الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْإِيقَاعِ فَتَبْقَى الْوَكَالَةُ عَلَى حَالِهَا وَمَا لَا فَلَا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ أَوْ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ عَيْبٍ بِقَضَاءٍ أَوْ لِفَسَادِ بَيْعٍ فَالْوَكِيلُ بَاقٍ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ الْقَدِيمَ قَدْ عَادَ إلَيْهِ بِالْفَسْخِ فَتَعُودُ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَكُونُ فَسْخًا كَالرَّدِّ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ إقَالَةٍ لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ ثَالِثٍ وَالْوَكِيلُ ثَالِثُهُمَا وَالْوَكَالَةُ تَعَلَّقَتْ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَهَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا وَلَوْ بَاعَهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ ثَانِيًا كَمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُوَكِّلَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِهِبَةِ شَيْءٍ فَوَهَبَهُ الْمَالِكُ ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُخْتَارٌ فِي الرُّجُوعِ فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ عَدَمِ حَاجَةِ الْوَاهِبِ إلَى الْهِبَةِ، وَلَوْ وَهَبَهُ الْوَكِيلُ فَرَجَعَ الْمُوَكِّلُ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَهَبَهُ ثَانِيًا لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا تُشْبِهُ الْهِبَةُ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْبَيْعِ لَا تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ بَعْدَمَا بَاعَ يَتَوَلَّى حُقُوقَ الْعَقْدِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ، فَإِذَا فُسِخَ الْبَيْعُ وَالْوَكَالَةُ قَائِمَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ ثَانِيًا بِحُكْمِهَا أَمَّا الْوَكَالَةُ بِالْهِبَةِ تَنْقَضِي بِمُبَاشَرَةِ الْهِبَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيمُهُ، فَإِذَا رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَقَدْ عَادَ إلَيْهِ الْعَبْدُ وَلَا هِبَةَ وَلَا وَكَالَةَ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْوَكِيلُ مِنْ الْهِبَةِ ثَانِيًا، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ عَبْدِهِ فَأَسَرَهُ الْعَدُوُّ وَأَدْخَلُوهُ فِي دَارِهِمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْمُوَكِّلِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ بِأَنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ لَمْ تَعُدْ الْوَكَالَةُ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمُشْتَرَى مِنْهُمْ بِالثَّمَنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ مِمَّنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَانِمِينَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ بِهَذَا الطَّرِيقِ عَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ، وَقَدْ كَانَتْ الْوَكَالَةُ مُتَعَلِّقَةً بِهِ، فَإِذَا عَادَ عَادَتْ الْوَكَالَةُ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ أَمَتِهِ فَأَعْتَقَهَا الْمُوَكِّلُ ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَتْ وَمَلَكَهَا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ جَدِيدٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً وَهِيَ ذَاتُ زَوْجٍ فَمَاتَ زَوْجُهَا أَوْ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَكَالَةٌ مُضَافَةٌ لِانْعِدَامِ الْمَحِلِّ وَقْتَ التَّوْكِيلِ وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً فَارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أُسِرَتْ وَأَسْلَمَتْ جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهُ إيَّاهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَسْمِيَةَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا تَنْصَرِفُ إلَى الْحُرَّةِ عِنْدَهُمَا وَلَا تَنْصَرِفُ عِنْدَهُ بَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ الْأَمَةَ، وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ آجَرَهُ فَسَلَّمَهُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(كِتَابُ الدَّعْوَى)
قَالَ رحمه الله (هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ) أَيْ الدَّعْوَى أَنْ يَدْعُوَ الشَّيْءَ إلَى نَفْسِهِ فِي حَالَةِ الْخُصُومَةِ وَهَذَا فِي الشَّرِيعَةِ وَلِهَذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ ثَمَّ مُنَازِعٌ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمُنَازَعَةٍ أَوْ مُسَالَمَةٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: ادَّعَى فُلَانٌ شَيْئًا إذَا أَضَافَهُ إلَى نَفْسِهِ إذَا قَالَ لِي وَمِنْهُ دَعْوَةُ النَّسَبِ بِالْكَسْرِ وَالدَّعْوَةُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَأْدُبَةِ وَقِيلَ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ الشَّيْءِ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا أَنَّ اسْمَ الْمُدَّعِي يَتَنَاوَلُ مَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِي الْعُرْفِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَهُ حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُسَمِّيهِ مُدَّعِيًا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَبَعْدَهَا يُسَمِّيهِ مُحِقًّا لَا مُدَّعِيًا وَيُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ لَعَنَهُ اللَّهُ مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ إثْبَاتِهَا وَلَا يُقَالُ لِلرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مُدَّعِي النُّبُوَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهَا بِالْمُعْجِزَةِ.
وَالدَّعْوَى اسْمٌ وَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ وَالْفِعْلُ ادَّعَى افْتَعَلَ وَالْمَصْدَرُ ادِّعَاءٌ افْتِعَالٌ وَأَلْفُ دَعْوَى لِلتَّأْنِيثِ فَلَا يُنَوَّنُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُدَّعٍ وَالْمَفْعُولُ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَالُ مُدَّعَى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ ثُمَّ شَرْطُ جَوَازِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا تَصِحُّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا كَخِيَارِ رُؤْيَةٍ إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ ثُمَّ آجَرَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ يَعُودُ عَلَى وَكَالَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً مُعَيَّنَةً إلَخْ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ السَّرَخْسِيِّ لَهَا زَوْجٌ فَوَكَّلَتْ رَجُلًا بِأَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ نَفْسِهِ فَلَمَّا طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا زَوَّجَهَا الْوَكِيلُ مِنْ نَفْسِهِ جَازَ قُلْت فَقَدْ صَحَّ تَوْكِيلُهَا بِهِ مَعَ عَجْزِهَا عَنْهُ وَقْتَ التَّوْكِيلِ اهـ (قَوْلُهُ: جَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِنْكَاحِهَا إيَّاهُ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ بِوَاسِطَةِ الْمَوْتِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَانْصَرَفَ التَّوْكِيلُ إلَيْهِ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى إضَافَةِ التَّوْكِيلِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَالْوَكَالَاتُ مِمَّا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِضَافَةَ إلَى زَمَانٍ فِي الْمُسْتَقْبِلِ. اهـ. غَايَةٌ
[كِتَابُ الدَّعْوَى]
(كِتَابُ الدَّعْوَى) لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَكَالَاتِ وَهِيَ سَبَبٌ دَاعٍ إلَى الدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ نَاسَبَ ذِكْرَ كِتَابِ الدَّعْوَى عَقِيبَ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لِأَنَّ الْمُسَبِّبَ يَقْتَضِي سَابِقِيَّةَ السَّبَبِ اهـ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ هِيَ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَخْ) هَذَا رُكْنُهَا لِأَنَّ رُكْنَ الشَّيْءِ مَا يَقُومُ بِهِ الشَّيْءُ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تَقُومُ بِإِضَافَةِ الْمُدَّعِي إلَى نَفْسِهِ فَكَانَ رُكْنًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِهَذَا) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ إلَّا حَالَ الْمُنَازَعَةِ لَا حَالَ الْمُسَالَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ إلَخْ) لِأَنَّهُ يُضِيفُهُ إلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ إنَّنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ وَلَا غَيْرُ) هَكَذَا قَالَ فِي الْكَافِي اهـ
فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ حَاضِرًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ لِإِيجَابٍ وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى شَيْئًا مَعْلُومًا لِيُمْكِنَ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيَتَمَكَّنَ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ بِهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْجَوَابُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا صَحَّتْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا وُجُوبُ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ بِلَا أَوْ نَعَمْ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ قَالَ رحمه الله (وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ لَا يُتْرَكُ إذَا تَرَكَ بَلْ يُجْبَرُ هَذَا لِمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى.
وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِ فَمِنْهَا مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ حَدٌّ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمَحْدُودِ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ فِيهِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَصَاحِبِ الْيَدِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَشْتَمِلُ كَلَامُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَلَا يَصِيرُ خَصْمًا بِالتَّكَلُّمِ فِي النَّفْيِ، فَإِنَّ الْخَارِجَ لَوْ قَالَ لِذِي الْيَدِ: هَذَا الشَّيْءُ لَيْسَ لَك لَا يَكُونُ خَصْمًا وَمُدَّعِيًا مَا لَمْ يَقُلْ هُوَ لِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَشْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى النَّفْيِ فَيُكْتَفَى بِهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ قَالَ لَيْسَ هَذَا لَك كَانَ خَصْمًا بِهَذَا الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ هُوَ لِي فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَقِيلَ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُقِرٌّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ هُوَ الْمُدَّعِي وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَحِدَّةِ ذَكَاءٍ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْكَلَامُ مِنْ شَخْصٍ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى وَهُوَ إنْكَارٌ فِي الْمَعْنَى كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ مُدَّعٍ لِلرَّدِّ صُورَةً وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ مَعْنًى فَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ لِيَتَحَقَّقَ الْإِنْكَارُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْمَدِينُ إذَا ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاءَ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي شَغْلَ ذِمَّتِهِ وَالْمَدِينُ الْبَرَاءَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ صَارَ الشَّغْلُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَدِينُ بِدَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ صَارَ مُدَّعِيًا خِلَافَ الْأَصْلِ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي وَضْعِ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا كَمَا فِي الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَالْمُطَلَّقَةِ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أَوْ بَقَاءَهَا
قَالَ رحمه الله (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا عُلِمَ جِنْسُهُ، وَقَدْرُهُ)؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ الْإِشْهَادِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِشْهَادُ وَلَا الْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ عَلَى الْخَصْمِ، فَإِذَا بَيَّنَ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا، وَقَدْرَهَا وَصِفَتَهَا وَسَبَبَ وُجُوبِهَا صَحَّتْ الدَّعْوَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ وَالْحُضُورِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْجَوَابِ وَوُجُوبِ الْجَوَابِ وَالْيَمِينِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلُزُومِ إحْضَارِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِفَسَادِهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ إذَا صَحَّتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] أَلْحَقَ الْوَعِيدَ بِمَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ بَعْدَمَا طُولِبَ بِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله: (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَوْ نَعَمْ) أَيْ فَإِذَا أَجَابَ بِنَعَمْ يَجِبُ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَلِك بَيِّنَةٌ، فَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ لَك يَمِينُهُ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الدَّعْوَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ تُرِكَ وَالْمُنْكِرُ هُوَ الَّذِي إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ لَا يُتْرَكُ اهـ (قَوْلُهُ: كَالْمُودَعِ إلَخْ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ) أَيْ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَسَبَبُ وُجُوبِهَا إلَخْ) لِأَنَّ أَحْكَامَ الدُّيُونِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِسَبَبِ السَّلَمِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ لِيَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَبِيعٍ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِفَسَادِهَا) وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ يُجَوِّزُونَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ، فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ وَيَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى الْمُخَالَطَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الدَّنِيءِ عَلَى الشَّرِيفِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا) قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي فُصُولِهِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ: إنَّ الدَّعْوَى لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَقَعَ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا.
فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا، فَإِنْ ادَّعَى مَنْقُولًا قَائِمًا، فَإِنْ أَمْكَنَ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا شَهَادَةَ شُهُودِهِ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ مَا وَقَعَ فِيهِ يُشِيرُ إلَيْهِ الْمُدَّعِي وَالشُّهُودُ لِتَنْقَطِعَ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَغَيْرِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ مَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْحُضُورُ وَكَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي فِي دَارِهِ وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي جَمَلٍ وَلَا يَسَعُ بَابُ دَارِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ يَأْمُرُ نَائِبَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ وَفِي الْقُدُورِيِّ
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ)؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ بَعْدَ الْإِحْضَارِ فِيمَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ مِنْ الْمَنْقُولِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَالرَّحَى حَضَرَهُ الْحَاكِمُ أَوْ بَعَثَ أَمِينَهُ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَكَرَ قِيمَتَهَا) أَيْ إنْ تَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَنْقُولَاتِ بِأَنْ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ غَائِبَةً ذَكَرَ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْوَصْفِ وَيُمْكِنُ بِالْقِيمَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُدَّعَاةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِصَيْرُورَتِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ فِي الْحَيَوَانِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ فَقَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنًا كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ قَالَ فِي الْكَافِي ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ وَعَزَاهُ إلَى الْقَاضِي فَخْرِ الدِّينِ وَإِلَى صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ عَنْ مُمَارَسَتِهِ
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ)؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ لِتَعَذُّرِ نَقْلِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَتَعَيَّنَ التَّحْدِيدُ إذْ الْعَقَارُ يُعْرَفُ بِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ كَالرَّحَى فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ أَمِينًا كَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ وَهَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ كَيْفَ يَقْضِي الْقَاضِي بِهِ وَالْمِصْرُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَكِنَّ الطَّرِيقَ فِيهِ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْضِي قَضَاءَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ وَالِاسْتِحْلَافِ) يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ أَوْ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ كُلِّفَ إحْضَارُهَا. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَيَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى أَيْضًا وُجُوبُ إحْضَارِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ مَجْلِسَ الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ مَنْقُولَةً قَائِمَةً فِي يَدِهِ حَتَّى يُشِيرَ الْمُدَّعِي أَوْ الشُّهُودُ إلَيْهَا أَوْ يُشِيرَ إلَيْهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِحْلَافِ اهـ
(قَوْلُهُ: ذَكَرَ قِيمَتَهَا) أَيْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهَا حَتَّى تَصِحَّ الدَّعْوَى بِوُقُوعِهَا عَلَى مَعْلُومٍ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُدَّعَاةِ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهَا وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا بِالْوَصْفِ فَاشْتُرِطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ لِأَنَّهَا شَيْءٌ تُعْرَفُ الْعَيْنُ الْهَالِكَةُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ غَيْرَ الْمُقَدَّرِ) أَيْ الْمُقَدَّرِ بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ بَيَانِ قِيمَتِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: ذِكْرُ الذُّكُورَةِ) وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي مَسْأَلَةِ سَرِقَةِ الْبَقَرَةِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى إذْ لَوْ شَرْط لأحضرت وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ ثُمَّ قَالَ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ادَّعَى عَقَارًا إلَخْ) ذَكَرَ هُنَا فُصُولًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ تَحْدِيدُ الْعَقَارِ وَهُوَ بَيَانُ حُدُودِهِ، وَالثَّانِي ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ ذَكَرَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمُدَّعَى أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَنَقُولُ إنَّمَا شُرِطَ التَّحْدِيدُ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَصِحُّ فِي الْمَجْهُولِ وَالْعَقَارُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِالتَّحْدِيدِ فَاشْتُرِطَ التَّحْدِيدُ حَتَّى تَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَى مَعْلُومٍ قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ لَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ مَحْدُودٍ لَمْ تَصِحَّ حَتَّى يَحْضُرَ الْحَاكِمُ عِنْدَ الْأَرْضِ فَيَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهَا وَيُشِيرُ الشُّهُودُ إلَيْهَا بِالشَّهَادَةِ قَالَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعِي وَعَلَى الشُّهُودِ الْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ فِي الدَّارِ الْبَلْدَةُ ثُمَّ الْمُحَلَّةُ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ ثُمَّ يُبَيِّنُ حُدُودَ الدَّارِ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ وَأَقْصَى مَا يُمْكِنُ هَذَا وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ أَوَّلًا الِاسْمَ الْعَامَّ وَهُوَ الْبَلْدَةُ ثُمَّ يُبَيِّنُ مَا هُوَ الْأَخَصُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُحَلَّةُ ثُمَّ يُعَرِّفُ بِمَا هُوَ أَخَصُّ مِنْ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ الْحُدُودُ الْأَرْبَعَةُ لِيَحْصُلَ التَّعْرِيفُ وَالْإِعْلَامُ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَبِلَ الْقَاضِي وَقَضَى بِهِ.
وَقَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ فُصُولِهِ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَاكِمُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شُرُوطِهِ إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلَّةِ ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ السِّكَّةِ فَيَبْدَأُ الْكَاتِبُ بِذِكْرِ الْكُورَةِ ثُمَّ بِذِكْرِ الْمَحَلَّةِ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ يَنْزِلَ مِنْ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الْبَغْدَادِيُّ يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ فَيَقُولُ دَارٌ فِي سِكَّةِ كَذَا فِي مُحَلَّةِ كَذَا فِي كُورَةِ كَذَا وَقَاسَهُ عَلَى النَّسَبِ حَيْثُ يَقُولُ فُلَانٌ ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ فُلَانٍ ثُمَّ يَذْكُرُ الْجَدَّ فَيَبْدَأُ بِمَا هُوَ أَقْرَبُ ثُمَّ يَتَرَقَّى إلَى مَا هُوَ الْأَبْعَدُ لَكِنْ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْعَامَّ يُعْرَفُ بِالْخَاصِّ وَلَا يُعْرَفُ الْخَاصُّ بِالْعَامِّ وَفَصْلُ النَّسَبِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَعَمَّ اسْمُهُ، فَإِنَّ جَعْفَرًا فِي الدُّنْيَا كَثِيرٌ، فَإِنْ عُرِفَ وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْأَخَصِّ فَيَقُولُ ابْنُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا أَخَصُّ، فَإِنْ عُرِفَ وَإِلَّا تَرَقَّى إلَى الْجَدِّ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ وَقَالَ هَذَا الْفَصْلَ أَيْضًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ إذَا ادَّعَى مَحْدُودًا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَبَيَّنَ الْحُدُودَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَا هُوَ كَرْمٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ وَشَهِدَ الشُّهُودُ كَذَلِكَ هَلْ تُسْمَعُ وَهَلْ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ حَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ وَحَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ وَالْحُدُودَ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَلَا يُوجِبُ تَرْكُ بَيَانِ الْمَحْدُودِ جَهَالَةً فِي الْمُدَّعَى وَكَانَ ظَهِيرُ الدَّيْنِ الْمَرْغِينَانِيُّ يَكْتُبُ فِي جَوَابِ الْفَتْوَى لَوْ سَمِعَ قَاضٍ هَذِهِ الدَّعْوَى تَجُوزُ وَقِيلَ ذِكْرُ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ وَالْمَحَلَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَذَكَرَ رَشِيدُ الدِّينِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكْتُبَ بِأَيِّ قَرْيَةٍ وَبِأَيِّ مَوْضِعٍ لِتَرْتَفِعَ الْجَهَالَةُ إلَى هُنَا لَفْظُ الْفُصُولِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ عَقَارًا مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ الْعَقَارُ بِالْفَتْحِ الْأَرْضُ وَالضِّيَاعُ وَالنَّخْلُ
قَالَ رحمه الله (وَكَفَتْ ثَلَاثَةٌ) أَيْ كَفَى ذِكْرُ ثَلَاثٍ مِنْ الْحُدُودِ وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله لَا يَكْفِي وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ بِذِكْرِ الثَّلَاثَةِ كَمَا لَا يَتِمُّ بِذِكْرِ الِاثْنَيْنِ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا غَلِطَ فِي الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِكَ تَرَكَهَا وَنَظِيرُهُ إذَا ادَّعَى شِرَاءَ شَيْءٍ بِثَمَنٍ مَنْقُودٍ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ، وَإِنْ سَكَتُوا عَنْ بَيَانِ جِنْسِ الثَّمَنِ، وَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ تُقْبَلْ وَكَمَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْحَدِّ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي
قَالَ رحمه الله (وَأَسْمَاءُ أَصْحَابِهَا) أَيْ ذِكْرُ أَسْمَاءِ أَصْحَابِ الْحُدُودِ؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَذِكْرُ أَنْسَابِهِمْ لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ قَالَ رحمه الله (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ قَالَ رحمه الله (وَإِنَّهُ فِي يَدِهِ) أَيْ وَذَكَرَ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِهِمَا بَلْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ) أَيْ لَا تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ بِتَصَادُقِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ وَلَعَلَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا تَوَاضَعَا فِيهِ لِيَكُونَ لَهُمَا ذَرِيعَةً إلَى أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي لِتَنْتَفِيَ تُهْمَةُ الْمُوَاضَعَةِ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُعَايَنَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ
قَالَ رحمه الله (وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ ذَكَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِالشَّيْءِ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَعْلَمُ لِمَاذَا ذَكَرَ حَقَّهُ عِنْدَهُ فَبِذِكْرِهِ أَنَّهُ طَالِبُ يَتَبَيَّنُ لَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الطَّلَبِ لَحَسِبَ الْقَاضِي أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ فَيُزِيلُ ذَلِكَ الْوَهْمَ بِالنَّصِّ عَلَى الطَّلَبِ وَلِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَهُ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا إذَا طَلَبَ؛ لِأَنَّهُ نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَاتِ لَا لِإِنْشَائِهَا، فَإِذَا بَيَّنَ طَلَبَهُ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ أَوْ إجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ بِدُونِ طَلَبِهِ وَلِهَذَا قَالُوا يَجِبُ فِي الْمَنْقُولِ أَنْ يَقُولَ هُوَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) لِمَا ذَكَرْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَا لَهُ دَارٌ وَلَا عَقَارٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقِيلَ الْعَقَارُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ الْمَبْنِيَّةِ وَالضَّيْعَةُ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ لَا غَيْرُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ) كَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَأَبِي حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْبُخَارِيُّ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَأَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا لَا عَيْنًا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِحْضَارُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي كَمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ إنَّمَا اُشْتُرِطَ ثَمَّةَ لِيَمْتَازَ الْمُدَّعَى مِنْ غَيْرِهِ بِالْإِشَارَةِ الَّتِي عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَعِنْدَ اسْتِحْلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَدْ تَشْتَرِكُ مَعَ عَيْنٍ أُخْرَى فِي الْوَصْفِ وَالْحِلْيَةِ فَلَا يَنْقَطِعُ الشَّكُّ مَا لَمْ تَكُنْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي الْحُضُورِ وَالدَّيْنُ لَا يُمْكِنُ إعْلَامُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ إحْضَارُهُ بَلْ اُكْتُفِيَ بِبَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالْوَصْفِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً حَيْثُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إشَارَةٍ لِأَنَّ الدَّعْوَى فِي قِيمَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَفِي مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَالْمِثْلُ وَالْقِيمَةُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الدُّيُونِ تُقْبَلُ بِلَا إشَارَةٍ إلَيْهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الْقُدُورِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا مَعْلُومًا فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ جَمِيعًا وَلَكِنْ إنْ كَانَ نَقْلِيًّا قَائِمًا بِعَيْنِهِ يُشْتَرَطُ الْإِحْضَارُ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا يَجِبُ التَّحْدِيدُ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَافْهَمْ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.
(فُرُوعٌ) فِي التَّتِمَّةِ لَوْ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَقَالَ كُلُّ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَذَا يَحْلِفُ وَحْدَهُ بِاَللَّهِ مَا وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ وَقِيلَ يَحْلِفُ يَمِينَيْنِ عَلَى الْوُصُولِ عَلَى الْبَتَاتِ وَعَلَى الدَّيْنِ عَلَى الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَحْلِفُ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَاهُ وَلَا أَبْرَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْخَصْمُ وَلَا يُعْلَمُ فِيهِ خِلَافٌ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى رَجُلٌ ادَّعَى دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَهَذَا لَيْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ خَاصَّةً بَلْ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي حَقًّا فِي التَّرِكَةِ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَنَّهُ مَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ مِثْلُ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ دَعْوَى اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ رحمه الله فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مَا مُلَخَّصُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ شَيْئًا وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَارِثٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى الْوَصِيِّ فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ خَصْمٌ فِيمَا يَجِبُ لِلْمَيِّتِ وَعَلَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَجُلٍ لِلْمَيِّتِ قِبَلَهُ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَيُقْضَى بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِذَا كَانَ خَصْمًا فِي الْجَمِيعِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِأَنَّ الْوَصِيَّ خَصْمٌ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُخَاصِمُ عَنْهُ وَيَرُدُّ بِالْعَيْبِ فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أَقَامَهَا خَصْمٌ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى غَرِيمٍ أَوْ مُوصَى لَهُ لَمْ يُقْضَ بِهَا وَلَا يَكُونُ الْخَصْمُ عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا وَارِثًا أَوْ وَصِيًّا لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ خَصْمًا فَهَذِهِ بَيِّنَةٌ أُقِيمَتْ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ، وَإِذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا نَصَّبَ لَهُمْ وَصِيًّا وَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحَقِّ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَلِي عَلَيْهِمْ فَصَارَ كَالْأَبِ وَلِلْأَبِ أَنْ يُنَصِّبَ عَلَيْهِمْ وَصِيًّا كَذَلِكَ هَذَا وَلِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي أَبْسَطُ مِنْ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ كَذَلِكَ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَصِّبَ لَهُمْ وَصِيًّا ثُمَّ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْغَرِيمِ اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا قَبَضَ هَذَا الْمَالَ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَلَا مِنْ أَحَدٍ أَدَّاهُ إلَيْهِ وَلَا قَبَضَ لَهُ قَابِضٌ بِأَمْرِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَلَا حَطَّ
فِيهِ خَفَاءٌ وَكَذَا فِي الشَّهَادَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ صَحَّتْ الدَّعْوَى سَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الدَّعْوَى لِيَنْكَشِفَ لَهُ وَجْهُ الْقَضَاءِ إنْ ثَبَتَ حَقُّهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِفُ الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْقَضَاءِ فِيهِ مَجَازٌ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِالْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ بِالْإِقْرَارِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ إلَّا إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْقَضَاءُ فَيَسْقُطُ احْتِمَالُ الْكَذِبِ بِالْقَضَاءِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ فَيَصِيرُ حُجَّةً يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي قُضِيَ عَلَيْهِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ الْمُلْزِمَةِ لِلْقَضَاءِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا حَلَفَ بِطَلَبِهِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ لَا فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَك يَمِينُهُ فَقَالَ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَيْسَ لَك إلَّا هَذَا شَاهِدٌ لَك أَوْ يَمِينُهُ فَصَارَ الْيَمِينُ حَقًّا لَهُ لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ، وَإِنَّمَا صَارَ حَقًّا لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُنْكِرَ قَصَدَ إتْوَاءَ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ بِالْإِنْكَارِ فَمَكَّنَهُ الشَّارِعُ مِنْ إتْوَاءِ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَهِيَ الْغَمُوسُ إنْ كَانَ كَاذِبًا كَمَا يَزْعُمُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ إتْوَاءِ الْمَالِ وَأَلَّا يَحْصُلَ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَوْ أُعْطِيَ النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ لَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ جَعَلَ جِنْسَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَيْسَ وَرَاءَهُ شَيْءٌ آخَرُ حَتَّى يَكُونَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» قَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَفِيهِ الْأَلْفُ وَاللَّامُ أَيْضًا تَدُلُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيُفِيدُ اسْتِغْرَاقَ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَلَا يُقَالُ: إنَّمَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ أَنْ لَوْ كَانَ الْمُنْكِرُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْخَارِجُ هُوَ الْمُدَّعِيَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ هُوَ لِي وَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ هُوَ لَيْسَ لَك؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَقْصُودُ وَمَقْصُودُ الْخَارِجِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ لِنَفْسِهِ، وَالنَّفْيُ يَدْخُلُ ضِمْنًا وَتَبَعًا وَمَقْصُودُ ذِي الْيَدِ نَفْيُهُ وَلِهَذَا يَقُولُ الْخَارِجُ أَوَّلُ مَا يَنْطِقُ هُوَ لِي وَيَقُولُ ذُو الْيَدِ لَيْسَ لَك فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فَسُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَوَّلِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا اعْتِبَارًا لِلْقَصْدِيِّ دُونَ الضِّمْنِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا نَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَتُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ اُعْتُبِرَ يَمِينُهُ، وَقَالَ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ الْآخَرِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيُقْضَى لَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ» يُرْوَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ» وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ ضَعِيفٌ رَدَّهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يَرْوِيهِ رَبِيعَةُ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَأَنْكَرَهُ سُهَيْلٌ فَلَا يَبْقَى حُجَّةً بَعْدَ مَا أَنْكَرَهُ الرَّاوِي فَضْلًا أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِلْمَشَاهِيرِ وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ قَضَى تَارَةً بِشَاهِدٍ يَعْنِي بِجِنْسِهِ وَتَارَةً بِيَمِينٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَهَذَا كَمَا يُقَالُ رَكِبَ زَيْدٌ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ وَالْمُرَادُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَمْعَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَمِينُ الْمُدَّعِي بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ لَا يُعْتَبَرُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَرْجِعُ إلَى يَمِينِ الْمُنْكِرِ عَمَلًا بِالْمَشَاهِيرِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَحَقُّ) أَيْ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا احْتَالَ بِهِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ وَلَا أَحَالَ بِذَلِكَ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ وَلَا ارْتَهَنَ بِذَلِكَ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ، فَإِذَا حَلَفَ دُفِعَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْحَلِفَ يَجِبُ لِتَسْلِيمِ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمْ وَكَذَلِكَ السَّبِيلُ فِيمَا يَدَّعِي فِي يَدِ الْمَيِّتِ مِنْ ضَيْعَةٍ أَوْ عَقَارٍ اهـ.
قَالَ قَاضِي خَانْ آخِرَ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّ الرَّجُلَ إذَا ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَأَثْبَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا اسْتَوْفَيْتَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا أَبْرَأْتَهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَالْوَارِثِ الصَّغِيرِ وَكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ اهـ فَقَوْلُهُ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ التَّحْلِيفَ وَاجِبٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَحْصُلُ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ إلَخْ أَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ فِيهَا الثَّوَابُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَيْضًا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي مَوْضِعَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْحِجَازِ جَمِيعًا أَحَدُهُمَا إذَا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَى، وَإِنْ أَبَى عَنْ الْمُنَازَعَةِ وَالثَّانِي إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ وَحَلَفَ قُضِيَ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يُقْضَى بِيَمِينِ الْمُدَّعِي أَصْلًا فَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يُقْضَى بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي الْفَصْلِ الثَّانِي يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لِذِي الْيَدِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ) أَرَادَ بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَنْ يَدَّعِيَ الْمِلْكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدَّعِيَ السَّبَبَ بِأَنْ يَقُولَ هَذَا مِلْكِي وَلَمْ يَقُلْ هَذَا مِلْكِي بِسَبَبِ الشِّرَاءِ أَوْ الْإِرْثِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مَا يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا بِالْإِثْبَاتِ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْخَارِجَ وَذَا الْيَدِ تَسَاوَيَا فِي الْبَيِّنَةِ وَانْفَرَدَ ذُو الْيَدِ بِالْيَدِ فَكَانَ أَوْلَى. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ يَسْتَوِي الْجَوَابُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا أَوْ عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَوْ امْرَأَةً أَوْ رَجُلًا وَالْمُدَّعِي قَبِلَهُ كَذَلِكَ وَالْمُدَّعَى بِهِ أَيَّ مَالٍ كَانَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ
الْمُطْلَقِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ لِتَأَكُّدِهَا بِالْيَدِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ وَالْمَرْأَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَوْلَى، وَلَوْ ادَّعَيَا أَمَةً وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا أَمَتُهُ دَبَّرَهَا أَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ اسْتَوْلَدَهَا وَأَقَامَا بَيِّنَةً كَانَ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ أَوْلَى، وَلَنَا أَنَّ الْبَيِّنَاتِ شُرِعَتْ لِلْإِثْبَاتِ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ مُبَيِّنَةً مُظْهِرَةً لَكِنَّهَا أَخَذَتْ حُكْمَ الْإِثْبَاتِ لِمَا أَنَّا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ إذْ الْأَحْكَامُ تَثْبُتُ بِأَسْبَابِهَا فَصَارَتْ كَالْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّهَا أَمَارَاتٌ فِي حَقِّ الشَّارِعِ وَفِي حَقِّنَا لَهَا حُكْمُ الْإِثْبَاتِ.
وَلِهَذَا وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُحَالُ إلَى شَهَادَتِهِمْ إيجَابًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنَتُهُ أَكْثَرَ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهُ بِبَيِّنَتِهِ يَسْتَحِقُّ عَلَى ذِي الْيَدِ الْمِلْكَ الثَّابِتَ بِظَاهِرِ يَدِهِ وَذُو الْيَدِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْخَارِجِ بِبَيِّنَتِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْخَارِجِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِوَجْهٍ مَا، وَقَدْرُ مَا أَثْبَتَتْهُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ كَانَ ثَابِتًا بِظَاهِرِ يَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ إنْسَانٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لَهُ وَإِذَا نَازَعَهُ أَحَدٌ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ دَفَعَ الْقَاضِي عَنْهُ وَلَمْ تَثْبُتْ بَيِّنَتُهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، وَأَمَّا بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، فَإِنَّهَا أَثْبَتَتْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا لَهُ فَكَانَتْ أَوْلَى إذْ الْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ النِّتَاجِ، فَإِنَّ بَيِّنَةَ صَاحِبِ الْيَدِ فِيهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِدَفْعِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ؛ لِأَنَّهَا تَقُومُ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ وَأَوَّلِيَّةُ الْمِلْكِ لَا تَثْبُتُ إلَّا لِأَحَدِهِمَا، فَإِذَا قَدَّرْنَا ثُبُوتَهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ مُتَضَمِّنَةً دَفَعَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَوُجِدَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَفِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَمْ يُوجَدْ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ لَمْ تُثْبِتْ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى تُعَارِضَهَا بَيِّنَةُ ذِي الْيَد بِالدَّفْعِ وَالتَّرْجِيحُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ التَّعَارُضِ.
وَيُتَصَوَّرُ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ بِهِمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي بَيِّنَتِهِ مَا يَدْفَعُ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَلَا تُقْبَلُ وَبِخِلَافِ التَّدْبِيرِ وَالْإِعْتَاقِ وَالِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ مُثْبِتًا فَتَعَارَضَتَا فَتُرَجَّحُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ بِالْيَدِ وَبِخِلَافِ دَعْوَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى سَبَبِ الْمِلْكِ أَيْضًا فَصَارَتْ كَالنِّتَاجِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَكَلَامُنَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ لَا فِي الْمِلْكِ بِسَبَبٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذَا الْيَدِ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فِي الْمِلْكِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُقَالُ: إنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرَا سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّبَبَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فَبَطَلَ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: السَّبَبُ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ إذْ لَا طَرِيقَ لِهَذَا الْمِلْكِ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ دَعْوَى الْمِلْكِ فِيهِ دَعْوَى لِلسَّبَبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَاءِ شَخْصٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ كَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِتَعَيُّنِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْعِتْقُ فِي مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَلِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي، وَالْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالنَّصِّ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَجْهَهُ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ مَا لَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا بِدَعْوَى السَّبَبِ
قَالَ رحمه الله (وَقُضِيَ لَهُ إنْ نَكَلَ مَرَّةً بِلَا أَحْلِفُ أَوْ سَكَتَ) أَيْ قُضِيَ لِلْمُدَّعِي إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرَّةً صَرِيحًا بِقَوْلِهِ لَا أَحْلِفُ أَوْ دَلَالَةً بِسُكُوتِهِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقُضِيَ لَهُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ قُضِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ بَلْ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ يُقْضَى لَهُ بِالْمَالِ، وَإِنْ نَكَلَ انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ حَلَّفَ الْمُدَّعِيَ بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا وَجَبَتْ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى الْمُنْكِرِ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ يَشْهَدُ لَهُ، فَإِذَا نَكَلَ هُوَ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ وَلِأَنَّ النُّكُولَ مُحْتَمَلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ اشْتِبَاهِ الْحَالِ أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَوْ لِأَجْلِ التَّرَفُّعِ عَنْ الصَّادِقَةِ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانَ رضي الله عنه، فَإِنَّهُ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَهُ قَضَاءٌ فَيُقَالُ إنَّ عُثْمَانَ حَلَفَ كَاذِبًا فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا يُقْضَى بِهِ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا أَنَّهُ وَافَقَ إجْمَاعَهُمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْزَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ بِأَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ أَوْلَى وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ كَذَا فِي التَّفْرِيعِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ كَقَوْلِنَا كَذَا فِي الْخِرَقِيِّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَدَ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ) أَيْ كَمَا لَا تَدُلُّ الْيَدُ عَلَى النِّتَاجِ فَكَانَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ أَوْلَى لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْيَدُ فَتَرَجَّحَتْ بِالْيَدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَى لَهُ إنْ نَكَلَ) قَالَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ الْعَالِمُ فِي طَرِيقَةِ الْخِلَافِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا النُّكُولُ حُجَّةٌ يُقْضَى بِهَا فِي بَابِ الْأَمْوَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَقَضَى لَهُ بِمَعْنَى عَلَى) وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي قَوْلِهِ لَهُ وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي قَوْلِهِ نَكَلَ رَاجِعَيْنِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَضَمِيرُ لَهُ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعِي وَضَمِيرُ نَكَلَ رَاجِعٌ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ (قَوْلُهُ: أَوْ لِأَجْلِ التَّوَرُّعِ عَنْ الْيَمِينِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ عَنْ الْيَمِينِ يَحْمِلُ التَّوَرُّعَ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ وَالتَّحَرُّزَ عَنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَالتَّرَوِّيَ لِاشْتِبَاهِ الْأَمْرِ، وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً. اهـ. (قَوْلُهُ: كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه) أَيْ حِينَ ادَّعَى عَلَيْهِ الْمِقْدَادُ مَالًا عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ - اهـ
(قَوْلُهُ: وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّ شَيْخَ الْإِسْلَامِ أَبَا بَكْرٍ الْمَدْعُوَّ بخواهر زاده قَالَ فِي مَبْسُوطِهِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمْ قَضَوْا بِالنُّكُولِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَقْرَانِهِمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَحَلَّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ اهـ
فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّ الْمُنْكِرَ طَلَبَ مِنْهُ رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي فَقَالَ لَيْسَ لَك إلَيْهِ سَبِيلٌ وَقَضَى بِالنُّكُولِ بَيْنَ يَدَيْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قالون وَمَعْنَاهَا بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عِنْدَهُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا حَبْلُك عَلَى غَارِبِك فَحَلَّفَ عُمَرُ الزَّوْجَ بِاَللَّهِ مَا أَرَدْت طَلَاقًا فَنَكَلَ فَقَضَى عَلَيْهِ بِالْفُرْقَةِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ عَلَى كَوْنِهِ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَتْ هَذِهِ الْجِهَةُ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ التَّرَفُّعِ وَالتَّوَرُّعِ وَالِاشْتِبَاه؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْوَاجِبِ فَلَا يَتَرَفَّعُ عَنْ الصَّادِقَةِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ فَلَا يَكُونُ نُكُولُهُ تَوَرُّعًا عَنْ الْكَاذِبَةِ ظَاهِرًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ، وَلَوْ كَانَ لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ لَاسْتَمْهَلَ حَتَّى يَنْكَشِفَ لَهُ الْحَالُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ لِأَجْلِ الْبَذْلِ وَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ
قَالَ رحمه الله (وَعَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا نَدْبًا) أَيْ عَرَضَ الْقَاضِي الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ يَقُولُ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ، فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ إعْلَامًا لَهُ لِلْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ خَفَاءٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله لَا يَرَاهُ، فَإِذَا كَرَّرَ عَلَيْهِ الْإِنْذَارَ وَالْعَرْضَ وَلَمْ يَحْلِفْ حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ مِنْ طَرَشٍ وَخَرَسٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ، وَالْعَرْضُ ثَلَاثًا مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَكَذَا هَذَا مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِالْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَقِّ الْخُصُومَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ، فَإِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً أَقَامَهَا عَلَيْهِ وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْحَلِفِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِ الْمُدَّعِي بِالْبَيِّنَةِ حَتَّى لَا يُعْتَبَرَ يَمِينُ الْمُنْكِرِ مَعَهَا وَهَذَا الْقَوْلُ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ أَصْلًا؛ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ رحمه الله يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ وَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ إنْ كَانَ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفٌ فَادَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَظْهَرُ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ضَامِنٌ لِلْمَالِ وَحَلَفَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
قَالَ رحمه الله (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي نِكَاحٍ وَرَجْعَةٍ وَفَيْءٍ وَاسْتِيلَادٍ وَرِقٍّ وَنَسَبٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ النُّكُولَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلِأَنَّ النُّكُولَ وَهُوَ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْيَمِينِ جُعِلَ بَذْلًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ إقْرَارًا عَلَى مَذْهَبِ صَاحِبِيهِ فَلَوْلَا ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمَلًا بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَمْ يُقْدِمْ عَلَى الْيَمِينِ دَلَّ أَنَّهُ بَذَلَ الْحَقَّ أَوْ أَقَرَّ، فَإِذَا بَذَلَ أَوْ أَقَرَّ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَكَذَلِكَ إذَا نَكَلَ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ يُعْتَبَرُ النُّكُولُ إقْرَارًا وَتَكْرَارُ النُّكُولِ شَرْطٌ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُعْتَبَرُ التَّكْرَارُ شَرْطًا فِي النُّكُولِ عَلَى مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ التَّكْرَار شَرْطٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فَنَقُولُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْتَبَرَ التَّكْرَارُ فِي النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَالْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ وَلَا يُقَالُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ النُّكُولِ دُونَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّا نَقُولُ يُقْبَلُ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ أَيْضًا فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ يُقْبَلُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بَاذِلًا) أَيْ حَقَّ الْمُدَّعِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَوْ مُقِرًّا) أَيْ بِحَقِّ الْمُدَّعِي عِنْدَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ) بَيَانُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ لِقِدَمِ الْعَهْدِ فَمَنْ قَالَ بِرَدِّهَا عَلَى الْمُدَّعِي كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رَدَّا لِحُكْمِ الْحَدِيثِ وَهُوَ فَاسِدٌ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ: حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا عَلِمَ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ فِيمَا إذَا سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحْلِفُ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا سَكَتَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ هَلْ بِهِ خَرَسٌ أَوْ طَرَشٌ، فَإِنْ قَالُوا لَا جَعَلَهُ نَاكِلًا وَقَضَى عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَالْخَرَسُ آفَةٌ بِاللِّسَانِ تَمْنَعُ الْكَلَامَ أَصْلًا وَيُقَالُ طَرِشَ يَطْرَشُ طَرَشًا مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ صَارَ أُطْرُوشًا وَهُوَ الْأَصَمُّ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى فِي الْفَصْلِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْأَقْضِيَةِ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَلَزِمَهُ السُّكُوتُ فَلَمْ يُجِبْ أَصْلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ ثُمَّ يَسْأَلُ جِيرَانَهُ عَسَى بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ أَوْ سَمْعِهِ، فَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُ لَا آفَةَ بِهِ يُحْضَرُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، فَإِنْ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْ يُنْزَلُ مَنْزِلَةَ مُنْكِرٍ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُجِيبَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا يَظْهَرُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَتْوَى فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إنْ ادَّعَاهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً يَظْهَرُ كَذِبُهُ، وَإِنْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِسَبَبٍ وَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ وَجَدَ الْقَرْضَ ثُمَّ وَجَدَ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِيفَاءَ كَذَا فِي الْفُصُولِ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يُسْتَحْلَفُ إلَى قَوْلِهِ وَوَلَاءٌ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ وَصُورَتُهَا
وَوَلَاءٍ وَحَدٍّ وَلِعَانٍ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ) يَعْنِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عَدَّهَا سِوَى الْحَدِّ وَاللِّعَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ فَيَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَاللِّعَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَلِفِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبٌ فَتَرْكُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَاذِلًا؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ الْبَذْلُ مِنْهُ كَالْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَكَذَا يَجُوزُ فِي الدَّيْنِ وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ وَيَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا صَحَّ وَلَا وَجَبَ وَكَذَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَيَصِحُّ فِي الشَّائِعِ فِيمَا يُقْسَمُ، وَلَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا صَحَّ وَلَا وَجَبَ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُقِرًّا وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ مَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلَا بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَلَا بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ لِمَا فِيهَا مِنْ الشُّبُهَاتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الْإِنْكَارِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا نَكَلَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الصَّادِقَةَ فِيهَا الثَّوَابُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَصِيَانَةُ مَالِهِ وَعِرْضِهِ بِدَفْعِ تُهْمَةِ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالْعَاقِلُ يَمِيلُ إلَى مِثْلِ هَذِهِ وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ فِيهَا هَلَاكُ النَّفْسِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَعْرَضَ عَنْهَا مَخَافَةَ الْهَلَاكِ وَمُخَالَفَةً لِهَوَاهُ وَشُحِّ نَفْسِهِ وَإِيثَارًا لِلرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ إذْ هُوَ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] فَيَكُونُ إقْرَارًا ضَرُورَةً وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ بَذْلٌ وَإِبَاحَةٌ وَهَذِهِ الْحُقُوقُ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ وَالْإِبَاحَةُ فَلَا يُقْضَى بِهَا بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَكَالْحُدُودِ وَاللِّعَانِ وَفِي حَمْلِهِ عَلَى الْبَذْلِ صِيَانَةُ عِرْضِهِ عَنْ الْكَذِبِ فَكَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي وَقَضَائِهِ وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَجَازَ مُطْلَقًا بِدُونِ الْقَضَاءِ وَكَذَا لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ بِمَا يُقِرُّ لَهُ بِهِ فُلَانٌ فَادَّعَى الْمَكْفُولُ لَهُ عَلَى فُلَانٍ دَيْنًا فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ لَا يَجِبُ عَلَى الْكَفِيلِ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى نِصْفَ عَبْدٍ ثُمَّ اشْتَرَى نِصْفَهُ الْبَاقِيَ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فَاسْتَحْلَفَهُ فَنَكَلَ فَقُضِيَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ الْآخَرَ يَحْتَاجُ إلَى خُصُومَةٍ وَاسْتِحْلَافٍ جَدِيدٍ إذَا أَنْكَرَ، وَلَوْ كَانَ إقْرَارًا لَمَا اسْتَحْلَفَ ثَانِيًا بَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ بِالنُّكُولِ الْأَوَّلِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ مَعَ الْبَذْلِ فَلَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ بِهِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ تَحْلِيفَهُ لِتَنْتَهِيَ بِهِ الْخُصُومَةُ وَمَعَ الْبَذْلِ لَا خُصُومَةَ وَلَا طَلَبَ فَلَا تَجِبُ، وَإِنَّمَا جَازَ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً فَيَدْخُلُ تَحْتَ الْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ كَمَا تَدْخُلُ الضِّيَافَةُ الْيَسِيرَةُ وَالْهَدِيَّةُ الْيَسِيرَةُ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَا بُدَّ لِلتُّجَّارِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا جَازَ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَمَعْنَى الْبَذْلِ تَرْكُ الْمَنْعِ وَتَرْكُ الْمَنْعِ جَائِزٌ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْمَالِ هَيِّنٌ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لِمَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ كَانَ لَهُ الشَّيْءُ الْمُدَّعَى ظَاهِرًا وَأَبْطَلَهُ الْمُنْكِرُ بِالنِّزَاعِ وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ نِزَاعَهُ إلَى الْيَمِينِ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْيَمِينُ عَادَ الْأَصْلُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا صَحَّ إيجَابُهُ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً بِنَاءً عَلَى زَعْمِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ مُحِقٌّ وَأَنَّ مَعْنَى الْبَذْلِ تَرْكُ الْمَنْعِ وَلَئِنْ كَانَ بَذْلًا حَقِيقَةً فَالْمَالُ يَجِبُ فِيهِ فِي الذِّمَّةِ ابْتِدَاءً كَالْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِهِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ فَيَجُوزُ بَذْلُهُ إذَا كَانَ مُفِيدًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ يَدِهِ الْمُتَآكِلَةِ لِلْفَائِدَةِ فَكَذَا يَجُوزُ بَذْلُهُ لِدَفْعِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَيُّ فَائِدَةٍ أَعْظَمُ مِنْهُ وَلِهَذَا نَكَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه عَنْ الصَّادِقَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْيَمِينِ صِيَانَةُ مَالِهِ وَعِرْضِهِ إلَى آخِرِهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَذْلٍ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا صَارَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
ادَّعَى الرَّجُلُ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ الْفَيْءَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ ادَّعَى الرَّجُلُ عَلَى مَجْهُولٍ النَّسَبَ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ وَلَدُهُ وَأَنْكَرَ الْمَجْهُولُ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ اخْتَصَمَا فِي وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ أَوْ وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ ادَّعَتْ الْأَمَةُ عَلَى مَوْلَاهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا أَوْ ادَّعَاهَا وَقَدْ مَاتَ الْوَلَدُ وَلَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْعَكْسُ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا ادَّعَى ذَلِكَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِإِقْرَارِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِ الْأَمَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَحَدٌّ وَلِعَانٌ) كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّك قَذَفْتَنِي بِالزِّنَا وَعَلَيْك الْحَدُّ لَا يُسْتَحْلَفُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ أَنَّك قَذَفْتَنِي بِالزِّنَا وَعَلَيْك اللِّعَانُ. اهـ. صَدْرُ الشَّرِيعَةِ سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ إلَخْ حَاشِيَةً نَافِعَةً هُنَا فَرَاجِعْهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ: قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ) الْمُرَادُ بِهِ قَاضِي خَانْ كَذَا فِي شَرْحَيْ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِمَا اهـ.
(قَوْلُهُ: يُسْتَحْلَفُ الْمُنْكِرُ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ) النَّسَبُ وَالِاسْتِيلَادُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلِذَا قَالَ فِي الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ اهـ لَكِنَّ الشَّارِحَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الشَّرْحِ وَمَعْنَى الْبَذْلِ إلَخْ قَالَ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ السَّبْعَةِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجُوزُ بَذْلُهُ) إذْ الْبَذْلُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ) أَيْ النُّكُولُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَا يُقْضَى فِيهَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ فَلَا يُقْضَى بِهَا بِالنُّكُولِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا جَازَ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ بَذْلًا لَمَا مَلَكَهُ الْمُكَاتَبُ وَأَخَوَاهُ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ وَهُمْ لَا يَمْلِكُونَهُ فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ التِّجَارَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَنْ قَوْلِهِمْ) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَصَوَابُهُ عَنْ قَوْلِهِمَا اهـ
بَذْلًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَرْكُ مَنْعٍ وَأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَأْخُذُهُ مُحِقًّا فَلَا يَمْتَنِعُ بِالشُّيُوعِ.
ثُمَّ الدَّعْوَى فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ تُتَصَوَّرُ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَيُّهُمَا كَانَ إلَّا الْحَدَّ وَاللِّعَانَ وَالِاسْتِيلَادَ، فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي فِيهَا إلَّا الْمَقْذُوفَ وَالْمَوْلَى وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْظُرُ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ رَآهُ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ أَخْذًا بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَهُوَ نَظِيرُ مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ إنْ رَأَى مِنْ الْخَصْمِ التَّعَنُّتَ وَقَصْدَ الْإِضْرَارِ بِالْآخِرِ قَبِلَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ رحمه الله أَنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ: إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ ثَبَتَ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُنْكِرُ فِي النَّسَبِ عِنْدَهُ هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ مِثْلُ الْجَدِّ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَالْأَعْمَامِ وَالْإِخْوَةِ وَأَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ دَعْوَى الْمَوْلَى الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلِ حَيْثُ تُقْبَلُ، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ مُعْتَقُ جَدِّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ فِيهِمْ إلَّا بِوَاسِطَةٍ فَيَكُونُ فِيهِ تَحْمِيلٌ عَلَى الْوَاسِطَةِ أَمَّا الْوَلَاءُ فَلَا يَثْبُتُ بِوَاسِطَةٍ بَلْ يُجْعَلُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ هُوَ الْمُعْتَقُ وَلِهَذَا لَا تَرِثُ النِّسَاءُ الْوَلَاءَ، وَلَوْ كَانَ بِوَاسِطَةٍ لَثَبَتَ لَهُنَّ وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ.
وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَمَا كَانَ لَهُ كَمَا فِي الْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ ابْنٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ عَنْ عَشَرَةٍ ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ، فَإِنَّ مَالَهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ مِنْهُمَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُمْ أَعْتَقُوهُ، وَلَوْ كَانَ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَكَانَ لِلِابْنِ الْوَاحِدِ النِّصْفُ وَلِلْعَشَرَةِ النِّصْفُ نَصِيبُ أَبِيهِمْ وَعِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ إذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَالْمَوْلَى) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ ادَّعَى الِاسْتِيلَادَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهَا اهـ (قَوْلُهُ: وَاخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ قَوْلَهُمَا لِلْفَتْوَى) قَالَ الْكَاكِيُّ وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَالْوَاقِعَاتِ وَالْفُصُولِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبَزْدَوِيُّ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَمُرَادُهُ قَاضِي خَانْ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ الْمُخْتَصَرُ هُوَ مَتْنُ الْكَنْزِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى إلَخْ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ فِي دَعْوَاهُ إنَّهُ قَدْ أَتَى مَا عَلَّقَ عَلَيْهِ عِتْقِي وَلَا يَقُولُ إنَّهُ قَدْ زَنَى كَيْ لَا يَصِيرَ قَاذِفًا مَوْلَاهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إذَا لَمْ يَحْلِفْ الْمُنْكَرُ فِي النَّسَبِ إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ يَعْنِي يَثْبُتُ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ بِدُونِ دَعْوَى حَقٍّ آخَرَ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ أَمَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِإِقْرَارِ الْمُقِرِّ فَلَا يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا أَيْضًا بَيَانُهُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِخَمْسَةٍ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَا يَلْزَمُهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِمَا سِوَاهُمْ وَيَصِحُّ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ بِأَرْبَعَةٍ بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَصِحُّ بِالْوَلَدِ وَمَنْ سِوَى هَؤُلَاءِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا إذَا صَدَّقَهَا الزَّوْجُ فِي إقْرَارِهَا بِالْوَلَدِ أَوْ تَشْهَدَ بِوِلَادَةِ الْوَلَدِ قَابِلَةٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ فِي بَابِ الِاسْتِحْلَافِ فِي الِادِّعَاءِ: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ النَّسَبُ إذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا لِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُفِيدُ، فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ حَتَّى يُجْعَلَ النُّكُولُ بَذْلًا أَوْ إقْرَارًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ، فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ بِحَيْثُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَ هَلْ يُسْتَحْلَفُ عَلَى ذَلِكَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحْلَف وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُسْتَحْلَفُ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ الدَّعْوَى فَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرِّجُ مَسَائِلَ الْبَابِ.
إلَى هُنَا لَفْظُ خُوَاهَرْزَادَهْ وَقَالَ أَيْضًا ثُمَّ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِي النَّسَبِ إذَا وَقَعَ الدَّعْوَى فِي مُجَرَّدِ النَّسَبِ، فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِي النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى قِبَلَهُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْمَالِ لَا لِلنَّسَبِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي يَدَّعِي حَقٌّ وَعِنْدَهُمَا يُسْتَحْلَفُ لِلنَّسَبِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَهَذَا لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَ فِي النَّسَبِ وَالْمَالِ جَمِيعًا وَالْمَالُ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ الِاسْتِحْلَافُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا فَيُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلنَّسَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ الْجَوَابُ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَالْجَوَابِ فِي السَّرِقَةِ عِنْدَ الْكُلِّ إذَا أَنْكَرَ السَّارِقُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ قِبَلَكَ ضَمَانُ هَذَا الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَ فِي الْحَدِّ وَالْمَالِ جَمِيعًا فَيُسْتَحْلَفُ لِلْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ لِلْقَطْعِ فَكَذَلِكَ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَذَا يَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَالْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ بِالضَّمِّ أَيْ لِمَنْ هُوَ أَقْعَدُ بِالنَّسَبِ وَأَقْرَبُ اهـ وَفِي الْمُغْرِبِ وَقَوْلُهُمْ الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ أَيْ لِأَكْبَرِ أَوْلَادِ الْمُعْتَقِ وَالْمُرَادُ أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا لَا أَكْبَرُهُمْ سِنًّا يُقَالُ: هُوَ أَكْبَرُ الْقَوْمِ أَيْ أَقْعَدُهُمْ فِي النَّسَبِ وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْجَدِّ الْأَكْبَرِ وَفِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَيَتْرُكَ ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ فَالْوَلَاءُ لِلِابْنِ دُونَ ابْنِ الِابْنِ. اهـ.
كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ وَإِلَّا فَلَا
قَالَ رحمه الله (وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ)؛ لِأَنَّ مُوجِبَ فِعْلِهِ شَيْئَانِ الضَّمَانُ وَهُوَ يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَيَجِبُ بِالنُّكُولِ، وَالْقَطْعُ وَهُوَ لَا يَجِبُ مَعَ الشُّبْهَةِ فَلَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا إذَا ثَبَتَتْ السَّرِقَةُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ أَوْ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، فَإِنَّ ضَمَانَ الْمَالِ يَجِبُ بِهَا دُونَ الْقَطْعِ وَيَقُولُ فِي الِاسْتِحْلَافِ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْمَالُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ قَالَ لَهُ إنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا فَلَيْسَ لَك يَمِينُهُ، فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ قَالَ لَهُ دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَادَّعِ الْمَالَ
قَالَ رحمه الله: (وَالزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الْمَالِ بِالِاتِّفَاقِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْمَالُ وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ الصَّدَاقَ أَوْ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْمَالُ بِنُكُولِهِ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا كَالْإِرْثِ وَالْحَجْرِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الْحَقُّ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إنْ كَانَ نَسَبًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا
قَالَ رحمه الله (وَجَاحِدُ الْقَوَدِ فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَفِيمَا دُونَهُ يُقْتَصُّ) أَيْ يُسْتَحْلَفُ جَاحِدُ الْقِصَاصِ، فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَفِيمَا دُونَ النَّفْسِ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي امْتِنَاعِهِ عَنْ الْيَمِينِ احْتِمَالًا يَحْتَمِلُ لِأَجْلِ التَّرَفُّعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَا تَجِبُ بِهِ الْعُقُوبَةُ كَالْحُدُودِ، فَإِذَا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ عَلَى ذَلِكَ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ حَيْثُ لَا يُقْضَى فِيهِ بِشَيْءٍ وَكَذَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيهِ لَا يُقْضَى بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ السَّارِقُ إلَخْ) هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، وَصُورَتُهَا فِيهِ مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه قَالَ لَا يَمِينَ فِي حَدٍّ إلَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ سَرِقَةً اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ ضَمَّنَهُ السَّرِقَةَ قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه لَا يُسْتَحْلَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ لَا فِي الزِّنَا وَلَا فِي السَّرِقَةِ وَلَا الْقَذْفِ وَلَا شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَا السُّكْرِ إلَّا إنْ طَالَبَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ بِضَمَانِ الْمَالِ اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ضَمَّنَهُ الْمَالَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَتَضَمَّنُ أَمْرَيْنِ: الضَّمَانَ وَالْقَطْعَ، وَالضَّمَانُ يُسْتَوْفَى بِالنُّكُولِ فَوَجَبَ إثْبَاتُ أَحَدِهِمَا وَإِسْقَاطُ الْآخَرِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالُوا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ شُرِعَ لِلنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إمَّا بَذْلٌ أَوْ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ وَلِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَالْحُدُودُ يُحْتَالُ لِدَرْئِهَا فَلَا يَتَكَلَّفُ لِاسْتِخْرَاجِهَا فَلَا يُشْرَعُ الْيَمِينُ فِيهَا إلَّا فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ فَيُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَيُقْضَى بِالْمَالِ عِنْدَ النُّكُولِ كَمَا يُقْضَى بِهَا بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ طَلَاقًا قَبْلَ الْوَطْءِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الطَّلَاقِ إجْمَاعًا. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ الْمَهْرِ) أَيْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَهَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذَكَرَهَا فِيهِ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الدَّعْوَى هُوَ الْمَالُ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ لَا التَّزَوُّجُ وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الْمَالِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي النِّكَاحِ إذَا ادَّعَتْ الصَّدَاقَ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَعَ النِّكَاحِ دَعْوَى الْمَالِ يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَالُ ثُمَّ بِالنُّكُولِ يَثْبُتُ الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْبَذْلَ يَجْرِي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَكَذَا يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى فِي النَّسَبِ حَقًّا آخَرَ سِوَى النَّسَبِ كَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ يُسْتَحْلَفُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالْإِرْثِ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَأَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْحَجْرُ) بِأَنْ الْتَقَطَ رَجُلٌ صَبِيًّا لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ وَأَخْذِهِ بِالْحَضَانَةِ وَأَنْكَرَ الْمُلْتَقِطُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ لَهَا حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ اهـ (قَوْلُهُ: وَالنَّفَقَةُ) أَيْ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي وَهُوَ زَمِنٌ إنَّهُ أَخُو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَافْرِضْ لِي النَّفَقَةَ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَخَاهُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ دُونَ النَّسَبِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَامْتِنَاعُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) صُورَتُهُ مَا إذَا أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَا أَخُوك فَأَنْكَرَ الْوَاهِبُ، فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ، فَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ الِامْتِنَاعُ وَلَمْ تَثْبُتْ الْأُخُوَّةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجَاحِدُ الْقَوَدِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا فِي دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَفِيهِ يَبْرَأُ بِالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجِبُ شَيْءٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ جَمِيعًا وَسَيَجِيءُ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ تَمَامُ الْبَيَانِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا ادَّعَى الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الطَّرَفِ يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ، وَإِنْ نَكَلَ يُقْتَصُّ فِي الطَّرَفِ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَلَكِنْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ أَوْ يَمُوتَ جُوعًا وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بِالْمَالِ فِي النَّفْسِ وَالطَّرَفِ جَمِيعًا. اهـ. (قَوْلُهُ: يُسْتَحْلَفُ جَاحِدُ الْقِصَاصِ) أَيْ بِالْإِجْمَاعِ اهـ
الْقِصَاصَ سَقَطَ فِيهِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي النُّكُولِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ عَلَيْهِ فَيُصَارُ إلَى الْأَرْشِ وَنَظِيرُهُ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ تَجِبُ الدِّيَةُ وَبِالْعَكْسِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الضَّمَانِ فِي السَّرِقَةِ حَيْثُ يَجِبُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَأَمْثَالِهِ كَمَا يَجِبُ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِيهِ أَصْلٌ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْحَدِّ، فَإِذَا قَصَرَ يَبْقَى الْأَصْلُ عَلَى حَالِهِ وَهُنَا الْأَصْلُ الْقِصَاصُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى الْمَالِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ حَتَّى أُبِيحَ قَطْعُهَا لِلْحَاجَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِأَمْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى، فَإِذَا سَلَكَ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ كَالْأَمْوَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُهَا بِلَا فَائِدَةٍ وَهَذَا الْبَذْلُ مُفِيدٌ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ فَصَارَ كَقَطْعِ الْيَدِ لِلْأَكْلَةِ وَقَلْعِ السِّنِّ لِلْوَجَعِ وَإِذَا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ وَالْيَمِينُ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ يُحْبَسُ فِيهِ كَمَا فِي الْقَسَامَةِ
قَالَ رحمه الله: (وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَطَلَبَ الْيَمِينَ لَمْ يُسْتَحْلَفْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يُسْتَحْلَفُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أُخْرَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَتْ حَاضِرَةً فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَا وَلَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِاسْتِحْلَافِ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَسَافَةِ وَيَتَوَصَّلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ نُكُولِهِ وَفِي الْبَيِّنَةِ احْتِمَالٌ فَلَعَلَّهَا لَا تُقْبَلُ فَيُجِيبُهُ إذَا طَلَبَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ ثُبُوتَ الْحَقِّ فِي الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ كَمَا إذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ بَيْنَ خَصْمِهِ وَشُهُودِهِ فَيَكُونُ عَاجِزًا وَلِأَنَّ فِي اسْتِحْلَافِهِ مَعَ حُضُورِ الشُّهُودِ هَتْكَ الْمُسَلَّمِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ مَا حَلَفَ فَيَجِبُ أَنْ يَتَوَقَّاهُ
قَالَ رحمه الله (وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) كَيْ لَا يَضِيعَ حَقُّهُ بِتَغْيِيبِهِ نَفْسَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَلَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ ضَرَرٍ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُضُورَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ لِمَا تَلَوْنَا حَتَّى يُعْدِيَ عَلَيْهِ وَيَشْخَصَ إلَى الْقَاضِي وَيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَشْغَالِهِ فَيَصِحَّ التَّكْفِيلُ بِإِحْضَارِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَاسْتِحْلَافِهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ ثِقَةً مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ حَتَّى يَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ التَّكْفِيلُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا بَيْنَ مَجْلِسَيْ الْقَاضِي حَتَّى إذَا كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَكْفُلُ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ يَجْلِسُ فِي كُلِّ عَشَرَةٍ أَيَّامٍ يَوْمًا يَكْفُلُ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْوَجِيهِ وَالْخَامِلِ وَبَيْنَ الْحَقِيرِ مِنْ الْمَالِ وَالْخَطِيرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا يُخْفِي نَفْسَهُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْمَالِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى حَقِيرًا لَا يُخْفِي الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ لِأَجْلِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى التَّكْفِيلِ لَكِنْ إذَا أَعْطَى هُوَ بِاخْتِيَارِهِ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَهَذَا إذَا قَالَ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ أَوْ شُهُودِي غُيَّبُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ كَفِيلٌ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي التَّكْفِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ كَالْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ كُلُّ غَائِبٍ آتِيًا وَيُمْكِنُهُ الِاسْتِحْلَافُ فِي الْحَالِ فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِالتَّكْفِيلِ
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ) أَيْ دَارَ مَعَهُ (حَيْثُ سَارَ) أَيْ إنْ أَبَى أَنْ يَكْفُلَ لَا يَجْبُرُهُ الْقَاضِي عَلَى التَّكْفِيلِ بَلْ يَأْمُرُهُ بِمُلَازَمَتِهِ مِقْدَارَ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حَتَّى لَا يَغِيبَ قَالَ رحمه الله (وَلَوْ) كَانَ (غَرِيبًا لَازَمَهُ مِقْدَارَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) أَيْ إلَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطَعَهَا بِأَمْرِهِ) أَيْ إلَّا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ يَعْنِي إذَا قَطَعَ يَدَ مَنْ قَالَ: اقْطَعْ يَدِي لَا يَجِبُ الضَّمَانُ وَلَكِنْ لَا يُبَاحُ الْقَطْعُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ أَخْرِقْ ثَوْبِي أَوْ أَتْلِفْ مَالِي لَا يُبَاحُ لَهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ لِخَصْمِهِ أَعْطِهِ كَفِيلًا بِنَفْسِك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ) أَيْ فِي إعْطَاءِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْمُدَّعِي وَهَذَا هُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ) أَيْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ (قَوْلُهُ: وَالْخَطِيرُ) لِأَنَّ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ لَمَّا كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ لَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَانَ الْمَالُ خَطِيرًا أَوْ حَقِيرًا كَالْيَمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: فَإِنْ أَبَى لَازَمَهُ) قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِي مَسَائِلِ الْعَدَوِيِّ الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلًا وَأَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إعْطَاءَ الْكَفِيلِ فَالْقَاضِي يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِمُلَازَمَتِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ كَانَ غَرِيبًا إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ غَرِيبًا لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ وَلَكِنْ إنْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَالذَّهَابِ (فَرْعٌ) ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي الْبَابِ الْمُعَلَّمِ بِعَلَامَةِ الْوَاوِ إذَا شَكَّ الرَّجُلُ فِيمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يُرْضِيَ خَصْمَهُ بِشَيْءٍ وَيُصَالِحَهُ وَلَا يُعَجِّلَ بِالْيَمِينِ احْتِرَازًا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ، وَإِنْ أَبَى الْخَصْمُ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ، فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَقِّ وَسِعَهُ ذَلِكَ وَنَذْكُرُ هُنَا نُبَذًا مِنْ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا
أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ ظَاهِرًا وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ لِمَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ التَّوْكِيلَ بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْأَصِيلِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُسْتَوْفَى مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيلِ دُونَ الْوَكِيلِ، وَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الِاسْتِيفَاءُ، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الْأَصِيلِ أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا وَلَا يُغَيِّبَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّغْيِيبَ
قَالَ رحمه الله (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَفِي لَفْظٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا فَقَالَ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تَحْلِفُوا إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِإِطْلَاقِهِ يَمْنَعُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِهِمَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ لِقِلَّةِ مُبَالَاةِ النَّاسِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا، وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا سِيَّمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً
قَالَ رحمه الله (وَتَغْلُظُ بِذِكْرِ أَوْصَافِهِ) أَيْ تُؤَكَّدُ الْيَمِينُ بِذِكْرِ أَوْصَافِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ بِالتَّغْلِيظِ وَيَتَجَاسَرُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا إنْ شَاءَ وَلَهُ أَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْخَصَّافُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحِيَلِ إنْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَنَوَى كُلَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِالْيَمَنِ أَوْ بِالْهِنْدِ أَوْ بِالسِّنْدِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ لَهُ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ: إنْ ابْتَدَأَ الْيَمِينَ بِاَللَّهِ يَحْتَالُ وَيَقُولُ هُوَ اللَّهُ وَيُدْغِمُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَفْهَمَ الْمُسْتَحْلِفُ.
فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ إنَّمَا أُحَلِّفُك بِمَا أُرِيدُ وَقُلْ أَنْتَ نَعَمْ كُلَّمَا أَوْقَعْت أَنَا كَيْفَ يَحْتَالُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ كَتَبَ الْيَمِينَ فِي كِتَابٍ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْمَشْيِ وَصَدَقَةِ مَا يَمْلِكُ قَالَ نَعَمْ وَيَنْوِي بِنَعَمْ مِنْ النَّعَمِ أَيْ مِنْ الْأَنْعَامِ، فَإِذَا أَجَابَهُ بِنَعَمْ يَنْوِي نَعَمًا مِنْ الْأَنْعَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ نِسَاؤُك طَوَالِقُ وَنَوَى نِسَاءَهُ الْعُورَ أَوْ الْعُمْيَانَ أَوْ الْعَرْجَانِ أَوْ الْمَمَالِيكَ أَوْ الْيَهُودِيَّاتِ أَوْ النَّصْرَانِيَّاتِ وَيَقْصِدُ إلَى صِفَةٍ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَكَذَلِكَ الْمَمَالِيكُ وَجَمِيعُ مَا يَمْلِكُ مِنْ نَوْعٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا يَقْصِدُ بِنِيَّتِهِ إلَى مَا شَرَحْت لَك فَيَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ وَلَا يَحْنَثُ وَقَالَ: إنْ كَانَ يُسْتَحْلَفُ عَلَى فِعْلٍ مَضَى وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَأَحْضَرَ الْمَمْلُوكَ قَالَ يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى رَأْسِ الْمَمْلُوكِ وَظَهْرِهِ وَيَقُولُ: هَذَا حُرٌّ يَعْنِي ظَهْرُهُ حُرٌّ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا وَلَا يُعْتَقُ الْمَمْلُوكُ، وَإِنْ حَلَفَ بِعِتْقِ الْمَمْلُوكِ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا يَعْنِي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ وَيَنْوِي ذَلِكَ فَلَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مَرَّ فِعْلُ ذَلِكَ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نَوَى وَقَصَدَ، وَإِنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ قَالَ يَقُولُ امْرَأَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا وَيَنْوِي عَمَلًا مِنْ الْأَعْمَالِ مِثْلَ الْخُبْزِ وَالْغَسْلِ أَوْ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ وَيَنْوِي بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ أَوْ ثَلَاثَ جُمَعٍ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حِنْثٌ.
قَالَ قُلْت: أَرَأَيْت سُلْطَانًا بَلَغَهُ عَنْ رَجُلٍ كَلَامٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي بَلَغَهُ فَمَا الْوَجْهُ فِيهِ قَالَ الْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ الَّذِي اُسْتُحْلِفَ مَا الَّذِي بَلَغَك عَنِّي، فَإِذَا قَالَ بَلَغَنِي عَنْك أَنَّك قُلْت كَذَا وَكَذَا وَحَكَى الْكَلَامَ، فَإِنْ شَاءَ حَلَفَ لَهُ بِالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ أَنَّهُ مَا قَالَ هَذَا الْكَلَامَ الَّذِي حَكَاهُ هَذَا وَلَا سَمِعَ بِهِ إلَّا السَّاعَةَ يَعْنِي مَا تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي حَكَاهُ وَلَا سَمِعَ بِهِ بِهَذَا الْكَلَامِ بِعَيْنِهِ قَبْلَ السَّاعَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إثْمٌ، وَإِنْ شَاءَ نَوَى فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَا شَرَحْنَاهُ، وَإِنْ شَاءَ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَذَا الْكَلَامِ بِالْكُوفَةِ أَوْ بِالْبَصْرَةِ أَوْ فِي الْيَمَنِ أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ غَيْرَ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ تَكَلَّمَ بِهَذَا فِيهِ وَنَوَى بِاللَّيْلِ إنْ كَانَ تَكَلَّمَ بِالنَّهَارِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ بِاللَّيْلِ نَوَى أَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالنَّهَارِ أَوْ نَوَى فِي دَارِ فُلَانٍ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالْبَاقِي يُعْلَمُ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ اهـ أَتْقَانِيٌّ رحمه الله (فَرْعٌ آخَرُ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَرَأَيْت فِي مُحِيطِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ وَاسْتِحْلَافُ الْأَخْرَسِ أَنْ يَقُولَ الْقَاضِي عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ وَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك حَقٌّ فَيُشِيرُ الْأَخْرَسُ بِرَأْسِهِ أَيْ نَعَمْ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَارَةِ مِنْ النُّطْقِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي حَقِّ الْحَلِفِ وَالْقَاضِي لَوْ اسْتَحْلَفَ النَّاطِقَ بِاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ نَعَمْ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ احْلِفْ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ يَمِينًا فَكَذَلِكَ الْأَخْرَسُ وَلَوْ قَالَ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ إنْ كَانَ لِهَذَا عَلَيَّ كَذَا. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَعَتَاقٌ) أَيْ وَحَجٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لَا يَنْفُذُ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ.
يَنْقُصَ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ يُحْتَاطُ وَيَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ كَيْ لَا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَوْ أُمِرَ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَقَدْ أَتَى بِهَا، وَلَوْ لَمْ يُغَلِّظْ جَازَ وَقِيلَ لَا يُغَلِّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغَلِّظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يُغَلِّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ، وَلَوْ غَلَّظَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ مِنْ غَيْرِ تَغْلِيظٍ وَنَكَلَ عَنْ التَّغْلِيظِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ حَصَلَ
قَالَ رحمه الله (لَا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ) أَيْ لَا يُؤَكِّدْ عَلَيْهِ الْيَمِينَ بِزَمَانٍ وَلَا بِمَكَانٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قَسَامَةٍ أَوْ لِعَانٍ أَوْ فِي مَالٍ عَظِيمٍ يَبْلُغُ مِائَتَيْ مِثْقَالٍ تُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ فَيُحَلَّفُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ وَعِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ وَعِنْدَ الصَّخْرَةِ إنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي الْجَوَامِعِ فِي غَيْرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي الْمَسَاجِدِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالتَّخْصِيصُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ وَهُوَ نَسْخٌ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا عَلَى الْقَاضِي حَيْثُ يُكَلَّفُ حُضُورُهَا وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَلِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ الْمُدَّعِي فِي الْيَمِينِ فَلَا يُشْرَعُ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَا تَنْقَطِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِمَا كَالْبَيِّنَةِ
قَالَ رحمه الله (وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى) عليه الصلاة والسلام (وَالنَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى) عليه الصلاة والسلام (وَالْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَالْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لِابْنِ صُورِيَّا الْأَعْوَرِ الْيَهُودِيِّ أَنْشُدُك بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عليه الصلاة والسلام إنَّ حُكْمَ الزِّنَا فِي كِتَابِكُمْ هَذَا» وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْتَقِدُونَ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِمْ فَيُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِمْ وَالْمَجُوسِيُّ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ النَّارِ فَيُؤَكِّدُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ خَالِقِهَا وَالْوَثَنِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُ، وَإِنَّمَا يُشْرِكُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى خَالِصًا احْتِرَازًا عَنْ إشْرَاكِ غَيْرِهِ فِي التَّعْظِيمِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُحَلَّفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ النَّارِ فِي الْيَمِينِ تَعْظِيمًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْعِرُ بِذَلِكَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظِّمَ النَّارَ بِخِلَافِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبُ التَّعْظِيمِ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ فَكَأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الْمُسْلِمِ الشَّعَائِرَ وَلَا يَعْبُدُونَهَا حَقِيقَةً قَالَ رحمه الله (وَلَا يُحَلَّفُونَ فِي بُيُوتِ عِبَادَاتِهِمْ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهَا وَالْقَاضِي مَمْنُوعٌ مِنْ حُضُورِهَا مَعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَرَجِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ عَنْهُ أَيْضًا
قَالَ رحمه الله (وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَيَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ) أَيْ فَإِنَّهُ مَتَى حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً، فَإِذَا حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ يَكُونُ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَيُرَاعِي الْقَاضِي هَذَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ إلَخْ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالصَّبِيُّ التَّاجِرُ وَالْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَوْا أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ أَمَّا الذِّمِّيُّ، فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُ الْمُسْلِمَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى أَحْكَامِنَا إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ بِعَقْدِ الْأَمَانِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّهُ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَجَازَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ التَّاجِرُ عَلَى أَصْلِنَا إذْ الْإِذْنُ فِي التِّجَارَةِ لَهُ جَائِزٌ فَيَصِيرُ كَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي بَابِ الْمُعَامَلَاتِ كَالْحُرِّ وَالْمَرْأَةِ لَا تُفَارِقُ الرِّجَالَ فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فَجَرَيَا مَجْرًى وَاحِدًا إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَيُسْتَحْلَفُ النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَلَا يُسْتَحْلَفُ الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ إلَى هُنَا لَفْظُ الْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ فِي الْأَجْنَاسِ قَالَ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَتَّهِمْهُ الْقَاضِي اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ حَلَّفَهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْيَهُودِ يُحَلَّفُ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَفِي حَقِّ النَّصَارَى بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ وَيُحَلَّفُ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُحَلَّفُ فِي كَنِيسَةِ الْيَهُودِ وَلَا بَيْعَةِ النَّصَارَى وَلَا بِبَيْتِ نَارِ الْمَجُوسِيِّ، وَإِنَّمَا يَسْتَحْلِفُهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي وَالْأَصْلُ أَنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ النُّكُولُ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ أَوْ بَذْلٌ وَالْكَافِرُ يَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ وَالْبَذْلُ فَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ عَلَى مُوسَى) أَيْ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ مُوسَى وَيَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ لَهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: عَلَى عِيسَى) أَيْ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ يُقِرُّ بِنُبُوَّةِ عِيسَى وَيَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ لَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَالْمَسِيحُ هُوَ اللَّهُ وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: صُورِيَّا) بِالْقَصْرِ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنْشُدُك) أَيْ أَسْأَلُك. اهـ. (قَوْلُهُ: بِذِكْرِ خَلْقِهَا) كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ وَفِي بَعْضِ الشُّرُوحِ بِذِكْرِ خَالِقِهَا اهـ
(فَرْعٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الْأَقْطَعِ وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَإِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِإِدْرِيسَ عليه السلام اُسْتُحْلِفُوا بِاَلَّذِي أَنْزَلَ الصُّحُفَ عَلَى إدْرِيسَ عليه السلام، وَإِنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْكَوَاكِبَ اُسْتُحْلِفُوا بِاَلَّذِي خَلَقَ الْكَوَاكِبَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ
بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ وَبَيْعٌ قَائِمٌ وَمَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ وَمَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْغَصْبِ وَالطَّلَاقِ) وَلَا يُقَالُ بِاَللَّهِ مَا نَكَحْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا غَصَبْت وَلَا بِاَللَّهِ مَا طَلَّقْت؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ قَدْ تَقَعُ ثُمَّ تَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَالطَّلَاقِ وَالْإِقَالَةِ وَالْهِبَةِ وَالنِّكَاحِ الْجَدِيدِ فَلَا يُمْكِنُ تَحْلِيفُهُ عَلَى السَّبَبِ فَيُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ كَيْ لَا يَتَضَرَّرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ ثُمَّ ادَّعَى طُرُوَّ الرَّافِعِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيَحْتَالُ بِهَذَا الطَّرِيقِ إذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَسْبَابِ أَحْكَامُهَا فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِهَا لَا عَلَى نَفْيِ السَّبَبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَبُ إلَّا إذَا عَرَضَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ قَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ ثُمَّ تَقَايَلْنَا وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ نَظَرًا لَهُ كَيْ لَا يَفُوتَ حَقُّهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ وَلَيْسَ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي، فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ كَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذَا ادَّعَى الْعِتْقَ عَلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهِمَا بِالِارْتِدَادِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ ثُمَّ الِالْتِحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ عِنْدَ ارْتِدَادِهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ ضَرَرٌ بِالْمُدَّعِي مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرَاهَا وَمِثْلُ أَنْ تَدَّعِيَ الْمَبْتُوتَةُ النَّفَقَةَ وَالزَّوْجُ لَا يَرَاهَا، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ حِينَئِذٍ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ فِي تَحْلِيفِهِ عَلَى الْحَاصِلِ تَرْكَ النَّظَرِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إذْ هُوَ يَحْلِفُ بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِهِ فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُدَّعِي
قَالَ رحمه الله: (وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ أَوْ نَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ) لِمَا ذَكَرْنَا فَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى الْحَاصِلِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إلَّا إذَا أَدَّى إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِي أَوْ كَانَ سَبَبًا لَا يَتَكَرَّرُ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ التَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا إذَا عَرَضَ فَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله (وَعَلَى الْعِلْمِ لَوْ وَرِثَ عَبْدًا فَادَّعَاهُ آخَرُ) أَيْ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ إذَا وَرِثَ عَبْدًا وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ لَهُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْلَمُ بِمَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ وَهُوَ مُحِقٌّ ظَاهِرًا فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ رحمه الله (وَعَلَى الْبَتَاتِ لَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ) يَعْنِي يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ إنْ كَانَ مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ أَوْ بِشِرَائِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ وَالشِّرَاءَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُمَلَّكِ لَهُ لَمَا بَاشَرَ السَّبَبَ ظَاهِرًا فَيَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِاخْتِيَارِهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ التَّفَحُّصِ ظَاهِرًا فَيُطْلَقُ لَهُ الْحَلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ.
فَإِذَا امْتَنَعَ عَمَّا أُطْلِقَ لَهُ يَكُونُ بَاذِلًا أَمَّا الْوَارِثُ، فَإِنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِي الْمِلْكِ وَلَا يَدْرِي مَا فَعَلَ الْمُوَرِّثُ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُطْلَقُ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّ الْوَارِثَ خَلَفٌ عَنْ الْمَيِّتِ وَالْيَمِينُ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبُ لَهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ مَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ فَالْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ وَمَتَى وَقَعَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ تَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام حَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا عَلِمْتُمْ لَهُ قَاتِلًا فَحَلَّفَهُمْ عَلَى الْبَتَاتِ فِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُهُمْ وَفِي الثَّانِي عَلَى الْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِمْ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْأَصْلُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا إلَّا فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْعَبْدَ آبِقٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي تَحْلِيفَ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْبَتَاتِ مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ بِنَفْسِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْعِلْمِ إذَا قَالَ الْمُنْكِرُ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْعِلْمَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا نِكَاحٌ قَائِمٌ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِهِمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لَا يَجْرِي فِي النِّكَاحِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: الْآنَ) قَيْدٌ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ مَا اسْتَقْرَضْت مَا غَصَبْت. اهـ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ الِالْتِحَاقُ بِدَارِ الْحَرْبِ) أَيْ وَالسَّبْيُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِنْ ادَّعَى شُفْعَةً إلَخْ) قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الِاسْتِحْلَافِ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عِنْدَ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادِ بْن أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ اشْتَرَى دَارًا فِي جِوَارِهِ وَأَنَّهُ يُطَالَبُ بِالشُّفْعَةِ فِيهَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ فَأَرَادَ إسْمَاعِيلُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت فَقَالَ قَدْ يَشْتَرِي الْإِنْسَانُ وَيُسْقِطُ الشَّفِيعُ شُفْعَتَهُ فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَقَالَ الْمُدَّعِي إنَّ هَذَا يَعْتَقِدُ أَنَّ شُفْعَةَ الْجِوَارِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَإِنْ اسْتَحْلَفْته تَأَوَّلَ ذَلِكَ فَقَالَ إسْمَاعِيلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ الشِّرَاءِ فَقَدْ حَكَمْتُ عَلَيْك بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ اسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْك شُفْعَةٌ فِي هَذِهِ الدَّارِ فِي الْحَالِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُشْتَرِي أَوْ الزَّوْجُ لَا يَرَاهُمَا) أَيْ كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ الْمُشْتَرِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ اهـ (قَوْلُهُ: وَمُبَاشَرَتُهُ) خَرَجَ بِهَذَا الْإِرْثُ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْمِلْكِ لَكِنْ لَيْسَ بِاخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَمُبَاشَرَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا ادَّعَى قَبْضَ الْمُوَكِّلِ الثَّمَنَ) أَيْ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ بِاَللَّهِ لَقَدْ قَبَضَ الْمُوَكِّلُ. اهـ.