الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِي الْيَدِ بِكَفِيلٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا إنْ كَانَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْجَاحِدَ خَائِنٌ، فَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْجُحُودِ ثَانِيًا، وَالْقَاضِي نُصِّبَ نَاظِرًا لِلْغَيْبِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مِنْ النَّظَرِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُوجَدُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَلَا كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ مِنْهُ وَوَضْعُهَا فِي يَدِ عَدْلٍ وَلِأَنَّهُ يُخَافُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الشَّيْءَ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ عَدْلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ مُتَعَيِّنٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْحَاضِرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ عَنْ الْغَائِبِ فِي اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِوَدَائِعِ النَّاسِ، وَلَا لِغَيْرِهَا حَتَّى يَأْخُذَهَا مِنْ أَيْدِي مَنْ هِيَ عِنْدَهُ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ عَرَفَ الْقَاضِي مِلْكًا لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ رَآهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ مَا لَمْ يَحْضُرْ خَصْمُهُ فَكَذَا هَذَا.
وَهَذَا لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ مَقْصُودًا وَلِهَذَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ بِكُلِّ الدَّارِ بِحُضُورِ الْبَعْضِ مِنْ الْوَرَثَةِ وَتُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ فِيهِ وَصَايَاهُ، وَصَاحِبُ الْيَدِ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ أَوْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فَلَا يَنْقُضُ يَدَهُ كَمَا إذَا كَانَ مُقِرًّا، وَجُحُودُهُ قَدْ ارْتَفَعَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُضِرُّ بِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الْجُحُودَ بَعْدَ ذَلِكَ لِكَوْنِ الْحَادِثَةِ مَعْلُومَةً لَهُ وَلِلْقَاضِي وَمُسَجَّلَةً فِي خَرِيطَةِ الْقَاضِي، وَلَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَمُوتَ الْقَاضِي فَيَعُودَ إلَى الْإِنْكَارِ لِأَنَّا نَقُولُ مَوْتُ الْقَاضِي أَوْ الشُّهُودِ الَّذِينَ عَايَنُوا الْقَضَاءَ أَوْ الَّذِينَ شَهِدُوا بِأَصْلِ الْحَقِّ أَوْ نِسْيَانُهُمْ مِنْ أَنْدَرِ مَا يَكُونُ، فَلَا يُعْتَبَرُ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ فَقَدْ قِيلَ لَا يُتْرَكُ النِّصْفُ الَّذِي هُوَ لِلْغَائِبِ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ يُنْزَعُ مِنْهُ وَيُدْفَعُ إلَى عَدْلٍ يَحْفَظُهُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ عَلَيْهِ كَمَا لِلْأَبِ ذَلِكَ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ فِيمَا وَرِثَهُ مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ حِفْظَهُ عَلَى الصَّغِيرِ دُونَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَوَصِيُّهُمْ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ فَيَمْلِكُ مَا يَمْلِكُونَهُ وَقِيلَ الْمَنْقُولُ أَيْضًا عَنْ الْخِلَافِ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فِيهِ أَظْهَرُ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، وَلَوْ أُخِذَ وَدُفِعَ إلَى أَمِينِ الْقَاضِي كَانَ أَمَانَةً فَكَانَ التَّرْكُ أَبْعَدَ مِنْ التَّوَى وَإِنَّمَا لَا يُؤْخَذُ الْكَفِيلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ فِيهَا إنْشَاءَ خُصُومَةٍ وَالْقَاضِي نُصِبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا.
وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا الْقَضَاءِ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فَيُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمَيِّتِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ عَنْهُ، وَكَذَا يَقُومُ الْوَاحِدُ مَقَامَهُ فِيمَا عَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا فَيَقُومُ مَقَامَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ عَامِلٌ فِيهِ لِنَفْسِهِ لَا عَنْ الْمَيِّتِ، فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا لِعَدَمِ التَّوْكِيلِ مِنْهُمْ وَلِعَدَمِ قِيَامِهِمْ فِيهِ مَقَامَ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ فِيهِ عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا لَهُ، وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ نَائِبًا لَهُمْ أَيْضًا فِي ضَمِنِهِ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنَّمَا يَكُونُ قَضَاؤُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي فِي يَدِ الْوَارِثِ الْحَاضِرِ، وَلَوْ كَانَ الْبَعْضُ فِي يَدِهِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْعَيْنِ لَا تَتَوَجَّهُ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ، فَلَا يَكُونُ خَصْمًا عَنْهُمْ إلَّا فِي قَدْرِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا حَيْثُ يَنْتَصِبُ فِيهِ بَعْضُ الْوَرَثَةِ خَصْمًا عَنْ الْكُلِّ مُطْلَقًا.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ قَالَ مَالِي أَوْ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَالِ الزَّكَاةِ، وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالْكُلِّ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ رحمه الله لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمُطْلَقُ الْمَالِ فِي بَابِ الصَّدَقَاتِ بِإِيجَابِ اللَّهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى؛ {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج: 24] وقَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] فَكَذَا مَا يُوجِبُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ فَكَذَا هِيَ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَلْتَزِمُ الصَّدَقَةَ مِنْ فُضُولِ مَالِهِ وَهُوَ مَالُ الزَّكَاةِ حَالَ حَيَاتِهِ وَجَمِيعُ الْمَالِ حَالَ وَفَاتِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ جِنْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهِيَ السَّوَائِمُ وَالنَّقْدَانِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَبْلُغْ قَدْرَ النِّصَابِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُقِرًّا) أَيْ لِأَنَّهُ أَمِينُ الْمَيِّتِ، فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ تُوضَعُ فِي يَدِ أَمِينٍ آخَرَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ الدَّارُ أَمِينًا لَا يَحْتَاجُ إلَى أَمِينٍ آخَرَ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْمَنْقُولِ إلَخْ) قَالَ الزَّاهِدُ الْعَتَّابِيُّ، وَلَوْ كَانَ عُرُوضًا يُؤْخَذُ مِنْ يَدِهِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْعُرُوضَ يُمْكِنُ تَعْيِيبُهُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّ الْمَنْقُولَ يَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ دُونَ الْعَقَارِ، وَالْبَيْعُ أَبْلَغُ فِي حِفْظِهِ مِنْ تَرْكِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْقَاضِي نُصِّبَ لِقَطْعِهَا لَا لِإِنْشَائِهَا) وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَجِدُ كَفِيلًا وَلَا يَسْمَحُ بِإِعْطَائِهِ وَالْأَخُ الْحَاضِرُ يُطَالِبُ بِهِ فَتَثُورُ الْخُصُومَةُ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يُحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ وَلَا الْقَضَاءِ) أَيْ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ الْكَائِنِ فِي غَيْبَتِهِ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ نَفْسِ الِاسْتِيفَاءِ) أَيْ اسْتِيفَاءِ نَصِيبِهِ. اهـ. .
[قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة]
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ أَخَذَ بِهِ عُلَمَاؤُنَا الثَّلَاثَةُ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ كَالْوَصِيَّةِ فَيَلْزَمُهُ التَّصْدِيقُ بِالْكُلِّ) أَيْ بِكُلِّ مَالٍ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَالِ الزَّكَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ. اهـ. (قَوْلُهُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ) أَيْ وَالْبَتِّيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لِعُمُومِ اسْمِ الْمَالِ كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي لُبَابَةَ حِينَ قَالَ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي يَجْزِيك الثُّلُثُ» اهـ كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنْ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامٌ يَنْصَرِفُ إلَى طَعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ اسْتِدْلَالًا بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَذَا هُنَا اهـ كَاكِيٌّ
وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا، وَلَا شَرَائِطُهَا وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله لِأَنَّهَا سَبَبُ الصَّدَقَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَصْرِفَهُ مَصَارِفُ الزَّكَاةِ فَكَانَتْ جِهَةُ الصَّدَقَةِ فِيهَا رَاجِحَةً وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رحمه الله لَا تَدْخُلُ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْمُؤْنَةِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمُكَاتَبِ، وَفِي أَرْضٍ لَا مَالِكَ لَهَا كَالْأَوْقَافِ فَكَانَتْ جِهَةُ الْمُؤْنَةِ رَاجِحَةً عِنْدَهُ.
وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله قَالَ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ مَعَهُ، وَلَا تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْخَرَاجِيَّةُ لِأَنَّهَا تَمَحَّضَتْ مُؤْنَةً، وَلَا يَدْخُلُ الرَّقِيقُ لِلْخِدْمَةِ، وَلَا الْعَقَارُ وَأَثَاثُ الْمَنَازِلِ وَثِيَابُ الْبِذْلَةِ وَسِلَاحُ الِاسْتِعْمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ لِمَا ذَكَرْنَا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُ فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا يَمْلِكُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِي قَوْلِهِ مَالِي صَدَقَةٌ أَوْ جَمِيعُ مَالِي صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ أَعَمُّ مِنْ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى غَيْرِهِ يُقَالُ مِلْكُ النِّكَاحِ وَمِلْكُ الْقِصَاصِ وَمِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَالُ لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِذَا كَانَ لَفْظُ الْمِلْكِ أَعَمَّ تَنَاوَلَ جَمِيعَ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ مِمَّا يُتَصَدَّقُ بِهِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ اسْتِعْمَالًا وَاحِدًا، فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْأُخَرِ فَيَكُونُ فِيهِ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ كَمَا فِي الْمَالِ وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ عَادَةً يَلْتَزِمُ التَّصَدُّقَ بِالْفَاضِلِ عَلَى الْحَاجَةِ فَيَنْصَرِفُ فِيهَا إلَى جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ قُوتِهِ، فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا أَمْسَكَ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْسِكْ قَدْرَ حَاجَتِهِ لَتَكَفَّفَ النَّاسَ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا عِنْدَهُ، ثُمَّ يَتَكَفَّفُ مِنْ سَاعَتِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْمَبْسُوطِ قَدْرَ مَا يُمْسِكُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعِيَالِ وَبِاخْتِلَافِ مَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ التَّحْصِيلِ فَبَعْضُ أَهْلِ الْحِرَفِ يَحْصُلُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ وَبَعْضُهُمْ كُلَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ وَبَعْضُهُمْ أَقَلُّ، وَكَذَا أَهْلُ التِّجَارَةِ وَأَهْلُ الزَّرْعِ يَتَجَدَّدُ لَهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَهْلُ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ عَادَةً وَهُمْ الَّذِينَ لَهُمْ دُورٌ وَحَوَانِيتُ وَخَانَاتٌ يُؤَجِّرُونَهَا فَيُمْسِكُ أَهْلُ كُلِّ صَنْعَةٍ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِ إلَى أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ حَاصِلُهُ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَهُوَ وَصِيٌّ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ مَالَ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ، ثُمَّ عَلِمَ لَمْ يَجُزْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْوَصِيَّةِ أَيْضًا حَتَّى يَعْلَمَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَابَهُ إلَّا أَنَّ أَحَدَهُمَا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَالْآخَرَ بَعْدَ الْمَمَاتِ. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ خِلَافَةٌ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بَعْدَ انْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْمُوصِي، فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ وَكَثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ وَالْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا الصَّغِيرِ لَوْ مَاتَ وَبَاعَ الْجَدَّ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِمَوْتِهِ جَازَ فَكَذَا هَذَا أَمَّا الْوَكَالَةُ فَإِثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ بِاسْتِخْلَافٍ لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ، فَلَا يَصِحُّ بِلَا عِلْمِ مَنْ يَثْبُتُ لَهُ الْوِلَايَةُ كَإِثْبَاتِ الْوِلَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ قَادِرٌ فَيَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَفُوتُهُ النَّظَرُ، فَلَا حَاجَةَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ الْعِلْمِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ لِلْعَبْدِ وَالصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ، فَلَا تَثْبُتُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْمَأْذُونِ لَهُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْأَذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ بِدُونِ الْعِلْمِ.
قَالَ رحمه الله (وَمَنْ أُعْلِمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَعْلَمَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ كَانَ وَكِيلًا وَجَازَ تَصَرُّفُهُ سَوَاءٌ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ أَوْ غَيْرُ عَدْلٍ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ جِنْسُ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لَا قَدْرُهَا) وَلِذَا قَالُوا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَالِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإِنْ قَضَى بِهِ دَيْنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَكْتَسِبُهُ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةُ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَلْ تَدْخُلُ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ فَيَجِبُ التَّصْدِيقُ بِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ جِهَةَ الصَّدَقَةِ غَالِبَةٌ فِي الْعُشْرِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا؛ لِأَنَّ جِهَةَ الْمُؤْنَةِ غَالِبَةٌ عِنْدَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ) حَتَّى لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَصِيَّةِ جَازَ الْبَيْعُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ الْمَأْذُونِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَفَرْقُهُمَا أَنَّ الْوَصَايَا خِلَافَةٌ كَالْإِرْثِ، فَلَا يَتَوَقَّفُ كَالْإِرْثِ فَتَثْبُتُ بِلَا عِلْمٍ، وَالْوَكَالَةُ إنَابَةٌ فَيُشْتَرَطُ الْعِلْمُ كَمَا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَعَلَى رِوَايَةِ كِتَابِ الْوَكَالَةِ لَا يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ لِلْوَكَالَةِ أَيْضًا اعْتِبَارًا لِلْوِصَايَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إثْبَاتُ الْوِلَايَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ عِنْدَ رَجُلٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ انْطَلِقْ وَاشْتَرِ عَبْدِي مِنْ فُلَانٍ لِنَفْسِك فَذَهَبَ فَاشْتَرَاهُ وَلَمْ يَكُنْ رَبُّ الْعَبْدِ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِالْبَيْعِ فَإِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَجُوزُ وَيَكُونُ أَمَرَ الْمُشْتَرِي بِالشِّرَاءِ وَكَالَةً لِلْبَائِعِ بِالْبَيْعِ قَالَ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا، ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ رِوَايَةِ الْمَأْذُونِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ إذْنًا مَا لَمْ يُعْلِمْهُ الرَّسُولُ بِذَلِكَ كَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورَ فِي بَابِ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ الْوَكَالَةُ مِنْ شَرْحِ الْكَافِي اهـ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ قَالَ وَقَدْ مَرَّ تَمَامُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ بِالْمَوَارِيثِ اهـ وَانْظُرْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ فِي بَابِ مَا تَقَعُ بِهِ الْوَكَالَةُ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَكِيلَ هَلْ يَصِيرُ وَكِيلًا قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْوَصِيُّ يَصِيرُ وَصِيًّا بِدُونِ الْعِلْمِ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَتَصَرُّفِ الْوَارِثِ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِمَوْتِهِ جَازَ بَيْعُهُ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ أَعْلَمَ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا تَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِخَبَرِ
وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِطْلَاقُ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ كَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ، وَلَا الْإِسْلَامُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا التَّمْيِيزُ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ كَالْإِخْبَارِ لِلسَّيِّدِ بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ) يَعْنِي لَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ عَنْ الْوَكَالَةِ إلَّا بِخَبَرِ عَدْلٍ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ غَيْرِ عَدْلٍ إلَخْ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُخْبِرِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَّا التَّمْيِيزُ لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلْزَامًا مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ.
بَيَانُ الْإِلْزَامِ أَنَّ الْوَكِيلَ يَلْزَمُهُ الْعُهْدَةُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ، وَكَذَا الشَّفِيعُ يَلْزَمُهُ سُقُوطُ الشُّفْعَةِ عَلَى تَقْدِيرِ سُكُوتِهِ وَعَلَيَّ تَقْدِيرِ الطَّلَبِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَكَذَا الْبِكْرُ عَلَى تَقْدِيرِ السُّكُوتِ يَلْزَمُهَا النِّكَاحُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الرَّدِّ لَا يَلْزَمُهَا، وَكَذَا السَّيِّدُ عَلَى تَقْدِيرِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِالْعِتْقِ وَغَيْرُهُ يَلْزَمُهُ الْأَرْشُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصَرُّفِ لَا يَلْزَمُهُ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ كَمَا فِي الْمُنَازَعَاتِ عِنْدَ الْحُكَّامِ، وَفِيمَا لَا يَلْزَمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ، وَلَا الْعَدَالَةُ، فَإِذَا كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي النِّكَاحِ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْفَاسِقِ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ بِخَبَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمُخْبِرَ بِهِ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَلَا فَلْيُبَلِّغْ» الْحَدِيثَ، وَفِي الرَّسُولِ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ كَالْبِكْرِ إذَا أَخْبَرَهَا رَسُولُ الْوَلِيِّ بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عَزَلَهُ الْمُوَكِّلُ وَبَلَّغَهُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَلِّغْهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ حَتَّى يُبَلِّغَهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ نَهْيَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِنَوَاهِي الشَّرْعِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ النَّهْيُ فِي الشَّرْعِ بَعْدَ الْإِطْلَاقِ قَبْلَ الْبُلُوغِ إلَى الْمُكَلَّفِ حَتَّى لَا يَحْرُمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ فَكَذَا نَهْيُ الْعَبْدِ وَهَذَا فِي الْعَزْلِ الْقَصْدِيِّ، وَأَمَّا إذَا كَانَ حُكْمِيًّا فَيَثْبُتُ وَيَنْعَزِلُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ مُطْبِقًا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بَاعَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتَحَقَّ الْعَبْدَ لَمْ يَضْمَنْ) أَيْ ضَاعَ ثَمَنُ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ لَمْ يَضْمَنْ الْقَاضِي، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ أَمِينَ الْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي قَائِمٌ مَقَامَ الْخَلِيفَةِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لَتَقَاعَدُوا عَنْ قَبُولِ هَذِهِ الْأَمَانَةِ كَيْ لَا يَلْزَمَهُمْ الضَّمَانُ وَتَعَطَّلَتْ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَ الثَّمَنَ وَضَاعَ فِي يَدِهِ وَهَلَكَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْقَاضِي، وَلَا أَمِينُهُ الثَّمَنَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رحمه الله (وَرَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ الْبَيْعَ وَاقِعٌ لَهُمْ فَيَكُونُ عُهْدَتُهُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ تَعَذُّرِ جَعْلِهَا عَلَى الْعَاقِدِ كَمَا يَجْعَلُ الْعُهْدَةَ عَلَى الْمُوَكِّلِ إذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا عَلَى الْوَكِيلِ بِأَنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ فَاسْتُحِقَّ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ هُوَ الْعَاقِدُ نِيَابَةً عَنْ الْمَيِّتِ فَتَرْجِعُ الْحُقُوقُ إلَيْهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى إلَيْهِ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا نَصَّبَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَّبَهُ لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَيِّتِ لَا لِيَكُونَ قَائِمًا مَقَامَ الْقَاضِي فَصَارَ كَمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْمَيِّتُ قَالَ رحمه الله (وَهُوَ عَلَى الْغُرَمَاءِ) أَيْ رَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُمْ وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلًا وَلَحِقَهُ بِسَبَبِهِ ضَمَانٌ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ الْعَمَلُ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ ذَلِكَ مَالٌ رَجَعَ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدِينِهِ؛ لِأَنَّ دَيْنَهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُوصِي أَوْ لِلْمُشْتَرِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْقَاضِيَ أَوْ أَمِينَهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ وَقِيلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْوَصِيِّ كَقَبْضِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرْنَا وَالْوَارِثُ إذَا بِيعَ لَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْوَاحِدِ أَصْلًا لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ عَقْدًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ وَلِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ اهـ فَتْحٌ (وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ) فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ فَكَانَ كَقَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا عَلَى يَدِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ الْإِجْمَاعِ وَالنَّصِّ فَقَدْ «كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا مِنْ الْعَبْدِ وَالتَّقِيِّ وَيَشْتَرِي مِنْ الْكَافِرِ» . اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَا يَثْبُتُ عَزْلُهُ إلَّا بِعَدْلٍ أَوْ مَسْتُورَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْمُخْبِرَ بِالْعَزْلِ لَوْ كَانَ فَاسِقًا وَصَدَّقَهُ يَنْعَزِلُ. اهـ. (قَوْلُهُ إلَّا التَّمْيِيزَ) لِأَنَّهَا مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَمَجْلِسُ الْقَضَاءِ فَيُعْتَبَرُ خَبَرُ الْوَاحِدِ عَدْلًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصَارَ كَالْإِخْبَارِ بِالتَّوْكِيلِ إلَخْ)، ثُمَّ إثْبَاتُ الْوَكَالَةِ يَصِحُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا عَدْلًا كَانَ أَوْ فَاسِقًا رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً صَبِيًّا كَانَ أَوْ بَالِغًا، وَكَذَلِكَ الْعَزْلُ عِنْدَهُمَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ حَتَّى لَا يَثْبُتَ الْعَزْلُ عِنْدَهُ إلَّا بِخَبَرِ الِاثْنَيْنِ أَوْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ. قَالُوا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَوْلَى الْعَبْدِ الْجَانِي إذَا أَخْبَرَ بِالْجِنَايَةِ فَبَاعَ أَوْ أَعْتَقَ هَلْ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَكَذَا الشَّفِيعُ إذَا سَكَتَ بَعْدَ مَا أَخْبَرَ بِالْبَيْعِ، وَكَذَا الْبِكْرُ إذَا سَكَتَتْ بَعْدَ مَا أَخْبَرَتْ بِإِنْكَاحِ الْوَلِيِّ، وَكَذَا الَّذِي أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ فَأَخْبَرَ بِالشَّرَائِعِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ أَخْبَرَنَا بِالْحَجْرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ أَوْ الْعَدَالَةِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ، وَيَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ بِالسُّكُوتِ وَيَكُونُ السُّكُوتُ رِضًا مِنْ الْبِكْرِ وَيَلْزَمُ الشَّرَائِعُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَعْتَبِرَانِ الِانْتِهَاءَ بِالِابْتِدَاءِ غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْمُشْتَرِي) قَالَ الْكَمَالُ فَلَوْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ بِلَا شَكٍّ.
كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ كَانَ الْعَاقِدُ عَامِلًا فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ إنْ كَانَ هُوَ وَصِيَّ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَالَ قَاضٍ عَدْلٌ عَالِمٌ قَضَيْتُ عَلَى هَذَا بِالرَّجْمِ أَوْ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالضَّرْبِ فَافْعَلْهُ مَا وَسِعَك فِعْلُهُ) قَيَّدَهُ هُنَا بِكَوْنِهِ عَدْلًا عَالِمًا، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِنَّمَا يَسَعُهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ وَاجِبَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَفِي تَصْدِيقِهِ طَاعَةٌ وَلِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فِي الْحَالِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِخُلُوِّهِ عَنْ التُّهْمَةِ وَلِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ إلَّا قَاضٍ وَاحِدٌ فِي الْأَعْصَارِ كُلِّهَا، وَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَحْدَهُ لَوُلِّيَ فِي مَكَان قَاضِيَانِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ ثُمَّ رَجَعَ مُحَمَّدٌ رحمه الله عَنْ هَذَا فَقَالَ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ أَوْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ مَعَ الْقَاضِي عَدْلٌ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا رحمهم الله لِفَسَادِ أَكْثَرِ قُضَاةِ زَمَانِنَا، وَالتَّدَارُكُ غَيْرُ مُمْكِنٍ ولِأَنَّ قَبُولَ خَبَرِ الْوَاحِدِ رُتْبَةُ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَغَيْرُهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ إلَّا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي لِضَرُورَةِ إحْيَاءِ الْحُقُوقِ وَلِأَنَّ الْخِيَانَةَ فِي مِثْلِهِ قَلَّمَا تَقَعُ، وَقَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ رحمه الله إنْ كَانَ عَدْلًا عَالِمًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ تُهْمَةِ الْخِيَانَةِ وَاحْتِمَالِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُ لِعَدَالَتِهِ يُؤْمَنُ مِنْ الْمَيْلِ بِالرِّشْوَةِ وَلِفِقْهِهِ يُؤْمَنُ مِنْ الْغَلَطِ ظَاهِرًا، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يَسْتَفْسِرُ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ الدَّلِيلِ دَلِيلًا فَإِنْ أَحْسَنَ بِأَنْ ذَكَرَ شَرَائِطَهُ مِثْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحَدِّ الزِّنَا مَثَلًا بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَيَأْتِي بِشَرَائِطِهِ عِنْدَ التَّفْسِيرِ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ تَمْنَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ بِأَنْ أَخَلَّ فِي شَرَائِطِهِ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ أَوْ التَّكْرَارِ فِي الْإِقْرَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ الْحُجَّةَ وَالْمُصَنِّفُ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ لِاحْتِمَالِ الْخَطَأِ أَوْ الْخِيَانَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَبَأِ الْفَاسِقِ {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ، فَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ وَالْقَاضِي لَيْسَ بِخَصْمٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمِينٌ، وَلَوْ صَارَ خَصْمًا لَمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ.
قَالَ (وَإِنْ قَالَ قَاضٍ عُزِلَ لِرَجُلٍ أَخَذْتُ مِنْكَ أَلْفًا وَدَفَعْتُهُ إلَى زَيْدٍ قَضَيْتُ بِهِ عَلَيْك فَقَالَ الرَّجُلُ أَخَذْتَهُ ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْقَاضِي) وَكَذَا لَوْ قَالَ قَضَيْتُ بِقَطْعِ يَدِك فِي حَقٍّ إذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ يَدَهُ وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ مَالُهُ مُقِرًّا أَنَّهُ فَعَلَهُ وَهُوَ قَاضٍ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَمَّا أَقَرَّ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي حَالِ قَضَائِهِ صَارَ مُعْتَرِفًا بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لِلْقَاضِي؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْقَاضِي عَلَى سَبِيلِ الْقَضَاءِ لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ بِحَالٍ فَجَعَلَ الْقَوْلَ قَوْلَهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي ذَلِكَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَالِ قَضَائِهِ بِتَصَادُقِهِمَا، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْقَاضِي لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ أَقَرَّ الْآخِذُ وَالْقَاطِعُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَدَفْعُهُ صَحِيحٌ فَصَارَ إقْرَارُهُ بِهِ كَفِعْلِهِ مُعَايِنًا.
وَلَوْ زَعَمَ الْمَقْطُوعُ يَدُهُ وَالْمَأْخُوذُ مَالُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا يَوْمئِذٍ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ التَّقْلِيدِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْقَاضِي أَيْضًا لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ وَالْجُنُونُ كَانَ مَعْهُودًا مِنْهُ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إذَا زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ وَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَتَى وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي الْإِسْنَادِ يُحَكَّمُ الْحَالُ كَمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي جَرَيَانِ مَاءِ الطَّاحُونَةِ وَهُوَ لَوْ فَعَلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْإِسْنَادِ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ ثَبَتَ الْإِسْنَادُ بِتَصَادُقِهِمَا.
وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ، وَنَظِيرُهُ إذَا قَالَ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ قَطَعْتُ يَدَك وَأَنَا عَبْدٌ، وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ قَطَعْتَهَا وَأَنْتَ حُرٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى لِعَبْدٍ قَدْ أَعْتَقَهُ أَخَذْتُ مِنْك غَلَّةَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَأَنْتَ عَبْدٌ، وَقَالَ الْمُعْتَقُ أَخَذْتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَوْلَى، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا قَالَ بِعْتُ وَسَلَّمْتُ قَبْلَ الْعَزْلِ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْوَكِيلِ إنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُسْتَهْلَكًا، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَمَّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فِيهِ فَيَصِيرُ مُدَّعِيًا، وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الْغَلَّةِ الْقَائِمَةِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالْأَخْذِ وَبِالْإِضَافَةِ يُدَّعَى عَلَيْهِ التَّمْلِيكُ، وَلَوْ أَقَرَّ الْقَاطِعُ وَالْآخِذُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنَانِ لِأَنَّهُمَا أَقَرَّا بِسَبَبِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهَلْ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِالْمِائَةِ الَّتِي غَرِمَهَا أَيْضًا يُرِيدُ بِالْمِائَةِ مَا ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي وَفَرْضُهُ مِائَةٌ لِأَنَّهُ لَحِقَهُ ذَلِكَ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا بِالِاتِّفَاقِ أَعْنِي جَوَازَ أَنْ يُقَالَ، وَأَمَّا الْوَاقِعُ مِنْ الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ بِمَا ضَمِنَ فَفِيهِ خِلَافٌ قِيلَ نَعَمْ وَقَالَ مَجْدُ الْأَئِمَّةِ السُّرْخَكَتِيُّ لَا يَأْخُذُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ إنَّمَا ضَمِنَ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى غَيْرِهِ وَفِي الْكَاكِيِّ الْأَصَحُّ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ، وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي التَّصْحِيحِ كَمَا سَمِعْت اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ هُوَ الْعَاقِدَ رَجَعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَارِثِ إذَا كَانَ أَهْلًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا نَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ مَنْ يَقْضِي دَيْنَهُ اهـ كَيْ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا جَاهِلًا يُسْتَفْسَرُ) أَيْ عَنْ قَضَائِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ جَاهِلًا فَشَمِلَ صُورَتَيْنِ وَالْأَقْسَامُ عَلَى هَذَا أَرْبَعَةٌ: عَدْلٌ عَالِمٌ لَا يُسْتَفْسَرُ. عَدْلٌ جَاهِلٌ يُسْتَفْسَرُ. فَاسِقٌ عَالِمٌ. فَاسِقٌ جَاهِلٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا إلَّا إنْ عَايَنَ الْحُجَّةَ اهـ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ الْآخِذُ وَالْقَاطِعُ فِي هَذَا الْفَصْلِ) أَرَادَ بِهَذَا الْفَصْلِ مَا إذَا زَعَمَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَوْ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ أَنَّ الْأَخْذَ أَوْ الْقَطْعَ وَقَعَ قَبْلَ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ. اهـ. غَايَةٌ