المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب الوكالة بالبيع والشراء] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٤

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْبُيُوعِ)

- ‌[فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ]

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ)

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌(فَصْلٌ) (قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[بَابُ التَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ

- ‌[وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الرِّبَا]

- ‌ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌[بَيْع الْخَبَز بالبر أَوْ الدَّقِيق متفاضلا]

- ‌لَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ)

- ‌بَابُ الْحُقُوقِ

- ‌[لَا ربا بَيْن الْحَرْبِيّ والمسلم فِي دَار الْحَرْب]

- ‌[الظُّلَّةُ هَلْ تدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ]

- ‌بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌(مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ

- ‌[قَالَ عَبْد لمشتر اشتريني فَأَنَا حُرّ فاشتراه فَإِذَا هُوَ عَبْد]

- ‌ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ

- ‌[ادَّعَى حقا مَجْهُولًا فِي دَار فصولح عَلَى مَاله]

- ‌ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ

- ‌[أرش الْعَبْد إذَا قَطَعَتْ يَده عِنْد الْمُشْتَرِي]

- ‌ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌[مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز]

- ‌[ بَيَان شَرْط السَّلَم]

- ‌[السَّلَم والاستصناع فِي الْخَفّ والطست والقمقم]

- ‌(بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ)

- ‌[حُكْم بَيْع الْكَلْب]

- ‌ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ

- ‌[أفرخ طير أَوْ باض فِي أَرْض رَجُل]

- ‌(مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ

- ‌مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[ الْكِفَالَة بِالنَّفْسِ وَإِنَّ تَعَدَّدَتْ]

- ‌[ تَبْطُلُ الْكِفَالَة بموت الْمَطْلُوب والكفيل]

- ‌ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، أَوْ الْقِصَاصِ

- ‌[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌{بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ}

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ)

- ‌[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ

- ‌[الْقَضَاء عَلَى غَائِب]

- ‌[بَابُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ إقراض الْقَاضِي مَال الْيَتِيم]

- ‌(بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى)

- ‌ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ

- ‌يَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ)

- ‌ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ

- ‌[قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[شُرُوط الشُّهُود فِي الزِّنَا]

- ‌[مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء]

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ)

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌(بَابُ التَّحَالُفِ)

- ‌[فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ]

- ‌(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ)

- ‌(بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ)

الفصل: ‌[باب الوكالة بالبيع والشراء]

نَزْعِهِ مِنْهُ ثُمَّ رَدِّهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي لِوُصُولِ الثَّمَنِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إلَى الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْوَصِيِّ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ لَيْسَ لَهُ قَبْضُ مَالِهِ أَصْلًا فَلَا يَكُونُ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الْمَدِينِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهِ تَضْيِيعًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَمُتَصَرِّفٌ فِي مَالِهِ وَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ فِيهِ فَيَكُونُ قَبْضُهُ مُعْتَبَرًا وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ إذَا صَارَفَ وَقَبَضَ الْمُوَكِّلُ بَدَلَ الصَّرْفِ حَيْثُ يَبْطُلُ الصَّرْفُ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِهِ؛ لِأَنَّ جَوَازَ الصَّرْفِ مُعَلَّقٌ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَكَانَ الْقَبْضُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالْعَاقِدَيْنِ فَكَذَا الْقَبْضُ فِي الصَّرْفِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَإِنَّمَا جَازَ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي دَيْنٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ لِوُصُولِ الْحَقِّ إلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّقَاصِّ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ دُونَ دَيْنِ الْوَكِيلِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَكِيلِ فَقَطْ وَقَعَتْ الْمُقَاصَّةُ بِهِ وَيَضْمَنُ الْوَكِيلُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ بِمَالِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ حَيْثُ لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى الدَّيْنِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْوَكِيلِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مِنْ الثَّمَنِ فَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ إبْرَاؤُهُ فَكَذَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِهِ وَعِنْدَهُ لَا يَجُوزُ فَلَا تَقَعُ وَوَجْهُ الْبِنَاءِ أَنَّ الْمُقَاصَّةَ إبْرَاءٌ بِعِوَضٍ فَيُعْتَبَرُ بِالْإِبْرَاءِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ كَانَتْ الْمُقَاصَّةُ بِدَيْنِ الْمُوَكِّلِ أَوْلَى عِنْدَهُمَا كَمَا لَوْ أَبْرَآهُ مَعًا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْوَكِيلَ ضَمَانُهُ.

وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِلْكُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ وَإِبْرَاؤُهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ عَلَى خِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يَنْفُذُ كَمَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ وَهَبَهُ لِلْمُشْتَرِي وَدَلِيلُ الْخِلَافِ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا يَصِيرُ ضَامِنًا وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْقَبْضِ وَالْقَبْضَ خَالِصُ حَقِّ الْوَكِيلِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ هُوَ بِالْإِبْرَاءِ مُمْتَنِعًا عَنْ الْقَبْضِ مُسْقِطًا حَقَّ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ بِقَبْضِهِ يَتَعَيَّنُ مِلْكُ الْآمِرِ فِي الْمَقْبُوضِ، وَإِذَا انْسَدَّ عَلَيْهِ هَذَا الْبَابُ بِإِبْرَائِهِ صَارَ ضَامِنًا لَهُ بِمَنْزِلَةِ الرَّاهِنِ إذَا أَعْتَقَ الْمَرْهُونَ يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ وَيَضْمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ لِانْسِدَادِ بَابِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ بِالْإِعْتَاقِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إبْرَاءُ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ فِيمَا بَاعَاهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ

[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

(بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) الْأَصْلُ أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ وَلَا يُمْكِنُ دَرْكُهَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِلَّا فَلَا وَالْجَهَالَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ وَهِيَ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ فَتَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ سَوَاءٌ بُيِّنَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ جَهَالَةٌ يَسِيرَةٌ وَهِيَ مَا كَانَتْ فِي النَّوْعِ الْمَحْضِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ مَرْوِيٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ وَقَالَهُ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ» وَلِأَنَّ جَهَالَةَ النَّوْعِ لَا تُخِلُّ بِالْمَقْصُودِ وَيُمْكِنُ دَفْعُهَا بِصَرْفِ التَّوْكِيلِ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَوْ أَنَّ عَامِّيًّا وَكَّلَ رَجُلًا بِشِرَاءِ فَرَسٍ فَاشْتَرَى فَرَسًا يَصْلُحُ لِلْمُلُوكِ لَا يَلْزَمُهُ وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) (قَوْلُهُ: بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاء) كَذَا تَرْجَمَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ عَقِبَهُ فَصْلٌ فِي الشِّرَاءِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله قَدَّمَ بَابَ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى سَائِرِ الْأَبْوَابِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمِسَاسِ الْحَاجَةِ إلَى الْوَكَالَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَدَّمَ فَصْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُثْبِتٌ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْمَبِيعُ وَالْبَيْعُ مُزِيلٌ لَهُ وَالثُّبُوتُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَكَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ اهـ

(قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ الْأَصْلِ لِمُحَمَّدٍ وَإِذَا قَالَ لَهُ: اشْتَرِ لِي حِمَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بَغْلًا، فَإِنْ اشْتَرَى لَهُ شَيْئًا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ وَإِذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَإِنْ سَمَّى الثَّمَنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثِّيَابَ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ قَالَ: اشْتَرِ ثَوْبًا هَرَوِيًّا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ جَائِزٌ إذَا اشْتَرَاهُ بِمَا يُشْتَرَى مِثْلُهُ أَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ جِنْسٍ سَمَّاهُ مِنْ الثِّيَابِ، فَإِنْ سَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَزَادَ عَلَى ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ وَإِنْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ، فَإِنْ وَصَفَ لَهُ صِفَةً وَسَمَّى لَهُ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ تِلْكَ الصِّفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْآمِر. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ بِشْرٌ لَا تَجُوزُ) أَيْ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ تُمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِأَنَّهَا تَمْنَعُ الِامْتِثَالَ اهـ وَبِقَوْلِ بِشْرٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ اهـ كَيْ.

(قَوْلُهُ: «وَكَّلَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ بِشِرَاءِ شَاةٍ لِلْأُضْحِيَّةِ») وَجَعَلَ جَهَالَةَ النَّوْعِ عَفْوًا وَلِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ النَّوْعِ وَالنَّوْعِ يَسِيرٌ فَلَا يَمْنَعُ الِامْتِثَالَ لَكِنْ تَنْصَرِفُ الْوَكَالَةُ إلَى مَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُوَكِّلِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالثَّالِثَةُ جَهَالَةٌ بَيْنَ النَّوْعِ وَالْجِنْسِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ إنْ بَيَّنَ

ص: 258

الثَّمَنَ أَوْ النَّوْعَ بِأَنْ قَالَ عَبْدًا تُرْكِيًّا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ الثَّمَنِ يُعْلَمُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ يُرِيدُ وَبِبَيَانِ النَّوْعِ يُعْلَمُ ثَمَنُهُ فَتَبْقَى الْجَهَالَةُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسِيرَةً وَهِيَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجَهَالَةُ فِي الْجِنْسِ حَيْثُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَكَالَةِ وَإِنْ بُيِّنَ الثَّمَنُ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ يُوجَدُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ فَلَا يُفِيدُ الْمَعْرِفَةَ.

قَالَ رحمه الله (أَمَرَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ صَحَّ سَمَّى ثَمَنًا أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ الْجَهَالَةُ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ إلَّا فِي الصِّفَةِ وَهِيَ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِهِ إذْ اخْتِلَافُ الصِّفَةِ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ أَصْلِ الْمَقْصُودِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي مِثْلِهِ تَسْمِيَةُ الثَّمَنِ لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهُ بِبَيَانِ جِنْسِ الْمُثَمَّنِ يَصِيرُ مَعْلُومًا عَادَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ هَرَوِيٌّ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ وَلِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا الِاسْتِقْصَاءَ فِي الصِّفَةِ وَالْبَيَانِ فِي النَّوْعِ رُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْقِيَامِ بِذَلِكَ وَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَحُرِجُوا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا)؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَلَيْسَتْ بِفَاحِشَةٍ وَلَا يَسِيرَةٍ، فَإِذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ عُلِمَ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مَقْصُودُهُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ الْعَبِيدِ مَعْلُومٌ بَيْنَ النَّاسِ وَالْتَحَقَ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ بِذَلِكَ فَجَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ثَمَنَهُ الْتَحَقَ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ فَلَمْ تَجُزْ الْوَكَالَةُ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْعَمَلِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَبِاعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ النَّظَرِ وَالْجَمَالِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنَّ الْجَمَالَ مَنْفَعَةٌ مَطْلُوبَةٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَلِهَذَا جُعِلَ رُؤْيَةُ الْوَجْهِ مِنْ بَنِي آدَمَ كَرُؤْيَةِ الْكُلِّ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِالْمَقْصُودِ وَهُوَ الْجَمَالُ لِكَوْنِهِ مَجْمَعَ الْمَحَاسِنِ وَبِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ يَخْتَلِفُ التُّرْكِيُّ وَالْهِنْدِيُّ وَالسِّنْدِيُّ وَالْحَبَشِيُّ وَالتَّكْرُورِيُّ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ نَوْعَهُ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِمَقْصُودِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَتْ الْوَكَالَةُ بِهِ إذَا بَيَّنَ ثَمَنَهُ لِكَوْنِهِ مَعْلُومَ النَّوْعِ فَعِنْدَ التَّصْرِيحِ بِنَوْعِهِ أَوْلَى أَنْ تَجُوزَ.

قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَاءِ ثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ لَا وَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا) يَعْنِي لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ دَابَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ جَهَالَةٌ فِي الْجِنْسِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الِامْتِثَالِ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ نَوْعٍ يَشْتَرِيهِ الْوَكِيلُ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ الْجِنْسِ إلَّا وَيُمْكِنُ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي عَنَيْتُ خِلَافَهُ

وَالْأَمْرُ بِمَا لَا يُمْكِنُ الِامْتِثَالُ بِهِ بَاطِلٌ فَتَخَلَّصَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْجَهَالَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْجِنْسِ لَا تَجُوزُ الْوَكَالَةُ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي النَّوْعِ تَجُوزُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ مَا بَيْنَهُمَا بِأَنْ كَانَتْ أَنْوَاعًا، فَإِنْ ذُكِرَ الثَّمَنُ أَوْ النَّوْعُ جَازَتْ وَالْتَحَقَ بِالثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْتَحَقَ بِالْأَوَّلِ فَلَمْ تَجُزْ وَالْجِنْسُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَغَايِرَةٌ وَالنَّوْعُ اسْمٌ لِأَحَدِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمٍ فَوْقَهُ، وَقِيلَ: الْجِنْسُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالنَّوْعِ وَالنَّوْعُ اسْمٌ دَالٌّ عَلَى كَثِيرِينَ مُخْتَلِفِينَ بِالشَّخْصِ وَقِيلَ كُلُّ اسْمٍ مُنْتَظِمٍ أَشْيَاءَ نَوْعٌ بِاعْتِبَارِ مَا فَوْقَهُ جِنْسٌ بِاعْتِبَارِ مَا دُونَهُ، هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعُمُومِ بِأَنْ قَالَ: ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى رَأْيِهِ فَأَيُّ شَيْءٍ اشْتَرَاهُ لَهُ يَكُونُ مُمْتَثِلًا.

وَكَذَا لَوْ قَالَ اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ ثِيَابًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَشْيَاءَ أَوْ مَا شِئْتَ أَوْ مَا رَأَيْتَ أَوْ أَدْنَى شَيْءٍ حَضَرَك أَوْ مَا يُوجَدُ أَوْ مَا يَتَّفِقُ جَازَ؛ لِأَنَّ التَّعْمِيمَ دَلَالَةُ التَّفْوِيضِ إلَى رَأْيِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِأَلْفٍ أَوْ بِعْ جَازَتْ الْوَكَالَةُ وَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْأَلْفِ مِنْهُ وَيَصِيرُ الْبَائِعُ قَابِضًا لِلْآمِرِ أَوَّلًا بِحُكْمِ الْقَرْضِ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ: اجْعَلْهُ بِضَاعَةً لِي؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْبِضَاعَةِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي بِهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ عَامٌّ فَكَأَنَّهُ قَالَ اشْتَرِ لِي مَا بَدَا لَك أَوْ قَالَ سَلَّطْتُك عَلَى الشِّرَاءِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَذِنْتُ لَك أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: تُرْكِيًّا أَوْ هِنْدِيًّا أَوْ رُومِيًّا صَحَّتْ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ أَوْ الصِّفَةَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي أَكْثَرُ مِنْ اخْتِلَافِ سَائِرِ الْأَنْوَاعِ وَعَادَةُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ فَكَانَتْ بَيْنَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَكَذَا الدَّارُ مُلْحَقَةٌ بِالْجِنْسِ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْمَرَافِقِ وَكَثْرَتِهَا، فَإِنْ بَيَّنَ الثَّمَنَ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ النَّوْعِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أُلْحِقَتْ بِجَهَالَةِ الْجِنْسِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ قَالُوا فِي دِيَارِنَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ بَيَانِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلَّةِ وَبِمَا سُمِّيَ مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْتَرِ لِي حِنْطَةً لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْقُفْزَانِ أَوْ الثَّمَنَ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ تَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَمَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمِقْدَارَ أَوْ الثَّمَنَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَحُرِجُوا) حَرَجَ صَدْرُهُ ضَاقَ حَرَجًا مِنْ بَابِ لَبِسَ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً أَوْ عَبْدًا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْعَبِيدَ وَالْجَوَارِيَ مُخْتَلِفُونَ، فَإِنْ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا مُوَلَّدًا أَوْ حَبَشِيًّا أَوْ سِنْدِيًّا أَوْ سَمَّى جِنْسًا مِنْ الْأَجْنَاسِ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَيْضًا وَتَسْمِيَةُ الثَّمَنِ وَتَسْمِيَةُ الْجِنْسِ سَوَاءٌ. اهـ. غَايَةٌ.

ثُمَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرَ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَقَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ رَجُلٌ أَمَرَ آخَرَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً أَوْ ثَوْبًا أَوْ دَابَّةً أَوْ دَارًا وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ فَهُوَ مُشْتَرٍ لِنَفْسِهِ وَالْوَكَالَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِنْ سَمَّى ثَمَنَ الدَّارِ وَبَيَّنَ جِنْسَ الدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ جَازَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ جَازَ إنْ سَمَّى ثَمَنًا وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّمَنَ لَا يَجُوزُ وَهَذَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَبْدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ أَمَّا إذَا بَيَّنَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. (قَوْلُهُ بِأَنْ قَالَ ابْتَعْ لِي مَا رَأَيْتَ جَازَتْ الْوَكَالَةُ) أَيْ جَازَتْ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

ص: 259

لِمَا بَيَّنَّا

قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ يَقَعُ عَلَى الْبُرِّ وَدَقِيقِهِ) لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ يَنْصَرِفُ إلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ غَيْرَهُمَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَنَاوَلَ كُلَّ مَطْعُومٍ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ مَقْرُونًا بِالْبَيْعِ أَوْ بِالشِّرَاءِ يُرَادُ بِهِ الْبُرُّ عَادَةً وَدَقِيقُهُ وَلَا عُرْفَ فِيمَا إذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالْأَكْلِ فَبَقِيَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَيَحْنَثُ بِأَكْلِ أَيِّ طَعَامٍ كَانَ حَتَّى لَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي أَوْ لَا يَبِيعُ طَعَامًا لَا يَحْنَثُ إلَّا بِالْبُرِّ لِمَا ذَكَرْنَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ كَثِيرَةً فَعَلَى الْبُرِّ وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فَعَلَى الْخُبْزِ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَى الدَّقِيقِ وَالْفَارِقُ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ وَيُعْرَفُ بِالِاجْتِهَادِ حَتَّى إذَا عُرِفَ أَنَّهُ بِالْكَثِيرِ مِنْ الدَّرَاهِمِ يُرِيدُ بِهِ الْخَبَرَ بِأَنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلِيمَةٌ يَتَّخِذُهَا هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخُبْزَ لَهُ؛ لِأَنَّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَا يَشْتَرِيهِ لِلِادِّخَارِ وَهُوَ الْمُرَجِّحُ لِجَانِبِ الْحِنْطَةِ إذْ الْخُبْزُ لَا يَقْبَلُ الِادِّخَارَ وَكَذَا الدَّقِيقُ لَا يَقْبَلُهُ طَوِيلًا فَتَعَيَّنَ الْبُرُّ لِلِادِّخَارِ وَهُوَ فِي الْكَثِيرِ عَادَةً

وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ: الطَّعَامُ فِي عُرْفِنَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يُمْكِنُ أَكْلُهُ يَعْنِي الْمُهَيَّأَ لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْمَشْوِيِّ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رحمه الله وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: اشْتَرِ لِي طَعَامًا مَا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَكِيلًا وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مِقْدَارَهُ وَجَهَالَةُ الْقَدْرِ فِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ كَجَهَالَةِ الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَكِيلَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِ الْآمِرِ بِمَا سَمَّى لَهُ

قَالَ رحمه الله (وَلِلْوَكِيلِ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ مَا دَامَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ وَهِيَ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ فَيَسْتَبِدُّ بِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ لَا يَرُدُّهُ إلَّا بِأَمْرِهِ)؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي رَدِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إبْطَالَ مِلْكِهِ وَيَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِ رِضَاهُ وَلِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ نَائِبٌ فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى أَصَحِّ الْأَقْوَالِ فَكَانَ لَهُ جَانِبَانِ فَجَانِبُ النِّيَابَةِ يَمْنَعُهُ الرَّدَّ وَجَانِبُ الْأَصَالَةِ لَا يَمْنَعُهُ فَعَمَلُنَا بِجَانِبِ الْأَصَالَةِ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْمُوَكِّلِ وَبِجَانِبِ النِّيَابَةِ بَعْدَهُ، وَقَدْ أَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِمَا بِهَذَا الطَّرِيقِ وَلَوْ رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ جَازَ وَسَقَطَ حَقُّ الرَّدِّ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ فَعَنْ الْعَيْبِ أَوْلَى وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله فَعَامَّتُهُمْ صَحَّحُوا إبْرَاءَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ عَنْ الثَّمَنِ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ الثَّمَنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي أَمْلَأَ مِنْ الْوَكِيلِ، فَإِذَا بَرِئَ يَبْقَى دَيْنُهُ فِي ذِمَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ مُفْلِسٌ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْبِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ فِيهِ عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِالْعَيْبِ وَأَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ إذْ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ بِإِبْرَائِهِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً كَأَنَّ الْوَكِيلَ بَاعَهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ وَلِهَذَا يَحْبِسُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِسْقَاطُ حَقِّهِ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ سُقُوطُ حَقِّ مَنْ اشْتَرَى مِنْهُ

قَالَ رحمه الله (وَحَبَسَ الْمَبِيعَ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِشِرَاءِ طَعَامٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ دَفَعَ إلَى آخَرَ دَرَاهِمَ وَقَالَ اشْتَرِ لِي بِهَا طَعَامًا فَهُوَ عَلَى الْحِنْطَةِ وَدَقِيقِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الطَّعَامَ فِي عُرْفِهِمْ يَتَنَاوَلُ الْحِنْطَةَ وَدَقِيقَهَا إذَا ذُكِرَ مَقْرُونًا بِالشِّرَاءِ وَلِهَذَا يُسَمَّى عِنْدَهُمْ السُّوقُ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ الْحِنْطَةُ وَدَقِيقُهَا سُوقَ الطَّعَامِ، وَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ هَكَذَا تُرِكَ الْقِيَاسُ بِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَقْوَى مِنْ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ) هَذَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ حُكْمَ الْوَكَالَةِ قَدْ انْتَهَى بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ) وَلِهَذَا قَالَ إذَا سَلَّمَهُ إلَى الْمُوَكِّلِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يُطَالِبَ الْوَكِيلَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْوَكَالَةِ وَانْقَطَعَ حَقُّهُ كَذَلِكَ هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً وَدَفَعَهَا إلَى الْآمِرِ ثُمَّ عَلِمَ بِعَيْبٍ، فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّهَا إلَّا بِرِضَا الْآمِرِ، فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى الْآمِرِ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، فَإِنْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ أَوْ أَبْرَأ الْبَائِعَ عَنْ الْعَيْبِ وَقَدْ أَمَرَهُ الْآمِرُ بِرَدِّهَا صَحَّ رِضَاهُ وَإِبْرَاؤُهُ فِي حَقِّهِ دُونَ الْآمِرِ حَتَّى كَانَ لِلْآمِرِ أَنْ يَأْخُذَ الْجَارِيَةَ مَعَ الْعَيْبِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْمَأْمُورِ وَضَمَّنَهُ الثَّمَنَ قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ حُجَّةٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا أَبْرَأ الْمُشْتَرِيَ عَنْ الثَّمَنِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الثَّمَنِ صَحِيحًا ثَمَّةَ فِي حَقِّ الْآمِرِ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْبِ هَاهُنَا أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمِنْهُمْ أَيْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا بَلْ صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْبِ عِنْدَ الْكُلِّ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَعْدَهُ وَفَرَّقُوا لِأَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ: فَعَامَّتُهُمْ صَحَّحُوا إبْرَاءَهُ) أَيْ إبْرَاءَهُ عَنْ الْعَيْبِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذَا) أَيْ بَيْنَ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ عَنْ الْعَيْبِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبَيْنَ الْإِبْرَاءِ) أَيْ وَبَيْنَ إبْرَاءِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عَنْ الثَّمَنِ. اهـ. (قَوْلُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ)، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ الْآمِرُ شَيْئًا حَتَّى هَلَكَتْ فِي يَدِ الْمَأْمُورِ، فَإِنَّهَا تَهْلَكُ مِنْ مَالِ الْآمِرِ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِ الْمَالِكِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ وَلَمْ يُحْدِثْ مَنْعًا يَرْجِعُ الْآمِرُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الْآمِرَ يَشْتَرِي مِنْهُ حُكْمًا وَقَدْ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَعَجَزَ عَنْ رَدِّهَا بِمَوْتِهَا فِي يَدِهِ حُكْمًا، وَكَذَا إذَا لَمْ تَمُتْ لَكِنْ اعْوَرَّتْ فِي يَدِ الْوَكِيلِ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَيْهِ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ لِأَنَّ الِاعْوِرَارَ عَيْبٌ حَدَثَ فِي يَدِ الْآمِرِ حُكْمًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا يَحْبِسُ الْوَكِيلُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ إلَخْ)، وَإِذَا وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا اهـ.

ص: 260

أَيْ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى وَدَفَعَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ لِلْبَائِعِ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ قَدْ جَرَتْ بَيْنَهُمَا وَصَارَ الْوَكِيلُ كَالْبَائِعِ وَالْمُوَكِّلُ كَالْمُشْتَرِي مِنْهُ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا وَسَلَامَةُ الْمَبِيعِ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْوَكِيلِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ وَلِأَنَّ تَوْكِيلَهُ إيَّاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَيْهِ إذْنٌ مِنْهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَذِنَ صَرِيحًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ وَيَحْبِسُ عَنْهُ الْمَبِيعَ حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ لِتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ الْبَائِعِ وَقَوْلُهُ بِثَمَنٍ دَفَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَقَعَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَخَذَ حُكْمَهُ وَالْمُشْتَرِي لَا يُمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ ثَمَنَهُ كَمَا لَوْ كَانَ بَائِعًا لَهُ حَقِيقَةً يُحَقِّقُهُ أَنَّ حَبْسَ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ لَيْسَ لِأَجْلِ نَقْدِ الثَّمَنِ عَنْهُ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّهُ بَائِعٌ لَهُ حُكْمًا وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا إذَا نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَيْسَ لِلْوَكِيلِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فَتَقُومُ يَدُهُ مَقَامَ يَدِ الْمُوَكِّلِ وَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ وَلَا يَحْبِسُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَلَيْسَ لِلْأَمِينِ حَبْسُ الْأَمَانَةِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا. قُلْنَا: الْمُوَكِّلُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ بَاشَرَهُ الْوَكِيلُ بِبَدَلٍ اسْتَوْجَبَهُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْعِ فَيَحْبِسُهُ بِهِ كَمَا لَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ حَقِيقَةً وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً وَلِهَذَا يَرُدُّهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِعَيْبٍ وَيَجْرِي التَّحَالُفُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْبَيْعِ فَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ الْمُوَكِّلِ بَلْ قَبْضُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِإِحْيَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِتَتْمِيمِ مَقْصُودِ الْمُوَكِّلِ فَيَتَبَيَّنُ فِي الْآخِرَةِ بِحَبْسِهِ أَنَّ الْقَبْضَ كَانَ لَحِقَهُ وَبِعَدَمِ الْحَبْسِ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ وَقَبْلَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مَوْقُوفٌ فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلِأَنَّ هَذَا الْقَبْضَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقَبْضِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِيرُ الْمُوَكِّلُ بِهِ قَابِضًا وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَكُونُ عَفْوًا فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ إذْ فِي سُقُوطِهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ

قَالَ رحمه الله (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ)؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ عَامِلٌ لِلْمُوَكِّلِ فَيَصِيرُ قَابِضًا بِقَبْضِ الْوَكِيلِ حُكْمًا فَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ لَا يَكُونُ مُسْتَرِدًّا لَهُ، فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْآمِرِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَبَسَهُ عَنْهُ ثُمَّ هَلَكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرِدًّا بِالْحَبْسِ أَوْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ قَبَضَ لِنَفْسِهِ.

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ حَبْسِهِ فَهُوَ كَالْمَبِيعِ) يَعْنِي يَهْلَكُ بِالثَّمَنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله هُوَ كَالْغَصْبِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ فَبِالْحَبْسِ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا كَالْمُودَعِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ وَجَدَ الْمُوَكِّلُ بِهِ عَيْبًا يَرُدُّهُ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْمُوَكِّلِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ تَحَالَفَا) وَالتَّحَالُفُ مِنْ خَوَاصِّ الْمُبَادَلَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ الثَّمَنَ أَيْضًا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عَنْهُ) قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَكِيلَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ وَسَامَحَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ إلَيْهِ هَلْ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ عَنْ الْمَبِيعِ إلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ ثُمَّ قَالَ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لِلْوَكِيلِ لَيْسَ لِأَجْلِ مَا نَقَدَ بَلْ لِأَجْلِ بَيْعٍ حُكْمِيٍّ انْعَقَدَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ النَّقْدِ وَقَبْلَهُ قُلْت هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ مِنْ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الشِّرَاءِ فَقَالَ: وَإِذَا وَكَّلَ الرَّجُلُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ وَقَبَضَهُ وَطَلَبَ الْآمِرُ أَخْذَ الْعَبْدِ مِنْ الْوَكِيلِ وَأَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَدْفَعَ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَمْنَعَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ نَقَدَ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْ فَهُوَ سَوَاءٌ إلَى هُنَا لَفْظُهُ فِي الْأَصْلِ وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ فَحَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِمَوْتِهِ لَا يَحِلُّ عَلَى الْآمِرِ وَنَقَلَهُ عَنْ بَابِ الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ مِنْ وَكَالَةِ الْكَافِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَكُونُ قَبْضُهُ قَبْضَ الْمُوَكِّلِ)، وَإِذَا سَلَّمَهُ حَقِيقَةً سَقَطَ حَقُّ الْحَبْسِ فَكَذَا إذَا سَلَّمَهُ حُكْمًا وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ عِنْدَهُ كَالْمُودَعِ فَلَيْسَ لِلْأَمِينِ حَقُّ الْحَبْسِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُودِعِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ حَبْسِهِ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يَسْقُطْ الثَّمَنُ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِلْمُوَكِّلِ وَلَيْسَ عَلَى الْأَمِينِ شَيْءٌ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْعًا فَلَا يَضْمَنُهُ كَمَا إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِ الْمُودَعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: أَوْ تَبَيَّنَ بِهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ) أَيْ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ لَا لِلْمُوَكِّلِ، وَإِذَا وَقَعَ الْقَبْضُ لِلْوَكِيلِ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ مِنْهُ إلَى الْمُوَكِّلِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ: فَإِنْ حَبَسَهُ فَهَلَكَ كَانَ مَضْمُونًا ضَمَانَ الرَّهْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَضَمَانَ الْمَبِيعِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُخْتَلِفِ وَالْحَصْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ أَنْوَاعٌ مِنْهَا الرَّهْنُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ حَتَّى إذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ قَلَّ الثَّمَنُ أَوْ كَثُرَ وَالْمَغْصُوبُ وَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِالْقِيمَةِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالْمُشْتَرِي إذَا حَبَسَهُ الْوَكِيلُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ فَهَلَكَ فَفِيهِ خِلَافٌ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الثَّمَنِ كَالرَّهْنِ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الرَّهْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ كَالْمَبِيعِ يَهْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَالَ زُفَرُ: يَضْمَنُ ضَمَانَ الْغَصْبِ لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ لَيْسَ لَهُ حَقَّ الْحَبْسِ فَصَارَ بِالْحَبْسِ غَاصِبًا وَلَنَا أَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ انْتَقَلَ الْمِلْكُ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ ثُمَّ الْوَكِيلُ قَدْ عَيَّنَ حَقَّ الْمُوَكِّلِ فِي الْمُشْتَرِي حَيْثُ اشْتَرَاهُ لَهُ فَوَجَبَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا أَنْ يُعَيِّنَ حَقَّ

ص: 261

يَمْنَعُ الْوَدِيعَةَ عَنْ صَاحِبِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله: هُوَ كَالرَّهْنِ فَيَكُونُ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا بِالْحَبْسِ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ حَبَسَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَحْبِسْهُ يُحَقِّقُهُ أَنَّ حَبْسَهُ لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا بِهِ وَأَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ لَا يَنْفَسِخُ بِهَلَاكِهِ وَهَذَا حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْمَبِيعَ فِيهِ يَكُونُ مَحْبُوسًا مِنْ أَوَّلِ مَا يُوجَدُ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِهَلَاكِهِ وَلَهُمَا أَنَّ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةً حُكْمِيَّةً بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَكُونُ مُعْتَبَرًا بِالْمُبَادَلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بَلْ يَنْفَسِخُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَكَذَا لَوْ رَضِيَ الْوَكِيلُ بِالْعَيْبِ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ الْمُوَكِّلُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كَالرَّهْنِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي النِّصْفِ الشَّائِعِ، وَالْحَبْسُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَوْ اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ لَمَا ثَبَتَ كَمَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ. قُلْنَا: إنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ يَمْلِكَانِ الْمَبِيعَ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَمَا شُرِطَ فِيهِ يَلْزَمُهُمَا بِخِلَافِ الشَّفِيعِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَمَا شُرِطَ فِي الْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ مَشْرُوطًا فِي الثَّانِي

قَالَ رحمه الله: (وَتُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ دُونَ الْمُوَكِّلِ)؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهِمَا قَبْضُ الْعَاقِدِ وَالْعَاقِدُ هُوَ الْوَكِيلُ فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ، وَإِنْ كَانَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُقُوقُ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ وَتَسْلِيمَهُ صَحِيحٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ فَفِي حُكْمِ صِحَّةِ التَّقَابُضِ هُوَ كَوَكِيلٍ تَعَلَّقَ بِهِ حُقُوقُ الْعَقْدِ، فَإِذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ تَمَّ الْعَقْدُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَإِنْ فَارَقَهُ الْمُوَكِّلُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاقِدٍ بِخِلَافِ الرَّسُولِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الرِّسَالَةَ حَصَلَتْ فِي الْعَقْدِ لَا فِي الْقَبْضِ وَكَلَامُ الرَّسُولِ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُرْسِلِ فَيَكُونُ الْعَاقِدُ هُوَ الْمُرْسِلِ فَيَكُونُ قَبْضُ الرَّسُولِ قَبْضَ غَيْرِ الْعَاقِدِ فَلَا يَجُوزُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْمُوَكِّلَ صَارِفٌ بِنَفْسِهِ فَلَا تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ وَعَزَاهُ إلَى خُوَاهَرْزَادَهْ وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ فِي بَابِ الْبَيْعِ حَضَرَ الْمُوَكِّلُ الْعَقْدَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ بَعْدَهُ بِأَسْطُرٍ فَقَالَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَغَيْبَةُ الْمُوَكِّلِ لَا تَضُرُّ وَعَزَاهُ إلَى وَكَالَةِ الْمَبْسُوطِ وَإِطْلَاقُهُ وَإِطْلَاقُ سَائِرِ الْكُتُبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُفَارَقَةَ الْمُوَكِّلِ لَا تُعْتَبَرُ أَصْلًا، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا

وَفِي قَوْلِهِ تُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ الْوَكِيلِ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِمَا جَائِزٌ وَإِنَّمَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ فَجَازَ أَنْ يُوَكِّلَ بِهِ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْبِيَاعَاتِ وَالْإِجَارَاتِ، وَهَذَا فِي الصَّرْفِ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَأَمَّا فِي السَّلَمِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ بِدَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ فَقَطْ، وَأَمَّا بِأَخْذِهِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا قَبَضَ رَأْسَ الْمَالِ يَبْقَى الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ مَبِيعٌ وَرَأْسُ الْمَالِ ثَمَنُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْإِنْسَانُ مَالَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لِغَيْرِهِ كَمَا فِي بَيْعِ الْعَيْنِ وَإِذَا بَطَلَ التَّوْكِيلُ كَانَ الْوَكِيلُ عَاقِدًا لِنَفْسِهِ فَيَجِبُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فِي ذِمَّتِهِ وَرَأْسُ الْمَالِ مَمْلُوكٌ لَهُ وَإِذَا سَلَّمَهُ إلَى الْآمِرِ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ كَانَ قَرْضًا

قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَى عِشْرِينَ رِطْلًا بِدِرْهَمٍ مِمَّا يُبَاعُ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْمُوَكِّلَ مِنْهُ عَشْرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ الْعِشْرُونَ بِدِرْهَمٍ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ رحمه الله لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ وَجْهُ قَوْلِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْوَكِيلِ فِي الثَّمَنِ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَكَانَ حَبْسُهُ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بِحَقٍّ فَلَمْ يَكُنْ غَاصِبًا ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّهُ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الرَّهْنِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالثَّمَنِ سَقَطَ وَإِلَّا رَجَعَ بِالْفَضْلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَضْمُونٌ ضَمَانَ الْمَبِيعِ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ كُلُّ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ كَالْبَائِعِ وَجْهُ.

قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِبَائِعٍ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ يَحْبِسُ الْمُشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الرَّهْنُ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الرَّهْنَ هُوَ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ الشَّيْخُ قِوَامُ الدِّينِ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله ثُمَّ قَالَ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَثَلًا، وَقِيمَةُ الْمَبِيعِ عَشْرَةً فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالْفَضْلِ وَهُوَ الْخَمْسَةُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْغَضَبِ فِي عَكْسِ هَذَا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ عَشْرَةً فَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالْخَمْسَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَتَفَاوَتُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ أَصْلًا اهـ.

وَقَالَ الْكَاكِيُّ رحمه الله وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ عَشْرَةً مَثَلًا وَالثَّمَنُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِخَمْسَةٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ زُفَرَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَيْضًا وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّمَنُ عَشْرَةً فَعِنْدَ زُفَرَ يَرْجِعُ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ بِخَمْسَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِهِ) يَعْنِي لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا قَالَ زُفَرُ، وَإِنَّمَا صَارَ مَضْمُونًا بِالْحَبْسِ. اهـ. (قَوْلُهُ: قُلْنَا إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ قُبَيْلَهُ: إنَّ الْمُبَادَلَةَ الْحُكْمِيَّةَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَهُمَا مُعْتَبَرَةٌ بِالْحَقِيقَةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ إذًا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُمَا يَمْلِكَانِهِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَيَتِمُّ بِهِ الْفَرْقُ اهـ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَهَذَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ أَصِيلٌ) قُلْت هَذَا لَيْسَ بِمُشْكِلٍ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْهُ، فَإِذَا حَضَرَ الْأَصِيلُ فَلَا يُعْتَبَرُ النَّائِبُ اهـ ع

(قَوْلُهُ: وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي الْأَصْلِ) وَهَذَا لِأَنَّ مُحَمَّدًا اقَالَ فِي الْأَصْلِ فِي آخِرِ بَابِ الْوَكَالَة فِي الشِّرَاءِ، وَإِذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشْرَةَ أَرْطَالِ لَحْمٍ بِدِرْهَمٍ لَزِمَ الْآمِرَ مِنْهَا عَشَرَةٌ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَكَانَ لِلْمَأْمُورِ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَى هُنَا لَفْظُ الْأَصْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ كَمَا تَرَى وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -

ص: 262

أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ هَذَا خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَرْفُ الدِّرْهَمِ فِي عَشْرَةِ أَرْطَالٍ مِنْ اللَّحْمِ، وَقَدْ صَرَفَهُ فِيهِ مَعَ زِيَادَةِ خَيْرٍ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ كَمَا إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَا يُسَاوِي عِشْرِينَ رِطْلًا مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ حَيْثُ يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ تَنَاوَلَ لَحْمًا يُسَاوِي عَشْرَةَ أَرْطَالٍ مِنْهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمٍ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَشْرَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الزَّائِدَ فِيهِ بَدَلُ مِلْكِهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشْرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ ثَوْبَيْنِ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشْرَةٍ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ حَيْثُ لَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ إذْ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَكَذَا الْمُشْتَرِي لِلْمُوَكِّلِ مَجْهُولٌ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ مَوْزُونٌ مُقَدَّرٌ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ عَلَى أَجْزَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوَافِقًا بِمِثْلِهِ عِنْدَهُ كَمَا إذَا أَمَرَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا حَيْثُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ عِنْدَهُ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَ الشُّهُودُ بِمِثْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِلِاخْتِلَافِ؛ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ فِيهَا شَرْطٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا عَلَى الْوَكِيلِ، وَأَمَّا إذَا وَجَدَ فَيَنْفُذُ وَفِي ضِمْنِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْآمِرِ وَهَذَا لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْوَكِيلِ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا وَالْعَشَرَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْعِشْرِينَ فَبِنُفُوذِ الْعِشْرِينَ تَنْفُذُ الْعَشَرَةُ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ وَالشَّهَادَةِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُوَافَقَةُ شَرْطٌ فِيهِ

قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بَلْ لَوْ اشْتَرَاهُ يَنْوِي بِالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ أَوْ تَلَفَّظَ بِذَلِكَ يَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ فِيهِ عَزْلَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ عَزْلَ نَفْسِهِ، وَالْمُوَكِّلُ غَائِبٌ حَتَّى (لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) كَانَ الْمُشْتَرِي لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَ نَفْسَ الْعَبْدِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ مِنْ مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى حَيْثُ لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ فِيهِمَا لِلْآمِرِ مَعَ أَنَّهُ وَكِيلٌ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً حَيْثُ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الَّذِي أَتَى بِهِ الْوَكِيلُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ أَمْرِهِ؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْوَكَالَةِ نِكَاحٌ مُضَافٌ إلَى الْمُوَكِّلِ فَكَانَ مُخَالِفًا بِإِضَافَتِهِ إلَى نَفْسِهِ فَانْعَزَلَ، وَفِي الْوَكَالَةِ بِالشِّرَاءِ الدَّاخِلِ فِيهَا شِرَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْإِضَافَةِ إلَى أَحَدٍ فَكُلُّ شَيْءٍ أَتَى بِهِ لَا يَكُونُ مُخَالِفًا بِهِ إذْ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْمُطَلَّقَاتِ إلَّا ذَاتُهُ دُونَ صِفَاتِهِ فَيَتَنَاوَلُ الذَّاتَ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ فَيَكُونُ مُوَافِقًا بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ خَالَفَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْآمِرِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ قَدْرُهُ كَانَ مِثْلَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ قَرِيبٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ آخَرُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ كَانَ لِلْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ

قَالَ رحمه الله (فَلَوْ اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ النُّقُودِ أَوْ بِخِلَافِ مَا سُمِّيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ)؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ فَيَنْعَزِلُ فِي ضِمْنِ الْمُخَالَفَةِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ هَذَا الْوَكِيلُ رَجُلًا فَاشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ وَهُوَ غَائِبٌ كَانَ الْمِلْكُ لِلْوَكِيلِ الْأَوَّلِ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِحَضْرَتِهِ نَفَذَ عَلَى الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ حَضَرَهُ رَأْيُهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا وَلِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا يُمْكِنُ نَقْلُ كَلَامِهِ إلَيْهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ غَائِبًا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

« وَكَّلَ عُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً وَاشْتَرَى شَاتَيْنِ فَأَجَازَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ» وَلِأَنَّهُ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِصَرْفِ الدِّرْهَمِ فِي اللَّحْمِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ سِعْرَ اللَّحْمِ عَشَرَةٌ بِدِرْهَمٍ، فَإِذَا زَادَ فَقَدْ فَعَلَ خَيْرًا فَلَزِمَ الْآمِرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خَالَفَهُ إلَى شَرٍّ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ السَّمِينِ لَا الْمَهْزُولِ وَهَذَا مَهْزُولٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَيَنْفُذُ الزَّائِدُ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ عَلَى الْآمِرِ) وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا الزِّيَادَةُ الْقَلِيلَةُ كَعَشَرَةِ أَرْطَالٍ وَنِصْفِ رِطْلٍ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَمِيعَ الْآمِرُ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ حُصُولُ الزِّيَادَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ وَقَالَ: إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ ثَوْبًا هَرَوِيًّا بِعَشَرَةٍ فَاشْتَرَى لَهُ هَرَوِيَّيْنِ بِعَشَرَةٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَاوِي عَشَرَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنِّي لَا أَدْرِي أَيَّهُمَا أُعْطِيهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالْحَزْرِ وَالظَّنِّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْمُنْتَقَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ جَوَابِ إشْكَالُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ) الْفَرْضُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَشَرَةً فَكَيْفَ يُقَالُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ اهـ قَارِئُ الْهِدَايَةِ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ) وَهَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الثَّمَنَ أَمَّا إذَا عَيَّنَ فَخَالَفَ فَسَيَأْتِي اهـ (قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فِيهِ الْغَدْرُ بِالْمُسْلِمِ وَهُوَ حَرَامٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ يَشْتَرِيهِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُ مِنْهُ إخْرَاجُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فَسْخُ عَقْدٍ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عِلْمِ صَاحِبِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَزْلُهُ نَفْسَهُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَقَعُ شِرَاؤُهُ عَنْ الْمُوَكِّلِ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ لِنَفْسِهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَلَوْ اشْتَرَاهُ إلَخْ) قَالَ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ إنْ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا خَالَفَ فِي الثَّمَنِ لَا إلَى خَيْرٍ أَوْ إلَى جِنْسٍ غَيْرِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمُوَكِّلُ، وَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِالشِّرَاءِ فَاشْتَرَاهُ لَهُ صَحَّ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ بِخِلَافِ مَا سَمَّى لَهُ مِنْ الثَّمَنِ) كَمَا إذَا وَكَّلَهُ

ص: 263

وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَوْ أَعْتَقَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ وَإِنْ حَضَرَهُ رَأْيُهُ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَالرَّسُولِ فَلَا يَتَصَرَّفُ مِنْ عِنْدِهِ بِشَيْءٍ بَلْ يُبَلِّغُ الرِّسَالَةَ، فَإِذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ خَالَفَ فَلَا يَنْفُذُ، وَالْوَكِيلُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَصِيلٌ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَلِهَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ تَوْكِيلٍ مِنْهُ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ جَازَ وَفِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لَمْ يَجُزْ وَالنِّكَاحُ وَالْخُلَعُ وَالْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا ذَكَرْنَا

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ) أَيْ إنْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَى عَبْدًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ إلَّا إذَا قَالَ نَوَيْت الشِّرَاءَ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيَهُ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ إمَّا أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَوْ إلَى مُطْلَقٍ مِنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مُعَيَّنٍ كَانَ الْمُشْتَرَى لِصَاحِبِ ذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُضِيفُ الشِّرَاءَ إلَى مَالِ مَنْ يَشْتَرِيهِ لَهُ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةَ التَّعَيُّنِ مِنْ حَيْثُ سَلَامَةُ الْمَبِيعِ بِهِ وَتَعَيُّنُ قَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَلِهَذَا لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إذَا اشْتَرَى بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ وَدِينُهُ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى مَالِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنْكَرٌ شَرْعًا وَعَادَةً فَلَا يَرْتَكِبُهُ وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِيمَا إذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَى مَالِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُسْتَنْكَرٍ شَرْعًا وَعُرْفًا فَيَكُونُ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ ثُمَّ إذَا نَقَدَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى ثَمَنٍ مُطْلَقٍ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا.

فَإِنْ كَانَ حَالًّا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ عَلَى عَدَمِهَا أَوْ يَخْتَلِفَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَاتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا كَانَ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِاتِّفَاقِهِمَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَاتِّفَاقُهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى النَّقْدِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ وَلِلْمُوَكِّلِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ فَقَدْ تَعَيَّنَ وَيَكُونُ بِالنَّقْدِ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ غَاصِبًا فِيمَا إذَا نَوَاهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ يُحَكَّمُ النَّقْدُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ مِثْلُ دَلَالَةِ إضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا أَوْ يَجْرِيَ عَلَى عَوَائِدِهِ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله هُوَ لِلْعَاقِدِ؛ لِأَنَّ مَا يُطْلِقُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَصَارَ كَالْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ إذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يَنْوِ أَنَّهُ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحَكَّمُ النَّقْدُ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَحْتَمِلُ التَّقْيِيدَ فَبَقِيَ مَوْقُوفًا فَمِنْ أَيِّ الْمَالَيْنِ نَقَدَ فَقَدْ عَيَّنَ الْمُحْتَمَلَ بِهِ فَصَارَ كَحَالَةِ التَّكَاذُبِ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْحَجِّ، فَإِنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ وَهُوَ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يَنْوِيَ الْحَجَّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا، وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ فَالنِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِيهَا فَلَا يَصِيرُ بِتَرْكِهَا مُخَالِفًا فَيَبْقَى الْحُكْمُ مَوْقُوفًا عَلَى النَّقْدِ وَالتَّوْكِيلُ بِالْإِسْلَامِ فِي الطَّعَامِ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ حَتَّى يُحَكِّمَ أَوَّلًا الْإِضَافَةَ فَيَكُونُ الْمُسْلَمُ فِيهِ لِمَنْ أُضِيفَ عَقْدُ السَّلَمِ إلَى مَالِهِ ثُمَّ النِّيَّةُ فَيَكُونُ لِمَنْ نُوِيَ لَهُ بِالْعَقْدِ إنْ تَصَادَقَا عَلَى النِّيَّةِ.

وَإِنْ تَكَاذَبَا فَيُحَكَّمُ النَّقْدُ، وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ اهـ ابْنُ فِرِشْتَا (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْوَكِيلِ بِالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِعْتَاقِ، وَإِذَا وَكَّلَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ فَطَلَّقَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ أَعْتَقَ فَأَجَازَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ عِبَارَتُهُ فِي أَوَّلِ وَكَالَةِ الْعُيُونِ وَفِي مَسَائِلَ شَتَّى مِنْ النَّوَازِلِ وَكَذَا لَوْ وَكَّلَ الْوَكِيلُ رَجُلًا فَطَلَّقَ الثَّانِي لَا يَقَعُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَفَعَلَ الثَّانِي بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ أَوْ فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ ذَلِكَ فَبَلَغَ الْوَكِيلَ فَأَجَازَ ذَلِكَ يَجُوزُ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى

وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَكَالَةَ تَفْوِيضُ الْأَمْرِ إلَى الْغَيْرِ لِيَعْمَلَ فِيهِ بِرَأْيِهِ، فَإِذَا كَانَ الْوَكِيلُ الثَّانِي فَعَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ بِحَضْرَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وُجِدَ رَأْيُ الْأَوَّلِ وَكَذَا إذَا فَعَلَ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ حَقِيقَةُ الْوَكَالَةِ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْإِجَارَةِ وَلَا تَتَحَقَّقُ فِيمَا لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الرَّأْيِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِغَيْرِ مَالٍ فَكَانَ الْوَكِيلُ رَسُولًا يَنْقُلُ كَلَامَ الْمُوَكِّلِ، وَطَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ لَيْسَ بِطَلَاقِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَقَعْ نَقْلًا لِكَلَامِ الْمُوَكِّلِ، وَالْمُوَكِّلُ إنَّمَا وَكَّلَ بِنَقْلِ كَلَامِهِ فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُ الْوَكِيلِ الثَّانِي وَعَتَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ) قَالَ فِي التَّهْذِيبِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ إنَّمَا يَصِيرُ لِلْمُوَكِّلِ بِنِيَّةِ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ أَوْ بِصَرِيحِ ذِكْرِهِ أَوْ يَشْتَرِي بِمَالِهِ وَلَوْ اشْتَرَى بِغَيْرِ مَالِهِ فَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُوَكِّلِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ بِمَالِهِ أَنْ يُضِيفَ الْعَقْدَ إلَيْهِ) لَا الدَّفْعَ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى بِدَرَاهِمَ مُطْلَقَةٍ ثُمَّ نَقَدَ، فَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْمُوَكِّلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ نَقَدَ مِنْ دَرَاهِمِ الْوَكِيلِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ اهـ غَايَةٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إلَى مَالِ الْمُوَكِّلِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَنْ يَنْوِيَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ لِنَفْسِهِ أَوْ يُطْلِقَ فِي أَنَّ الْعَقْدَ يَقَعُ لِلْمُوَكِّلِ كَمَا يَأْتِي ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ آخِرَ هَذِهِ الصَّفْحَةِ فِي قَوْلِهِ فَيَكُونَ الْمُشْتَرَى لِمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ الثَّمَنَ، وَإِنْ نَوَى خِلَافَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ) فَقَالَ الْمُوَكِّلُ: اشْتَرَيْتَهُ لِي وَقَالَ الْوَكِيلُ اشْتَرَيْتُهُ لِنَفْسِي اهـ

ص: 264

وَمُحَمَّدٍ فِي الشِّرَاءِ فِيمَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْضُرْهُ بَلْ بِالْإِجْمَاعِ يَكُونُ لِلْعَاقِدِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي السَّلَمِ؛ لِأَنَّ لِلنَّقْدِ فِيهِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى وُقُوعِهِ لِمَنْ نُقِدَ مِنْ مَالِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ فَفَرَّقَ هَذَا الْقَائِلُ لِأَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْفَرْقِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فَهُوَ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ، فَإِذَا اشْتَرَى بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يُضَفْ الْعَقْدُ إلَى مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْوَكَالَةُ فَيَكُونُ مُخَالِفًا

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْت لِلْآمِرِ وَقَالَ الْآمِرُ لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فَلِلْمَأْمُورِ) مَعْنَاهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ الْمَأْمُورُ: اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ إنْ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ مَدْفُوعًا إلَى الْوَكِيلِ، وَإِنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ حَيًّا حِينَ أَخْبَرَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ أَوْ مَيِّتًا، فَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَ بِشِرَائِهِ وَالْعَبْدُ حَيٌّ قَائِمٌ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ إجْمَاعًا مَنْقُودًا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ غَيْرَ مَنْقُودٍ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَالْمُخْبَرُ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالثُّبُوتِ يُسْتَغْنَى عَنْ الْإِشْهَادِ فَيُصَدَّقُ كَقَوْلِهِ لِمُطَلَّقَتِهِ رَاجَعْتُك وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَكَذَّبَتْهُ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ وَبِهَذَا وَقَعَ التَّقَصِّي عَنْ الْوَلِيِّ إذَا أَقَرَّ عَلَى مَوْلِيَّتِهِ بِالنِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ شَرْعًا لِعَدَمِ الشُّهُودِ إذْ هُوَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشُهُودٍ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى إثْبَاتِهِ شَرْعًا بِدُونِ الْإِشْهَادِ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَيِّتًا حِينَ أَخْبَرَ فَقَالَ هَلَكَ عِنْدِي بَعْدَ الشِّرَاءِ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِإِنْشَاءِ الْعَقْدِ فِيهِ، وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.

وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَقَدْ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَإِنْ كَانَ حَيًّا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته لَك وَقَالَ الْآمِرُ لَا بَلْ اشْتَرَيْته لِنَفْسِك، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ فَصَحَّ كَمَا فِي الْمُعَيَّنِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تُهْمَةٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، فَإِذَا رَأَى الصَّفْقَةَ خَاسِرَةً أَلْزَمَهَا الْآمِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَنْقُودًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ وَفِي ضِمْنِهِ يَكُونُ الْعَبْدُ لِلْآمِرِ تَبَعًا وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: لِأَنَّ لِلنَّقْدِ فِيهِ أَثَرًا فِي تَنْفِيذِ الْعَقْدِ) حَتَّى إذَا لَمْ يَنْقُدْ رَأْسَ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ بَطَلَ السَّلَمُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: مَعْنَاهُ أَمَرَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفٍ مَثَلًا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْت لَك عَبْدًا) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ وَضْعَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله فِيمَا إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَعَلَى هَذَا، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ صَدَرَ وَالْعَبْدُ هَالِكٌ فَيَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا وَالْعَبْدُ حَيٌّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّمَنَ إلَخْ فَمِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِكَاتِبِهِ حَالَ الْمُطَالَعَةِ قَبْلَ الْمُرَاجَعَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ اهـ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ وَمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ دِرْهَمٍ فَقَالَ قَدْ فَعَلْت وَمَاتَ عِنْدِي وَقَالَ الْآمِرُ: اشْتَرَيْتَهُ لِنَفْسِك فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي بُيُوعِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ يَأْمُرُ الرَّجُلَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ الْمَأْمُورُ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ لَك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتُهُ فَمَاتَ وَقَالَ الْآمِرُ اشْتَرَيْتَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتَهُ وَمَاتَ عِنْدَك، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْته لِنَفْسِك قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ. إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهِيَ مِنْ الْخَوَاصِّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مَأْمُورًا بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَالثَّمَنُ غَيْرَ مَنْقُودٍ وَقَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْت وَقَبَضْت وَهَلَكَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ رحمه الله أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُوَ هَالِكٌ فَتَنَبَّهْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ إلَخْ) مُعَيَّنًا حَيًّا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُعَيَّنًا حَيًّا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُعَيَّنًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُعَيَّنًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (الْقَوْلُ لِلْآمِرِ) مُنْكِرًا حَيًّا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) مُنْكِرًا حَيًّا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (عِنْدَهُ لِلْآمِرِ وَعِنْدَهُمَا لِلْمَأْمُورِ) مُنْكِرًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ (الْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ مُنْكِرًا هَالِكًا وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَنْقُودٍ (الْقَوْلُ لِلْآمِرِ اتِّفَاقًا) لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ اسْتِئْنَافَهُ وَغَرَضُهُ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ وَالْآمِرُ مُنْكِرٌ اهـ

(قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ) وَكَذَا وَكِيلُ الزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ وَمَوْلَى الْعَبْدِ إذَا أَقَرَّ بِالنِّكَاحِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مُعَيَّنًا لِأَنَّهُ إلَخْ) بَقِيَ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّمَانِيَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ وَهُوَ هَالِكٌ وَالثَّمَنُ مَنْقُودٌ أَوْ غَيْرُ مَنْقُودٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا الشَّارِحُ رحمه الله لِأَنَّ حُكْمَهُمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ

ص: 265

حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ مَنْقُودًا فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَنْقُودٍ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ بِأَنْ كَانَ مَيِّتًا فَالْقَوْلُ لِلْآمِرِ، وَإِنْ كَانَ يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ عِنْدَهُمَا وَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ التُّهْمَةِ وَفِي مَوْضِعِ التُّهْمَةِ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ قَالَ: بِعْنِي هَذَا لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْآمِرُ أَخَذَهُ فُلَانٌ) أَيْ رَجُلٌ قَالَ الْآخَرُ بِعْنِي هَذَا الْعَبْدَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي أَشْتَرِيه لَهُ فَبَاعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ أَمَرَهُ فَقَالَ فُلَانٌ أَنَا أَمَرْتُهُ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْنِي لِفُلَانٍ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ الْوَكَالَةَ بَعْدَهُ صَارَ مُنَاقِضًا فَلَا يُسْمَعُ قَوْلُهُ فَيَكُونُ الْعَبْدُ لِلْمُوَكِّلِ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يَقُولَ لَمْ آمُرْهُ بِهِ) أَيْ إلَّا أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ الْمُشْتَرَى لَهُ لَمْ آمُرْهُ بِالشِّرَاءِ فَحِينَئِذٍ لَا يَأْخُذُهُ بَلْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُشْتَرِي ارْتَدَّ بِرَدِّهِ وَالْإِقْرَارُ مِمَّا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ فَيَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ إذَا وَجَدَ نَفَاذًا لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى فُلَانٍ الْمُشْتَرَى لَهُ فَيَكُونُ لَهُ بِالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ الْأَوَّلَ قَدْ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ وَصَارَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي، فَإِذَا سَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى فُلَانٍ الْمُشْتَرَى لَهُ وَأَخَذَهُ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ جَدِيدٌ بِالْمُعَاطَاةِ فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُشْتَرِيًا بِالتَّعَاطِي كَمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ حَتَّى لَزِمَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى الْمُشْتَرَى لَهُ وَدَلَّتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ يَكْفِي لِانْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالتَّعَاطِي فِي الْخَسِيسِ وَالنَّفِيسِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَقْدُ الثَّمَنِ لِلْعُرْفِ وَلِوُجُودِ التَّرَاضِي بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} [النساء: 29]

قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَاشْتَرَى لَهُ أَحَدَهُمَا صَحَّ)؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِثَمَنٍ مُقَدَّرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا يَجِيءُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَ لَهُ ثَمَنَهُمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ فَيَكُونُ شِرَاءُ أَحَدِهِمَا حِيلَةً لِتَحْصِيلِهِمَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِالنَّفَاذِ

قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَائِهِمَا بِأَلْفٍ وَقِيمَتِهِمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِهِ أَوْ أَقَلَّ صَحَّ وَبِالْأَكْثَرِ لَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ) أَيْ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَاشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِنِصْفِ الْأَلْفِ أَوْ أَقَلَّ جَازَ الشِّرَاءُ وَبِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ لَمْ يَجُزْ يَعْنِي لَمْ يَلْزَمْ الْآمِرَ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالْعَبْدَيْنِ وَقِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ فَيَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ دَلَالَةً فَيَكُونُ أَمْرًا بِشِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ ضَرُورَةً فَالشِّرَاءُ بِخَمْسِمِائَةٍ مُوَافَقَةٌ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا مُخَالَفَةٌ إلَى خَيْرٍ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى شَرٍّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ قَبْلَ أَنْ يَخْتَصِمَا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الْمُصَرَّحَ بِهِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ قَدْ حَصَلَ وَمَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ إلَّا دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ بِفَوْقِهَا فَلَا تُعْتَبَرُ مَعَهُ عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إنْ اشْتَرَى أَحَدَهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْأَلْفِ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْأَلْفِ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَصَلَ مُطْلَقًا بِلَا تَقْدِيرِ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الشِّرَاءُ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ وَلَكِنَّ غَرَضَهُ تَحْصِيلُ الْعَبْدَيْنِ بِالْأَلْفِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ قَدْرُ مَا يَشْتَرِي بِمِثْلِهِ الْبَاقِيَ لِيَحْصُلَ غَرَضُهُ

قَالَ رحمه الله: (وَبِشِرَاءِ هَذَا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَى صَحَّ، وَلَوْ غَيْرَ عَيْنٍ نَفَذَ عَلَى الْمَأْمُورِ) أَيْ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى شَخْصٍ فَوَكَّلَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فَاشْتَرَى جَازَ وَلَزِمَ الْمُوَكِّلَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَاشْتَرَى لَا يَكُونُ لِلْآمِرِ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى لَوْ مَاتَ عِنْدَ الْمَأْمُورِ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمَأْمُورِ وَالْأَلْفُ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا هُوَ لَازِمٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ حَالَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَالصَّوَابُ حَالَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ فَقَدْ صَرَّحَ الشَّارِحُ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَصَرَّحَ الْوَكِيلُ بِشِرَائِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ الْمُشْتَرَى لَهُ وَهَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِهَا فَتَأَمَّلْ اهـ قَوْلُهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَأْخُذُهُ

(أَيْ وَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: أَمَرْتُهُ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقِرِّ لَهُ، فَإِذَا عَادَ تَصْدِيقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ لِأَنَّهُ عَادَ حِينَ انْتَفَى الْإِقْرَارُ فَلَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ) يَعْنِي لَمَّا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ بِالتَّعَاطِي كَانَتْ الْعُهْدَةُ لِلْآخِذِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَذَا فَسَّرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ وَفَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدٍ رحمه الله اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْأَلْفِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ: وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ جَازَ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَمَرَهُ الَّذِي لَهُ الْمَالُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا هَذَا الْعَبْدَ فَاشْتَرَاهُ قَالَ جَائِزٌ، فَإِنْ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهَا عَبْدًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَاشْتَرَاهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْآمِرُ مَاتَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا هِيَ وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ ذَلِكَ جَائِزٌ لَازِمٌ لِلْآمِرِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا إذَا قَبَضَهُ الْمَأْمُورُ إلَى هُنَا لَفْظُ مُحَمَّدٍ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قَبَضَهُ الْآمِرُ فَهُوَ لَهُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، فَإِنْ دَفَعَهُ إلَى الْآمِرِ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ يَقَعُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا ابْتِدَاءً

ص: 266

لِلْآمِرِ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ أَسْلِمْ الدَّيْنَ الَّذِي لِي عَلَيْك إلَى فُلَانٍ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فُلَانًا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ كَيْفَمَا كَانَ وَكَذَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا أُضِيفَ إلَى دَيْنٍ لَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ مُتَعَيِّنًا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ كَيْفَمَا كَانَ لَهُمَا أَنَّ النَّقْدَيْنِ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَيْنًا كَانَا أَوْ دَيْنًا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ عَلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ، فَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ صَارَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ بِهِ سَوَاءً كَمَا فِي غَيْرِ الدَّيْنِ حَتَّى إذَا وَكَّلَهُ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَلْفَ وَلَا الْبَائِعَ وَلَا الْمَبِيعَ جَازَ التَّوْكِيلُ.

فَكَذَا هَذَا فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: تَصَدَّقْ بِمَالِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ آجَرَ حَمَّامًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَأَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ بِالْمَرَمَّةِ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ آجَرَ دَابَّتَهُ وَأَمَرَ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالْأُجْرَةِ عَبْدًا يَسُوقُ الدَّابَّةَ وَيُنْفِقُ عَلَى الدَّابَّةِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمَبِيعُ مُتَعَيِّنًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ النُّفُوذَ تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَاتِ وَلِهَذَا لَوْ قَيَّدَهَا بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ وَأُسْقِطَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ فِيهَا كَانَ هَذَا تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ لَهُ ثُمَّ بِقَبْضِهِ لِنَفْسِهِ وَتَوْكِيلُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ بَاطِلًا كَمَا إذَا اشْتَرَى بِدَيْنٍ عَلَى غَيْرِ الْمُشْتَرِي أَوْ يَكُونُ أَمْرًا بِصَرْفِ مَا لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْقَبْضِ قَبْلَهُ وَذَلِكَ بَاطِلٌ كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَا لِي عَلَيْك مَنْ شِئْتَ بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَكِيلًا عَنْهُ بِالْقَبْضِ وَهُوَ مَعْلُومٌ فَيَصِحُّ لِتَعَيُّنِهِ فَيَصِيرُ الْبَائِعُ أَوَّلًا قَابِضًا لَهُ ثُمَّ يَتَمَلَّكُهُ وَتَعْيِينُ الْمَبِيعِ تَعْيِينٌ لِلْبَائِعِ فَكَانَ بِهِ مَعْلُومًا وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَالَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعْلُومٌ وَلِأَنَّ الْفَقْرَ يَنْتَصِبُ نَائِبًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَقَبَضَ حَقَّهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا فَيَكُونُ الْفَقِيرُ الَّذِي يَقْبِضُهُ لَهُ مَعْلُومًا فَيَصِحُّ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَمَّامِ وَنَحْوُهَا فَقِيلَ هُوَ قَوْلُهُمَا وَلَئِنْ كَانَ قَوْلَ الْكُلِّ، فَإِنَّمَا جَازَ بِاعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَجِدُ الْأُجْرَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَأُقِيمَ الْحَمَّامُ مَقَامَ الْمُؤَجَّرِ فِي الْقَبْضِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّصَادُقِ بِأَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ بَعْد الشِّرَاءِ بِهِ فَلِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبَيْعِ دَيْنًا كَانَتْ أَوْ عَيْنًا، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ بِبُطْلَانِ الدَّيْنِ إذْ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّ النُّقُودَ تَتَعَيَّنُ فِيهَا وَكَلَامُنَا فِيهَا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْوَكَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا بَعْدَهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ وَسِيلَةٌ إلَى الشِّرَاءِ فَتُعْتَبَرُ بِالشِّرَاءِ وَعَزَاهُ إلَى الزِّيَادَاتِ وَالذَّخِيرَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمَا مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ لَهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ فَكَذَا التَّوْكِيلُ بِهِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الْمُعَيَّنِ لِكَوْنِهِ أَمْرًا لَهُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ بِالتَّمْلِيكِ لَا تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ لِلْمَجْهُولِ فَكَانَ تَوْكِيلًا لِلْمَدِينِ بِالتَّمْلِيكِ فِي الْإِسْلَامِ وَالشِّرَاءِ وَالصَّرْفِ فَلَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ عِنْدَهُ نَفَذَ الشِّرَاءُ عَلَى الْمَأْمُورِ حَتَّى إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَهْلَكُ مِنْ مَالِهِ إلَّا إذَا قَبَضَهُ الْآمِرُ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّعَاطِي فَيَكُونُ لِلْآمِرِ

قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَاءِ أَمَةٍ) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ أَمَةٍ (بِأَلْفٍ دَفَعَ إلَيْهِ فَاشْتَرَى فَقَالَ: اشْتَرَيْت بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ لِلْمَأْمُورِ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ تُسَاوِي أَلْفًا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ ادَّعَى الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمَانَةِ وَالْآمِرُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرُّجُوعِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْمَأْمُورُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بِسَبِيلِ التَّعَاطِي لِأَنَّهُ دَفَعَهُ عَلَى جِهَةِ التَّمْلِيكِ وَبَيْعُ التَّعَاطِي جَائِزٌ عِنْدَنَا بِمَا عَزَّ مِنْ الْأَمْوَالِ أَوْ خَسَّ اهـ (قَوْلُهُ: وَأَصْلُهُ أَنَّ التَّوْكِيلَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَ غَرِيمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَا عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَبِيعَ أَوْ الْبَائِعَ جَازَ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَهُمَا أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَفُسُوخِهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ فَكَمَا لَا يَتَعَيَّنَانِ إذَا كَانَتَا عَيْنًا لَا يَتَعَيَّنَانِ إذَا كَانَتَا دَيْنًا وَلِهَذَا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمُشْتَرِي) الْمُرَادُ بِالْمُشْتَرِي هُنَا الْوَكِيلُ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى الْبَائِعِ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَصُّهُ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَيْنٍ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لَا يَبْطُلُ الشِّرَاءُ وَوَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ هَلَكَ الْعَيْنُ) هَكَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَهَكَذَا كَانَ فِي نُسْخَةِ الْعَلَّامَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رحمه الله ثُمَّ كَشَطَهُ وَكَتَبَ مَكَانَهُ اسْتَهْلَكَ وَكَتَبَ تَحْتَهُ بِخَطِّهِ رحمه الله مَا نَصُّهُ أَيْ الْآمِرُ أَوْ الْوَكِيلُ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا بِالْهَلَاكِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ اهـ مَا كَتَبَهُ بِخَطِّهِ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ مَا نَصُّهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَيَّدَ الْوَكَالَةَ بِالْعَيْنِ مِنْهَا أَوْ بِالدَّيْنِ مِنْهَا ثُمَّ اسْتَهْلَكَ أَوْ أُسْقِطَ الدَّيْنُ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ اهـ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إنَّمَا قُيِّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاك لِأَنَّ بُطْلَانَ الْوَكَالَةِ مَخْصُوصٌ بِالِاسْتِهْلَاكِ دُونَ الْهَلَاكِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُسَلَّمَةُ إلَى الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ

فَأَقُولُ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ قَيَّدَ بِالِاسْتِهْلَاكِ حَتَّى لَا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْوَكِيلُ الدَّرَاهِمَ الْمُسَلَّمَةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الدَّرَاهِمَ فَيَقُومُ مِثْلُهَا مَقَامَهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ عَيْنَهَا بَاقِيَةٌ فَقَالَ بِالِاسْتِهْلَاكِ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ كَمَا فِي الْهَلَاكِ لِتَعَيُّنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ كَمَا فِي هَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عَلَيْك مَنْ شِئْت) أَيْ أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَعْطِ مَالِي عِنْدَك مِنْ الْعَيْنِ مَنْ شِئْت أَوْ أَلْقِهِ فِي الْبَحْرِ كَانَ التَّوْكِيلُ صَحِيحًا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَمْلِكُهُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَبَضَ حَقَّهُ) هَكَذَا هُوَ بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ الْكَافِي وَغَيْرِهِ فِي قَبْضِ حَقِّهِ اهـ (قَوْلُهُ: الْأُجْرَةُ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ الْأَجْرُ. اهـ.

ص: 267

قَوْلَهُ، وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ لَا تَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ أَمْرَهُ إذْ الْأَمْرُ تَنَاوَلَ أَمَةً تُسَاوِي أَلْفًا فَيَنْفُذُ عَلَى الْمَأْمُورِ وَلِأَنَّ فِيهِ غَبْنًا فَاحِشًا فَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُخَالِفَ الْآمِرَ وَلَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا بِأَلْفٍ أَوْ بِخَمْسِمِائَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ مُخَالِفٌ قَالَ رحمه الله:(وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَلِلْآمِرِ) أَيْ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْآمِرُ الْأَلْفَ إلَى الْمَأْمُورِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ الْقَوْلُ لِلْآمِرِ وَتَلْزَمُ الْأَمَةُ الْمَأْمُورَ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَمَةِ خَمْسَمِائَةٍ فَظَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمُخَالَفَةِ وَالْغَبْنِ الْفَاحِشِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا يَتَخَالَفَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَقَدْ جَرَى بَيْنَهُمَا مُبَادَلَةٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ ثُمَّ إذَا حَلَفَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمَأْمُورَ لِانْتِقَاضِ مِلْكِ الْآمِرِ بِالْفَسْخِ

قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَاءِ هَذَا) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ (وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا) فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ بِالْفَسْخِ قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَاءِ هَذَا) أَيْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ (وَلَمْ يُسَمِّ ثَمَنًا فَقَالَ الْمَأْمُورُ اشْتَرَيْته بِأَلْفٍ وَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ وَقَالَ الْآمِرُ بِنِصْفِهِ) وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ (تَحَالَفَا)؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَالُفِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَقِيلَ لَا يَتَحَالَفَانِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ يَرْتَفِعُ بِتَصْدِيقِ الْبَائِعِ إذْ هُوَ حَاضِرٌ فَيُجْعَلُ تَصَادُقُهُمَا بِمَنْزِلَةِ إنْشَاءِ الْعَقْدِ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ غَائِبٌ فَاعْتُبِرَ الِاخْتِلَافُ وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَصَحُّ وَمَالَ أَبُو مَنْصُورٍ إلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُ الْبَائِعِ لَا يُعْتَبَرُ؛ لِأَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى الثَّمَنَ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ وَقَالَ فِي الْكَافِي هُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ قَالُوا وَمُرَادُهُ التَّحَالُفُ لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ يَمِينِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُدَّعِي وَلَا يَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إلَّا فِي صُورَةِ التَّحَالُفِ فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالتَّحَالُفِ يَمِينَ الْمُدَّعِي دُونَ الْمُنْكِرِ إذْ ذَاكَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْمُوَكِّلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُنْكِرٌ وَلَوْلَا مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْآمِرِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا فَكَانَ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ بِمَا ادَّعَى مِنْ الثَّمَنِ إذَا حَلَفَ وَلَمْ يَذْكُرْ يَمِينَ الْمَأْمُورِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ رحمهم الله إلَّا أَنَّ فِيهِ إشْكَالًا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَكِنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْأَوَّلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: إنَّ الْقَوْلَ لِلْمَأْمُورِ مَعَ يَمِينِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ يُصَدَّقُ فِيمَا قَالَ وَفِي التَّحَالُفِ لَا يُصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ التَّحَالُفَ لَمَا قَالَ ذَلِكَ وَهَذَا فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لَهُ بِأَلْفٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَقَالَ الْآمِرُ: أَمَرْتُك أَنْ تَشْتَرِيَهُ لِي بِخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الْمَأْمُورُ أَمَرْتَنِي بِالشِّرَاءِ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَيَلْزَمُ الْعَبْدُ الْمَأْمُورَ لِمُخَالَفَتِهِ، فَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا

قَالَ رحمه الله (وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْآمِرِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَدَفَعَ فَقَالَ لِسَيِّدِهِ اشْتَرَيْته لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ قَالَ: اشْتَرَيْته فَالْعَبْدُ لِلْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ لِسَيِّدِهِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي أَلْفٌ مِثْلُهُ) أَيْ لَوْ وَكَّلَ الْعَبْدُ رَجُلًا بِشِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ بِأَلْفٍ وَالْآمِرُ هُوَ الْعَبْدُ وَدَفَعَ الْأَلْفَ إلَى الْوَكِيلِ فَقَالَ الْوَكِيلُ لِسَيِّدِهِ وَقْتَ الشِّرَاءِ أَنَا أَشْتَرِي عَبْدَك لِنَفْسِهِ فَبَاعَهُ عَلَى هَذَا عَتَقَ وَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ قَالَ الْوَكِيلُ: اشْتَرَيْته وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِ الْعَبْدِ كَانَ الْعَبْدُ مِلْكًا لِلْوَكِيلِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَالْأَلْفُ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَدَفَعَهُ إلَى الْمَوْلَى كَانَ لِلْمَوْلَى فِيهِمَا مَجَّانًا وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَوْ عَلَى الْمُعْتَقِ الْأَلْفُ وَأَصْلُهُ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ إعْتَاقٌ عَلَى مَالٍ، وَشِرَاءَ الْعَبْدِ نَفْسَهُ قَبُولُ الْإِعْتَاقِ بِبَدَلٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ بَيْعًا حَقِيقَةً غَيْرُ مُمْكِنٍ إمَّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ أَوْ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ فَجُعِلَ مَجَازًا عَنْ الْإِعْتَاقِ لِوُجُودِ إزَالَةِ الْمِلْكِ فِيهِ كَالْبَيْعِ.

فَإِذَا اشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ لِلْعَبْدِ صَارَ الْبَائِعُ مُعْتِقًا فَيَلْزَمُهُ الْوَلَاءُ وَالْوَكِيلُ بِالْقَبُولِ سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْهُ فَلَا تَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ وَإِذَا أَطْلَقَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِ الْعَبْدِ يَقَعُ الْعَقْدُ لِلْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا اللَّفْظِ لِلْبَيْعِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى الْعِتْقِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمَوْلَى وَلَعَلَّهُ لَا يَرْضَى بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لُزُومِ وَلَائِهِ وَعَقْلِ جِنَايَتِهِ فَلَا يَكُونُ الشِّرَاءُ لِلْعَبْدِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ الْعَبْدِ حَيْثُ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ بِالشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمَوْلَى أَنَّهُ يَشْتَرِيهِ لِمُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِيهِ لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ، وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ أَيْضًا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَتَلْزَمُ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فِي الْكِتَابِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَقَالَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْآمِرِ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا أَوْ أَقَلَّ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَأْمُورِ إذَا كَانَتْ تُسَاوِي أَلْفًا لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِأَلْفٍ فَقَدْ وَافَقَ الْآمِرُ

(قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَتَحَالَفَانِ) أَيْ وَيَلْزَمُ الْعَبْدَ الْآمِرُ اهـ

(قَوْلُهُ: وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ أَصَحُّ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ قَوْلَ أَبِي مَنْصُورٍ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ أَبِي جَعْفَرٍ أَصَحَّ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ قَاضِي خَانْ لَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّصْحِيحِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ ك (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآمِرِ فَلَا مَدْخَلَ لَهُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا فَلَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ بَقِيَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَهُوَ الْوَكِيلُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُوَكِّلُ فَوَجَبَ التَّحَالُفُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْوَكِيلَ هُوَ الْمُدَّعِي) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُوَكِّلِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ اشْتَرَيْته. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ عَلَى الْمُعْتَقِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَبِشِرَاءِ نَفْسِ الْآمِرِ مِنْ سَيِّدِهِ إلَخْ. اهـ.

ص: 268