المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره] - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ٤

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌(كِتَابُ الْبُيُوعِ)

- ‌[فَصْلٌ يَدْخُلُ الْبِنَاءُ وَالْمَفَاتِيحُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالشَّجَرُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ]

- ‌بَابُ خِيَارِ الشَّرْطِ

- ‌(بَابُ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ)

- ‌(بَابُ خِيَارِ الْعَيْبِ)

- ‌(بَابُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ)

- ‌(فَصْلٌ) (قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَمْرِ الْبَائِعِ وَكُلٌّ مِنْ عِوَضَيْهِ مَالٌ

- ‌(بَابُ الْإِقَالَةِ)

- ‌[بَابُ التَّوْلِيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ بَيْعُ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ]

- ‌بَابُ الرِّبَا

- ‌ بَيْعُ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَالتُّفَّاحَةِ بِالتُّفَّاحَتَيْنِ

- ‌[وَيُعْتَبَرُ التَّعْيِينُ دُونَ التَّقَابُضِ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ فِي الرِّبَا]

- ‌ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ

- ‌[بَيْع الْخَبَز بالبر أَوْ الدَّقِيق متفاضلا]

- ‌لَا رِبَا بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ)

- ‌بَابُ الْحُقُوقِ

- ‌[لَا ربا بَيْن الْحَرْبِيّ والمسلم فِي دَار الْحَرْب]

- ‌[الظُّلَّةُ هَلْ تدخل فِي بَيْعِ الدَّارِ]

- ‌بَابُ الِاسْتِحْقَاقِ

- ‌(مَبِيعَةٌ وَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ

- ‌[قَالَ عَبْد لمشتر اشتريني فَأَنَا حُرّ فاشتراه فَإِذَا هُوَ عَبْد]

- ‌ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ

- ‌[ادَّعَى حقا مَجْهُولًا فِي دَار فصولح عَلَى مَاله]

- ‌ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ

- ‌[أرش الْعَبْد إذَا قَطَعَتْ يَده عِنْد الْمُشْتَرِي]

- ‌ بَاعَ دَارَ غَيْرِهِ فَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ

- ‌(بَابُ السَّلَمِ)

- ‌[مَا يَجُوز السَّلَم فِيهِ وَمَا لَا يَجُوز]

- ‌[ بَيَان شَرْط السَّلَم]

- ‌[السَّلَم والاستصناع فِي الْخَفّ والطست والقمقم]

- ‌(بَابُ الْمُتَفَرِّقَاتِ)

- ‌[حُكْم بَيْع الْكَلْب]

- ‌ اشْتَرَى عَبْدًا فَغَابَ فَبَرْهَنَ الْبَائِعُ عَلَى بَيْعِهِ وَغَيْبَتُهُ

- ‌[أفرخ طير أَوْ باض فِي أَرْض رَجُل]

- ‌(مَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ

- ‌مَا لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ

- ‌(كِتَابُ الصَّرْفِ)

- ‌ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ

- ‌ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ

- ‌(كِتَابُ الْكَفَالَةِ)

- ‌[ الْكِفَالَة بِالنَّفْسِ وَإِنَّ تَعَدَّدَتْ]

- ‌[ تَبْطُلُ الْكِفَالَة بموت الْمَطْلُوب والكفيل]

- ‌ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ

- ‌ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ)

- ‌ الْكَفَالَةُ بِاسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، أَوْ الْقِصَاصِ

- ‌[الْكِفَالَة عَنْ مَيِّت مُفْلِس]

- ‌[فَصْلٌ أَعْطَى الْمَطْلُوبُ الْكَفِيلَ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَ الْكَفِيلُ الطَّالِبَ]

- ‌{بَابُ كَفَالَةِ الرَّجُلَيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ}

- ‌كِتَابُ الْحَوَالَةِ

- ‌[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]

- ‌ طَلَبَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ الْمُحِيلَ بِمَا أَحَالَ

- ‌(كِتَابُ الْقَضَاءِ)

- ‌ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ

- ‌(فَصْلٌ فِي الْحَبْسِ)

- ‌[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]

- ‌ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ

- ‌[الْقَضَاء عَلَى غَائِب]

- ‌[بَابُ التَّحْكِيمِ]

- ‌[ إقراض الْقَاضِي مَال الْيَتِيم]

- ‌(بَابُ مَسَائِلَ شَتَّى)

- ‌ أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْعُلْوِ بَيْتًا

- ‌ قَالَ لِآخَرَ اشْتَرَيْتُ مِنِّي هَذِهِ الْأَمَةَ فَأَنْكَرَ

- ‌يَبْطُلُ الصَّكُّ بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ)

- ‌ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ أَسْلَمْتُ

- ‌[قَالَ مالي وَمَا أملك فِي الْمَسَاكِين صَدَقَة]

- ‌[كِتَابُ الشَّهَادَةِ]

- ‌[شُرُوط الشُّهُود فِي الزِّنَا]

- ‌[مَا يَشْتَرِط للشهادة فِي ثُبُوت الْوِلَادَة والبكارة وَعُيُوب النِّسَاء]

- ‌(بَابُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَمَنْ لَا تُقْبَلُ)

- ‌(بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ)

- ‌(بَابُ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ)

- ‌(كِتَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ)

- ‌كِتَابُ الْوَكَالَةِ

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لَا يَعْقِدُ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ وَالْقَبْضِ]

- ‌(بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ)

- ‌(كِتَابُ الدَّعْوَى)

- ‌(بَابُ التَّحَالُفِ)

- ‌[فَصْلٌ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ أَوْ آجَرَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ]

- ‌(بَابُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّجُلَانِ)

- ‌(بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ)

الفصل: ‌[باب كتاب القاضي إلى القاضي وغيره]

مَا أَقَرَّ عِنْدَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَحْبِسُهُ لِمَا مَرَّ قَالَ رحمه الله (وَيُحْبَسُ الرَّجُلَ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ بِأَنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا أَوْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَدَلِ مَالٍ، وَلَا لَزِمَتْهُ بِعَقْدٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله (لَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُحْبَسُ الْوَالِدُ فِي دَيْنِ وَلَدِهِ؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِ وَلَدِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ، وَلَا بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ، وَلَا بِقَذْفِ أُمِّهِ الْمَيِّتَةِ بِطَلَبِهِ.

قَالَ رحمه الله (إلَّا إذَا أَبَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ) يَعْنِي لَا يُحْبَسُ بِسَبَبِ الِابْنِ إلَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِحَاجَةِ الْوَقْتِ وَهُوَ بِالْمَنْعِ قَصَدَ إهْلَاكَهُ فَيُحْبَسُ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ عَنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِقَتْلِهِ إذَا شَهَرَ عَلَيْهِ السَّيْفَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِالْقَتْلِ وَلِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ عَلَيْهَا تَفُوتُ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ لِأَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، فَلَا يَخَافُ فِيهَا الْفَوَاتَ وَهَكَذَا حُكْمُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَكَذَا الْمَوْلَى لَا يُحْبَسُ بِدَيْنِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لِلْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحَبْسَ لِحَقِّ الْغُرَمَاءَ وَهُمْ أَجَانِبُ، فَلَا يَمْتَنِعُ، وَلَا يُحْبَسُ الْعَبْدُ بِدَيْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْمَوْلَى يُحْبَسُ بِدَيْنِ مُكَاتَبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَا يُحْبَسُ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَقَدْ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَخْذُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالدَّيْنِ إلَّا بِرِضَاهُ وَالْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ عَنْهُ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ مِنْ مَالِهِ فَكَذَا يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ إذَا ظَهَرَ ظُلْمُهُ بِالْمُمَاطَلَةِ، وَلَا يُحْبَسُ الْمُكَاتَبُ لِمَوْلَاهُ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ ظَالِمًا بِالِامْتِنَاعِ عَنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فَسْخِ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَوْلَاهُ وَيُحْبَسُ بِدَيْنٍ آخَرَ عَلَيْهِ غَيْرِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ظَالِمًا بِمَنْعِهِ إذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَسْخِ سَبَبِ ذَلِكَ الدَّيْنِ.

وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا لَا يُحْبَسُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِسْقَاطِ أَيْضًا بِأَنْ يُعَجِّزَ نَفْسَهُ فَيُرَدَّ رَقِيقًا فَيَسْقُطُ عَنْهُ دَيْنُ الْمَوْلَى فَصَارَ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِهِ لَا تَجُوزُ كَمَا لَا تَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ لَيْسَ بِدَيْنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الدُّيُونِ، ثُمَّ صِفَةُ الْحَبْسِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ فِرَاشٌ، وَلَا وِطَاءٌ، وَلَا يُخَلَّى أَحَدٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِيَسْتَأْنِسَ بِهِ، وَلَا يُخْرَجُ لِجُمُعَةٍ، وَلَا لِجَمَاعَةٍ، وَلَا لِحَجٍّ فَرْضٍ، وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةٍ، وَلَوْ أَعْطَى كَفِيلًا، وَلَا لِمَجِيءِ رَمَضَانَ، وَلَا لِلْأَعْيَادِ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ وَيُوفِيَ، وَلَا يُخْرَجُ لِمَوْتِ قَرِيبِهِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ فَيُخْرَجُ حِينَئِذٍ لِقَرَابَةِ الْوِلَادِ وَفِي رِوَايَةٍ يُخْرَجُ، وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يُجَهِّزُهُ، وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْ يَخْدُمُهُ لَا يُخْرَجُ وَإِلَّا أُخْرِجَ وَلَا يُخْرَجُ لِلْمُعَالَجَةِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمُعَالَجَةُ فِي السِّجْنِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ لَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ امْرَأَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ فِي السِّجْنِ مَوْضِعٌ يَسْتُرُهُ لِأَنَّ اقْتِضَاءَ شَهْوَةِ الْفَرْجِ كَاقْتِضَاءِ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَقِيلَ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ مِنْ فُضُولِ الْحَوَائِجِ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَإِنَّ مَنْعَهُ يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ وَهُوَ يُرَخَّصُ لَهُ تَنَاوُلُ مَالِ الْغَيْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ خَوْفًا مِنْ الْهَلَاكِ فَكَيْفَ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ دُخُولِ قَرَابَتِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِمْ لِلْمُشَاوِرَةِ وَالتَّدْبِيرِ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ، وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ الْمُكْثِ طَوِيلًا وَالْمَالُ الَّذِي يُحْبَسُ فِيهِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ حَتَّى يُحْبَسُ فِي دِرْهَمٍ وَمَا دُونَهُ؛ لِأَنَّ مَانِعَهُ ظَالِمٌ مُتَعَنِّتٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ]

(بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ لَيْسَ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ إمَّا نَقْلُ شَهَادَةٍ أَوْ نَقْلُ حُكْمٍ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ فَكَانَ ذِكْرُهُ فِيهِ أَنْسَبُ قَالَ رحمه الله (وَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ كِتَابَهُ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ عِبَارَتِهِ، فَلَوْ حَضَرَ بِنَفْسِهِ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَعَبَّرَ بِلِسَانِهِ مَا فِي الْكِتَابِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَكِتَابُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ يُزَوَّرُ وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَكَذَا الْخَاتَمُ يُشْبِهُ الْخَاتَمَ فَكَانَ أَكْثَرَ احْتِمَالًا مِنْ الْبَيِّنَةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

بَابُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَغَيْرِهِ) (قَوْلُهُ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْقُضَاةِ) أَيْ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ وَالْحَبْسُ يَتِمُّ بِقَاضٍ وَاحِدٍ وَالْوَاحِدُ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاثْنَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ كِتَابَهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الْأُصُولِ كَمَا أَنَّ الْفُرُوعَ يَنْقُلُونَ بِشَهَادَتِهِمْ شَهَادَةَ الْأُصُولِ، ثُمَّ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا تَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَكَذَلِكَ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الْبَدَلِيَّةِ، وَالْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَ قَدْ يُزَوَّرُ؛ لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ يُشْبِهُ الْخَطَّ فَيَتَمَكَّنُ نَوْعُ شُبْهَةٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ.

ص: 182

وَجْهَهُ أَجَازَ ذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْجَمْعُ بَيْنَ شُهُودِهِ وَخَصْمِهِ، ثُمَّ هُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَقْلُ حُكْمٍ وَهُوَ الْمُسَمَّى سِجِلًّا وَسَيَأْتِيك بَيَانُهُ، وَنَقْلُ شَهَادَةٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَلَا يُقَالُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ يَحْتَاجُ الْقَاضِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَى تَعْدِيلِ الْأُصُولِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي بِلَادِ الْغُرْبَةِ وَيَتَعَسَّرُ نَقْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَيْضًا إذْ أَكْثَرُ النَّاسُ لَا يُحْسِنُونَ ذَلِكَ، وَفِي كِتَابِ الْقَاضِي غُنْيَةً عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ يُعَدِّلُ الشُّهُودَ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا يُنْقَلُ كِتَابُهُ فَحَسْبُ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِمَا فِيهِ مِنْ الشُّبْهَةِ بِزِيَادَةِ الِاحْتِمَالِ.

وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ يَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ حَقٍّ لَا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّفْعَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَفَاةِ وَالْوِرَاثَةِ وَالْقَتْلِ إذَا كَانَ مُوجِبًا لِلْمَالِ وَالنَّسَبِ مِنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَالْغَصْبِ وَالْأَمَانَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الْمَجْحُودَةِ وَالْأَعْيَانِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولَةِ كَالْعَقَارِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ لِلضَّرُورَةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْمَنْقُولِ لِلْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهَا عِنْدَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ إذْ لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَى الدَّيْنِ وَأَمْثَالِهِ وَالْعَقَارُ يُعْرَفُ بِالْحُدُودِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَصَارَ كَالدَّيْنِ، وَفِي دَعْوَى النِّكَاحِ الْمَقْصُودُ نَفْسُ النِّكَاحِ لَا نَفْسُ الْمَرْأَةِ أَوْ نَفْسُ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا هُمَا كَالدَّائِنِ وَالْمَدِينِ وَالنِّكَاحُ كَالدِّينِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ، فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْإِشَارَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْعَبْدِ دُونَ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَنْقُولَاتِ لِغَلَبَةِ الْإِبَاقِ فِيهِ وَلِتَعَذُّرِ دَفْعِ الْأَمَةِ إلَى رَجُلٍ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِالْمِلْكِ لِيَنْقُلَهَا إلَى الْكَاتِبِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ وَهِيَ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَبْدٌ آبِقٌ وَهُوَ الْيَوْمُ فِي يَدِ فُلَانٍ وَيُعَرَّفُ الْعَبْدُ غَايَةَ التَّعْرِيفِ بِصِفَتِهِ وَاسْمِهِ وَسِنِّهِ وَقِيمَتِهِ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي وَيَذْكُرُ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِأَنَّ الْعَبْدَ الْهِنْدِيَّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فُلَانٌ حِلْيَتُهُ كَذَا وَقَامَتُهُ كَذَا وَسِنُّهُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا مِلْكُ فُلَانٍ الْمُدَّعِي هَذَا وَقَدْ أَبَقَ إلَى بَلْدَةِ كَذَا وَهُوَ الْيَوْمُ عِنْدَ فُلَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.

فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ الْكَاتِبِ وَنَصَّهُ بِشُرُوطِهِ عَلَى مَا يَجِيءُ سَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْضِيَ لَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ شَهِدُوا لَمْ يَشْهَدُوا بِحَضْرَةِ الْعَبْدِ وَيَأْخُذُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ، وَهُوَ الَّذِي يُفْتَى بِهِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْعُرُوضِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُقْبَلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَيْ يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا لِتَعَامُلِ النَّاسِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ أَجَازَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا بِشَرَائِطِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَخْتَصُّ بِشَرَائِطَ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ أَيْ يَخْتَصُّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِشَرَائِطَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مِنْ مَعْلُومٍ إلَى مَعْلُومٍ فِي مَعْلُومٍ لِمَعْلُومٍ أَعْنِي أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ مِنْهُ مَعْلُومًا وَالْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا وَالْمُدَّعِي مَعْلُومًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْلُومًا اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَمَوْضِعُهُ كِتَابُ الْإِبَاقِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَأَرَادَ بِهَا بَيَانَ حِلْيَةِ الْعَبْدِ وَصِفَتِهِ وَنِسْبَتِهِ لِلَّذِي أَخَذَهُ وَالْخَتْمِ فِي عُنُقِهِ وَأَخْذِ الْكَفِيلِ.

وَحَاصِلُهُ مَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ الَّذِي لَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَالدَّارِ وَالْعَقَارِ، وَأَمَّا الْمَنْقُولُ الَّذِي يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ لَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مِثْلَ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَبْدِ، وَالْآبِقُ إذَا أَبَقَ فَأُخِذَ فِي بَلْدَةٍ فَأَقَامَ صَاحِبُهُ الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ عَبْدُهُ أَخَذَهُ فُلَانٌ فِي مِصْرِ كَذَا وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى الْحِلْيَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدِي وَزَكَّوْا أَنَّ عَبْدًا صِفَتُهُ كَذَا أَخَذَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَأَنَّهُ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَنَسَبَهُمَا إلَى أَبِيهِمَا وَإِلَى فَخِذِهِمَا وَيَقْطَعُ الشَّرِكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ اسْمُهُ وَاسْمُ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبُهُمَا، وَالْعِبْرَةُ لِلدَّاخِلِ لَا لِلْخَارِجِ، فَإِذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى ذَلِكَ يُسَلَّمُ الْعَبْدُ وَيُخْتَمُ فِي عُنُقِهِ وَأَخَذَ مِنْهُ كَفِيلًا، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ إلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ قَبِلَهُ وَقَضَى بِهِ وَسَلَّمَ الْعَبْدَ إلَى الَّذِي جَاءَهُ بِالْكِتَابِ وَأَبْرَأَ كَفِيلَهُ. إلَى هُنَا لَفْظُ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَهَذَا الْكِتَابُ بِهَذِهِ الشَّرَائِطِ يُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي الْأَمَةِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ قَبُولِ الْكِتَابِ فِي الْأَمَةِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُقْبَلُ فِيهِمَا بِشَرَائِطَ تُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ اهـ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى، وَلَوْ كَتَبَ اسْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَنَسَبَهُ وَلَمْ يَكْتُبْ اسْمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ، وَلَكِنْ كَتَبَ إلَى مَنْ بَلَغَ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ لَا يَجُوزُ، وَأَبُو يُوسُفَ وَسَّعَ وَأَجَازَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ اسْمَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَنَسَبَهُ، ثُمَّ كَتَبَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ جَازَ فَإِنَّ كُلَّ قَاضٍ وَصَلَ إلَيْهِ عَمِلَ بِهِ، وَلَوْ لَمْ يُكْتَبْ فِي الْكِتَابِ التَّارِيخُ لَا يَقْبَلُهُ وَإِنْ كَتَبَ فِيهِ تَارِيخًا يُنْظَرُ هَلْ هُوَ كَانَ قَاضِيًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَمْ لَا؟ وَلَا يُكْتَفَى بِالشَّهَادَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا، وَكَذَا كَوْنُهُ كِتَابَ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِمْ بِدُونِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْحَادِثَةِ وَلَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ.

إلَى هُنَا لَفْظُ الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا جَائِزٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لَا تُقْبَلُ وَقَالَ فِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ وَيَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي الْمِصْرَيْنِ أَوْ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى

ص: 183

كَفِيلًا مِنْ الْمُدَّعِي بِنَفْسِ الْعَبْدِ وَيَجْعَلُ خَاتَمًا مِنْ رَصَاصٍ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ حَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ مُتَعَرِّضٌ فِي الطَّرِيقِ أَنَّهُ سَرَقَهُ وَيَكْتُبُ كِتَابًا إلَى الْكَاتِبِ بِذَلِكَ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَعَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ أَمَرَ الْمُدَّعِيَ أَنْ يُحْضِرَ شُهُودَهُ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ فَيُعِيدُوا الشَّهَادَةَ بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ مِلْكُهُ، فَإِذَا شَهِدُوا حَكَمَ بِهِ وَكَتَبَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوَّلًا لِيُبْرِئَ كَفِيلَهُ وَقِيلَ لَا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ الْعَبْدُ هُوَ الْخَصْمُ وَهُوَ غَائِبٌ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ مَا جَرَى عِنْدَهُ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ وَخَتْمِهِ وَمَا فِيهِ وَيَبْعَثُ بِالْعَبْدِ وَالْكِتَابَةُ مَعَهُ إلَى ذَلِكَ الْحَاكِمِ حَتَّى يَقْضِيَ لَهُ بِهِ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَيْهِ فَلْيَفْعَلْ هُوَ كَذَلِكَ وَيُبْرِئُ الْكَفِيلَ وَإِنَّمَا فَعَلَ بِهِ كَذَلِكَ لِيَقْطَعَ وَهْمَ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَالْحِلْيَةِ، وَفِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْعَبْدُ وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ بِالْإِحْضَارِ وَالْإِشَارَةِ إلَيْهِ تَرْتَفِعُ فَلِهَذَا يَجِبُ إحْضَارُهُ، وَالْجَارِيَةُ كَالْعَبْدِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُهَا لِلْمُدَّعِي بَلْ يَبْعَثُهَا مَعَ أَمِينٍ مَعَهُ.

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَلِحُضُورِ الْخَصْمِ قَالَ رحمه الله (وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ سِجِلًّا) أَيْ كِتَابُ الْحُكْمِ يُسَمَّى سِجِلًّا وَإِنَّمَا يُكْتَبُ حَتَّى لَا تُنْسَى الْوَاقِعَةُ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَلِيَكُونَ الْكِتَابُ مُذَكِّرًا لَهَا وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى كِتَابَةِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِحُضُورِ الْخَصْمِ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ إلَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّهُ غَابَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَجَحَدَهُ فَحِينَئِذٍ يُكْتَبُ لَهُ لِيُسَلَّمَ إلَيْهِ حَقُّهُ أَوْ لِيَنْفُذَ حُكْمُهُ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا لَمْ يَحْكُمْ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا لَا يَحْكُمُ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ، ثُمَّ نُقِلَ إلَيْهِ نَفَّذَهُ بِخِلَافِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ خِلَافَ مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْكُومٌ بِهِ فَيَلْزَمُهُ وَالثَّانِي ابْتِدَاءُ حُكْمٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَالَ رحمه الله (وَكَتَبَ الشَّهَادَةَ لِيَحْكُمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِهَا وَهُوَ الْكِتَابُ الْحُكْمِيُّ وَهُوَ نَقْلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ الْكَاتِبَ لَمْ يَحْكُمْ بِالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا نَقَلَهَا لِيَحْكُمَ بِهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ وَلِهَذَا يَحْكُمُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِرَأْيِهِ، وَإِنْ خَالَفَ رَأْيُهُ رَأْيَ الْكَاتِبِ بِخِلَافِ السِّجِلِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيَنْقُضَ حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ اسْتَحْكَمَ بِالْقَضَاءِ وَهُوَ فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إنْ كَانَ الْخَصْمُ غَائِبًا وَإِلَّا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ نَقْضُهُ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ شُهُودَ الْفَرْعِ يَشْهَدُونَ عَلَى شَهَادَةِ الْأُصُولِ وَالنَّاقِلُونَ لِكِتَابِ الْقَاضِي يَشْهَدُونَ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْقَاضِي وَأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا فِي الْحَادِثَةِ، وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا بُدَّ مِنْ تَعْدِيلِهِمْ.

قَالَ رحمه الله (وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِمْ) أَيْ الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَهُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عِنْدَ الثَّانِي، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ لِيَعْرِفُوا مَا فِيهِ إذْ لَا شَهَادَةَ بِدُونِ الْعِلْمِ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِمَا فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ تَحْصُلُ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا بُدَّ مِنْ خَتْمِهِ بِحَضْرَتِهِمْ، ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِمْ كَيْ لَا يُتَوَهَّمَ التَّغْيِيرُ، وَلَا بُدَّ لِلشُّهُودِ مِنْ حِفْظِ مَا فِيهِ لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ لِلْكِتَابِ عِنْوَانٌ وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهِ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَاسْمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَاضِي رُسْتَاقَ، وَلَا يَجُوزُ مِنْ قَاضِي رُسْتَاقَ إلَى قَاضِي مِصْرٍ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ رحمه الله قَوْلُهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْهُ أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَوْلُهُ حَكَمَ بِالشَّهَادَةِ هَذَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ وَإِنْ شَهِدُوا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْخَصْمِ لَمْ يَحْكُمْ وَكَتَبَ بِالشَّهَادَةِ لِيَحْكُمَ بِهَا الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ الْقُدُورِيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى خَصْمٍ، فَإِذَا كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا حَكَمَ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْحُجَّةِ وَكَتَبَ بِحُكْمِهِ إلَى الْقَاضِي، وَهَذَا الْكِتَابُ يُسَمَّى سِجِلًّا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْخَصْمُ حَاضِرًا يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ وَلَا يَحْكُمُ بِهَا وَيَكْتُبُ بِمَا سَمِعَهُ مِنْ الشَّهَادَةِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَحْكُمَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ نَقْلِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي يُسَمَّى الْكِتَابَ الْحَاكِمِيَّ؛ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لِيَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ اهـ.

وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَاكِيُّ الْمُرَادُ بِالْخَصْمِ هُنَا الْوَكِيلُ عَنْ الْغَائِبِ أَوْ الْمُسَخَّرِ الَّذِي جُعِلَ وَكِيلًا لِإِثْبَاتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَكِيلًا عَنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نَفْسَهُ لَمَا اُحْتِيجَ إلَى كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي إذْ الْحُكْمُ يَتِمُّ عَلَى الْخَصْمِ بِحُكْمِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ خَصْمًا أَصْلًا لَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا نَائِبُهُ، وَقَدْ حَكَمَ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ كَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى خَصْمٍ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ) أَيْ الْحُكْمَ عَلَى الْغَائِبِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَخَتَمَ عِنْدَهُمْ إلَخْ) هَذِهِ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَدْفَعُهُ لِلطَّالِبِ وَيَكْتُبُ مَعَهُمْ نُسْخَتَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ يُعْلِمَهُمْ بِمَا فِيهِ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ، وَالشَّرْطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ وَخَتْمُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَيُسَلِّمُ الْكِتَابَ إلَى الْمُدَّعِي وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ. اهـ. كَاكِيٌّ

ص: 184

وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ مِنْ دَاخِلِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الظَّاهِرِ لَا يُقْبَلُ وَقِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَالْعُنْوَانُ يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ فَيُعْمَلُ بِهِ وَيُكْتَبُ فِيهِ اسْمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاسْمُ الْمُدَّعِي عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَذَلِكَ بِذِكْرِ جَدِّهِمَا وَيُذْكَرُ الْحَقُّ فِيهِ وَيُذْكَرُ اسْمُ الشُّهُودِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ اكْتَفَى بِذِكْرِ شَهَادَتِهِمْ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَلَى الشُّهُودِ إلَّا نَقْلَ الْكِتَابِ وَالشَّهَادَةِ أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ، وَلَا عَلَى الْقَاضِي سِوَى كِتَابَةِ الْحَاجَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ رحمه الله لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ.

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ وَصَلَ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ نَظَرَ إلَى خَتْمِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ، وَلَا شُهُودٍ) لِأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لِلْحُكْمِ بِهِ، فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِحُضُورِ الْخَصْمِ كَالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ حَيْثُ يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ وَيَكْتُبُهَا وَالْخَصْمُ غَائِبٌ؛ لِأَنَّهُ لِلنَّقْلِ لَا لِلْحُكْمِ وَنَظِيرُهُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا عِنْدَ التَّحَمُّلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُزَوَّرَ الْكِتَابُ، فَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ إنْكَارِ الْخَصْمِ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي، وَإِنْ أَقَرَّ فَلَا حَاجَةَ إلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كِتَابُهُ، وَلَا يَلْزَمُ كِتَابُ الِاسْتِئْمَانِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَيْثُ يُعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كِتَابُهُمْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ وَهَذَا مُلْزِمٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ تَامَّةٍ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ إقْرَارِ الْخَصْمِ، وَلَا يَلْزَمُ رَسُولُ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي وَرَسُولُ الْمُزَكِّي إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَكُونُ مُعْتَبَرًا بِلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِلْزَامَ فِيهِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لَا بِالتَّزْكِيَةِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَأْخُذُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةِ قَالَ رحمه الله (فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ الْقَاضِي سَلَّمَهُ إلَيْنَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَرَأَهُ عَلَيْنَا وَخَتَمَهُ فَتَحَهُ الْقَاضِي وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمهُ مَا فِيهِ) يَعْنِي إذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ عِنْدَهُ بِأَنْ كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِالْعَدَالَةِ أَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ عَدَالَتَهُمْ بِأَنْ كَانَ الْقَاضِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ مِنْ دَاخِلِ الْكِتَابِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا مُعَنْوَنًا فِي دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكْتُبُ الْعُنْوَانَ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَالْعِبْرَةُ لِلدَّاخِلِ لَا لِلْخَارِجِ اهـ قَالَ الْكَاكِيُّ وَالشَّرْطُ عِنْدَهُمَا عُنْوَانُ الْبَاطِنِ لَا عُنْوَانُ الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ الْعُنْوَانَ الظَّاهِرَ اكْتَفَى الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْعُنْوَانِ الْبَاطِنِ وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَجُوزُ اهـ.

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ بِلَا خَصْمٍ وَلَا شُهُودٍ) قَالَ الْأَقْطَعُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَخْتَصُّ بِالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ وَالْحُكْمُ بَعْدَ ذَلِكَ يَقَعُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْكِتَابِ فَاعْتُبِرَ حُضُورُ الْخَصْمِ عِنْدَ الْحُكْمِ بِهِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ إلَخْ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يُشْبِهُ الْكِتَابَ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِحُجَّةٍ تَامَّةٍ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَقْبَلْهُ مَا نَصُّهُ أَيْ لَمْ يَأْخُذْهُ اهـ.

(صُورَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَنَخْتِمُ الْكِتَابَ بِمَا ذَكَرَ الْحَسَنُ فِي الْمُجَرَّدِ مِنْ صُورَةِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَهِيَ قَوْلُهُ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا سَلَامٌ عَلَيْك فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْك اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَجُلًا أَتَانِي يُقَالُ لَهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ وَذَكَرَ أَنَّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ فِي كُورَةِ كَذَا حَقًّا فَسَأَلَنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَأَكْتُبَ إلَيْك بِمَا يَسْتَقِرُّ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ فَسَأَلْته الْبَيِّنَةَ فَأَتَانِي بِعِدَّةٍ مِنْهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ وَيُحِيلُهُمْ وَيَنْسِبُهُمْ فَشَهِدُوا عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا دَيْنًا حَالًّا وَسَأَلَنِي أَنْ أُحَلِّفَهُ مَا قَبَضَ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ بِوَكَالَةٍ وَلَا احْتَالَ بِشَيْءٍ فَأَحْلَفْتُهُ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا قَبَضَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدِي وَلَا قَبَضَهُ لَهُ وَكِيلٌ وَلَا أَحَالَهُ وَلَا قَبَضَهُ لَهُ قَابِضٌ وَإِنَّهَا لَهُ عَلَيْهِ، وَسَأَلَنِي أَنْ أَكْتُبَ لَهُ إلَيْك بِمَا يَسْتَقِرُّ عِنْدِي فَكَتَبْتُ إلَيْك بِهَذَا الْكِتَابِ وَأَشْهَدْت عَلَيْهِ شُهُودًا أَنَّهُ كِتَابِي وَخَاتَمِي وَقَرَأْته عَلَى الشُّهُودِ. قَالَ ثُمَّ يَطْوِي الْكِتَابَ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ وَيَخْتِمُ الشُّهُودُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَوْثَقُ، ثُمَّ يَكْتُبُ عَلَيْهِ عُنْوَانَ الْكِتَابِ مِنْ فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا إلَى فُلَانٍ قَاضِي كُورَةِ كَذَا، ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى الْمُدَّعِي.

فَإِنْ أَتَى بِهِ الْمُدَّعِي إلَى الْقَاضِي الَّذِي بِالْكُورَةِ فَذَكَرَ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي إلَيْهِ سَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى كِتَابِ الْقَاضِي وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْمَعَ لَهُ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي حَتَّى يُحْضِرَ الْخَصْمَ، فَإِذَا أَحْضَرَهُ وَأَقَرَّ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ قَبِلَ بَيِّنَتَهُ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ قَالَ جِئْنِي بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ، فَإِذَا جَاءَ بِبَيِّنَةٍ وَعَدَلُوا سَمِعَ مِنْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي الَّذِي ذَكَرَ فَيَقُولُ لَهُ أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا فِيهِ، فَإِذَا قَالُوا نَعَمْ قَدْ قَرَأَهُ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا أَنَّ هَذَا كِتَابُهُ، ثُمَّ خَتَمَهُ وَقَالَ هَذَا خَاتَمِي، فَإِذَا سَمِعَ مِنْهُ لَمْ يَكْسِرْ الْخَاتَمَ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْهُ، فَإِذَا عَدَلُوا لَمْ يَكْسِرْ الْخَاتَمَ حَتَّى يَحْضُرَ الْخَصْمُ، فَإِذَا حَضَرَ الْخَصْمُ كَسَرَ الْخَاتَمَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْخَصْمِ مَا فِي الْكِتَابِ، فَإِذَا قَالَ الشُّهُودُ نَعَمْ قَدْ أَشْهَدَنَا عَلَى مَا فِيهِ عَلَى مَا قَرَأَ عَلَيْنَا سَأَلَ الْخَصْمَ عَمَّا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَقَرَّ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ وَإِنْ أَنْكَرَ قَالَ لَك حُجَّةٌ وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ قَضَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُ حُجَّةٌ قَبِلَ حُجَّتَهُ، فَإِنْ قَالَ لَسْتُ أَنَا فُلَانًا الْفُلَانِيَّ الَّذِي شَهِدُوا عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ قَالَ لَهُ أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَنَّ فِي هَذِهِ الصِّنَاعَةِ أَوْ الْقَبِيلَةِ رَجُلًا يُنْسَبُ مِثْلَ مَا تُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِلَّا أَلْزَمْتُك مَا شَهِدُوا بِهِ، فَإِنْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ مَنْ يُنْسَبُ بِمِثْلِ مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ أَبْطَلَ الْكِتَابَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ أَحَدٌ عَلَى اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ قَضَى عَلَيْهِ. إلَى هُنَا لَفْظُ كِتَابِ الْمُجَرَّدِ اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ) أَيْ لِأَنَّ الْإِمَامَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْأَمَانَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُعْطِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَرَأَهُ عَلَى الْخَصْمِ وَأَلْزَمهُ مَا فِيهِ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَخَاتَمُهُ قَبِلَهُ وَلَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ قِرَاءَةِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ عَلَى الشُّهُودِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا شَهِدُوا أَنَّ الْكِتَابَ كِتَابُهُ وَالْخَاتَمَ خَاتَمُهُ ثَبَتَ أَنَّهُ كِتَابُ

ص: 185

الْكَاتِبُ قَدْ كَتَبَ عَدَالَتَهُمْ أَوْ سَأَلَ مَنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ الثِّقَاتِ فَزُكُّوا، وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ، وَلَا يُلْزِمُ الْخَصْمَ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ.

وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَفْتَحُهُ إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَالَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمْ فَيَحْتَاجُ الْمُدَّعِي إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الشُّهُودِ لِإِثْبَاتِ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ الْقَاضِي لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْفَتْحِ كَالشُّهُودِ الْأُوَلِ بِخِلَافِ قَبُولِ الْكِتَابِ حَيْثُ يَقْبَلُهُ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ قَبْلَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِمْ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ سَلَّمَهُ إلَيْنَا إلَخْ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ بِهِ حَتَّى إذَا قَالُوا لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْتِمْهُ بِحَضْرَتِنَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَشَرَطَ فِي الذَّخِيرَةِ حُضُورَ الْخَصْمِ لِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ كِتَابُ فُلَانٍ لَا لِقَبُولِ الْكِتَابِ حَتَّى لَوْ قَبِلَهُ مَعَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ جَازَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يَقْبَلُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَمِنْ يَدِ الْمُدَّعِي أَيْضًا إذَا جَاءَ بِهِ وَحْدَهُ، وَكَذَا سَهَّلَ عِنْدَ الْإِثْبَاتِ فَقَالَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ كِتَابُهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِالْخَتْمِ وَغَيْرِهِ قَبِلَهُ فَسَهَّلَ فِي ذَلِكَ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ، وَلَوْ وَجَدَ فِي الْكِتَابِ مَا يُخَالِفُ شَهَادَتَهُمْ رَدَّهُ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ كِتَابُ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَهِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبِيتَ فِي أَهْلِهِ صَحَّ الْإِشْهَادُ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رحمه الله أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا فِي الْمِصْرِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَقْبُولٌ، وَإِنْ كَانَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُمَا اعْتَبَرَاهُ بِالتَّوْكِيلِ، وَفِي الظَّاهِرِ اعْتَبَرَ بِالْعَجْزِ.

قَالَ رحمه الله (وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ وَعَزْلِهِ) هَذَا إذَا مَاتَ أَوْ عُزِلَ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَى الثَّانِي أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فَمَوْتُ الْأُصُولِ قَبْلَ أَدَاءِ الْفُرُوعِ الشَّهَادَةَ يُبْطِلُ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ فَكَذَا هَذَا، وَكَذَا إذَا جُنَّ الْكَاتِبُ أَوْ ارْتَدَّ أَوْ قَذَفَ فَحُدَّ أَوْ عَمِيَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله لَا يَبْطُلُ بَلْ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ يَقْضِي بِهِ ذَكَرَ قَوْلَهُ فِي الْأَمَالِي وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لَهُمَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفُرُوعِ وَكِتَابَتُهُ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ شُهُودِ الْفَرْعِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْحَقِّ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالنَّقْلُ قَدْ تَمَّ بِالْكِتَابَةِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتُوا بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْقَضَاءَ فَكَذَا هَذَا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَاهِدٍ مَاتَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُلُ شَهَادَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا النَّقْلَ لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْقَاضِي، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ هَذَا النَّقْلُ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ قَضَاءٌ فَثَبَتَ أَنَّ لِهَذَا النَّقْلِ حُكْمَ الْقَضَاءِ وَلَمْ يَتِمَّ بَعْدُ؛ لِأَنَّ تَمَامَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ.

وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ وَقَبْلَ قِرَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْمَقْضِيِّ بِهِ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَلَمْ يَكُنْ النَّقْلُ تَامًّا فَيَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْأَقْضِيَةِ إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ تَمَامِهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْفَرْعِ إذَا مَاتَ الْأُصُولُ بَعْدَ أَدَائِهِمْ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْحُكْمَ عَلَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ، فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ بِمَوْتِ الْأُصُولِ أَوْ بِمَوْتِ الْفُرُوعِ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّهَادَاتِ إذَا مَاتَ الشُّهُودُ بَعْدَ الْأَدَاءِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوُجُوبُ فَكَذَا هَذَا، وَلَوْ قَبِلَهُ مَعَ هَذَا وَحَكَمَ بِهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَمْضَاهُ جَازَ؛ لِأَنَّ قَضَاءَهُ صَادَفَ مَحَلًّا مُجْتَهَدًا فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَإِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ يَنْفُذُ بِالتَّنْفِيذِ مِنْ قَاضٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَيْثُ يَنْفُذُ بِنَفْسِ الْقَضَاءِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ بَعْدَ مَا قَرَأَ الْكِتَابَ لَا يَبْطُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيَحْكُمُ بِهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهِ بِالْقِرَاءَةِ، فَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ مَاتَ الشَّاهِدُ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْحُكْمِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْقَاضِي الْكَاتِبِ، فَإِذَا قَرَأَهُ عَرَفَ مَا فِيهِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ عَدَمِ التُّهَمِ) وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَبْلَ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ، ثُمَّ قَالَ مَا قَالَ مُحَمَّدٌ أَصَحُّ أَيْ يَجُوزُ الْفَتْحُ بِالشَّهَادَةِ بِكِتَابِهِ وَخَتْمِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِعَدَالَةِ الشُّهُودِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَسَافَةٍ بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ) وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِيمَا دُونَ السَّفَرِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.

(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان لَوْ غَدَا إلَخْ) قَالَ مِسْكِينٌ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرَّاوِيَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ غَدَا إلَى بَابِ الْقَاضِي لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى مَنْزِلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ يُقْبَلُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. (قَوْلُهُ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَخْ) فِي الْخَصَّافِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي مِصْرٍ فِيهِ قَاضِيَانِ فِي كُلِّ جَانِبٍ قَاضٍ يَكْتُبُ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كِتَابًا يُقْبَلُ كِتَابُهُ، وَلَوْ أَتَى أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالْحَادِثَةِ بِنَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كَانَ الْأَوَّلُ خَاطَبَهُ فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ وَفِي الثَّانِي خَاطَبَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْكَاتِبِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَإِنَّمَا يَقْبَلُهُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْكَاتِبُ عَلَى الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ مَاتَ أَوْ عُزِلَ أَوْ لَمْ يَبْقَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ قَبْلَ وُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِوَاحِدٍ مِنْ الرَّعَايَا. اهـ. .

ص: 186

بِهَا، وَفِي اخْتِلَافِ زُفَرَ رحمه الله وَيَعْقُوبَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ إذَا مَاتَ قَبْلَ قَضَائِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَمَوْتِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ بَعْدَ اسْمِهِ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إلَّا إذَا كَتَبَ إلَى فُلَانٍ الْقَاضِي وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَحِينَئِذٍ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بَعْدَ اسْمِهِ عَائِدٌ إلَى الْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَبْطُلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي الَّذِي جَاءَ بَعْدَهُ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَنَا أَنَّ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ اعْتَمَدَ عَلَى عِلْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَانَتِهِ وَالْقُضَاةُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْأَمَانَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الْأُمَنَاءِ فِي الْأَمْوَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَمَدَ الْكُلَّ فَكَانُوا مَكْتُوبًا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ ابْتِدَاءً إلَى كُلِّ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَحَدٌ لِأَنَّ إعْلَامَ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَكْتُوبِ إلَيْهِ شَرْطٌ، وَتَمَامُ الْإِعْلَامِ لَا يَحْصُلُ بِهَذَا الْقَدْرِ وَإِذَا عَيَّنَ وَاحِدًا حَصَلَ التَّعْرِيفُ لَهُ وَصَحَّ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَصَارَ غَيْرُهُ تَبَعًا لَهُ، وَأَجَازَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَحَدٍ مِنْ الْقُضَاةِ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَاسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ تَسْهِيلًا لِلْأَمْرِ، وَلَا يَقْبَلُ الْقَاضِي رِسَالَةَ قَاضٍ آخَرَ.

وَإِنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ يَنْقُلُ عِبَارَتَهُ فَيَكُونُ كَالْقَاضِي حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ لَوْ حَضَرَ وَتَكَلَّمَ بِهِ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ؛ لِأَنَّهُ كَوَاحِدٍ مِنْ الرَّعِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ فَكَانَ الْكِتَابُ مِنْهُ كَالْخِطَابِ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ مُشَافَهَةً لِصُدُورِ الْكِتَابِ مِنْ مَوْضِعِ الْقَضَاءِ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ قِيَاسًا وَإِنَّمَا قُبِلَ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ غُنْيَةً عَنْهُ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ كِتَابًا إلَى قَاضٍ آخَرَ إذَا تَعَذَّرَ حُضُورُ خَصْمِهِ عِنْدَهُ، وَكَذَا لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ ثَانِيًا أَنْ يَكْتُبَ إلَى آخَرَ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ الْوَاقِعَةَ عِنْدَ الْأَوَّلِ صَارَتْ مَنْقُولَةً إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حُكْمًا فَصَارُوا كَأَنَّهُمْ شَهِدُوا عِنْدَهُ حَقِيقَةً فَجَازَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى غَيْرِهِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهَا مِرَارًا مَاسَةٌ وَهِيَ الْمُجَوِّزَةُ لِلنَّقْلِ.

قَالَ رحمه الله (لَا بِمَوْتِ الْخَصْمِ) يَعْنِي لَا يَبْطُلُ الْكِتَابُ بِمَوْتِ الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ وَارِثَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْمُدَّعِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ؛ لِأَنَّ قَرِيبَهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَنْفُذُ لَهُ وَكَمَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْأَمِيرِ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ فِي مِصْرِهِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ، وَلَا يَكْتُبُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي مِصْرٍ آخَرَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ وَالنِّسْبَةِ وَالْخَتْمِ وَالشَّهَادَةِ كَمَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ فِي مِصْرِهِ إلَّا بِهِ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنُوا ذَلِكَ لِلْعَادَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ إلَى الْوَالِي وَيَسْتَعِينُ بِهِ فِيمَا عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لَحَرِجُوا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْأَمِيرِ فَيَشْهَدُ، وَالْأَمِيرُ لَا يُمْكِنُهُ التَّفَحُّصُ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ فَقُبِلَ الْكِتَابُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الضَّرُورَةَ وَالْعَادَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْأَمِيرُ فِي مِصْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْمِصْرِ الَّذِي فِيهِ الْقَاضِي بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْعَادَةِ وَالضَّرُورَةِ لِقِلَّةِ وُقُوعِهِ.

قَالَ رحمه الله (وَتَقْضِي الْمَرْأَةُ فِي غَيْرِ حَدٍّ وَقَوَدٍ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَسْتَقِي مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَشَهَادَتُهَا جَائِزَةٌ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَشَهَادَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَلَّى الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ لِقُصُورِ عَقْلِهَا قُلْنَا هِيَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَبِهِ تَصِيرُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَكَذَا لِلْقَضَاءِ كَالرَّجُلِ.

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَسْتَخْلِفُ قَاضٍ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْجُمُعَةِ) لِأَنَّهُ فُوِّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا التَّقْلِيدُ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مَا فُوِّضَ إلَيْهِ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ، وَفِي الْجُمُعَةِ جَوَّزْنَا لِلْمَأْمُورِ بِأَدَائِهَا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِكَوْنِهَا عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ، ثُمَّ إنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ إلَّا مَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا، فَلَا تَنْعَقِدْ دُونَهَا، وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِيهَا جَازَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ بِالْأَصْلِ فَكَانَ الثَّانِي بَانِيًا، فَلَا يُشْتَرَطُ لِلْبِنَاءِ مَا يُشْتَرَطُ لِلِافْتِتَاحِ ولِأَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ مَعَهُ الْتَحَقَ بِمَنْ شَهِدَ الْخُطْبَةَ حُكْمًا إذْ هِيَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْخُطْبَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَفْسَدَ الْمُسْتَخْلَفُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَكَذَا يَجُوزُ قَضَاؤُهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَلَا تَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الشَّهَادَةِ. اهـ

(قَوْلُهُ كَالْوَكِيلِ لَا يُوَكِّلُ بِدُونِ إذْنِ الْمُوَكِّلِ) بِخِلَافِ الْمُسْتَعِير حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْإِذْنِ فَيَمْلِكُ بِقَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ. اهـ. غَايَةٌ.

ص: 187

الْجُمُعَةَ وَأَعَادَهَا جَازَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اسْتَخْلَفَ مَعَ ذَلِكَ فَحَكَمَ الْخَلِيفَةُ فَأَجَازَهُ الْقَاضِي جَازَ إذَا كَانَ الْمُسْتَخْلَفُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ كَافِرٍ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَا إذَا قَضَى بِحَضْرَةِ الْقَاضِي جَازَ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ بِتَوْلِيَتِهِ حُضُورُ رَأْيِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ فَبَاشَرَ وَكِيلُهُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِغَيْبَتِهِ فَأَجَازَهُ، وَلَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِأَنْ قَالَ لَهُ وَلِّ مَنْ شِئْت لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ شَاءَ فَيَصِيرَ نَائِبًا عَنْ الْإِمَامِ فِي التَّوْلِيَةِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ عَزْلَهُ كَالْوَكِيلِ إذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ بِالتَّوْكِيلِ فَوَكَّلَ صَارَ وَكِيلًا عَنْ الْمُوَكِّلِ حَتَّى لَا يَمْلِكَ الْوَكِيلُ عَزْلَهُ، وَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَيَنْعَزِلَانِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ حَيْثُ يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ وَيَمْلِكُ التَّوْكِيلَ وَالْعَزْلَ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَدْ يَعْجِزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْجَرْي عَلَى مُوجِبِ الْوَصِيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إلَى الْمُوصِي فَيَكُونُ الْمُوصِي رَاضِيًا بِاسْتِعَانَتِهِ بِغَيْرِهِ دَلَالَةً كَيْ لَا تَفُوتَ مَصَالِحُهُ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ بِأَنْفُسِهِمَا، فَلَا تَفُوتُهُمَا الْمَصَالِحُ، وَلَوْ فَوَّضَ إلَيْهِ الْعَزْلَ بِأَنْ قَالَ اسْتَبْدِلْ مَنْ شِئْت كَانَ لَهُ الْعَزْلُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالتَّفْوِيضِ إلَيْهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْإِمَامِ، فَلَا يَمْلِكُ إلَّا مَا أَطْلَقَ لَهُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِتَصَرُّفِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِتَوْلِيَتِهِ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْأَمَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ.

قَالَ رحمه الله (وَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ وَالْإِجْمَاعَ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِ الِاجْتِهَادَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ تَرَجَّحَ الْأَوَّلُ بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ، فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفُذْ الْأَوَّلُ لَمَا نَفَذَ الثَّانِي أَيْضًا، وَكَذَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ قَاضٍ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ فَكَانَ نَافِذًا ضَرُورَةً وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا كَثُرَ اشْتِغَالُهُ قَلَّدَ الْقَضَاءَ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَاخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلَانِ فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ لَقِيَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَالِهِ فَقَالَ قَضَى عَلَيَّ فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ كُنْتُ أَنَا مَكَانَهُ لَقَضَيْتُ لَك فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَمَا يَمْنَعُك مِنْ الْقَضَاءِ قَالَ لَيْسَ هُنَا نَصٌّ وَالرَّأْيُ مُشْتَرَكٌ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِقَضِيَّةٍ، ثُمَّ قَضَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ كَمَا قَضَيْنَا وَهَذِهِ كَمَا نَقْضِي، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ فَقَضَى بِهِ الْقَاضِي، ثُمَّ جَاءَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ أَمْضَاهُ قَيَّدَهُ بِكَوْنِ الثَّانِي يَرَى خِلَافَ مَا حَكَمَ بِهِ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ التَّقْيِيدُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمُ قَاضٍ أَمْضَاهُ) الْمُرَادُ بِالْإِمْضَاءِ التَّنْفِيذُ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الْكِتَابَ) وَالْمُرَادُ مِنْ خِلَافِ الْكِتَابِ خِلَافُ نَصِّ الْكِتَابِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ فِي تَأْوِيلِهِ السَّلَفُ مِثْلُ قَوْلِهِ {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ الْأَبِ وَلَا جَارِيَتَهُ وَلَا يَطَأَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا فَلَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِجَوَازِ نِكَاحِ امْرَأَةِ الْأَبِ كَانَ لِلْقَاضِي الثَّانِي فَسْخُهُ اهـ غَايَةٌ، وَكَذَا إذَا قَضَى بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا لَا يَصِحُّ وَيُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْكِتَابِ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَنْتَقِضُ بِمَا هُوَ دُونَهُ) حَتَّى لَوْ قَضَى بِإِبْطَالِهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَالثَّالِثُ يُنْفِذُ قَضَاءَ الْأَوَّلِ وَيُبْطِلُ قَضَاءَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْأَوَّلِ كَانَ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَالْقَضَاءُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي الثَّانِي مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ بَاطِلًا. اهـ. مُحِيطٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالْأَصْلُ هُنَا مَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يَنْفُذُ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ رَأْيَهُ حَسَبَ نُفُوذِهِ عَلَى مَنْ وَافَقَ رَأْيَهُ فَإِذْنُ هَذَا قَضَاءٌ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى نُفُوذِهِ اهـ.

(فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ نَصُّهُ رَجُلٌ وَطِئَ أُمَّ امْرَأَتِهِ أَوْ ابْنَتَهَا فَخَاصَمَتْهُ زَوْجَتُهُ فِي ذَلِكَ إلَى قَاضٍ لَا يَرَى حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ فَقَضَى بِالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا لَيْسَ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُبْطِلَ قَضَاءَ الْأَوَّلِ، بَلْ يُنْفِذُهُ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا، وَالْعُلَمَاءُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ فِيهِ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ هَلْ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْمُقَامُ مَعَهَا؟ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ جَاهِلًا حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَإِنْ قَضَى بِتَحْرِيمِهَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ مَتَى كَانَ جَاهِلًا يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ عَالِمًا يُنْظَرُ إنْ قَضَى الْقَاضِي بِتَحْرِيمِهَا وَالْمَقْضِيُّ لَهُ يَرَى حِلَّهَا نَفَذَ الْقَضَاءُ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ فَيَتْبَعُ فِي الْقَضَاءِ عَلَيْهِ رَأْيَ الْقَاضِي، وَإِنْ قَضَى لَهُ بِحِلِّهَا وَالْمَقْضِيُّ لَهُ يَرَى حُرْمَتَهَا هَلْ يَنْفُذُ؟ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ إذَا كَانَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْمَقْضِيِّ لَهُ هَلْ يَنْفُذُ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْفُذُ وَيَتْبَعُ رَأْيَ نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ الْمَقَامُ مَعَهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَنْفُذُ وَيَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي حَتَّى يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا.

ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِي النَّوَادِرِ وَذَكَرَ فِي اسْتِحْسَانِ الْأَصْلِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا طَلَّقَهَا بِلَفْظَةِ الْكِنَايَةِ فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ، وَهُوَ يَرَى الْكِنَايَةَ رَوَاجِعَ، وَقَدْ قَضَى لَهُ بِالرَّجْعَةِ حَلَّ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَضَاءَ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ فَتْوَى؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ فِيهِ إنْ شَاءَ رَاجَعَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُرَاجِعْ، وَبِالْفَتْوَى لَا يَصِيرُ الْحَلَالُ حَرَامًا وَالْبَائِنُ رَجْعِيًّا كَمَا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ وَلِيَّ هَذَا عَمْدًا وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْقَوَدِ وَالْوَلِيُّ يَعْرِفُ أَنَّ الشُّهُودَ شُهُودُ زُورٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَكَذَا هَذَا لَهُمَا أَنَّ الْقَضَاءَ إلْزَامٌ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ ثُبُوتَ اعْتِقَادِ الْحِلِّ وَالرَّجْعَةِ فَيَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الِاعْتِقَادِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فِي حَقِّ الِاسْتِيفَاءِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ جَاهِلًا يَنْفُذُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ مُلْزِمٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً بِخِلَافِ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْزِمٍ لَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ وَلَا مِنْ حَيْثُ الِاسْتِيفَاءُ اهـ

ص: 188

بِهِ فَيُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يُمْضِيه إذَا كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ.

وَقَالُوا شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى لَوْ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ، وَلَا يُمْضِيه الثَّانِي ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ، وَقَالَ فِيهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهِد فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا لِمَذْهَبِهِ نَفَذَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَنْفُذُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطَإٍ بِيَقِينٍ، وَفِي أُخْرَى لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ عِنْدَهُ وَقَدْ نَهَى عَنْ اتِّبَاعِ هَوَى غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 48] وَعِنْدَهُمَا لَا يَنْفُذُ فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقِيلَ الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي، ثُمَّ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهَا نَقَضَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ غَيْرُ سَائِغٍ فَيَنْتَقِضُ بِهِ وَقَيَّدَ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ احْتِرَازًا عَنْ الْغَرِيبِ وَالْمُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ مَا لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ يَسْتَنِدُ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي قَضَى بِهِ الْأَوَّلُ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخْتَلَفًا فِيهِ اخْتِلَافًا يَسْتَنِدُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ فَكَذَلِكَ حُكْمُهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ بِنَقْضٍ بَعْدَ مَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ مِثَالُهُ إذَا رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ الْمُضَافِ فَأَبْطَلَ الْيَمِينَ نَفَذَ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِتَزَوُّجِهَا بَعْدَهُ.

وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ أَبْطَلْت الْيَمِينَ وَنَقَضْت هَذَا الطَّلَاقَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رَاوِيَةٍ لَا يَنْفُذُ ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ لَا يُوجَدُ قَبْلَ الْقَضَاءِ، فَإِذَا قَضَى حِينَئِذٍ وُجِدَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِهَادِ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ آخَرَ يُرَجِّحُ أَحَدَهُمَا وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَلِلْغَائِبِ، وَقَضَاءُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَشَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَقَضَاءُ الْفَاسِقِ وَشَهَادَتُهُ قَبْلَ التَّوْبَةِ حَتَّى لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ أَوْ قَضَى الْفَاسِقُ أَوْ الْمَحْدُودُ فِي الْأَصَحِّ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ فَقَضَى لِصِحَّةِ حُكْمِهِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ لَوْ فَسَخَهُ انْفَسَخَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ فَقَبْلَ الْقَضَاءِ لَمْ يُوجَدْ مَحَلُّهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ النَّوْعُ الرَّابِعُ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَلَا يَنْفُذُ بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ، وَلَوْ رَفَعَ إلَى حَاكِمٍ وَنَفَّذَهُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ وَقَعَ بَاطِلًا لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ أَوْ الْإِجْمَاعَ، فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا بِالتَّنْفِيذِ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ بِالْقِصَاصِ بِتَعْيِينِ الْوَلِيِّ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَيَمِينَهُ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَلَوْ قَضَى فِي الْمُجْتَهَدِ فِيهِ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ، فَإِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِأَحَدِهَا يُبْطِلُهُ الْقَاضِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْكِتَابَ أَوْ السُّنَّةَ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَنَظِيرُ خِلَافِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ بِالْقَسَامَةِ أَعْنِي يَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلِّهِ وَكَانَ ثَمَّةَ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي، وَهَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ الْمَشْهُورَةَ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» اهـ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْقَتْلُ بِقَسَامَةٍ بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَعَيَّنَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ رَجُلَيْنِ فِي الْمَحَلَّةِ أَنَّهُمَا قَتَلَاهُ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ يَقْضِي الْقَاضِي بِالْقَوَدِ فَهَذَا الْقَضَاءُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ لَمْ يَقْضِ بِالْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ، فَلَا يَكُونُ خِلَافُ مَالِكٍ مُعْتَبَرًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَذَلِكَ مِثْلُ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: 282] الْآيَةَ.

فَاَللَّهُ تَعَالَى شَرَعَ الْفَصْلَ بِالْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فَكَانَ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ شَاذٌّ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَيُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَمْ يَقْضِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ إلَّا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَفِعْلُهُ مِمَّا لَا يُؤْخَذُ بِهِ، فَلَا يَكُونُ هَذَا مُحْتَمَلًا فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَيَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَنْفَسِخُ كَذَا ذَكَر الْإِمَامُ النَّاصِحِيُّ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَرْفَعُ. هَكَذَا ذَكَرَ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي يَعْنِي أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنَّهُمْ لَا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ أُرِقَّهُنَّ فَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ رَأْيُك فِي رَأْيِ عُمَرَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ رَأْيِك وَحْدَك، ثُمَّ أَجْمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ فَكَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِجَوَازِ الْبَيْعِ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ فَيُبْطِلُهُ الثَّانِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا لَمْ يَرْتَفِعْ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ كَانَ قَضَاءُ الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، فَلَا يَفْسَخُهُ الثَّانِي وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ فِي آخِرِ فُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنْ كِتَابِ التَّقْوِيمِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ رَوَى عَنْهُمْ جَمِيعًا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ لَمْ يَجُزْ وَذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْقَضَاءُ اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ بِصِحَّةِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَوْ قَضَى قَاضٍ بِمُتْعَةِ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ إلَى أَجَلٍ، ثُمَّ رَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يُنْفِذْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَسَادِهِ وَصَحَّ رُجُوعُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا آيَةُ الطَّلَاقِ وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ حَرَامٌ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْمُتْعَةِ نَافِذٌ لَكِنَّ هَذَا شَاذٌّ لَا يُعْمَلُ بِهِ، وَهَذَا فِي لَفْظِ الْمُتْعَةِ بِأَنْ قَالَ أَتَمَتَّعُ بِك إلَى أَجَلٍ فَأَمَّا إذَا قَالَ تَزَوَّجْتُك إلَى شَهْرٍ عِنْدَنَا بَطَلَ النِّكَاحُ وَعِنْدَ زُفَرَ يَصِحُّ وَيَبْطُلُ التَّوْقِيتُ فَكَانَ هَذَا مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ اهـ.

ص: 189