُورَةٍ مِنْ خَارِجِهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا) اُسْتُفِيدَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَالدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا أَيْ وَكَفَتْ رُؤْيَةُ وَجْهِ الدَّابَّةِ وَكَفَلِهَا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِمَا مَا نَصُّهُ فَلَوْ رَأَى أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَلَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ) قَالَ الْأَقْطَعُ وَقَدْ قَالُوا إنْ قَالَ أَهْلُ الصَّنْعَةِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالدَّوَابِّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ إلَى الْقَوَائِمِ كَانَ شَرْطًا فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ) أَيْ اللَّمْسِ بِالْيَدِ اهـ (قَوْلُهُ: وَيُعْرَفُ بِهِ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَقِلَّتُهُ) أَيْ فَإِنْ رَأَى ذَلِكَ مِنْ بَعِيدٍ وَلَمْ يَجُسَّهُ فَلَهُ الْخِيَارُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السِّمَنَ لَا يَظْهَرُ مِنْ الصُّوفِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَسِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَفِي شَاةِ الْقِنْيَةِ) أَيْ الشَّاةِ الَّتِي تُؤْخَذُ لِلدَّرِّ وَالنَّسْلِ لَا لِلتِّجَارَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَجَعَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ رُؤْيَةَ دَاخِلِ الدَّارِ) نُسْخَةٌ خَارِجَ وَهُوَ الثَّابِتُ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ خَارِجَ مَا نَصُّهُ هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ هَذَا الشَّرْحِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي السَّطْرِ الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَا فِي خَارِجِهَا لَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ قَوْلِهِ وَدَاخِلُ الدَّارِ، وَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْمَتْنِ وَكَتَبَ أَيْضًا مَا نَصُّهُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا تَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ إذَا رَأَى الدَّارَ مِنْ خَارِجٍ يَبْطُلُ خِيَارُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلُ الدَّارِ أَبْنِيَةً فَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهَا أَبْنِيَةٌ لَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَرَ دَاخِلَهَا؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ هُوَ الْمَقْصُودُ اهـ.
(قَوْلُهُ: يَسْقُطُ خِيَارُهُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ بُيُوتَهَا اهـ.
(قَوْلُهُ: فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْأَظْهَرِ) أَيْ وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي دِيَارِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَذَلِكَ يَظْهَرُ بِرُؤْيَةِ بَعْضِهَا) وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِالنَّظَرِ إلَى جُدْرَانِهَا مِنْ خَارِجِ الدَّارِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَرُؤْيَةُ أَشْجَارِ الْبُسْتَانِ يُكْتَفَى بِهَا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله، وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الْأَشْجَارِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ رُءُوسِ الْأَشْجَارِ وَرُؤْيَةِ خَارِجِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، وَقَالَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبُسْتَانِ بَاطِنُهُ فَلَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ الْخَارِجِ وَرُءُوسِ الْأَشْجَارِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ رَأَى دُهْنًا فِي قَارُورَةٍ مِنْ خَارِجِهَا لَا يَبْطُلُ خِيَارُهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ لَوْنَ الدُّهْنِ مِمَّا يَتَغَيَّرُ بِلَوْنِ الْقَارُورَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَوْ رَأَى دُهْنًا إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَوْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى الْمَبِيعَ قَالُوا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا رَأَى عَيْنَهُ، وَإِنَّمَا رَأَى مِثَالَهُ وَعَلَى هَذَا قَالُوا مَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ فَرَأَى فَرْجَ أُمِّ امْرَأَتِهِ عَنْ شَهْوَةٍ لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا عَنْ شَهْوَةٍ فِي الْمِرْآةِ لَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِمَا قُلْنَا ثُمَّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ وَلَوْ اشْتَرَى سَمَكًا فِي الْمَاءِ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِ اصْطِيَادٍ فَرَآهُ فِي الْمَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ رَأَى عَيْنَ الْمَبِيعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَسْقُطُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يُرَى فِي الْمَاءِ كَمَا هُوَ بَلْ يُرَى أَكْبَرَ مِمَّا هُوَ فَهَذِهِ الرُّؤْيَةُ لَا تُعْرَفُ حَالَ حَقِيقَتِهِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَالْفُجْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ شَيْئًا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ بَعْدَ الْقَلْعِ كَالثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْجَزَرِ فَإِنَّهُ إذَا قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ أَوْ قَلَعَ الْبَائِعُ بِرِضَا الْمُشْتَرِي يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ وَإِنْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ سَوَاءً رَضِيَ بِالْمَقْلُوعِ أَوْ لَمْ يَرْضَ إذَا كَانَ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعِيبًا؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْمُو وَبِالْقَلْعِ لَا يَنْمُو وَبِحُدُوثِ الْعَيْبِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ صُنْعِهِ يَمْنَعُ الرَّدَّ فَمَعَ صُنْعِهِ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يُبَاعُ عَدَدًا كَالْفُجْلِ وَالسَّلْقِ وَنَحْوِهِمَا فَرُؤْيَةُ الْبَعْضِ لَا تَكُونُ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَفَاوِتَةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْلُوعُ شَيْئًا لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ النَّاسِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَيْبُ ثُمَّ قَالَ فِي التُّحْفَةِ.
وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَقَالَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ مِثْلُ الْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالثُّومِ وَبَصَلِ الزَّعْفَرَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى جَمِيعَهُ وَلَا يَكُونُ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ مُبْطِلًا خِيَارَهُ وَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ الْبَعْضِ فَخِيَارُهُ بَاقٍ إلَى أَنْ يَرَى جَمِيعَهُ فَيَرْضَى أَوْ يَرُدَّ، وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْقَلْعِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَخَافُ إنْ قَلَعْته
فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ قَالَ (وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ لَا نَظَرِ رَسُولِهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا لَا يَكُونُ كَنَظَرِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ خِيَارُ الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّهُ يُوَكِّلُ بِالْقَبْضِ دُونَ إسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُ مَا لَمْ يَتَوَكَّلْ بِهِ وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِمَا.
فَكَذَا هَذَا وَأَقْرَبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ قَصْدًا بِأَنْ قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ بَعْدَهُ أَوْ كَأَنْ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّ خِيَارَ الْمُوَكِّلِ لَا يَسْقُطُ بِهِ فَكَذَا ضَمِنَا بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالْقَبْضِ وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِيهِ وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَنَاقِصٌ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ مَسْتُورًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا فَخِيَارُهُ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ حَتَّى يَرَاهُ وَلَا تَتِمُّ الصَّفْقَةُ مَعَ بَقَاءِ الْخِيَارِ فَكَانَ نَاقِصًا وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُهُ بِنَوْعَيْهِ فَكَذَا الْوَكِيلُ لِإِطْلَاقِ التَّوْكِيلِ وَإِذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالْقَبْضُ يَتَضَمَّنُ السُّقُوطَ لِكَوْنِهِ كَامِلًا ضَرُورَةً فَإِذَا انْفَصَلَ السُّقُوطُ عَنْ الْقَبْضِ بِأَنْ كَانَ بَعْدَهُ قَصْدًا أَوْ قَبْلَهُ بِالرُّؤْيَةِ لَا يَمْلِكُهُ إذْ لَمْ يُوَكِّلْهُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ فَلَا يَتَنَوَّعُ الْقَبْضُ مَعَهُ وَبِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقَبْضُ التَّامُّ فَكَذَا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ وَبِخِلَافِ الرَّسُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا إلَيْهِ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ وَالتَّسْلِيمَ إذَا كَانَ رَسُولًا فِي الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِرْسَالِ أَنْ يَقُولَ فِي التَّوْكِيلِ كُنْ وَكِيلِي فِي الْقَبْضِ وَفِي الْإِرْسَالِ كُنْ رَسُولِي فِيهِ أَوْ أَمَرْتُك بِقَبْضِهِ، وَبِقَوْلِهِ وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ اُحْتُرِزَ عَنْ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَإِنَّ نَظَرَهُ بِالْإِجْمَاعِ كَنَظَرِ الْمُوَكِّلِ فَقَيَّدَهُ بِالْقَبْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الرَّسُولَ بِهِ؛ لِأَنَّ نَظَرَهُ لَا يَكُونُ كَنَظَرِ الْمُرْسِلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الرَّسُولُ بِالْقَبْضِ أَوْ بِالشِّرَاءِ.
قَالَ (وَصَحَّ عَقْدُ الْأَعْمَى وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ إذَا اشْتَرَى بِجَسِّ الْمَبِيعِ وَشَمِّهِ وَذَوْقِهِ وَفِي الْعَقَارِ بِوَصْفِهِ) أَمَّا صِحَّةُ عَقْدِهِ فَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ فَصَارَ كَالْبَصِيرِ، وَأَمَّا سُقُوطُ خِيَارِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تُفِيدُ الْعِلْمَ لِمَنْ اسْتَعْمَلَهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي الْبَصِيرِ وَقَوْلُهُ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِجَسِّ الْمَبِيعِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ الْجَسُّ مِنْهُ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَأَمَّا إذَا اشْتَرَى قَبْلَ أَنْ يَجُسَّ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ بَلْ يَثْبُتُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِمَا رَوَيْنَا وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الصَّحِيحِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاكْتَفَى بِالْوَصْفِ فِي الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِهِ وَالْوَصْفُ قَدْ يَقُومُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَصِيرِ كَمَا فِي السَّلَمِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيهِ بَعْدَ مَا وُصِفَ لَهُ فَكَذَا فِي حَقِّهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لَا يَصْلُحُ وَلَا أَقْدِرُ عَلَى الرَّدِّ، وَقَالَ الْبَائِعُ أَخَافُ إنْ قَلَعْته لَا تَرْضَى بِهِ قَالَ مَنْ تَطَوَّعَ بِالْقَلْعِ جَازَ وَإِنْ تَشَاحَّا عَلَى ذَلِكَ فَسَخَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْإِجْبَارُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) أَيْ حَتَّى يَصُبَّهُ فِي كَفِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ الدُّهْنَ حَقِيقَةً لِوُجُودِ الْحَائِلِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَبْطُلُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الزُّجَاجَ لَا يُخْفِي صُورَةَ الدُّهْنِ وَرَوَى هِشَامٌ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَنَظَرُ وَكِيلِهِ بِالْقَبْضِ كَنَظَرِهِ) أَيْ إذَا قَبَضَهُ الْوَكِيلُ نَاظِرًا إلَيْهِ مَكْشُوفًا اهـ (قَوْلُهُ: وَصَارَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ وَالشَّرْطِ) أَيْ بِأَنْ اشْتَرَى مَعِيبًا لَمْ يَرَ عَيْبَهُ ثُمَّ وَكَّلَ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ وَهُوَ يَرَى عَيْبَهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْعَيْبِ لِلْمُوَكِّلِ، وَكَذَا إذَا وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ مَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَقَبَضَهُ الْوَكِيلُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الشَّرْطِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: بِأَنْ قَبَضَهُ) أَيْ الْوَكِيلُ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَسْتُورًا) أَيْ ثُمَّ رَآهُ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَالْقَبْضُ عَلَى نَوْعَيْنِ قَبْضٌ تَامٌّ وَهُوَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَهُوَ يَرَاهُ)، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا قَبْضًا تَامًّا؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ يَبْطُلُ بِهَذَا الْقَبْضِ وَبَقِيَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ يَمْنَعُ تَمَامَ الْعَقْدِ فَلَمَّا بَطَلَ بِهَذَا الْقَبْضِ مِنْ الْمُشْتَرِي كَانَ هَذَا الْقَبْضُ تَامًّا. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ إلَخْ) وَنُقِضَ بِمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَقُمْ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فِيهِمَا إحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ رَأَى قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَسْقُطْ بِرُؤْيَتِهِ الْخِيَارُ وَالْمُوَكِّلُ لَوْ رَأَى وَلَمْ يَقْبِضْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ وَالثَّانِيَةُ لَوْ قَبَضَهُ الْمُوَكِّلُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ بَطَلَ وَالْوَكِيلُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ إنَّمَا يَثْبُتُ ضِمْنًا لِتَمَامِ قَبْضِهِ بِسَبَبِ وِلَايَتِهِ بِالْوَكَالَةِ وَلَيْسَ هَذَا ثَابِتًا فِي مُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَنَقُولُ بَلْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لِلْمُوَكِّلِ وَهُوَ سُقُوطُ خِيَارِهِ إذَا رَآهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ مُجَرَّدَ مُضِيِّ مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْفَسْخِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ يُسْقِطُ الْخِيَارَ وَلَيْسَ هُوَ بِالصَّحِيحِ وَبِعَيْنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقَعُ الْفَرْقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ضِمْنًا لِلْقَبْضِ الصَّحِيحِ بَلْ ثَبَتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ) أَيْ بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَقَطَ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَصَارَ كَالْبَصِيرِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يُمْكِنُ جَسُّهُ وَذَوْقُهُ وَشَمُّهُ يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِسُقُوطِ خِيَارِهِ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْوَصْفِ لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ نَظَرِ الْبَصِيرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْصَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ الشَّيْءِ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ مَعَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ الْكَامِلَ فِي حَقِّهِ يَثْبُتُ بِهَذَا فَأَمَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ جَسُّهُ كَالثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ الشَّجَرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَصْفُ لَا غَيْرُ، فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَكَذَا فِي حَقِّهِ) أَيْ فَإِذَا رَضِيَ الْأَعْمَى بِالْوَصْفِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الْبَصِيرِ اهـ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان إلَخْ فِي جَامِعِ الْعَتَّابِيِّ هُوَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ ثُمَّ يَذْكُرُ لَهُ صِفَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ إيقَافَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْوَصْفِ وَسُقُوطُ الْخِيَارِ بِهِ فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَصْفِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ قَدْ أُقِيمَ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَمِمَّنْ أَنْكَرَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اشْتَرَطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُوقَفَ فِي مَكَان لَوْ كَانَ بَصِيرًا لَرَآهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ يَقُومُ مَقَامَ الْحَقِيقَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ كَتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ أُقِيمَ مَقَامَ الْقِرَاءَةِ فِي حَقِّ الْأَخْرَسِ فِي الصَّلَاةِ وَإِجْرَاءِ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ، وَقَالَ الْحَسَنُ يُوَكِّلُ وَكِيلًا بِقَبْضِهِ لَهُ وَهُوَ يَرَاهُ وَهُوَ أَشْبَهُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْوَكِيلِ بِهِ كَرُؤْيَةِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ بَلْخٍ يُشْتَرَطُ مَسُّ الْحِيطَانِ وَالْأَشْجَارِ مَعَ الْوَصْفِ، وَإِنْ أَبْصَرَ بَعْدَ الْوَصْفِ وَبَعْدَمَا وُجِدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ تَمَّ بِهِ وَانْبَرَمَ فَلَا يُنْتَقَضُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُمَا وَلِأَنَّ خِيَارَهُ قَدْ سَقَطَ بِهِ فَلَا يَعُودُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرُ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ لِوُجُودِ الْعَجْزِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ.
قَالَ (وَمَنْ رَأَى أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَاشْتَرَاهُمَا ثُمَّ رَأَى الْآخَرَ لَهُ رَدُّهُمَا)؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ أَحَدِهِمَا لَا تُغْنِي عَنْ رُؤْيَةِ الْآخَرِ لِلتَّفَاوُتِ فَبَقِيَ خِيَارُهُ فِيمَا لَمْ يَرَهُ فَيَجُوزُ رَدُّهُمَا لِمَا رَوَيْنَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ «لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ» فَيَرُدَّهُمَا جَمِيعًا ضَرُورَةً وَلَا يُقَالُ خِيَارُهُ ثَبَتَ بِالنَّصِّ فِيمَا لَمْ يَرَهُ وَفِي مَنْعِ الْفَسْخِ فِيهِ وَحْدَهُ إبْطَالٌ لَهُ فَكَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: نَحْنُ لَا نَمْنَعُ خِيَارَ الْفَسْخِ فِيهِ، وَإِنَّمَا نَقُولُ إذَا اخْتَارَ الْفَسْخَ فُسِخَ فِيهِ وَفِي الْآخَرِ احْتِرَازًا عَنْ التَّفْرِيقِ فَكَانَ فِيهِ عَمَلًا بِمُوجِبِهِ وَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَرَهُ يَرُدُّهُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي رَآهُ بِالثَّانِي لِمَا أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَهَذَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَلَا يَكُونُ فَسْخًا لِخَلَلٍ فِي الرِّضَا بِالْعَقْدِ وَهُوَ الصَّفْقَةُ كَمَا لَا تَتِمُّ بِالْإِيجَابِ وَحْدَهُ لِعَدَمِ رِضَا الْآخَرِ بِالصَّفْقَةِ، وَكَذَا لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ تَامٍّ قَبْلَ الْقَبْضِ إذْ لَا يُفِيدُ مِلْكَ التَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ فِي الْقَبْضِ كَمَا لَا يُفَرِّقُ فِي الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وُقُوفُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ عِلْمًا. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِ الْمُحْرِمِ) أَيْ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ. اهـ. فَتْحٌ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِجْرَاءُ الْمُوسَى إلَخْ مَا نَصُّهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْوَصْفِ فَإِنَّ الْقَائِمَ مَقَامَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَتِهِ وَقَدْ ثَبَتَ شَرْعًا اعْتِبَارُهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي السَّلَمِ وَوُجُوبُ إجْرَاءِ الْمُوسَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَكَذَا التَّحْرِيكُ غَيْرُ لَازِمٍ لِلْأُمِّيِّ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ اشْتَرَى الْبَصِيرَ ثُمَّ عَمِيَ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ انْتَقَلَ إلَى الْوَصْفِ) أَيْ كَأَنَّهُ كَانَ أَعْمَى عِنْدَ الْعَقْدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ) أَيْ كَيْ لَا يَكُونَ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضَاءٍ وَيَكُونُ فَسْخًا مِنْ الْأَصْلِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الرِّضَا قَبْلَهُ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِصِفَاتِ الْمَبِيعِ وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ وَالرِّضَا فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا لَا يُرَدُّ الْبَاقِي وَهُنَا وَفِي خِيَارِ الشَّرْطِ يُرَدُّ الْآخَرُ إذَا رُدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ رَدَّ أَحَدِهِمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يُوجِبُ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ لِمَا عُلِمَ أَنَّ الصَّفْقَةَ لَا تَتِمُّ مَعَهُمَا وَفِي الِاسْتِحْقَاقِ لَوْ رُدَّ كَانَ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَتِمُّ فِيمَا كَانَ مِلْكُ الْبَائِعِ ظَاهِرًا فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْبَاقِي عَيْبُ الشَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَبْدًا وَاحِدًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ أَيْضًا كَمَا فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ الْمُجْتَمِعَةِ عَيْبٌ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الْعَيْبِ فِي فَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ. فَتْحٌ.
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: ثُمَّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ مَا لَمْ يَرَهُ إذَا رَآهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ بَلْ يَرُدَّهُمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَهَذَا لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ مَقْبُوضًا أَوْ غَيْرَ مَقْبُوضٍ، وَلِهَذَا يَرُدُّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ فَوَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ الْقَبْضِ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بَلْ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ بِالْقَبْضِ فَلَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ بِرَدِّ أَحَدِهِمَا فَلَوْ وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَحْدَهُ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَعْنَى فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لُزُومُ الضَّرَرِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ تَرْوِيجُ أَحَدِهِمَا بِدُونِ الْآخَرِ بِجَوْدَةِ أَحَدِهِمَا وَرَدَاءَةِ الْآخَرِ وَفِي مَنْعِ الْمُشْتَرِي عَنْ الرَّدِّ أَيْضًا ضَرَرٌ إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْبَيْعِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ مَالِيٌّ وَضَرَرُ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِمَالِيٍّ بَلْ هُوَ بُطْلَانُ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ مَتَى أَلْزَمْنَاهُ رَدَّ كِلَيْهِمَا وَبَعْدَ الْقَبْضِ ضَرَرُ الْمُشْتَرِي أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ بِرَدِّ الْكُلِّ يَبْطُلُ حَقُّهُ عَنْ الْيَدِ وَالرَّقَبَةِ.
وَضَرَرُ الْبَيْعِ مَوْهُومٌ فَرُبَّمَا يُمْكِنُهُ بَيْعُ الْمَعِيبِ بِثَمَنٍ جَيِّدٍ فَيُدْفَعُ أَعْلَى الضَّرَرَيْنِ بِأَدْنَاهُمَا ثُمَّ بَعْدَ الْقَبْضِ إذَا وَجَدَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا لَا يَكُونُ لَهُ رَدُّهُمَا إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرَّدِّ وُجِدَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَفِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ مِنْ ضَرْبٍ وَاحِدٍ إذَا قُبِضَ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَيْسَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْخُذَهُ جَمِيعًا أَوْ يَرُدَّهُ جَمِيعًا، كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ ثَابِتَةٌ لِلْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بِاعْتِبَارِ الْجَمِيعِ فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْحَبَّةِ وَأَمْثَالِهَا فَصَارَ الْكُلُّ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ حُكْمًا فِي حَقِّ الرَّدِّ، وَلِهَذَا جَعَلَ رُؤْيَةَ الْبَعْضِ رُؤْيَةَ الْبَاقِي كَمَا فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَفِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ فِي الشَّامِلِ فِي قِسْمِ الْمَبْسُوطِ اسْتَحَقَّ أَحَدَ الْمُخْتَلِفَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا خِيَارَ لَهُ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الْآخَرِ لَا حَقِيقَةً وَلَا اعْتِبَارًا وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهُ لَهُ الْخِيَارُ لِوُجُودِ النُّقْصَانِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِالتَّهَايُؤِ وَإِنْ كَانَ قَبَضَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يَقْبِضْ الْآخَرَ ثُمَّ اسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا لَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَكِيلِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهِ وَلَوْ اسْتَحَقَّ قَبْلَ الْقَبْضِ يُخَيَّرُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ كَذَا فِي الشَّامِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي رَآهُ بِالثَّانِي) أَيْ بِالْحَدِيثِ الثَّانِي وَهُوَ «نَهْيُهُ عليه الصلاة والسلام عَنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ» اهـ
الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّهُمَا قَدْ رَضِيَا بِالْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا فَلَزِمَ وَتَمَّ، وَلِهَذَا أَفَادَ الْعَقْدُ فِيهِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَالتَّصَرُّفَ وَلَوْ كَانَ فِي رِضَاهُمَا خَلَلٌ لَمَا أَفَادَ يُحَقِّقُهُ أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ ثَبَتَ لِفَوَاتِ بَعْضِ أَوْصَافِ الْمَبِيعِ وَفَوَاتُ بَعْضِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بَعْدَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْلِكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَهَذَا أَوْلَى فَالتَّفْرِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ فِي الْفَسْخِ إذْ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ تَمَامِهِ إلَّا الْفَسْخُ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ بَلْ يَنْفَسِخُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي وَلَوْ كَانَ يَمْنَعُ التَّمَامَ لَمَلَكَهُ كَمَا فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَصَارَ نَظِيرُ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ كَمَا صَارَا نَظِيرَيْهِ فِيهِ أَيْ نَظِيرَيْ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ فِيهِ.
قَالَ (وَلَا يُورَثُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ) أَيْ لَا يُورَثُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ كَمَا لَا يُورَثُ خِيَارُ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ لِلْعَاقِدِ وَالْوَارِثُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ وَلِأَنَّ الْخِيَارَ وَصْفٌ لَهُ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ (وَمَنْ اشْتَرَى مَا رَأَى خُيِّرَ إنْ تَغَيَّرَ وَإِلَّا لَا) أَيْ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يُخَيَّرُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَبِيعِ حَصَلَ بِالرُّؤْيَةِ الْأُولَى وَقَدْ رَضِيَ بِهِ مَا دَامَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ لِعَدَمِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِدُونِ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِهِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ إذَا وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الرُّؤْيَةَ لَمْ تَقَعْ مُعَلِّمَةً لَهُ بِأَوْصَافِ الْمَبِيعِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ.
قَالَ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّغَيُّرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لَهُ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَكَذَا سَبَبُ اللُّزُومِ قَدْ ظَهَرَ فَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ التَّغَيُّرَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَارِيَةَ الشَّابَّةَ تَكُونُ عَجُوزًا بِطُولِ الْمُدَّةِ قَالَ (وَلِلْمُشْتَرِي لَوْ فِي الرُّؤْيَةِ) أَيْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الرُّؤْيَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا أَمْرٌ حَادِثٌ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
قَالَ (وَلَوْ اشْتَرَى عَدْلًا وَبَاعَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ وَهَبَ رَدَّهُ بِعَيْبٍ لَا بِخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ شَرْطٍ)؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَدْ تَعَذَّرَ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَاقِيَ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي خِيَارِ الْعَيْبِ يَمْلِكُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَفِيهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ فَهُوَ عَلَى خِيَارِ الرُّؤْيَةِ لِارْتِفَاعِ الْمَانِعِ مِنْ الرَّدِّ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَعُودُ؛ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ فَصَارَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَلِهَذَا أَفَادَ الْعَقْدَ) هَذَا لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ مَعَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَمَا صَارَا نَظِيرَيْهِ فِيهِ) أَيْ نَظِيرَيْ الْقَبُولِ فِي الِانْفِرَادِ بِهِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَا يُخَيَّرُ) أَيْ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ فِي شِرَاءِ مَا لَمْ يَرَهُ إنَّمَا ثَبَتَ لِلْجَهْلِ بِصِفَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى مَا رَآهُ مِنْ الصِّفَةِ يُحَقِّقُ الْعِلْمَ بِصِفَاتِهِ بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ فَانْتَفَى الْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ الْخِيَارُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ كَانَ رَآهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ كَأَنْ رَأَى جَارِيَةً ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً مُتَنَقِّبَةً لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَ رَآهَا ثُمَّ ظَهَرَتْ إيَّاهَا فَإِنَّ لَهُ الْخِيَارَ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالرِّضَا أَوْ رَأَى ثَوْبًا فَلُفَّ فِي ثَوْبٍ وَبِيعَ فَاشْتَرَاهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَلِكَ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ فَنَقُولُ إنْ كَانَ لَا يَتَفَاوَتُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ وَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ غَالِبًا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي كَمَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي إذَا نَظَرَ إلَى مَمْلُوكٍ أَوْ دَابَّةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ الَّذِي رَأَيْته عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْبَائِعِ الْيَمِينُ وَلَمْ يُصَدَّقْ الْمُشْتَرِي فِي قَلِيلِ الْمُدَّةِ وَاعْتُبِرَ الشَّهْرُ قَلِيلًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ فِي مُدَّةِ الشَّهْرِ غَالِبًا اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا إذَا بَعُدَتْ الْمُدَّةُ مَا نَصُّهُ بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّرَ.
(قَوْلُهُ: فَيَكُونُ الْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ) أَيْ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَيْسَ هَذَا الَّذِي بِعْتُكَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ هُوَ هُوَ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْعٍ بَاتٍّ أَوْ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ أَوْ الرُّؤْيَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْغَالِبُ فِي الْبِيَاعَاتِ كَوْنُ الْمُشْتَرِي يَرَى الْمَبِيعَ فَدَعْوَى الْبَائِعِ رُؤْيَةَ الْمُشْتَرِي تَمَسُّكٌ بِالظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ لَا لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إلَّا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ لِلْبَائِعِ فِي الرُّؤْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: أَوْ وُهِبَ رَدَّهُ) أَيْ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ اهـ.
(قَوْلُهُ:؛ لِأَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ تَمَامَ الصَّفْقَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ لِعَدَمِ تَكَامُلِ الرِّضَا فَلَوْ جَازَ رَدُّ الْبَاقِي يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي خِيَارِ الْقَبُولِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْت بَعْضَهُ دُونَ بَعْضٍ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ التَّفْرِيقُ فِي خِيَارِ الْقَبُولِ لَمْ يَجُزْ فِي خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجِبُ بِمُقَابِلِهِ عَرْضٌ مَالِيٌّ حَتَّى إذَا بَطَلَ بَطَلَ لَا إلَى بَدَلٍ، وَأَمَّا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ ثَوْبًا دُونَ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَهِيَ تَتِمُّ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى السَّلِيمِ وَالظَّاهِرُ وَالسَّلَامَةُ فَوُجِدَ الرِّضَا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَتَمَامُ الصَّفْقَةِ لِتَمَامِ الرِّضَا وَالتَّفْرِيقِ بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ جَائِزٌ، ثُمَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ إنْ شَاءَ لِغَرَرٍ مِنْ الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ أَيْ عَادَ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَرَهُ ثُمَّ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ بِسَبَبٍ هُوَ فَسْخٌ بِأَنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءٍ فِي الْبَيْعِ وَبِقَضَاءٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فِي الْهِبَةِ، وَكَذَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ بِخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ فَسْخُ مَا نَصُّهُ أَيْ مَحْضٌ كَالرَّدِّ بِخِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَوْ الشَّرْطِ أَوْ الْعَيْبِ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: كَذَا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيِّ صَاحِبُ التَّصَانِيفِ الْكَثِيرَةِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَةٍ سَنَةَ تُوُفِّيَ